التقرير الشهري 10
1 يناير 2016

:تمهيد
:المحتويات
:الملخص التنفيذي
محتويات التقرير
المحور الأول: كيف نصحح النظرة العالمية تجاه الوهابية …؟!!
الورقة الرئيسة: د. منصور المطيري
أولاً: لا وجود لمذهبٍ اسمه الوهابية.
ثانياً: النظرة العالمية لها.
ثالثاً: كيف نصححها؟
التعقيب الأول: د. خالد بن دهيش
التعقيب الثاني: د. عبداللطيف العوين
المداخلات حول القضية
الوهابية وجدلية المصطلح والدلالة
الوهابية بوصفها أيديولوجيا عامة / سياسية
الوهابية والهجوم على المملكة: هل نحن بحاجة إلى تصحيح النظرة أم نفيها بالأساس؟
توصيات لمواجهة الهجوم على الوهابية
مداخلة ختامية
المحور الثاني: تنفيذ الأحكام الشرعية في 47 إرهابياً، وتداعياتها الدولية
الورقة الرئيسة: د. عبدالرحمن الهدلق
التعقيب الأول: أ.د. عبدالرحمن العناد
التعقيب الثاني: م. حسام بحيري
التعقيب الثالث: د. منصور المطيري
التعقيب الرابع: د. إبراهيم البعيز
المداخلات حول القضية
تنفيذ الأحكام الشرعية وموقف المملكة الحازم
الاعتبارات ذات الصلة بتنفيذ الأحكام الشرعية
ردات الفعل الإيرانية
قطع المملكة العلاقات الدبلوماسية مع إيران
مواجهة ردات الفعل المغرضة
الحاجة إلى حملة إعلام بأقلام جادة
المحور الثالث: ملامح الاقتصاد السعودي في ضوء الميزانية الجديدة 2016
الملامح الرئيسة للميزانية
قراءة في أبعاد الميزانية وانعكاساتها على المجتمع السعودي
المحور الرابع: عمل المرأة.. الواقع والتطلعات: مهنة التمريض أنموذجاً
الورقة الرئيسة: د. عبد الله بن صالح الحمود
التعقيب الأول: د. طلحة فدعق
التعقيب الثاني: أ. علياء البازعي
المداخلات حول القضية
ثقافة المجتمع السعودي وعمل المرأة
الإشكالات الأخرى ذات الصلة بعمل المرأة
توصيات وحلول مقترحة
المحور الخامس: العام 2015 من وجهة نظر شباب منتدى أسبار
أ. وليد الحارثي: 2015.. سنة تطور القيادة السعودية
أ. سمير خميس: قليل من الحظ الجيد، وقدر كبير من الأحداث
أ. سعيد الزهراني: (تاريخ) حل.. (تاريخ) ارتحل
أ. عبدالرحمن الطريري: حصاد 2015 في الشأن السياسي
أ. عبدالله آل حامد: الملك سلمان وتدشين مرحلة جديدة
أ. عبدالله بن كدسه: عام 2015 وأحداث متلاحقة
أ. كوثر الأربش: من نافذة امرأة يهمها الوطن، يهمها الإنسان
د. خالد الرديعان: مداخلة ختامية (سنة 2015 ليست ككل السنوات)
المحور السادس: الخصخصة: التحديات ومتطلبات النجاح في الواقع الراهن
الورقة الرئيسة: د. حمد التويجري
التعقيبات: (أ. أسامة كردي/ د. ناصر القعود / د. محمد سالم الصبان / د. سعد الشهراني / أ. مطشر المرشد)
المداخلات حول القضية
التوجه للخصخصة: الإشكالات وحساسية الطرح
خصخصة أرامكو
التخصيص في التعليم العالي
نموذج مقترح لدعم قدرة القطاع الخاص على الاستثمار في التعليم الجامعي للإعلام والاتصال الإنساني
خصخصة الأندية
الخصخصة من الزاوية الاجتماعية
المحور الأول
كيف نصحح النظرة العالمية تجاه الوهابية …؟!!
الورقة الرئيسة: د. منصور المطيري
ثلاثة أسئلة أو أكثر في طيات هذا العنوان الذي وضعه الأخوة الكرام بمنتدى أسبار ولم أضعه. (ولو وضعته لقلت الدعوة الإصلاحية بدلاً من الوهابية) هي:
ما هي الوهابية …؟
ما هي النظرة العالمية لها؟
كيف نصححها؟
الحقيقة أن الموضوع واسع جداً؛ له أبعاد تاريخية وسياسية وعقائدية واجتماعية لا يمكن الإحاطة بها في مساحة ضيقة كهذه.. ولكن سأكتفي ببعض الإشارات..
أولاً: لا وجود لمذهبٍ اسمه الوهابية.
هذه حقيقة ساطعة يصد عنها عمداً المعادون والمناوئون لها قديماً و حديثاً الذين يمكن تحديدهم في:
الدولة العثمانية ككيان سياسي حيث اعتبرتها حينذاك حركة تمرد و خروج عليها.
و في التصوف المنحرف ،
و في التشيع المتعصب ،
و انضم إليهم في العصر الحديث الحركات العلمانية والليبرالية والقومية والاشتراكية التي اعتبرتها حركة رجعية.
وحقيقة دعوة الشيخ محمد بن عبدالوهاب أنها دعوة إصلاحية تجديدية لأصول وأحكام الإسلام التي ضعفت كثيراً وقت نشأتها إلا عند قليلٍ من الناس آثروا عدم مصادمة مجتمعهم حينذاك. يشهد لهذه الحقيقة طبيعة هذه الدعوة التي عبر عنها المصلح الذي تنسب إليه و تلامذته من بعده إلى هذه الساعة ، كما عبر عنها المنصفون الدارسون لها من علماء العالم الإسلامي في اليمن و الهند والمغرب و مصر و الشام و العراق. و لما نجحت هذه الدعوة بعد محاولات مستميتة للقضاء عليها كانت بحق أولى حركات النهضة و التجديد في العصر الحديث فهي الحركة الأم لما بعدها من حركات.
وعلى كل حال فإن حالة التردي التي وصل إليها العالم الإسلامي حينما ظهرت هذه الدعوة الإصلاحية بادية للعيان، شملت الاعتقاد و السلوك و السياسة والاقتصاد ، وفقدت كثير من المجتمعات الإسلامية ( القانون و السلطة ). ومن أبلغ من وصف هذه الحالة المستشرق الأمريكي لوثروب ستودارد في كتابه حاضر العالم الإسلامي الذي ترجمه عجاج نويهض وعلق عليه شكيب أرسلان فقد قال ( في القرن الثامن عشر كان العالم الإسلامي قد بلغ من التضعضع أعظم مبلغ .. انتشر فيه فساد الأخلاق والآداب … واستغرقت الأمم الإسلامية في اتباع الأهواء و ماتت الفضيلة في الناس و ساد الجهل و انطفأت قبسات العلم و انقلبت الحكومات إلى مطايا استبداد وفوضى و اغتيال ..) ج١ ص: ٢٥٩. ثم وصف الدين و ما غشيه من جهل و خرافات وشركيات قائلاً ( .. و نال مكة ما نال غيرهما من سائر مدن الإسلام ؛ فصار الحج المقدس .. ضرباً من المستهزآت ، و على الجملة فقد بُدِّل المسلمون غير المسلمين… فلو عاد صاحب الرسالة إلى الأرض في ذلك العصر .. لغضب و أطلق اللعنة على من استحقها من المسلمين ؛ كما يُلعن المرتدون و عبدة الأوثان ..).
الانحرافات عن الدين الصحيح بدأت مبكراً حينما أهملت الجزيرة العربية من قبل دول الخلافة المتعاقبة. و قد وجدتُ وصفاً معبراً يشير إلى ما أقصد كتبه الرحالة ابن جبير (القرن ٦ هجري) واصفاً أقواما من العرب قدموا إلى مكة من السراة وبعد ثنائه على أخلاقهم و فصاحتهم و شجاعتهم ذكر أنه ليس معهم من الدين إلا حسن النية و صدقها وبلاغة الدعاء فيقول عن صلاتهم مثلاً (و أما صلاتهم فلم يذكر في المضحكات .. أظرف منها فهم يسجدون دون ركوع .. و منهم من يسجد السجدة الواحدة و منهم من يسجد الثنتين والثلاث و الأربع .. و يلتفتون يميناً و شمالاً التفات المروَّع .. و يقومون بلا تسليم و لا جلوس و ربما تكلموا في أثناء ذلك .. وربما رفع أحدهم رأسه من سجوده إلى صاحبه و صاح به و وصاه بما شاء ثم عاد إلى سجوده… ) ص: ١١٢.
لقد لفت انتباهي ملاحظة الليدي آن بلنت لما دخلت شمال الجزيرة حين قالت واصفة أثر الدعوة الإصلاحية ( لقد بدأ المسلمون يصلون لأول مرة ).
لا يعني الوصف السابق أبداً انعدام الممارسات الإسلامية الصحيحة ، و لا يعني عدم وجود العلماء في فترة نشأة الدعوة الإصلاحية .. لكن يعني ضعفها و عدم تأثيرها. يدل على ذلك تكوين الشيخ محمد بن عبدالوهاب نفسه حيث تعلم في نجد و في مكة و في المدينة و في البصرة و في الأحساء ، و لكنه كان يعيب على علماء عصره بما فيهم والده السكوت عن مظاهر الشرك والبدع و الجهل.. و قد كان تأثره كبيراً بكتب ابن تيمية و ابن القيم ثم بعالمي المدينة في ذلك الوقت محمد حياة السندي و محمد بن سيف .. و المعلوم أنه بدأ دعوته في البصرة، و هناك من الدارسين من يقول أنه ألف كتابه التوحيد فيها.
هناك ثلاث مسائل أساسية في الدعوة الإصلاحية أكدت عليها أدبيات الدعوة :
أنها لا تخالف الكتاب و السنة الصحيحة. و أي مخالفة لهما فأول من يرفضها علماء الدعوة . فكان عنوانها المطالبة بالنقل الصحيح و الحجة القائمة على الدليل.
أنها تحارب الشرك و البدعة . و يمكن توضيح هذه النقطة بقول أحد علمائها ( من جعل شيئاً من العبادة لغير الله فقد عبده و اتخذه إلها، و إن فرَّ من تسميته معبوداً أو إلهاً ، و سمى ذلك توسلاً و تشفعاً أو التجاءً و نحو ذلك، فالمشرك مشرك شاء أم أبى. فتغيير الاسم لا يغير حقيقة المسمى و لا يزيل حكمه..).
أنها ترى وجوب الجماعة. أي إقامة كيان يضم المسلمين و يجمعهم .. و كان يُعبر عنها كالتالي ( لا إسلام إلا بجماعة ، و لا جماعة إلا بإمامة و لا إمامة إلا ببيعة و لا بيعة إلا بشورى ..).
أنها تذم التقليد و ترى الاجتهاد بشرط أن يصدر من المؤهل للاجتهاد.
و لا شك أن هناك عناصر أخرى لا يتسع المجال لذكرها..
على كل حال نجحت هذه الدعوة حينما تبناها آل سعود في تكوين هذه الدولة التي ننعم بظلها و نعيش تحت رايتها متآلفين.
تنوعت آراء الباحثين في الاندماج الذي حصل بين الدعوة الإصلاحية والدولة السعودية التي أقامتها. فوصفها البعض بأنها حركة دينية أقامت دولة دينية خالصة.. و وصفها آخرون بأنها حركة سياسية اتخذت الدين وسيلة لتحقيق أهدافها حيث فصلت الجزيرة عن الدولة العثمانية .. و الحقيقة أنها حركة إسلامية تجمع الدين و السياسة. فالدين الإسلامي بطبيعته دين ودولة لا يمكن فصل الأمور السياسية و الاجتماعية والاقتصادية عن دعوته الدينية. و هذه هي طبيعة المملكة العربية السعودية لا يمكن أن تكون إلا كذلك وهذا ما جعل محمد جلال كشك يقول ( ..عندما قامت ثورة الإخوان ، توقع الإنجليز أنها نهاية البيت السعودي .. غير أن البيت السعودي لا يخلع و لا يقلب بل ينتحر بتخليه عن الرسالة ..).
و هذه الحقيقة لا تسعف الدكتور خالد الدخيل في تفسيره لنشأة الدولة السعودية بالبعد السياسي فقط حين قال في كتابه الوهابية ( يمكن القول إن ظهور الحركة “الوهابية “كان بمثابة ردة فعل من قبل مجتمع الحاضرة النجدية تجاه التحديات و الانهيارات التي نجمت عن تصدع القبيلة ، و هي التي كانت تمثل العمود الفقري لبنية المجتمع الحضري السياسية والاقتصادية إلى ذلك الوقت. من هذه الزاوية لا مناص من النظر إلى الحركة الوهابية على أنها جاءت لتقدّم مفهوم الدولة و بنيتها بوصفها البديل الوحيد لبنية القبيلة التي تصدعت و تعرضت للتفكك ، و هو التفكك الذي شكل تهديداً ليس فقط لأمن المجتمع ، و إنما لوجوده كذلك) ص؛٤١
والخلاصة: أن حقيقة دعوة الشيخ محمد بن عبدالوهاب – التي لا تزال حية إلى الآن – هي أنها ليست مذهباً فقهياً و لا عقائدياً جديداً.. بل هي لا تخرج أبداً عن مذهب علماء الإسلام الكبار و أئمته المعروفين العاملين بالدليل. و لذلك فإن هذه الدعوة تسمى بالسلفية و بدعوة أهل السنة و الجماعة وبدعوة التوحيد و غيرها.
ثانياً: النظرة العالمية لها:
حينما نفكك مفردة “العالمية ” نجد أنها تشمل العالم العربي و الإسلامي و العالم غير المسلم و خاصةً الغرب لقوة تأثيره و لمواقفه التاريخية من الإسلام ..
في العالم العربي والإسلامي تبقى الاتجاهات الشيعية و الصوفية و العلمانية معادية لهذه الدعوة يدل على ذلك الأدبيات التي تكتبها هذه الأدبيات .. و في رأيي أن هذه الاتجاهات بدأت تتقارب في جهودها من محاربة هذه الدعوة .. و أرى أن هناك مراكز بحثية ومجالس تُنشأ الآن لهذا الغرض تقوم بتشويه هذه الدعوة لغرض التأثير على الرأي العام. و قد رأيت مواقع متنوعة في الإنترنت مدعومة هدفها محاربة هذه الدعوة . و منها ما سمي بالردود العلمية على الدعوة الوهابية جمعت أكثر من ثلاثة آلاف مؤلف قديم وحديث تهاجم الدعوة الإصلاحية .
و أما العالم الغربي فهو ضد الدعوة السلفية و خصم لها و يتعاون مع القوى المعادية لها في الداخل . صرحت بذلك كثير من الدراسات و المواقف والتصريحات السياسية ؛ كما كشف عن ذلك بعض من عرض عليهم صراحة المشاركة في هذه الحرب. وهذه النظرة العدائية وليدة الرؤية الاستشراقية للإسلام عموماً. و هي رؤية شرَّحها إدوارد سعيد وذكر أنها رؤية نمطية سلبية مغلقة يجري اجترارها و إعادة انتاجها باستمرار . وقد ذكر أحد الكتاب الأمريكان أن الرؤية الغربية للوهابية بنيت على مرئيات الرحالة الغربيين الذين دخلوا الجزيرة العربية خلال عقود ماضية و أن الغرب يبني عليها مواقفه الحاضرة تجاه الوهابية.
هناك دلائل كثيرة تؤكد أن الحرب على الإرهاب هي في حقيقتها حرب على الإسلام بصورته الصحيحة .
أنقل هنا جزءاً بسيطاً من الآراء التي يطرحها بعض الساسة و أصحاب الرأي من الغربيين :
كتب المفكر الاستراتيجي الأمريكي “فوكو ياما” – في العدد السنوي “للنيوز ويك” (ديسمبر 2001 م – فبراير 2002م)، يقول: “إن الصراع الحالي ليس ببساطة ضد الإرهاب، ولكنه ضد العقيدة الإسلامية الأصولية، التي تقف ضد الحداثة الغربية وضد الدولة العلمانية، وهذه الأيديولوجية الأصولية تمثل خطرا أكبر من الخطر الشيوعي، والمطلوب هو حرب داخل الإسلام، حتى يقبل الحداثة الغربية والعلمانية الغربية والمبدأ المسيحي “دع ما لقيصر لقيصر وما لله لله”!.
فسر الرئيس الأمريكي الأسبق “نيكسون” في كتابه “الفرصة السانحة” مراد الأمريكان من “الأصولية الإسلامية”، فقال: “إنهم هم الذين يريدون بعث الحضارة الإسلامية، وتطبيق الشريعة الإسلامية، وجعل الإسلام دينا ودولة، وهم وإن نظروا للماضي فإنهم يتخذون منه هداية للمستقبل، فهم ليسوا محافظين، ولكنهم ثوار”!.
و قالت “مارجريت تاتشر” – رئيسة الوزراء البريطانية الأسبق – : “إن تحدي الإرهاب الإسلامي إنما يشمل حتى الذين أدانوا أحداث 11 سبتمبر وابن لادن وطالبان، يشمل كل الذين يرفضون القيم الغربية، وتتعارض مصالحهم مع الغرب”!.
وكتب المستشرق الصهيوني “برنارد لويس” في “النيوز ويك” (عدد 14 يناير 2004) يقول: “إن إرهاب اليوم هو جزء من كفاح طويل بين الإسلام والغرب، فالنظام الأخلاقي الذي يستند إليه الإسلام مختلف عما هو في المسيحية واليهودية الغربية، وهذه الحرب هي حرب بين الأديان”.
هذه الآراء و مثلها الكثير الكثير توضح طبيعة النظرة وأنها عدائية متأصلة.
ثالثاً: كيف نصححها؟
هذا موضوع كبير جداً جداً.. أختصره في نقاط سريعة كلها ترتكز على تصحيح الوضع الداخلي، وأكرر الوضع الداخلي ..
لا يمكن أن يكون التصحيح بالدعوة إلى الفصل بين الدعوة و الدولة .. فهدا انتحار و جهل .. و إنما يكون بتطبيق المبدأ الشرعي الصحيح الذي سارت عليه الدولة السعودية من نشأتها حتى الآن و هو العمل وفق شرطي المصلحة و القدرة .. بمعنى العمل لتحقيق المصلحة على ضوء الوسع و الطاقة .. و هذا مبدأ راسخ في الشريعة .. و هناك أمثلة كثيرة من عهود الدول السعودية الثلاث.
أحد التحديات الحقيقية التي تواجه المملكة كيف يمكن تشكيل اتجاه عام موحد لا يقع في مصيدة التناقض و التصادم بين الرؤى المختلفة، و في نفس الوقت يمارس الاجتهاد داخل هذا الإطار العام. هذا التحدي لا تقع مواجهته على العلماء فقط و لا على القيادة السياسية فقط و لا على المجتمع بشكل عام الذي أصبح يساهم في تشكيل الرأي العام عن طريق الملكية الخاصة لوسائل الإعلام أو عن طريق شبكات التواصل الاجتماعي ؛ التحدي يقع على الجميع مع اختلاف النسب. و إذا أمكننا اعتبار الدولة السعودية أقرب إلى نمط الدولة المنتشرة الوظائف ” حيث إن الدولة هي فوق كل شيء، و يمكن تالياً أن تتداخل في كل مناحي الحياة سلباً أو إيجاباً. فهي فوق المجتمع المدني و تتسود عليه “. الخضر :ص: 42، فإنه لا يمكن توقع ما تؤول إليه حال الدعوة الإصلاحية دون معرفة موقف السياسة الحكومية منها .. و لعل أهم خطوة يجب اتخاذها الآن هي توحيد الخطاب والقضاء على تلك الثنائية في صناعة الفكر التي ميزت المملكة من بداية التسعينات الهجرية و القائمة على قسمة المجال الفكري بين قطاعين ديني و ثقافي .. يجب أن يكون المنبر واحداً و أن يتاح للجميع التحدث من هذا المنبر و منع احتكاره من قبل اتجاه واحد .. لقد أصبح لدينا صنفان: مثقف ؛ و عالم دين ، يصنعان اتجاهين متناقضين، و أصبح مصطلح المثقف رديفاً لمصطلح الليبرالي و كأنما هما وصفان لموصوف واحد كما لاحظ ذلك الكاتب الفرنسي لاكروا.. اطلعت على البرنامج الثقافي المصاحب لمعرض كتاب جدة فوجدت اتجاها فكريا أحاديا يهيمن على هذا المنبر .. المنبر يجب أن يكون متاحاً لوجهات النظر المختلفة على قدم المساواة في إطار من المسؤولية التي يجب أن تحدد معالمها الأساسية داخل المصلحة العامة و المقطوع به من أحكام الشريعة ، مع احتفاظ المثقف بدوره و العالم بدوره مع السير بالمجتمع في نفس الاتجاه.
وجود هذا الانقسام معناه وجود مشروعين لا مشروع واحد يتجاذبان البلد .. بينما يحتاج الوطن مشروعاً واحدا يتحدث بآماله و آلامه .. هذا التوجه يمزق المجتمع و قد يقضي عليه .. و يولد الانغلاق عند الفريقين و يجعل التفاهم مستحيلا .. و يجعل اللغة اتهامية و تخوينية .. و هذا لا يسعف أحدا سياسياً كان أو مثقفاً أو عالم دين في رسم صورة إيجابية عن الدعوة و الدولة ..
الصورة الإيجابية تبدأ من الداخل ثم هناك عشرات الآليات و المشروعات التي تخلق انطباعاً حسناً وحقيقياً عن الدعوة و الدولة.
للسلفية و الدعوة الإصلاحية أصول لم تتولد من فكر بشري و لا ظرف تاريخي و إنما تعتمد على وحي إلهي محفوظ في نصوص الكتاب و السنة الصحيحة.. و لذلك فإن من الأهمية بمكان معرفة هذه الأصول الثابتة .. و يكون إحداث التغيير عن طريق هذه الأصول .. و للتمثيل ( في المسألة الاجتماعية ) فإن الفقهاء قديماً و حديثاً كانوا مختلفين في حد الحجاب هل يشمل الوجه أم لا ؟ وقد ساد الرأي القائل بوجوب تغطيته لأدلة موجودة و قوية .. لكن الشيخ الألباني أشهر الرأي الآخر و دافع عنه بالدليل الشرعي والحجة و رأى أن المرأة المسلمة المعاصرة لا يناسبها إلا هذا الرأي، و استطاع بذلك نقل هذا الرأي من الكتب إلى الواقع .. هذا المثال في نظري يصلح أنموذجاً لآليات التغيير بشرط عدم الاعتقاد ثم الاستدلال .. بل النظر في الأدلة أولاً و دلالتها ثم المطالبة بتغيير ما يخالف الدليل .. و من ذلك مثلاً مسألة قيادة المرأة للسيارة ..
هناك قضايا جزئية كثيرة في الموضوع؛ منها:
أهمية دعم و إيجاد المؤسسات والقنوات العلمية الرسمية و غير الرسمية التي تساهم في البناء المعرفي الجاد للمثقف المسلم الذي يكون قادراً على صناعة الأفكار و ضبط الأصول التي ينطلق منها في بناء المشاريع الإصلاحية .. و من ذلك أن يتضمن هذا البناء المعرفي خلق مكنة وقدرة عند المثقف المسلم وطالب العلم تمكنه من معرفة المذاهب كما هي في حقيقتها لا كما يحب أن يراها هو ..
لتحقيق التواصل و الانتشار في العالم العربي والإسلامي تأتي أهمية التوسع في المنح الدراسية للعرب والمسلمين . و أهمية إعادة تفعيل العمل الخيري..
الدعوة الإصلاحية بما فيها الدولة أمام تحديين كبيرين : الجماعات التكفيرية .. و الليبرالية المتحررة. الموقف الحازم و الشديد من الأولى يرضي الغربيين ويسعدهم و يجعلهم يهدون لنا الورود.. و الموقف الحازم من الثانية يغضب الغربيين ، و يشكل وقودا لإعلامهم ، و وسيلة للضغط السياسي و الإعلامي على المملكة . و لذلك فإننا بحاجة إلى أمرين :
أنظمة عادلة و فاعلة تبين حدود الحركة لكل صاحب رأي مع قضاء عادل و شفاف.
مسؤولون جريئون و أذكياء في مواجهة الإعلام الغربي ، و مواجهة السياسيين الغربيين و من لف لفهم.
التعقيب الأول: د. خالد بن دهيش
أجاد د. منصور المطيري في تغطية القضية إجادة تامة ، فقد غطى موضوع القضية بشمولية تعطي القارئ صورة شاملة عن الحركة الإصلاحية الإسلامية ( الوهابية ) كما يطلق عليها معارضيها منذ نشأتها لتعارضها مع توجهاتهم نحو المنطقة وأهدافهم السياسية.
وللتاريخ فمن أعترض على هذه الدعوة الإصلاحية وسعى للخلاص منها والي مصر محمد علي باشا وأولاده الذين دمروا الدرعية مهد الدعوة وهدموا سورها وقتلوا من فيها والمدن التي مروا بها والتي تدين بالولاء للدرعية وأنهوا بذلك الدولة السعودية الأولى عام 1226 هجرية (التي حكمت أجزاء واسعة من شبه الجزيرة العربية لمدة 80 عاماً) وذلك بسبب مناصرتها للدعوة الإصلاحية.
وأنه من المؤسف أن هذه الحملة الشرسة لم تقدم البديل بل أعادت المنطقة إلى الفوضى والجوع والتقاتل بين القبائل حتى أتى الإمام تركي بن عبد الله من الأسرة السعودية الذي أسس الدولة السعودية الثانية التي ناصرت الدعوة الإصلاحية فألتزم بالدعوة وناصرها حتى ضعفت الدولة السعودية الثانية لأسباب ليس المجال لذكرها هنا.
ثم أعاد أحد أبناء الأسرة السعودية مجد هذه الدعوة الإصلاحية وأسس الدولة السعودية الثالثة وهو الملك عبد العزيز بن عبد الرحمن الفيصل رحمه الله ومن بعده أبنائه الملوك سعود وفيصل وخالد وفهد وَعَبَد الله رحمهم الله ثم خادم الحرمين الملك سلمان حفظه الله .
لقد شُوهت الدعوة الإصلاحية ونسبت لها الأعمال الإجرامية والإرهابية التي تبنتها جماعات باسم الإسلام وهو برئ منها.
ولتصحيح هذه النظرة السلبية عن الدعوة الإصلاحية فأنني أضيف لما جاء بالورقة الرئيسة الآتي:
إعادة كتابة التاريخ بتصحيح المغلوط عن هذه الدعوة وإظهار الدور الإيجابي والحقيقي لها في بناء دولة قوية خدمت الإسلام والمسلمين و وفرت الأمن والأمان للمسلمين الذين يؤدون أحد أركان الإسلام ( الحج والعمرة ) وشٓرُف ملك المملكة العربية السعودية بإطلاق لقب خادم الحرمين الشريفين عليه ، وأصبح كل حرم يتسع لثلاثة ملايين مصل في أن واحد. وإقامة العدل ونشرة التعليم وأرست أركان الدولة العصرية حيث أخذت بالتحديث والتطوير في كافة مناحي الحياة و وفق احتياجات المجتمع. وهذا الدور ( إعادة كتابة التاريخ ) أرى أن تقوم به الجامعات السعودية و دارة الملك عبد العزيز ومراكز الدراسات و الأبحاث الرسمية والخاصة.
حُسن استغلال الإعلام بكافة وسائله وأساليبه وخاصة الإعلام الجديد الرسمي والتجاري مع التركيز على تجديد الخطاب الديني الثقافي وإخراجه من الخطاب الظلامي واللاعقلاني والانعزالي والمتطرف والتحريمي … الخ ، لقد أضر هذا الخطاب بسمعة الإسلام والمملكة أيما أضرار .
حيث تحاول الكثير من وسائل الإعلام الربط بين أحداث الحاضر التي وقعت من عمليات إرهابية وتفجيرات ، وبين الدعوة الإصلاحية؛ فأصبح تناوله دارجاً بين ثنايا الكثير من الكتاب والمحللين والسياسيين خاصة ممن يكنون العداء والكراهية للمملكة وفق نهجهم الطائفي والفكري أو عن جهل بحقيقة الدعوة الإصلاحية للشيخ محمد بن عبد الوهاب والتي أطلقوا عليها (الوهابية) . كما هو في الماضي حيث التبس الأمر على كثير من الكتاب بين دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب و دعوة عبد الوهاب بن عبد الرحمن بن رستم ابن مؤسس الدولة الرستمية على المذهب الأباضي التي أسست في بلاد المغرب العربي ( ليبيا، تونس، الجزائر ) بين عامي ٧٧٦- ٩٠٩ ميلادي والتي أطلق عليها الدعوة الوهابية من قبل أهل السنة والجماعة في بلاد المغرب.
تحميل الغرب جزء من مسؤولية الإرهاب حيث تَركوا المساجد في بلادهم لبث الأفكار المتشددة والجهادية لمن هب ودب ممن لا يعرفون حقيقة الإسلام الصحيح دين السلام والتسامح والمحبة والسلام ، ففسروا القرآن الكريم وأحاديث الرسول وفق أهوائهم وبما يتناسب مع خططهم الجهادية الإرهابية فهم لم يدرسوا الإسلام الصحيح كما أنهم لم يتعلموا في مؤسسات التعليم السعودية حتى تدان المملكة بالمساهمة بانتشار الإرهاب ف عبد الحميد اباعود العقل المدبر لاعتداءات باريس درس في إحدى مدارس بلجيكا الرسمية ومثله كُثر الذين وجدوا الساحة متاحة لهم باسم حرية الأديان و حقوق الأنسان فأساءوا للإسلام و للدولة الخادمة للإسلام والمسلمين المملكة العربية السعودية ببن مجتمع يجهل حقيقة الإسلام الصحيح و وجد أعداء المملكة ضالتهم فسخروا المنابر و الأقلام ضد المملكة ظناً منهم أن هذا هو الإسلام الصحيح الذي ترعاه المملكة. وبالتالي لابد من التعاون الرسمي مع تلك الدول الغربية لتوضيح الحقيقة ومساعدتهم في متابعة المتطرفين.
توضح الإحصائيات الموثقة الصادرة من المنظمات الغربية أن أكثر عناصر داعش عدداً يحملون الجنسية التونسية ويقدر عددهم بثلاثة آلاف شخص درسوا في مدارس تونس التي تراقب من قبل النظام التونسي السابق الذي عُرف بشدته الأمنية فأصبحوا في فترة وجيزة متطرفين فليس لدعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب أو للمملكة أي تأثير عليهم ، بالتالي لن يتأتى القضاء على الإرهاب دون إخماد الحرب في سوريا وتجفيف منابع الطائفية البغيضة التي أوجدتها إيران في سوريا والعراق ولبنان واليمن.
التعقيب الثاني: د. عبداللطيف العوين
الشيخ محمد بن عبدالوهاب أحد العلماء الذي أخذ على عاتقه تجديد الدعوة إلى الله والعودة الصادقة الواعية إلى الحقيقة الإسلامية من مصدريها الثابتين الخالدين: الكتاب، والسنة الشريفة، والتخلص من شوائب العقيدة، وذلك في النصف الثاني من القرن الثالث عشر وقد ركزت دعوته على تصحيح العقيدة الإسلامية في فكر المسلمين، وتطهيرها من مظاهر الشرك ومجالات التوسل والشفاعة والاستغاثة والانحرافات والخرف والبدع ومنها الاحتفال بالمولد النبوي. كما أنها أبرزت باب الاجتهاد وعدم التعصب لمذهب معين مع أهمية إحياء فريضة الحسبة والجهاد وفق أصول الدين الحنيف الوسطي. وقد انطلقت دعوته في نجد وانتشرت في اليمن والشام والمغرب والعراق ومصر والهند وغيرها، ويمكن تلخيص ذلك كله من خلال ما قاله الشيخ رحمه الله عن دعوته في مؤلفاته (36/5) ” ولست – ولله الحمد – أدعو إلى مذهب صوفيٍّ أو فقيهٍ أو متكلمٍ أو إمامٍ من الأئمة الذين أُعظمهم … بل أدعو إلى الله وحده لا شريك له، وأدعو إلى سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم التي أوصى بها أول أمته وآخرهم، وأرجو ألا أرد الحق إذا أتاني، بل أُشهد الله وملائكته وجميع خلقه إن أتانا منكم كلمة من الحق لأقبلنها على الرأس والعين، ولأضربن الجدار بكل ما خالفها من أقوال أئمتي، حاشا رسول الله صلى الله عليه وسلم فإنه لا يقول إلا الحق، وأنا ولله الحمد متبع ولست بمبتدع” ويقول رحمه الله ” أنا أدعو من خالفني إلى أربع: إما إلى كتاب الله، وإما إلى سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإما إلى إجماع أهل العلم، فإن عاند دعوته إلى المباهلة ( الدرر السنية 55/1 ) انتهى.
هناك فرقة يطلق عليها الوهابية – خرجت قبل دعوة الشيخ محمد بن عبدالوهاب- وهي فرقة خارجية أباضية أسسها عبدالوهاب بن عبد الرحمن بن رستم المتوفى عام 197هـ ، وسميت باسمه وهابية، بمدينة تاهرت بالشمال الأفريقي ، لما أحدثت في المذهب من تغيرات ومعتقدات، وكانت تكره الشيعة بقدر كراهة أهل السنة كما أن هذه الفرقة عطلت الشرائع الإسلامية، وألغت الحج، وحصل بينها وبين معارضيها حروب.”(الفرق الإسلامية في شمال أفريقيا ترجمة عبدالرحمن بدوي لمؤلفه الفرنسي ~ الفردبل )
الدعوة الإصلاحية للشيخ محمد بن عبدالوهاب التي تمت كتجديد للدين في وقتها لم تكن دعوة مستقلة تهدف إلى إيجاد حركة أو حزب أو فرقة مخالفة تستقل بحكم أو تدين جديد، بل كانت دعوة تصحيحية بمساندة ومعاضدة من إمام المسلمين في حينه محمد بن سعود، وهو من بيت علم رفيع حيث كان والده الإمام سعود فقيه في الدين، مما يجعله يقف بكل وضوح على أهداف تلك الدعوة الصحيحة التي تخص توحيد الله ونشر الدين الصحيح، تحقق لها أركان النجاح حيث لا استقرار للدولة بدون دين صحيح معتدل ولا دين بلا دولة تحميه، واستمر ذلك حتى الدولة السعودية الثالثة في ظل رعاية مؤسسها الملك عبدالعزيز – طيب الله ثراه – وأبنائه البررة من بعده حتى العهد الميمون عهد الملك سلمان.
مهاجمة الشيخ محمد بن عبدالوهاب لم تكن وليدة العصر الحاضر بل كانت منذ نشأتها سعيا لإبطالها فقد هوجمت بأكاذيب واتهامات باطلة تناقضها كتب ورسائل الشيخ محمد بن عبدالوهاب رحمه الله منها أنها جاءت بمذهب خامس وأنها لا ترى ختم النبوة ولا أحقية الشفاعة ولا تحب أهل البيت ولا تنزلهم منزلتهم التي تليق بهم ، وأنها تكفر عامة المسلمين.
المملكة العربية السعودية دولة حباها الله ، بالإضافة إلى حمل راية الإسلام الصحيح المعتدل وولاة أمرها من آل سعود، بعنصرين عظيمين هما : الأول الريادة والقيادة الإسلامية وخدمة الحرمين الشريفين وكتاب الله الكريم ، والثاني الأمن والاستقرار جراء قوة اللحمة الداخلية بين الشعب وولاة الأمر. وهذا يثير كل من لا يود لهذه الدولة الخير، سواء كان لأغراض سياسية أو مطامع اقتصادية أو توجهات دينية منحرفة ( مغالية أو منحلة ) ، مما جعل تلك الفرق تجتمع على كيفية سلب ما تتميز به المملكة العربية السعودية ليحقق كل هدفه – أعجزهم الله – ، وذلك من خلال رسم صورة ذهنية – مستغلة سوء وسم الوهابية الأباضية – بأنها دعوة خاصة بالدولة السعودية تخالف الدين الحنيف وتنادي إلى الإقصاء والتفرد وبالتالي لا تستحق أن تمثل المسلمين وقيادتهم ، وتشكك داخليا بها لخلق انقسامات تفتت اللحمة التي تميزت بها.
الأمر الذي يحتاج التركيز عليه هو كيف يمكن أن تكون برامجنا الوقائية دينيا و تربويا وإعلاميا واجتماعيا حتى لا يتأثر من داخل المملكة بهذه الدعوات ليكون أداة تعمل على نقض عرى هذه اللحمة أو شاهدا مسخرا على عدم استحقاق المملكة العربية السعودية بقيادة الأمة الإسلامية؛ لذا من الأهمية بمكان أن تنشر ثقافة الحوار بين الفئات كافة وفق منهج و آداب الخلاف التي حددتها كتب الفقه المتخصصة و المستقاة من الشريعة السمحة وأن يكون لدينا اتفاق على ذلك حيث أن نقاط الاختلاف التي تجري حاليا يمكن تجاوزها إذا ضبطت جودتها وفق معايير فقه الخلاف.
المداخلات حول القضية
الوهابية وجدلية المصطلح والدلالة
بنظر د. حاتم المرزوقي فإن الهدف من إطلاق هذا الاسم على دعوة الشيخ محمد بن عبدالوهاب هو لتشويه صورتها وإيهام الناس أن هذا دين جديد وفكر مختلق يراد بها أنها تنتسب لرجل مخترع ديناً جديداً ، على غرار المزدكية نسبة لمزدك ، والمانوية نسبة لماني ، والزرادشتية نسبة لزرادشت ، والبهائية نسبة للبهاء عباس ، ومن ثم يقولون للناس هذه حركة وهابية نسبة لمؤسسها محمد بن عبد الوهاب ، حتى ينفِّروا الناس منها ، وهذا ما حدث مع كثير من الناس وللأسف الشديد.
إن هذا الاسم لم يطلق بشكل عفوي أو اعتباطي ، بل أتى بعد مراجعة وتخطيط من خصوم المملكة، والحقيقة أنه كان في القرن الثاني الهجري دولة لبعض الخوارج في شمال أفريقيا ، اسمها (الوهابية) نسبة لمؤسسها عبد الوهاب بن عبد الرحمن بن رستم ، وكانت حركة سيئة للغاية ، حاربت أهل السنة ، وأبغضت أهل السنة والشيعة معاً ، وعطلت السنة النبوية ، كما عطلت فريضة الحج ، فمقتها سائر المسلمين ، وهاجمها كثير من علماء الأندلس والمغرب وعلماء الشرق.
وخصوم المملكة وكارهوها يريدون أن يلصقوا هذه التهمة بدعوة الشيخ محمد بن عبدالوهاب الإصلاحية التي جميعنا نفخر ونعتز بها.
وأضاف: افتخر بدعوة الشيخ محمد بن عبدالوهاب ومن اعتزازي بها وبكل هذا لا أرى الانسياق وراء تسميتها بالوهابية. هي دعوة الشيخ محمد بن عبدالوهاب.. خصومنا أطلقوا عليها “الوهابية” وهي لا تعكس فكرها أصلا.. هي دعوة إصلاحية قامت على دعوة الناس للتمسك بآداب الإسلام على منهج الكتاب والسنة وعلى نهج السلف الصالح.. فكيف تصبح هي بذاتها فكرا ندعو له وهي ما أتت إلا لإصلاح الدعوة لغير الإسلام.
ويرى د. عبد الله بن صالح الحمود أنه لا ضير أن تطرح مفردة ( وهابية ) لأنها مفردة مقرونة باسم صاحب الدعوة ، مثل ما نردد دوما قال الشيخ ابن باز والشيخ ابن عثيمين ، وربما نطلق مصطلح عليهما كمثل ( البازية / العثيمينية ).
كيف نرفض أن ما جاء به الشيخ محمد بن عبدالوهاب ليس فكر ، ونقول أنها حركة ، الحركة في الأصل نابعة من ( فكر ).. مفردة حركة تعني في علم الاجتماع ، إحداث شيء لم يسبق حدوثه أو أتى بصورة أوضح سواء قول أو عمل.
وتساءل د. خالد بن دهيش: المؤرخون (تقريب) أطلقوا عليها دعوة تصحيحية لمجتمع خرج عن تعاليم الإسلام الصحيح (وهي الحقيقة)، فلماذا نطلق عليها حركة أو فكر؟
وبدوره أوضح د. عبد الله بن صالح الحمود: نطلق عليها حركة ، لما تحمله دعوة أو رسالة الشيخ محمد بن عبدالوهاب، من إحداث شيء وإن كان ليس بالجديد بحكم كون الإسلام سابق لظهور الشيخ ، إنما لدوره الفاعل التصحيحي يعد ما قام به الشيخ هو ( حركة ) وهي مفردة لا تعيب على الشيخ بل تعبر عن نضال قويم انتشر خيره بين الناس.
وقال د. حمزة بيت المال: لا مشاحة في الوصف ولو أن حركة أقرب لطبيعتها .. والنسبة وهابية أيضا لا إشكال فيها .. كل المجتمعات بها حركات نسبة لمرجعها .. المشكلة لدينا هو السياق الذي ألصق بها ..
التشدد ومعارضة العصرية خصوصا في بعض معطيات العصر.. العقيدة المعاصرة هي التغيير وحقوق المرأة .. هذه في جلها بحسب ما يراه مفسري الحضارة المعاصرة تعارضها الوهابية…لذلك فإن هجوم مثقفيهم يأتي من هذه المنطلقات.
وأشار د. حاتم المرزوقي إلى مقال للملك سلمان حفظه الله في صحيفة “الحياة” اللندنية، يوضح الفكرة وكيف أن المصطلح هو محل الاختلاف. وجاء نص مقال الملك سلمان حفظه الله كما يلي: اطلعنا على ما نشرته صحيفة “الحياة” في عددها الصادر في يوم الاثنين 29 آذار (مارس) 2010، إذ نشرت مقالاً جيداً بعنوان “الدعوة الوهابية” للدكتورة بصيرة الداود، ومقالاً في يوم الاثنين 12 نيسان (أبريل) 2010 للكاتبة نفسها بعنوان “أمانة التاريخ بين الشيخ الإباضي والشيخ السلفي”، وتعقيباً في يوم الخميس 15 نيسان 2010 لخليل بن عبدالله الخليل بعنوان “نظرية الشويعر ليس لها أساس”.
وحيث تناولت هذه المقالات سبب تسمية دعوة الشيخ محمد بن عبدالوهاب بالوهابية والرأي حيال ذلك، وإشارة إلى ما ذكرته عن الدعوة في حديثي السابق في مناسبة حفلة رفع أكبر علم للمملكة العربية السعودية في الدرعية في شأن دعوة الشيخ محمد بن عبدالوهاب ومبادئها الصحيحة.
فإنه من المناسب أن أوضح للقارئ أن بعض الكتابات يخلط بين وصف الدعوة بالوهابية وبين المصطلحات الأخرى، اعتقاداً بأن الأمر يتعلق بالمصطلح فقط، بينما الحقيقة هي أن دعوة الشيخ محمد بن عبدالوهاب – رحمه الله – التي أيّدها وناصرها الإمام المؤسس محمد بن سعود – رحمه الله – واستمر على ذلك أبناؤه وأحفاده إلى يومنا هذا، إنما هي دعوة للعودة إلى مبادئ الدين الإسلامي كما جاءت في الكتاب والسنة النبوية الشريفة.
وبإمكان أي منصف أن يطلع على رسائل الشيخ محمد بن عبدالوهاب وكتاباته، ليتبيّن له عدم وجود جديد في تلك الدعوة يخالف الكتاب والسنة ويخالف منهج السلف، وما هي إلا دعوة إلى العودة إلى الأصول الصحيحة للعقيدة الإسلامية الصافية التي هي أساسها ومنطلقها.
والقول بأن وصفها بالوهابية هو شيء طبيعي ليس صحيحاً، لأن أساس تلك التسمية في الغالب انطلق لأجل التشويه والإساءة.
أما ما يتعلق بما ذكره الدكتور محمد الشويعر من أن أعداء الدعوة استخدموا تلك الحركة التي قادها عبدالوهاب بن رستم والتي اتسمت بسمات خارجة عن الأصول الدينية المعروفة، والغرض من ذلك تشويه سمعة الدعوة ومبادئها لدى المسلمين في بلاد المغرب العربي، فإن هذا التفسير يعد واحداً من تفسيرات عديدة لأسباب إطلاق اسم “الوهابية” على الدعوة. ورفض هذا التفسير ليس مناسباً، لأن الحملة التي قصد بها تشويه دعوة الشيخ محمد بن عبدالوهاب الإصلاحية كانت واسعة النطاق بما في ذلك منطقة المغرب العربي، ولكنه ليس التفسير الوحيد.
أما ما ذكره الكاتب خليل الخليل من أن مصطلح “الوهابية” يماثل ما نُسب إلى المذاهب الأربعة، فهذا في رأيي غير صحيح، لأن القول بهذا الأمر هو القول بأن ما جاء به الشيخ هو مذهب جديد، كما أن الشيخ يستند في فتاواه وآرائه على المذاهب الأربعة. وما ذكره الكاتب من أن “الوهابية” أصبحت وجهاً آخر للسلفية فهذا غير صحيح أيضاً، لأن السلفية الصحيحة هي ما كان عليه السلف الصالح من منهج ملتزم بالكتاب والسنة، ودعوة الشيخ محمد بن عبدالوهاب هي عودة إلى ذلك المنهج ولم تستخدم السلفية لأغراض حزبية أو اسمية كما شاع في عصرنا الحديث، للأسف الشديد.
كما أقحم الكاتب خليل الخليل في تعقيبه قضايا أخرى مثل رأيه أن هناك حاجةً إلى إصلاح مضامين وممارسات السلفية التي أساسها دعوة الشيخ محمد بن عبدالوهاب من الداخل، وهنا نتساءل: كيف نطالب بإصلاح مضامين الدعوة وهي تلك المضامين التي نادى بها القرآن الكريم والسنة النبوية؟
إن دعوة الشيخ محمد بن عبدالوهاب ليست منهجاً جديداً وليست فكراً جديداً، وأكرر هنا المناداة بأن من يستطيع أن يجد في كتابات الشيخ ورسائله أي خروج على الكتاب والسنة وأعمال السلف الصالح فعليه أن يبرزه ويواجهنا به.
لذا أدعو الكُتّاب والباحثين إلى عدم الانسياق وراء من ينادي بالوقوع في فخ مصطلح “الوهابية” وأنه مجرد مصطلح بينما يتناسى هؤلاء الهدف الحقيقي من وراء نشر هذا المصطلح للإساءة إلى دعوة سلفية صحيحة ونقية ليس فيها مضامين تختلف عما جاء في القرآن الكريم وما أمر به نبيه محمد (صلى الله عليه وسلم)، بخاصة أن هذا التشويه جاء من جهات متعددة لا يروق لها ما تقوم به تلك الدعوة الصافية من جهة، وما أدت إليه من قيام دولة إسلامية تقوم على الدين أولاً وتحفظ حقوق الناس وتخدم الحرمين الشريفين، وهي الدولة السعودية التي مكنها الله في هذه البلاد لتخدم المسلمين جميعاً وتحافظ على هذا الدين، لأنها قامت على أساسه ولا تزال.
وأوضح د. فهد الحارثي أن رأي الملك سلمان المنشور في صحيفة بعينها إنما نشر بصفته ” تعقيبا” وحوارا مع كتاب وباحثين آخرين ، فهو قابل لأن يكون هناك آراء أخرى ، ولو أراد حفظه الله أن يكون قوله ملزما للباحثين أو للكتاب لكان اختار شكلا آخر لنشره وتعميمه (مرسوم أو أمر مثلا) .. نحن في هذه الحالة أمام سلمان المثقف.
ولا أعتقد أن لنا فكاكاً من الوهابية وهذا لم يعد أمراً يخصنا وحدنا بحيث نقرر الإلغاء من عدمه ، إنه يخص العالم كله الذي يردد مصطلح الوهابية ، والأسلم في هذه الحالة أن لا نرتاب من المصطلح بل لا مانع من أن يقال عن دعوة الشيخ بأنها وهابية نسبة إليه ، ثم نسعى بالتالي إلى تطهير المصطلح وتنقيته مما ألصق به من تهم غير صحيحة وكذلك التفريق بينه وبين غيره من الحركات القديمة المشبوهة.. لقد تعمدت أن استخدم صفات متعددة : دعوة ، حركة ، الخ.. لأنه لا مشاحة في المصطلحات.
وبدوره أوضح أ. مسفر الموسى أن لدينا توجهين عامين فيما يخص قضية الوهابية ولعلهما متناقضين.. الأول؛ أن الوهابية لم تكن سوى دعوة إصلاحية تجديدية.. ثم ما نلبث إلا أن نتمثلها – وهذا التوجه الآخر المناقض- سلوكيا برفض كل مختلف ومخالف وكأنها عقيدة.. لقد ساد خطاب وصف الجزيرة بما فيها أهل مكة والمدينة والأحساء والحجاز بالجهل والبدع،، بل والشركيات.. مع العلم بأن علماء الدين لم ينقطعوا في تلك الفترة وإنما بدعوى الاختلافات المذهبية تم تكريس هذا الخطاب..
نحن من يكرس تحجيم الإسلام العظيم في مسميات محدودة.. والسؤال المهم: هل نحن ملزمون بمسميات (الوهابية) و (السلفية) ونحوها والدفاع عنها حتى تصبح اتجاه ديني داخلي له حدوده ضمن الإطار العام للإسلام.. أم أن الأولى أن نبقى مظلة إسلامية عامة تحوي كل الاختلافات الفقهية والمذهبية، باعتبار موقعنا الإسلامي كدولة.. وباعتبار المقدسات التي يفد إلينا بسببها المسلمون على اختلاف مشاربهم؟
نحن من خلق أزمة الإطار.. وسيأتي الوقت الذي لا نستطيع الخروج منه.. وإن أردنا.
وقال أ. عبدالله الضويحي: لعلنا نتفق جميعا على أن الوهابية ليست مذهبا بقدر ماهي دعوة أو حركة إصلاحية هدفها تجديد الدين وتنقيته مما علق به من شوائب وتقديمه بصورته الصحيحة التي جاء بها محمد صلى الله عليه وسلم وبالتالي فإن المشكلة ليست في جوهرها ولا في من تبناها بقدر ما هي في بعض من متلقيها وتابعيها وكذلك أعدائها ممن يرون فيها ونجاحها عودة الإسلام الصحيح كرسالة ومنهج حياة.
بحثت في قواميس اللغة عن المعنى اللغوي والاصطلاحي لمفردة “حركة” وما يشابهها وأيضا مفردة “دعوة” فوجدت أنها تعبر عما قام به الشيخ محمد بن عبدالوهاب لذلك ليس مهما التركيز على الصفة قدر تركيزنا على المضمون.
أما الأكثر أسى فهو ما وجدته في الموسوعة الحرة “الويكيبيديا” من تعريف لها من أنها “حركة مذهبية وسياسية سميت بهذا الاسم لأنها انتسبت لمحمد بن عبدالوهاب الذي قام بالدعوة ونشرها لكن أتباع المذهب لا يسمون أنفسهم وهابيين”.
ويتضح من التعريف شخصية مصدره وبالتالي هدفه دون أن أجد تصحيحا لذلك أو تعريفا يعبر عن حقيقتها والـ ” الويكيبيديا” وإن كانت ليست مصدرا رسميا يعتمد عليه لكنها تظل تؤثر في الرأي العام ويعتمد عليها البعض.
ولم يخل الإنترنت أيضا من مغالطات حول الدعوة وحول الشيخ نفسه وفي بعضها جاء أن ظاهرها إخلاص التوحيد لله وباطنها تمزيق المسلمين وإثارة الفتن والمشكلة أن هذا ليس مقصورا على الخارج بل إن هناك من الداخل من يتبنى بعض هذه الأفكار ويروج لها وهذا واضح في تويتر وبعض الكتابات وبأسماء صريحة وليست معرفات مجهولة وفي بعض اللقاءات الاجتماعية.
والمشكلة الأخرى بعض المتشددين خاصة في المسائل الخلافية ممن يمثلون رموزا دينية تؤثر في المتلقي ولها مكانتها وأتباعها.
لقد ظهرت دعوة الشيخ محمد بن عبدالوهاب قبل ميلاد الدولة السعودية بل أسهمت في بنائها وذلك في القرن الثامن عشر الميلادي ولم تكن رسالة سماوية صالحة لكل زمان ومكان بقدر ماهي دعوة تصحيحية بشرية قابلة للتنقيح والتصحيح وفق ما تتطلبه ظروف العصر دون مساس بجوهرها فما كان يصلح لذلك الزمن وما صدر منها مما فرضته ظروف المرحلة قد لا يناسب هذا العصر بعد أن توحدت المملكة تحت راية واحدة وهوية واحدة.
ومن جانبه، تطرق د. عبدالله بن صالح الحمود إلى مسألتين مهتمين برأيه؛ الأولى وهي الخلاف دوماً على مسمى هذه الرسالة أو الدعوة ، والثانية تكمن في التطرق إلى الشخصية التي ربما كانت سبباً في فهم بعض المجتمعات التي تتهم دعوة الشيخ محمد بن عبدالوهاب بأنها دعوة تطرفية تؤدي إلى نشؤ إرهاب ، وهي الشخصية المنتمية إلى / عبدالوهاب بن عبدالرحمن بن رستم ، ابن مؤسس الدولة الرستمية والتي هي على المذهب الاباضي التي تأسست في بلاد المغرب العربي (ليبيا – تونس ، الجزائر) ما بين 776م – 909م والتي أطلق عليها الدعوة الوهابية من قبل أهل السنة والجماعة في بلاد المغرب.
إن المفردات التي ارتبطت بالشيخ محمد بن عبدالوهاب وانشئت أشبه بالاتهامات ، هي محل خلاف أصلاً بين المجتمع السعودي خاصة ، وبين بعض المجتمعات في بعض من الديار الإسلامية التي تجانب صواب الكلمات وتلصقها بطبيعة رسالة الشيخ محمد بن عبدالوهاب ، وبالتالي كل ما يطرح من مسميات مثل ( حركة – دعوة – فكر ) أجزم أن تعريف كل مفردة من هذه المفردات تسببت في مفاهيم ومغالطات أوجدت إتهام ووصم في غير محله تجاه الدعوة التجديدية التي قام بها الشيخ محمد بن عبد الوهاب .
فإن كانت تلك المفردات هي السبب في إلصاق التهم علينا كمجتمع سعودي ، أمام تعريف يعنى من قبل فئات مجتمعية استنادا إلى أهوائهم أو اعتقاداتهم ، إلى أن وصلوا بنا إلى درجة الاتهام بديننا الإسلامي من أنه سبب نشؤ الإرهاب أو التطرف المؤدي إلى معاداة الآخرين ، فذاك شأنهم ، ونحن من حقنا إيضاح حقائق ما تقصده دعوة الشيخ محمد بن عبدالوهاب .
إن تلك المفردات مجتمعة هي تعبر عن مفهوم واحد ، وهو أن هدف دعوة أو رسالة الشيخ محمد بن عبد الوهاب هي دعوة إصلاحية ، ووضوح لمفهوم العبادات السليمة في زمن كان يسوده مظاهر الشرك ومجالات التوسل والشفاعة والاستعانة والانحرافات والخرف والبدع .
والعجيب في الأمر وما نعيبه حقيقة هو أن تتأتى تلك الاتهامات من أناس مسلمين يتبعون مجتمعات عربية وإسلامية كان يفترض منهم أن يكونوا عوناً لدعوة كان لها دور فاعل في تصحيح مفاهيم مغلوطة ، والتي قيض الله لها دعوة مباركة أسهمت في ظهور التصحيح لمجتمع أساسه التوحيد الخالص لله سبحانه وتعالى .
ومن ناحية أخرى فإن الحديث عن شخصية عبدالوهاب بن عبد الرحمن بن رستم الخارجي الأباضي ، والعلاقة التاريخية التي بينها وبين الشيخ محمد بن عبدالوهاب ، هو حديث يطول ، وقد أفرد معالي الدكتور / محمد بن سعد الشويعر كتاباً اتى تحت اسم ( تصحيح خطأ تاريخي حول الوهابية ) وقد كان سبب هذا التأليف وبإيجاز في مقدمة هذا الكتاب من أن خصوم دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب و أعداء دين الله الحق , من أرباب المصالح الدنيوية ممن يريدون إطفاء نور الله والتصدي لمن يريد أن يحقق التوحيد الذي أمر به الله و أرسل به رسله من أولهم إلى آخرهم ((دعوة و تطبيقاً و تنقية من مداخل الشرك)) .
ويضيف في القول أن أولئك وجدوا دعوة خارجية أباضية في شمال إفريقيا نشأت في القرن الثاني الهجري باسم الوهابية نسبة إلى عبد الوهاب بن عبد الرحمن بن رستم الخارجي الأباضي , ووجدوا فتاوى من علماء المغرب و الأندلس ممن عاصرها أو جاء بعدها فأرادوا شيئاً عاجلاً يحقق الغرض وينهض الهمم لإسكات الدعوة الجديدة خوفاً من توسع الدائرة الإسلامية حيث قامت الدولة السعودية الأولى مناصرة للدعوة التي قام بها الشيخ محمد بن عبد الوهاب – فتصافحت يداً الإمامين : محمد بن سعود و محمد بن عبد الوهاب رحمهما الله في عام 1157 هـ على القيام بهذه الدعوة نصرة لدين الله و أداء لأمانة التبليغ .
فوفق الله و لقيت الدعوة قبولاً و تأييداً حيث امتدت إلى العام الإسلامي كله و تأثر بها العلماء من الحجاج و بدأوا في نشرها في بلادهم .
فخاف المنتفعون دنيوياً من آثارها ووجدوا الضالة في الوهابية الرستمية , المدفون خبرها في سجلات التاريخ فنبشوا في فتاوى العلماء حولها ، وكانت فرصة بإلباس الثوب القديم للدعوة الجديدة ، ووجدت الإشاعة صدى في النفوس لأن أرباب المنافع الدنيوية جهدوا في التمويه و التشويه ، والناس عادة يتلقفون الكذب أكثر من اهتمامهم و تحريهم للصدق.
و لذ فإن للإشاعات دوراً كبيراً في تغيير المفاهيم ووضع تصورات تغاير الواقع ، بحسن نية أو سوء فهم.
واقترح هنا من أجل إظهار معلومات تصحيحيه وحجج أوسع عن دعوة الشيخ محمد بن عبدالوهاب الرجوع لكتاب معالي د. محمد بن سعد الشويعر فهو كتاب قيم ، وزاده دعماً ومؤازرة تقديمه من لدن معالي الشيخ الدكتور صالح بن عبدالله العبود مدير الجامعة الإسلامية سابقاً .
الوهابية بوصفها أيديولوجيا عامة / سياسية
يرى د. عبدالله بن ناصر الحمود أن الوهابية، من باب، أيديولوجيا بدرجة امتياز، عندما نمايزها بغيرها من المدارس الفكرية. فللوهابية خصوصيات اجتهادية، تصل في بعض الحالات لمستوى “الوضع” فتكون في عدد من مظان خصوصيتها أشبه بالأيديولوجيا الوضعية، وإن تلبست بلباس الاجتهاد، واتكأ منظروها وفقهاؤها على ما نحتوه من القواعد الفقهية، وقواعد المصالح والمفاسد وأبواب أخف الضررين، والأحوط، وسد الذرائع. ويندرج ذلك بشكل خاص على ما ترسخ للوهابية في نظرتها للكون والحياة لدى تلاميذ الشيخ وأتباعه ممن تبنتهم المؤسسة الرسمية، حيث بدت الخصوصية تتشكل في مظاهر بدت أقرب للأيديولوجيا منها للفقه الشرعي الصريح، ومن ذلك قضايا جوهرية، كالرأي في الاختلاط، وحجاب المرأة، وقضايا مهمة أخرى كقيادة السيارة وفرض إغلاق المحال التجارية في غير صلاة الجمعة، وعدد ليس قليلا من مظان الاحتساب عند الوهابية.
لكن الوهابية، من باب آخر، وهو أوسع أبوابها كما يبدو، حركة عقائدية فقهية تصحيحية، قامت على أصول التشريع، ونحتت أسسا متينة صائبة وقوية في مرجعيتها وحجتها الشرعية، فهي بذلك مدرسة عقدية فقهية بامتياز.
المأمول اليوم، وفقا لنظرية الحطيئة وبني أنف الناقة، أن يجتهد الوهابيون أنفسهم في نفض كل ما هو أشبه بالوضع من النقل عن مصدري التشريع، وتجلية نظرتها للكون والحياة، وتحقيق تراجعات جريئة عن كل ما هو من صنع البشر وإن أولوه، والاحتكام فقط للنصوص المعصومة وإن خالفت ما اعتاده الوهابيون أو أسسوا له خلال القرون اللاحقة لدعوة الشيخ رحمه الله وقيام الدولة المباركة في كافة عقودها حتى اليوم.
وقال د. خالد الرديعان: إن الوهابية ليست حركة إصلاح ديني فحسب ولكنها أيضا “ايديولوجيا سياسية” بحكم أن الحكام السعوديين تبنوا هذه الحركة منذ ظهورها. لا أعتقد أن هذا يعيب الحركة أو من تبناها فالحركة لكي تنجح لابد أن يكون لها حاضنة سياسية لتتجذر في المجتمع.. وقد كانت حاضنتها الأولى إمارة الدرعية.
يمكن ملاحظة الجانب السياسي للحركة في العهد أو العقد الذي تم بين الشيخ محمد بن عبدالوهاب والإمام محمد بن سعود… مضامين الاتفاق بين الشيخ والأمير تشير إلى ذلك بكل وضوح ويمكن الرجوع للاتفاق عند ابن عثيمين وغيره لمن أراد المزيد من التفاصيل.
وفي الطور الثالث للدولة السعودية (١٩٠٢ وما بعد) يتضح لنا أهمية الوهابية كمرجعية سياسية. فقد واجه الملك عبدالعزيز مُشكلة في عملية توحيد المملكة بعد فتح الرياض (١٩٠٢م) إذ تبين له أن تأسيس دولة مستقرة يستوجب وجود جماعات مستقرة في حين أن ٧٠٪ من السكان في تلك الحقبة كانوا من البدو الرحل ممن عادة يغيرون ولاءتهم السياسية للإمارات والزعامات الناشئة بسبب طبيعة معاشهم وحاجتهم للتنقل طلبا للكلأ والماء. من هنا أقترح المغفور له الملك عبدالعزيز أن يتوطن البدو في مناطقهم بشرط عدم التعدي على غيرهم على أن تقوم الرياض بمدهم باحتياجاتهم مع ضرورة عودتهم للدين الصحيح الذي ينافي فكرة السلب والنهب والتعدي على البلدات والقرى. وقد نجح الملك في إقناع ثلاث قبائل نافذة ( مطير وعتيبة وحرب) في الاستقرار ولم يكن أمام الملك من سبيل لإقناعهم بذلك سوى الدعوة الوهابية التي ترى أن المسلم الحق هو من يقوم بجميع واجباته الدينية على أكمل وجه وأن ذلك لن يتأتى له إلا بالاستقرار في مكان ثابت حيث يمكن بناء مساجد وإتمام شروط الطهارة وإقامة صلاة الجمعة. وحتى تنجح الخطة فقد قام الملك بإرسال “مطاوعة” للبدو في أماكنهم الجديدة (الهجر) لتعليمهم أمور الدين.. يقول الطبيب بول هاريسون الذي زار الرياض عام ١٩١٥ قادما من البحرين أنه رأى ما يزيد عن ٣٠٠ طالب علم وقد انتظموا في حلقات تعليم القرآن والحديث في الجامع الكبير في الرياض وكلهم يتطلعون إلى بعثهم للبدو في هجرهم لتعليمهم أمور الدين. ويشير روبرت ليسي بهذا الخصوص أن الملك عبدالعزيز أمر بطباعة آلاف النسخ في أحد مطابع الهند لكتاب “التوحيد” أهم كتب الشيخ محمد بن عبدالوهاب؛ الكتاب الذي شكل ثقافة المطاوعة الدينية في حينه إضافة إلى كتب الشيخ الأخرى ككشف الشبهات. وهي الكتب التي تركز على العقيدة في الأساس.
وقد أقبل المستقرون من البدو وممن حولهم على الدين بصورة كبيرة فقد وجدوا فيه كذلك موردا اقتصاديا؛ فالجهاد المنظم تحت راية السلطة الوليدة ( لتأسيس الدولة) أصبح بديلا للغزو؛ والزراعة أصبحت بديلا مناسبا للرعي في بعض وليس كل الهجر، اضافة إلى ما يصل الهجر من الرياض من مؤونة وأسلحة. يشير أحد المؤرخين بهذا الصدد أن قسما كبيرا من سكان الهجر باعوا حيواناتهم (الجمال تحديدا) في سوق الكويت لرغبتهم في الاستقرار والإقامة في الهجر والتفرغ للعمل الزراعي والعبادة. بنفس الوقت كانت الهجرة الواحدة كخلية النحل بسبب الذين أقبلوا على المساجد عندما يعلمون بوصول “داعية أو مطوع” من الرياض.
وبمرور الوقت تجذرت نزعة التدين عند السكان وتعمق الولاء للملك عبدالعزيز بما تحلى به من صفات كاريزمية وقدرات فذة في الاقناع، وبما استطاع انجازه خلال عقد العشرينات من القرن العشرين عندما بلغ عدد الهجر أو القرى الجديدة نحوا من ٢٠٠ هجرة توطن بها أكثر من ١٥ قبيلة. تقول التقديرات أن تلك الهجر ضمت كذلك زهاء ٧٠ ألف مقاتل كانوا على أهبة الاستعداد لتلبية نداء الملك الذي شكل بدو الهجر أكثر من ٩٠٪ من جيشه الذي استخدمه في ضم قرى نجد أولا، ثم الأحساء (١٩١٣) ثم حائل (١٩٢٢) والحجاز وعسير(١٩18)، علما أن التوطين كان قد بدأ عام ١٩١٢ بهجرة الأرطاوية لمطير( شمال شرق نحد) والغطغط لعتيبة (غرب نجد) ودخنة لحرب.
من هنا يتضح لنا أن الحافز الديني كان عاملا مؤثرا في استقرار البدو وتوطنهم، إضافة إلى المزايا الاقتصادية التي بدأ البدو بالحصول عليها نتيجة انخراط معظم أبنائهم بجيش “الإخوان” الذي كان قد أسسه الملك عبدالعزيز لإنجاز عملية التوحيد.
في عام ١٩٢٥ وبعد ١٣ عاما من تأسيس هذا الجيش واستقرار الأوضاع نسبيا حدث انشقاق كبير؛ فقد رأى البدو أنه تم استخدامهم كأداة ولا سيما أن الملك بدأ في عام ١٩٢٥ يجري محادثات مع القوى المحيطة بالمنطقة لضمان حدود دولته الوليدة…إضافة إلى إرساله أبناءه سعود وفيصل في بعثات خارجية لإجراء مفاوضات، ومنعه التجارة مع الكويت لخلاف بين الملك وبريطانيا؛ القضايا التي أثارت حفيظة جيشه البدوي مما عدوه انحرافا ومهادنة عن الخط الديني للوهابية، ولاسيما بعد أن تقلص الجهاد لالتقاط الأنفاس ولتثبيت أركان الدولة الوليدة.. كانت حجة الإخوان المنشقين أنه يلزم الاستمرار والتمدد وعدم التوقف؛ فالجهاد مسألة شرعية ومفروغ منها ، في حين أن الملك كانت له حسابات أخرى تتعلق بضرورة عدم استعداء بريطانيا التي كانت تسيطر على بعض دول الخليج وشرق الأردن، والحفاظ على ما تم الحصول عليه وحمايته. جادل المنشقون الملك بأن ما قام به يعد “خروجا” على الإسلام الذي عرفوا، وأن التوقف عن الجهاد يتعارض مع قضية الولاء والبراء (كانوا يرون أن كل من ليس على منهجهم يجوز قتاله).
استمر انشقاقهم نحوا من ثلاث سنوات تخلله مؤتمر كبير عقد في الرياض عام ١٩٢٨م لرأب الصدع ولإعادة الأمور إلى مجراها.. وقد تم ذلك ظاهريا حيث هدأت الامور، إلا أن البدو عاودوا انشقاقهم وبقوة هذه المرة ما دفع الملك إلى ملاقاتهم في معركة السبلة الشهيرة في نوفمبر ١٩٢٩م. كان جيش الملك هذه المرة من البدو الذين لم ينشقوا عنه وعدد كبير من أبناء القرى والبلدات النجدية. استمرت المعركة نصف ساعة فقط لكنها تعد النهاية الحقيقية لجيش الإخوان. بعض الهجر دمرت وبعضها هجرها سكانها إلى الحواضر والمدن الكبرى وتم تأسيس “جيش أبيض” أصبح لاحقا نواة للحرس الوطني.
أردت من هذا العرض الموجز تبيان ما قصدته بالأيديولوجيا السياسية وأن الوهابية خدمت كثيرا في هذا الجانب سواء في مرحلة تأسيس الدولة السعودية الأولى أو في الطور الثالث منها.
لا أحد منا باعتقادي يعادي الدعوة الوهابية أو دعوة الشيخ محمد بن عبدالوهاب الإصلاحية؛ وليس من حق أحد بنفس الوقت أن ينعت كل من ينتقدها بأنه مناوئ أو عدو للحركة كما أنه لا يجوز وضع كل هؤلاء في سلة واحدة وتصنيفهم أعداء يريدون تشويهها أو الإساءة إليها وإلى أتباعها، فلهذه الدعوة الكثير من الايجابيات فهي خلصت الدين من البدع والشركيات التي كانت سائدة في نجد كتقديس الأولياء والأضرحة مما يدخل تحت الشرك بالله. ومن حسناتها التي لا ينكرها عاقل أنها شكلت في بداياتها أيديولوجيا سياسية مكنت حكام آل سعود من تأسيس دولة مترامية الأطراف أصبحت لاحقا المملكة العربية السعودية. ومن حسناتها أنها استطاعت صهر الناس في قالب واحد ومن ثم خضوعهم لدولة واحدة بديلا للنزاعات القبلية والإمارات المشتتة التي كانت تعادي بعضها البعض بسبب الفراغ السياسي وتراخي سلطة الدولة العثمانية… كل ذلك يعد إيجابيات لا ينكرها إلا جاحد أو من عنده عمى تاريخي.
إن ما نختلف عليه بحق وما يؤخذ على الدعوة الوهابية هو مسألتين فقط وليس أكثر:
١- تشددها لاحقا وخاصة بعض شيوخها وأتباعها في كثير من المسائل الفقهية التي تحتمل الاختلاف.
٢- موقف الدعوة وأتباعها من الآخر؛ بما في ذلك الآخر المسلم ومنهم بعض أتباع المذاهب السنية؛ فهي تأخذ مواقف حدية أحيانا.
وذكر أ. خالد الحارثي أنه وفي أواخر القرن الثامن عشر وأوائل القرن التاسع عشر كانت أرجاء العالم الإسلامي تفور بالحركات الإصلاحية بنفس الحس الذي قامت عليه الحركة الوهابية . وهي أسس اتفقت الحركات الإصلاحية على تبنيها ومنها: الاستقلال عن الدولة العثمانية ، وضرورة العودة إلى القرآن والسنة كأساس لوحدة المسلمين ، والعمل على تنقية الدين الإسلامي من الشوائب التي علقت به عبر العصور ، والجهاد ضد الاستعمار.
ويعود تركيز الحركة على الجانب العقائدي بصفته ضرورة للتباين مع خصمها الرئيسي الدولة العثمانية التي كان يقع على عاتقها رعاية الاستبداد والظلم في الأقاليم والقبضة الحديدية لولاتها ورعاية التقاليد الصوفية وتكريسها المظاهر والطقوس المبتدعة في مواسم الحج وعلاقاتها مع الدول الغربية وتراجع سيطرتها على بلاد المسلمين التي وقعت فريسة الاستعمار.
فهي تعتبر حركة صحوية قامت على إثرها الدولة السعودية الأولى ، وظلت الدعوة حية عقائديا لما تحمله من افتراق مع الدولة العثمانية وضرورة للاستقلال عنها وعن سلطتها قبل أن تحل بعرب الجزيرة نكبة الاستعمار وخصوصا بعد قبول البعض في حركة النهضة العربية العون من انجلترا وفرنسا والدول الغربية الأمر الذي جعل من تمسك دعاة الحركة أصلب وأقوى في مواجهة الخيارات الصعبة.
عموما ، الفهم الملتبس في كونها حركة دينية أو سياسية من شأنه تلويث الحركة فقهيا ومنهجيا وشيطنتها بدعاوى سياسية في سياق ديني ، والأصح أنها حركة سياسية ذات وجدان ديني واجتماعي وإصلاحي ، والتلاقي بين الإمامين هو ناتج رحلة الشيخ محمد بن عبدالوهاب التي عرف منها أحداث العالم الإسلامي وما يحاك له ، ويقين الإمام محمد بن سعود بضرورة السبق لبعث فكرة رفض الاستسلام المخيم على عرب الجزيرة بسلطة السيف العثماني وشبح الاستعمار الغربي.
الوهابية والهجوم على المملكة: هل نحن بحاجة إلى تصحيح النظرة أم نفيها بالأساس؟
تساءل د. حاتم المرزوقي: كيف نصحح النظرة إلى مفهوم ينفيه الموقف الرسمي للدولة، وجارح لوجدان المواطن؟. كلمة “الوهابية” لفظة مستحدثة يطلقها خصوم الملكة عليها للانتقاص من مكانتها وقدرها، وتذكر دائما في سياق سلبي عن هذا البلد وأهله. والمملكة تؤكد دائما أن دين الدولة هو الإسلام وعقيدتها التوحيد على منهج السلف الصالح.
كلمة الوهابية كلمة لا تصحح وإن صححت فهي غير مقبولة أصلا وهي اتهام للمملكة بفكر هي تنفيه، ومناقشته من باب تصحيحه أو تحسينه إثبات له وتأكيدا عليه واعترافا به.
المملكة مفترى عليها من خصومها بهذا اللفظ.. ولم تكن ما يعرف بالـ “وهابية” أصلا لمنشاء المملكة، فهي نشأت على عقيدة التوحيد، دستورها الكتاب والسنة، وعلى مذهب السلف. هذا موقف الدولة الرسمي، وهذا بيان المؤسسة الدينية، وهذا ما يمثلني شخصيا.
من هذا المنطلق فالأولى هو نفي هذا الاتهام عن المملكة لا تصحيحه، وتفنيد رأي الخصوم، وتبرئة المملكة منه.. وأن الدولة لا في خطابها الرسمي ولا في ممارساتها قط تبنت فكرا باسم الوهابية. دعوة الشيخ محمد بن عبدالوهاب تصحيحية قامت على منهج صحيح أصله الكتاب والسنة، وظلما وزورا من أعداء المملكة وخصومها اتهمت به.
ويرى د. خالد بن دهيش أننا أمام نظرة تجاه المملكة تصفها خطأ بأنها حاضنة لفكر أطلقوا عليه (الوهابية) وأنه فكر تكفيري يجب محاربته ومحاربة منبعه المملكة وأن داعش وغيرها من المنظمات التكفيرية الجهادية تتخذ هذه الدعوة منهجها ودستورها، لذا لابد من تصحيح هذا الاتهام للمملكة ، وذلك من خلال إيضاح أن المملكة دينها هو الإسلام الصحيح ودستوره القرآن الكريم والسنة النبوية ، والدولة السعودية الأولى والثانية والثالثة ناصرة الدعوة التصحيحية للإسلام مما اعتراه من شركيات فنادت هذه الدعوة لتوحيد العبادة لله وحده.
بينما تساءل د. يحيى الحارثي: لماذا ينظر للكل على أنهم وهابية أو ملزمين بالمنهج الوهابية أو راضيين عنه؟ هذا أمر مناطقي فرض على الجميع.. دعنا إذا نصحح النظرة للصوفية أو غيرها.
واختلف أ. عبدالله الضويحي مع ما ذهب إليه د. يحي الحارثي حيث يرى:
أولا: ليس هناك ما يسمى بالوهابية فهي ليست مذهب هي حركة إصلاحية والتهمة تم إلصاقها لهدف معين والمفروض تصحيح هذه النظرة.
وثانيا: المملكة دولة واحدة ودينها واحد ليس هناك مناطقية في الدين .
أما د. فهد الحارثي فيرى أنه لا مبرر للحساسية الرسمية أو غير الرسمية من مسمى الوهابية ، فالوهابية واقع ماثل فكرا وسلوكا ولا غضاضة فيه بأي شكل من الأشكال ، وهي نسبة إلى الحركة الإصلاحية التي قادها الشيخ محمد بن عبدالوهاب مع الإمام محمد بن سعود ، ولعل إنكارها بالكلية هو إنكار لجزء مهم من تاريخ البلاد . هذا فضلا عن أن الإنكار ليس الحل الصحيح ، بل الحل الصحيح هو توضيح الصورة حولها وتبرئتها مما ينسب لها من سلبيات ومن ثم تحويلها إلى صورة إيجابية في نظر العالم .
والمملكة لا تنكر الوهابية من حيث هي حركة إصلاحية وإنما تنكرها كمذهب ، فليس هناك سوى المذاهب المعروفة والمنسوبة إلى الأئمة من أصحابها.
إننا بهذا الإنكار لا نزيد عن أننا نحول الوهابية إلى ” تهمة ” يجب أن نستميت في إنكارها ، وهذا مسيء لها ومسيء إلى تاريخ الدعوة أو الحركة الإصلاحية .. فما دمنا نؤمن بأنها دعوة إصلاحية فكيف نتبرأ منها ؟!
بينما يرى د. عبدالله بن ناصر الحمود أن من المهم النظر بتجرد وموضوعية لموقع الوهابية من بلادنا في أصل النشأة خصوصا، وكذا في تطور المدرسة الدينية عندنا بأفرادها ومؤسساتها.. فتاريخ الدولة السعودية المعاصرة بكل واقعه وتراكم المعرفة التاريخية حوله، يؤكد نشأة الدولة بالتوافق بين الإمامين ابن سعود وابن عبد الوهاب..
إن نفي وهابية الدولة، يفترض نفي سعوديتها.. ولا نعتقد أننا بحاجة لنفي الوهابية اتقاء الشر، بل لتعزيز المعرفة بها، وتقويمها وإصلاحها بشجاعة إذا لزم الأمر.
نحن نحتاج أحد أمرين إما التعايش مع الوهابية وتضبيطها أو نفيها واستبدالها جملة وتفصيلا .. الحركة الإصلاحية حركة محدودة بزمن محدود أما أن تسيطر الحركة على مفاصل الرؤية للكون والحياة خمسمائة عام فهذه فلسفة وليست حركة وبالتالي مذهب فكري شرعي ولا غضاضة.
وأضاف: أرى أننا في موضوع الوهابية نعيش اليوم مرحلة.. بني أنف الناقة.. قبل أن ينتشلهم بيت الحطيئة من وحل الخزي والعار بين قبائل العرب والعجم.
(قال ابن رشيق: كان بنو أنف الناقة يفرقون من هذا الاسم، حتى أن الرجل منهم يسأل: ممن هو؟ فيقول: من بني قريع، فيتجاوز جعفر أنف الناقة ابن قريع بن عوف بن مالك، ويسكت عن ذكره فرارا من هذا اللقب)
لقد كان.. أنف الناقة.. وصم سوء ومنقصة. تماما كما تسعى دوائر عالمية غربية تحديدا، لتصمنا به جراء انتسابنا للوهابية. ويجد هذا الوصم فينا من يخفي نسبه هذا.. فيتجرد من تبعيته للوهابية، أو نشأته في كنفها، فيقفزها لينتسب للحنبلية أو نحوها، أو أنه يتأسلم دون اعتراف بمذهبية مهما كانت.
والحال، .. هكذا.. أعتقد أننا في أمس الحاجة .. للحطيئة.. فمن يا ترى يكون حطيئتنا؟ وكيف يمكن للحطيئة المنتظر أن ينقذنا؟
(فبعد أن نقل أحد بني أنف الناقة الحطيئة من ضيافة زبريقان إلى ضيافته وأحسن إليه وأكرمه، قال الحطيئة:
قوم هم الأنف والأذناب غيرهم.. ومن يساوي بأنف الناقة الذنبا..
فصاروا يتطاولون بهذا النسب، ويمدون به أصواتهم في جهارة).
أقترح، وحال العرب هكذا، أن نركز جهدنا في البحث عن الحطيئة.. فهو القادر وحده على جعل الوهابية مثار فخر للجميع، والقادر أيضا على رفع شأنها عند العرب والعجم، وبالتالي انتسابنا لها، ونعتنا بها..
والحطيئة المقصود هنا.. في موضوعنا…. تسمية مجازية لسلسلة من مقترحات مستنيرة وعميقة يمكن من خلالها الرفع من شأن الوهابية بين مذاهب الناس ونحلهم.
فنتوقف عن تكرار القول في الوهابية..
ونقترح ما يدعو لمراجعتها وتقويمها
ونقترح ما يدعو لتلطيفها وتنقيتها
ونقترح ما يدعو لتطويرها وعصرنتها
ونقترح ما يدعو لحب الناس لها وإيمانهم بها في منظومتها الجديدة
ونقترح ما يدعو للفخر بها والدفاع عنها
هكذا نجد الحطيئة ونكرم وفادته ليقول في حقنا
هم الوهابية والنهابية غيرهم
ومن يساوي بوهاب الجنان نهابا
وقالت أ. كوثر الأربش: لا أعرف الكثير عن الشيخ محمد عبدالوهاب. ولم اقرأ الا القليل له عندما كنت أقوم ببحث عن التكفير في المذاهب الإسلامية. ولكن لو لم تكن هناك فضيلة له سوى مكافحة التوسل بالقبور لكفاه..
إن علاقة الأحياء بالقبور، والاعتقاد أن مسيرة حياته وآخرته بإرادة صاحب القبر، ليست ممارسة عبادية وحسب، بل هو استهلاك لطاقة الدماغ البشري، الذي يصرف جهده من العمل الجاد للتعلق بالموتى!
إن المتوسلين بالقبور يعلمون تماما أنهم لا يعبدونها، بل ويتعاملون مع صاحب القبر بأنه حي، لأنه شهيد، وبأنه مجرد وسيط. ولكن رغم هذا يبقى التعلق بالقبور والتبرك بالشبابيك والأبواب. أكثر مظاهر الرجعية شكلا، هذا لو تجاهلنا كونه انحراف عقدي، ولا أميل حقيقة لجعل الآخرين يتعبدون كما أرى واختار. لهم عقولهم ومسيرهم الفردي.
أؤمن بحرية العبادة و لا أرى لي ولغيري حقا في هندسة معتقدات الآخر كما نرى. ولكن العبادة التي تحولك لمتقاعس ومنطوي على ذاتك، تطوي خط الزمن وتلهيك عن اللحظة الآنية.
بينما ذهب د. عبداللطيف العوين إلى أن الوسطية التي جاءت بها دعوة الشيخ منطلقها وسطية الدين الصحيح وأثبتتها كل كتبه ورسائله ومن لديه من يخالف تلك أو يرى أنها غير وسطيه فعليه بالتوضيح مع الدليل.
ومن جانبه ذكر م. خالد العثمان أن هناك اتفاق على أن دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب هي دعوة تصحيحية قادها الشيخ في خضم شيوع الجهل وانحسار الدين الإسلامي الصحيح . وبالتالي فإن غرض تلك الدعوة انقضى بتحقيق الغرض منها وهي بالتالي دعوة أو حركة ذات صفة تاريخية أو وقتية ارتبطت بالغرض الذي قامت من أجله وليست مذهبا جديدا في الدين خاصة وأنها تبنت الدعوة للعودة لأصول الدين والوسطية والاعتدال. تلبيس الدولة السعودية لباس الوهابية وربطها بها على الدوام ينفي عن الدعوة تلك الصبغة التاريخية ويؤسس لفكرة المذهب أو الحركة المرتبطة بالدولة وهو ما وظفه أعداء المملكة سلاحا للهجوم عليها من بوابة الهجوم على الوهابية خاصة في ظل حالة التشدد التي برزت في ممارسات رجال الدين والمؤسسة الدينية الرسمية وغير الرسمية في المملكة.
وتساءل أ.د. عبدالرحمن العناد: ما الفرق بين الدعوة (الوهابية) والدولة (السعودية)
كلها تسميات منسوبة لأشخاص
أين المشكلة؟
التسمية ليست تهمة والنقد ليس موجها للاسم ..
والدفاع ينبغي ألا يستنزفه إنكار الاسم
وقال د. زياد الدريس: إن قضية الوهابية تعد من القضايا الشائكة، ليس هذا فقط بسبب حساسيتها الدينية / السياسية، ولكن أيضا بسبب تعقيداتها والتشابكات الاصطلاحية والمعرفية فيها، إذ يتداخل فيها الديني بالسياسي والتاريخي بالمعاصر والدعوي بالفقهي والمحلي بالعالمي.
تنطلق التعقيدات من البدء .. من العنوان: ( كيف نصحح النظرة العالمية للوهابية ؟!!) !!!! ، نريد الالتفات إلى النظرة ( العالمية ) ونغفل أو نتغافل عن النظرة (المحلية) غير المتفق عليها أصلا .
وإذا كان الأصوليون يقولون عند النقاش : ” لا مشاحة في المصطلح ” ، فإن مشاحّة هذا النقاش ستكمن معظمها أو كلها في المصطلح ! إذ تتداخل الوهابية بالحنبلية بالسلفية .. بالإسلام / الدين الأصلي .
وما لا نصرِّح به هو أن دعوة الشيخ محمد بن عبدالوهاب رحمه الله غير قابلة للنقد في مسطرتنا الوطنية، إذ اكتسبت هذه الدعوة قداستين لا واحدة فقط؛ القداسة الدينية والحصانة السياسية.
وفي دفاعنا عن الوهابية فنحن بين نارين متناقضتين : نار الدفاع ونار الإنكار ، فنحن نهاجم من يلصق التهم بالوهابية، لكننا ننكر أننا وهابية في الآن نفسه. ما يعني أننا أنفسنا لم نحدد بعد هويتنا الوصفية التي نرتضيها لأنفسنا.
عندما ننطلق إلى المصطلح الرديف: ” السلفية ” ستغدو المسألة أكثر تعقيداً وتورطاً في مزالق قد يصعب الخروج منها سالماً ( أستذكر هنا مقالتي: السلفية .. هل هذا وقتها ؟ http://www.ziadaldrees.com/?p=779 ).
إننا كما نردد دوماً عن المتطرفين والإرهابيين بأنهم لا يمثلون الإسلام وإن تسمّوا به، فهل يمكن أن نقول بالمثل: إن كثيراً من ” السلفيين ” لا يمثلون الدعوة السلفية / الوهابية وإن تسمّوا بها؟!
ويرى أ. علي بن علي أن هناك تساؤلات مهمة لابد من التطرق إليها بصدد نقاش قضية الوهابية ومنها:
هل يجب التمسك بمصطلح الوهابية والدفاع عنه ومحاوله تبرئته من ما اعتراه؟
هل الوهابية هي منهج يستوجب أعاده هيكلته وربطه مع الدولة كعمل مؤسساتي؟
هل تمثل الوهابية الوجه الآخر لما يسمى الإسلام السياسي؟
ما هو دور المثقف السعودي في هذا الجانب؟
ما هو دور الدولة السعودية الحديثة في ظل طرح مسمي السعودية ٢٠٢٠ ؟
ومن جانبه قال: د. عبدالسلام الوايل: إن القضية موضع النقاش صيغت على شكل سؤال عن كيفية تصحيح النظرة العالمية للوهابية! ملاحظتي على صياغة القضية أنها تفترض إجماعاً على صوابية الجهود لـ”تصحيح النظرة العالمية للوهابية”. لا أظن أن هذا محل إجماع لا هنا و لا في أي دائرة فكرية تتسم بالتنوع و الكثافة، كما في منتدانا هذا. و فيما يخص معارضتي الشخصية على الصياغة، فإني أرى أن أي جهد لـ”تصحيح” النظرة للوهابية هو جهد غير مثمر و سيذهب هباء. فمصطلح “الوهابية” ارتبط للأسف بظاهرة الإرهاب و خلط بها.
إن كنا عازمين على مناقشة صريحة لهذا الملف الملتهب، فنحن محتاجين للتعامل مع الحقائق بكل شجاعة و صدق. ثمة حقيقة باتت مدركة و تقول أن أيديولوجيا السلفية الجهادية هي النظام المعتقدي لظاهرة الإرهاب، منذ طور مقاتلة “العدو الداخلي (كما في مصر منذ مقتل وزير الأوقاف سنة 1977 و التسعينات و الجزائر في التسعينات) حتى طور مقاتلة “العدو البعيد” ( أي الطور العولمي للقاعدة و طور بناء الدولة لداعش)؟ هذه الأيديولوجيا تتكئ على إرث ابن تيمية و نواقض الإسلام العشرة للشيخ محمد بن عبدالوهاب و خطاب سيد قطب، الذي أمد السلفية الجهادية بالصياغة المفاهيمية المطلوبة لتسويغ العنف الديني ضد الدولة و المجتمع و “الجاهليات الحديثة”، أي العالم كله.
إن الوهابية كتعاليم عقائدية، وليس كحركة تاريخية أو مدرسة مشيخية، صارت في لب هذه المنظومة الأيديولوجية. لم نعد في عصر القاعدة، حيث تتوارى الوهابية في خطاب قادة القاعدة خلف غابة كثيفة من المفاهيم العقائدية. نحن في عصر دولة الجهادية السلفية. في عصر داعش. كتب الشيخ محمد بن عبدالوهاب تطبع و تقرر في مدارس داعش. و المفاصلة العقائدية الحادة، كما تتبدى في نواقض الإسلام العشرة على رأس ما يقرر. هذه النواقض، هي ما يؤسس لخطاب داعش الذي نقرأه و نسمعه في بيانات داعش و انتحارييها. و لكونها، أي الحركة التصحيحية للشيخ محمد بن عبدالوهاب و المسماة بالوهابية، أساس وحدتنا و دولتنا و إنجازنا التاريخي الفريد، فإنه يتم توجيه أصابع الاتهام لنا في كل حادث إرهابي إسلامي حتى لو يكن أحداً من منفذيه أو الآمرين بتنفيذه أو مخططيه سعودياً أو له أي علاقة شخصية بالسعودية، كما توضح الهجمة الصحافية الغربية على بلادنا بعد حادثتي باريس و كاليفورنيا. إن هذا الربط الشرطي البافلوفي بين الإرهاب و بين الوهابية يجعل من أي جهد لتصحيح صورتها محض هباء. فالوقائع على الأرض و تأطيرها المفاهيمي أقوى من أي حملة إعلامية منتظرة.
وفي الإطار ذاته ومن ناحية أخرى قال د. حميد المزروع: لقد ربطت الوهابية بالإرهاب الدولي مع بداية الثورة السورية ٢٠١١م ، والهدف من ذلك هو لتبرير القضاء علي الثورة السورية وتصفية جميع أطياف المعارضة تحت مظلة محاربة الإرهاب ، وقد جندت القنوات الموالية لإيران هذا التوجه لإضعاف دور السياسة الخارجية للمملكة من ناحية ، ولتخيير العالم بين القبول باستمرار حكم بشار الأسد واستمرار توغل النفوذ الإيراني بالمنطقة ، أو سيطرة داعش علي العراق والشام .
هذا لا يعني أن ليس لدينا متطرفين مدفوعين عقائديا ، كما هو الحال في حزب الله وحزب الدعوة وعصائب الحق التي يتم تدريب قادتها في إيران . إن التوظيف السياسي لمصطلح الوهابية كحركة هدفها الإصلاح بتلك الفترة ، يستغل حاليا وبشكل ممنهج لاستدراج المجاهدين ، لمواصلة اتهام المملكة بالفكر الوهابي الإرهابي وهذا ما تريده إيران.
وتعتقد أ. فاطمة الشريف أننا أمام جهل عام لدى الغرب بالإسلام بشكل عام والوهابية كدعوة إصلاح وتجديد بشكل خاص فلا يخفى على أحد أن التقلبات والأحداث التي عرفها العالم مؤخرا قد مست بشكل أو بآخر ببعض المصالح الحيوية للغرب في جملة من مناطق العالم. و كانت و لا تزال ردود الفعل التي تثيرها قد أنعشت المتخيل الغربي السلبي على الإسلام و ضخمته أكثر من أي وقت مضى.
و هذا المتخيل الغربي المشكل تجاه الإسلام تغذى منذ خمسينات القرن الماضي من كل قوة و هيمنة الإعلام, لاسيما بسبب تلاحق الأحداث العنيفة لحركات التحرر الوطني و الحركات الاحتجاجية و التمردية السائدة في المجتمعات الإسلامية آنذاك.
لقد حصل خلط خطير في تشكيل المتخيل الغربي عن الإسلام, خصوصا و أن كل المشاكل ذات الجوهر السياسي أو الاقتصادي أو الاجتماعي أو الثقافي ألحقت جميعها بالإسلام. و هكذا راح الخلط بين الإسلام كدين و الإسلام كإطار تاريخي لبلورة ثقافة و حضارة معينة يتأبد و يتعقد أو يتشعب؛ لازالت نظرة الغرب للإسلام تعتبر أن الدين الإسلامي بشكل عام يرفض الحداثة و حقوق الإنسان و يشجع العنف و الإرهاب. وفي اعتقادي ساهم البعض من المثقفون ورجال الدين أكثر من غيرهم في ترسيخ هذه النظرة, على الأقل لكونهم لم يعملوا فعلا و فعليا على تفنيدها.
ومن جهته أشار م. حسام بحيري إلى أن بداية إطلاق وصف الوهابية تاريخيا بدأ مع العثمانيين ومحمد علي ومحاولتهم تكفير الشيخ محمد بن عبد الوهاب وحركته الدينية الإصلاحية وإطلاق مسمى الخوارج عليهم وحديثا بدأ مع الحكومة الروسية أثناء حروب الشيشان قبل أحداث سبتمبر لوصف المقاتلين العرب والذين كانوا قادتهم من السعودية مثل سامر خطاب وغيره وبدأ الإعلام الغربي باستخدام وصف الوهابية على المؤسسة الدينية السعودية بعد أحداث سبتمبر وساعدها للأسف بعض من الأمريكان العرب المحسوبين على الإعلام الامريكي أمثال فؤاد عجامي والهندي فريد زكريا والذين كانوا يحاولوا أن يفصلوا بين الدين الإسلامي عامة والحركة الدينية السعودية والتي يحملونها المسؤولية عن انتشار التطرف الديني في العالم الإسلامي واليوم أصبح واضحا في ذهن القارئ الغربي عن من يتحدثون عندما يسمع كلمة الوهابية. في المفهوم الغربي عندما يكون لك عدو لابد أن تصنع له اسم ووجه واسم العدو الجديد هو الوهابية ووجه هذا العدو هو المملكة العربية السعودية وهذا بالضبط سياسة الإعلام الغربي الحالية. منذ أحداث سبتمبر وهم دائما يبحثون عن ال Saudi Connection في أي عملية إرهابية تحصل سواء بالأفراد أو التمويل كما رأينا في أحداث كاليفورنيا.
لكن الحقيقية أنه لا توجد أي علاقة بما يحصل اليوم وحركة الشيخ محمد بن عبدالوهاب التي نشأت قبل ٢٧٥ سنة ومحاولة الغرب بربطها وتحميلها المسؤولية عن انتشار التطرف والإرهاب الذي يحصل بالعالم اليوم تحت مسمى الإسلام. الحقيقة المجردة هي أن الوضع الحالي دينيا وسياسيا مختلف تماما عن أوضاع الدولة السعودية الأولى. دعوة الشيخ محمد بن عبدالوهاب خرجت بسبب ظروفها الزمنية والمكانية في الابتعاد عن الدين بسبب العزلة ومحاوله إرجاع الناس إلى الصراط المستقيم وبتحالفه مع الإمام محمد بن سعود أضفى أيضا هدف سياسي ديني لتوحيد الجزيرة العربية تحت راية الإسلام وتطبيق شرع الله. الشيخ محمد بن عبد الوهاب كان تحت تصرفه جيش الإخوان الذي لا يستهان بقوته وإمكانياته في ذلك الوقت وتمكن من نشر دعوته في أنحاء الجزيرة العربية. شيء مثل هذا لا يمكن أن يحصل اليوم في زماننا ولذلك فإن الغرب لابد أن يدرك أن “الحركة الوهابية” هي مجرد تاريخ ليس له صلة بواقع اليوم والاتصال الوحيد بين دعوة الشيخ محمد بن عبدالوهاب وحاضرنا هو اتصال أكاديمي علمي ديني بحثي ولا يوجد أي اتصال أيديولوجي بين ما يحصل اليوم في العالم الإسلامي من أعمال عنف وتطرف وحركة الشيخ محمد بن عبدالوهاب التاريخي هم يدرسون طلبتهم في الغرب عكس ذلك ويدعون أن حركة الشيخ محمد بن عبدالوهاب الدينية أقامت دولة ويخلطون الحابل بالنابل. أكثر الأشخاص الذين يلتحقون بصفوف داعش اليوم يأتون من تونس وهي دولة ذا نظام علماني مدارسها تدرس اللغة والقيم الفرنسية ولم تدرس الدين لطلبتها منذ ٥٠سنة. مشكلتنا في السعودية في الوقت الحاضر أن اشخاص كثيرين غير مؤهلين بسبب الجهل والانعزال البيئي تمكنوا من السيطرة على الفكر الديني وزرعوا الأفكار الخاطئة في عقول شباب متعطش لأن يفعل أي شيء لخدمة أمته وتمكنوا من سلب عقولهم واستخدامهم في اتجاهات مشبوهة. غياب المعايير والشروط اللازمة لأن تكون متوفرة في الأشخاص الذين يمارسون النشاط الدعوي وتغييب شبه كامل لعقوبات الغلو في الدين ساهم مساهمة قوية في انتشار التطرف في مجتمعاتنا.
توصيات لمواجهة الهجوم على الوهابية
أشار د.م. نصر الصحاف إلى أنه لكل زمان ومكان ظروفه والسؤال هنا هل الظروف في القرن الثامن عشر هي نفسها الآن في القرن الحادي والعشرون ؟. وهل المجتمع هو نفسه الآن ؟
في ظل الوضع العالمي المتوجس من كل ما هو إسلامي يجب توضيح كامل الحركة التصحيحية آنذاك بعد فرز المحتوى للوقوف على مواقع الشطط والعلة المسببة للتطرف وليس الهرب إلى الأمام بكل ما جاءت به وقبولها بكل علاتها فالظروف لم تعد تسمح بذلك حاليا.
وقال د. خالد الرديعان: إن كثيرا من مفاهيم الدعوة الوهابية عززت فكرة الدولة والاستقرار الاجتماعي والسياسي في مرحلة تاريخية معينة لكنها لم تعد كافية في الوقت الراهن؛ بل لابد من تجديدها وصياغتها بطريقة لا تقوض الدولة والمجتمع السعودي وبنفس الوقت تمنحهما الفرصة للولوج للعصرنة والتحديث دون أن نتصادم مع العالم المحيط بنا.
ما نحتاج بحق هو إعادة قراءة تاريخية- فقهية للدعوة الوهابية وتنقيتها من كل ما يشوبها للخروج “بوهابية جديدة” تلتقي مع العصر ولا تخلق مزيدا من الأعداء.
توضع كل كتب الشيخ ومن كتبوا بعده على مشرحة النقد الموضوعي والمحايد ونرى أين العلة ومواضع الخلل؛ وكيف حدث هذا التطرف الذي انعكس على الوضع السياسي الذي نعيشه اليوم. أما القول أن دعوة الشيخ تمثل الإسلام الوسطي المعتدل فهذا كلام فيه نبرة إنشائية لا يوافقنا عليه البعض وبالتالي يلزم أن نبين أين الشطط الذي يراه الآخرون وردودنا عليه.
ويرى السفير أ. أسامة نقلي أن المشكلة ليست في تعاليم الشيخ محمد بن عبدالوهاب، المشكلة في متشددي اليوم من المشايخ الذين يحاولون إضفاء مرجعية لتشددهم بالتشبث بتعاليم الشيخ التي تعتبر أكثر تسامحا من فكرهم.
يضاف إلى ذلك البعد السياسي للتشبث بالشيخ، والذي يكمن في نشوء كيان الدولة بالتحالف بين الشيخ والإمام، في محاولة إعطاء تشددهم شرعية سياسية.
الإصلاح يبدأ من الحاضر وليس الماضي..
هذه النزعة السياسية للمشايخ عبر عنها بوضوح عندما قال الشيخ عبدالله التركي إمام الملك عبدالله ( نحن شركاء في الحكم ) ورد عليه لاحقا الأمير تركي الفيصل في مقاله مفادها (الحكم لآل سعود).
وعلق د. محمد سالم الصبان بأن انتشار التشدد محليا وعالميا من منطلق مرجعيته الوهابية أساء للأسف لها وأصبح الجميع لا يفرق بين الوهابية المتسامحة والمتشددين المنسوبين إليها.
وبدوره أوضح أ. أسامة نقلي أن دعوة الشيخ محمد عبدالوهاب قاربت الـ ٣٠٠ عام، ولم نر التشدد إلا في الثلاث عقود الماضية، وتحديدا بعد الثورة الإيرانية في ١٩٧٩ ، وبعد حادثة احتلال الحرم التي غير مجرى الحياة الاجتماعية في البلاد بكافة تفاصيلها، وانسحبت على مقاصل التعليم، ومن ثم فإننا لسنا في حاجة إلى تطوير التعليم، بل إعادته إلى ما كان عليه قبل حادثة احتلال الحرم، التعليم الذي أخرج لنا عباقرة اليوم في العلم والسياسة والأدب.
وأوضح أ. يحيي الأمير أن دعوة الشيخ محمد بن عبدالوهاب ليست دعوة معرفية بل هي دعوة إحيائية .. أي أنها لم تبتكر معرفة دينية خاصة بها وإنما اشتغلت بإحياء علوم ومعارف دينية عرفها التاريخ الإسلامي منذ القرن الثامن الهجري .. وبالتالي فالعداء معها هو عداء مع تلك المنظومة المعرفية التاريخية ..
دور الشيخ كان محوريا وحاسما في لحظة تاريخية كانت فيها كل المنطقة تفتقر لأي تحرك ذي بعد ديني فقهي يتحرك على مستويين هما : العقائد والسلوك ..
تركز الجانب الأكبر من الحركة الإحيائية في خطاب الشيخ على الجانب العقائدي وهو ما أكسبها نجاحا وخصوما في ذات الوقت. بالنسبة للمرحلة الزمنية للشيخ كان خطابه مؤثرا وحيويا وقادرا على التأثير والاكتساح ..
هنا يأتي التحدي المعرفي اللاحق فكل المدارس والهيئات التي ظهرت فيما بعد انشغلت بإعادة تدوير ونشر ما قاله الشيخ أكثر من انشغالها بتطويره وقراءته وبحثه .. وهو ما ساهم في تصنيم الدعوة وخطابها عوضا عن أن تستمر كحركة دينية معرفية تتطور على يد طلابه ومريديه ..
إن الدعوة الوهابية قيمة عليا مؤثرة وحيوية خاصة حين تتم قراءتها في سياقها التاريخي .. إنها لا تختلف عن حركات الإصلاح الديني الأولى التي أثرت في كثير من بلدان العالم.
وقال أ. خالد الوابل: الوهابية في التعريف الغربي المعاصر هي حركة إسلامية متطرفة؛ ما يصدر منك من أخبار دائما ما تعزز هذه النظرة عنك لدى الآخر؛ وخاصة أحكام القضاء ويعززها أكثر تراجعك عند هجومهم عليك؛ ما تحتاجه أن تحسن صورتك في الداخل لتنعكس على الخارج.
ويعتقد م. خالد العثمان جازما أن العلاج الأمثل لهجوم أعداء المملكة عليها هو التأكيد على إسلامية الدولة وليس وهابيتها ، إذا لا وهابية مستدامة بعد تحقيق ما قامت من أجله في ذلك الحين . و في هذا السياق من الضروري إبراز الوجه الناصع للدعوة الوهابية والدور المهم الذي قامت به في محاربة الجهل وتصحيح الممارسات الدينية وتبني منهج الوسطية والاعتدال ، ولكن في الإطار التاريخي فقط وليس في إطار الدفاع عن الدولة أو تأكيد وهابية الدولة . من الضروري أيضا إبراز حالة اللبس بين وهابية الشيخ محمد بن عبد الوهاب والوهابية الأباضية التي سبقتها ، ولعل هذه المعلومة غائبة عن أذهان الكثيرين ممن يرفعون راية العداء للدولة السعودية ويتسقطون لها العثرات حتى لو لم تكن أصلا ذات ارتباط بتاريخ نشأة ومسيرة الدولة .
ومن ناحيته تساءل أ. سعيد الزهراني انطلاقاً من أنه: لا شر محض ولا خير محض.. لماذا لا توجد إشارة عابرة لبعض سلبيات حركة الشيخ الجليل يرحمه الله ويجزل أجره.. أو بعض تلاميذه ومريديه؟
بالتأكيد يحسب للدعوة الإصلاحية مكتسبات شاهقة حضارياً وفكرياً محلياً وخارجيا.. ومنها ما ذهب إليه المفكر محمد عابد الجابري من أن الوهابية التي نتجت عن تحالف الإمام محمد بن عبدالوهاب مع بن سعود قبل الثورة الفرنسية كانت تضاهي الثورة الفرنسية في أوربا بالنسبة للوطن العربي..
لكن هذا لا يلغي أن هناك أنساق مضادة ظهرت من رحم هذه الحركة مخالفة لأساسها السليم القائم على ركيزة ما صح من حديث وقبله القرآن الكريم..
الاستسلام الرخو وتقبل الهجوم المغرض على هذه الدعوة الجليلة تسليم جبان وانسلاخ معيب يجعلنا نبدو مسخاً بلا ملامح ولا وجه .. والدفاع المطلق عن جل متعلقات الدعوة يسيء لها قبل أن يخدمها.. ما يحتم علينا أن نتمثل فضيلة نقد الذات .. نعتز بالإيجابي ونقر بالسلبي ونتجه إلى علاجه أو علاج آثاره.. وأولى خطوات الاعتزاز والعلاج معاً تكمن في الإيمان بأن التحول سمة الحياة الأولى.. الثابت هو جوهر الأشياء والقضايا ومنها الدين.. أما الطرائق والمناهج فمتحولة من حقبة إلى أخرى.. وهذا هو جوهر ديننا العظيم الذي هو أجل من تقييده بشخوص أو حركات أو مناهج عدا رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم..
الآخر الأصولي لن يرض عنا مثلما لن يرض مكوننا الأصولي عنه.. والوقت الذي سنصرفه في إثبات فضائلية الوهابية أو الدعوة الإصلاحية أو حركة الشيخ يرحمه الله.. من الأفضل أن نصرفه في إعادة صياغة خطاب ديني يستلهم روح الدين الإسلامي العظيم القائمة على العدل والسلام والخير للعالمين.. وتنقيته من مظاهر التشدد والغُلو والوصاية والتسلط..
حينها سنكون قد أنصفنا الوهابية أو ما شئتم من اسم ووسم.. من حيث نحن نتجه في الأصل إلى المنبع الذي تستقبله هي بذاتها.
وأكدت د. سامية العمودي أيضا على ضرورة إعادة صياغة الخطاب الديني وتنقيحه، باعتبار أن هذا هو المفتاح الحقيقي بدل إضاعة الوقت في البحث ونحن نعلم أن عامل الزمن ليس في صالحنا.
ويعتقد أ. خالد الحارثي أن القراءة الحديثة للحركة الوهابية تتطلب أن ننظر للعالم في ذلك اليوم ونستخدم إطارا أوسع من الإطار الديني وصوابية الحركة أو خطأ المجتمع .
إن التوسع بالقراءة السياسية والاجتماعية الحديثة من شأنه توضيح أنها ليست فقها جديدا ولا إسلاما مجددا بل التفريق بين فكرها السياسي وفكرها الفقهي السلفي الحنبلي.
الوعي بالحاضر والمنجز المتواضع في استقلال المنطقة العربية يضعنا في تصور إيجابي عن آفاق الدور الرسالي للمملكة من وحي حاضرها وتحديات مستقبلها من آمال وطموحات مواطنيها.
ويعتقد م. حسام بحيري أن أي محاولة لتحسين صورة الدعوة “الوهابية” في نظر الغرب ستبوء بالفشل لعدة أسباب أولها أن الإعلام الغربي هو من صنع هذه الكذبة ومحاولة إلصاق مسببات التطرف والعنف للسعودية على وجه التحديد ولا يمكن أن يساهموا في نشر تحسين الصورة لأنها معاكسة لسياستهم وسنثبت كذبهم أمام جمهورهم الغربي.
السعودية هي الدولة العربية الوحيدة التي تنظر وتتعامل مع الغرب بمنطق الند بالند ولم تطوع سياستها ومنهجها لهم وهي الدولة العربية الوحيدة التي لديها القدرة على اتخاذ قرار سيادي فيما يخص إقليمها وتستطيع أن تؤثر تأثيرا مباشر على سياساتهم الاقتصادية ولها تأثير قوي على العالم الإسلامي فهي في نظرهم رأس الأفعى إذا طوعتها وتغلبت عليها طوعت العالم الإسلامي برمته.
ولكن السبب الأهم هو حقيقة أن الإسلام اليوم أصبح العدو رقم واحد للغرب وهناك لغة إعلامية جديده بدأت بالتبلور وهي أن الدين الإسلامي خطر على قيمهم الغربية ويدعو للعنف لأنه يتعارض معارضة شديدة مع نظامهم الديموقراطي الغربي ولا يمكن تطويع المسلمين بتقبل القوانين والأنظمة الغربية والعيش معها بسلام بسبب ولائهم المطلق للشريعة الإسلامية التي يرونها مستباحة دمائهم ويستشهدون بذلك عن انتشار الجهل والفقر والعنف والفشل الاقتصادي في السواد الأعظم من الدول الإسلامية جمعاء ولذلك محاولة ال Integration of Muslims into our society محاولة فاشلة. ونستطيع أن نستدل بذلك في لغة السياسيين الغربيين الجديدة والمعادية للإسلام والانتخابات الأمريكية والفرنسية الحالية والمظاهرات المناهضة ضد أسلمة أوروبا في ألمانيا شاهد على ذلك. ليس هناك صدف, هي سياسة ولغة جديدة السياسيين الغربيين لا ينطقون هواهم مثل نظرائهم العرب هم دائما يتبعون منظريهم وخطوط سياسات أحزابهم العامة ولا يحيدون عنها ولذلك أي محاولة أو أي سياسة لتحسين صورة سواء الإسلام أو “الوهابية” هي سياسة دفاعية لا نحتاجها لأنها ستموت في مهدها. نحن نحتاج اليوم إلى سياسة إعلامية هجومية على الغرب لتذكيره بالكوارث التي حل بها في عالمنا والمطالبة بتحمله جميع نتائج سياساته الكارثية وتحالفاته المعادية للأمة العربية والإسلامية في أراضيها والتي أصبحت المسبب الرئيسي في انتشار العنف والتطرف في المنطقة لأنه من الصعب القبول بها أو التغاضي عنها. فلابد للغرب أن يغير سياساته في المنطقة العربية ويتعامل مع الإسلام كجزء من فسيفساء مجتمعهم المتجانس ويتقبله كدين محلي وليس كدين غريب دخيل عليهم.
ويرى د. عبدالسلام الوايل فيما يتعلق بالحلول الملائمة للتعامل مع قضية الوهابية، أننا كدولة وطنية تنتمي للنظام العالمي المعاصر، لسنا بدعاً في تأسسنا على أساس دعوة دينية كانت ثورة دينية إبان ظهورها. من هذا المنظور، نحن مدينين للوهابية. الوهابية هي من أعطانا هذا الوطن. زيادة على ذلك، هي من أوقد حركات الإصلاح الديني في ليل عصور الظلام العثمانية في العالم العربي و يعتبرها البعض أساس النهضة العربية الحديثة، وليس غزو نابليون لمصر، الذي تم بعد انبثاق حركة الشيخ بـ52 عاماً. لننظر للوهابية نظرة “تاريخانية”. لنخرجها من ضيق الإطار العقائدي الملزم دينياً، و المسبب لكثير من المشاكل مع العالم، إلى سعة الإنجاز التاريخي. لنتعامل معها كما يتعامل الأمريكان اليوم مع إرث الرجل الأبيض و الآباء المؤسسين أو الفرنسيين مع ثورتهم التي دوخوا رؤوس الخلق بالمفاخرة بها. لنعتبر الوهابية إنجازاً تاريخياً لا نظرة عقائدية. إن وصلنا لهذه النقطة، لنقطة تخليص الحركة التاريخية من مفاصلتها العقائدية الحادة، التي كانت ظرفا تاريخيا تجاوزناه و لم يبق من يؤمن به إلا أيديولوجيا السلفية الجهادية، فإننا قادرين على تحسين صورتها عالمياً.
نحن، إذاً، أمام تحدي. تحدي خدمة الحركة التي أنجزت وحدة عربية فريدة بجعلها متسقة مع حركة التاريخ البشري. لنعمل ذلك، علينا أن نتخلص من استراتيجية المجادلة مع الآخر بأن الحركة مفترى عليها. العالم لن يقبل ادعاءات مثل هذه. علينا أن نقول أننا، مثلنا مثل أمم عظيمة أخرى، كنا محتاجين لمنظور ثوري لجمع هذا الشتات في الجزيرة العربية الذي لم يعرف حكما مركزيا جامعاً منذ عهد المتوكل العباسي قبل اثني عشر قرناً. و أن هذا المنظور أنجز مالم تنجزه حركة عربية أو إسلامية أخرى. و أنه كان لازماً لإنجاز هذا الانتقال التاريخي إنتاج خطاب عقائدي مفاصل. و أنه انتهت وظائفية هذا الخطاب. و أننا باسم الامتنان للحركة التاريخية التي وحدتنا سنعمل لتخليص خطابها من المفاصلات العقائدية المحرضة على الكراهية والعنف مبقين على روحها التوحيدية العبقرية.
عبر واقعية كهذه، يمكن تحسين صورة الوهابية على مدى المكان والزمان، أي عبر جغرافيا العالم و أزمانه القادمة.
وعلقت أ. فاطمة الشريف على الطرح الأخير بقولها: على الرغم من تعدد القراءات والمقاربات المنهجية في التعامل مع التراث الديني الإسلامي، فإن كل قراءة منهجية تبقى نسبية، تحمل في طياتها نقاطا إيجابية من ناحية، ونقاطا سلبية من ناحية أخرى، وتحوي أيضا في منظومتها الفكرية والنظرية والتطبيقية أبعادا إيديولوجية مختلفة، ومقاصد مرجعية متباينة. وبعد ذلك، تصل هذه القراءات أو المنهجيات إلى حقائق احتمالية ونتائج نسبية، تختلف من متلقٍ إلى آخر سواء كانت هذه القراءة التراثية تقليدية أم استشرافية ، التاريخانية ، السيمائية أو التفكيكية و التأويلية و البنيوية .. يبقى التطبيق الحي لتلك القراءة والتعامل مع الإرث الديني هو من يحدد نجاح أو فشل الطريقة المختارة في التعامل مع الموروث.
وذكر أ. عبدالله الضويحي أننا أمة على الفطرة لذلك من السهل التأثير علينا من خلال الدين وتحت ستاره خاصة أن كثيرا منا ثقافته في هذا الجانب سماعية وضعيفة لهذا يتم استثمار ذلك في محاولة زعزعة المملكة ككيان قوته في تمسكه بالإسلام عقيدة ودستور حياة مكنته من قيادة العالم الإسلامي بعد أن من الله عليه باحتضان قبلة المسلمين وخدمة الحرمين الشريفين. إن ما يحصل من استهداف للدين الإسلامي وتشويه لمصادره ورموزه هو في حقيقته استهداف للمملكة كرمز له وكدولة ربما كانت الوحيدة بين دول العالم الثالث تعيش استقرارا سياسيا واقتصاديا قرابة قرن أعطاها مكانة وقيمة على خارطة العالم.
كل ما سبق وغيره مما يصعب حصره يوضح لماذا يتطلب التركيز على المضمون وتصحيح المفاهيم وتنقيته من الشوائب أكثر من الاهتمام بالمسمى ولنبدأ من الداخل “إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم” إذا لا فائدة من التوجه للخارج لتصحيح نظرته ونحن نعاني من داخل غير مقتنع والتغيير الذي أعنيه ليس فيمن يتبنى هذا المنهج فهؤلاء يصعب تغييرهم ولكن في أتباعهم وضمان عدم ظهور أتباع جدد يتبنون الفكر ذاته.
الإعلام ركيزة من ركائز الحروب الاستباقية ويقول جوبلز وزير إعلام هتلر: “الحرب تحسم إعلاميا قبل أن تحسم ميدانيا”
ونحن في حرب أو معركة مع أعداء الإسلام وأعداء المملكة وإن لم تكن عسكرية وهنا أتساءل: هل يوجد قناة إسلامية تعبر عن الإسلام الحقيقي وتقدمه في صورته الصحيحة بما في ذلك الوهابية كمفهوم !؟
لماذا لا توجد وبعدة لغات !؟
أين رؤوس الأموال الإسلامية !؟
ماذا عملت رابطة العالم الإسلامي !؟ ومنظمة التعاون الإسلامي !؟ وغيرها من الهيئات ..
وماذا عن مؤتمرات الحوار التي لا يعلم عنها إلا نحن وإعلامنا وتنتهي ملفاتها إلى الأدراج.
نحتاج لعمل إعلامي ضخم يتوجه للشعوب لأنها هي التي تصنع القرار ويتوجه للإعلام المضاد لأنه هو الذي يؤثر في القرار.
وعلى مستوى الداخل إلى جانب الإعلام هناك مالا يقل أهمية في نظري.
لماذا تخل مناهجنا ومقرراتنا عن صناعة رأي إسلامي وسطي صحيح بعيدا عن أحكام الفقه والتوحيد والتفسير !؟
لماذا لا يكون لدينا مقرر “الثقافة الإسلامية” أو أي مسمى في التعليم العام يختص بتصحيح العقيدة والتركيز على الوسطية ودعوة الشيخ محمد بن عبدالوهاب أبعادها ودلالاتها ومنهجها !؟
ما هو دور خطباء الجمعة في ذلك !؟
وقال د. مساعد المحيا: هل نحن نعتقد على المستوى الرسمي والنخبوي والشعبي بأن الدعوة الإصلاحية منذ الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله ثم تلاميذه وأئمة الدعوة بعده هل نحن نعتقد بأن كل تراث هؤلاء المعرفي صحيح كله ..
إن قبول مناقشة موضوع بعنوان: (كيف نصحح النظرة العالمية للوهابية؟) يعني بالضرورة الإيمان بوجود أخطاء تاريخية وعلمية فضلا عن ما يضخمه أعداؤها ويضيفونه من عند أنفسهم ..
ولأن من المهم أن تتسع صدورنا لكل من ينتقد جوانب مما اشتمل عليه تراثها إذ ذلك السبيل الأول في تصحيح الصورة الذهنية .. فاذا كانت الصورة سلبية لدى الآخرين أو بعضها فإن الاهتمام بأصل الصورة أهم و أوجب مع الأخذ بالحسبان أن كل ما يقوله خصوم الدعوة وأعداؤها يمتلئ بالمغالطات والافتراء والرغبة في التشويه والتشويش ..
ولذا فان من سبل إصلاح هذه الصورة ما يلي:
أولاً: أن تعمل الدولة وعلماؤها ودعاتها على صناعة خطاب يقوم على الاعتراف بوجود أخطاء تضمنتها آراء بعض علماء أو أئمة الدعوة وهو ما ينتشر في ثنايا بعض كتبهم ورسائلهم مثل الدرر السنية في الرسائل النجدية .. حيث ينبغي أن يقول العلماء بأن هذه فترة تاريخية وأن هذه لا تمثلتا وأن هذه الأخطاء قد تحدث في كل مكان شأنها شأن أي دعوة من الدعوات ..وأننا مع أصول الدعوة التي تقوم على الكتاب والسنة.
ثانيا: الأخذ بالرأي الفقهي غير المتشدد وإتاحة الفرصة لوجود مدارس فقهية متعددة تقوم على الكتاب والسنة وعلى منهج السلف الصالح وذلك بوجود علماء يحملون هذا التنوع والثراء ..
في حين قال د. فايز الشهري: كل الأمم والشعوب تحتفي برموزها ودعاتها ومصلحيّها وتناقش تاريخهم ودورهم إلا نحن حين نجح الخصوم الأقارب قبل الأباعد في جعلنا في موقف النفي والدفاع.
السؤال لا ينبغي أن يكون هل نحن وهابيون أم غير وهابيين ، بل كيف تسللت إلينا روح الانهزام لننبذ رمزا وطنيا له اجتهاده وقدم في مرحلة من التاريخ مشروعا أسهم في بناء فكر دولة في مرحلة..
ليست شجاعة فينا حينما نتراجع للخلف مسافة ثم نرجم كلما صاح خصم رموزنا..
رموزنا ليس لها تقديس ولا يقام عليها حلقات ذكر ولا نقدم النذور أمام أضرحتها ولا نحتفل بميلادها ويوم وفاتها.
أقلوا اللوم أو سدوا المكان الذي سدوا.
وعلق د. مساعد المحيا بأنه إذا كانت كل الشعوب تناقش تاريخ مصلحيها ورموزها .. وإذا كان رموزنا ليس لهم تقديس فان أبسط معاني ذلك هو أن لا ننكفئ على أنفسنا ونعتقد بأن خطأهم صواب.
حين نتحدث عن بعض الأخطاء فنحن كمن يحرص على أن يكون الثوب الأبيض خاليا من أي دنس.
واتفق د. خالد الرديعان مع ما ذهب إليه د. مساعد وأضاف: من ينتقد أطروحات الشيخ محمد بن عبدالوهاب كأنه بنظر البعض ينتقد الإسلام… أين نحن من مقولة: كل يؤخذ منه ويرد إلا صاحب هذا القبر؟
وأوضح عقيد ركن. إبراهيم آل مرعي مجموعة من الملاحظات المهمة في هذا الإطار:
أولاً: مهمة الشيخ محمد بن عبدالوهاب تاريخية وانتهت بالتصحيح ، وإذا كانت يجب أن تدرس فتدرس في كتب التاريخ وليس في كتب الثقافة الإسلامية ، وخصوصاً أنها حركة تصحيحية دينية ارتبطت سياسياً بظروف المرحلة التي ظهرت فيها.
ثانياً: ما يجب أن يدرس هو منهج محمد بن عبدالله صلى الله عليه وسلم وليس محمد بن عبدالوهاب وكأن الرسالة أنزلت عليه.
ثالثاً: الاستمرار في الارتباط بدعوة الشيخ محمد بن عبدالوهاب يسئ له وللإسلام ، وكأنه نسخ هذا الدين وأتى بدين جديد وهو منه براء ، صحح وانتهت مهمته ونحن الآن وسابقاً على القرآن وسنة نبينا.
رابعاً: لا استبعد مع الاحترام والتقدير لكافة المشايخ والعلماء ، أن نسمع يوماً بالدعوة الألبانية ، أو العريفية أو العودية أو القرنية إن استمرينا بالتمسك بهذه الدعوة التي أصبحت كأنها بديلة عن منهج نبينا.
خامساً: استخدم مصطلح الوهابية وروج لدى دوائر صنع القرار الغربي والأمريكي وبين الشعوب الإسلامية للتأثير على مكانة المملكة العربية السعودية في العالم الإسلامي وكأن لها مذهب مختلف عن سنة نبينا ، والاستمرار في الاستشهاد به في أدبياتنا يضر ولا ينفع ، ويجب أن نعود إلى (قال الله وقال رسوله) ، وليس قال الشيخ.
وأضاف د. سعد الشهراني: اتفق مع الرأي بأن دعوة الشيخ إصلاحية و ليست حركة بل أزيد و أقول أنها ليست تجديدية و ليست وهابية .. هي دعوة للعودة لنقاء الإسلام و التوحيد و تصحيح العقيدة و تأسست بناء عليها دولة العقيدة الصحيحة في مهبط الوحي : تصوروا أي مسار آخر غير ما نعيشه من الناحية العقدية!
قيض الله لنا و لهذه البلاد و للإسلام و المسلمين هذا الشيخ ليعيد الناس لروح الإسلام الحقيقية. و مع ذلك فنحن كلنا بشر نصيب و نخطئ و هكذا محمد بن عبد الوهاب و محمد بن سعود و من سار على أثرهما في القرون الثلاثة الأخيرة.
في هذه اللحظة التاريخية هناك من تشدد و غلا و استغل الدين بل هناك من يتصارع على المناصب و المراكز و الوظائف الشرعية و كأنها غنيمة دنيوية و هناك من يحتكر الإسلام و الفتوى الإمامة و الخطابة و غيرها و هناك من لا يعيش عصره و هناك من لا يعمل عقله في هذا العصر المتأزم.
بيننا من يغلو بل من يتغول باسم الدين و يستدعي الدين و يستعدي بالدين و ينسى بل يتناسى أن الدين المعاملة فانتشر الفساد أكثر ما انتشر في المؤسسات التي لها طابع و وظيفة شرعية مما أساء للدين و للوطن و للمؤسسات الشرعية نفسها.
نحتاج إلى (حركة تصحيحية) ! و قد لا تتأتى إلا بنقد صريح ، سيواجه بمقاومة للتغيير شديدة جدا ، خصوصا من المنتفعين و المحتكرين للدين و المؤسسات الدينية و (السلطة الدينية ).. و ربما أن مفهوم المراجعات كلمة أدق و أخف وقعا من النقد. ما نحتاجه هو مراجعة التراث الذي تراكم و الممارسات و المؤسسات و طرق توظيف الدين في حياتنا اليومية و إعادة أولئك الأوصياء علينا وعلى الدين إلى موقعهم المناسب: مواطنون محترمون مثلنا جميعا .. ليسوا فوق (النقد) و لا فوق الآخرين.
الذي لا أخشاه (كما قد يخشى البعض من المراجعات)هو أن يؤتى الإسلام من خلال هذه المراجعات لأننا و الحمد لله غيورون على ديننا بفضل من الله ثم بفضل دعوة الشيخ محمد بن عبدالوهاب رحمه الله.
نحتاج إلى ما يلي:
قراءة التراث الفقهي للدعوة.
قراءة تاريخنا منذ بدء الدعوة حتى هذه اللحظة.
قراءة ما كتب عنا و عن الدعوة بجميع اللغات.
استخلاص الدروس و العبر.
عرض كل ذلك على مذاهب أهل السنة و الجماعة.
الأخذ بأوسع الآراء و أكثرها وسطية و اعتدالا و مناسبة للعصر و تحدياته.
وضع خارطة طريق تحفظ لنا ديننا و تسمح لنا بأن نعيش عصرنا و نسهم في تقدم البشرية.
مداخلة ختامية
في مداخلة ختامية علق د. منصور المطيري على مجمل ما طرح بخصوص قضية الوهابية بالإشارة إلى النقاط التالية:
اتفق تماماً مع الرأي القائل بعدم استخدام مصطلح الوهابية .. و أنه مصطلح نبذ و وصم يقصد به التشويه و إعطاء الانطباع أن الوهابية مذهب مبتدع ومنحرف .. و قد تحقق نجاح كبير في هذا الصدد اتضح بشكل كبير في منتدانا هذا ، حيث يتحدث البعض عنها و كأنه يتحدث عن مذهب مستحدث في الإسلام على الرغم من النصوص التي أوردناها ، وأوردها الفاضلان د. العوين ، و د. الدهيش.. وفحواها أن ما يخالف الكتاب و السنة فالدعوة منه براء .. و أن ما دعا إليه الشيخ محمد بن عبدالوهاب هو ما دعا إليه العلماء السابقون .. و مع ذلك يجب التنبه و التنبيه إلى أن الحكم على أي حركة يكون من خلال الحكم على أصولها و مبادئها و ليس من خلال الحكم على اجتهادات بعض أفرادها التي قد تكون تعبيراً عن وجهة نظر شخصية ..
هذا يعني أنني اتفق مع ما تم طرحه من استعمال اسم الإسلام و عدم الولوج في دوائر ضيقة عند الحديث عن هويتنا .. وأما منهجية الفهم فهي منهجية أهل السنة و الجماعة ..
و أنبه هنا إلى أن بعض علماء الدعوة الإصلاحية القدماء و بعض المؤرخين السعوديين المعاصرين استخدموا كلمة الوهابية في إشارة إلى هذه الحركة الإصلاحية .. لكن هذا الاستعمال لم يكن يقدمها على أنها مذهباً جديدا ، بل كان من باب النسبة إلى من قام بها مثل ما نقول ( المالكية ، الحنفية ، الشافعية ..)، و ذلك مثل كتاب الرويشد ( الوهابية : حركة الفكر والدولة الإسلامية ) .. و قبله كتب الشيخ سليمان بن سحمان كتاباً دافع فيه عن الدعوة ذكر في عنوانه هذا اللفظة..
كما أنبه إلى أن الذي صاغ عنوان الورقة ( كيف نصحح النظرة العالمية للوهابية ) هم الأخوة الكرام في منتدى أسبار ، و قد ذكرت في ما كتبتُ في الورقة أنني لا أرتضي هذه التسمية ؛ لسبب بسيط أنه لا يوجد مذهب فقهي و لا عقائدي اسمه الوهابية.. و ما حدث هو دعوة إصلاحية تجديدية لشريعة الإسلام.
ذكر البعض أنه قد يكون هناك مبالغة من أنصار الدعوة الإصلاحية في وصف مظاهر الانحراف في تلك الفترة . و مع أن هذا هو رأي بعض المؤرخين إلا أنني أرى عكس ذلك . فهناك شواهد كثيرة تدل على أن حجم الانحراف كان كبيراً في مجالي البدع والجهل ، و هذا شمل الحاضرة و البادية مع اختلاف النسبة فالبادية أكثر انحرافاً و جهلاً . و قد ذكر ضابط عثماني كان مسؤولاً في نجد في مذكراته أنك لا تجد من يقرأ و يكتب في البادية أبداً، و لا تجد إلا أفراداً معدودين على الأصابع في الحاضرة .. وتشهد بذلك الدراسة الجادة للأوضاع الدينية و الاجتماعية والسياسية في ذلك الوقت.. ففي مدينة جدة مثلاً دع عنك نجداً و ما يحصل فيها ، يذكر أحد المؤرخين أنه يوجد فيها ( قبر طوله ستون ذراعاً يزعمون أنه قبر حواء أم البشر ، له سدنة يجبون من زائريه كل عام مبالغ خيالية .. و عندهم معبد يسمى العلوى يبالغون في تعظيمه فمن استجار بتربته أجير ، و من لاذ به من قاتل أو سارق أو غاصب لم يمس بأذى ، و لا يجرؤ أحد على إخراجه أو الوصول إليه ..)
ذكر البعض أن دعوة الشيخ محمد بن عبدالوهاب ليست دعوة معرفية و إنما هي دعوة إحيائية، و التحدي اللاحق كان في تطوير البعد المعرفي .. و أنا اتفق في أنها دعوة إحيائية .. و لا اتفق مع القول بأنها ليست معرفية ، أو أنها لم تتطور معرفياً.. لسبب واقعي و هو أن هذه الدعوة لا تتمثل و لا تنحصر في الرسائل التي كتبها الشيخ محمد والعلماء من بعده و إنما تكمن في الإحالات التي أحال عليها .. و هي المصادر المتمثلة في الكتاب و السنة ، و في منهجية السلف في الفهم و النظر ، و ما كتبه العلماء القدماء و المحدثون من جميع مدارس الفقه و العقائد السنية، و لذلك نجد كل علماء الحركة الإسلامية المعاصرة تتبنى السلفية على اختلاف في مدى التزامها، فمثلاً تجد مثل القرضاوي و راشد الغنوشي يدافعون عن المنهج السلفي الذي تبنته و دعت إليه الدعوة الإصلاحية ، بل إنك تجد بعض الفلاسفة الإسلاميين المعاصرين كطه عبدالرحمن و أبو يعرب المرزوقي يتكئون في كثير من أطروحاتهم على ابن تيمية تأثراً بالدعوة الإصلاحية في نجد.. و أنا لا أزعم التطابق في وجهات النظر لكن أقول أن الكثير من الأطروحات في الجانب المعرفي التي طرحتها الحركة الإسلامية تأثرت و أثرت في الدعوة الإصلاحية في الجزيرة العربية ، يدل على ذلك شواهد كثيرة من مثل تبني المدرسة الإصلاحية في مصر لأطروحات الدعوة السلفية مثل محمد رشيد رضا و غيره .. و لم يحصل محاولة الفصل بين الدعوة و هذه المدارس إلا خلال العقدين الماضيين ، لأسباب سياسية.
و من ناحية أخرى فإن الحركة الإصلاحية لم تتفلسف أي لم تلجأ إلى الفلسفة .. و السبب أن الإسلام نفسه عالج قضايا الوجود و المعرفة بأفضل مما عالجته الفلسفة .. و لم تكن معالجته أبداً نخبوية ، بل كانت واضحة و ميسرة لكل إنسان . و قد اكتفت الدعوة الإصلاحية بهذا .. و اعتمدت المنهج القرآني في الردود و الجدل مع ما يستجد من مذاهب .. و ربما يكون هذا من عيوبها .. حيث أن الواقع العلمي المعاصر يفرض على المثقف و العالم المسلم معالجة القضايا المطروحة بالمنطق السائد حتى يمكن تفنيدها إن كانت تستحق التفنيد.
تساءل البعض هل هي حركة أو دعوة ؟ و في رأيي أن الحركة في المفهوم الاجتماعي لها عناصر كالمشروع الذي ترفضه ، و المشروع الذي تطرحه بديلاً ، و الأيديولوجيا التي تشكل رؤاها ، و كالقيادات الفكرية و السياسية ، و كالاستعداد لتحمل دفع الثمن أثناء تنفيذ المشروع ، و غير ذلك. و في نظري أن الدعوة الإصلاحية بدأت حركة و انتهت دولة .. فهي نجحت في مشروعها ؛ و أعتقد أنها من أنجح الحركات في التاريخ . فعلى هذا فهي الآن ليست حركة بل هي دولة. فالحركة تنتهي بانتهاء مشروعها نجاحاً أو فشلاً .. أي أن دعوة الشيخ محمد كانت حركة في بداياتها ثم نجحت في تكوين مشروعها فأصبحت دولة…. و الانتقادات التي يطلقها البعض ضد الدعوة إنما هي بوادر حركة جديدة لها مشروع تحاول تطبيقه على أرض الواقع، و من حق الدولة والدعوة الاتجاه لتفنيد هذه الحركة الوليدة.
ذكر البعض تشدد الدعوة في بعض أطروحاتها الفقهية .. و الحقيقة أن هذا أمر ملموس .. بالذات في الجانب الاجتماعي. ويتمثل هذا تقريباً في الاجتهادات التي تتوسع في الأخذ بسد الذرائع. علماً بأن هذا التوسع في هذا الاتجاه يساهم فيه المشروع الليبرالي النخبوي الذي يتجه في أطروحاته إلى القفز على الأحكام الشرعية الثابتة أصلاً بدون اجتهاد ، و إلى التجني و القدح غير المبرر تجاه العلماء و الدعاة مما ولد ردة فعل يدركها كل متابع .. نلاحظها على شكل استقطابات حادة للرأي العام.. و مع ذلك فأنا أرى أن هذا لا يبرر التوسع في الأخذ بهذا المصدر ..
وقد أشرت في الورقة إلى هذا الموضوع حينما طالبت بضرورة التكوين العلمي الشامل للعالم و المثقف المسلم. العالم يحتاج بالإضافة إلى تكوينه العلمي الشرعي إلى ثقافة عصرية عميقة حتى يستطيع أن يحكم بشكل سليم.
و بالمناسبة في نظري أن المثقف السعودي و العربي بشكل عام يقع في درجة أقل بكثير من العالم الشرعي أو غيره .. المثقف يملك القدرة على إثارة القضايا وإخراجها إلى السطح فقط.. و أما الحكم على القضايا فهي من اختصاص المتخصص شرعيا كان أو قانونياً أو سياسياً أو نفسياً أو غيره ، كل في مجاله. و لذلك فإن المثقف السعودي يجب أن يتواضع و يعترف أنه يخوض أحياناً في أشياء لا يعرفها .. وعليه أيضا أن يكوِّن نفسه بشكل سليم في تخصص معين، و يحصر نفسه في تخصصه حينما يريد أن يحكم .. وأما إثارة القضايا للنقاش فهو حق للجميع بشرط أن يترك الحكم للمتخصص.
أكثر التعليقات إثارة هو ذلك التعليق الذي ربط الإرهاب بالدعوة ” الوهابية ” في المملكة، حين قال (لنخرجها من ضيق الإطار العقائدي الملزم دينياً و المتسبب لكثير من المشاكل مع العالم إلى سعة الإنجاز التاريخي ) مطالباً بتجاوز الجانب العقائدي و الاكتفاء بالإنجاز التاريخي؛ حيث أن هذا ما تمليه التاريخانية متحججاً بداعش و السلفية الجهادية التي تبنت العقيدة الوهابية بزعمه.
و في ردي على هذا الرأي أقول :
أن نواقض الإسلام التي ذكرها الشيخ محمد بن عبدالوهاب لم يخترعها من عنده بل هو ما قرره علماء الإسلام من قبله بناءً على الأدلة الصحيحة الصريحة من الكتاب و السنة.. بل إن بعض علماء المسلمين ومذاهبهم توسعت في باب المكفرات بما لم يذكره الشيخ محمد ، و لعل المذهب الحنفي أكثر هذه المذاهب تفصيلاً .. و أما الناقض الثامن فهو ناقض بصريح القرآن ، و لكن انتقدت الصياغة التي صاغها الشيخ محمد فقط حيث لم يقيده بقيد الدين ( المظاهرة و الموالاة في الدين ) .. و مع ذلك فإن الشروح التي شرحت هذا الناقض بينت المقصود ، و أكثر من توسع في بيانه أحفاده.
أن الربط بين دعوة الإصلاحية في المملكة و بين حركات العنف التي تفجرت أول ما تفجرت في بلاد أخرى حكمها علمانيون ظلمة قساة و طغاة ربط لا يسنده أي دليل صحيح .. فهده الحركات تفجرت في السجون تحت السياط و التعذيب، لم تتلمذ و لم تدرس على عالم واحد من علماء الدعوة ، و لم يعرف عنها في ذلك الوقت احتفاءً أو معرفة بأي من كتب الدعوة الإصلاحية .. و قد أثبت أحد الدارسين و أظنه الدكتور البهنساوي أن تلك الحركات لم تكن على صلة بأحد حتى بكتب الخوارج السابقين .. و إنما كانت مشكلتها في الاعتماد على أنفسهم في فهم آيات الحكم بغير ما أنزل الله و هم في هذا الوضع المزري تحت السياط و التعذيب .. و لما خرجوا من السجون خرجوا ناقمين مكفرين ، وتمثل دورهم في استقطاب الشباب بشكل سري إلى صفوفهم.
لابد من فهم طبيعة العنف …
العنف بشكل عام سببه الخلاف حول قضية معينة ولنقل مثلاً إلغاء نتائج الانتخابات في الجزائر في التسعينات بدعم من فرنسا التي فاز فيها الإسلاميون.. يتكون بعد ذلك عند البعض خيار الاتجاه إلى العنف كحل فيتشكل ما يسمى بأيديولوجية العنف. و هي الجزم أن هذه المشكلة لا تحل إلا بالعنف .. ثم يأتي تسويغ هذا الخيار و مبرراته . هذا التسويغ قد يعتمد على أكثر الأدلة براءةً من العنف المقترح كالقرآن أو تراث العلماء المسلمين أو حتى العلم الطبيعي أو غيره.. و هذا ما حصل مع كل الحركات المتطرفة في العالم الإسلامي فهي تستدل بالقرآن و السنة و بكلام العلماء.. و لا بد لها حينذاك من العبث بالأدلة حتى تستقيم لهم .. و تأتي هنا الانتقائية في التسويغ.. و الحقيقة أن الغرب والأمريكان الذين يتهمون الدعوة في المملكة بأنها تشكل أيديولوجية الإرهاب يفهمون هذه الحقيقة فخلال البحث عن السبب في الموقف العدائي من أمريكا في العالم الإسلامي ذكرت كثير من التقارير الأمريكية الرسمية أن البعد الأيديولوجي في التطرف ليس هو السبب في هذا الموقف و إنما هناك عوامل أخرى مثل الموقف الأمريكي من الصراع العربي الإسرائيلي عبر عقود من الزمن ، و مثل السياسات القمعية و الفاسدة لبعض الحكومات في المنطقة ..
تعليقي حول ما تم ذكره حول الجهادية السلفية و ربطها بدعوة الشيخ محمد بن عبدالوهاب لمجرد أنهم يقررون في مناهجهم بعض كتب الشيخ محمد .. أقول مقتصراً على بعض الجوانب أن الذي يميز الحركات والمذاهب هو نقاط اختلافها مع الآخرين ؛ فليس الاتفاق في التسمية مبررا للاتفاق في الحقيقة . السلفية الجهادية تسمية صحفية لبعض الاتجاهات التكفيرية ، تبنتها بعض هذ الاتجاهات .. و هي تعرف نفسها بوضوح بأنها تلك الجماعات و الأفراد الذين يكفرون الأنظمة الحاكمة في العالم الإسلامي كلها باعتبارها أنظمة ردة ، ذكر ذلك صراحة أبو مصعب السوري الذي كتب كتاباً تجاوز ألف و مئتي صفحة مؤرخاً و مبرراً و محللاً لهذا الاتجاه .. و الشاهد أن منظري هذا الاتجاه يعترفون صراحة أن الشباب السعودي لم يكن يعرف التكفير بتأثير من علمائه .. وأنهم هم من أثروا عليه عمداً خلال فترة الجهاد الأفغاني .. و أنقل هنا نصين يوثقان ما أقول كنت ضمنتها بعض ما كتبت في الموضوع ..
أولاً: يقول أبو محمد المقدسي و هو المؤثر الأول على هؤلاء الشباب [ ننقل هنا ألفاظه دون تغيير بما في ذلك الشعر العامي ] ( …ها هم أفواج الشباب يعودون مدربين على القتال و السلاح و المتفجرات… و قد استفادوا بعدما خرجوا من أسوار الجزيرة و احتكوا واختلطوا بإخوانهم الدعاة القادمين من شتى أنحاء المعمورة.. فرجع أكثرهم إلى السعودية بغير الوجه الذي خرجوا به أول الأمر.. فها هو فكر ” تكفير و قتال الحكومة و كل من ناصرها و عاونها و تولاها ” قد انتشر بين الشباب – العائد من أفغانستان المتدرب على السلاح – انتشار النار في الهشيم .. و ها هي أفواج الشباب ترجع محملة بعشرات الكتب التي تعري ….. و تفضحهم … و ها هم الشباب يرجعون و قد فقدوا الثقة بكل من يمدح هؤلاء.. أو يثني عليهم أو يجادل عنهم أو يقف بأبوابهم مهما طالت لحيته و كبر لقبه…… لقد خرج شباب الحجاز و نجد و من حواليها يوم خرجوا متوجهين لنصرة الجهاد الأفغاني يحلمون بالخلافة الضائعة و المجد التليد… خرجوا و أكثرهم يعتقد – بفضل تلبيس العلماء العملاء – أن في رقابهم بيعة لإمام (المستسلمين !!).. و اليوم يعودون … و قد تبصروا (بحرامي!!) الحرمين، و يتربصون اليوم الذي يقارعونه و جيشه و حكومته فيه ، ……و كم كان يثلج صدورنا سماع أولئك الشباب و هم ينشدون من فوق ربى جبال الهندكوش و هم يرمون ببصرهم صوب نجد و الحجاز و تهامة ويقولون…الطواغيت ولى حكمهم و أدبر .. راح وقت العمالة و الله الشاهد) .
هذه شهادة واحد من أكبر المؤثرين في اتجاه الغلو عند الشباب السعودي يذكر فيها كيف تحول هؤلاء الشباب إلى ما يوافق اعتقاده ، خصوصا أنه ساهم مساهمة فعلية في إقناع بعض الشباب السعودي بفكره المتطرف ، حيث ألف كتابه الكواشف الجلية رداً على هؤلاء الشباب و غيرهم الذين كانوا يناقشونه و لا يقبلون قوله فهو يقــــول عن ورقاتــــه التي كتبــهـــا:
( …اضطرني إلى الإسراع في إعدادها و إخراجها ما بدر واشتهر عن كثير من المنتسبين إلى الدعوة و العلم بل و الجهاد ، من الدفاع عن النظام السعودي … و ممانعة كثير منهم من الكلام فيه ، و الصد عن ذلك و الأخذ على يد الطاعنين عليه ، بحجج و مزاعم جوفاء..) و يقول ( فكم جمعتني مجالس مع رؤوس لدعوات و جماعات خضنا فيها حول كل حكومة و طاغوت فإذا ما تعرض الحديث أو تطرق إلى هذه الدولة …فتلك عندهم عقبة كؤود … تحجم دونها خيولهم و مطاياهم و تتردد و تضطرب حولها سيوفهم ورماحهم و نبالهم …) . و يقول أيضا ( ورغم مشاركة كثير ممن ينتسبون للجهاد والمجاهدين في الدفاع عن ذلك النظام … أو على الأقل منع الكلام و الطعن فيه … و رغم محاولات السعودية عزل شبابها عن بقية العرب في بيشاور خوفاً من تأثرهم بما سموه بالآراء الشاذة – يقصدون تكفير طواغيتهم و جهادها – لدرجة أنهم وضعوا بيتاً خاصاً للسعوديين …. رغم هذا كله ها هم الشباب اليوم يرجعون إلى أرض الحرمين و هم يحملون هذا الفكر الذي يرعب السعودية و يقلق مضاجعها ).
ثانياً: شهادة فيلسوف ما يسمى بالجهادية السلفية أبو مصعب السوري حيث يقول :
( “أن… أسامة بن لادن قد بنى القاعدة على جهود كوادر من تنظيم الجهاد المصري أساسا، مع بعض الذين ساهموا في التدريب من كوادر التيار الجهادي في مناطق أخرى. ولم يكن معظمهم أعضاء في القاعدة، وإنما على سبيل التعاون وتبادل المنافع . فقام هؤلاء الجهاديون – وكنت من بينهم لفترة – ببث أفكارهم الجهادية حول الولاء والبراء والحاكمية .. وغيرها من الأمور السياسية الشرعية، وفقه الواقع في تلك المعسكرات حيث وصلت الأساليب لحد تدريب السعوديين على الرماية على صور الملك فهد وكبار الأمراء السعوديين..! فأثروا مع الوقت عبر كتبهم ومحاضراتهم و أساليبهم و مناقشاتهم في قاعدة القاعدة الشبابية. ثم انتقل التأثير ذاته للشيخ أسامة مع الوقت ، والذي كان قد حضر إلى أفغانستان وهو مثل عموم الشباب السعودي الذي جاء للجهاد آنذاك يحمل منهج و بصمات فكر الصحوة الإسلامية في السعودية …. – وأكتب هذا لعلمي بسبب قربي منه تلك الفترة ومناقشاته في ذلك مرات عديدة – . وكان هو وعموم المجاهدين السعوديين يعتبرون أن الحكومة السعودية شرعية، وأن الملك فهد وآل سعود مسلمون وأولياء أمور شرعيون … ويكنون احتراما شديدا للعلماء الرسميين في هيئة كبار العلماء، ويلتزمون بفتاويهم ..”.)
هاتان الشهادتان تثبتان أن التكفير قادم إلى السعودية من خارجها .. و أن التجنيد و الاستقطاب أتى لاحقاً عبر آلياته المعروفة.. فلنكف عن اتهام علمائنا و منهجنا بالتكفير .. و المصيبة أننا نردد مقولات أعدى أعدائنا بدعوى الجرأة و الصراحة ..
مفهوم القطيعة مع الجانب العقائدي في ” الوهابية ” الذي تم طرحه تطبيقاً للفلسفة أو مفهوم التاريخانية الذي يعتبر أي خطاب أو أي حركة وليدة شبكة من العلاقات المعبرة عن السلطة و القوة في تلك اللحظة التاريخية مما يسوغ تجاوزها و حتمية القطيعة المعرفية معها في أي لحظة تاريخية تالية ..هذا المفهوم المادي ( الفاشل) حاول تطبيقه غلاة العلمانيين العرب على الرسالة الإسلامية نفسها و على القرآن الكريم نفسه و من أشهرهم محمد أركون الذي كتب كتباً كثيرة كلها تصب في هذا الباب و منها دراسة له حول سورة الفاتحة و سورة الكهف، و أنها تدل بصورة واضحة على تاريخية القرآن ، و أنه نص أنتجته الظروف في حينه و لا يصلح استصحابه لمعالجة ظروف لاحقة و تالية، و الهدف واضح و هو تجاوز دعوة الإسلام نفسها و الترويج لمبدأ العلمانية السائد في الغرب باعتباره أنموذجاً مثالياً ..
و أنا أسأل عن العقيدة التي يطالب البعض بالتخلي عنها خصوصاً إذا عرفنا أن الدعوة الإصلاحية تنادى بما نادى به القرآن و السنة الصحيحة و أن ما يخالفهما فهي منه براء حتى لو صدر من أكبر عالم فيها كما هو واضح و صريح في النص الذي ذكره الدكتور العوين .. ما هي ؟
المحور الثاني
تنفيذ الأحكام الشرعية في 47 إرهابياً، وتداعياتها الدولية
الورقة الرئيسة: د. عبدالرحمن الهدلق
بحكم معرفتي بتفاصيل الموضوع أطرح للجميع بعض اللفتات والوقفات بمناسبة الحدث وموضوع إقامة الحدود على الجناة :
ينبغي أن يحمد الانسان ربه على العفو والعافية ، وأن يستشعر نعمة الله عليه في أن سلمه وذريته من الفتن والدماء ، وأن يتجنب الشماتة والاستهزاء، فالموقف رهيب والأمر عظيم. وأن يستشعر الرحمة بالمسلمين ومن صور الرحمة إقامة الحدود الشرعية على مستحقيها من الجناة .
إقامة الحدود لها ثمرات عظيمة على الفرد والمجتمع في الدنيا والآخرة فهي من أعظم أسباب تحقيق الحياة المطمئنة كما قال تعالى ( ولكم في القصاص حياة يا أولي الألباب لعلكم تتقون ) ولذا قالت العرب : ( القتل أنفى للقتل ) ، وهي من أعظم حصول البركات للمجتمعات والأفراد كما قال تعالى ( ولو أنهم أقاموا التوراة والإنجيل وما أنزل إليهم من ربهم لأكلوا من فوقهم ومن تحت أرجلهم ) وفي الحديث الذي أخرجه النسائي وابن ماجة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : ( إقامة حد في الأرض خير من أن يمطروا أربعين صباحا ) .
للعقوبات الشرعية في الإسلام مقاصد عظيمة وحكم بالغة على الفرد والمجتمع من أبرزها التطهير والقصاص والتعويض والزجر ، حفاظا على أمننا واستقرارنا وهويتنا الإسلامية .
مررنا في المملكة بمرحلة خطيرة بسبب تنظيم القاعدة الإرهابي الذي استحل الدماء والفتك بالأنفس المعصومة وسرقة الأموال المحرمة وتفجير الممتلكات العامة والخاصة حيث قام التنظيم بقتل العشرات من المسلمين والمعاهدين من الرجال والنساء والأطفال ، ولا يخفى على عاقل مدرك ارتباط هذا التنظيم باستخبارات معادية للإسلام والمسلمين وللمملكة ، يغيظهم ما تعيشه بلادنا من أمن واستقرار ورخاء ووحدة متينة وقبل ذلك تأسيسها على توحيد رب العالمين وسلامة عقيدتها من البدع والخرافات والشركيات وتحكيمها للشريعة ، ولا يمكن أن يحافظ وطننا على مكتسباتنا الدينية والوطنية إلا بالحزم في إقامة الحدود الشرعية على كل جان استحق العقوبة دون مهادنة ولا مواربة ولا تردد ، وصدق الله ( ولا تأخذكم بهما رأفة في دين الله ) ( ولكم في القصاص حياة يا أولي الألباب لعلكم تتقون ) .
دولتنا لم تتخذ موقفا مسبقا من المتورطين في قضايا الإرهاب ولم تؤاخذ أحد منهم بجريرة غيره وإنما حاسبت كل فرد بجريرته الخاصة وأتاحت له جميع سبل المدافعة عن نفسه بل من لم يستطع أن يقيم محاميا أقامت هي من يحامي عنه ولم تستعجل في موضوعهم ؛ ليتسنى استيفاء جميع دراجات التقاضي في حقهم من الابتدائية إلى الاستئناف ثم العليا فتمر أحكامهم على ما يزيد على ثلاث عشرة قاضي (١٣) لهم الاستقلال التام في تدقيق الأحكام عليهم ، ولم تصدر أحكام القتل إلا على من توغل في القتل أو حرضوا على القتل واستباحة الدماء المعصومة .
أما غالبية المتورطين فصدرت عليهم أحكام تعزيرية دون القتل بالسجن مدد متفاوته ؛ لكونهم لم يتورطوا في الدماء مباشرة، مع أن هناك اتجاه من العلماء يرى قتل عموم من تلبس في فكر الخوارج وأصر عليه لعموم نصوص الأمر بقتلهم دون استثناء .
لا فرق بين مذهب ومذهب ولا قبيلة وقبيلة ولا منطقة ومنطقة ، ولا بين سني وشيعي في ميزان العدالة والقضاء ، وإنما الاعتبار بالجرم الذي ارتكبه والجناية التي فعلها ، كائنا من كان ، كما جاء في الحديث ( والذي نفسي بيده لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها ) فهؤلاء الجناة الذين تقام عليهم الحدود الشرعية ليس لكونهم سنة أو لكونهم شيعة وإنما لكونهم قتلوا النفس التي حرم الله بغير حق وانتهكوا الأموال المحرمة وأفسدوا في الأرض وخرجوا على الجماعة وقد قال تعالى ( من أجل ذلك كتبنا على بني إسرائيل أنه من قتل نفسا بغير نفس أو فساد في الأرض فكأنما قتل الناس جميعا ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعا ).
ينبغي أن يأخذ المجتمع عموما والشباب خصوصا العبرة والعظة من ذلك كما قال تعالى ( ولكم في القصاص حياة يا أولي الألباب لعلكم تتقون ) فالتفكر والتعقل من أولي الألباب في تأمل عاقبة الخروج على الجماعة ونزع البيعة الشرعية والتنكب للحق والاستخفاف بنصح العلماء وتوجيهاتهم واستحلال الدماء المعصومة وانتهاك الأموال المحرمة وترويع الآمنين والفتك بهم وتشويه صورة الإسلام والمسلمين التأمل في عاقبة ذلك من إقامة الحد على من فعله في الدنيا سوى وعيد الله له في الآخرة إن لم يتب سيجعل الشاب يتوقف عند حدود الله تعالى ويعظم ما عظمته الشريعة من المحافظة على الضرورات الخمس الدين والنفس والعقل والعرض والمال . ( ومن يقتل مؤمنا متعمدا فجزاؤه جهنم خالدا فيها وغضب الله عليه ولعنه وأعد له عذابا عظيما ) وفي الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم ( من قتل معاهدا لم يرح رائحة الجنة ).
المسؤولية كبيرة على الأسر وعلى الموجهين والمربين والنخب المثقفة في تحصين الشباب من الأفكار الضالة وبيان خطرها وآثارها السيئة على الإسلام والمسلمين وعلى الفرد والمجتمع ، ولن تنفع المجاملات وإنما لابد من وضع النقاط على الحروف وتسمية الأمور بمسمياتها في ما يتعلق بالدماء والخروج إلى مناطق الصراع والفتن والاعراض عن العلماء والاستهانة بالولاية الشرعية وسواها من الأمور التي يجب أن يستوعبها الشباب بالتفصيل حتى لا يكونوا ضحايا للتنظيمات الضالة كتنظيم داعش والقاعدة والنصرة ومن سار على منهاجها . ونحن نرى أن من أخذ الأمور بمحمل الجد وكان صريحا مع أبنائه وإخوانه وأبناء مجتمعه في وضع النقاط على الحروف في بيان خطر تلك التنظيمات الضالة والمتعاطفين معها كان سببا بعد الله تعالى في حماية أولاده وأبناء مجتمعه من التورط في مالا تحمد عقباه ، ومن لم يكن جادا في ذلك ولم يكن صريحا في ذلك كان من أسباب تورط بعض الشباب في تلك النتائج المأساوية ، وسيكون من ورطهم وأسرهم ومجتمعهم ودولتهم خصما له أمام الله يوم القيامة .
بذلت الحكومة السعودية ولا زالت تبذل الجهود الكبيرة التوعوية والإعلامية منذ بداية الأحداث في توعية الشباب بالمخاطر التي تحاك لهم كما قال ولي العهد للشباب الذين اتصلوا به من اليمن في محاولة الاغتيال الفاشلة التي حفظه الله فيها من الخيانة والغدر ولم يصلح كيد الخائنين ، قال حفظه الله ( انتبهوا لأهل الشر الذين يحاولون أن يغرروا بكم )
وقد بذل العلماء الصادقون والدعاة والكتاب المخلصون جهودا كبيرة في ذلك وقد قامت الحجة على الجميع ولم يعد لأحد عذرا مهما كان .
إقامة الحدود على الجناة مطلب شعبي وتأخر تنفيذه لاستيفاء متطلبات الترافع والمدافعة واستكمال درجات التقاضي لا يعني بحال سقوط حق من سفكت دمائهم بغير حق من المواطنين ورجال الأمن والمقيمين.
والواجب أن يكون المواطن واعيا قويا في الدفاع عن وطنه ومجتمعه المسلم وأن يكون هو رجل الأمن الأول وأن لا يسمح للحاقدين على بلادنا في الداخل والخارج بالتشكيك في ولاة أمرنا أو في علمائنا أو في قضائنا وأن يبين للقريب والبعيد أن أمن بلاد الحرمين واستقرارها ووحدتها وهويتها الإسلامية خط أحمر ترخص عنده كل ما يملكه المسلم من دم ومال .
وفي الختام نسأل الله أن يصلح شبابنا وأن يزيدهم علما وبصيرة واعتبارا وعظة وأن يجعلهم لبنات بناء لمجتمعهم ووطنهم وأن لا يجعلهم معاول هدم بيد أعدائهم وأعداء بلادهم. ونسأله أن يحفظ شبابنا من الأفكار الضالة وأن يحمي وطننا من الفتن ما ظهر منها وما بطن وأن يديم علينا جميعاً نعمة الأمن والاستقرار.
التعقيب الأول: أ.د. عبدالرحمن العناد
في تقديري أن إصدار الأحكام بحق الموقوفين في مختلف القضايا الأمنية هو المطلب الحقوقي الأول الذي طالبت به الجمعية الوطنية لحقوق الإنسان والجمعيات والمنظمات الحقوقية الدولية، وذلك بسبب طول فترات التوقيف للمتهمين دون محاكمة، أو البدء بالمحاكمات وتأخر الجلسات وتباعدها ومن ثم يتأخر صدور الأحكام، ويلي ذلك مطلب توفير ضمانات حماية الحقوق المدنية للموقوفين التي تشمل سلامة إجراءات التحقيق والمحاكمة وتوفير فرص كافية وعادلة للدفاع كالاستعانة بمحام، وإذا ما توفر ذلك، وهو الأمر الذي يبدو أنه تحقق بالأحكام المنفذة مؤخراً، فإن من المهم أيضا سرعة تنفيذ الأحكام بعد المصادقة عليها، والمعروف أن أحكام القتل تحديدا تتطلب مصادقة أعلى سلطة في المملكة، وتتأخر هذه المصادقة أحيانا للتأكد من سلامة إجراءات المحاكمة واستنفاذ فرص الاستئناف وعدالة الحكم.
ومن المهم ألا يمتد الحديث عند مناقشة هذه القضايا من قبل الإعلاميين السعوديين ونشطاء حقوق الإنسان إلى سلامة الأحكام القضائية أو مناسبتها، فذلك يدخلنا بالمحظور الذي تريده بعض الجهات الخارجية المغرضة وهو التشكيك بالقضاء الشرعي بالمملكة، حيث يغفل هؤلاء المنتقدون الإجراءات الصارمة والمراحل المتعددة لأحكام الإعدام بالمملكة، ويصورون القضاء بالمملكة متساهلا بإصدار تلك الأحكام. وكلي ثقة أن الأحكام التي نفذت مستحقة بحق من روعوا الأمنين واستهانوا بأرواح الناس، وهي أحكام لم تتخذ بسهولة وقد مرت بمراحل متعددة واستغرقت وقتا كافيا للتأكد من سلامتها وعدالتها.
ونأمل من الجهات الأمنية والقضائية بالمملكة الإسراع في البدء أو إنهاء محاكمات بقية الموقوفين بالقضايا الأمنية، وهم بالمئات، والحرص على سلامة وعدالة المحاكمات وفقا للنظم المعمول بها وبخاصة نظامي الإجراءات الجزائية والمرافعات الشرعية، ففي هذين النظامين أفضل الضمانات للحقوق المدنية للمتهمين والموقوفين والسجناء والمحكوم عليهم. وهذا بطبيعة الحال يضمن إطلاق سراح الأبرياء منهم بالحال، وإيقاع العقوبات المناسبة بتدرجاتها المختلفة على كل من يثبت تورطه بالإرهاب وترويع الأمنين وترويج الفكر التكفيري الضال.
أخيرا فإن تنفيذ الأحكام الشرعية يسجل تاريخا مهما للمملكة في حربها على الإرهاب ، وأظنه تأخر كثيرا، ولكن أن يأتي متأخرا خير من ألا يأتي أبدا… حفظ الله بلادنا من كيد الكائدين ومن كل مكروه.
التعقيب الثاني: م. حسام بحيري
بداية أود التوضيح أن الإعلام الغربي منذ فترة وهو يستهدف المملكة العربية السعودية بالذات كما يستغل تطبيق أحكام الإعدام عادة بتغطية رئيسية عند تنفيذ أي حكم ومحاولة تصوير المعدومين كضحايا متجاهلين عمدا الضحايا الحقيقين لهذه الجرائم وذلك بسبب استهدافهم الفعلي لكل ما هو سعودي وهم غير متناسين أن الصين لوحدها أعدمت أكثر من 2400 شخص في عام 2014 في محاكم ثورية سريعة وهناك 55 جريمة بالصين إذا ارتكبت استحق عليها حكم إعدام بعضها لا تتعدى جرائم مثل التزوير أو الرشوة أو السرقة لكن الصين ليست دولة مسلمة ليتم استهدافها. إيران الإسلامية أعدمت أكثر من 700 شخص في عام 2015 وبمعدل أكثر من 3 إعدامات باليوم في محاكمات صورية تنتفي فيها أبسط قواعد القانون أو العدالة أو حتى الشرع والكثير من الإعدامات الإيرانية لها طابع سياسي و تحمل الصبغة العنصرية الكثير من ضحايا الإعدامات الإيرانية كانوا من الأقلية العربية السنية الإيرانية ولكن من وجهة نظر الصحافة الغربية إيران دولة إسلامية يسهل التعامل معها ومستعدة أن تطوع لخدمة الغرب لاحتواء العرب السنة. بالمقارنة أحكام القضاء السعودي تستكمل جميع النواحي القانونية والشرعية من تحقيق ودفاع وتقديم أدلة واعتراف واستئناف حتى يتم التنفيذ وحسب ما هو متبع في جميع المحاكم القانونية في العالم، السؤال المهم هو ماذا لو كان هؤلاء المتهمين الذي تم إعدامهم متهمين في محكمة دولة غربية مشهود لها بنزاهتها القضائية ولنأخذ الولايات المتحدة كمثال لأنها إحدى الدولة الغربية التي مازالت تطبق قوانين الإعدام سواء كقانون العقوبات الفيدرالية أو في ال 31 ولاية أمريكية والتي تطبق أحكام الإعدام. طبقا للقانون الأمريكي تصدر أحكام الإعدام ضد الأشخاص الذين ارتكبوا جرائم مثل الخيانة و الإرهاب و القتل, وكبار مهربي المخدرات أو قتل شاهد أو محلف أو موظف محكمة. القانون الأمريكي لا ينتظر الاعتراف من المتهم كل ما يحتاجه هو سبب مبرر للقيام بالعمل الإجرامي أو الإرهابي ودليل جنائي وشاهد واحد أو أكثر وهذا ما حصل في إدانة المتهم الرئيسي في تفجير أوكلاهوما الإرهابي في عام 95 ميلادية والتي تم إعدام تموثي ماكفاي المنفذ للعملية. طبقا للإجراءات القانونية المتبعة في أنظمة القضاء الأمريكي أستطيع أن أجزم أن 10% من الأدلة التي بحوزة المحققين السعوديين كافية لإصدار أحكام بالإعدام بحق ال 47 شخصا بما فيهم نمر النمر في أي محكمة أمريكية ولذلك ليس هناك أي التباس أو شكوك في قانونية إعدامهم حسب أنظمتهم المتبعة في بلدانهم. الإعلام الغربي رأى في الإعدامات مدخل للهجوم على السعودية كعادته ويدعي أن النمر معارض سياسي وليس إرهابي مثل البقية متجاهلين حقيقية أنه تحالف مع إيران ضد السعودية وهذه تعتبر خيانة بجميع المقاييس القانونية وفتح النار على رجال الأمن ومحاولة دهسهم بعربته ولو فعل ذلك بأي دوله غربية سواء أمريكا أو ألمانيا أو فرنسا لرمي بألف رصاصة في موضعه و بدون أي محاكمة وهذا ما يحصل دائما وبشكل شبه يومي في الولايات المتحدة في حق أي شخص يشتبه أنه يشكل تهديد على رجال الأمن .الضجة الإعلامية الغربية لن تطول لمعرفتهم أن الكثير من الذين اعدموا فعليا قاموا بعمليات إرهابية واستهدفوا أصلا بنو جلدتهم الأجانب والشركات الغربية العاملة بالبلاد ولا يستطيعوا أن يقفوا بصفهم أو يدافعوا عن إعدامهم مطلقا خصوصا أن السواد الأعظم ينتمون للقاعدة. نمر النمر هو الشخص الوحيد من بين الذين اعدموا يصور أنه معارض سياسي وليس إرهابي وهو مدخلهم لاستغلال الحدث لمهاجمة المملكة وسياستها ولو فعل ما فعل في بلادهم كان سيلقى نفس المصير. للتذكير عمر عبد الرحمن الشيخ المصري الضرير تم زجه بالسجن لمدى الحياة لمجرد أنه اعتبر منظر لخلية إرهابية قامت بأول هجوم على مبنى التجارة العالمي في عام ٩٣م. قوانينهم لمحاربة الإرهاب جدا شرسة ولا تفرق بين فاعل ومنظر الاثنين سيلقون نفس العقاب ونفس المصير. أبواقهم ستصمت قريبا لمعرفتهم أن موقفهم منافق ومفلس، وقودهم هو الكره من المملكة ومواقفها، وموقف المملكة اليوم موقف قوي جبار برهنت للعالم أن حربها ضد الإرهاب حرب أفعال وليس أقوال هي الدولة التي قدمت أكبر عدد من الضحايا الأبرياء خصوصا من رجال الأمن والذي استشهد منهم العشرات, هي الدولة التي وقعت ضحية لعدد كبير من الأعمال الإرهابية وهي الدولة التي دفعت ثمن باهظ في محاربته وهي الدولة التي رصدت أكبر الميزانيات وأضخمها ووظفت الآلاف من رجالها لمحاربته واليوم أضافت إنجاز جديد يتمثل في دحر رؤوس الفتنة وإعدام أكبر عدد من الإرهابيين الذين عاثوا بالأرض فسادا. لاشك لدي أنه بإعدام هذه الزمرة اكتسبنا احترام الأعداء قبل الأصدقاء لأنه بكل بساطة من من الدول تجرؤ على إعدام هذا الكم من الإرهابيين دفعه واحده غير مكترثة بوجهات نظر أو رأي عام عالمي أو تهديدات الملالي أو منظري داعش والقاعدة والذين تعلموا اليوم أن يأخذوا مواقفها بجدية لأنها لن تتهاون في معاقبتهم.
التعقيب الثالث: د. منصور المطيري
بدا واضحاً أن الدولة أعدت سيناريو محكم لتنفيذ هذا الحكم على أفضل وجه . حيث:
هيأت الرأي العام قبل الحدث بأيام عن طريق أفلام و أحاديث تذكر بشناعة الفعل الإرهابي الذي مارسته القاعدة.
توجيه رسالة يفهمها الجميع من خلال مجمل الحدث ، و من خلال قتل هذا العدد الكبير في وقت واحد ، أن كل فرد محاسب على ما اقترفت يداه، و أنه لا حد ينجو بجريمته.
حضور الجانب العدلي بقوة في هذا القرار. حيثً بين المتحدث الرسمي لوزارة العدل صورة واضحة للجانب الحقوقي. و أن ما حصل لم يكن حكماً بالتشهي و إنما حكم قضائي وفق نظام الإجراءات الجزائية الذي يعرفه الجميع .
اتضح غياب كل وصف غير مؤثر في الحدث. اختفت القبيلة و الطائفة و الإقليم من المشهد.
بدا واضحاً أن أجهزة الدولة تعرف ما تفعل . و أنها فعلته بأحكام .
هناك ما يستحق التعليق و النقد . من ذلك:
بدا المتحدثان الرسميان في حالة ممتازة. ما عدا أمر واحد ظهر معيباً و هو غياب تفصيل الحالات عنهما. لم يكن المطلوب منهما ذكر تفاصيل كل حالة ، و لكن كان يجب تواجد التفاصيل لديهما. واتضح هذا العيب عند السؤال عن الجنسية المصرية التي نفذ فيها القتل. حيث كان الاعتذار لعدم وجود التفاصيل. و هذا معيب ، خصوصاً أن المعلومة متاحة أصلاً في بعض دراسات الحالة التي أجريت على هذا الشخص و غيره.
و في ما يتعلق بالممارسة الإعلامية التي ينقصها كثير من الحرفية فيمكنني أن أقول :
لا تعجبني أبداً اللغة الاعتذارية التي يتسم بها الخطاب الإعلامي لدينا، حيث تحضر إيران و الغرب في التساؤلات و التعليقات، وتفصح أسئلة و تعليقات كثير من الإعلاميين عن الاهتمام المبالغ فيه بردة الفعل عند هذه الأطراف فيظهر التبرير بشكل واضح و كأنما نعتذر للآخرين عن ما نفعل ، و هذا ناتج عن فقدان الثقة في مبادئنا و مؤسساتنا. وسبب هذا في نظري قضية هيكلية تتعلق أولاً بتكوين الشخصية الإعلامية، فأغلب الصحفيين هواة و محدودي الثقافة ، إضافة إلى أن المناخ الثقافي العام الذي ساد عندنا لا يشجع التمحيص والنقد الموضوعي و محاكمة الأفكار بشكل سليم .. و لذلك نظهر إعلامياً بهذا الشكل المهلهل.
في تويتر ظهر عند البعض ممن لهم أتباع كثيرون أن التأثر بأطروحات المنظمات الحقوقية وصل إلى حد رفض العقوبات الصريحة في الشريعة كالقصاص والحدود … و من هنا ينبغي أن ندرك أن جزءاً من الضغط الذي يمارسه العالم علينا يتم من خلال بعض السعوديين ..
و من ناحية أخرى، فإني أقف بكل قوة مع تنفيذ هذا القرار منطلقاً من مبدأ شرعي واضح بينه الفقهاء في مثل حالات التأويل و البغي هذه. و هي أنه متى أقيمت الحجة على الباغي المتأول و رفض هذه الحجة فإنه يتحول إلى قاطع طريق يطبق عليه حد الحرابة متى ما قبض عليه.. و أذكر أن العلماء لم يقصروا في سراً و جهراً ، ناصحوهم و لينوا لهم و ذكروهم ، و لكن لا حياة لمن تنادي .. كما أصدر الملك عبدالله رحمة الله عليه نداءً عاما لهم في عم ١٤٢٤هـ يؤمنهم إن هم سلموا أنفسهم، و لكنهم أصروا على البغي ..
أثبتت دراسات الحالة التي أجريت عليهم تنوعهم في كل شيء في مناطقهم و قبائلهم . و في ذكائهم و غبائهم ، و في وجود الثقة و عدمها . في فقرهم و غناهم. في علمهم و جهلهم. بقي الطويلعي الذي كان من الأوائل في كلية الشريعة، يصدر لوحده مجلة صوت الجهاد حتى قبض عليه و بيده السلاح يقاوم به. و مثله فارس بن شويل و الحميدي ، كلهم حازوا ذكاءً و علماً ، و ما يغني الذكاء و العلم إذا تلبس الإنسان بهواه يساراً أو يميناً، و ما يغني كل ذلك إذا نسي الإنسان الأصول، فأنت تتعجب كيف يستحل هؤلاء الدماء التي هي من أعظم المحرمات إلا بحقها.
لا شك أننا غفلنا فترة من الفترات فكانت هذه هي النتيجة .. و آمل أن لا نغفل مرة أخرى (و أن هذا صراطي مستقبماً فاتبعوه ..) .
التعقيب الرابع: د. إبراهيم البعيز
لعلي أبدأ بالتأكيد على ما ذكره د. الهدلق (فالموقف رهيب والأمر عظيم)، لذا ليس من المستغرب أن تسارع وتتسابق وسائل الإعلام العالمية على نشر مثل هذا الخبر.
تناول الإعلام العالمي لمثل هذا الخبر سيأخذ محورين:
المحور الأول: المحور الإخباري:
وقد تجاوز عدد عناوين الأخبار على محركات البحث لأكثر من 350 خبرا في مختلف وسائل الإعلام العالمية، بعضها اعتمدت على وكالات الأنباء وأخرى اعتمدت على مراسليها. السمة الغالبة عليها ورود كلمة إرهاب في مقدمة الخبر مثل:
Saudi Arabia executed 47 people convicted of terrorism-related offenses on Saturday, including suspected members of Al Qaeda and a prominent cleric and government critic from the country’s Shiite minority.
Saudi Arabia executed 47 people on Saturday who had been convicted of various terror acts spread out over the course of a decade
جزء كبير من المضمون الإخباري هنا مأخوذ من بيان وزارة الداخلية الذي نشرته وكالة الأنباء السعودية، لكن – وليس من المستغرب – أن تبدأ بعض الأخبار بالإشارة إلى نمر النمر، وهذا يأتي امتداد لما كانت تتناوله وسائل الإعلام عن اعتقاله وخبر صدور الحكم عليه والذي كان يتصدر الأخبار طيلة السنوات الماضية، ويأخذ هذا أهميته من سياق الخلاف السياسي بين المملكة وإيران، والذي تحرص بعض القوى من الجانبين جعله خلافا طائفيا.
المحور الثاني: التحليلات والتعليقات السياسية
من خلال اللقاءات والحوارات التي بدأت في القنوات الإخبارية العالمية، وسيتبع ذلك أيضا جملة من المقالات والتقارير الصحفية المتوقع أن تبدأ في الظهور قريبا.
سررت جدا من نقل قنوات فضائية إخبارية عالمية (بي بي سي والجزيرة مثالا) للمؤتمر الصحفي الذي شارك فيه المتحدث الرسمي لوزارة العدل والمتحدث الرسمي لوزارة الداخلية، لكن الملفت للنظر (وقد أكون مخطئ) غياب وسائل الإعلام العالمية عن المؤتمر الصحفي.
علاقتنا بالإعلام الخارجي وخاصة الإعلام المؤثر (الأوروبي والأمريكي) علاقة لم نعرف كيف نديرها بعد، فنحن في الغالب نتعامل معهم من نافذة ما “نريد منهم”، ولم نفكر بعد التقرب اليهم بطرق باب “ما يريدون منا”. نحن نتجنبهم خوفا من “سلبيات محتملة”، لكننا ندفع ثمن ذلك في خسارة الكثير من “الإيجابيات المؤكدة”. لا نلتفت لوسائل الإعلام الدولية إلا في الأوقات الحرجة وساعات الأحداث الساخنة.
نحن بحاجة إلى استراتيجية للتواصل الثقافي تتضمن آليات وإجراءات حديثة للتعامل مع وسائل الإعلام العالمية، بحيث تساعد على بناء علاقة متينة مستمرة، تقوم على تحقيق أهداف كل طرف، والمهم أنها ستمكننا من سهولة التواصل لتقديم وجهة نظرنا (الرسمية غير الرسمية) عند سخونة الأحداث. وهذا يجنبنا الكثير من حالات التبرم و ادعاء المظلومية عندما نرى أن الإعلام لم ينصفنا.
المداخلات حول القضية
تنفيذ الأحكام الشرعية وموقف المملكة الحازم
قال د. مساعد المحيا في هذا الصدد إن يوم تنفيذ الأحكام الشرعية من أيام الله التي لن تنسى في تاريخ المملكة العربية السعودية .. فقد واجهت المملكة الأعمال الإرهابية قبل أن يتبلور تنظيم القاعدة إذ إن تفجيرات العليا كانت في أواخر عام 1995 في حين أن التنظيم تأسس عام ١٩٩٨وبدأ حربه في المملكة وغيرها ..
فقط أولئك الأربعة هم الذين تم قتلهم بوصفهم فيما يبدوا مجموعة لم ترتبط بخلايا إرهابية هنا أو هناك ..
منذ ذلك التاريخ والمملكة لم تهدأ فيها وتيرة العنف والإرهاب، حيث شمل كل مدنها وقراها وشوارعها بل لم تسلم منه شوارع وبيوت مكة المكرمة والمدينة المنورة ..
حتى أصبح خبر مطاردة خلية أو القبض على أفرادها من الأخبار التي اعتادت عليها أسماع الجمهور ولم يعد يسترعيهم بعض تفاصيلها .. نظرا لتعددها وانتشار مواقعها ..
مع كل ذلك كانت التساؤلات تطرح إذا كان البعض من هؤلاء قد ثبت أنه مارس جريمة القتل وأن أحكاما اكتسبت صفة القطعية بحقهم فلماذا لا يتم تنفيذ الأحكام عليهم ..
هذا التأخر يصنع الموت والقتل فالقاعدة أن القصاص يصنع الحياة “ولكم في القصاص حياة”..
قد يرى البعض أن ثمة جوانب إيجابية قد تترتب على تأخير ذلك وبخاصة الشعور بأن القتل قد يولد الكثير من العنف .. والدولة تفضل اختيار الأمن والاستقرار بدل الفوضى المتوقعة أو أسبابا أخرى .. هذا الشعور ربما يراه من يمتلكون رؤية أمنية تختار دائما طريق عدم استثارة المتعاطفين والكامنين والخاملين ..
والحقيقة أن المعلومات حين تكتمل بحق أي إرهابي ويصبح المجرم قد صدر بحقه حكم في القتل فإن أي تأخير له يعني صناعة جريمة يمارسها داخل السجن أو خارجه ..
إن هذه الأحكام التي نفذت اليوم تشعرنا بقدر من الاعتزاز والفخر إذ إن شرع الله هو الذي تحتكم إليه الدولة في قضائها وأحكامها ..
هؤلاء جميعا أفضوا إلى ما قدموا لكن الرسالة تكون واضحة وجلية فالمحاربون توعدهم الله بقوله ..
إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا أَن يُقَتَّلُوا أو يُصَلَّبُوا أو تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُم مِّنْ خِلَافٍ أو يُنفَوْا مِنَ الْأَرْضِ ۚ ذَٰلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا ۖ وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ ..
أما د. خالد الرديعان فأضاف: شخصيا فأنني أعتقد أنه حدث تأخير كبير في عملية القصاص من المدانين. لهذا التأخير مع ذلك فائدة قصوى ومقصودة؛ كظهور أدلة جديدة أو ما شابه تكون في صالح المتهم… أما ولم يظهر ما يساعد على براءتهم أو الشك فيما قاموا به فإن القصاص منهم أصبح ملحا لحماية المجتمع من شرورهم ولردع من تسول له نفسه الوقوع في شرك العمل الإرهابي الذي زادت وتيرته في السنوات الأخيرة.
صحيح أن هناك جدل عالمي حول عقوبة الإعدام ورفض لها من البعض وأن هناك من يرى أنها موغلة في وحشيتها؛ إلا أن كثير من الدول تطبقها بما في ذلك دول غربية كالولايات المتحدة وشرقية كالصين وغيرهما.
هنا يجب أن يكون موقفنا صلبا أمام كل من يشكك في هذه العقوبة سواء كانت دولا أو منظمات حقوق إنسان؛ فالأمر ليس خيارا ولكنه تشريع الهي ينبع من ديننا… وبالتالي يجب على الإعلام أن يضطلع بمسؤوليته في تبيان الأمر بما ذلك حد الرجم الذي يرسم الكثيرون عنه صوره مقولبة في حين أن الإسلام عموما يدرأ الحد بالشبهة ما لم يكن هناك إقرار من المتهم بفعلته وهو في كامل قواه العقلية وأن الاعتراف لم ينتزع منه إكراها. نريد إعلام واعي وإعلامي مقنع في أطروحاته لتبيان أهمية القصاص ودوره في حماية المجتمع والدولة ولاسيما أن بعض عتاة الإرهاب توغلوا في دماء الأبرياء من سعوديين ومعاهدين دون جريرة ارتكبوها.. يجب كذلك أن نركز على مسألة السيادة الوطنية وأن كل ما تقوم به الحكومة يدخل تحت هذا الباب؛ أما من ينعقون وأبواق إيران فليقدموا نصائحهم لأسيادهم فتاريخ إيران ملطخ بإرهاب الدولة بدء من احتجاز الرهائن الأمريكيين في العام ١٩٧٩ وليس انتهاء بتصفية بعض الرموز السنية التي طالبت بحقوق المواطنة في الأحواز منذ عدة أسابيع.
أعتقد أن وتيرة الإرهاب بعد تنفيذ هذه الأحكام ستتقلص؛ فالقصاص ممن تم تنفيذ الحكم فيهم اليوم سيكون حتما رادعا وسننعم إن شاء الله بالهدوء.
وقال د. علي الحارثي: الأمن عدل والعدل أمن قصاصاً وحداً وتعزيزا لكل من يعبث بمقدرات الوطن وأهله ، هذا ما قام به العدل الشرعي في مجرمي الإرهاب. لا بد من حزم وعزم في السلم والحرب ، ولا ضير من أصوات الناعقين والمتربصين بِنَا من الغرب والشرق طالما كفلت حقوق الإنسان.
وأوضح أ. يوسف الكويليت أن ما يطرح حول تنفيذ الإعدامات بحق الإرهابيين وعمليات الاستنكار والشجب والحملات الإعلامية بدأت ومنذ سنوات طويلة قبل وبعد أي قرار تتخذه المملكة ، في الخارج مواطنون سعوديون مسجونون بدعاوى مختلفة ولم تحتج المملكة احتراما لقوانين تلك الدول وبالتالي جاءت أحكامنا بما يتوافق وحقوقنا الشرعية في حماية أمننا وهو أمر نحن من يقرره بدون وصاية وعلينا حشد قوانا من أجل وطن ووطنية لا مجال المساومة عليهما دون أي اعتبار لمن يستنكر علينا خوض معاركنا مع الإرهاب والإرهابيين.
وأضافت د. الجازي الشبيكي قولها: تبرئة ما يقارب المائة مُتهم بعد المحاكمات وقبول مطالباتهم بالتعويض ، بل تعويض 71 منهم بتعويضات عن ضرر الاتهام بما يقارب الخمسة عشر مليون ريال ، أمر يُحسب لعدالة إجراءات القضاء في قضايا الإرهابيين في المملكة ومن المُؤمل التركيز عليه وإبرازه بشكل لائق ومناسب من قِبل إعلامنا والجهات المُختصة .
ومن جانبه قال د. عبد الله بن صالح الحمود: يوم تنفيذ الأحكام الشرعية يوم العزة بأسمى معانيها عزة لله بتنفيذ حدوده وتطبيق شرعه ، وعزة لرسوله بإتباع سنته وهديه وانتقاما له ممن نالوا من أهله وأصحابه، وعزة للمؤمنين المكلومين في أحبابهم الذين طالتهم يد الغدر والعدوان .
لن أتحدث عن ذلك تشفيا وشماتة بهؤلاء الذين شملهم الحكم فقد أفضوا إلى ما قدموا وهم الآن بين يدي الحكم العدل (إن الله لا يظلم مثقال ذرة) الآية.
عندما صدر الحكم على نمر النمر بالقتل جيشت القنوات المشبوهة والحاقدة والمغرضة والطائفية جيوش الضلال من المرجفين والمشككين من بائعي الزيف والضلال وتجشأت نفوسهم العفنة ما تكنه صدورهم النتنة بالتحليلات الهوجاء والتعاطف القذر.
ولكن دولة الإسلام والشموخ أبت أن تردع سفاهاتهم وطيشهم فالكلاب تنبح والقافلة تسير.
لقد راهن المراهنون وشكك المشككون في قدرة المملكة على القيام بأي عمل تجاه أذناب الطائفية وقدرة أسيادهم على حمايتهم .
ولكن دولة العقيدة والشموخ تعي وتؤمن وتطبق قول الحق سبحانه (أعزة على الكافرين يجاهدون في سبيل الله ولا يخافون لومة لائم ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء) الآية.
لقد نفذت حكم الله بلا خشية أو خوف أو تردد.
ثم اتبعت ذلك بيانا متعقلا متزنا موثقا بالأدلة القطعية من الكتاب والسنة بشرعية العقاب الذي استحقوه دون صخب مراهق أو طيش طائش .
فهنيئا لكل سعودي بيوم العزة في بلد العزة قيادة وحكومة وشعبا، وحفظ الله علينا ديننا وأمننا ووفق ولاة أمرنا لما فيه خير البلاد والعباد.
وقالت أ. ليلى الشهراني: بالنسبة لتنفيذ حكم الله في الإرهابيين هي خطوة طال انتظارها ، ففي القصاص العادل حياة لوطن وردع لكل من يفكر مجرد التفكير بالمساس بأمن البلاد وترويع العباد ونشر الفتنة ، كانت رسالة حازمة وقوية لكل من يفسد تحت ستار الدين أن الدين أرحم من هؤلاء ، فهو عمارة أرض وتراحم ومشاركة وتعايش.
أعجب من ردود الفعل عند بعض النشطاء أو الحقوقيون أو الإعلام المنافق عند بعض الدول الصديقة ، كيف يجد هؤلاء لأنفسهم ولحكوماتهم التبريرات بحجة الحرب على الإرهاب في كل خطوة بينما يستكثرون على دولتنا هذا الشيء وهي من اكتوت بنار الإرهاب لسنوات ، ثم يأتي من يتعاطف مع إرهابي استباح الدماء المعصومة ، والغريب أن إيران تعلق المشانق في شوارع طهران للنشطاء والمعارضين ممن لم يرتكبوا أي جرائم جنائية أو يحرضوا على العنف والتفجير ، ثم تغضب لقتل مجرم يستحق العقاب !
وهي ذاتها من ترسل مقاتليها لقتل الأبرياء في سوريا أو تدعم القتلة في اليمن وفي نفس الوقت تتباكى على العدالة التي تفتقدها أو بالأصح لا تعرفها .
يوم الإعدامات لم يكن حزينا كما صوره البعض ، بل كان شفاء لصدور المكلومين من أهالي الضحايا من رجال أمن ومواطنين ومقيمين ، فالحمد لله الذي أزال الأذى وحفظ الله هذه الأرض التي احتوتنا واحتويناها نبضا ووريدا.
الاعتبارات ذات الصلة بتنفيذ الأحكام الشرعية
أوضح د. فايز الشهري أن ما يدور من نقاشات واحتجاجات وجدل هنا وهناك حول تنفيذ الأحكام الشرعية التي تمت اليوم يمكن قراءتها على أكثر من صعيد:
أولا: أن الإرهاب لا يمكن كبح جماحه إلا بالحزم والعدل معا وهذا ما تحقق من حيث الحزم الأمني والفكري على مدى سنوات ثم كان التنفيذ بالعدل كما ظهرت الأسماء والمذاهب.
ثانيا: أن تنظيمات الإرهاب بكل انتماءاتها غيرت عناوينها ورموزها ولكنها ظلت تستهدف المملكة وأمنها واستقرار مجتمعها. وما تكشف من أسرار يبين أن هذه التنظيمات أدوات.
ثالثا: احتضان إيران لرموز القاعدة سابقا ورعايتها المعنوية لداعش حاليا يكشف رابعا أن التنظيمات الإرهابية رغم شعاراتها جزء من مشروع التفتيت الممنهج للشعوب.
رابعا: احتجاج إيران ورموز طائفية على تنفيذ الأحكام يعني انكشاف المشروع الطائفي وها هي أدواته الباقية اليوم تصرخ ألما وخوفا من مصير قادم.
خامسا: تحليل الخطاب التحريضي العنيف ضد المملكة في السنوات الأخيرة يكشف أن الهدف هو الكيان السياسي والاجتماعي بتوظيف الدين ( القاعدة ثم داعش) والطائفية (أتباع إيران) و حتى القضايا الحقوقية تم توظيفها بشكل رخيص لتأليب فئات المجتمع ضد بعضها البعض.
وفي مسألة تنفيذ الأحكام هناك أيضا مجموعة من القضايا لابد من اعتبارها:
نسي بعضنا كيف تحالفت هذه التنظيمات مع كل خصومنا بعد 11 سبتمبر حيث كنا ندفع عن الإسلام تهمة الإرهاب وهم بجنونهم يؤكدونه في شوارعنا وكان هذه مهمتهم.
هل نسينا الترويع ونقاط التفتيش في المراحل الأولى ثم هل نسينا كيف استهدفوا بيوت الله في الجوف ثم في عسير والشرقية.
ماذا عن حق أبناء وأسر ضحايا الإرهاب ممن قضوا ( ونحسبهم شهداء عند الله) والقصاص حياة.
الذين يحتجون وينتقدون الأحكام الشرعية هم خصوم وجود لنا وهم لم ينصفوا أحكامنا ونظام حياتنا فكيف نتوقع أن ينصفونا في ظرف مثل هذا.
الأحكام الشرعية مصدر قوة وهي رسالة للإرهاب و للعالم بأن القضاء لا ينحني لمصالح السياسة ولا ينثني لضغوط.
ومن يتأمل تاريخ القضايا التي انتهت بأحكام القضاء اليوم يجد:
أنها أحكام قضائية أخذت دورتها القضائية في كل درجات التقاضي على مدى سنوات ولم تكن أحكاما انفعالية سريعة كما يجري في إيران التي تشنع على المملكة.
إن المتهمين في المحاكمات حصلوا على كافة الضمانات القضائية لضمان محاكمة مكتملة الإجراءات القضائية من حيث توكيل المحامين والترافع النظامي ونحو ذلك.
هناك أحكام نقضت في محاكم الاستئناف على رغم حرص المدعي العام على تنفيذ أحكام رائعة وهناك من تم تبرئتهم والزمت المحكمة الجهات الرسمية بتعويضهم.
وقال أ.د. عبدالرحمن العناد تعليقا على كلمة الجمعية الوطنية لحقوق الإنسان بخصوص تنفيذ الأحكام بحق 47 محكوما، والتي جاءت على شكل تصريح لرئيس الجمعية ونشرت في موقعها الرسمي، وبصفتي عضوا مؤسسا في الجمعية، فإنني لا أرى مناسبة الأداة (الكلمة أو التصريح) للتعبير عن موقف الجمعية في مناسبة مهمة وحساسة كهذه، وأقل ما كان يمكن عمله هو إصدار بيان رسمي يمثل رأي الجمعية بكامل أعضائها، وليس تصريحا لرئيس الجمعية يمكن – من الناحية الإجرائية – ألا يكون ممثلا لجميع الأعضاء أو أغلبيتهم، لكن وفي نفس الوقت فإنني على ثقة أن الكلمة تعبر عن رأي كافة الأعضاء، وأتفق شخصيا بشكل تام وكامل مع المضامين التي احتوت عليها الكلمة، وتشمل فيما تشمل أنه لا يصح أبدا الاعتراض على أحكام القضاء أو على تنفيذها من المواطنين مؤسسات وأفرادا، ولا يمكن أن نقبل ذلك من أطراف خارجية مهما كانت لأن في ذلك مساس باستقلال القضاء إضافة إلى التدخل بالشؤون الداخلية عندما يأتي النقد من الخارج، وأكثر من ذلك فإن صدور الأحكام القضائية وتنفيذها وفق الأنظمة ذات العلاقة كنظام الإجراءات الجزائية ونظام المرافعات الشرعية ونظام المحاماة، مع توفر الضمانات المدنية والتقاضي العادل وحق الدفاع هو المطلب الحقوقي الأول الذي نادت به الجمعية منذ تأسيسها في تقاريرها وبياناتها المتعاقبة, وقد بينت الكلمة أهم الاعتبارات التي استند إليها الموقف والتي ستخضع للترجمة والمراجعة من قبل جهات خارجية دبلوماسية وحقوقية عدة، والمتمثلة فيما يأتي:
خضوع المحكومين لدرجات التقاضي الثلاث .
فحص الأحكام لكل محكوم بشكل متأن .
أعطي كل محكوم حق توكيل محامي عنه .
كانت المحاكمات علنية .
بينت الأحكام فداحة الجرم الذي ارتكبه كل محكوم .
الأحكام اتجهت للفعل الذي ارتكبه كل محكوم ولم تنظر هذه الأحكام للانتماء الطائفي أو المذهبي أو العرقي للمتهم.
ضحايا الأعمال الإرهابية التي ارتكبها المحكوم عليهم يستحقون تحقيق العدالة للاقتصاص من الجناة الذي قتلوا وأرهبوا.
كل الجرائم المنسوبة للمحكوم عليهم كبيرة مما استوجب إيقاع أقصى العقوبات.
وأرى أن من المهم استثمار هذه النقاط الثمان من قبل الدبلوماسيين والحقوقيين والإعلاميين في معرض ردهم على الانتقادات التي توجه للمملكة، علما بأن المملكة كانت حتى قبل تنفيذ هذه الأحكام مستهدفة بشكل مستمر وتعودت على النقد القاسي في ملفات حقوق الإنسان ولا أتوقع أننا سنرى نقدا سواء من الحكومات الغربية أو المنظمات الحقوقية أكثر مما تعرضت له المملكة في السابق من نقد بسبب الموقوفين أو بسبب قضايا فردية مثل إعدام مروجي المخدرات أو إعدام عاملة سريلانكية أو ادعاء مختلق لأخرى بتعذيب كفيلها لها وغرس مسامير في جسدها، وقضايا أخرى كثيرة استغلتها الأطراف الخارجية للإساءة للمملكة .
إن هذه الزوبعة لا تختلف عن غيرها من التجارب السابقة، التي تعودنا عليها، وهي لن تثني المملكة عن المضي في حفظ أمنها وحماية سيادتها وتطبيق الشريعة الإسلامية على أرضها دون أي اعتبار للانتقادات الخارجية التي تتعرض لها.
وفي ذات السياق، قال أ.د. العناد: لم أجد في بيان العفو الدولية تركيز مبالغ فيه على إعدام النمر مقابل إعدام بقية الإرهابيين .. والمنظمة تعارض عقوبة الإعدام من حيث المبدأ …. وقد ختمت بيانها بالتالي:
وتعارض منظمة العفو الدولية عقوبة الإعدام في جميع الأوقات وعلى ذمة جميع القضايا بلا استثناء، وبصرف النظر عن هوية المتهم أو طبيعة جريمته أو برائته من عدمها أو الأسلوب المتبع في تنفيذ الإعدام.
التمييز والتركيز على إعدام النمر كان أكثر وضوحا عند هيومان رايتز ووتش .. مع أن المنظمتين أبرزتا صورة النمر وأشارت له في عنوان البيان:
عنوان العفو الدولية:
رجل دين شيعي بين ٤٧ شخصا أعدمتهم السعودية في يوم واحد
عنوان HRW :
أكبر إعدام جماعي في السعودية منذ ١٩٨٠
عنوان فرعي:
إعدام رجل دين شيعي بارز من بين ٤٧ آخرين.
ردات الفعل الإيرانية
يرى د. عبدالسلام الوايل أن رد فعل إيران ليس له قيمة دوليا فهي والغة في الصراع المذهبي القائم في المنطقة. والغة فيه عسكريا و بشكل مباشر، كما يدل على ذلك فقد ضباط و جنود في سوريا. ردة فعلها ليس لها قيمة. إنها الدولة الثانية عالميا في تنفيذ الإعدامات. حجم إعداماتها يمثل ثلاثة أضعاف حجم الإعدامات في السعودية. أما عن رد فعل الغرب فينبع من خلفيات و سياقات مختلفة.
و ذكرت أ. كوثر الأربش أنه وفي عام 1979 قام متظاهرون إيرانيون باقتحام سفارة أمريكا في طهران، قبيل انتصار ثورة الخميني. بعد 37 عاما من الحادثة، في يناير 2016، في عصر إثبات النظرية النسبية، واكتشاف الماء على سطح المريخ، وتطوير الطاقة الشمسية. يعود غوغائيو إيران لاقتحام سفارة بلادنا في طهران، بالوحشية ذاتها، بالغضب الجاهل ذاته، بأسلوب التدمير والحرق الذي يعرفه الإيرانيون جيدًا. إيران تقود شعبها للتخلف، تقنعهم أن اختراع حفارة بطاطس رديئة! وطائرات تسقط بمعدل مخيف أنه انجاز! فيما العقل الإيراني مطموس تماما، جل همه أن يلطم ويسير زحفا على بطنه للقبور!
وعلى خطا مشروع تجهيل الأتباع، تسير العوامية في اعتراضها على حكم إعدام نمر النمر، المؤلب للفتنة والمطالب بالانفصال، تسير على طريقة الهمجية الفارسية. معتقدين أن هذه هي الطريقة المثلى في الاعتراض. وأن الصراخ في الشوارع وإطلاق الرصاص العشوائي حرية رأي.
هكذا أقنعتهم عمائم طهران. هكذا يعتقدون أنهم حقوقيين ومتحضرين. وينتمون للعالم المتنور!
إذا كان ليس بأيدينا إقناع بهائم إيران أن كير الزجاج وتحطيم المكاتب وإحراق عدة طوابق في السفارة دليل همجية. إذا كنا لا نقدر على إشعال شمعة في عقولهم التي سوسها التخلف. كيف ننقذ أبنائنا في العوامية؟ كيف نخبرهم كيف يتصرف إنسان العالم المتحضر حين يرفض وحين يغضب؟
وأوضح م. حسام بحيري فيما يخص اقتحام السفارة السعودية بعد تنفيذ الأحكام، أن الغوغائية الإيرانية كشفت عن نفسها. اقتحام السفارة عمل همجي وعواقبه المستقبلية وخيمة وتبين للعالم الوجه الحقيقي لهذا النظام الذي يمارس فعليا الإرهاب ضد الدول والاعتداء على ممتلكاتها وعلى أراضيها وتحت سمع وبصر سلطاتها الأمنية التي لم تفعل شيئا لوقف الاعتداءات. قطع العلاقات الدبلوماسية معهم أصبح مطلوب لسنا بحاجتهم كي نبقي على علاقاتنا الدبلوماسية معهم. هم يحتاجونا أكثر مما نحتاجهم ونستطيع أن نصعب أمور تعاملهم معنا لدينا عدة اختيارات. أعتقد أنه لابد من تسليط الضوء على مساندة إيران للإرهاب وتوجيه الاتهامات لها والتسبب بفرض عقوبات عليهم دوليا أو على الأقل من داخل منظمة دول التعاون الإسلامي والتي لدينا فيها تأثير كبير ممكن أن نضيق على تحركاتهم وتبادلهم التجاري في المنطقة وممارسة الضغوط على الدول العربية التي تتعامل معها ووضعها أمام خيارين لا ثالث لهما إيران أو السعودية أحداث مثل هذه لا يمكن السكوت عليها ولابد من ردة فعل كي لا يفسر موقفنا بالضعف.
إيران مفلسة وليس لديها أي شيء تقدمه غير الغوغائية والإرهاب. نشرت التطرف والطائفية في منطقتنا وفي كل حادثة تثبت أنها رأس محور الشر. كل أفعالهم مردود عليها إعلاميا ولكن للأسف الأيادي مكبلة بسبب إعلامنا التقليدي الذي ليس لديه الاستطاعة للتعامل مع هذه المواقف سواء الإقليمية أو الدولية. نحن في أمس الحاجة اليوم إلى طبقة جديدة من الإعلاميين المتعلمين المثقفين والذين يجيدون اللغات وعلى دراية بالثقافات وتاريخ الحضارات الشرقية منها والغربية. إعلامنا المحلي مشلول تماما لعدة أسباب أهمها غياب الاحترافية وحقيقة أن اكثر من نصف العاملين به توظفوا بواسطة.
لا أكترث بما تفعله إيران فهي دولة همجية غوغائية تستخدم الإرهاب للوصول لغايتها. أكثر ما أخشى عليه اليوم هو الشحن الطائفي الذي يتعاظم كل ساعة ليس فقط في دولتنا ولكن في منطقتنا ككل. إيران ستستخدم الطائفة الشيعية في كل المنطقة للانتقام من السعودية وهذا من الممكن أن يسبب رد فعل خطير بين شعوبنا. لابد من بداية منهج يعتمد على تحييد إيران من الطائفة الشيعية العربية وزرع القومية العروبية في ذهنها والبدء باتخاذ خطوات جدية في مد الجذور بين أقليات الوطن الواحد.
بذلك سنتمكن من قطع أصابع إيران الممتدة لأوطاننا وإضعافهم حيث لن يكون باستطاعتهم استخدام الأقليات الشيعية في تحقيق سياساتها في أوطاننا. والمهم أن نتعامل مع هذا الوضع بشفافية مطلقة ونعترف أننا أخطأنا عندما تجاهلناهم لسنوات طويلة وسمحنا لأشخاص لا يمثلون إلا أنفسهم وأفقهم الضيق المنعزل بتكفيرهم علنا نهارا جهارا وبدأنا ننسى ونتجاهل عدونا الحقيقي الكيان الصهيوني وبسبب هذا تمكنت إيران من تنصيب نفسها كوطن أو أمة بديلة عن العروبة واتجهت قلوبهم وعقولهم لها وانسلخوا عنا.
وقال د. ناصر البريك: هدف إيران ، ليس النمر أو غيره ، إنما يكمن في محاولة الهيمنة والسيطرة على الجزء المتبقي من المنطقة بعد العراق وسوريا ولبنان وأن يكون لها الدور المحوري والبارز في قيادة المنطقة من خلال:
التدخلات المباشرة و غير المباشرة في دول الخليج.
القوة العسكرية التي تملكها المعلن منها وغير المعلن من الأسلحة الفتاكة .. والبرنامج النووي وتأثير ذلك في ترسيخ سطوتها في المنطقة.
إقناع الغرب بأنها الدولة التي يجب أن يحسب لها حساب وبالتالي التخاطب معها في أي قضية أو مسألة تتعلق بالمنطقة.
ومن جانبه ذهب د.م. نصر الصحاف إلى أن تنفيذ الحدود الشرعية بالمجرمين أثبت أن المملكة منتهى العدالة والإنسانية في المحافظة على الأرواح والممتلكات وعلى كل المراحل المختلفة من التحذير ثم المناصحة والعفو لمن يسلم نفسه من الفئه الضالة وبعد ثبوت الأدلة واعترافات المتهمين وصدور الأحكام كانت المدد المطولة للاستئناف بما لا يحتمل الشك في نزاهة العدالة والنظام القضائي فقد بدأ الإعلام الغربي الشرس عجلته المعتادة للنيل من مكانة المملكة وتصويرها بالمنتهك الأزلي لحقوق الإنسان وفي المقابل وفي ضوء التحديات الأنية وللأسف الشديد أيضاً لا يوجد إعلام سعودي مقتدر أو واعي أو محترف للصد وتبيان الحقائق من الملابسات ومخاطبة رجل الشارع بنفس العقلية العامة .. وفي ضوء كل ما سبق يتوجب على المملكة دراسة الرد الأمثل على الزيف الإيراني وعدم التسرع بأي رد إلا بعد استعراض كل جوانبه فهذه فرصة ذهبية أخرى لدحر إيران سياسياً في المنطقة !!
وأضاف أ.د صالح المانع أن رد السعودية كان قوي على الاستفزازات الإيرانية واتهمت “النظام” الإيراني بدعم الإرهاب ، لأول مرة أسمع ذلك من تصريحات الخارجية السعودية يبدو لي أن البلدين سيقطعون العلاقات الدبلوماسية بينهما في وقت قريب.
وذكر د. مساعد المحيا أنه وبرغم كل مظاهر طائفية إيران إلا أن أمريكا ودول الغرب تتعامل معها من منظور علماني وفقا للقانون الدولي من جهة ومنظور مصالحها و استراتيجيتها في المنطقة ..
لا يمكن أن تكون كل تلك الهرولة لدولة صنفها الأمريكيون والغرب بأنها محور الشر ..
إن صور الجماهير وهي تعبث بالقنصلية والسفارة شكل ظاهر للأعمى يرى من خلاله إرهاب الدولة وفوضويتها ..
فكيف لهذا الغرب أن يتعامى عن ذلك وهو الذي أشغل الناس بالحقوق وحب النظام والتأكيد على مسؤولية الدول تجاه كل ما يحدث على أراضيها …
إنه الغرب “الأحول” حيث يرى الأشياء كما يحب لا كما هي فعلا …!!!
من المضحكات أن إيران تعلق على قطع العلاقات معها فتقول أن قطع العلاقات يهدف لرفع أسعار النفط .. برغم أنها كانت تتهم المملكة بأنها السبب الرئيس في انخفاض أسعار النفط .. تخبط أو غباء.
وعلق أ. مطشر المرشد على وجهة النظر الأخيرة بقوله: اللوبي الإيراني قوي … أحد أهم الأسباب ، هناك فارق كبير بين المغتربين من أصول عربية والمغترب الإيراني … المغترب الإيراني حتى وإن كان معارض وتعرض لتعذيب على أيدي أتباع نظام إيران عادة يكون ولاءه لإيران ودفاعه مستميت حول الأهداف المصيرية … بعكس المغترب من أصول عربية أو من الأقليات التي هاجرت من الدول العربية …لذلك تجد الكثير من الأمريكان والبريطانيين والفرنسيين يتعاطفون مع إيران.
قطع المملكة العلاقات الدبلوماسية مع إيران
أوضح د. علي الحكمي أن أي قرار يتخذ له مخاطر، يتم تحليلها مسبقاً، وتتم المقارنة بين البدائل وفقاً للمنافع والمخاطر. والظن أن المملكة اختارت البديل الأقل خطراً.
وقال د. حسين الحكمي إن تأزم العلاقات وحدتها ، وما وصل له الأمر مع إيران ومع الإرهابيين والمحرضين هو أمر لا أظن أحد يرغب فيه لو كانت الظروف مختلفة. بالتأكيد هو قرار تم اتخاذه ولا مجال الآن إلا لتأييده وقوفا مع ولي الأمر فيما ذهب إليه. متأكد أن الدولة قد صبرت كثيرا على كثير من التجاوزات والتعديات وحاولت حلها بطرق دبلوماسية لكنها لم تكن ناجعة ما أوصل متخذ القرار إلى هذا الأمر.
أن تدخل السعودية في منازعات سياسية بهذا المستوى وحروب على عدة جبهات في وقت واحد وفي ظل ظروف اقتصادية كما هي الآن يتطلب منا الوقوف يداً واحدة وصفا واحداً حكومة وشعباً.
واعتبر د. محمد سالم الصبان أن قطع السعودية لعلاقاتها مع إيران يمثل ضربة أخرى تتلقاها إيران وهي في فترة رفع العقوبات.. كما أن أي فرصة لتقارب بترولي بين البلدين في إطار أوبك قد انتهى بإعلان قطع العلاقات.
وترى أ. فاطمة الشريف أن العلاقات الدولية كما هو معروف قائمة على الاحترام ومراعاة المصالح المتبادلة والالتزام بالاتفاقيات والمعاهدات الدولية وحسن الجوار وإذا اختفت جميع هذه الالتزامات من أي علاقة سياسية تصبح العلاقة غير مجدية و طهران ضربت بجميع تلك الأسس عرض الحائط منذ أزمنة عديده وحان وقت الرد عليها.
وأضاف د. خالد بن دهيش: هزيمة إيران في اليمن و قفل مراكزها الثقافية في السودان ، وقطع العلاقات أو تجميدها مع البحرين والمغرب ومصر وتدخل المملكة في إبعادها من دول القرن الأفريقي وإفريقيا ، و فشلها في سوريا وغير ذلك والقادم إن شاء الله أقوى ، نحمد الله على ذلك فهذا والله انتصار حقيقي.
وقال د. فايز الشهري: إيران ظنت أن صبر العقلاء لن ينفذ. تمادت عبر السنوات الماضية في أكثر من بلد عربي وهي تعلم يقينا أن السعودية وحدها من تملك قرار إيقاف نزقها ولما حانت اللحظة كان قص الأصابع في اليمن وجدع الأنف في السودان وإفريقيا. والآن كانت الورقة السياسية واحدة من الدروس الدبلوماسية التي ستفهمها إيران جيدا.
ومن ناحية أخرى وفي ضوء تداعيات الأحكام القضائية، كيف قرأ الملالي الشريعة الإسلامية والقانون الدولي والمتفق عليه في العرف الإنساني والعلاقات الدولية . والأعجب من ذلك أنّه في نفس يوم تنفيذ الأحكام الشرعيّة في المملكة (السبت 2/1/2016) أعدمت السلطات الإيرانيّة أمام الملأ أربعة من مواطنيها بتهم مختلفة وأعلنت وفاة ثلاثة معتقلين (يقال أنهم من السنة) في ظروف غامضة في سجن مدينة زاهدان ذات الغالبيّة السنيّة.
أما سؤال الأسئلة في مسائل الإعدام فهو كيف تحشر إيران “أنفها” في أحكام القضاء في دول أخرى وهي التي أعدمت أكثر من 830 شخصاً خلال عام 2015 وحده دون أن تهتزّ للملالي وأبواقهم الطائفيّة في المنطقة “طرفة” عين.
الإشكاليّة الكبرى في الحالة الإيرانيّة هو التباس حال “الدولة” مع فكر “الميليشيا” في التعامل والأصول مع الدول والقضايا.
ومع أن إيران في دستورها وتعريفها تقدم نفسها للعالم بأنها “دولة إسلاميّة” إلا أن الشعوب الإسلاميّة لم تستوعب منطق مشروعيّة سلوكها ومنهجها السياسي الذي لا يخدم إلا الهدم والخراب وسط كل شعب مسلم قدر الله عليه أن تعبث أصابع “الملالي” في تفاصيل علاقاته.
وأضاف د. عبدالله بن ناصر الحمود: من أجمل الأمور أن تنام وأنت تشعر أن قيادة بلادك اتخذت القرار الحاسم والصعب الذي كنت تفكر فيه.
وقال د. عبد الله بن صالح الحمود: ما صدر من قيادتنا الحكيمة يعد انتصار للوطن ، انتصار شعب وفي لقيادته.. وداعا لمنح الفرص لمن لا يستحقها والتي اعتقد البعض أنها تعبر عن ضعف منا.. من الآن ونحن أسود لمن شكك في ديننا وبلادنا.. من الآن نعلن أن لا تهاون مع الحاقد والحاسد.. من الآن وبلادنا تنتصر لمن يستحق، وتتجاهل الحاقد والحاسد.
وأضاف د. منصور المطيري نقطتان مهمتان في نظره :
النقطة الأولى: تتعلق بأن المواجهة و الصراع مع إيران في الخمس عشرة سنة الأخيرة ليست صراعاً مع دولة .. بل صراع ضد مشروع تتبناه بحذر القوى العظمى يهدف إلى تغيير الخريطة السياسية العربية بالذات. و ذلك بتمكين الأقليات من الحكم في المنطقة، و معها دعم كل حكم مفصول عن مجتمعه لديكتاتوريته. و إيران في كل هذا أداة من أدوات التغيير في هذا الاتجاه .. يقف خلف هذا الاتجاه اليهود الصهاينة .. و قد ذكر بارسي ذو الأصول الإيرانية في كتابه (حلف المصالح المشتركة) أن أحد ثوابت السياسة الإسرائيلية مد اليد إلى حلفاء خلف المنطقة العربية .. و كانت إيران هي اليد التي تصافحها إسرائيل يشهد لذلك عدة أمور منها التبادل التجاري بين الطرفين و دور اليهود ذوي الأصول الإيرانية فيه . و على الرغم من وضوح هذه العلاقة أيام الشاة إلا أنها أخذت طابعاً مغلفاً و مستتراً بعد الثورة، يقوم على خطاب حاد في العداوة موجه للجمهور في مقابل علاقات سرية . و قد دشن هذا الأسلوب إسحاق رابين الرئيس الإسرائيلي الأسبق ، وهذا على حد رأي بارسي كما دلل على ذلك في كتابه السابق.. ولذلك فإن تصعيد الصراع مع إيران يجب أن يحسب حساب هذه النقطة .
النقطة الثانية: في الصراع بين الدول تحتل آلية التصعيد مكانة كبيرة في رفع حدته و في خفضها. فإذا كانت دولة ما راغبة في الحرب مع خصمها فإنها تتخذ إجراءات تصعيدية متتالية حتى تجبر الخصم على دخولها. و لذلك تلعب النقطة التي تسمى الخط الأحمر نقطة مهمة جداً في سياسة أي دولة لمنع التصعيد و عدم كسرها و تجاوزها، و هذا الخط تحدده كل دولة حسب مصالحها. و بمجرد تجاوز هذا الخط فإن الصراع يرتفع إلى نقطة تالية فإذا كسر ارتفع و هكذا حتى تندلع الحرب. و تأتي مسألة دفع الخصم إلى حافة الهاوية في مرتبة عالية من عملية التصعيد. فإذا تمكنت دولة من وضع خصمها على الحافة فإن هذا يعني أن الدولة الأخرى ستتراجع أو تتوقف عن التصعيد لأنها وصلت إلى مرحلة لا ترغب في تجاوزها، لأنه مثلاً لا ترغب في الحرب ..
أن المملكة دفعت إيران إلى حافة الهاوية حين طردت سفيرها ، فإن كانت عازمة على الحرب فستتحرك حركة لا تقبلها المملكة أبداً مما يصعد إلى الحرب . و إن كانت غير ذلك و هو ما أتوقع أن القيادة السعودية تعتقده فستلجأ إلى التخفيف و الاكتفاء بالتصريحات النارية لفترة معينة.
على كل حال فعلى الديبلوماسية السعودية أن تنشط في كل اتجاه ؛ و أن تتخذ من الأفعال الخرقاء التي فعلتها إيران في السفارة و القنصليات دليلاً يبرر غضبها.
إيران في مواجهة غير مباشرة مع السعودية في أكثر من مكان ، و لذلك هي تتحين الفرص للنكاية بالسعودية في أي مناسبة ، و منها الضغوط اللفظية بالكلمات الحادة ، و الإحراج بتشويه السمعة .. وأعتقد أن المملكة في عهد الجبير مارست حرب الكلمة بشدة.. و من هنا جاء حديثه صريحاً عن هزيمة إيران في اليمن.
واتفق د. علي الحارثي مع هذا الرأي الأخير من منطلق أنه إذا علمنا أن آلية من الآليات التي اضطلعت بها القوي العظمي لمصلحة وهيمنة إسرائيل هي إضعاف الجيوش الستة في المنطقة بل إنهاء فاعليتها علي الإطلاق ومنها تصعيد وتأزيم للعلاقة بين السعودية وإيران من خلال إحداث مشاكل للسعودية في الجنوب والشرق مع الأقليات التي تدعمها إيران لتقوم الأخيرة بالدور المطلوب البدء بالحرب حتي يثخنوا بعضهم بعضا، ليسهل تقسيم المنطقة وتفتيتها الي كانتونات طائفية وعرقية وهذا ما يجري وما جري لبعض البلدان العربية.
عداء الفارسية المجوسية ليس وليد الوقت الحاضر بل علي مدي التاريخ الإسلامي . التقية ديدنهم حتي تتاح الفرصة لطعن وخيانة الإسلام والمسلمين العرب بالذات ومعاونة الأعداء بكل وسائل الغدر والحقد ، فأين بقية العرب من هذا التاريخ المرير وبعضهم يفتح الباب علي مصراعيه للنشاطات الإيرانية المقيتة من تشييع وتدخل في الشؤون الداخلية لهذه البلدان وغيرها ، أليس الوقت مناسب للأمه العربية وليس فقط السعودية للوقوف في وجه الفارسية القبيح ؟ الأحداث تكشف المعادن الثمينة من المزيفة ، وهذه فرصه للمملكة لاختيار الدبلوماسية الأمثل للتعامل مع مثل هؤلاء حتي لا يظن بِنَا ضعف أو خوف أو استجداء.
وأضاف د. ناصر البريك: أن تلعب إيران دورا قياديا فلا بأس نظرا لعوامل عدة لا يسع المجال لذكرها.. أما أن تلعب دورا تخريبيا وهداما فهو ما لا يمكن إهماله أو تجاهله ولذا فإنه يجب اتخاذ موقف موحد وفعال في مواجهة ذلك … وهي لا تعمل بالمثل القائل: خادم القوم سيدهم … بل هادم القوم.
ويرى أ. عدنان المرشد أن قرارات المملكة تثلج الصدر وتبشر بخير و أن المملكة ستعود لمكانتها وثقلها الطبيعي.. الأهم من ذلك هو أن لا نحشر الهر في زاوية ونجبره ليغمض عينيه ويدافع بكل قوة.
إن التنفيس وعدم الإثارة في الوقت الحالي هو الخيار الأسلم للمحافظة على المكتسبات ثم التحرك في وقت لاحق.
وأضاف د.م. نصر الصحاف: كثيراً ما نتسأل عن حلم المملكة مع سياسات بعض الدول المسيئة لها على الدوام مثل إيران وما تمثله من وقاحة سياسية على أعلى مستوى!
وقد أثلج صدورنا قطع العلاقات معها لأنها المستفيدة الأولى من هذه العلاقة وهنيئاً للبحرين والسودان قطع العلاقات مع إيران وبتخفيض دولة الإمارات لمستوى التمثيل الدبلوماسي مع إيران كل ذلك له أثر إيجابي في ترسيخ العزلة السياسية لإيران في المنطقة وأتمنى أن تحذو بقية الدول العربية بنفس النهج !
وقال د. عبدالله بن ناصر الحمود أننا لا ننتظر أن يقطع العالم علاقاته مع إيران.. هكذا بكل بساطة.. الاصطفاف مع الحق المشروع للمملكة لا يقتصر على قطع العلاقات تباعا.. ما هكذا تورد الأمور في ظني.
ثمة تعقيدات ومصالح استراتيجية تضبط توجه دولة دون أخرى لمرتبة من مراتب الاصطفاف.. وأعتقد أن المواقف الرسمية والشعبية العربية داعمة وستبقى بإذن الله داعمة للمواقف السعودية بشكل عام، ليس لمجرد الاصطفاف، ولكن لقدرة المملكة على اتخاذ المواقف الواضحة والحكيمة.
ولا أتصور أن المملكة تطلب من أي من دول العالم قطع علاقاتها مع إيران، فموضوع العلاقات الدبلوماسية خط أحمر في العلاقات الدولية، تحرص كل الدول على عدم المساس به مهما بلغ الأمر.. إلا مع “من أبى” .. وفي الحالة الراهنة للمملكة تكون إيران قد “أبت” أن تبقي على شعرة العلاقات بينها وبين المملكة فقطعتها بتصرفها الأحمق، وجنايتها وفق القانون الدولي باعتدائها المشين على حرمة العلاقات الدبلوماسية مع المملكة، المتمثل باقتحام المقرات الدبلوماسية الرسمية للمملكة في إيران وإلحاق الضرر بها.
والأمر في قطع العلاقات في ظني رهن بواحد من ثلاثة أمور:
من ترى من الدول العربية والصديقة أن لا مجال لأي شعرة دبلوماسية مع إيران ستقطع العلاقات.
من ترى من الدول العربية والصديقة أن الجرم الإيراني مدون ومقرر، ولكن ثمة مصالح عليا أخرى لها اعتبارها، يوف تخفض مستوى التمثيل الدبلوماسي.
من ترى من الدول العربية والصديقة الاكتفاء بالموقف السعودي، وتأييده، مع الإبقاء على ذات التمثيل القائم بينها وإيران لمصالح تقدرها تلك الدول أو يتفق بشأنها مع المملكة، سيبقى الأمر على ما هو عليه.
وبالتالي، لا يصعب تصور أن تقطع كل دول الخليج علاقاتها مع إيران، في الظرف الراهن، وكذا الحال بالنسبة لمنظومة الدول العربية والصديقة.
الأمر الثابت، وهو الأهم، أن النظام العالمي، والقانون الدولي، يدين بوضوح التعدي السافر لإيران على الحق السعودي من جانب، ومن جانب آخر التعدي الإيراني على النظام والقانون الدوليين والمعاهدات الدولية ذات الاختصاص بتنظيم التبادل الدبلوماسي بين الدول.
ويرى م. حسام بحيري أن قطع العلاقات مع إيران خطوة في الطريق الصحيح. سياسة المملكة المتزنة دائما ستنتصر على سياسة إيران الغوغائية الهوجاء. هذا مجرد البداية الاتجاه يجب أن يكون في حد علاقاتهم وتبادلاتهم بالدول العربية والإسلامية وإرسال رسالة واضحة لنظام الملالي أن إيران محاطة بحلفاء المملكة من جميع جوانبها. سياسيا في المرحلة القادمة لابد من أن نعتمد أكثر على الدول الإسلامية مثل تركيا وماليزيا وباكستان ونوثق تعاونا وتجارتنا معهم خصوصا مع تزايد العداء للإسلام في الغرب ونتائج سياساتهم الكارثية التي حلت بمنطقتنا. ماليزيا وتركيا دول ثرية بطاقاتها البشرية ويوجد لديهما أنظمة تجارية وقانونية جاذبة للاستثمارات الأجنبية خصوصا في قطاعات الصناعة والتكنولوجيا والدفاع. تبادلنا التجاري مع الغرب وعلى مدى أكثر من ٥٠ عاما لم يوطن أو يمتلك أي صناعات أو تكنولوجيا رئيسية ذات أهمية في بلدنا. حان الوقت أن نستثمر ونمتلك جزء من الصناعات والتكنولوجيا التي نحتاجها. المرحلة القادمة في حياتنا ستكون مليئة بالصراعات الإقليمية ولا يمكن أن نعتمد على غرب معادي في إدارة صراعنا مع الصفويين وأذنابهم بالمنطقة. العراق مشغولة في المرحلة الحالية بحربها ضد داعش وعند انتهاء هذه الحرب وانتصار القوات العراقية وهذا سيكون مسألة وقت ليس إلا سنكون هدفهم القادم. تحالف العراق وإيران ضد السعودية سياسة مستقبلية مؤكدة ونحتاج إلى تحالفات أكبر وأقوى من تحالف دول مجلس التعاون لمجابهتهم. الدول الإسلامية الإقليمية هي الدول الوحيدة التي يمكن الاعتماد عليها في مواجهة محور الشر الصفوي. الغربيين سيبتزوننا كعادتهم ولا يمكن الاعتماد عليهم ومواقفهم في حرب اليمن الصغيرة مؤشر على ماذا ستكون مواقفهم في صراع أكبر وأشمل مع إيران وعراقها.
إن علاقات معظم الدول العربية مع ايران علاقات رمزية ليس هناك تبادلات تجارية أو تعاون دبلوماسي كبير بين إيران ودول مثل الأردن والمغرب والجزائر وتونس وفلسطين ومصر.. ليس عندهم شيء يخسرونه في قطع العلاقات بل بالعكس سيسجل لهم مواقف عروبيه قوية خصوصا بين شعوبهم. العرب محتقنين من إيران وضاقوا ذرعا وهم يرونها تتغلغل في أراضينا وتعيث فسادا وتشق الصفوف بدون أي رادع. إن أي حكومة عربية تقطع علاقاتها مع إيران ستكسب رأي شعبها العام أولا.
ويعتقد م. حسام بحيري أن الأحداث في صراعنا مع إيران بدأت تتطور لتأخذ بعد آخر، فالغرب لم يتوقع ردة فعل دول عربية كثيرة لاتخاذ خطوات دبلوماسية ضد إيران وفوجئوا من ردة فعل الدول العربية والإسلامية وادركوا الآن فعليا أن السعودية لاتقف لوحدها في خلافها مع إيران وأنها مركز ثقل العالم العربي والإسلامي وأن السعودية ضاقت ذرعا بفشل إدارة أوباما في إدارة الصراع في المنطقة وأصبحت تأخذ مواقفها المستقلة طبقا لمصلحتها سواء رضيت أم لم ترضى الإدارة الأمريكية .
المفاجأة الأخرى كان مدى التأييد المحلي والعربي والاسلامي على المستوى الشعبي الذي حظيت به المملكة في وسائل الاتصال الاجتماعي باتخاذها قرار إعدام نمر النمر وعدم وجود أصوات معارضة للإعدامات لها أي اهمية بين المثقفين العرب والآن تطور الوضع ونرى بداية ظهور تشقق في موقف الإعلام الغربي حيث خرجت بعض الأقلام الغربية توضح أن نمر النمر ارتكب جرائم مشابهة للتي ارتكبها أفراد القاعدة وداعش الذين تم إعدامهم وأن إعدامه كان أسوة بغيره ولذلك كان من غير المعقول أن يعدم لأنه سيكون قرار غير عادل لاستثنائه بسبب طائفيته. هذه المقالات التي ظهرت مؤخراً وبدأت تنتشر سببت شرخ في موقف الإعلام الغربي وبدأ اعلامهم بحملة جديدة في توجيه الاتهامات للبعض وكتابة مقالات عن بدء عمل المكينة الإعلامية السعودية التي تدفع لهم بطرق غير مباشرة لنشر مقالات مؤيدة للإعدام وأن الحملة الإعلامية جدا فعالة وكثير من المؤسسات الإعلامية المشهورة مثل بوليتيكو والمحافظة مثل الواشنطن بوست نقلت وجهة النظر السعودية.
التطور الآخر هو في أمريكا حيث بدأ بعض مرشحي الرئاسة الأمريكية من الجمهوريين مثل كارسون وفيونا (الجمهوريين أكبر مؤيدي وجود عقوبة الإعدام في القانون الأمريكي) بنقد أوباما على موقفه الحيادي من الصراع بين إيران ندهم اللدود القديم والسعودية أقوى وأقدم حليف لهم في المنطقة الذي لابد أن نتوقف عنده أن إدارة أوباما ترسل رسالة خاطئة لحلفائها وأصدقائها في المنطقة ملخصها أن السياسة الامريكية فاقدة للمصداقية ولا يمكن الاعتماد عليها وسببت فراغ سياسي كبير استثمر لصالح الروس الذي بدأ نفوذهم في المنطقة يتعاظم بشكل كبير وملحوظ وأصبحوا يقررون مجريات الأحداث ويملون إرادتهم في المنطقة التي كانوا إلى وقت قريب لا يوجد لهم أي تأثير عليها مطلقا وإلى حد كبير هم صادقين على الرغم من التحفظات الشديدة عليهم ولكن ليس لدينا أي شك أن تصريحاتهم ليس حبا بالسعودية ولكن كرها لأوباما وسياسته.
جميع هذه الأحداث وتطوراتها التي حدثت متزامنة وقطع العلاقات الدبلوماسية مع إيران أصبحت تصب الآن في الساحة السورية لأنه اتضح أن التصعيد الإيراني السعودي له بعد آخر مهم جدا وهو الصراع الدائر بسوريا, جميع المحللين يتفقون أن الصراع الدائر في سوريا سيتفاقم بسبب الخلافات السعودية الإيرانية وسنرى انعكاساته قريبا وسيضع الضوء أكثر على حقيقة مغيبة منذ فترة بسيطة وهي حقيقة أن قوات التحالف الغربي الجوي في سوريا أصبحت بدون فعالية وتواجهه مشاكل كبيرة في استهداف داعش بسبب سيطرة الروس على الأجواء السورية بعد حادثة إسقاط طائرتهم من قبل الأتراك ونشرهم لأنظمة الدفاع الجوي المتطورة التي جعلت معظم الأجواء السورية مغلقه أمام طيرانهم. قبل إسقاط الطائرة الروسية كانت قوات التحالف الغربي تستطيع الطيران في معظم الأجواء السورية والتغلب على الدفاعات الجوية السورية البدائية ولكن بعد نشر أنظمة الدفاع الجوي الروسية المتطورة أصبح من الصعب تفاديها ومهماتهم تعرقلت إلى درجه أن الطيران الفرنسي أصبح يستخدم صواريخ كروز ذو مدى بعيد باهظة الثمن تكلف الواحدة مليون دولار لضرب داعش في العمق السوري ليتفادى أنظمة الدفاع الروسية ويعترفون الآن أن الميزان القتالي أصبح لصالح القوات السورية بسبب تعرقل عملياتهم الجوية.
الواضح كذلك أن الخلاف السعودي الإيراني أصبح يتخذ بعد أكبر من مجرد خلاف إقليمي بين القوى الشيعية والسنية في المنطقة. هذا الخلاف الآن يطغى على الإعلام الغربي ونرى بوضوح انشقاق مواقفه لشأن أجنبي وهذا غير معهود لديهم لعادتهم في اتخاذ موقف موحد خصوصا من قضايا العرب والمسلمين. ونرى سياسة دولة عظمى في المنطقة تتخبط وتفقد وهجها ولا يعمل لها أي اعتبار وتجد نفسها حاليا في موقع المتفرج من الأحداث الملتهبة في المنطقة وأصبحت تتعرض لضغوط داخلية لتستعيد مجدها وتتمكن من السيطرة على الأحداث الدولية. والخلاف بين الدول الكبرى والعظمى من الممكن أن يتطور للأسوأ بسبب تأثير الدولتين على ساحة الصراع المشتركة بينهما والتي أصبح بمقدورهما تهدئة أو تصعيد هذ الصراع وليس بيد الدول العظمى.
إيران اليوم وليس أمس لابد أن تدرك أنها تواجه ند جبار بيده طاقة هائلة عنده القدرة على استخدامها ضدها ولا يمكن أن تجابهه لا إقليميا ولا دوليا.
ويعتقد أ.د صدقة فاضل أننا لابد وأن نحدد أولا من نحن كهوية وكيان ومن ثم نحدد على ضوء ذلك ماذا نريد ومن هم أصدقاءنا ومن هم الأعداء، وثانياً فإن السياسات التوسعية العدوانية الإيرانية ليست هي التحدي الكبير الوحيد الذى تواجهه أمتنا. هناك تحديات أخرى في مستوى متقارب من الخطورة يجب الانتباه إليها. فضلاً عن أن مدى قوة أي دولة يتحدد بمدى ما تملكه من العناصر الستة التالية : ( نظام الحكم والإدارة ؛ كم ونوع السكان ؛ الموقع الجغرافي والطوبوغرافى ؛ الموارد الطبيعية؛ الامكانات التقنية والصناعية ؛ القوة المسلحة)، وهناك معادلات لحساب مدى القوة (كميا) استنادا لهذه العناصر الستة.
وأشار د. زياد الدريس إلى أن إيران ظلّت منذ تحولها إلى جمهورية إيران الإسلامية في العام ١٩٧٩م، تمثّل عند الغرب رمزية النظام الشمولي وأيقونة الرجعية والعدو رقم واحد للفكر الليبرالي الذي يُراد له أن يقود العالم إلى الأمام، بينما تقوم إيران ومعها كوبا وكوريا الشمالية بجرّه إلى الوراء.
وظللنا نحن العرب ننام باسترخاء تام على وسادة هذا الانطباع الغربي المريح والمطمئن لنا من تهديدات الجار اللدود، باعتبار أن الغرب الكاره له سيكفينا مؤونة القلق منه.
خلال سنوات نومنا على وسادة الغرب، كانت إيران تسهر مع المؤسسات الغربية في حفلات تعارف وتواعد وتقارب. حتى إذا طلع الصباح واستيقظنا وجدنا إيران والغرب نائمين في الغرفة المجاورة على فراش واحد!
كيف تغلغلت إيران إلى الفراش الغربي؟!
كيف استطاعت أن تخترق المنظمات المدنية والمؤسسات الأكاديمية والشركات الإعلامية هناك، فتقلب الهجوم ضدها إلى دفاع، والتبرّم من سلوكياتها إلى تفهّم، والقطيعة الجماعية إلى اتفاقيات ثنائية ؟!
وظّفت إيران كل الأوراق التي لديها في كسب معركة تحسين العلاقات مع العالم، فلعبت بكل ورقة في الملعب الملائم لها.
استخدمت ورقة ( الثورة ) لكسب فصائل عديدة من اليسار العالمي، خصوصاً في عوالم أمريكا اللاتينية، الشغوف دوماً بحديث الثورة .. أيّاً كانت وجههتها ومضامينها.
واستخدمت ورقة ( الجمهورية ) لكسب شرائح من اليمين الغربي، بممارساتها الديمقراطية في التصويت والانتخاب، كسباً ” نسبياً ” بالطبع، ليس بالمقارنة مع الغرب فقط من جهة، ولكن بالمقارنة مع العرب من الجهة المناقضة.
واستخدمت ورقة ( الدولة المحافظة ) والطهورية الروحانية، لكسب شرائح واسعة من المتدينين أو المحافظين المعادين لليبرالية / الامبريالية، خصوصاً في العالم العربي، وفي مناطق من آسيا وروسيا.
واستخدمت ورقة ( الحضارة الفارسية ) لكسب أعداد فاخرة من المثقفين والأكاديميين من مختلف أنحاء العالم، ممن تتكئ على آرائهم مؤسسات التفكير ومؤسسات الإعلام العالمية.
وأخيراً، فقد استخدمت ورقة ( التشيّع ) ونصرة آل البيت ومظلومية الحسين عليه السلام، لا لاستعادة حق الحسين، بل لاستعادة حق إيران في الوجود !
وقد قامت إيران بصنع أذرعة من الكوادر والكفاءات، إيرانية وغير إيرانية، قادرة على التغلغل في مراكز صنع القرار أو تغيير الانطباع، بوسائل إقناع ذكية وهادئة لا تستخدم الدعاية الفجة.
قامت إيران، وعبر لعبة الأوراق الخمس السابق ذكرها، بثلم سكاكين الإعلام الغربي عليها، ثم استبدالها بملاعق استثمارية عبر إقناع الدول الغربية بأنها شريك تنموي ” وديع ” ومستقر ، وبديل عن الشركاء المضطربين في الجوار.
والآن، هل يكفي العرب من أجل إعادة وزن معادلة القوى في المنطقة من جديد، القيام بتعرية إيران وتشويه سمعتها المجمَّٓلة وفضح ممارساتها المنافية لقيم ( الجمهورية ) و (الديمقراطية) و ( الطهورية ) و( الحضارية ) و( المظلومية ) التي تتلاعب بها بخفة ومهارة بين مسرحٍ وآخر ؟!
لا شك أن هذا المهمة ضرورية وملحة، وستكون ذات تأثير قوي وفعال إذا تم تأديتها بمهارة وإقناع يتجاوز سطحية الخطاب الإعلامي الغاضب، والسوقي أحياناً.
لكن، رغم أهمية تعرية “الجمهورية الإسلامية الإيرانية” أمام العالم، فهل هذا يكفي لتحسين سمعتنا ؟!
وأضافت أ. مها عقيل: الجواب لا لا يكفي. فكما استطاعت إيران أن تلمع صورتها لتغير رأي الغرب فيها علينا أن نجمل صورتنا وليس فقط كشف الوجه الحقيقي لإيران وتجميل الوجه لا يكفي بموضع بعض المساحيق وإنما أيضا تجميل الداخل.
وأوضح د. عبدالله بن ناصر الحمود أنه ليس للغرب سكاكين ضد إيران، ولم تكن أبدا.. فقد كانت ملاعق منذ البداية.. ولكن.. خيل إلينا من سحرهم أنها سكاكين، تماما كما خيل لأسلافهم من سحر سحرة فرعون أن حبال القوم وعصيهم تسعى.
كل ما كان يحدث في العصر الحديث من تحد سافر معلن في دول العالم الثالث ضد أمريكا.. إنما هو من باب سحر الدهماء والعامة. شهدنا ذلك في العلاقة مع العراق، ومع أفغانستان، ومع ليبيا، ومع سوريا. وكلهم انتهو لذات المصير..
الغرب عموما، وأمريكا خصوصا تعمل وفق منظومة عقلية مهولة وبارعة. ليس فيها عواطف. ربما تقوم على شيء من الأخلاق، شريطة أن لا تمس السيادة الغربية والأمريكية. فإذا مست، ذهبت حتى الأخلاق، وبقي العقل المجرد من العواطف ومن الأخلاق، والمدعوم بهاجس الهيمنة والفوز فقط.
في العام 2004 كتبت في زاوية من أين أتينا في جريدة الجزيرة مقالا تحت عنوان “تقارب الأضداد كيف نفهمه؟” وكان على خلفية التقارب الأمريكي الليبي الذي تم عشية الإطاحة بالنظام البعثي في العراق. وكانت فرضية المقال تقوم على أن العداء المعلن بين ليبيا وأمريكا، إنما هو من باب “سحر” فرعون، ليصدق العالم هذا العداء في حين تتم أضخم جهود عمالة ضد العراق بطلها القذافي. وهذا ما كان يفسر لي جهود القذافي غير المسبوقة في إيذاء العراق خاصة وكل اجتماعات الجامعة العربية بشكل عام.
وبعد أن قضى الغرب من القذافي وطرا، تركوه للنيتو يفعل به الأفاعيل. تماما كما فعلوا هم بالعراق ثم تركوه، وكما فعلوا بأفغانستان ثم تركوها، وكما تخلو عن سوريا الآن وتركوها.. والكلام هنا يطول..
بين أمريكا وإيران ملعقة من فضة لا تصدأ أبدا.. وبيننا وبينهم سحرة!! عظام، يمرقون من العامة والدهماء عندنا كما يمرق السيف الصلد.
الذي يجري اليوم شيء من أربعة أمور.. تجعل أمريكا خياراتها مفتوحة أمام أي منها تغلب المصلحة معه بعد حين.
إما دفع المنطقة لفوضى الصراعات الطائفية ردحا من الزمن، ثم الانقضاض على الجميع بعد أن تثخن فيهم الفوضى وتخور قواهم، هم وخليفهم الروسي.
وإما إعادة الحسابات من جديد مع أي محور حليف قديم (السعودية وأجنحتها، أو إيران وأجنحتها) بشرط أن يبدو أقرب للعقلنة بالمنظور الأمريكي بعد أن تدعكه الطائفية عقدا من الزمن.
وإما بزوغ حليف جديد، تنتجه صراعات المنطقة، حيث هي اليوم حبلى بالعديد من التشكلات “الإسلاموبوليتيزم” وهي ما تنشده أمريكا كما يبدو لضمان زمن طويل من التهدئة في ما بعد.
وإما إعادة جدولة العلاقات “الروسي أمريكية” وتقاسم المصالح من جديد في المنطقة، وتشكيل منظومة جديدة من الولاءات والبراءات “الجيوبوليتيكية”.
وأشار د. خالد الرديعان إلى أن هناك ما يمكن الإشارة إليه بخصوص إيران والغرب:
أولا: اللغة الفارسية ليست من اللغات السامية فهي من شجرة اللغات الهندو أوروبية وهذا يؤخذ في الاعتبار. اللغة بحد ذاتها مما يعد من الجذور المشتركة مع الغربيين وبالتالي ينظر الغرب للحضارة واللغة الفارسية نظرة إعجاب تاريخي. أوباما اشار إلى ذلك في إحدى خطبه.
ثانيا: للفرس حضارة قديمة وهي محترمة في المدونات التاريخية أو عند استعراض الحضارات الشرقية. يمكن العودة لكتابات ارنولد توينبي وشبنجلر في هذا الخصوص.
ثالثا: إيران حديثا لم تستسلم لظروف المقاطعة التي مرت بها بعد ثورتها ولم تثني من عزيمتها العقوبات؛ بل عملت وعملت وطورت إمكاناتها رغم كل شيء.
رابعا: إيران استخدمت الحرب العراقية – الإيرانية إعلاميا لتكريس ديكتاتورية ودموية الزعماء العرب ممثلين بصدام حسين الذي يكرهه الغرب خاصة بعد مذبحة حلبجة ١٩٨٧٧م.
خامسا: لعب الإعلام الإيراني وبكل اللغات دورا مهما في تقديم إيران بصورة مناسبة ومقبولة للغرب. الإيرانيون استخدموا نفس الأدوات التي يستخدمها الغرب.
سادسا: ضعف العرب وتشتتهم وتشظيهم وانتشار الاستبداد في دولهم يعد عاملا مهما استغلته إيران لتكريس صور نمطية عن العرب وهي صورة استطاعوا تسويقها رغم كل شيء.
وهناك أمر آخر في غاية الأهمية يخفف من الصورة السلبية لإيران في الغرب وهو أنها تمارس الديموقراطية في وصول الرئيس لسدة الحكم رغم كل ما يقال عن ولاية الفقيه ودور المرشد في رسم سياسة الدولة.. صحيح أنها ديموقراطية عرجاء إلا أنها تظل ديموقراطية في حسابات الكثيرين.
بينما يعتقد د. مساعد المحيا في شأن الأزمة مع إيران، أنه ثمة مبالغة في تصوير نجاح إيران دبلوماسيا واقتصاديا وسياسيا .. في مقابل فشل المملكة ودول الخليج في إدارة الاقتصاد والسياسة ..
إيران لا تعيش تنمية اقتصادية توازي التنميةً التي يعيشها المواطن في المملكة وفي دول الخليج ..
إيران لا تنفق ميزانيتها على مشاريعها التنموية في حين أن دول الخليج تعيش نقلة تنموية مبهرة ..
يكفي أن تشاهد أي مادة فيديو من مدينة إيرانية لترى مدينة متخلفة كثيرا ..وأحوال الناس بائسة وحتى دبلوماسيا فإن ما جرى مع الغرب يمكن تجييره على أنه نجاح للدبلوماسية الإيرانية بقدر ما هي تغير في البوصلة الغربية نتيجة إدراكهم أن إيران يمكن تطويعها لتكون أداة إثارة ، ووسيلة تغيير وأن من الممكن استغلال مواقفها لصناعة الكثير من المشكلات في المنطقة العربية ..
هذا لا يعني أننا بلا أخطاء .. من المؤكد أن لدينا الكثير من الأخطاء.. لكن دعونا نستلهم التاريخ .. سنجد ان المملكة استطاعت أن تنجح بفضل الله في تجاوز الكثير من الأزمات .. وهذا ينبغي أن ينظر إليه من باب فن إدارة الأزمات .. في الوقت الذي أخفقت قيادات دول عربية كثيرة في توريط بلدانها في تراكمات كثيرة من المشكلات والأزمات.
وأضاف د. زياد الدريس: حتى نكون منصفين لا جالدين للذات، فإننا في أزمتنا مع إيران قد: نجحنا دبلوماسياً بدرجة معقولة، وفشلنا إعلامياً بشكل مخزٍ.
وعلق أ. سمير خميس على وجهة النظر الأخيرة بقوله: ليس جلداً للذات ولا مدحاً للعمائم..
لكني كمواطن أشعر أن إيران دولة مؤسسات أنجح من بقية دول الخليج..
حضارتهم الفارسية نجد نيتشه يستلهمها في “هكذا تكلم زرادشت” فيما هم يطبقون تعاليم ثورتهم ويفرضون أجنداتهم على ثلاث عواصم عربية ونصف بالنار التي كانوا يعبدونها في يوم من الأيام..
اللوبي الفارسي متفوق في عواصم صنع القرار الغربي، فيما لا زالت هوليوود ومثيلاتها تصور الشيخ الخليجي المترف الباحث عن اللهو واللذة..
شعار إيران الأهوج الذي يعتمد تصدير الثورة للخارج ناجح للأسف، ابتلع بلداً بأكمله كالعراق، وقمع أعظم ثورة شعبية كسوريا..
إضافة لكل ما سبق.. إيران تغير حتى شكل التاريخ الإسلامي.. لنتأمل التاريخ..
لم تدخل فرقة شيعية في صراع مسلح في أهل السنة والجماعة إلا أبيدت وانمحى ذكرها..
لكن أصحاب العمائم لهم رأي آخر بدولة المؤسسات التي يطبقونها حتى وجدنا رئيساً لهم يحكمهم فيما جاكيته الخاص لا يتعدى سعره الخاص ٤ دولارات.
مواجهة ردات الفعل المغرضة
قال د. سعد الشهراني: بعد أن نفذ حكم الله في المجرمين الإرهابيين و بعد أن رأينا و سمعنا ردود الأفعال ، اجتمع متطرفوا الداخل و الإقليم و العالم في معسكر واحد ضدنا.. أمامنا أحد أمرين:
ترك الأمور تجري في أعنتها مع بعض الاجتهادات التي لا تجمعها خطة و لا جامع من أي نوع إلا الاجتهاد و حب الوطن و الوقوف مع القيادة (و هذا ما هو حاصل) على مبدأ أن العاصفة ستمر كما مر غيرها و أننا لا نحتاج إلا احناء الرأس للفترة القادمة.
وضع خطة سياسية ديبلوماسية و إعلامية هجومية طويلة المدى على معسكر التطرف بكل أطيافه و على رأسها حكومة الملالي و أذنابها في المنطقة و على المتطرفين السنة و الشيعة معا و على المتطرفين الغربيين ( و كلهم في مراكز اتخاذ القرارات ) و على الدوائر و وسائل الإعلام الغربية المعروفة بمواقفها ضد العرب و الإسلام و المسلمين و المملكة على وجه الخصوص.
هل يمكن تكوين رأي عام دولي ضد كل هؤلاء و أولئك المتطرفين و نتزعم المناداة بهذا منطلقين من موقفنا الواضح غير المهادن !
هل يمكن مساءلة الغرب علنا و بقوة : أنتم صنفتم حزب الله و داعش و غيرهما منظمات إرهابية و أقمتم و أعلنتم الحروب باسم مكافحة الإرهاب التي لم تقتل إلا المدنيين و عندما نحاكم الإرهاب و نعاقبه من الطائفتين استنكرتم و استبشعتم وأنتم الذين تقتلون مئات الآلاف كذبا و زورا باسم مكافحة الإرهاب.
أنتم تلعبون لعبة خبيثة و تستخدمون الخبثاء في المنطقة لتفرقونا على مبدأكم سيء الذكر (فرق تسد) أقول هذا بحرقة لأننا على حق و هناك توحد و رأي عام يتكون ضدنا.. أم أن هذا سيؤلب العالم علينا أكثر ويعد غير واقعي؟
وقالت د. طلحة فدعق: حقيقة مع تسارع وتيرة الأحداث ومع ما ألم بنا خلال الفترة الأخيرة مما أشار له البعض من ظروف حرب في الجنوب واقتصاد تأثر نتيجة المتغيرات العالمية ونزاعات محيطة إلا أن تلك الأمور جميعا لها أيضا جانب ايجابي ..أهمها ما عكسته الأحداث من لحمة وطنية …نحن السعوديون لا نكتشف ولا نعرف بعضنا البعض إلا خلال الأزمات ..تقربنا المحن والأزمات فنحن بكل أطيافنا الأثنية والعرقية والمذهبية والمناطقية كشفت لنا الأحداث الحالية قيمة الوطن ومعني الهوية والانتماء .. ولاءنا لحكامنا هو ولاءنا للوطن ومهما قال المغرضون وغرد الحاسدون سنبقي علي العهد للوطن ..عندما كنا صغارا كنا ننشد بلادي بلادي بلادي ونحن نقفز علي مسرح المدرسة وضفائرنا تتقافز معنا .. ثم كبرنا ونسينا كلمات النشيد لكن عنوانه محفور في ثنايا الفؤاد ..مهم جدا في هذه المرحلة تلاحمنا وصمودنا وعقلانيتنا وولاءنا لحكامنا .. فكما ذكر البعض فإن المتربصين كثر والحاقدين والشامتين أكثر .. ومع هذا كنا وما زلنا وسنظل بإذن الله هامة لا تنحني ..
نخوض حربا نعم.. لكننا كسبنا خبرة ودراية وأصبحنا قوة استراتيجية لا يستهان بها … خسرنا بعض أبناءنا نعم .. لكننا كسبنا الشرف والعزة والكرامة وكسبوا هم الشهادة ..نمر بأزمة ( أيا كانت ) نعم …لكن عبرنا قبلها ما هو أشد منها كما أشار البعض ..وسنعبرها بإذن الله.. مسألة الإرهابيين والمتربصين والحاقدين ( والشريرين ) وعلي رأسهم إيران هي مسألة لن تنتهي أو تنقرض بسهولة لكننا لها ولن يخذلنا الله ..عركتنا الحياة ومنحتنا الصلابة والحكمة .
ويرى د. مساعد المحيا أنه كان من الضروري وجود شرح واف في المؤتمر الصحفي لكل من لديه أي تساؤل.. ووجود مسؤول من وزارة العدل مهم جدا لأن اللغة القضائية مهمة في نقل حيثيات الأحكام ..
أما الإعلام الغربي فمن المهم مخاطبته على نحو يوصل له الرسالة وفقا لنمط التفكير الذي يؤمن به .. البنتاجون والبيت الأبيض يجيبون كل يوم على أدق التفاصيل التي يسأل عنها الصحفيون ولا يمل الأمريكيون من إيضاح ما يريدون بالطريقة التي يريدون.
وأشار أ. إدريس الدريس إلى أنه وفي ظل ردات الأفعال تأييداً واعتراضاً على تنفيذ الأحكام الشرعية؛ يبدأ دور المملكة في توظيف سفاراتها وإعلامها في حملة علاقات عامة لتوضيح مواقفها وإزالة الغبش الذي يطال صورتها وسمعتها.. وبرأيه فإن سفاراتنا في الخارج للأسف هي حتى الآن خارج المنافسة مع العمل الدؤوب الذي تقوم به سفارات إيران في التواصل مع مؤسسات المجتمع المدني ومع الإعلام ومع دوائر التأثير هناك ..
نحن أصحاب حق لكن هذا لا يكفي أمام التقية السياسية التي تمارسها إيران في حين تنعس سفاراتنا للأسف.
وأكد أ. مطشر المرشد على أهمية أن لا نقوم بمحاولة التبرير للغرب .. يجب أن نظهر بمظهر الواثق وأن ما فعلناه ونفعله هو الحفاظ على مصالحنا الاستراتيجية وحماية أمننا ومساعدة العالم في محاربة الإرهاب.
وقال د.م. نصر الصحاف: بخصوص الهجمة الإعلامية الغربية الشرسة فلا أعتقد أن على السعودية تقديم أي تبرير لقضاء عادل أعطى المتهمين كل الفرص والزمن الكافي لأي اعتراض على الحكم وفي النهاية هذا أمر داخلي ولكل دولة الحق في الدفاع عن أمنها داخلياً وخارجياً ضد المخربين والإرهابيون وهذا ما فعلت السعودية!! أما منظمات الحقوق الإنسانية العالمية فهي مسيّسة بالدرجة الأولى والمفروض عدم إعطاءها أي قدر أو الرد على اعتراضها بأي شكل من الأشكال لأن ذلك يرفع من قدرها وهي المعروفة بتميزها العنصري في العالم!
وأضاف د. عبدالله بن ناصر الحمود: يتكاثر اليوم الخبث من حولنا و الطريق الذي أمامنا طويل جدا.. والمتربصون بنا على جنباته يتنادون كلما حانت لهم فرصة.. فيقذفوننا بشيء مما معهم من خبث. ويضعون في طريقنا القاذورات.
ونحن نمضي.. وسنمضي بإذن الله.. وسنعبر.. رغم أنوفهم. ليس لأننا نتوق لمزيد من القاذورات في طريقنا، ولكننا عندما نتجاوزها، ينأون هم بها.. تنأى بها دولهم وشعوبهم وجماعاتهم، فنكون نحن تقدمنا، ووحلوا فيها.. هم وأبناؤهم وأشياعهم..
صحيح.. أننا نمضي فنجد في كل مرحلة من يفعل فعلهم.. في كل طرق عبورنا.. لكن عزاءنا دوما أننا نمضي ونتركهم.. فتتكاثر عليهم سوءاتهم.. ويتكاثر عندنا المضي والتقدم في رحلتنا المضنية نحو مستقبل ننشده جميعا.. ونعلم أن من خياراته عبور هذا الطريق.. بكل ما فيه من ضرورات العبور..
لقد عبرنا توابع الحرب العالمية الثانية ومضينا .. وعبرنا توابع حروب الاستقلال في الوطن العربي ومضينا .. وعبرنا كامب ديفيد ومضينا .. وعبرنا حروب العبور والاستنزاف ومضينا.. وعبرنا 11 سبتمبر ومضينا .. وعبرنا حربي الخليج ومضينا .. وعبرنا توابع حرب أفغانستان ومضينا .. وعبرنا توابع الربيع! العربي ومضينا .. واليوم نعبر خياراتنا مع مثلث الغرب والشرق والفرس، في العراق، وسوريا، ولبنان، واليمن، وسنمضي بإذن الله.
لن تكون رحلتنا الراهنة بردا وسلاما أبدا.. لتعقيدات حساباتها على مسرحنا الداخلي أولا، ثم لتعاظم اصطفاف الخصوم على جنبات طريق عبورنا الراهن، وفظاعة ما يلقونه من قاذورات في طريق عبورنا، بحجم منظمات دولية وحقوقية، وبفجاجة إعلامات مأجورة أو منفلتة.. لكننا بحول الله سنمضي.. وسيتكبدون هم جريرة أفعالهم..
نحتاج فقط مزيدا من الزاد هذه المرة.. نحتاج مزيدا من الثقة بالله تعالى أولا وحسن الإحسان لدينه الوسطي الحق (دون مواربة) ومزيدا من تمثله في كافة شؤوننا .. نحتاج مزيدا من اللحمة الوطنية ومسبباتها ومكوناتها .. نحتاج مزيدا من المهنية والحرفية في إدارة الصراعات الراهنة والمنظورة القريبة.. ويعني ذلك أن نكون أكثر حذاقة وحرصا في إسناد أمورنا لأهل الصناعة في السياسة والاقتصاد وفي كل شؤوننا دون حسابات أقل من ذلك.
نحتاج أن لا نجادل الحمقى والمغفلين والمرتزقة من حولنا ومن البعيدين عنا.. ويلزم لذلك ترشيد فعلنا الإعلامي و الاتصالي .. نحتاج أن نحسن أكثر اتصالنا بالداخل عندنا والخارج الذي يعنيه أمرنا.
ويلزم لذلك الاستثمار في إعلامنا الوطني وتسخير كافة احتياجاته من الكفاءات العلمية والمهنية ومن التمويل الذي يحتاجه في تحقيق رسالته القوية اللازمة لمرافقتنا باقتدار خلال عبورنا هذا..
نحتاج.. بإيجاز.. أن نحسن أكثر.. إدارتنا لأزماتنا الراهنة.. عبر خلية إدارة أزمة عالية التأهيل والدراية والدربة..
ولكن نحتاج بالتأكيد.. أن لا نهون مما يفعله خصومنا.. هذه المرة.. فقد تغيرت سنن الصراع وتبدلت قواعد اللعبة.. فالسلفية تتوارى، والولاءات والبراءات التي بنيت عليها تتهاوى.. والطاقة تتمرد.. وتضطرنا للخيارات الأصعب علينا.. والفضاء الفكري والثقافي العالمي ليس في صالح أصل كينونتنا ولا رؤيتنا للكون والحياة.. واللاعبون الجدد يقدمون تنازلات يسيل لها لعاب مريدي الهيمنة العالمية .. والطامعون الطامحون في اختراقنا.. لديهم بدائل جديرة بتجريبها على الأقل.. ولو بحذر.. ولو على حسابنا..
علينا أن نحسن إدراك كل ذلك.. ثم نحسن فعلنا.. ثم نمضي ولا نلتفت للوراء أبدا .. والله ولينا.. وهو ناصرنا ومؤيدنا بحوله تعالى.
الحاجة إلى حملة إعلام بأقلام جادة
أشار د. زياد الدريس إلى أن الفضائيات العالمية ستشهر سكاكينها الآن على المملكة بعد أحكام الإعدام وستستضيف الألسن الجاهزة لحفلة شتم وتشكيك وتأليب.
وسيُدعى لهذه الحفلة ، بكل أسف، إعلاميون سعوديون يُمثّلون صوت المملكة في البرامج وهم ذوو أصوات مبحوحة وهزيلة لا تجيد الدفاع فكيف تجيد الهجوم على من يجلس على الكرسي المقابل في الشاشة !
غياب المعلومة عن ممثلي الرأي السعودي في الإعلام الغربي يركسهم تحت وطأة الضعف والهزال. لكن هذا ليس هو السبب الوحيد، بل إن “توجسهم” أو “تطلعهم” يجعلهم يلجأون إلى المديح الإنشائي الذي لا طعم له عند المشاهد “الجائع” !
بإيجاز، فإن حملة الإعدام اليوم بالسيوف الحادة يجب أن يصاحبها حملة إعلام بأقلام جادة تجيد قطع الشبهات الإعلامية التي ستقودها الفضائيات المتحيزة.
وقال. إبراهيم البعيز: ليت إعلامنا يركز على أن خلافنا مع إيران هو خلاف سياسي مع الحكومة وليس خلاف طائفي مع الشعب، لأننا بذلك سنتمكن – على المدى البعيد – من اقتحام الجبهة الداخلية.
تصوير الخلاف على أنه طائفي يعني كأننا نناصب الشعب الإيراني العداء وأن لا حل إلا بتخليه عن ثقافته وهذا ما يتمناه الملالي.
وأضاف د. محمد القويز: إيران لديها آلة إعلامية موجهة للآخرين وبها استمالت بعض العرب وقوى فاعلة بالغرب رغم أنها دولة إرهاب … كما أن لها مراكز متخصصة منتشرة في أوروبا وأمريكا مهمتها تقوية العلاقات الإيرانية الغربية.. إعلامنا في معظمه موجه لنا .. تحركه ردات الأفعال والانفعالات.
وقال د. ناصر القعود: مع أن الإعلام الغربي متحيز ثقافيا إن لم نقل سياسيا ومن غير المطلوب إقناعه فمن المهم بيان الاحتياطات الدفاعية التي منحت للمدانين خلال درجات التقاضي الثلاث وأن نؤكد ثقتنا في قضائنا.
وأضاف د. عبداللطيف العوين أنه وفيما يخص موضوع تنفيذ حكم الله في مجموعة من البغاة له عدة اعتبارات أخرى أهمها : عدم الإغراق في الشماتة بمن نفذ فيهم الحكم ، بل التركيز على عدالته والمكسب من حكمة تلك الأحكام في الشريعة الإسلامية للوطن عامة وحتى لمن نفذ عليهم الحكم.
ما يتعلق بالإعلام وخاصة الإعلام الخارجي أيضا يتطلب التركيز على الحكم وحيثياته وعدم الدخول في تفاصيل عنصرية تشتت الحكمة من الحكم مع اعتبار الوصول إلى الإعلام الخارجي وليس تركهم يصلون إلى من يريدون فقط لتشويه الحكم.
إن التركيز في مخاطبة الإعلام الخارجي على الحكم وعدالته تقتضي توضيح الجرم المرتكب وشرعية المحاكمة وإنصافها إجرائيا، مع ضرورة عدم السماح للإعلام الخارجي ليذهب إلى من يريد هو بل ينبغي أن نذهب إليه ونحن جاهزون.
وأكدت أ. فايزة الحربي على ضرورة أن ندرك أهمية دورنا الإعلامي للرد على المغرضين والسعي للتماسك واللحمة والحذر من انتشار الفتن.
وأوضح أ.د. عبدالرحمن العناد: من الاستراتيجيات الإعلامية المهمة استراتيجية تحويل التركيز من قضية رئيسة الى أخرى جانبية .. الهجوم على المقار الدبلوماسية ساعدنا كثيرا في توظيف هذه الاستراتيجية ليتحول الاهتمام من الاعدامات ونمر النمر الى البعثات الدبلوماسية وقطع العلاقات.
ويرى م. حسام بحيري أنه لابد من البدء بحملة وطنية لمقاطعة وسائل الإعلام الأجنبية التي تهاجم المملكة. الوسائل الإعلامية البريطانية بالذات والأمريكية أصبحت مليئة بالحقد والكره لكل ما هو سعودي ومسلم.. تقاريرهم جدا مسمومة وليس لها أي مصداقية. سكوتنا عليهم أصبح يشكل نقطة ضعف نستطيع استخدام أنظمتهم القضائية ورفع دعاوي وكسبها بكل سهولة.
بينما ذهب أ. مسفر الموسى إلى أن الهروب والمقاطعة… هي تأكيد للضعف، وأضاف: بناء استراتيجية محكمة لممارسة الإعلام الدولي هي الحل…. ينبغي أن نفكر جديا في الاستثمار في الإعلام الدولي في السنوات القليلة القادمة.. وسيلة أو وسيلتين من Top 10
مشكلتنا أننا لا نفرق بين وسيلة بلغة أجنبية وبين مقومات الإعلام الدولي ونمط ممارسته.. مثلا: قد نكتفي باللغات الأجنبية لصحيفة الشرق الأوسط بمحتوى ولغة صحافية محلية أو إقليمية… بينما الإعلام الدولي يحتم على الصحيفة أن تكون مصدرا أساسيا للمعلومات في البلد المستهدف.. وهذا يحتاج لفهم ثقافي ومعرفي والتزام بأعلى مستويات المهنية والبحث في المواضيع ذات الاهتمام في البلد المستهدف.
وبدوره علق د. إبراهيم البعيز بقوله: علينا أن نستبعد فكرة المقاطعة – لأنه ليست بالضبط محددة المعالم وأنا لا أعرف بالضبط ما المقصود بالمقاطعة وكيف ننفذها ومن المهم الإشارة إلى أن علاقتنا بالإعلام الخارجي وخاصة الإعلام المؤثر (الأوروبي والأمريكي) علاقة لم نعرف كيف نديرها بعد، فنحن في الغالب نتعامل معهم من نافذة ما “نريد منهم”، ولم نفكر بعد التقرب إليهم بطرق باب “ما يريدون منا”.
نحن نتجنبهم خوفا من “سلبيات محتملة”، لكننا ندفع ثمن ذلك في خسارة الكثير من “الإيجابيات المؤكدة”. لا نلتفت لوسائل الإعلام الدولية إلا في الأوقات الحرجة وساعات الأحداث الساخنة.
نحن بحاجة إلى استراتيجية للتواصل الثقافي تتضمن آليات وإجراءات حديثة للتعامل مع وسائل الإعلام العالمية، بحيث تساعد على بناء علاقة متينة مستمرة، تقوم على تحقيق أهداف كل طرف، والمهم أنها ستمكننا من سهولة التواصل لتقديم وجهة نظرنا (الرسمية وغير الرسمية) عند سخونة الأحداث. وهذا يجنبنا الكثير من حالات التبرم وادعاء المظلومية عندما نرى أن الإعلام لم ينصفنا.. لكن المبالغة في افتراض سوء النية والتقصد في وسائل الإعلام الأجنبية سيقف حاجزا أمام تعاملنا معها .. الإعلام الغربي انتقد حكوماته وفضح فسادها، فلماذا نعتقد أنه متحيز ضدنا.
وأضاف م. حسام بحيري أن هناك وسائل إعلامية غربية لازال لديها مصداقية واحترام ومعايير في نقل الخبر وتلتزم بشرف المهنة من الممكن التعامل معها بانفتاح ولكن الوسائل الإعلامية التي تهاجم الأديان والمعتقدات وبشكل عنصري من الواضح أنه لا يمكن التعامل معها لأنها تنشر الكره ومعاييرهم الصحفية والأخلاقية واضحة وضوح الشمس في هذه الأمور. سياسة التعامل مع الإعلام الأجنبي لا يمكن أن تكون مفتوحة لجميع وسائل الاعلام. نحن أصلا مقاطعين قنوات عربية تسبح في الفلك الإيراني مثل المنار وأخواتها فلما لا نعامل الإعلام الأجنبي بالمثل.
وقال أ. مسفر الموسى: وكما أن نظرية الاعتماد على وسائل الإعلام تحدد العلاقة بين الجمهور والوسيلة… فإن هذه النظرية قد تدرس العلاقة التبادلية بين وسائل الإعلام المختلفة من حيث اتجاه التدفق المعلوماتي..
والمقدمة أعلاه.. هي رؤية تفسيرية لقدرة وسائل الإعلام في بناء الإطار الخبري.. ليصبح هذا الإطار مهيمنا ومستساغا لدى القنوات الأخرى والرأي العام الدولي..
قضيتنا الكبرى مع الإعلام البريطاني تحديدا في الأزمات الأخيرة مع إيران هي بناء الإطار المغلوط.. ومن ثم حشد التداعيات والأحداث لتكون براهين وحقائق لدعم هذا الإطار أو الاستنتاج النهائي..
حيث ركزت هذه الوسائل على الصراع السني الشيعي.. بينما لم نستطع (نحن) سواء بوسائلنا الإعلامية أو من خلال المشاركات الفردية في الوسائل الأجنبية من تحديد إطار إخباري للأحداث السابقة..
نمر النمر أعدم لأنه إرهابي.. هذا هو الإطار الذي كان ينبغي (لو كنا نمتلك خطابا دوليا مؤثرا) أن يسود.. مع إطارا آخر أكثر شمولا بعد أحداث السفارة السعودية.. يتمثل في (أن إيران دولة راعية للإرهاب) بدلا من مجرد مشكلة دبلوماسية..
إعلامنا جله موجه للداخل.. وحان الوقت أن يكون لنا صوت خارجي فاعل.
وتساءل د. علي الحارثي: كيف يمكن البحث عن علاقه متينة أو إيجابية مع إعلام همه وهدفه الأول والأخير تشويه سمعتك وتضخيم سلبياتك التي لا تذكر وتهميش كل إيجابياتك بل قلب حقائقها الي سلبيات. عداؤهم تاريخي ومقصود وممنهج وهم يستخدمون إعلامهم القوي عالمياً ضد الإسلام السني بالذات ، ولأن المملكة حاضنة الحرمين الشريفين وقبلة كل المسلمين ، فقد وضعوها نصب أعينهم للنيل منها ومن حكومتها وشعبها ودستورها فلا نعول علي محاولة إقناعهم لتعديل قناعاتهم المسيسة والمسيئة ، بل علينا أن نصلح أحوالنا السياسية والاقتصادية والاجتماعية والإعلامية ليكون لنا مصداقية في حوارنا مع الآخر وقوة جدلية إقناعية.
و يرى د. حميد المزروع في هذا الصدد أنه يمكن استثمار المختصين من المبتعثين والمبتعثات حاليا لتأسيس منصات إعلامية وتكوين لوبيات لخدمة مصالح المملكة .
ويعتقد أ. خالد الوابل أننا بحاجة لتفكيك خطاب الإعلام الغربي؛ فما يطرحه الإعلام الغربي الآن حول السعودية سبق وطرحه السعوديون في هاشتاقاتهم؛ ولكن هذه الأيام فإن الحدث العالمي الأبرز هو قطع العلاقات مع إيران وشي طبيعي تتصدر السعودية وإيران الأخبار والمقالات.
وفي تصور د. عبد الله بن صالح الحمود فإن الإعلام السعودي لابد أن يتغير خطابه، بعيدا عن التحفظ أو المجاملة فقد أصبح موقفنا ضعيف بالذات أمام الرأي العام الغربي.. لماذا نحن كذلك والعالم أمامنا يزداد قوة في الحضور وأخذ الحقوق؟
كذلك فقد أشار د. عبدالله بن ناصر الحمود إلى أنه في مجال الإعلام والاتصال الخاص بعلاقتنا مع إيران، يمكن الإقرار بما يلي:
ما تم من مشاركات السعوديين باللغة العربية في الإعلام الناطق بالعربية جيد جدا، وبالذات ما تم من خلال البرامج الحوارية والإخبارية. ولدينا محللون ومحاورون جيدون بحمد الله.
ما تم من مؤسسات الإعلام السعودية ملكية أو ولاء، فقد سارت في ذات السياق السابق ذكره، فقدمت جهودا جيدة في “تغطيات” الأحداث إخباريا، أو حواريا، لكن قصرت المؤسسات إجمالا عن “معالجة” الأزمة، وخصوصا الإعلام الرسمي، وهو مناط التكليف، حيث لم يتمكن من مواكبة الاحتياجات “المعرفية” للجمهور السعودي والعربي، ولم يستطع تقديم نماذج فعالة ومؤثرة من أشكال البرامج التلفزيونية والإذاعية غير الإخبارية والحوارية. وصار جل همه ترديد المواقف الرسمية إخباريا، والتأكيد عليها حواريا.
المشاركات السعودية أفرادا ومؤسسات، باللغات غير العربية، قليلة جدا، وضحلة في كثير مما تم فيها، ولم تتمكن القناة التلفزيونية الثانية، وهي مناط التكليف هنا، من القيام بدور فعال.
والأمر كذلك، بدو الحاجة طارئة، لتكوين الجهة المسؤولة “وزارة الثقافة والإعلام” خلية “معلنة” لإدارة حصيفة للإعلام السعودي في هذه المرحلة التاريخية المهمة من تاريخ بلادنا، وذلك على مستويات الرؤية، والآليات، والتقويم.
والغرض من أن تكون الخلية معلنة هو إتاحة الفرص أمامها لتتلقى تطلعات الجماهير، ومرئياتها، وملحوظاتها.
وأخيراً يرى د.م. نصر الصحاف أن الإعلام الغربي يركز على ردة الفعل للإعلام المواجه لهم في أي دولة مكان الحدث فإذا كان الإعلام المحلي بهذا الضعف واللا احترافية فهذا يَصْب في تعزيز موقفهم من القضية !!
المفروض أن يكون لنا إعلام موازي في الإمكانات سواء الفكرية / المعرفية/ المادية / إلخ… حتى تبرز السعودية وجهة نظرها للعالم بكل اعتزاز غير ممجوجة !!
المحور الثالث
ملامح الاقتصاد السعودي في ضوء الميزانية الجديدة 2016
الملامح الرئيسة للميزانية
عرض د. محمد سالم الصبان ملخصاً للميزانية السعودية في 2016 ، تطرق فيه لأمر خادم الحرمين الشريفين الحكومة باعتماد 840 مليار ريال النفقات العامة وإجراء الإصلاحات التالية اعتبارا من [ 2016 – 2020 ] اقتصادية ومالية وهيكلية ومراجعة الدعم الحكومي للمشتقات النفطية والمياه والكهرباء وإعادة تسعيرها ومراجعة الرسوم والغرامات الحالية واستحداث رسوم جديدة وطرح مجموعة من النشاطات والقطاعات الاقتصادية للخصخصة مع مراعاة التدرج في التنفيذ خلال 5 سنوات قادمة.
وتنفيذ هذا الإجراءات بالتفصيل :
إنشاء وحدة للمالية العامة في وزارة المالية وتكليفها بالعمل على تحديد سقف الميزانية العام من خلال وضعها في إطار متوسط المدى (ثلاث سنوات) والتأكيد على الالتزام بهذا السقف.
مراجعة وإعداد الميزانية العامة للدولة وتنفيذها، والبدء بالتنفيذ خلال العام المالي 2016 بتطبيق معايير الإفصاح والتخطيط للميزانية وفق أفضل الممارسات الدولية.
رفع كفاءة الإنفاق الرأسمالي، ومن ذلك مراجعة المشاريع الحكومية ونطاقها وأولوياتها وسيعمل البرنامج الوطني لدعم إدارة المشروعات في الجهات العامة (الذي صدر بتأسيسه قرار مجلس الوزراء مؤخرا) مع كافة الجهات والأطراف المعنية على تحقيق هذا الأمر ابتداء من العام المالي 2016.
رفع كفاءة الإنفاق التشغيلي للدولة بالتوظيف والاستخدام الأمثل للتقنية في تقديم الخدمات الحكومية، وتطوير وتفعيل آليات الرقابة.
الحد من تنامي المصروفات الجارية خاصة الرواتب والأجور والبدلات وما في حكمها والتي بلغت 450 مليار ريال وتزيد 50% عن المصروفات المعتمدة بالميزانية.
الانتهاء من تحديث نظام المنافسات والمشتريات الحكومية ليراعي أفضل الممارسات الدولية.
تحسين منهج وآليات إدارة أصول الدولة.
تطوير أهداف وأدوات السياسة المالية وفق معايير الشفافية والرقابة والحوكمة، وتراعي الأهداف والتوجهات الاقتصادية والتنموية على المدى القصير والمتوسط والبعيد.
تقليل الاعتماد على البترول خلال الأعوام الخمسة القادمة – وابتداء من العام المالي 2016 – طرح مجموعة من القطاعات والنشاطات الاقتصادية للخصخصة وتذليل العقبات التشريعية والتنظيمية والبيروقراطية أمام القطاع الخاص.
إعطاء الأولوية للاستثمار في المشاريع والبرامج التنموية التي تخدم المواطن بشكل مباشر كقطاعات التعليم، والصحة، والخدمات الأمنية والاجتماعية والبلدية والمياه والصرف الصحي والكهرباء، والطرق، والتعاملات الإلكترونية، ودعم البحث العلمي، وكل ما يكفل تحسين نمط الحياة اليومية للمواطن.
مراجعة وتقييم الدعم الحكومي، وتعديل منظومة دعم المنتجات البترولية والمياه والكهرباء وإعادة تسعيرها و يراعي التدرج في التنفيذ خلال الخمس أعوام القادمة.
مراجعة مستويات الرسوم والغرامات الحالية، واستحداث رسوم جديدة، واستكمال الترتيبات اللازمة لتطبيق ضريبة القيمة ، بالإضافة إلى تطبيق رسوم إضافية على المشروبات الغازية والسلع الضارة كالتبغ ونحوها.
قراءة في أبعاد الميزانية وانعكاساتها على المجتمع السعودي
أوضح م. خالد العثمان أن تقديرات الإنفاق لميزانية عام ٢٠١٥ كانت ٨٦٠ مليار وبلغ الإنفاق الفعلي ٩٧٥ مليار بزيادة ١١٥ مليار..
تقديرات الإيرادات لعام ٢٠١٥ كانت ٧١٥ مليار وبلغت الإيرادات الفعلية ٦٠٨ مليار بانخفاض قدره ١٠٧ مليار..
بذلك ارتفع العجز من الرقم التقديري ١٤٥ مليار إلى الرقم الحقيقي ٣٦٧ مليار..
هذه الانحرافات في الأرقام تحتاج إلى وقفة لمعالجتها إذ لا جدوى من خطة يبلغ الانحراف فيها أكثر من ٢٠٪ .. ويصعب معها إدارة التنمية بشكل فعال.
وهناك حاجة إلى رفع كفاءة الأداء في ثلاث مستويات:
رفع كفاءة الدعم:
وتعني إيصال الدعم إلى مستحقيه الحقيقيين وهذا يستدعي بالضرورة رفع كفاءة برامج الضمان الاجتماعي ومكافحة الفقر والبطالة مقابل رفع أسعار الوقود والطاقة وغيرها من السلع المدعومة.
و يجب أن نعترف أن الدعم المنفلت إهدار لموارد الوطن والأجيال ويجب أن تباع السلع بسعرها الحقيقي وهذا أمر ننادي به منذ زمن وليس في الزمن القحط فقط .. وفي المقابل ننادي بتوجيه الدعم للمستحقين الحقيقيين بشكل مباشر لمواجهة أعباء التضخم.
ومن المهم بالتوازي رفع مستوى الرقابة على التجار لمنع رفع الأسعار المنفلت دون رقيب ولا حسيب، أما رفع الدعم فقط بدون سياسة متوازنة خطأ فادح.
رفع كفاءة الإنفاق:
و تتطلب حسن إدارة الأولويات وتعظيم العائد المباشر وغير المباشر من كل ريال ينفق .. أحد أهم الأمور في هذا المحور تفعيل أدوات التوطين والسعي إلى امتلاك المعرفة بدلا من استئجارها.
رفع كفاءة استثمار احتياطيات الدولة:
فمن الضروري تنويع درجات المخاطر في الاستثمار وعدم الاكتفاء بشراء السندات منخفضة المخاطر والعوائد .. هذا يسري كذلك على موارد الصناديق العامة مثل التقاعد والتأمينات الاجتماعية وغيرها.
وأشار د. عبداللطيف العوين إلى أنه بالنظر إلى الميزانية نجد ولله الحمد أنها لم تتغير عن سابقتها من حيث مخصصات التنمية، فقط الذي فرق هو مخصصات المشاريع الجديدة وهو أمر طبيعي حيث أن المخصصات السابقة للمشاريع والتي لم تنتهي بعد تمثل تقريبا ميزانية الدولة كاملة ؛ وهذا يدل على كفاءة إدارة الميزانية المتوافقة مع الظروف ،
رفع رسوم بعض الخدمات كان لرفع الكفاءة مثل رسوم المياه نتجت عن استراتيجية وطنية شاركت فيها ( بحكم التخصص الاستراتيجي ).
أما ما يتعلق بالظروف المحيطة ؛ فإذا كانت دولتنا حفظها الله تمر بظروف صعبة وهذه الرسوم معينة لها فنحن فداء لها ؛ هناك من يفدي بروحه على الحدود ونحن نستكثر قليلا من المال.
وعلق د. مساعد المحيا على وجهة النظر الأخيرة بقوله: إذا احتاجت الدولة فكلنا معها بما نستطيع … لكن ما نتحدث عنه هو أن المواطن سيجتمع عليه:
رسوم عالية سواء كانت مباشرة أم طالته بطريقة غير مباشرة .
غلاء متوقع وبشكل كبير جدا في كل السلع الاستهلاكية وهو ما سيجد المواطن آثاره ابتداء من هذا الشهر.
انخفاض في رواتب البعض نتيجة توقف بعض البدلات.
عدم كفاية مرتبات الكثير من ذوي الدخل المحدود في الانفاق على بيوتهم.
ومن جهته يعتقد أ. خالد الحارثي أن حجم الإنفاق السعودي خلال السنوات الخمس الماضية رغم وجود نفقات دفاعية وحربية يدعو للاطمئنان كما أعجبنه تسميتها بالتحدي فهو يبني على ما سبق ويغذي البنية التحتية والوصول المباشر للإنسان السعودي المنهك بالقضايا التي لم تحل بعد.
وخطة التحول هي تحدي كبير ويحتاج تجرد وتواضع ..
إن من العدل وصف هذا الهدف (تنويع مصادر الدخل والتنويع القطاعي) وصفا يتناسب مع حقيقة التركيبة المعقدة للناتج والعمليات المعقدة في العمل للوصول للناتج. وأيضا بدافع احترام تعقيد التحولات الكبرى المراد إحداثها.
هو هدف بنيوي ، ويتطلب قدر من العمق اللازم عند فحص قائمة المتغيرات والمتطلبات التي تحكم مسار الوصول للهدف وتحقيق النتائج (الناتج).
إن إجراء تحليل ٣٦٠ درجة منفتح على مدرسة السياسة العامة والنقد التشريعي الحديث الذي يسمح بتحليل البيئة المقارن (أيكولوجيا) مع بيئات مجتمعات المعرفة سيساعد في توليد رؤية لآلية صناعة وفحص جودة القرارات.
الكثير من المدارس الإدارية تدعم تحليل البنية التشريعية لحدوث وتوليد “تنويع الدخل” تحليلا أيكولوجيا يتيح فعالية المنظومة الإدارية المتعددة الأطراف المنبثقة عن منظومة التشريعات ويتيح تحديثها باستمرار لمواكبة تنصيب القواعد البنائية وتصويب المسارات .
وقال أ. مطشر المرشد: كان متاحاً، بيع النفط بالأجل من خلال عقود options بكميات كبيره ولمدة سنة واثنتان … ولقد طالبت بهذا لأسباب أخرى حين وصلت أسعار برنت فوق ١٢٥دولار (هدفي كان لتحييد المضاربون الأمريكان مثل صناديق التحوط ، وهم الذين رفعوا أسعار النفط من ٥٥ إلى ١٤٧) المضاربون يتحكمون بالأسعار .. كم تمنينا أن تقوم المملكة بالتحوط وبيع ربع حصتها السوقية بالأجل بأسعار مرتفعة لمدة سنتين ..
لاحظوا أن اسعار النفط حين انخفضت دون ٧٠ دولار تزايدت سرعة الهبوط وأيضا تراكمت المخزونات بشكل سريع ؛ السبب هو وجود عقود آجله لدى السماسرة والصناديق بأسعار فوق ٩٠ دولار وقاموا بتسييلها بطريقة استلام النفط delivery ….
بينما أشار أ.د. عبدالرحمن العناد إلى أن تنويع مصادر الدخل كان هدفا في كل خطط التنمية الخمسية التسع السابقة أي منذ ٤٥ عاما .. وهو الآن ضمن الخطة العاشرة التي تبدأ هذا العام الجديد .. المهم التنفيذ وليس التخطيط.
وقالت د. فوزية أبو خالد في هذا الشأن: قرأنا ما قبل وما بعد صدور الميزانية لهذا العام الكثير من الأقوال بل والتحليلات المتشابهة مع ما طرح ويطرح في كل تواريخ صدور الميزانية وبالتحديد في سنوات التأزم النفطي, ومن أبرزها القول والمبالغة في القول وتشديد القول على ضرورة تنويع مصادر الدخل وعدم الارتهان على العائد الريعي من بيع النفط كمادة خام والتي تتجاوز نسبة الاعتماد شبه المطلق عليه في الحقيقة 80% بالمئة دون أن تتزعزع هذه النسبة إلا بنزر أقل من القليل رغم سيل الكلام الاقتصادي العرمرم الذي يجرى وجرى التشدق به في تكرار قول تنويع المصادر، إيجاد مصادر بديلة. وفي هذا السياق أستعير رأيا متسائلا كتبه بسخرية مريرة أحد الزملاء من الكتاب عام 2008م تناول فيه قشة من طوفان أسئلة لازالت سارية عام 2016م قال فيه على سبيل المثال:
– الهيئة الملكية للجبيل وينبع ستكلفنا هذا العام 5600 مليون ريال. كنت أعتقد أنهما مدينتان اقتصاديتان تحققان لنا دخلا خصوصاً أن دولتنا أنفقت عليهما عشرات المليارات لتجهيزهما وقدمتهما على طبق من ذهب للمستثمرين وقدمت لهم كل البنية الأساسية. فإن كانت هناك أعباء اقتصادية فليحملها أصحاب المصانع في تلك المدن، فليس بينهم الأرملة والعاجز والمسكين، فليدفعوا مصاريفهم، لماذا نتحملها نحن نيابة عنهم؟»
وهذا الكلام يكشف استمرار مواجعه لو وجهنا سؤالا محددا عن نسبة الدخل التي قد يدرها أي من مشاريع الاستثمار التي تصرف عليها الدولة دم قلبها في مساندة الميزانية بأي مردود من جدواها الاقتصادية إن كان لها من جدوى أو حتى في مجال تحمل أي من مصروفات عامة في مجال خدمات النفع العام.
غير أنه وفي سبيل البحث عن قبس فيما يمكن أن يشكل بارقة جديدة للخروج على سياسة الجميلة والوحش في علاقة البلاد بالنفط وآمل حقا أن تتجسد هذه البارقة بما يلوح كأمل جديد على هذا النهج لهذا العام والمتمثل في توجهات مجلس الشؤون الاقتصادية والتنمية، حيث نلمس فيما يكتب عنها حسا نقديا تجاه الأداء الحكومي وشراكات القطاعين الخاص والمجتمعي.
وفي هذا الشأن أقدم عدة نقاط ليس لأهمية الأخذ بها وإنما لضرورة عدم السكوت عنها وهي:
أولا: ضرورة الخروج في العلاقة بالنفط من تلك العلاقة الأحادية التي تجعله شأنا حكوميا خاصا وشأنا ماليا خالصا لا علاقة لمجتمع برمته به إلا عن طريق تلك العلاقة الريعية الرعوية. أي توزيع «المغنم الريعي « على شكل رواتب وبدلات…الخ دون ربطها بإنتاجية أو بمشاركة شعبية. فريعية النفط وإن كانت ريعية اقتصادية فإن تعريف الريعية ميدانيا أصبح تعبيرا عن حالة سياسية واجتماعية بل وثقافية ولا أظن مجلس الشؤون الاقتصادية والتنمية إلا مدركا أنه لن يستطيع معالجة واقع النفط وعجز الميزانية ومقولة تنويع مصادر الدخل بدون معالجة الابعاد السياسية والاجتماعية والثقافية للخروج من عنق الزجاجة الاقتصادي ولبناء قاعدة اقتصاد وطني منتجة.
ثانيا: لابد للمواطن في هذا السياق الخروج في علاقته بالنفط طوعا قبل أن يصير كرها من علاقة الاستهلاك إلى علاقة الترشيد والإنتاجية. وهذا يتطلب مشاركة المواطن في جزء من أعباء الدخل الوطني وفي هذا ما الذي يمنع من إلزام الشركات الاستثمارية الكبرى والشرائح الاجتماعية “المخملية الباذخة ” من دفع ضريبة دخل تعود على ميزانية الدولة وتوجه للصرف على خدمات النفع العام. وما الذي يمنع أن تكون هي صاحبة الحصة الأكبر في دفع فاتورة رفع الدعم الحكومي عن السلع خاصة البنزين والماء والكهرباء.
ثالثا: طبعا من أبجديات هذا التوجه للشراكة المجتمعية في مسؤولية المواطنة وجود القانون فليس هناك ضريبة دخل بدون قانون. وهذا يجعل من مطلب القانون مطلبا لا مناص منه للعلاقة بين الدولة والمجتمع.
رابعا: هناك أيضا ضرورة إشراك المواطنين والدفع في عجلة بناء مؤسسات المجتمع المدني لتكون شريكة في السراء والضراء وفي مواجهة التحديات بدل ذلك الموقف الذي يرمي بكل الإشكاليات والمسؤوليات على عاتق الحكومة وحدها وبدل مواقف التطمين وتطييب الخواطر فيما يتطلب الأمر أن الدولة تتعامل مع مواطن راشد عاقل آهل مطلوب منه تحمل مسؤولية الحقوق والواجبات لا انتظار الحدب والرعاية.
وأخيرا، لطالما شعرت أن علاقتنا بالنفط وبالمداخيل الريعية من مبيع النفط الخام في شحها وبذلها حسب تذبذب مد وجزر السوق النفطي العالمي ومسار الحدث السياسي والعسكري لا تشبه شيئا إلا حالة من التشابك الغريب بين ثلاثة من الأمثال المحلية الشعبية. المثل الأول يقول: «ما هان مدخاله هان مخراجه» فنحن كمجتمع وكدولة لا نبذل كبير جهد في الحصول على مداخيل البترول فيسهل علينا تبديدها في الأوجه الضرورية أو الترفيهية والتافهة معا. المثل الثاني هو المثل القائل «أنفخ يا شريم قال ما عندي برطم». فنحن لا نملك الكيفية التي يمكن أن نحول فيها هذا الذهب إلى مصدر مستدام للرزق وليس مجرد مصدر طارئ يتبخر بتبخر الطفرات النفطية المتقطعة. أما المثل الأخير فهو ذلك المثل القائل هاك خير قال ما عندي ماعون، فنحن بعد نصف قرن من اكتشاف البترول على أراضينا لم نزل عاجزين عن توطين هذه السلعة ولازال النفط سلعة غريبة عنا لدرجة أن طلابنا يتخرجون من المدارس بل ومن الجامعات بالكاد يعرفون ماذا يعني وجود النفط داخل أرضنا بسوى ذلك المعنى الاستهلاكي الشوفيني الضيق.
وقال د. حمد التويجري من أجل تجاوز الوضع الراهن يجب الاستفادة من فشل خطط التنمية في تحقيق أهداف خططها الخمسية والتي كانت تؤكد على ضرورة تنويع مصادر الدخل منذ أربعين سنة دون أن يتحقق أي من أهدافها سواء في تنويع مصادر الدخل أو الإسكان أو سوق العمل.
وأشار م. حسام بحيري: إلى أن هناك تركيز على مقدار العجز المتوقع والذي من الممكن أن يغطى من الاحتياطيات المالية بسهولة نظرا لأن العجز أقل من ١٠٠ بليون دولار بينما يوجد لدينا احتياطي يتعدى ال ٥٠٠ بليون دولار حسب أرقام شهر أكتوبر ٢٠١٥م. أرقام الميزانية المعلنة ليست جيدة كما يتصور البعض، هناك انكماش يبلغ ١٣.٧٪ في المصروفات وهذا يعتبر مبلغ ضخم خصوصا ونحن في وقت حرب وانفاقنا العسكري يتزايد سنويا لمجابهة الأخطار الإقليمية المحدقة بنا. نحتاج إلى تفاصيل أكثر لمعرفة أبعاد الانكماش هل هو بسبب انتهاء بعض المشاريع الضخمة مثل توسعة الحرمين والمدن الاقتصادية كمثال وكم تبلغ مستحقات المشاريع المنفذة التي لم تدفع بعد؟ أعتقد أن التركيز على مقدار العجز الذي يمكن التعامل معها لا يجب أن يستخدم كمقياس لنتائج الميزانية بل يجب التركيز على ماذا ستنفق الدولة أو بالأحرى أوجه الصرف في الميزانية الجديدة ستكون على ماذا؟ ما حجم الانفاق العسكري في ظل الظروف الحالية وهل زاد أو نقص وبأي مقدار؟؟ كمثال. هناك أسئلة كثيره يجب الاجابة عنها. الأرقام المعلنة أرقام عامة لا يمكن رسم صورة عن الاقتصاد بدون تفاصيل.
ومن وجهة نظر د. عبد الله بن صالح الحمود فإن السؤال المهم هو : هل التدابير الاقتصادية في حال وجود عجز مالي لأي دولة يبدأ على الفور نحو رفع أسعار الطاقة أو الخدمات، أم أن الصواب ذو البعد الاستراتيجي يكمن في معرفة مواطن الخلل ودونية العمل الإداري ، باعتبارهما السببان في نشؤ عجز في الميزانية العامة للدولة ، ولهذا فإن الحل الرئيس والعادل هو أن تتوسع الحكومة في إنشاء مشاريع تنموية سواء حديثة أو قائمة وتتطلب المعالجة والتطوير ، من ذلك تتأتى مداخيل جيدة ، وفي الوقت نفسه تتوافر فرص وظيفية تلقائيا.
ومع ذلك لا يعيب الحكومة أو ينقص من كفاءة تدابيرها لمعالجة المشكلات الاقتصادية التي تحل بها ، بينما أن الأفضل دوما هو المعالجة والتطلع إلى ما هو أنفع وأصلح ودون تحمل مباشر من دخل الفرد إلا في أضيق الحدود .
وأضاف د. محمد سالم الصبان: إذا كنّا في مثل هذا الوضع الحرج ماليا ووصل عجز الميزانية إلى أكثر من٣٦٧ مليار ريال. فالعلاج لا يكفي بصرف قطرة للعينين فقط. بل لابد من فحص شامل وتشخيص الأمراض ومحاولة معالجتها بشمولية وليست هنالك أولوية.
وتوقع د. عبدالسلام الوايل تخطي الإيرادات غير النفطية ل200 مليار نهاية السنة القادمة. وأضاف: الإيرادات النفطية هي التحدي.. مشاركة الواردات غير النفطية كانت ترتفع كنسبة في سنوات تراجع أسعار النفط. الجديد اليوم ليس حجم نسبة هذه الإيرادات. بل الرقم المطلق. في التسعينات كان الرقم حول 70 مليار و حجمه للإيرادات يتغير بحسب المتحصل للدولة من النفط. لكن الرقم كان ثابتا حول 70 مليار. الرقم الجديد مفاجأة سارة. و مع تجويد النظام الضريبي سيرتفع هذا الرقم.
المحور الرابع
عمل المرأة .. الواقع والتطلعات: مهنة التمريض أنموذجاً
الورقة الرئيسة: د. عبد الله بن صالح الحمود
العمل هو حق مشروع للإنسان سواء كان ذكر أو أنثى ، والعمل في الأصل يعد عبادة ، وإنجاز الأعمال عامة هي مهمات متعددة تتطلب مشاركة بين الجنسين .
ومن هنا لابد أن يكون التشريع في أي دولة محقق للعدالة الاجتماعية بين أفراد المجتمع بالتساوي في الحقوق والواجبات .
والمرأة في المملكة العربية السعودية ، وبعد أن نالت حقها من التعليم ، أصبح من الطبيعي أن تكون شريكاً في بناء مجتمعها ، ولا يمكن أن تنحصر أنشطتها الوظيفية في مهن محددة دون أن يكون لها خيارات متعددة في المشاركة في الكثير من بيئات العمل .
وأمام النمو السكني المضطرد الذي تعيشه بلادنا ، وترامي أطرافها ، أصبحت الحاجة ملحة أن تكون المرأة شريكاً رئيساً في العمل في أكثر من بيئة عمل تخدم فيها وطنها .
وتلك مقدمة وددت تقديمها للشروع في النقاش حول جانب مهم يتعلق بالمشاركة والنهوض بعمل يفترض أن يكون إنسانياً قبل أن يكون مهنة ، وهي مهنة التمريض واقعها وتطلعاتها .
إن مهنة التمريض هي عمل إنساني قبل أن تكون وظيفة ، وبعد أن أصبحت وظيفة وخاضعة لقوانين العمل ، فقد أصبحت مبنية على أساس من العلم والخبرة ، وهي تتطلب مهارات وتخصصات معينة ، فضلاً عن احتكامها لقوانين وآداب خاصة تنظم أعمالها .
وتهتم مهنة التمريض بالرعاية الصحية التعاونية للأفراد من جميع الأعمار وفي كل وتحت أي ظرف ، وتشمل مهنة التمريض تعزيز الصحة والوقاية من الأمراض ، ورعاية المرضى عامة .
ومهنة التمريض ليست بالمهن الحديثة في عهدها ، ولنا شرف التعريف كمسلمين بأن يكون لنا أول ممرضة في عهد الإسلام ، وهي رفيدة بنت كعب الأسلمية ، حيث كانت تمرض المصابين والجرحى في الحروب وقد كان لرفيدة خيمة لمداواة الجرحى ، ولما أصيب سعد بن معاذ بسهم في معركة الخندق قال النبي محمد صل الله عليه وسلم ، اجعلوه في خيمة رفيدة التي في المسجد حتى أعوده ، وهناك العديد من النساء المسلمات اللاتي نلن شرف هذه المهنة الشريفة ، أمثال الربيع بنت معوذ ، وحمنة بنت جحش ، وأم سنان الاسلمية ، وقد كان النبي محمد صل الله وعليه وسلم يواجه هذه الأعمال التطوعية التي كانت تقوم بها النساء بالشكر والثناء .
إن هذه الشواهد تؤكد لنا أن من نالوا شرف هذه المهنة هم من حصلوا على الشكر والثناء من أشرف الخلق ، وهذا يقودنا إلى التساؤل عن أسباب بعد أبناءنا وبناتنا عن الالتحاق بهذه المهنة الشريفة الإنسانية ، خصوصاً في العقود الماضية .
إلا أن المطلع على واقع الحال يلحظ أن هناك إقبال منقطع النظير للالتحاق بكليات التمريض ، وأمام هذا التوجه المحمود نلحظ أن عملية القبول للمتقدمين لكليات التمريض محدودة للغاية ، فضلاً عن محدودية أعداد كليات التمريض في الجامعات الحكومية ، وفي الوقت نفسه يلاحظ نمو متزايد في التعاقد الخارجي لسد احتياج التمريض لدينا .
وفي قراءة سريعة حول أعداد الممرضين لدينا ، ففي عام 2006 صدرت بيانات رسمية تشير إلى أن التمريض السعودي يمثل 22% من العدد الكلي للعمالة التمريضية ، وتتحدث هذه البيانات عن أن مشكلة نقص العاملين السعوديين في حقل التمريض تتفاقم مع زيادة العدد السكاني خاصة وأن الزيادة المتوقعة لعدد السكان في المملكة العربية السعودية يصل إلى 45 مليون نسمة في العام 2025م ، هذا أمام ما يقال أن المملكة تفقد 50% من عدد خريجي التمريض سنوياً وذلك لظروف اجتماعية ومهنية .
كما أن المملكة تأتي في نهاية قائمة دول الخليج العربي ، إذا ما عرفنا أنه يوجد لكل 10000نسمة 32.2 ممرضة ، وحتى يتم تصحيح الوضع الحالي مقارنة بدول الخليج العربي فإن المملكة بحاجة فعلية لعدد 142480ممرضة ، وبمقارنة مع الدول الأوربية فالمملكة بحاجة فعلية لعدد 172380 ممرضة .
وأمام هذه الاحصائيات وإن كانت غير دقيقة بحكم إنها إحصائية مضى عليها قرابة عشر سنوات ، إلا أنها تعد من وجهة نظري مؤشر يعطينا حقائق أولية عن خطورة ندرة العاملين في مجال التمريض .
تلك مقدمة عن هذه القضية الوطنية التي نتمنى جميعاً أن تخرج بمقترحات تسهم في انتشار ورفعة هذه المهنة العظيمة والشريفة في نفس الوقت .
التعقيب الأول: د. طلحة فدعق
رغم أن مهنة التمريض ليست محصورة علي النساء فقط إلا أن تناولها في إطار المجتمع السعودي من جهة والمرأة من جهة أخرى يشكل قضية ذات أبعاد ودلالات هامة.
تم التطرق لمهنة التمريض كمهنة إنسانية وأهميتها للمجتمع لاسيما بعد أن تحولت إلى وظيفة مقننة بالإشارة إلى بعض الشواهد التاريخية المدعمة لقيمتها من منظور إسلامي وانتهت الورقة الرئيسة إلى التساؤل حول أسباب نقص الكوادر السعودية المنتمية لهذه المهنة ( ذكور وإناثا) . ورغم أنه تساؤل كبير – حجما ومضمونا – لكن سأتوقف عند جوانب تتعلق بالمرأة والثقافة والمجتمع – الأسرة – بيئة العمل ملقية الضوء على بعض المعوقات التي تحول دون التحاق – أو حتى استمرار – المرأة السعودية بمهنة التمريض.
اولا – الثقافة والمجتمع :
لايزال المجتمع السعودي – وإن إدعي التحضر والتمدن – تشوبه نظره محافظة إن لم نقل جائرة في أحيان كثيرة نحو مهنة التمريض خصوصا للنساء. إلى وقت قريب كان المجتمع ينظر بعين الريبة والشك لمن تعمل في هذا المجال فهي في نظر المجتمع التقليدي المحافظ تعمل في بيئة مختلطة ، تمارس العمل لساعات طويلة ، إضافة إلى التزامها أيضا بمناوبات ليلية ( تحول دون مبيتها في منزلها) إضافة إلى أن عملها قد لا يقتصر في أقسام النساء بل قد تلزم بالعمل أيضا في أقسام أخرى لو اقتضى الأمر ، أيضا ما قد تتعرض له من تحرشات أو مضايقات في مجال العمل. إذاً من تعمل في هذه المجال عليها أن تدفع الضريبة ليست وحدها فقط وإنما أسرتها (وربما القبيلة أيضا) وتصبح عرضة لنوع معين من الوصم الاجتماعيSocial stigma – تبلوره الثقافة السائدة وتعيد إنتاجه بمفهومها ومكوناتها فتضفي على تلك المهنة النبيلة نوع من الشبهات والسمات أو الشائعات التي تجعلها غير مقبولة أو مستساغة اجتماعيا (Similar to what Erving Goffman mentioned in his book ‘ Stigma… تلك الامور أو بعضها أشارت إليها العديد من الدراسات الأكاديمية التي تطرقت لمهنة التمريض واتجاهات الشباب والمجتمع السعودي نحوها.
ثانيا- الأسرة :
الأسرة مؤسسة اجتماعية لا يمكن عزلها عن المجتمع والثقافة ( العادات والتقاليد والأعراف) وبالتالي فمنظومة القيم الأسرية مستمده ومتوافقة إلى حد كبير مع القيم الاجتماعية السائدة. من هذا المنطلق تعارض الكثير من الأسر عمل بناتها في هذه المجال للأمور السابق ذكرها من جهة ولما تقتضيه المهنة من ساعات عمل طويلة ومناوبات ليلية قد تؤثر سلبا على أداور المرأة الأخرى كزوجة وأم في مقابل مادي غير مجدي. لذلك تجد الكثيرات من السعوديات أنفسهن لاحقا أمام خيارين فإما المهنة أو الأسرة فترجح كفة الأسرة غالبا مما يؤدي بالكثيرات للتنحي و ترك المهنة.
ثالثا- بيئة العمل ( المنظومة المهنية ) :
من أهم المعوقات هنا هيمنة العمالة الوافدة من الممرضات غير السعوديات واللاتي تفضل الكثير من المستشفيات توظيفهن عوضا عن السعوديات بسبب تدني الأجور. أشارت بعض الدراسات أيضا إلى طبيعة البيئة غير المدعمة ونظرة عدم الثقة في أداء الممرضة السعودية فتجد الأعمال تحول لغير السعوديات ( فلبينيات أو هنديات أو بنغلاديشيات ..الخ ) وتوجه الممرضات السعوديات للعمل الإداري غالبا. هناك المضايقات التي تتعرض لها الممرضات السعوديات تحديدا والتي قد ترقي لموضوع ( التحرش في مجال العمل ) سواء من قبل المراجعين أو من قبل موظفي المؤسسة ذاتها. هنا لا توجد لوائح واضحة وضابطة مما يجعل العملية برمتها غير مجدية إضافة إلى ما تثيره من قضايا حساسة تتحرج الكثيرات من التصريح بها أو رفع شكوى بخصوصها.
القضية ذات شجون لكنني سأكتفي بهذا القدر وأترك المجال للأخرين للتعليق على النقاط التي تطرقت لها القضية الأساسية إضافة إلى أهم الاقتراحات والتوصيات اللازمة لتفعيل الآتي :
تغيير أو تعديل المفاهيم الاجتماعية الخاطئة حول هذه المهنة.
إعادة هيكلة ” سياسة الإحلال ” للعناصر السعودية في هذا القطاع الهام مع ضبط اللوائح والقوانين المنظمة للعمل.
تفعيل قوانين وسياسات العدالة الاجتماعية خصوصا في الأعمال التي تكتنفها إشكاليات النوع الاجتماعي وضرورة العدالة في تقسيم العمل بما يتناسب مع السياق الاجتماعي والثقافي.
التعقيب الثاني: أ. علياء البازعي
الإحصائيات التي أدرجها د. عبدالله مثيرة للاهتمام من نواحي..
الناحية الأولى: أني توقعت أن نسبة الممرضين السعوديين أقل من ذلك بكثير و بالذات لأن الإحصائية من عشر سنوات تقريبا.. وهذا يعني أن الرقم أكبر الآن.
الناحية الثانية: أن نسبة الممرض للفرد لدينا قليلة مقارنة بدول الجوار .
الناحية الثالثة: أن الدولة تفقد 50 % من خريجي التمريض لأسباب مختلفة.
دفعني الفضول للقيام ببحث صغير عن سر كثرة المختصين في التمريض في بلدين أرى أنهما الأكثر تواجدا هنا وهما الفلبين و الهند و في كلا البلدين يعود تاريخ معاهد/ كليات التمريض إلى بدايات القرن التاسع عشر الميلادي..
ركزت على الفلبين قليلا و وجدت أن التعليم/التوجيه المهني يحظى باهتمام حكومي كبير حيث يتلقى الطلاب مبادئ المهن في المراحل الدراسية الأساسية….وقد تتفقون معي في ذلك، أرى أن الفلبينيين من أكثر الشعوب إتقانا للمهنة.
و التمريض من المهن التي يتلقى التلاميذ مبادئها في سنوات التعليم الإلزامي لذا يتخرج الطالب/ة متفهما للمهنة و مستعدا للتخصص و ينخرط بها عن رغبة.
مجتمعنا كباقي المجتمعات الخليجية يمر بفترة تحول اجتماعي كبيرة فما لم يكن مقبولا قبل 10 سنوات أصبح مقبولا الآن. والمهن من ضمن ما تأثر و يتأثر بهذا التحول فأصبحنا نرى الشابات السعوديين في مهن لم يكن يعملن بها قبل سنوات… و هذا مبشر بالخير….لكن تظل بعض المهن تحتاج لإعداد مبكر و منها التمريض.
تتلخص النظرة الخاطئة للتمريض بالنقاط التالية :
على الرغم من اتفاق الجميع على أهمية التمريض إلا أن القليل أو لا أحد منا يرغب في أن تمتهن ابنته التمريض.
النظر للممرضة على أنها مساعدة للطبيب/ة و كأنها مهنة أقل حيث أن الممرضة تنفذ أوامر و تعليمات الطبيب.
طبيعة عمل الممرضة و ساعات العمل الطويلة لا تتناسب مع الكثيرين في مجتمعنا و بالذات البنات.
لذا أرى أنه يجب:
أن تكون هناك خطة منظمة لتوجيه بعض خريجي الثانوية للكليات أو المعاهد المهنية و منها التمريض أو غيرها من التخصصات المطلوبة.
على نظامنا التعليمي أن يضع أهداف للتعليم/التوجيه المهني الذي يجب أن يبدأ من مرحلة رياض الأطفال.
عمل دراسة لمعرفة أسباب العزوف أو التسرب من المهنة و إيجاد حلول إبداعية لها.
القيام بحملات توعوية متعددة المستويات لتوضيح أهمية المهنة و مميزاتها و تصحيح المعتقدات الخاطئة.
المداخلات حول القضية
ثقافة المجتمع السعودي وعمل المرأة
يعتقد د. فايز الشهري أنه مما أضر بالحقوق الشرعية للمرأة هو أنها استخدمت ووظفت من قبل رموز ذكورية ونسائية داخلية وخارجية يتوجّس المجتمع المحافظ من نواياها. وهذه المقاومة المجتمعية هي شكل من أشكال التخوف من الطريق الذي سارت إليها الأحوال في بعض الدول العربية.
ومن جانبه يرى د. خالد الرديعان أنه لا جديد يمكن إضافته في موضوع عمل المرأة عدا التذكير بثقافة المجتمع culture التي تقف عائقا كبيرا في هذا الجانب.. الموضوع برمته يتعلق بقيم اجتماعية وعادات وتقاليد ورواسب اجتماعية تقف سدا منيعا أمام عمل المرأة مهما اتخذت الحكومة من خطوات لتعزيز فرص عمل المرأة.. المشكلة ليست عند الحكومة فهي جادة في خلق فرص عمل شريفة للمرأة؛ المشكلة هي في عقليتنا الجمعية التي ترى عمل المرأة في بيئات مختلطة أنه شر وباعث على فساد المرأة وانحرافها وهو ما سيمس أسرتها وقبيلتها ربما… وحتى عندما تفلت المرأة من تلك القيود وتعمل ممرضة مثلا فإنها ستوصم مرتين: وصمة الممرضة ووصمة أخرى سيتم إضافتها لاحقا كالقول أنها ليست من قبيلة ، فنحن ماهرون في التصنيف والفرز الذي نعمق من خلاله مأساة المرأة في العمل خارج منزلها بحيث تشعر أنها ترتكب موبقة خاصة عندما يكون العمل في بيئة مختلطة… ألم نتحدث قبل عدة سنوات عن عنوسة الطبيبات والممرضات ونفور الشباب من الزواج بهن؟
وفيما يتعلق بعمل المرأة في التمريض تحديدا فهو من أكثر الموضوعات حساسية عندما نضع في الاعتبار ثقافة المجتمع؛ فليست القضية اختلاط فقط ولكنها تعني كذلك لمس أجزاء من جسد المريض الذكر وهو ما تتجنبه الممرضة السعودية وأحيانا تأنف منه أو تتجنبه (إعطاء الحقن وعمل الفحوصات… الخ) ما يدفعها إلى البحث عن وظيفة إدارية في المستشفى…. بنفس الوقت تتفهم إدارات المستشفيات هذه الحساسيات المصطنعة ومن ثم تحول الممرضات السعوديات بما فيهن المؤهلات بصورة جيدة إلى وظائف إدارية مما يحرمهن فرص كسب المهارات اللازمة التي ستتقنها حتما الممرضة الفلبينية والهندية والبنغلادشية والايرلندية بالطبع.
نحن أمام ثقافة اجتماعية لا تشجع السعودية على الانخراط في هذه المهنة تحديدا، وإن أنسى لا أنسى قصة الممرضة السعودية التي قتلها زوجها قبل سنتين أو أكثر بعد عودتها من العمل في أحد المستشفيات المعروفة؛ القصة التي تناولتها الصحف في حينه..
التناقض الذي نحاول مرارا وتكرار فهمه هو إصرار البعض منا على أن تتعامل معنا معشر الرجال ممرضة بدلا من ممرض لكننا في الوقت نفسه لا نريدها سعودية.
إن ثقافة المجتمع تنطوي على كم هائل من المتناقضات… نريد الحكومة أن توفر فرص عمل للمرأة ونطالب بذلك وعندما تبذل الحكومة جهودها في ذلك نقوم بوضع العصي في الدولايب بحيث نلوذ بالثقافة لتعطيل كل ما تقوم به… نحن نريد مملكة أفلاطونية ونتوقع من الحكومة أن تحل إشكاليات كثيرة في حين أن الحكومة هي أنت وأنا وهم وهن وهي (للمساواة) ونتوقع أن تأتينا بحلول سحرية لحل إشكالات عمل المرأة..
قرأت لأحدهم مرة كلام يقول: لماذا تعمل المرأة؟ ولماذا لا تعطى من بيت المال مبلغ شهري وهي في بيتها؟ هذا كلام يمكن توجيهه لهارون الرشيد أو أحمد بن طولون ولا يناسب مجتمع يطمح أن يدخل العصر ونصف أفراده لا يعملون بسبب قيم اجتماعية يمكن تغييرها.. لنكن براجماتيين ونلج العصر دون أزمات نفتعلها… نحن مثل بقية المجتمعات..
وأضاف د. إبراهيم البعيز أن الاعراف والتقاليد تشكل معيارًا للسلوكيات والنظام الاجتماعي في المجتمعات البسيطة والتي تتسم بقدر كبير من التجانس بين أفرادها، وحين تبدأ هذه المجتمعات بالانفتاح على العالم الخارجي وما يترتب عليه من تغيرات ثقافية وتغير في العادات والتقاليد تبرز الحاجة إلى ضرورة سن قوانين تكون المرجعية لأعضاء المجتمع ومؤسساته بحيث لا يكون تقييم هذا السلوك أو ذاك الإجراء أو الحكم عليه مبنيا على الأعراف والتقاليد بل على قوانين معلنة وواضحة (واضحة لا لَبْس في المصطلحات) ومطبقة ويبدو لي أن هذا هو المطلوب حاليا لمجتمعنا، حيث أن كثير من الإشكالات وخاصة المتعلقة بالمرأة قد تركناها للعادات والتقاليد، ولم نسن فيها أنظمة ملزمة للجميع دون ذلك سنبقى ندور في حلقة لا نهاية لها.
كذلك فإن أدبيات التحليل المادي تذهب إلى أن القيم الاجتماعية لها قيم اقتصادية، ومتى شعر الفرد بالكلفة الاقتصادية (التي لا يقدر عليها) لتمسكه بقيمة اجتماعية معينة، فإنه في الغالب سيتركها.. وهذا ينطبق أيضا على القيمة الاجتماعية لعمل المرأة..
كان الأب يرفض عمل المرأة لأنه لم يكن ليخسر شيء من بقائها في البيت، لكن بعد أن أدرك الابن أهمية راتبها وتكلفة بقائها في البيت حرص على الاقتران بمن تعمل.
نتفق مع أهمية المعيار الاجتماعي في قرار الفتاة بالعمل في مجال التمريض، لكن هذا سيتغير لو ارتفعت رواتب ومخصصات وامتيازات العاملات في التمريض، فسوف يحرص أيضا أبناء “القبائل” على التسابق في إلحاق بناتهن في تلك المهنة. بمعنى آخر الكلفة المادية على الفرد (أو الأسرة) للابتعاد عن مهنة التمريض يمكن تحملها في نظر الكثيرين.
عمل المرأة في التمريض خيار استراتيجي سندفع ثمنه غاليا إن لم نبدأ في التفكير في حلول جذرية، لنا تجربة في عام ١٩٩٠ حين تسببت حرب الخليج الثانية في مغادرة الكوادر التمريضية (غير السعودية) مستشفياتنا، علينا أن نفكر في احتمالية عودة تلك الأزمة مرة أخرى..
إن كان المواطن السعودي لم يشعر بأهمية انخراط البنت السعودية في التمريض، فإن على صانع القرار تقع المسؤولية في تدارك الأمر بالتوعية والترغيب.
وأوضح د.م. نصر الصحاف أن الواقع هو أن المجتمع السعودي يعد من المجتمعات الناشئة والتي تحكمها العادات والتقاليد المترسخة ومن الصعب تطويعها لمجاراة الزمن الحاضر وما يقتضيه من تحديث في اُسلوب الحياة اليومي للأسرة السعودية المعاصرة ! وفي الذهنية السعودية كل ما يتعلق بالمرأة فهو محظور ومن الطبيعي أن تطفو على السطح ( إشكاليات من شتى الأنواع ) في التعامل معها على أي مستوى ، و عمل المرأة ليس مستثنى من ذلك!!
والحال هكذا فليس من المستبعد أن تستمر معاناة المرأة وبالتالي المجتمع ككل إلى ما لا نهاية وندور في حلقة مفرغة في كل ما يتعلق بالمرأة وليس فقط عملها في القطاع الخاص أو مهنة التمريض!
وذكر د. حسين الحكمي أنه و مما يستغرب منه معارضة بعض أفراد المجتمع وعلو صوتهم عندما تعمل المرأة السعودية في متجر أو مكان مختلط ، لكنهم يتوارون ولا يفعلون شيئا ولا تتحرك الحمية عندما يرون نفس المرأة تجلس على بسطة بالقرب من إحدى الحدائق أو بالقرب من سوق تجاري أو في أحد الشوارع أو “البران” تحت الشمس الحارقة أو في برد الشتاء!
إن مجتمعنا يغلب عليه التدين أو لنقل محاولة الالتزام بالدين ؛ هذا جعل عدد كبير من الناس يستمع لرأي أو لنقل لفتاوى بعض “المشايخ” الذين يرون حرمة العمل المختلط وخصوصا في المستشفيات ثم بعد ذلك في المحلات التجارية. محاولة هؤلاء أن يلتزموا بتلك الفتاوى تكسرت عندما اصطدمت بمواقف تمس الشخص ذو العلاقة بالمرأة التي ستعمل ، عندها نجد تلك القناعات تتغير ويبدأ البعض بالخروج بمبررات تسمح له بأن يسمح للمرأة التي هي من محارمه – غالباً – بالعمل في مكان مختلط.
تحكي إحداهن كيف حارب أخوها دراستها للطب حتى غيرت إلى كلية أخرى ، وبعد أن كبرت ابنة أخيها سمح لها بدراسة الطب وفي الخارج!
ويعتقد أ. مسفر الموسى: أن لدينا مشكلة في فهم البيئة الثقافية في السعودية.. وهذا الإشكال سبب لنا بعض الأزمات في التعاطي مع القضايا التنموية.. من ضمنها عمل المرأة..
يكمن هذا الإشكال في محاولة قولبة المجتمع السعودي في نمط ثقافي أحادي.. نتج عنه هيمنة ثقافية، وإلغاء للتباينات والمكونات الثقافية الأخرى.. واعتبار أي تجاوز للثقافة المهيمنة انعكاس للتمرد الثقافي والديني وحتى الأخلاقي… فمثلا، نمط حياة المرأة وعلاقتها بالمجتمع في حاضرة جدة تختلف تماما عنها في بادية نجد.. حتى في المدينة الواحدة يوجد أكثر من نمط ثقافي.. في السابق كان بعض السيدات يمتهن البيع في بعض المناطق وأخريات لا تناسبهن هذه الحرفة.. مع ذلك، لا يوجد تقاذف أخلاقي حول هذه المهنة لإيمان المجتمع في السابق بالاتجاهات المتعددة للثقافة.
هذا الحال، قد ينطبق على مهنة التمريض.. جل من يحاكم هذه المهنة إنما يحاكمها من خلال إطاره هو.. مع أن هناك فئات اجتماعية لا تمانع في ذلك..
والخلاصة.. نحن بحاجة إلى فهم التعدد الثقافي السعودي واستيعابه.. كما نحتاج إلى شيء من الحياة الفردانية والبعد الذاتي في الاختيار.
ويضاف إلى الهيمنة في الموقف الثقافي.. الهيمنة في الموقف الاقتصادي.. ذلك، أن الرؤية حول أهمية عمل المرأة مقارنة بالتزاماتها الأخرى في الأسرة، مرده إلى ترتيب الاحتياجات والأولويات.. وكأن المجتمع مكون من طبقة اقتصادية واحدة..
والحقيقة أن بعض الأسر قد تعتمد في جل مدخولها على دخل الأم أو حتى على مكافأة الجامعة للبنت.. المجتمع مكون من فئات وطبقات اقتصادية مختلفة.. والحقائق تبرز من تجارب الناس وليس من إدراكنا لواقع المجتمع من خلال تجاربنا الخاصة.
وترى أ. فايزة الحربي أن إشكالية عمل الممرضة أو الطبيبة أو من يعمل بالقطاع الصحي بشكل عام تنصب بالدرجة الأولى إلى طول وقت الدوام فلو تم تقليصه عالجنا المشكلة من جذورها.
حاجة الناس تضطرهم للعمل في أي مكان أسواق أو مستشفيات أو خارج مناطقهن.. لم تعد ثقافة المجتمع تقاوم حاجة الناس لعمل بناتهن والمساهمة في توفير مصادر دخل للأسرة.
أما الإشكاليات التي تواجه عمل المرأة فلابد أن تواجه بعقول مخططة تضع حلول لكل الصعوبات مثل كل الأعمال الرجالية والنسائية على السواء.. قوانين، حدود، أنظمة، عقوبات، كلها كفيلة بضبط العمل..
أما شرف العمل كأم فهو مطلب مهم وضرورة تفرضها الأمومة قبل أي مناقشات والعمل خارج المنزل لا يمنع تلك المهمة لكن يتطلب جهود لإنشاء حضانة رسمية إجبارية تلزم بها كل جهة عمل حكومية أو أهلية مقابل عمل عدد من الموظفات مثلا مقابل 50 موظفة والمسألة تتطلب غرفة ودورة مياه تفرغ في مقر العمل للحضانة ويمكن دفع رسوم اشتراك لتوفير راتب العاملات.
أما الاستغناء عن الخدم عند بعض الدول فهو أمر مستحسن لكن يصعب تطبيقه في بلادنا لأن الرجل لديهم يطبخ وينظف ويرعى أطفاله بشكل متساوي مع الأم وربما يزيد عنها في الأغلب وهي تساهم براتبها مثله تماما.. وهذا سر استغناءهم عن الخدم إضافة إلى فوارق أخرى كمساحة المنازل وتحمل الأبناء مسئوليات منزلية….
وحقيقة فلا يوجد رابط بين الممرضة وبقاءها على عملها كأم ، فمتى خرجت المرأة للعمل سواء كانت ممرضة أو معلمة أو داعية أو مستخدمة كلهن سواء عاملات يخرجن عن بيوتهن ويتركن أبناءهن لغيرهن .. هنا يلزمنا وضع حلول جيدة كمقترح الحضانة الإلزامي وتشجيع الأسر الممتدة وتوزيع المهام من رعاية الأبناء بين الزوجين بالتناوب وهكذا توضع الحلول ويتم التوعية بها وتشجيعها.
وذكرت أ. هيا السهلي أن دوافع عمل المرأة لا تكاد تخلو من أحد دوافع ثلاثة:
دافع اجتماعي
دافع اقتصادي
ودافع ترفيهي
الأول ترجو منه المرأة أن تكون عضو فاعل وذو حضور وإحساس بالقيمة وتطوير للذات حتى على مستوى ثقافتها تختلف العاملة عن غير العاملة في الحديث والتفكير وإدارة حياتها وأزماتها فمواجهة الناس له بعده النفسي والاجتماعي .
(زوجة موظفة خير من زوجة جميلة )!!
والدافع الاقتصادي هو الأبرز لاسيما في مجتمعنا السعودي الذي لا ننكر ذكوريته في بعض مناحيه الذي يلزم تبعية المرأة للرجل خاصة بعد الزواج وعبئها بعد الطلاق مما يجعل المرأة تخنع وتتنازل عن ظلم في مقابل مسكن ومصرف يوفره الزوج !
وبنظره سريعة عن اليمين تجد أن المرأة العاملة هي من مواصفات الزوجة لدى الشاب السعودي وشرط أحيانا لا يتنازل عنه ويتنازل في مقابلة عن شروط أخرى ! وبنظرة عن الشمال تجد الزوجة العاملة أكثر ثقة وأمنا من غير العاملة لها رأي ومستقلة اقتصاديا والرجل يشعر أنها مستقلة فيتحسس رضاها ويتوجس من غضبها الذي يكون أسهل من غير العاملة .. ولعل فنون صحفية كثيرة صورت هذه الحقيقة وحتى الطرائف والنكت نقلتها.
الدافع الترفيهي وإن قلت نسبته ، إلا أنه موجود خاصة بين سيدات الأسر النووية أو من تسكن في منطقة غير مسقط رأسها ..
بالنهاية أن مع ما ذهب إليه د. الرديعان في تكلفة بقاء المرأة بالبيت هي التي تحلل بعض المحظورات الاجتماعية في نوع وطبيعة عمل المرأة !
كيف أعمل ؟؟
يبقى أن ألخص معاناة المرأة العاملة في تساؤلات؟
كيف أعمل وأترك من خلفي صغار ترعاهم خادمة لا تفقه أبجديات العناية بالطفل؟ أذهب قلقة وأعود بمصيبة في البيت !!
لماذا أعمل وثلثا راتبي يذهب في راتب الخادمة والسائق والسيارة والبدل المقدم لي من العمل هو نفسه بدل مواصلات الرجل ٥٠٠ إلى ١٠٠٠ ريال والسائق لا يقل عن ١٥٠٠ كراتب والسيارة قسط لا يقل عن١٥٠٠ ريال !!
متى ارتاح وأنا من عمل النهار إلى عمل النساء هذا غير الحمل والولادة ؟!!
كيف أعمل في عمل مختلط إن ابتسمت وألقيت التحية أو رُدت فسرها ذلك الشارب أنها استلطاف ، وإن عبسنا أو صمتنا فهي موظفة لا تتحمل ضغوط العمل ولا تجيد التعامل مع العميل !!
وأشار د. سعد الشهراني إلى أن العمل حق إنساني كما أنه ضرورة و ليس ترفا أو خيارا في كثير من الحالات بل في معظمها لأنه المصدر الأول للدخل و المعيشة لكثير من الأفراد.
العمل قيمة يعطيها الإنسان السوي أهمية كبيرة في حياته حتى و إن كان العائد أو الأجر غير مجز.
العمل نشاط اجتماعي بقدر ما هو اقتصادي.
العمل وجود اجتماعي لأن المجتمع لا يعترف بمن لا يعمل و هو قادر حتى و إن كان في غير حاجة للعمل.
العمل استقلال اقتصادي.
للإنسان القادر و المحتاج حق أصلي في العمل إن لم يكن له مصدر آخر كاف للدخل أو لم يكن له من يعينه و يعيله من غير إذلال أو تقتير أو استغلال.
هذه الحقوق و الحقائق تصدق للمرأة كما تصدق للرجل.
فاذا أضفنا لهذا حقائق العصر و متطلباته و تعقيداته فهل هناك بعد هذا من يجادل في حق المرأة في العمل!
عمل المرأة في البيت عمل منتج (و أن كان بطريقة غير مباشرة) و هناك اجتهادات للاقتصاديين لقياس قيمته و حسابه في الناتج الوطني ، و هو من أهم النشاطات الإنسانية و أكثرها قيمة إلا انه ليس بديلا للعمل بأجر و بكرامة عندما تحتاج المرأة لذلك (و لذلك قررت الشريعة مقابلا لبعض عمل الأم في حالات معينة مثل الإرضاع و نفقة المتعة و إنفاق الرجل على زوجته ).
الأسرة المعاصرة تحتاج لأكثر من دخل فدخل المعيل الأصلي لم يعد كافيا و هذا هو مبرر مهم لعمل المرأة إضافة إلى استقلاليتها الاقتصادية و حفظ كرامتها .
عمل المرأة قد يكون اضطرارا فقد لا يكون لها من يعيلها و قد تتعرض للإذلال و الامتهان و الاستغلال حتى من أقرب الناس لها : فهل كل أب ( أو زوج أو اخ أو قريب) عادل و منصف و حافظ للأمانة ؟
المرأة تحتاج من المجتمع الاعتراف بهذه الحقوق عندما تحتاج لممارستها و تحتاج إلى مجتمع يحميها و يؤازرها في مكان العمل و خارج البيت (بل و داخله) .
و للمرأة الغنية و المقتدرة بذاتها أو بأهلها و مكانتها الاجتماعية حق في المساهمة الاجتماعية و الاقتصادية و للمجتمع حق عليها في الإسهام بعملها في تقدم المجتمع و تطوره.
و في الأخير العمل خيار للمرأة و الرجل فاذا اختار أي منهما ألا يعمل و هو ليس عالة على غيره و متوافق مع نفسه و يقبل وضعه الاجتماعي و الاقتصادي، فهذا حقه و حقها.
وقال أ. خالد الحارثي: بداية فإنني اختلف مع اتهام المجتمع في قضية عمل المرأة بدلا عن المؤسسات الحكومية التي عليها توفير الكثافة والتدفق في مسارات التنمية الاجتماعية في ثقافة العمل والانتاج وعلى مستوى عمل المرأة وسوى ذلك من جوانب التنمية الاجتماعية اقتصاديا وثقافيا ومهنيا.
أعتقد أن مهنة التمريض للمرأة اختيار موفق كأنموذج وأود أن أثني على ذلك لما تتضمنه هذه المهنة في المملكة من عرض لجانب قضايا المرأة وجانب قضايا العمل والانتاج في أن واحد.
في رأيي أن عمل المرأة في المملكة عموما يعاني كثيرا في عدد من الجوانب لعل من الأهمية بمكان ذكر بعضها:
الوصائية الواقعية على المرأة في ظل غياب تشريعات “اعتبار الفرد” المستقل حقوقيا استقلالا تاما يمكنه من خيارات ـه/ها دون عوائق مادية أو معنوية ، وهذا ينطبق في كثير من الجوانب حتى على الرجل في ظواهر من مثل الواسطة والمحسوبية والأخذ بالجريرة وترك الحقوق وخصوصا في الوظائف العامة ، مما يكرس ثقافة العصبيات والتعنصر بمختلف أشكالها.
تعثر تكييف بيئات العمل وقوانينه مع القيم العليا للمجتمع وبشكل مضاعف في بيئات عمل المرأة.
التشويش في قضايا المرأة الناتج من خلط الاستحقاق الحقوقي لها كبشر يحاسب مستقلا يوم القيامة ، والخلاف في التأويل الفقهي حول نسبة الإرادة المخولة لها.
المنافسة غير العادلة في سوق العمل الذي يصدر للخارج ثمرات الاقتصاد الوطني المتمثلة في خلق الوظائف قبل تشبع واكتفاء القوى البشرية الوطنية.
وبالنظر تحديدا إلى مهنة التمريض للمرأة في السعودية دون إغفال للنقاط السابقة فإن التنمية الاجتماعية لمجتمع نامي لم تكن كافية في غزارة التدفق وملائمة بيئات العمل لاستيعاب وترقية مهنة ذات مكانة دينيا واجتماعيا وثقافيا وإنسانيا كمهنة التمريض. أيضا كانت ولاتزال مسارات الاستحقاق والجدارة ونظم الحوافز وتوليد الكفاءات أضعف بكثير من احتواء الأجيال المتعاقبة وطمأنة الأسرة على خيارات بناتها.
من الصعب جدا تصور الحلول دون اعتبار القضايا المذكورة بحكم ارتباطها بتشكيل التصورات الذهنية التي تفرزها تلك القضايا وتحتل مكانة كبيرة في صناعة القرارات وبناء القناعات.
ومن وجهة نظر أ. فوزية الجار الله فإن عمل المرأة في السعودية يعد من القضايا الهامة المثيرة للجدل والنقاش على كافة الأصعدة، وفي وسائل الإعلام على وجه الخصوص.
هناك عدة عوامل مؤثرة سلباً وإيجابا في عمل المرأة هي كالتالي: 1) عوامل اقتصادية. 2) عوامل اجتماعية. 3)عوامل فردية. 4) بيئة العمل.
والحديث هنا حول مهنة التمريض .. نحن بحاجة إلى مهنة التمريض فوجود الممرضة إلى جانب الطبيب يعتبر عاملا مساعدا، إضافة إلى العناية المستمرة بالمريض عامة والمريضات على وجه الخصوص.
ومن جانبه أشار أ. عبدالله الضويحي إلى أن الاحصائيات المتضمنة بالورقة الرئيسة حول عمل المرأة قديمة تعود لعام 2006 ومع هذا فهي مؤشر على عدم اهتمامنا بمهنة التمريض ومدى حاجتنا إليها ودورها في منظومة التنمية وأهمية توطينها لكنها على أية حال تعطي مؤشرا عن الوضع ونظرتنا لهذه المهنة سواء على صعيد المجتمع أو على المستوى الرسمي.
تقول الأرقام :
بين كل 5 ممرضين أجانب هناك ممرض سعودي واحد ( تشمل الجنسين ) وممرضة.
وهناك ممرضة واحدة فقط لكل 300 مريض.
ونحتاج 150 ألف ممرضة لنصل للحد المقبول.
يضاف لهذا كله أن 50% من الخريجات لا يزاولن المهنة لأسباب اجتماعية ومهنية.
نحن هنا أمام مشكلتين:
الأولى: عجز أقل ما يقال عنه أنه غير منطقي ولا مقبول في بلد مثل المملكة العربية السعودية.
الثانية: هدر مالي فنصف ما يتم صرفه على تعليم وتدريب وإعداد الممرضات لسوق العمل يذهب هباء منثورا.
ثقافة المجتمع والمسؤولية الرسمية:
رغم أننا تجاوزنا هذه المرحلة ( بمعني هل تعمل المرأة أم لا تعمل !؟ ) إلا أن أصواتا لا زالت تطالب ببقائها في المنزل وبتأويل بعض الآيات لخدمة هذا الغرض ومنهم من يطالب أن تكتفي بالشهادة المتوسطة ويحرم عليها الابتعاث لكن بعضهم في الواقع لا يطبقونه على بناتهم وزوجاتهم.
والذين يرفضون عمل المرأة في التمريض ليس بحجة الاختلاط فقط وإنما لنظرة دونية للمهنة وشعور أنها أقرب الطرق لانحراف الفتاة يرفضون في ذات الوقت دخول زوجاتهم أو بناتهم على ممرض أو طبيب ويطالبون بأن يكون الاستقدام من الخارج حلا لهذه الإشكالية متناسين الجانب الآخر السلبي من المعادلة من تواجد هذا الكم من الأجانب اجتماعيا واقتصاديا بدلا من أن يبقى “سمننا في دقيقنا ” كما يطالبون به في بقية المهن.
وأعجب لمن يقارننا بالغرب في عدم وجود الخادمة والسائق وهي مقارنة ظالمة لاختلاف العادات والتقاليد ونوعية المنزل وعدد الأسرة وتعاون الزوج وتبادل الأدوار بين الزوجين.
المجتمع لدينا تغير والظروف الاقتصادية ومتطلبات الحياة جعلت الشاب يبحث عن الزوجة العاملة والمرأة زوجة كانت أم لم تكن هي جزء من هذا المجتمع وتريد أن تلعب دورا فيه.
الإشكالات الأخرى ذات الصلة بعمل المرأة
يعتقد د. علي الحارثي أن الحجاب والاختلاط تعاليم دينية وهما بيت القصيد في موضوع عمل المرأة ككل وفي التمريض أكثرها حساسية وليس الرجل أو القيم الاجتماعية هما من يمنع المرأة عن العمل في التمريض بل المرأة هي من لا يرغب في ذلك نتيجة لوازع ديني في نفسها ولخفرها وحيائها إضافة الي إيمانها بموروثها الاجتماعي الصائب في كثير من أحوالها . المرأة وعلي لسانها عانت وتعاني من العمل خارج المنزل ، فقد أمومتها تجاه اطفالها وبيتها وما تواجهه من متاعب العمل والتحرش والإغراء وما يلزمها من ساعات الإعداد للخروج للعمل ( مكاييج وتردد في اختيار اللبس وغيرها من لوازم المظاهر الأنثوية ) تجعلها تعيش في دوامة وقلق نفسي ودوامة تفسد عليها حياتها وأنوثتها وحنانها . سمعنا وقرأنا عن هذه المعاناة من أخواتنا المثقفات والعاملات ليس في بلدنا بل حتي في البلدان الغربية التي دائماً ما نحاول اللحاق بها حتي لو دخلوا جحر ضب . ما هي النتائج ؟ تفكك الأسر والقيم الاجتماعية الفاضلة وانفلات الجميع رجالاً ونساءً نحو الرذيلة . من يري رفع رواتب وأجور الممرضات حتي يقبلن علي التمريض فليس بحل . وكذلك من يري التركيز علي التعليم المهني من السنوات الأولي وكذلك توعية المجتمع لترك قيمه الاجتماعية المرتبطة بالمفهوم الشرعي فليس بحل . عشنا طويلاً مع التعاقد كغيرنا من أمّم الأرض في أعمال وتخصصات كثيرة ، فلماذا نقحم المرأة في ذلك؟
وأوضحت أ. كوثر الأربش أن عمل المرأة بديهي كبداهة أن الرجل غير العامل عالة على المجتمع والآخرين. المرأة باعتبارها إنسانا كاملا، لديها كامل الإحساس بالضعف والحرج الذي يسببه اعتمادها الكامل على الرجل لإدارة حياتها المادية. البطالة هي البطالة، للرجل والمرأة على حد سواء. وتبعاتها ومساوئها المادية والنفسية والاجتماعية تشترك فيها المرأة والرجل. إنما منع المرأة وعزلها في المنزل هو ما يخالف الطبيعة. حتى لو حاول البعض استغلال آيات القرآن لفرض البقاء في المنزل على المرأة بشكل تام، سيناقضه سيرة الصحابيات اللواتي نعرف أنهم لم يكن معزولات عن المجتمع، بل ويزاولن أعمالاً حسب تلك الحقبة الزمنية واحتياجات العصر.
المعادلة ما بين المنزل وتربية الأبناء والعمل ستختل بالطبع إذا ما كان دوام المرأة طويلا بحيث يختفي الوالدان سويا من المنزل.
التحرشات ومتاعب العمل، وتحويل السيدات بيئات الأعمال لمنافسة مظاهر، كل تلك المشكلات لا علاقة لها بعمل المرأة بل بثقافة مجتمع. ويمكن أن نجد حلولا مستقلة إما قانونية أو اجتماعية.
السؤال من الذي أتى أولاً، تخلف مجتمع النساء أم المنع من العمل؟
سؤال يشبه البحث عن البداية بين البيضة والدجاجة.
وفي اعتقادي أن كلا الأمرين نتيجة لبعض. عزل المرأة سبب تخلفها، تخلفها قادها للانشغال بالسفاسف والمكائد والمظاهر وغيرها، عندما بدأت بالانخراط في العمل، جلبت معها في بيئة العمل كل مساوئ مجتمع النساء. حولت المكتب لمجلس إحدى صديقاتها. هل نعمم؟ هل جميع النساء كذلك؟ هل اختلف الأمر بعد مرور أعوام كثيرة على عمل المرأة؟
نعم اختلف الأمر.. عمل المرأة نقلها نقلة نوعية في مستوى الوعي. المشوار طويل.. نعم ولكنه بدأ بالفعل..
* قضية التحرش مسألة اجتماعية معقدة، انتقلت من الشارع للعمل كما انتقلت لبرامج التواصل الاجتماعي المتحرش يبقى متحرشا ولو اختلف المحيط. والحل لا يكون بمنع المرأة. إنما بفرض قانون يبقي بيئة العمل صحية وبعيدة عن استدراج النساء وابتزازهن ومغازلتهن. وهذا نجده واضحا في البنوك وفي الشركات الكبرى التي توقع أقسى العقوبات على من تثبت عليه قضية تحرش..
* معادلة التربية والعمل: ألقي باللوم أولا على المرأة التي تنجب أولادا ثم تريد الحفاظ على وظيفتها وترقياتها. المسألة ببساطة: إما العمل أو التربية. لا يمكن الجمع بينهما إلا وتم التقصير في جانب. هذه حقيقة يكذب أو تكذب من ينافيها.
الحل؟ هل بمنع المرأة من العمل؟ أو حرمانها من الزواج وتكوين أسرة؟
لا.. مطلقا..
الحل يكون بترتيب الأولويات. لابأس بالطامحات ومحبات العمل أن يؤخرن الزواج والانجاب قليلا. حتى يحققن بعض طموحهن ويضعن أقدامهم على الطريق الصحيح. ثم يخترن الوقت المناسب للزواج والانجاب. على أن ترضى بتقييم وترقية أقل حتى ينتظم الأولاد في المدارس. بمعنى 7 سنوات من العمل الأقل جودة والمستوفي لشروط الموظف الجيد وليس الكفؤ.
وتساءل د. علي الحارثي: أليس قيام المرأة بالعمل في بيتها أرقي وأفضل وأجل الأعمال ؟ لماذا تترك ذلك حتي امتلأت البيوت بالخادمات ؟ أليس الخادمات اللاتي دولهن رفضن مجيئهن للعمل وأصبحنا نولول علي وزارة العمل لتنقذنا من هذه المشكلة ؟ ومعظم العاملات من أخواتنا تطلب خادمة أو أكثر لتقوم بشؤون البيت والأسرة . هنا بيت القصيد . لنكون واضحين وصريحين ، المرأة تريد الخروج من المنزل وأعبائه ، تريد أن يكون لها دخل تنفقه علي مطالبها التي أصبحت باهظة التكاليف وبالتالي ينشأ الخلاف مع الزوج . ما هو تفسير كثرة الطلاق ؟ أليس نتيجة لرغبة استقلالية المرأة عن الرجل ؟ جعل الله مجتمعنا مجتمع أسري أولاً وآخراً .
وعلقت أ. كوثر الأربش على هذا الرأي الأخير بقولها: عمل المرأة في بيتها.. أن كان يقصد به الطبخ والكنس وتلميع الزجاج ونفض الغبار، فهو بالطبع ليس أرقى ولا أفضل من عملها خارج المنزل. وإذا كنت المقصود تربية الأبناء فهو بالطبع أعظم عمل يقوم به إنسان على الإطلاق وهذا لا يخص المرأة فقط. مسؤولية التربية تقع على كاهل الأبوين. وكما قلت لا يمكن التوفيق بين التربية والعمل إلا إذا قصرت في أحدهما، فلا بأس بالاكتفاء بأداء واجبات العمل والحد من الطموح وإعطاء الأولاد الأولوية.
أما الخادمات ليست مشكلة. بل أحد الحلول الهامة لوهب المرأة وقتا إضافيا مع أولادها أو لحياتها للعملية أو الاجتماعية.
سأل أحدهم شخصا يعتبر من أكثر الناس نجاحا عن سر نجاحه. قال: لا أقوم بعمل يمكن أن يقوم به غيري، لأتفرغ لما أبرع به وأحقق فيه انجازا. وبالطبع أشار لقيادة السيارة لأنه يفضل أن يولي مهمة القيادة لسائق خاص ليتفرغ للقراءة أو إنجاز بعض الأعمال في الطريق.
أما المطالب فهذا مبحث آخر. علينا أولا أن نعرج على غلاء الأسعار. ثم إلى ثقافة الاستهلاك التي تم حقن العالم به (العولمة). ثم نعرج للفراغ وعدم وجود قيمة ومعنى في حياة الفرد وبالتحديد المرأة.
وقالت د. سامية العمودي: أنا امرأة عاملة منذ ما يقارب ٣٥ عاماً وعملي يتطلب بقائي لساعات طويلة خارج البيت في الليل والنهار لأنني استشارية نساء وتوليد وأسد حاجة المسلمات من الستر وأيضا أم لشاب وشابة في كلية الطب وأفخر بنجاحي كأم في تربيتهما وحدي أكثر من فرحي بنجاحي كطبيبة أو امرأة عاملة ولولا عملي واستقلالي المادي ما استطعت أن أكون معيلة لأسرتي ولولا وجودي فاعلة في المجتمع ما استطعت الاستمرار والعطاء ومقاومة أزماتي الصحية والعائلية وإني والله امرأة محجبة الحجاب الذي جاء به الدين الحق لا الحجاب الذي يعزل ويقصي وأخالط الرجال وأدرس الطلبة وقدوتي أمهات المؤمنين ونساء الإسلام اللواتي شاركن في الحروب وفي التجارة وفي تدريس الرجال وفي الحسبة وغيرها وكما قالت أ. كوثر ترتيب الأولويات مهم وحاجة الوطن لسد احتياجه ومشاركتنا في التنمية عامل مهم وأخيراً ما ننتقده في بعض النساء من صرف وبذخ واتكالية تجد أضعافه فيمن يرقدن في خدرهن إلى ما بعد الظهيرة أما المعلمات فيخرجن فجراً والطبيبات يسهرن ليلاً ولولا هذا ما تعلمت نسائنا ولا تتطببن على أيدي نساء مثلهن.
وأشار م. حسام بحيري إلى أنه في مجتمعنا المدني الحديث ومع تزايد الأعباء المالية أصبح عمل المرأة ليس اختيارا بل ضرورة. لا يمكن أن لا نستغل الطاقات الوطنية رجالا ونساء في بناء الوطن وتوطين الوظائف والنساء في وطنا ابدعوا في جميع مجالات العمل وبالذات في القطاع الطبي والتعليمي. هناك فرق بين المضايقات التي من الممكن أن تتعرض لها المرأة في العمل والتي يمكن التعامل معها في ظل وجود قوانين وأنظمة واضحة تقنن ظروف العمل ووقوع المرأة في براثن الابتزاز نظرا لأنها لا تعمل وليس لها عائل وتحتاج أن توفر سبل العيش. عمل المرأة اليوم في مجتمعنا يؤمن لها الاستقلالية ويحافظ على كرامتها ويساهم في بناء مجتمعها.
وأضاف د. مساعد المحيا: مسؤولية المرأة المنزلية تشمل تربية الأبناء ورعايتهم وهو أجل عمل تقوم به ..
أيها السادة أنتم نتاج أمهات عظيمات عملن على تربيتكم وبذلن الكثير من أجل ذلك ..أرجو أن لا نقلل من شأن كهذا ..
مجتمعنا اليوم تتحمل فيه المرأة الكثير فوق طاقتها كل ذلك بسبب رغبتها في العمل وبسبب انتقاص البعض من عملها المنزلي ..
البعد الاستهلاكي للأسف جعلنا نرى الخادمة واجب والطباخة ضرورة .. في إيرلندا مثلا سألت هناك ما حجم الخادمات فوجدت الاجابة لا أحد لديه خادمة إطلاقا .. ومن لا يتيسر لها راتب يكفي لتضع أطفالها في الحضانة فإنها تختار البقاء في المنزل لرعايته وترك العمل وهي حالات كثيرة ..
وأوضح د. علي الحكمي أن مفهوم العمل تغير في العصر الحالي .. لم يعد الوظيفة التقليدية (دوام من ٨-٤ مثلاً ويستدعي الذهاب لمقر العمل) فأعداد الذين يعملون من المنزل في تزايد عالمياً ، والتقنية سهلت ذلك كثيراً.
ومن وجهة نظر أ. ليلى الشهراني: بالنسبة لعمل المرأة “فكل ميسر لما خلق له” ، إن اختارت المنزل والأسرة فهذا من الأعمال العظيمة التي لا يستطيع الرجل أن يقوم بها ، ولا يعيب المرأة أن تكون عاملة في منزلها ورعاية وتربية أطفالها ، وبالمقابل هناك نساء طموحات ومبدعات نجحن في التوفيق بين العمل والأسرة ، نحتاج المرأة العاملة ونحتاج ربة البيت ، فالأولى تساعد في نهضة الوطن والثانية تصنع حضارته.
ولا ننسى أن الرجل شريك مهم يدفع بها لقمم المجد ويأخذ بيدها لتجاوز حدود الإبداع ، فمثلما يقال “وراء كل رجل امرأة عظيمة” فهناك خلف كل امرأة ناجحة رجل واعي متفهم .
وقال أ. خالد الوابل: العمل حق وإثبات كينونة للرجل كما هو للمرأة؛ وكل شخص أعرف بظروفه يعمل أو لا يعمل؛ ولا يحق لأحد فرض أولوياته أو قناعاته على الآخر؛ المفترض هو وضع التشريعات التي تكفل هذا الحق؛ عندنا في السعودية الرجل يُولد المرأة، والمرأة تُجري عملية لرجل شبه عاري؛ ونختلط في الأسواق والمطارات والطائرات ومع هذا نتحسس من اختلاط العمل !!!
وأشار د. ناصر البريك إلى أن الرجل والمرأة جناحان لطائر هو المجتمع فإذا أراد الطائر أن يطير ويحلق فلا بد من استخدام جناحيه كذلك المجتمع إن أراد أن يتطور ويتقدم فلا بد من مشاركتهما جميعا لتحقيق التنمية الحقيقية والازدهار المنشود.
وقال د. مسفر السلولي: أعتقد أن جميع التعليقات السابقة حول عمل المرأة متفقة في المجمل وقد تختلف في التفاصيل الدقيقة. عندما نرتب الأولويات فتربية الأبناء ورعايتهم لا يوازيها أي مهمة. والاستقلالية المالية للمرأة رغبة شخصية وليس مهمة أولوية أسرية اجتماعية لإنشاء أسرة وتطوير مجتمع.
لا أعتقد أنه يوجد من يعارض عمل المرأة بشكل عام كما تصوره بعض المداخلات وكأن أغلب المجتمع يعارض عمل المرأة. هناك بعض الأعمال التي لا تتوفر فيها البيئة المناسبة ولا أوقات الدوام المناسبة هي التي تجد المعارضة. التمريض أحد هذه المهن. نقر جميعا أن التمريض مهنة إنسانية شريفة والعمل فيها وتطبيب المرضى ومساعدتهم له أجره في الدنيا وأجره في الآخرة. إذاً أين المشكلة وما السبب في العزوف من هذه المهنة؟ الجواب في ظني في التالي: دعونا نستعرض الأعمال التي تقوم بها المرأة السعودية في هذا البلد ومنها التعليم العام والعالي، معظم الوزارة التي بها فروع نسوية، القطاعات العسكرية، الأسواق النسائية، البنوك ، جميع هذه الأعمال لم يتحدث عنها أحد وهي مقبولة لدى الجميع. إذاً أين المشكلة في مهنة التمريض؟ أعتقد أنها في بيئة العمل وأوقات الدوام. لي أقارب يعملون في التمريض في مستشفيات فترة العمل ١٢ ساعة عمل ومثلها راحة، وأعرف ممرضات في مستوصفات الدوام فترتين صباحية ومسائية. الرجال يتذمرون من هذا الوضع فكيف بالمرأة ولديها التزامات عائلية. هذا في القطاع الحكومي وبيئة العمل إلى حد ما مقبولة، أما القطاع الصحي الأهلي فبيئة العمل في أكثرها لا أراها مناسبة. عندما يجلس الشاب والفتاة في كاونتر واحد (ذلك مشاهد بكثرة) لفترات طويلة ويوميا، فأنا لا أرضاه لولدي ولبنتي، وبالتالي لا أقره ولا أرضاه لأبناء المسلمين. باختصار، متى تحسنت بيئة العمل بالدرجة الاولى ثم أوقات العمل المناسبة فاعتقد لن يعارض ذلك أحد مثله مثل بقية القطاعات.
توصيات وحلول مقترحة
يرى أ. أسامة كردي أن من الواضح أن عمل المرأة لابد أن يدخل مرحلة مؤسسية منظمة تعالج ما يعترضه من معوقات .. ولعل أول مرحلة من هذا المجهود يجب أن تكون حملة إعلامية محترفة تهدف إلى اطلاع المجتمع على أهمية عمل المرأة و أفضل الطرق المؤدية إليه .. مع التذكير بقرار مجلس الوزراء رقم ١٢٠ الصادر من ٧ أو ٨ سنوات و المتعلق بعمل المرأة و الذي لابد من العمل على تطبيقه تطبيقا شاملا، و هذا القرار هو أول و أهم قرارات تمكين المرأة في بلادنا.
وأشار م. خالد العثمان إلى أن موضوع تمكين عمل المرأة مهم جدا .. ونموذج قطاع التمريض أحد نماذج الفشل في هذا المجال، وفي رأيه فإن أحد أهم أسباب هذا الواقع علاوة على ما ذكر وسيذكر هو هيكلة برامج التعليم الموجهة لهذه القطاعات وعدم جاذبيتها مقارنة بالتخصصات المقاربة والأكثر جاذبية ماديا واجتماعيا.. مثلا .. كثير من الطلاب يفضل دراسة الطب لمدة ٥ أو ٦ سنوات على دراسة التمريض لمدة ٤ أو ٥ سنوات .. كذلك دراسة الهندسة لمدة ٥ سنوات على دراسة تخصصات تقنية وهندسية مساندة لمدة ٤ سنوات.
أحد الحلول إعادة هيكلة برامج التعليم في هذه التخصصات وتقليل مددها ورفع كثافة تركيز وتخصص مناهجها وأيضا حوافزها المادية والمعنوية
أيضا يضاف أهمية التعرف على تجارب الدول الأخرى التي أشير إليها .. الهند والفلبين .. وأضيف إليها أيضا إيرلندا التي كانت سباقة في هذا المجال منذ زمن بعيد .. ونتذكر وجود الممرضات الايرلنديات في المستشفيات السعودية منذ زمن.
وأكدت أ. ندى القنيبط على أنه لا بد من تدخل التعليم المبكر في تسليط الضوء على أهمية الأعمال التي فيها خدمة للمجتمع ، لذلك من المهم وجود مادة علمية تكون من ضمن المنهج العلمي تسلط الضوء على الأعمال المختلفة و احتياج المجتمع لها و تنشئة الجيل منذ الصغر على احترام جميع الأعمال و دورها في خدمة الوطن.
وقال د. عبدالله بن ناصر الحمود: إن من أعظم مثالب مجتمعنا المعاصر أنه لا يزال في حيرة من أمره في جملة من أمور وشؤون المرأة: كينونتها واستقلاليتها، حجابها، اختلاطها ومخالطتها المجتمع، خياراتها في الزوج والمسكن والعمل، وحتى قيادتها للسيارة!! بل إن الرجل حين قرر عدم جواز اختلاطه بالمرأة غير المحرم، عضل المرأة وفرض عليها الإقامات الجبرية في البيوت، والمدارس، ومحال الأعمال التي انفلتت من مبدأ الرفض لعمل المرأة.. وكل ذاك لينعم هو بما قرره من حرية مطلقة في التجول دون أن تعبر امرأة من جواره.. ولو عبرت، خطيئة، فلن يقرأها السلام.
كنت قلت قبلا.. أن كثيرا من نظرة العربي للمرأة المعاصرة، فيه شيء من امتداد ثقافة الوأد..
والحل الفصل هنا، ليس بمحاورة العرب بعضهم لبعض.. في شأن المرأة.. فسيغلب الطبع العربي التطبع، وستنتصر الآراء المتكئة على الموروث الثقافي المحض. الحل، فقط، في اختيار أن نؤمن بما جاء به محمد صلى الله عليه وسلم.
{ فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّىٰ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لاَ يَجِدُواْ فِيۤ أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُواْ تَسْلِيماً}
الحل في أن لا نشعر بالحرج الثقافي أو الاجتماعي، من تطبيق حكم الله علينا، فهو الخيار الأوحد.
أن نسلم تسليما.. بحكم الله في الرجل والمرأة .. فهو الأمر الذي أمرنا به.
ويقتضي ذلك، أن نرفع مستوى مناقشة شأن المرأة من مستوي النخبة المثقفة إلى مستوى أهل العلم.. ونعيد طرحها ومناقشتها هناك.. ونعيد قراءة النصوص المعصومة وتحليلها وفهم دلالاتها بمعزل عن كل تراكمات الثقافة والسياسة والعادات والتقاليد التي أثقلت عددا من نظراتنا للكون والحياة، مما ننسبه، زعما، للشرع الحنيف.
علينا بشكل خاص، إعادة قراءة كيف أن التكليفات الشرعية في جلها في العبادات والمعاملات جاءت بخطاب عام للرجل وللمرأة دون تفضيل أحدهما على الآخر، ودون فرض وصاية أحدهما على الآخر.
“إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَالْقَانِتِينَ وَالْقَانِتَاتِ وَالصَّادِقِينَ وَالصَّادِقَاتِ وَالصَّابِرِينَ وَالصَّابِرَاتِ وَالْخَاشِعِينَ وَالْخَاشِعَاتِ وَالْمُتَصَدِّقِينَ وَالْمُتَصَدِّقَاتِ وَالصَّائِمِينَ وَالصَّائِمَاتِ وَالْحَافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحَافِظَاتِ وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُم مَّغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا”
فهل نحكم محمدا صلى الله عليه وسلم فينا، ثم لا نجد في أنفسنا حرجا مما قضى.. ونسلم تسليما؟
أعتقد أن الحوار.. يجب أن ينقل هنا.. أما الجدل البشري الثقافي النفعي.. فلا خير فيه.. لاسيما أن الغلبة فيه للسائد ولذي الوصاية.
وتعليقاً على وجهة النظر الأخيرة قالت د. الجازي الشبيكي: السؤال الذي لم نجد له إجابة ؛ من هو أو هي الشخص أو الجهة المؤهلة للقيام بالمهمة العظيمة والهامة التي تم الإشارة إليها؟
أود التذكير بأن أهل العلم والنخبة المثقفة قد اجتمعوا معاً قبل عدة سنوات في المدينة المنورة بتنظيم وإشراف من الحوار الوطني لمناقشة أغلب قضايا المرأة في مجتمعنا ، فماذا حصل؟
أهل العلم المتشددين تمسكوا بآرائهم وأهل العلم غير المتشددين قالوا ما عندهم والنخب المثقفة قالت ما عندها ولكن النتيجة بعد تلك السنوات ظلت دون الطموح والمؤمًل في موضوع النظر لطبيعة علاقة المرأة بالمجتمع .
نحن بحاجة في المرحلة الحالية إلى قرار سياسي ، ينظر في كل تلك القضايا في مجتمعنا ويطلب حلولاً عاجلة عملية من قبل أهل العلم بكافة مستويات فكرهم من المتشدد اليميني إلى اليساري ( وأقصد درجات التشدد ) ومعهم عدد من المثقفين والنخب الاجتماعية مستنيرين بآراء المسلمين في كافة أنحاء العالم الاسلامي ومن ثم أخذ نتائج تلك الاجتماعات ووضعها في هيئة قرارات حكومية مُلزمة التنفيذ بعد التمهيد لها بالطبع تمهيداً اجتماعياً مدروساً بشكل جيد لضمان قبولها من أكبر قدر من أفراد المجتمع .
على سبيل المثال ؛ إذا توصلوا إلى الحكم الشرعي الصحيح فيما يخص حجاب المرأة فعليهم أن يقروا ذلك بقرارات حكومية مُلزِمة للجميع وهذا بحد ذاته سيعالج العديد من قضايا المرأة المُعطًلة في المجتمع ، فكيف ببقية الأحكام ؟
وفي الإطار ذاته يرى د. سعد الشهراني: أن على كل أب أن يهيئ ابنته لتكون شخصا كامل الأهلية و يساعدها لفهم حقوقها و لتكون قادرة على حماية نفسها في شتى الظروف و مستقلة استقلالا لا يمس بواجباتها كأم و كامرأة مسلمة و كفرد له وجوده الاجتماعي غير المنقوص في حدود ما أقره الشرع و ألا تسمح لأي كان من الانتقاص من كرامتها أو حقوقها في غير ما تنافس مع الرجل (أبا كان أم زوجا أم غير ذلك) أو انتقاص من قوامته و حقوقه.
السبيل إلى ذلك الاقرار بحق المرأة القادرة و الراغبة في العمل الشريف في مهن مناسبة و في بيئة عمل آمنة.
ويرى م. خالد العثمان أن مثل هذه الحلول بعيدة المدى وهي تستهدف تغيير ثقافة جيل بأكمله.. وعليه فإننا نحتاج أيضا حلولا آنية وقصيرة المدى للخروج من عنق الزجاجة وتقليل الخسائر الفادحة التي يتكبدها المجتمع.
وأضافت د. سامية العمودي: الخروج من عنق الزجاجة لن يتم إلا بقرارات رسمية يعترض عليها البعض قليلاً ثم يصفقون لها كثيراً.
عمل المرأة يحتاج أيضا إلى تغيير الصورة النمطية في مناهج الذكور قبل الإناث فرغم احترامنا لها زوجة وأم إلا أن الزمن يحتم التغيير في النظرة لعمل المرأة من وضع (حصة تطبخ ونوف تغسل وفاطمة تربي) إلى صورة جديدة فيها (حصة معلمة ونوف ممرضة وطبيبة وفاطمة مديرة شركة وبنك) وأيضا وضع نماذج مضيئة في مناهجنا لنساء من بلدي في المناهج مثل أول ممرضة ونبذة عن الشوريات وأول من دخلن البلديات وقس على ذلك كثير مما يزرع في عقول الناشئة أن عمل المرأة هذا تطور طبيعي ومقبول ولا ينتقص من قيمتها ربة بيت وأم مالم تتغير الصورة النمطية في مناهجنا منذ الصغر سنظل نعاني في تقبل المجتمع لأدوار المرأة وشراكتها في التنمية.
وتطرق أ. سمير خميس إلى نقطة أخرى يراها معيقة لعمل المرأة وهي التأهيل العلمي والعملي والمهني لطالبات العمل لدينا.. فكما لا يخفى أحد أن أجيالاً متتابعة من طالبي وطالبات العمل لدينا يعانون من ضعف واضح في التأهيل العلمي والعملي والذي يعتبره العائق الأول في سعودة مهنة التمريض النسائية إذا اعتبرناه مثالاً صالحاً للقياس..
هذه القضية ستحل عندما يكون باستطاعتنا التغلب على ضعف مخرجات التعليم بكل أشكاله وأنواعه عندها يمكننا الحكم على من تقع المسؤولية .. هل هي على ثقافتنا الاجتماعية .. أم على صاحب القرار..
وعلق د. خالد الرديعان على ذلك بأن كل خريجي وخريجات التمريض والطب كذلك لا يتقنون مهنهم إلا بعد الممارسة لعدة سنوات وقس على ذلك بقية المهن.. ليس من المعقول أن نتوقع أن الشهادة الجامعية تكفي لإتقان المهنة.
مشكلة الممرضات السعوديات تحديدا هو أنهن لا يمارسن ما تعلمنه ومن ثم ننعتهن بعدم التأهيل أو قلة الخبرة. ومرد ذلك كما تم الإشارة هو أن المستشفيات تقصيهن عن عملهن الحقيقي وتوجهن نحو أعمال إدارية بسبب تفهم الإدارات لحساسية عمل الممرضة وهي حساسية اجتماعية بالدرجة الأولى..
الفتاة السعودية ماهرة جدا وتتعلم بسرعة إذا توفر لها تدريب جيد وتم تمكينها من العمل الذي يفترض أن تمارسه وليس عمل آخر.
وترى أ. مها عقيل أن مهنة التمريض مهنة “نسائية” في جميع أنحاء العالم، أي من المهن التي تعمل فيها النساء أكثر من الرجال، ورغم أنه في الدول الغربية وبعض الآسيوية قد تجد إقبال من الرجال لكن يظل عدد النساء أكثر، وبالتالي في السعودية من الطبيعي أن يكون هناك إقبال من النساء للعمل كممرضات وعدد قليل من الرجال السعوديين والذين أحييهم على رغبتهم في العمل كممرض لما قد يتعرضون له من استصغار وتقليل من شانهم أشبه لما تتعرض له الممرضات السعوديات. ولذلك سيستمر اعتمادنا على الممرضات والممرضين من الخارج.
وتأسيساً على ذلك، فمن الضروري توعية المجتمع بأهمية عمل الممرضة وأنها ليس فقط إعطاء حقن أو قياس درجة الحرارة والضغط. الممرضة شخص مهم جدا في غرفة العمليات وأهم شخص في متابعة حالة المريض بعد العملية وكلنا نعلم أن أكثر المضاعفات والأخطاء التي يتعرض لها المريض هي بسبب العناية بعد العملية الجراحية.
التوعية يجب أن توجه للأسرة أولا والزوج لأنهم الأكثر تأثيرا على مدى رضا وقناعة واستمرار الممرضة في عملها. ثانيا، الاهتمام ببيئة العمل أن تكون محفزة ومشجعة للممرضات والممرضين السعوديين ليس فقط ماديا ولكن المقصود معنويا بالاحترام والتقدير والمعاملة الحسنة وتوفير حضانة في المستشفى لأطفال العاملات فيها.
وترى أ. فوزية الجار الله أن النظرة لعمل المرأة بشكل عام ولمهنة التمريض على وجه خاص قد تطورت بشكل أفضل عما قبل لكن لايزال هناك بعض المعاناة في قلة توجه الفتيات لدراسة التمريض وفي استمرار التسرب منها بعد العمل، إضافة إلى نظرة المجتمع فلايزال العمل في بيئة مختلطة يشوبه شيء من التشكك وعدم الارتياح من قبل البعض، وعليه فمن المهم التركيز على النقاط التالية:
1- الاهتمام بتأهيل الممرضة ويشمل ذلك التعليم والتدريب بحيث لا يسمح للطالبة بالعمل ممرضة إلا بمؤهل بكالوريوس تمريض أو كحد أدنى مؤهل الكلية الصحية القائم حالياً، إضافة إلى الجانب الميداني بحيث لا تستطيع الممرضة ممارسة المهنة إلا بعد الإتقان الجيد للمهنة ذاتها وللغة الانجليزية.
2- التأكيد على الراتب المجزي للممرضة.
3- عدم السماح للممرضة بالتحول إلى عمل إداري إلا لأسباب قاهرة جدآ / صحية على سبيل المثال على أن يصاحب ذلك انخفاضاً في الراتب وفقدانها لبعض الامتيازات المادية في العمل كممرضة.
أما د.م. نصر الصحاف فيرى أن أحد الخيارات يكون في المعالجة الجذرية لمركز المرأة في المجتمع بعيداً عن المزايدات التي تعودنا عليها في مقام المرأة ضمنياً في الخطاب الديني ، فلا أحد يختلف عن مركزها الأساس كأم ومربية ..الخ ، وكذلك الكل يؤمن بحفظ الإسلام لكافة حقوقها وواجباتها !! ولكن إشكالية عمل المرأة هي اجتماعية بحتة يكتنفها غموض الجهل بحقوقها كإنسانة في مجتمع ذكوري بحت!
تكون المعالجة الجذرية عندما تتوافر إرادة مجتمعية شاملة من الجنسين لتصحيح الوضع. وباختصار شديد يجب إعادة النظر في الثقافة المجتمعية الدونية للمرأة ومسبباتها في الذهنية المجتمعية.
أحد الحلول (كمثال) التعليم المدمج، وبالأخص مرحلة التعليم المبكر (حتى الابتدائي) المدمج (بنين وبنات) على أيدي معلمات أكفاء .. حتى لا تبقى المرأة حبيسة بين سندان الخطاب الديني ومطرقة الأعراف القبلية !
ويرى أ. عبدالله الضويحي أنه من الصعب تغيير ثقافة مجتمع متوارثة تنهل من معين العادات والتقاليد لكن ثبت أن بالإمكان ذلك أو على الأقل التأثير عليه لدى الغالبية بأحد أمرين أو كلاهما:
الأول : المقابل المادي بمعنى أن يشعر بأن هذا العمل مصدر رزق أو دخل مجز يستحق التضحية.
الثاني : قرار رسمي يجعله أمام الأمر الواقع.
وفي حالتنا هذه يتطلب الأمر:
حملة توعوية وتثقيفية للمجتمع عن مهنة التمريض والرفع من قيمتها وأنها لا تقل أهمية عن الطبيب بل مساعد له وليس ثانويا.
صرف رواتب مجزية لهم مع بدالتها.
التوسع في إحداث وظائف الممرضين والممرضات.
إلزام من يدرس مهنة التمريض بالعمل مدة لا تقل عن عدد السنوات التي قضاها في الدراسة والتأهيل أو إعادة ما تم صرفه عليه حتى تخرجه في حالة انسحابه من العمل في المهنة وعدم التساهل في ذلك مهما كانت الأسباب.
في حين أشار أ. أسامة كردي في هذا السياق إلى الملاحظات التالية:
الحكومة أدت واجبها بصدور القرار ١٢٠ و الباقي على المجتمع.
من خلال المشاركة في بعض النشاطات الشبابية اتضح أن المجتمع الشبابي ليس لديه أي تحفظ في موضوع عمل المرأة.
إحصائيات وزارة العمل تؤكد ارتفاع مشاركة المرأة في القوى العاملة بالمملكة ارتفاعا ملحوظا.
بقى إنشاء هيئة حكومية أو وزارة تهتم بدور المرأة في المجتمع .. وقد بادر مجلس الشورى بتخصيص أحد لجانه الدائمة لهذا الغرض.
وفي مداخلة ختامية أوضح د. عبدالله بن صالح الحمود أن غالبية المتداخلين يتفقون على أن عمل المرأة هو حق كما هو حق للرجل ، وهذه دلالة على أن المساواة بين الجنسين تعد أساس لنيل كل فرد حقه بغض النظر عن جنسه ، وحيث أن القضية تختص في عمل المرأة كممرضة في البيئات الصحية عامة ، فقد ظهرت لنا عدة آراء مختلفة حول طبيعة عمل مهنة التمريض ، فهناك من ذكر أنه من خلال أداء عمل هذه المهنة فإن ذلك سبيل للاختلاط الذي هو مختلف عليه من خلال العديد من الآراء الفقهية ، ولأننا هنا أيضا نسعى إلى توفير مصدر دخل للمرأة ، فضلاً عن أحقيتها للمشاركة في الإنتاج الوطني ، فقد ظهر لنا أيضا عدة آراء منها المؤيد لعمل المرأة وهو الغالب الأعم ، ومنها المعارض او المتحفظ لدخولها سوق العمل ، ولأن النقاش على وجه الخصوص يختص حول مهنة التمريض ، وإظهار الحاجة الماسة للخدمات المؤملة من هذه المهنة التي بطبيعتها تعد أساس الاهتمام بصحة الانسان.
وفي هذا الإطار يمكن الانتهاء فيما يخص قضية عمل المرأة عامة ومهنة التمريض خاصة إلى المقترحات التالية:
تفعيل القرار رقم 120 الصادر من مجلس الوزراء المتضمن تمكين عمل المرأة في مجالات معينة ، حتى تنال المرأة حقوقها النظامية في الدخول إلى سوق العمل بما يجعلها عضو فاعل في مجتمعها .
تحفيز القطاع الخاص على إنشاء مراكز تدريب نسائية عالية المستوى تتضمن عدة تخصصات بما يتوائم ومتطلبات سوق العمل ، مع الحث على التطوير والنهوض للقائم منها .
مناشدة القطاع الخاص بكافة فروعه ومناشطه بالتعاون مع وزارة العمل لتوفير فرص العمل المناسبة لكفاءة وقدرات المرأة السعودية ، والتأكيد على المهن التي بإمكان المرأة القيام بها خصوصاً ما يختص باحتياجاتها ومتطلباتها الشخصية .
حث الجامعات السعودية الحكومية منها والأهلية الى زيادة أعداد القبول للطالبات الراغبات في الالتحاق بكليات التمريض .
يقترح لوزارة الصحة الشروع في إنشاء معاهد صحية عالية المستوى تضم تخصصات صحية متعددة وعلى وجه الخصوص في قطاع التمريض وتكون مقار هذه المعاهد في كل محافظة كبيرة تتبع كل منطقة ، لسد احتياجات المراكز الصحية في المحافظات والمراكز التابعة للمناطق .
توافر دورات تدريبية وتأهيلية لخريجي وخريجات التخصصات الصحية لمدة لا تقل عن ستة أشهر في اللغة الإنجليزية وتخصص التمريض على وجه الخصوص ليتمكنوا من مباشرة مهامهم الوظيفية قبل الالتحاق بالمستشفيات والمراكز الصحية ، حتى يكونوا ذو قدرات منافسة للعمالة الأجنبية .
يقترح لوزارة العمل متابعة المستشفيات والمراكز الصحية الأهلية التي توجه المتقدمين لها لوظائف صحية إلى وظائف إدارية ، والذي يعد معه خسارة للوطن بفقدان كفاءة المؤمل منها الانخراط والتوسع في نسبة أعداد الممرضين والممرضات السعوديين .
يقترح لهيئة توليد الوظائف المنشأة حديثاً إعطاء الاهتمام والأولوية لمقياس الاحتياج الوطني في قطاع التمريض من ناحية التوظيف والتنسيق مع الجامعات نحو زيادة أعداد المقبولين في الدراسة بكليات التمريض لديها .
المناشدة في إيجاد قانون لمعاقبة التحرش بكافة أنواعه، للإسهام في جعل بيئة العمل المختلطة أكثر أماناً .
المبادرة بالقيام بحملة إعلامية توعوية مدروسة نحو التحفيز والتشجيع لعمل المرأة في كافة القطاعات الإنتاجية ، وإظهارها بظهور مميز لتحقيق الأهداف المرجوة من إشراك المرأة السعودية في ميادين العمل كافة وأن تحمل هذه الحملة في طياتها المقاصد الاجتماعية والدينية الداعمة لأحقية المرأة في العمل وأنها لا تقل شأن عن الرجل في أي بيئة عمل ، مع السعي إلى إبعاد النظرة السلبية تجاه من يعمل في القطاع الصحي خصوصاً في مهنة التمريض .
المحور الخامس
العام 2015 من وجهة نظر شباب منتدى أسبار
أ. وليد الحارثي
2015.. سنة تطور القيادة السعودية
سنة ٢٠١٥ م المثيرة، سنة راسخة في وجدان السعوديين. لا يمكن لصغارنا قبل كبارنا أن ينسوا هذه السنة الحافلة بكل ألوان الأحداث، وباختلاف مستوياتها، وكيف مرّت ببلد كالمملكة العربية السعودية؟! وكيف تعاطت معها “أرض الحرمين الشريفين” “مركز العالم الإسلامي” (قيادة وشعباً) ؟!
والقراءات التي يمكن أن تدون حول رؤيتنا لتلك الأحداث، ستطول، وستكثر، وستدفعنا لحاجة لطالما عانينا منها، هي: الحاجة إلى مؤرخين سعوديين مدججين بالخبرة، والمهارة، والبصيرة ليكتبوا هذا التاريخ على هدى ونور!
كانت العناوين البارزة في صفحة سنة 2015م، كثيرة جداً لا يمكن تسليط الضوء عليها جميعاً.
لكنني سأتوجه مباشرة إلى أربعة عناوين رئيسية سيطرت على عقلي، فآمنت بأنها هي أهم ما حصل. أو قرأتها في أحاديث أصدقائي وأقراني ونحن نشرب القهوة، (أو نتابع أمرا ملكيا على شاشة التلفاز، أو نتكلم عبر الهاتف، أو نتواصل عبر وسائل التواصل الاجتماعي المختلفة) فتأكدت من كونها عنواناً يصلح لأن يكون وصفاً لسنة 2015: “سنة تطور القيادة”! عناوين تُشير إلى فهم قيادتنا – رعاها الله – لعالم اليوم، والاستعداد للمستقبل، والتبصّر، وتجاوز الأزمات الصعبة.
أولاً: التحول في طريقة الإدارة، وفي الحكم على الأشياء، وفي التوجهات والمنطلقات، على مستوى القيادة العليا للدولة، وعلى مستوى الصف الأول والثاني من المسؤولين. وهذا العنصر الأساسي أثّر – بلا شك- بصورة كبيرة في بقية العناصر الأخرى. فقد ظهر تحققه جلياً واضحاً منذ الـ 100 يوم الأولى للملك سلمان بن عبد العزيز في الحكم. القرارات المصيرية التي اتخذها جلالته، والإصلاحات التنظيمية، ثم الإصلاحات الاستراتيجية لتعزيز خطط التنمية. والحزم مع المقصرين والمتهاونين في خدمة الوطن، والمواطن، والتغير الجلّي في السياسة الخارجية للمملكة، وفي المواقف الدولية من مختلف القضايا، وخصوصاً القضايا الكبيرة منها. وما أعقبها من أوامر ملكية، وقرارات حازمة، ومخصصات مالية لمشاريع استراتيجية كبيرة. وأحيلكم إلى الرابط التالي: (https://sabq.org/iC5gde) ففيه غنية عن سرد كل ذلك.
ثانياً: ظهور تحديات جديدة خارجية، وارتفاع حاد وثقيل في مستوى التحديات الداخلية، لم نعرفها في سنوات عمرنا الماضية، والمتمثلة في بعض التحديات، مثل: “عاصفة الحزم”، و”إعادة الأمل”، والتحالفات الإسلامية الخليجية والعربية والدولية. إلى جانب الصراعات الطائفية، وتحديات الإرهاب، وتهديدات والعنصرية والعصبيات المختلفة، والتعاطي مع أحداث كبيرة مثل: “سقوط رافعة الحرم” ، و”تدافع الأضحى” ، وانخفاض سعر برميل البترول إلى 40 دولار، وعجز الميزانية، والتي ارتفعت بنوعية التحديات التي تواجهها المملكة إلى مستوى جديد، ومتقدم يعزز من قيمتها، ومكانتها بين دول العالم الكبرى.
ثالثاً: “تطوير القيادة”، والعمل على تغيير مساراتها نحو الأفضل. الدخول في مرحلة جديدة من التطور والتقدم فرضها العصر عبر الصراع، ومزاحمة قوى كبيرة تربعت على قمة قيادة المستقبل. إذ أنّ تطوير/تغيير/تجويد القيادة، هو ميّزة كبرى، وعنوان أبرز لكثير من المواقف، والأحداث، والقرارات في سنتنا المنصرمة. وهو ما انسحب على عدد لا بأس به من مؤسسات الدولة، وعدد من قادتها، فأصبحوا علامة لهذا التطور (شكلا ومضمونا) كوزير ووزارة التجارة والصناعة، والخطوط الجوية العربية السعودية التي أعلنت في شهر مايو المنصرم عن برنامج التحول والتغيير الذي اتخذته الإدارة التنفيذية شعاراً للمرحلة المقبلة حتى 2020م.
ومما يشدد على ذلك أنه منذ تولي الملك سلمان بن عبد العزيز زمام الحكم في شهر يناير 2015، ظهرت الرغبة الواضحة في إشراك الشباب في قيادة الدولة، والعمل الجاد نحو النهوض بالقيادة العليا كليا، وتطويرها، والرفع من كفاءتها، وهو يؤكد الإحساس بوجود حاجة ماسة لتطوير القيادة، وتحسين أسلوبها، والترقي بها إلى مستويات حضارية تنموية، في إدارة مؤسسات الدولة، وإدارة صف القادة والمسؤولين، وإدارة الحشود (المواطنين والمقيمين). وهذه بعض الوقائع التي تؤكد ما سبق:
مبايعة الأمير محمد بن نايف ولياً للعهد ونائباً لرئيس مجلس الوزراء وزيراً للداخلية، ورئيساً لمجلس الشؤون السياسية والأمنية، ومبايعة الأمير محمد بن سلمان ولياً لولي العهد، وتعيينه وزيراً للدفاع، ورئيساً لمجلس الشؤون الاقتصادية والتنمية، وهما يمثلان جيل الأحفاد، إضافة إلى صغر سنّيهما مقارنة بمن كان يتولى هذه المناصب الرفيعة في السابق.
تعيين الوزير عادل الجبير خلفاً لعميد السياسة الخارجية السعودية الراحل الأمير سعود الفيصل، وترسيخ مبدأ: لكل مجتهد نصيب، وإتاحة الفرصة للأكفاء من نفس الجهة الحكومية للترقي إلى أعلى المناصب، وكسب ثقة القيادة من خلال الاجتهاد والعمل.
الإعفاءات الفورية لبعض أصحاب المعالي، وتبديلهم بمسؤولين جدد.
وعلى الرغم من (موافقتنا أو عدم موافقتنا) لمدى نجاعة الأساليب التي تم العمل بها في هذا الإطار: إطار تطوير القيادة، وعلى الرغم أيضاً من التراخي في بعض الأحداث مثل حادثة (حريق مستشفى جازان)، إلاّ أنّ الحاجة ما زالت كبيرة جداً لتحقيق المرجو والمأمول في هذا العنصر المهم، بالعمل الجاد لتطوير العمل القيادي نفسه، وتطوير كفاءة القيادات الحالية، وتخليق قيادات جديدة تتسنم زمام العمل في الوزارات والمؤسسات الكبيرة، مثلما حصل في الوصول بـ”المحمدين” من جيل الأحفاد إلى أعلى المناصب في قيادة الدولة.
رابعاً: تحقيق حاجات ورغبات الناس. بدأ السير في هذا المسار معلوماً. ويشهد لذلك تصريحات المسؤولين، واتجاه القيادة، وقطاعات الدول نحو جعل المواطن السعودي هو محور التنمية القادمة، وربط كل المسارات التنموية في المجالات والقطاعات المختلفة به. إلى جانب الاستماع إلى صوت الناس عبر وسائل التواصل الاجتماعي (تويتر أنموذجاً)، والاستجابة السريعة بتحقيق النتيجة للمطالبات التي طالبوا بها، ولذا كانت سنة 2015م، ساحة مشهودة للتوسع، والانفتاح على وسائل التواصل الاجتماعي، والافتتان الشعبي/الرسمي بها.
الأمر الذي لا يمكن تفويت الإشارة إليه، بعد استعراض العناوين البارزة في سنة 2015 السعودية ذات الآفاق الجديدة، والطموحات البعيدة، وعدم الخوف من وجهة نظري، هو أننا نخوض حقاُ معركة التقدم والتطور المعاصرة، من خلال مفاتيح المستقبل الثلاثة المهمة التي أقرّها (جول باركر)، وأدركها قادتنا بصورة لافتة.
الامتياز، (أو إدارة الجودة الشاملة) قاعدة المستقبل، التي تُشعل فتيل المنافسة مع الآخرين، وستكون اللعبة على قواعدها إذا ملكنا مكوناته الأساسية: كالإحصاءات، وطرق المراقبة والتحسين المتواصل، وقياس الأداء، والاعتماد على الدراسات، والخطط الواحدة لا المتعددة، ومعرفة كيفية فعل الأشياء الصحيحة من المرة الأولى. إلى جانب التجديد: طريق المنافسة، الذي يجعل القيادة في صراع على الصدارة التي لن تقبل برائد واحد فقط. وأخيراً التوقع الذي يقود إلى أن نكون في المكان المناسب، والوقت المناسب.
أ. سمير خميس
قليل من الحظ الجيد، وقدر كبير من الأحداث
لأن التاريخ ضميرنا المتصل الذي يأبى الانفصال عنا، فسيسجل بأننا كنا أبناء 2015م مع قليل من الحظ الجيد، وقدر كبير من الأحداث التي نعجز عن تصنيفها ..
يرحل العام 2015م والعالم يطلق علينا المملكة الفتية، فيما لا تزال خطواتنا “شيخوخية”. لا يزال نظامنا التعليمي متخلفاً عن فكر شبابه، لا يزال الشاب منا يدرس ما درسه آباؤه وأجداده من قبل. لا نزال حطباً لصراعات دينية وسياسية ما أنزل الله بها من سلطان، لا نزال نستجدي الوظيفة، لا يزال الوافد ذي الحروف الأجنبية المنمقة وربطة العنق المحكمة بخناقه وخناقنا يزاحمنا على ما نعتبره حقاً لنا حتى إذا ما طالبنا به انقلب الحق علينا..
يرحل 2015م مسجلاً أن من كان يعول عليها أن تكون منبراً لـ”الحضارة والتنوير” ووزارة لـ”الثقافة والإعلام” تبرأت من حلم شبابي بسيط متمثل في صالة مغلقة مظلمة تعرض فيلماً أمريكياً يسوق لحرب امبريالية في العراق وسوريا للدفاع عن “حرية” يبشر بها رئيس ذو بشرة سوداء في بيت أبيض. ذات الوزارة تضمر في خطاب نفيها الشهير: “من أراد أن يحلم بالسينما، فليهاجر..”.
يرحل العام 2015 وكاهل المواطن مثقل بمسؤوليات عظام حملها إياه وزراء الحكومة، فـأزمة “الإسكان” سببها فكره، وليترات البنزين التي ارتفع سعرها سببها ثقافته الاستهلاكية، حتى اللاتي استشهدن حرقاً في مستشفى جازان، كان السبب في وفاتهن هو ذاته المواطن المسكين الذي أعاق جهود الإنقاذ..
يرحل العام 2015م مشعلاً في نهاية طريقه قبساً من ضوء، إذ صدرت الموافقة على “نظام الجمعيات والمؤسسات الأهلية” ليتاح بذلك المجال لجناح الدولة المهيض “العمل المدني” لكي يخفق أولى خفقاته نحو الحرية..
يرحل العام 2015م مودعاً بمثل ما استقبل به من ترقب وخوف وبعض الألم والكثير الكثير من الآمال والأحلام ..
أ. سعيد الزهراني
(تاريخ) حل.. (تاريخ) ارتحل
٢٠١٥ .. رزنامة التأريخ الجديد.. وعتبته أيضا،،
.. ومن سيستعيد وجه عامنا المنصرم دون أن يكون لغياب عبدالله بن عبدالعزيز كامل الحضور؟!! رحمه الله وأحسن إليه مثلما أحسن إلينا.. ثم نقطة آخر سطر التاريخ المعتاد .
على الفور يرتسم ويرسم وجه سلمان ملامح التأريخ الجديد داخلياً وخارجياً ؛ عاصفة تعيد لحطام عزتنا حلم الذات القوية وتنتصر لهشيم ذواتنا العربية والإسلامية المسحوقة.. إقرار مفصلي في دوائر صناعة القرارات الكبرى بمجلسي الشأنين: (التنموي والاقتصادي – العسكري والسياسي).. قيادات شابة تدير شأن شعب شاب.. وحضور سياسي خارجي قيادي قوي ومؤثر.. وبين طيات هذه وتلك تفاصيل ما علمنا وما لا لا نعلم .. ما رضينا وما سخطنا.. في حالة مخاض لولادة حتمية جديدة نرتقب فيها العام الأول من عمر المولود المرتقب..
.. في أجندة رزنامة التأريخ الجديد وعلى عتبته أيضا.. يقف بحر النفط البائر المخاتل.. وأظنه ملتفتاً (بعين حمراء ترمي بشرر) بعد سنوات من عين الرضا.. الأكيد أننا ندلف إلى التأريخ الجديد عبر عتبة ٢٠١٥ برجل مكسورة وقلوب مكسورة.. والأهم أننا وإن سرنا بمشية عرجاء في مستهل التأريخ الجديد.. ألّا نستمرئ العرج.. بل نمضي إلى التجبير والتجاسر.. رغم ألم جبارة العظام المعوجة المعطوبة الصلبة.. أما القلوب الكسيرة فهي إلى من يملك ولا نملك جلّ في علاه..
٢٠١٥ .. عتبة لتأريخ جديد لا يعلم ما سيكتب فيه إلا الله.. الذي نعرفه – أو هكذا أرى – أنه عتبة خطوتنا الأولى عبرها نحو تأريخ جديد.. وهذا التأريخ الجديد (جديد جذرياً) داخلياً وخارجياً وعلى مختلف المستويات الثقافية والمجتمعية والسياسية والاقتصادية والإنسانية.. تأريخ لا يشبه السابق ولن يشبهه اللاحق.. ولا يزال بأيدينا صياغته والتحكم فيه وتوجيهه (بنسبة غير عالية) لكنها جيدة وممكنة..
إن كان لي أن أوصي فلن أصوب رأس سبابتي إلا إلى (الجيل الشاب) إنه مفتاح السر لهذا التأريخ الجديد.. البداية منه والمرور عبره والمنتهى إليه..
٢٠١٥ .. لم يكن عاماً عادياً.. إنه عتبة التحول والتبدل والإزاحة والإحلال.
أ. عبدالرحمن الطريري
حصاد 2015 في الشأن السياسي
أول تحديات هذا العام بالنسبة للمملكة كان الانتقال السلس للحكم، بعد رحيل المغفور له عبدالله بن عبدالعزيز، والذي تم على مرحلتين كما يعرف الجميع، وهذا تحدي كبير للمملكة وما زال حول المستقبل بعض الغموض.
التحدي الثاني الخطير للسعودية والخليج كان الاتفاق النووي بين إيران ودول (5+1)، وما تبين في كامب ديفيد من أن أوباما ينهي الفصل الأخير من (مبدأ إيزينهاور) والمعني بحماية دول الخليج من أي تحديات خارجية، وهو أحد المبادئ التي استند عليها بوش الأب في عاصفة الصحراء.
فصول تغيير الحكم في المملكة دفعت إيران للقناعة بأن الفرصة مواتيه لابتلاع اليمن وإن كان احتلال العاصمة صنعاء سبق العام بقليل وتحديدا في 21 سبتمبر 2014، كما أن إيران حاولت استغلال تمدد داعش لزرع عناصر الحشد في منطقة الرطبة جنوب الأنبار، والتي يمر من خلالها الخط الرئيس لحجاج العراق، وتبعد عن عرعر 70 كيلو.
لا ننسى أيضا أن أول أسابيع 2015 ، شهد محاولة عناصر داعش للدخول عبر مركز سويف التابع لجديدة عرعر بمنطقة الحدود الشمالية قرب الحدود العراقية ، وما شهد النصف الأول من العام عدة تفجيرات تبنتها داعش في مساجد وحسينيات مختلفة، بل كان الوضع مخيفا وأنت ترى كبرى المساجد محاصرة بالدوريات منذ منتصف ليل الخميس.
اليمن كانت التحدي الأكبر، عاصفة الحزم فاجأت الجميع ، وبينت أمور كثيرة لم نكن متأكدين منها، وربما أكبر الصدمات كان الخذلان الباكستاني، وربما كان لنا دور إيدلوجي مع المرجعيات السنية في باكستان ، حتى يكفوا عن فتاوى تحريم الديموقراطية، والتي أنجبت برلمانا جله موالي لإيران.
الأسئلة مستمرة عن متى ستنتهي الحرب، وهل الحلفاء على قلب رجل واحد، الإشاعات لا تقف ، فنصيبنا أننا مع حلفاء مختلفون، من يقول أن الإمارات تتلكأ في مناطق حتى يتم الاتفاق على اجتثاث حركة الإصلاح منها، والقطريون يتحسسون من المؤتمر، والكويت شاركت بالعلم فقط إلى أيام قليلة خلت، ربما خشية من التيار الإيراني القوي في الكويت، ومن البشارات التقدم الأخير على الأرض، بالإضافة لخطاب صالح الأخير الذي أصبح قذافيا بامتياز.
شخصيا أعتقد أن أفضل ما في الحروب انتهائها، وأعرف أن جمع اليمنيين ليعملوا بالسياسة أصعب من الحرب، والإعمار أصعب وأصعب في دول نخرها الفساد، لكن عزائي أن قيادة المملكة للمنطقة العربية قدر وليست خيار بعد تراجع الدور العربي للعراق ومصر وأخيرا سوريا.
سوريا ملف معقد أكثر ويتعقد أكثر مع تدخل الروس، كانت السعودية تعمل ببراجماتية مطلقة، عبر تنويع تحالفاتها مع تغير المزاج الأمريكي، كما أن التقارب مع الروس كان يهدف إلى تحييد الدولة التي حمت الأسد أربع سنوات بالفيتو، ولكن روسيا قررت أن تحميه بالسوخوي وتمرر القرار 2254 من مجلس الأمن بعد أن أصبح قرارا خال من مضمونه، بعد أن قبلت المملكة برحيل الأسد وبقاء النظام والجيش، حتى تزيل عن الغرب مخاوفه من تكرار مصير العراق، بل ذهبت المملكة أبعد من ذلك عند لقائها مملوك، عبر عرض إيقاف دعم المعارضة مقابل خروج حزب الله والحرس الثوري وباقي زمرة إنقاذ الأسد.
في مصر الرؤية غائبة بامتياز، برلمان أحمد عز عاد بدون شخص أحمد عز، والمحاكمات تستخدم التسويف لقتل اهتمام الناس بالقضايا سواء قضايا الإخوان أو حتى مبارك، بنفس الطريقة التي تم تأخير البرلمان حتى وصلت المشاركة ل25% فقط، إعلاميا هي السنة الأسوأ في مصر فأخر مذياع قصف هو مذياع محمود سعد، وسبقه ريم ماجد و يسري فودة.
اتسم التحرك السعودي في المنطقة بمحاولة إطفاء الحرائق اقتصاديا وسياسيا، وأخرها تواجد عادل الجبير في تونس لدعم اتفاق الصخيرات بين الفرقاء الليبيين، وقبلها التقارب مع تركيا لإنقاذ ما يمكن إنقاذه في سوريا، خصوصا بعد أن قررت روسيا إخلاء المعركة من أمراء الحرب (القنطار، وزهران علوش) مثالا، وبالتالي التوصل لحل سياسي مفصل روسيا ينسف جنيف 1 وفيينا واتفاق المعارضة بالرياض، ولا يمكن أن ننهي السنة دون المرور على التحالف الإسلامي ، والذي يبدو رائعا على مستوى الفكرة، ملئ بالعراقيل على مستوى التنفيذ على الأرض.
عراقيا داعش نجحت في تحييد المالكي وجلب العبادي “جورج سيدهم”، وهو شبيه بوضع اليمن رحيل الديكتاتور ليأتي نائبة المضحك، ستنجح العراق في تطهير أراضيها من داعش قريبا بفضل الدعم الغربي، والذي لا يريد موطأ قدم لروسيا في العراق، ولكن للأسف الرمادي وباقي المناطق السنية أصبحت مقابر لم تردم.
أ. عبدالله آل حامد
الملك سلمان وتدشين مرحلة جديدة
عام مضى كان فراق الملك عبدالله أكثر اللحظات ألما لأننا شعرنا بإرادة حقيقية نحو التغيير واستراتيجية عظيمة في استثمار العقول والانفتاح والتثاقف مع العالم بشكل أكبر وكبح جماح من يخوفوننا بالدِين لغلق كل أفق للحياة والمعرفة خدمة لهوى النفس وليس للإسلام و منح الدعم والثقة لكثير من المؤسسات وأنهى سياسة الانغلاق والرأي الأحادي.
و حل عصر الملك سلمان من عرفناه العارف بكل تفاصيل السعوديين وقبائلهم ومدنهم ومجالسهم الذي كان حجر الزاوية وصمام الأمان لعلاقة العائلة المالكة مع الشعب ورجل المؤسسات وصديق الصحفيين وكان ولازال لمجلسه مساحة للتاجر والاقتصادي والمثقف والأديب والداعية ليدشن لمرحلة جديدة من جمع شتات القلوب والعقول وإخماد الصراعات الايدلوجية وأستنهض بعزمه إرادتنا في حرب لا مفر منها كنّا دفعنا أغلى الأثمان لعقود في سبيل تجنبها ورسخ لحقبة جديدة من تاريخ الحكم السعودي بشباب قادرين بإذن الله على تحقيق الاستقرار لعقود قادمة .واليوم نستشرف العام القادم بتحديات اقتصادية تمس عيش الفرد برؤية جديدة نحو صناعة ثقافة عمل حقيقية منتجة وإحياء روح المبادرة ليتحول الفرد من باحث عن عمل إلى صانعا للعمل والموظف الذي سكب قلمه وعصارة فكره على دفتر الحضور والانصراف ليدرك أنه يملك فرصة يحلم بها الآلاف وليس أمامه الا أن يعض عليها بالنواجذ.
ولكن حان الوقت ليكون للشباب مظلة ناجعة تجمع أفكارهم وتشاركهم أمالهم تحارب التطرّف وتجمع شتات جهود مبعثرة بين الوزارات والمؤسسات ومراكز الفكر والمعرفة يجب أن يستمر تعليمهم تدريبهم وتأهيلهم يجب أن تتهيأ وسائل الترفيه وفتح الأندية والمنشآت الثقافية والرياضية والفنية لإبداعاتهم يجب أن يشاركوا في صناعة القرار وأن تسمع أصواتهم بوضوح يجب التمكين لهم وأن يتحملوا مسؤولياتهم تجاه أنفسهم ووطنهم.
أخيرا أقول هناك ثقافة نفتقد لها ونحتاج إشاعتها وهي ثقافة الإيجابية والشعور بالتقدير تجاه المنجزات الوطنية وهو ما سينتج البيئة الحقيقة والدافعية نحو العمل والإنتاج واحترام المقدرات وتنميتها.
أ. عبدالله بن كدسه
عام 2015 وأحداث متلاحقة
لعل الكتابة عن الأحداث بعد مرور الزمن والخروج من أجواء الحدث والمعلومات الآنية المتوفرة والعاطفة تكون أدق وأصدق.
وحيث أن الأحداث كثيرة وتختلف حسب القرب منها والاهتمام بمتابعة تغطيتها ومعرفة مستجداتها .. اخترت مجموعة أرى أنها كانت الأكبر والأهم والتي سيكون لها أثر على الوقت الحاضر والمستقبل.
١. وفاة الملك عبدالله :
لا يمكن أن نتجاهل هذا الحدث حين ذكر هذا العام .. وتقييم هذا العهد حين معاصرته بلا شك سيختلف حين مرور الوقت ومعرفة البدائل .. تقييم المرحلة بموضوعية مطلب مهم للتراكم المعرفي والتجربة البشرية.
٢. الملك سلمان :
منذ الليلة الأولى من تولي الملك سلمان مقاليد الحكم بدا واضحاً سياسة القيادي والاداري في سرعة اتخاذ القرار في كثير من الملفات .. في ليلته الأولى حسم موضوع تتابع الحكم واختار الأمير محمد بن نايف كأول أحفاد الملك عبدالعزيز لولاية ولاية العهد ثم ولياً للعهد بعد ذلك .. ثم القرارات الملكية الأولى والتي بدأت بحل المجالس العليا في الدولة .. ثم إنشاء مجلسي الشؤون “السياسية والأمنية” و “الاقتصادية والتنمية” وغيرها من القرارات.
٣. دخول الأمير محمد بن نايف كأول شخص من الجيل الثاني في الأسرة الحاكمة :
هذا القرار بعث الاستقرار في نفوس السعوديين كما أسكت كثيراً من أصحاب الفتنة الذين يدندنون على هذا الموضوع في كل مناسبة.
٤. مجلس الشؤون الاقتصادية والتنمية :
أتى هذا المجلس كإصلاح إداري يعزز الرؤية العامة لكل الوزارات بحيث تتكامل الوزارات والمؤسسات الحكومية فيما بينها في المشاريع المشتركة ويرتفع مستوى التنسيق بين الوزراء .. متى قد سمعنا في تاريخ الدولة أن يأتي وزير يعرض أمام الوزراء جميعاً وضع وزارته وخطته ومشاريعه ويناقشه الجميع بكل شفافية حتى يتم الاتفاق على خطة الوزارة ثم تتم المتابعة من المجلس على كل وزير .. هذا الإجراء البسيط يحتاج إلى مرونة وفكر شاب يدفعه شغفه للعمل وحب الوطن أن يعمل ويبدع دون كلل أو ملل.
٥. دمج وزارتي التعليم العالي والتربية والتعليم :
أعتقد أن فعالية هذا القرار لم تتضح بعد .. بل أستطيع القول أنه إلى الآن لم ينجح ولعل ذلك يكون أوضح هذا العام .. أما المضي في هذا القرار أو إلغاءه.
٦. عاصفة الحزم :
أتى إعلان هذه الحرب وكأنه يوم وطني ثاني للسعوديين .. استعادوا فيه شعورهم الوطني وعزتهم وشموخهم واعتزازهم بقيادتهم .. شعور القوه والعزة بعد الانكسار والذلة.
٧. تنحي الأمير مقرن ودخول الأمير محمد بن سلمان كرجل ثالث في الدولة :
أتى هذا الخبر بكل هدوء وتمت البيعة للأمير محمد بن نايف كولي للعهد والأمير محمد بن سلمان كولي لولي العهد .. دخول شاب ثلاثيني طريق الحكم يبعث للطمأنينة ويعيد تشبيب الدولة ويعزز من نشاط الحكومة ويجعل رؤيتها حديثة أكثر عصرية ..
كانت تحتاج الدولة من يعيد الرؤية في طريقة إدارة البلاد وتجديد الأنظمة وتحديثها بما يتناسب مع العصر .. وتحتاج كذلك لنشاط الشباب وحيويتهم ورغبتهم في تحقيق ذواتهم من خلال خدمتهم لوطنهم وترك بصمة يذكرها التاريخ .. هذا القرار الجريء والمؤثر سنلامس نتائجه قريباً ولعل ملامحها بانت.
٨. إعفاء وزير الصحة بعد تداول مقطع مع مواطن :
لم يسبق أن تفاعلت الدولة من أعلى سلطة بما يدور في وسائل التواصل الاجتماعي .. أدركت الدولة حجم تأثير الرأي العام الذي يمكن وبسهوله معرفته من خلال متابعة وسائل التواصل الاجتماعي .. كان هذا الحدث نقطة أضافت شعبية كبيرة للقيادة الجديدة.
٩. وفاة عراب الدبلوماسية سعود الفيصل :
لا يمكن تجاهل هذا الحدث .. وفاة الأمير سعود كان لها صدى كبير في الشارع السعودي .. توفي رحمه الله بكل ما يحمله من أسرار وتجارب ومعلومات .. رحم الله سعود الفيصل وغفر له وأسكنه فسيح جناته.
١٠. “داعش” تفجير المساجد وقتل الأقارب :
أسلوب جديد إتبعه الإرهابيين في قتل الأبرياء .. استهداف المسلمين في المساجد واستهداف الدواعش لأقاربهم العسكريين .. ظواهر جديدة وغريبة على المجتمع أتى بها هذا العام الحافل.
١١. دخول روسيا عسكرياً في سوريا :
وجود روسيا عسكرياً في المنطقة العربية يبعث إلى القلق .. كانت أمريكا وحدها تجرؤ على الدول وتتدخل عسكرياً باسم القوة .. وها هي روسيا تفعل ذات الأمر الآن وأخشى أن تتجرأ على غيرها من الدول باسم القوة كذلك.
١٢. التحالف الاسلامي :
٣٤ دولة انضمت إلى التحالف الاسلامي الذي تقوده الرياض .. في إشارة إلى توزيع مراكز القوى في العالم .. فإن لم تكن ذئباً أكلتك الذئاب.
١٣. دخول المرأة مجالس البلدية :
هذا حدث يشير إلى تغيير في تشكيل القناعات الاجتماعية والدينية لدى السعوديين .. ولا أعلم من أشكر .. هل أشكر التعليم أم الاعلام أم برنامج الابتعاث أم وسائل التواصل الاجتماعي.
على كل حال نحن نسير في الطريق وأشعر كشاب بتفاؤل كبير للمستقبل .. وأعتقد بأن عنوان المرحلة القادمة هو تمكين الشباب للقيادة مع مشورة أصحاب الخبرة والعلم والمعرفة .. هذه هي الخلطة الناجحة.
أ. كوثر الأربش
من نافذة امرأة يهمها الوطن، يهمها الإنسان
وفاة الملك عبدالله بن عبدالعزيز آل سعود:
عرفت المملكة مفهوما ساميًا عن الحاكم الوالد، حقبة من الالتفاف حول القيادة برضا وبفخر، سوى بعض معاقي الضمير ممن يحبون أن تشيع الفوضى في البلاد، من يكرهون السلام
مبايعة الملك سلمان بن عبدالعزيز ملكًا للسعودية:
رجل المرحلة، عرف أن قلب البلاد يستهدف من أطرافه، اتجه بحزمِه صوب الجهات. لهؤلاء الذين يمتلكون رغبة شيطانية لأن تكون المملكة فاقدة للسيادة: هيهات، وسلمان في الواجهة..
تعيين ولي وولي العهد:
ابتداء لحنكة الحزم: رتب البيت السعودي، بدءًا من هرم القيادة، وهنا يتجلى الإلمام السياسي، والحنكة. أمان المملكة ليس فقط بقطع يد الطامعين في الخارج، بل بتأمين رجل مناسب لكل منصب ومهمة.
الحزم وإعادة الأمل:
لأن مصافحة العدو وتقديم أرضك رخيصة له خسة، لأن نصرة الجار إيمان، كانت عاصفة الحزم كرامة لكل سعودي، أخوة لكل يمني، فخر لكل عربي ومسلم. درس في العزة لكل إنسان!
رصاص، وقنابل:
الدالوة، القديح، العنود، عسير، نجران، سيهات.. دموع ودماء. وبلاد يستهدفها عدو الله ويضربها بيد أبنائها!
سعود وسعود:
الفيصل والدوسري، رحيل مؤلم لرجلين أحبهما الجميع، أحبهما الوطن قبل كل شيء
حادثة سقوط رافعة الحرم:
الأخطاء تحدث، لكن المتربصين بنا شراً، تركوا المأساة الإنسانية وشمتوا وحرضوا ضد البلاد التي حفل تاريخها بحماية متفانية لبيت الله. أعني إيران، ومن غيرها يختبئ كحرباء تنتظر الفرائس السهلة؟
حادثة تدافع منى:
أرواح أزهقت، على وجه السرعة قامت المملكة بتدارك الموقف، ودراسة الأسباب وإعلانها بشفافية. العالم يتعاطف، ويترحم على الدماء المسافرة لله، وإيران تستكمل حكاية خستها!
تكفى يا سعد:
داعش تختطف عقول أبنائنا، تسلبهم التفريق بين وطنك وجهنم! بين أن تفلح أرضا وتحيي الناس، وبين أن تقتل ابن وطنك، ابن قريتك، أخيك، خالك، وأبيك أيضا!
مشاركة المرأة في انتخابات البلدية:
17 مقعدًا كان في انتظار المرأة السعودية، حقبة تكمل حقب تمكين المرأة. والقادم أجمل
ميزانية 2015
عجز أقل من المتوقع، واتجاه لبدائل النفط اقتصاديًا. بين غضب وتأييد، استقبل السعوديون حلول القيادة. وأقول: القوة ليست أن لا تواجهك المصاعب، لكن في تحويل المصاعب لفرص تعلم ونجاح، دولتنا فتية، ونحن نتعلم
روسيا الحمراء وإيران وبشار وداعش وفرنسا ونحن!
سوريا، أصبحت حلبة لمسابقة كشف الأقنعة، من يريد لسوريا استعادة سيادتها؟ من يريد استحلاب سوريا؟ من ينقذ أطفالها، من يبني مصالحه على مفاصل الأطفال المتورمة من صقيع الشتاء؟
التحالف الإسلامي:
غرفة عمليات مقرها الرياض، 35 دولة متفقة على محاربة الإرهاب. كان صفعة في وجه إيران وداعش وحزب الله. بيانات مضحكة وفرائص ترتعد..
ألان كردي:
الطفل الذي أوجعني كثيرًا، الذي هرب من الموت ليعثر عليه العالم في أحضان الموت.
محمد ابني، ضيف الله القرشي:
لن ننساكم، لأجلكم سيكون 2016 موطن نضالنا، لئلا تبكي الأمهات أكثر.
د. خالد الرديعان
مداخلة ختامية (سنة 2015 ليست ككل السنوات)
عندما يتقدم الأنسان في السن فإنه يتوق للحصول على وقت للراحة بعد أن يكون قد أنهى كثيرا من الأمور العائلية وبعد رحلة طويلة مع العمل والكد والشقاء تناهز الثلاثين أو الأربعين عاما معظمها لم تكن سعيدة بسبب طبيعة عيشنا في منطقة ملتهبة من العالم… منطقة يتطلع لها كل العالم شرقا وغربا… هكذا هو قدرنا وهكذا أراد لنا الله أن نكون في وسط العالم وفي قلب الأحداث.. نتقدم بالسن وتعركنا الحياة ونحن لما نشعر بعد بالراحة أو الطمأنينة التي رسمناها في أذهاننا عن سنوات ما بقي من العمر.
مع ذلك فإنه لا يجوز شرعا سب الدهر والسنون.. حتى لو كانت سنواتنا عجافا ومليئة بالمآسي والأحداث المقلقة..
وبالحديث عن سنة ٢٠١٥ تحديدا فإنني أقول إنها ليست سنة سعيدة على الإطلاق… هي ليست ككل السنوات …. هي سنة سياسية بامتياز؛ فقد كانت مليئة بالأحداث الدراماتيكية المتسارعة.. ومعظمها أحداث مزعجة؛ فوتيرة الأعمال الإرهابية كانت بازدياد، والحرب ضد الحوثيين على أشدها وليس هناك ما يشير إلى توقفها، والقضية السورية اتجهت نحو مزيدا من التعقيد والتدويل ولم يلح بالأفق ما يشير إلى حل جذري لهذه المعضلة التي بلغت عامها الخامس في ظل ازدياد أعداد المهاجرين والقتلى والجرحى من السوريين.
وسنة ٢٠١٥ هي السنة التي قويت فيها شوكة داعش ومن ثم ازدياد المخاوف من تداعيات هذا البزوغ على جميع الأصعدة.
سنة ٢٠١٥ هي سنة هبوط أسعار النفط الأمر الذي سينعكس تأثيره علينا في دول الخليج ولعدة سنوات قادمة دون أن يلوح في الأفق ما يشير إلى ظهور بدائل للنفط تجعلنا نطمئن على مستقبل أبنائنا ومن سيأتون بعدنا. وأخشى ما أخشاه أن تلعننا الأجيال القادمة لأننا لم نترك لهم شيئا يستحق المحافظة عليه. حتما سينعتوننا بالفاسدين والمترفين والأنانيين والمهايطين وسيكتبون عنا كلاما كثيرا لحسن الحظ أننا لن نقرأه.
سنة ٢٠١٥ هي سنة بلوغ الحروب الطائفية والمذهبية أوجها في عالمنا العربي بسبب أن كل منا يدّعي أن الله معه وأن الشيطان مع خصومه أو أنهم هم الشيطان.
المحور السادس
الخصخصة: التحديات ومتطلبات النجاح في الواقع الراهن
الورقة الرئيسة: د. حمد التويجري
يعرف التخصيص ، والذي يطلق عليه أسماء أخرى مثل الخصخصة أو الخوصصة أو التخصصية ، بأنه انتقال الملكية أو الإدارة التشغيلية لمؤسسات القطاع العام إلى القطاع الخاص ، جزئيا أو كليا .
إن التخصيص لا يعني فقط انتقال الملكية من القطاع العام إلى الخاص وإنما قد يتم بقيام القطاع الخاص بإدارة أو تشغيل بعض الأجهزة الحكومية أو قيام القطاع الخاص بتقديم بعض الخدمات أو الأنشطة الاقتصادية التي يقوم بها القطاع العام . وبالتالي فإن التخصيص يهدف إلى تقليص دور الدولة في النشاط الاقتصادي . ولقد تعددت الطرق والأساليب التي انتهجتها الحكومات في تخصيص المؤسسات والمشاريع العامة حيث تتراوح بين النقل الكامل أو الجزئي للملكية أو نقل إدارة المنشآت العامة للقطاع الخاص أو أساليب أخرى تهدف إلى تشجيع القطاع الخاص و الرفع من نسبة مساهمته في الاقتصاد الوطني .
ظهر التوجه نحو التخصيص في القرن الماضي بسبب فشل القطاع العام في العديد من دول العالم في تحقيق الأهداف الاقتصادية و الاجتماعية التي تسعى المجتمعات إلى تحقيقها . وقد زادت القناعات بأهمية تطوير المؤسسات العامة وتحسين إنتاجيتها لتخفيف العبء عن الأجهزة الحكومية وتوجيه جهودها نحو الوظائف الأساسية لها . بالإضافة إلى تخفيف العبء عن ميزانية الدولة الناشئة بسبب دعمها المستمر للمشروعات العامة التي يحقق معظمها خسائر كبيرة نتيجة سوء الإدارة وانتشار البيروقراطية في الأجهزة الحكومية . وقد تدرجت الدول في سياسات التخصيص بدءا من إصلاح الأنظمة القائمة وتهيئة المناخ والبيئة الملائمة لقيام القطاع الخاص بدور فعال في الاقتصاد ، إلى السماح له بالمشاركة في بعض الأنشطة التي كانت محصورة على القطاع العام ، ثم أصبح القطاع الخاص يقوم بإدارة وتشغيل العديد من المشروعات العامة ، وأخيرا قامت بعض الدول ببيع المشروعات العامة إلى القطاع الخاص.
ويمكن عرض الأسباب الرئيسة التي أدت إلى ظهور سياسات التخصيص في الكثير من الدول حسب التالي :
ضعف أداء المنشآت العامة وعدم نجاح الحكومة في القيام بدور رجال الأعمال الناجح .
تخفيض و ترشيد المصروفات الحكومية .
رفع كفاءة الإنتاج وتحسين الأداة : تعتبر فرضية أن القطاع الخاص أكفأ من الدولة في إدارة المؤسسات الإنتاجية أحد أهم مبررات التخصيص . إن إدارة القطاع الخاص للمشاريع وفق معايير الربح والخسارة يحقق التوظيف الأمثل لعناصر الإنتاج ، ويعمل على توسيع الطاقة الإنتاجية للاقتصاد المحلي .
زيادة دور القطاع الخاص في الاقتصاد المحلي : تسعى الحكومات إلى إعطاء دور أكبر للقطاع الخاص في النشاط الاقتصادي وزيادة نسبة مساهمته في إجمالي الناتج المحلي وتوفير فرص متعددة للاستثمار لتحفيزه بهدف توفير المزيد من فرص العمل.
فتح مجالات جديدة للاستثمار الوطني : يساعد التخصيص على توسيع قاعدة الاستثمار وجذب رؤوس الأموال الأجنبية ومن ثم إيجاد فرص عمل جديدة و كذلك جذب التقنية الحديثة و توظيفها .
توفير موارد مالية للحكومة . وإن كان توفير هذه الأموال يقدم حلولا قصيرة الأجل لمعالجة العجز في الموازنة العامة ولذلك يجب أن لا يكون هذا المبرر هو الهدف من التخصيص .
هناك عدة اعتبارات يجب على القائمين على عملية التخصيص أخذها في الحسبان لضمان نجاح عملية التخصيص . ويمكن إيجاز أهم تلك الاعتبارات التي يعتمد عليها نجاح سياسة التخصيص كما يلي :
قناعة الدولة بسياسات التخصيص : يجب أن يكون قرار الحكومة باتباع سياسات التخصيص نابعا من اعتقادها بأهمية هذه السياسات لتحقيق معدلات تنمية عالية ورفع الكفاءة الإنتاجية وإصلاح الخلل في هيكل الاقتصاد إن وجد . ويلاحظ أهمية القناعة بسياسات التخصص من خلال النظر إلى نجاح هذه السياسات في الدول المتقدمة التي اقتنعت بأهمية هذه السياسات قبل تطبيقها ، بينما لم تنجح هذه السياسات في الدول النامية لتخوف الكثير من حكوماتها من أن تؤدي هذه السياسات إلى مكاسب فردية لبعض منشآت القطاع الخاص على حساب التضحية بالعدالة الاجتماعية .
تكامل سياسات التخصيص مع سياسات الإصلاح الاقتصادي : يجب أن تكون سياسات التخصيص جزءا من السياسات العامة للدولة التي تهدف إلى تحقيق الإصلاح الاقتصادي ورفع معدلات التنمية الاقتصادية والاجتماعية وإصلاح الاختلالات الهيكلية في الاقتصاد الوطني . ويرجع نجاح عملية الخصيص في الدول المتقدمة إلى تزامنها مع توافر أسواق متكاملة ، وتوافر مناخ ملائم للاستثمار ، وتوافر حرية اقتصادية ومن ثم زيادة كفاءة المشروعات .
إقناع المواطنين بأهمية عملية التخصيص : يتطلب نجاح عملية التخصيص إظهار المزايا التي تعود على المواطنين والنشاط الاقتصادي والتنمية الاقتصادية من وراء عملية التخصيص .
توخي الدقة في اختيار المشروعات والأنشطة التي يتم تخصيصها.
دراسة حجم السوق وحجم الموارد المالية .
تحديد توقيت انطلاق عملية التخصيص .
وضع برنامج زمني للتخصيص: يعتبر وضع برنامج زمني مدروس ومرن لعملية تخصيص المشروعات العامة أمر ضروري لسلامة المناخ الاستثماري ولنجاح عملية التخصيص .
تطوير التشريعات : يتطلب نجاح واستمرار عملية التخصيص تطوير التشريعات الخاصة بحقوق الملكية والعمل والأسواق المالية .
وعلى الرغم من فوائد التخصيص في رفع الكفاءة الاقتصادية وزيادة الاستثمارات ورفع معدل النمو الاقتصادي إلا أن البعض يتخوف من أنه قد يؤدي إلى ارتفاع الأسعار نتيجة حرص المنشآت الخاصة على تعظيم أرباحها، وكذلك تسريح الموظفين وزيادة البطالة، بالإضافة إلى إعادة توزيع الدخل لصالح الأغنياء.
وقد أعلنت المملكة العربية السعودية توجهها نحو التخصيص كجزء من السياسات التي اتخذتها الدولة بهدف تحقيق الإصلاح الاقتصادي ورفع الكفاءة وتحقيق الاستغلال الأمثل للموارد . وتبنت خطط التنمية سياسات التخصيص والمتمثلة في زيادة دور القطاع الخاص في الاقتصاد الوطني الهادفة إلى تعزيز معدلات نموه وتهيئة المناخ الاقتصادي المناسب له لبناء قاعدة إنتاجية قادرة على المنافسة في ظل التوجهات الحديثة نحو العولمة . وقد أكدت خطتا التنمية السادسة و السابعة على أن التخصيص هو أحد الأهداف الرئيسة للسياسات الاقتصادية من خلال التأكيد على الاستمرار في دعم القطاع الخاص وفتح المجال له لمزاولة الكثير من الأنشطة الاقتصادية في الدولة . وقد أكد قرار مجلس الوزراء رقم (60) في عام 1418هـ على استمرار نهج التخصيص من خلال إيجاد بيئة اقتصادية ملائمة للاستثمار واشراك القطاع الخاص في العديد من الأنشطة التي يتم خصخصتها .
ولقد بدأت العديد من الأجهزة الحكومية في إجراءات التخصيص . حيث أصبح القطاع الخاص يقوم بتشغيل العديد من المستشفيات الحكومية والمرافق البلدية ومرافق المؤسسات العامة للموانئ بالإضافة إلى صيانة العديد من المنشآت العامة. كما أن القطاع الخاص يقوم بإنشاء وتمويل العديد من المرافق التعليمية بتكليف من وزارة المعارف والرئاسة العامة لتعليم البنات . ويساهم القطاع الخاص في توفير التعليم العالي من خلال انشائه بعض الكليات الأهلية المتخصصة .
و تم إنشاء شركة الاتصالات السعودية ودمج شركات الكهرباء وبدأ تخصيص شركة الخطوط السعودية.
وقد جاء اعلان سمو ولي ولي العهد عن توجه الدولة إلى تخصيص العديد من المشروعات والمؤسسات الحكومية وفي مقدمتها شركة أرامكو السعودية للتخصيص كجزء من برنامج التحول الاقتصادي ليدعم توجه الدولة نحو التخصيص.
وفي الأخير نتمنى أن يؤدي هذا التوجه إلى إعادة هيكلة الاقتصاد السعودي و رفع كفاءته.
تعقيب: أ. أسامة كردي
لعل أهم سمات التخصيص المعروفة عالميا هي تحويل الهيئات الحكومية المرشحة للتخصيص إلى شركات ثم بيعها للقطاع الخاص مع فتح الباب لمنافسة هذه الشركات و الهدف هنا أنه من المتوقع أن التخصيص سيحسن نوعية المنتج أو الخدمة و يخفض سعرها ( و هنا بعض المزايا للمواطن ) مما يؤدي إلى ارتفاع الطلب عليها و بالتالي فتح فرص جديدة للاستثمارات في القطاع المعني .. و لعل تخصيص شركة سابك جزئيا ثم الترخيص لشركات منافسة لها مثال حي.
و لعل من أكبر معوقات التخصيص هو الوضع المرحلي للقوى العاملة التي تحتاج الشركة الجديدة إلى التخلص منها مرحليا قبل ارتفاع الحاجة لها مستقبلا في الشركة المخصصة أو الشركات المنافسة الجديدة باعتبار ارتفاع الطلب المتوقع على المنتج أو الخدمة.
أصدرت الحكومة السعودية استراتيجية للتخصيص منذ عدة سنوات مع تحديد ٢٠ قطاعا مرشحة للتخصيص و كانت هناك قصص نجاح في تطبيق هذا الاستراتيجية كما هو الوضع في قطاع الطيران المدني ولكن في الغالب لم يتم تنفيذ هذه الاستراتيجية أو تم مخالفتها مما هو مثال نظام ساهر بل في بعض الحالات تم عكس التخصيص التشغيلي للمستشفيات عندما اعتمدت الحكومة مبدأ التشغيل الذاتي بديلا لتشغيل القطاع الخاص ( و يفسر هذا ما ذكره د. حمد في ورقته أعلاه حول الحاجة إلى قناعة الدولة بشكل كامل بسياسات التخصيص ).
كانت حكومة تاتشر البريطانية من أوائل الحكومات التي تبنت التخصيص كسياسة حكومية تم تطبيقها بنجاح كبير و لكن يبدو أن تخوف القطاع العام من فقد سيطرته على الأجزاء المخصصة أدى مؤخرا إلى ظهور شكل جديد للتخصيص أطلق عليه ( الشراكة بين القطاع العام و الخاص ).
و من متطلبات التخصيص أن تكون هناك هيئة متخصصة لإدارة أعمال التخصيص ووضع جدوله الزمني لا أن يترك الأمر إلى كل جهة لتخصيص نفسها و من الأمثلة على ذلك تأخر تخصيص خدمات المياه في المملكة حتى بعد إنشاء شركة المياه الوطنية.
ولا بد هنا من التأكيد على أهمية تركيز إجراءات التخصيص على الأفراد المستثمرين لتنويع قاعدة المستثمرين و التأكد من عدم تجمع الأسهم مستقبلا لدي المحتكرين تطبيقا لنظام المنافسة و بالذات في الشركات التي تؤدي خدمات للمواطنين بشكل عام مثل المياه و ما شابهها.
تعقيب: د. ناصر القعود
عرض د. حمد التويجري لمفهوم التخصيص و الأسباب الداعية له و شروط و متطلبات نجاحه وتناوله لتجربة المملكة في التخصيص ، وذكره لنماذج متعددة تم تخصيصها .
وختم بالإشارة إلى حديث سمو ولي ولي العهد حول التوجه لدراسة تخصيص شركة أرامكو السعودية .
وانطلاقا من ذلك أود أن أضيف النفاط الآتية :
بعد نشر ما ورد في مقابلة سمو ولي ولي العهد الأمير محمد بن سلمان مع مجلة “الإكونوميست ” بشأن إمكانية طرح جزء من شركة أرامكو للاكتتاب و أن ذلك قيد الدراسة ، حظي الخبر باهتمام واسع من وسائل الإعلام المحلية والعالمية ، و كثرت التعليقات والأطروحات، المتأني منها و المتعجل، وذلك لما تمثله شركة أرامكو السعودية من مكانة و تأثير في سوق البترول و كونها أكبر شركة نفط في العالم .
أصدرت الشركة توضيحا ذكرت فيه أنها بدأت منذ فترة بدراسة عدة خيارات تتضمن طرح حصة من أصول الشركة مباشرة أو من خلال طرح مجموعة من مشاريعها للاكتتاب في عدة قطاعات وبالأخص قطاعي التكرير والبتروكيماويات . و أكد كل من رئيس مجلس إدارة أرامكو المهندس الفالح والرئيس التنفيذي للشركة المهندس أمين الناصر على ذلك ، موضحين أن هذه الخيارات مازالت في مرحلة الدراسة و نتائج الدراسة ستعرض على مجلس الإدارة و من ثم على المجلس الأعلى للشركة ليتخذ القرار المناسب في ضوء نتائج الدراسة .
طرح الشركات التي تملكها الحكومة ليس أمرا جديدا ( سابك ، الاتصالات ، على سبيل المثال ) و هو ما أشار إليه د. حمد . الجديد أنه يتعلق بأرامكو و أنه جاء ضمن برنامج طموح للتحول الوطني بهدف المزيد من الإنتاجية والكفاءة في الاقتصاد و تنويع مصادره .
ارتباط شركة أرامكو بالنفط و عدم الوضوح للبعض عن ماهية الأصول التي تملكها أرامكو و الخلط بينها وبين ملكية الموارد الطبيعية داخل الأرض التي تملكها الدولة و ليست الشركة أضاف اهتماما جماهيريا بالموضوع .
مما يجدر التأكيد عليه أن أي تخصيص للشركة الأم أو بعض وحداتها لا يعني بأي حال من الأحوال تخصيص احتياطيات النفط والغاز التي هي ملك للدولة بحكم السيادة .
شركة أرامكو قبل و بعد تملكها من الحكومة تدار على أسس تجارية و بكفاءة عالية في مختلف قطاعاتها ، وموكل لها وفق اتفاقيات مع الحكومة تولي مختلف مراحل الإنتاج من المنبع إلى المصب . تحصل الحكومة على حوالي ٨٥ في المئة من الإيرادات النفطية من خلال الضرائب والريع بحكم تملكها للموارد داخل الأرض ، و تحصل كذلك على صافي دخل أرامكو السعودية بحكم ملكيتها للشركة.
دخلت أرامكو في شراكات عالمية في مشاريع التكرير داخل و خارج المملكة وفي مشاريع البتروكيماويات ( بترورابغ المدرجة في السوق المالية ) و مشاريع الكيميائيات ( صداره غير المدرجة) . و هذه القطاعات قد تكون الأحرى بالتخصيص في المرحلة الأولى .
أي خيار يتم تبنيه سيكون فرارا نوعيا ، له آثاره على التنمية الاقتصادية و زيادة الاستثمارات في الاقتصاد الوطني وعلى السوق المالية. و من السابق لأوانه الحديث عن ذلك بتفصيل أوسع حتى تتضح الخيارات وآليات تنفيذها والأنظمة التشريعية اللازمة لها .
تعقيب: د. محمد سالم الصبان
إعادة إحياء فكرة التخصيص في هذا الوقت بالذات مهمة جدا. فالدولة أصبحت تقوم بالدور الإنتاجي لكثير من الخدمات العامة وهي حتما ليست الاكفأ في إدارتها، وكم من ضياع وهدر للأموال تم في هذا المجال، وكم من ضعف ونقص في تقديم هذه الخدمات دون محاسبة أو مساءلة.
فكرة التخصيص بدأت لدينا منذ نشأة المجلس الاقتصادي الأعلى برئاسة ولي العهد وقتها الملك عبدالله رحمه الله. وكانت أسعار النفط منخفضة، وحددت قائمة بالمرافق التي يجب تخصيصها. وكنت عضوا في المجلس وشكلت لجنة وزارية لتفعيل التخصيص، وبدأنا في تخصيص شركة الاتصالات.
وما أن تحسنت أسعار النفط في ٢٠٠٥ ، إلا ورأينا تباطؤا شديدا في الموضوع وحولت اللجنة الوزارية إلى لجنة مصغرة على مستوى وكلاء الوزارات برئاسة أمين المجلس الاقتصادي وقتها. ولم تحرك ساكن.
العودة الآن مهمة لأنها تأتي في ظل حراك كبير على مستوى مجلس الشئون الاقتصادية والتنمية وفي إطار إصلاحات اقتصادية شاملة وسريعة.
وبتعريف قائمة التخصيص المقترح يتضح اختلاف الهدف عن ذي قبل. فمثلا لا يمكن اعتبار جميع ما في القائمة يهدف إلى زيادة العوائد الحكومية ولو أن ذلك سيحدث. فعلى سبيل المثال الإعلان بتخصيص جزء من أرامكو أحدث ضجة عالمية وتساؤلات حول السبب في تعريض بقرتنا الحلوب للتخصيص المحلي والدولي وتدريجيا تفقد الحكومة نسبتها الغالبة في الأسهم ويضعف دورها الدولي.
لكن من قرأ مبررات هذا التخصيص لأرامكو من الأمير محمد بن سلمان يجد أنه وغيره غير راضين عن مستوى أداء الشركة وكفاءتها، وأن السمعة الجيدة عن الشركة تغلفها الضبابية التي تعيش فيها، ولم يستبعد الأمير محمد وجود فساد في الشركة وضرورة تصحيحه، والذي لن يحدث إلا بشفافية التخصيص التي تفرض على الشركة.
محاذير كثيرة على التخصيص، ولابد من تهيئة أي قطاع معروض للتخصيص، وتنقيته من الشوائب الحكومية وجعله جاهزا لإغراء العامة من امتلاك حصص فيه وتحرير القطاعات الخاضعة للتخصيص حتى نتجنب الاحتكار المحتمل. ومثال شركة الاتصالات أفضل مثال.
بقيت نقطة وهي حتى لو استمرت الحكومة تمتلك حصة كبيرة في الشركات المخصصة فلا يجب أن تُمارس دور المهيمن ولا يجب أن تملي شروطها وتفرض أعضاء مجلس الإدارة وغير ذلك.
ختاما فأنا متفائل بالخطوة وعلينا مباركتها ودفعها إلى الأمام والاستفادة من تجارب الآخرين في التخصيص.
تعقيب: د. سعد الشهراني
قبل الحديث عن التخصيص في المملكة أريد أن أضيف أن دور الدولة و حجم تدخلها و مستوى التقدم الاقتصادي و التشريعات و النظم الاقتصادية و خصائص كل اقتصاد و قاعدته الإنتاجية و موارده البشرية و الطبيعية و طبيعة المرحلة الاقتصادية هي أمور حاكمة في السياسة الاقتصادية بفروعها المالية و النقدية و التنموية ( و التخصيص جزء من هذه السياسة في بعدها التنموي).
و من هذا المنطلق فإن التخصيص كاستراتيجية اعتمدتها المملكة منذ ما يزيد عن عقدين من الزمن تعثرت في بعض أهدافها و مجالاتها حتى المعلن عنها (تجربة الخطوط السعودية كمثال ) و نجحت في مجالات أخرى (أبرزها الاتصالات السعودية).
و تاريخيا كان تدخل الدولة و حجم القطاع العام في المملكة كبيرا بكل المقاييس بسبب رئيس هو الملكية العامة للنفط (المورد الطبيعي الناضب الذي ربما لم يلعب أي مورد طبيعي آخر مثل ما لعبه في التاريخ الاقتصادي الانساني!) و تزايد إيراداته مما أتاح للدولة بل فرض عليها أن تكون قائدة للتنمية و:
أن تؤسس لبنية اقتصادي حديثة ، وهذا ما تم و يمثل نجاحا تنمويا عظيما بكل المقاييس.
أن تبني قطاعا اقتصاديا خاصا ، و هذا ما تم و يمثل نجاحا تنمويا عظيما آخر (بالرغم من الاشكالات التي نعرفها جيدا).
أن تتوسع في تقديم الخدمات العامة و تعممه في أرجاء هذا البلد القارة، وهذا أيضا يمثل نجاحا تنمويا واضحا (بالرغم من أوجه القصور التي نعرفها).
أن ترفع مستوى الرفاه العام وهذا تحقق أيضا بدرجة واضحة (بالرغم من ظاهرتي الفقر و البطالة و غيرهما ).
زيادة الطاقة الاستيعابية للاقتصاد ( و هذا تم و لكن في اتجاه استهلاكي أكثر منه إنتاجي).
ولقد رافق هذه الانجازات ترهل و مستوى إداري ضعيف في القطاع الحكومي و إشكالات تمثلت في ظواهر الفقر و البطالة و الفساد و ارتفاع تكاليف المعيشة.
و الحديث عن النجاحات و الاخفاقات التنموية يطول و هو حديث متشعب و هذا ليس مكانه و لكن أساس الاخفاقات كلها كان و لايزال :
الفشل الذريع في الانعتاق من متلازمة الدولة الريعية – الرعوية التي رسخت الاعتمادية المركبة : اعتماد الإيرادات العامة على النفط و اعتماد الاقتصاد و القطاع الخاص على الانفاق العام و بالتالي على الدولة (في كل ما سبق و ما يلحق ، الدولة تعني الحكومة و الحكومة تعني السلطة التنفيذية).
من ما سبق يمكن استنتاج ما يلي:
حجم تدخل الدولة كان كبيرا و متزايدا خلال العقود الماضية.
القطاع الخاص (الذي دعم دعما لا مثيل له في التاريخ الاقتصادي العالمي!) لم ترتفع نسبة مساهمته في الناتج الوطني و لا في توليد الفرص و توظيف اليد العاملة الوطنية و لا مساهمته كمصدر للإيرادات العامة (من خلال نظام ضريبي كفؤ و مرن و عادل ) و هذا لا يتناسب مع حجم و نوع الدعم الذي قدمته الدولة.
سياسات الدعم و المنح ولدت تفاوتا كبيرا في الدخول و الثروات.
لم تتكون لدينا طبقة عمالية منتجة بل تحولت معظم اليد العاملة الوطنية إلى موظفين حكوميين و إداريين و هامشيين في القطاع الخاص (و لهذا أبعاد مصلحية حقوقية و تنظيمية مدنية لا مكان لها هنا).
تنامي الظاهرة الاستهلاكية بشكل مؤذ و مزعج و دخول طفيلية للطبقة الغنية و دخول محدودة و إنتاج متدن لليد العاملة الوطنية.
في أدبيات المالية العامة (و اقتصاديات العرض و الاقتصاد الحر و اقتصاديات السوق) يتم الحديث عن مفهوم الدولة الحارسة و هي الدولة التي تقدم الخدمات الأساسية التي كانت السبب و المبرر لوجود الدول و الحكومات: العدل والأمن و الدفاع و ما في حكمها و هذه الدولة هي أقل الدول تدخلا و تأثيرا في الاقتصاد و القطاع العام في هذا النوع من الدول هو الاصغر و هذه هي دولة ادم سميث و مجايليه و لاحقيه من مفكري الاقتصاد الحر الذين يؤمنون إيمانا عميقا بالحرية الاقتصادية و بقدرة و كفاءة السوق الحر ( مفهوم اليد الخفية و مفهوم دعه يعمل دعه يمر) ، و هذا المفهوم تقادم عليه الزمن بتطور وظائف الدولة المعاصرة خصوصا وظيفة ضمان الاستقرار الاقتصادي.
أما في النظم الشيوعية و الاشتراكية (المسماة سياسيا بالدول الشمولية) فتمثل الدول الأكثر تدخلا و تحكما في الاقتصاد و حجم القطاع العام كبير جدا على عكس النشاطات الاقتصادية الخاصة و هذا ثبت فشله و لم يعد له مكان في مستقبل الإنسانية لأسباب متعددة لعل أهمها أن مثل هذا النظام يتطلب دولة بوليسية تقمع و تسلب الحريات الدينية و السياسية و الاقتصادية و بالتالي هو نظام يحمل في ثناياه بذور فناءه النظام السائد الآن و في هذه المرحلة التاريخية هو نظام الدولة المتدخلة التي تحتل ما بين هذين الطرفين.
الآن من المهم ملاحظة أن :
تدخل الدولة في المملكة كبير جدا و هي تقدم خدمات متعددة و بأسعار متدنية لا تعكس تكاليفها على الخزينة العامة و يمكن للقطاع الخاص أن يقدمها و لكن عندما تتخلى الدولة عن تقديم هذه الخدمات فإن تكلفتها على المواطن ستتضاعف و قد لا تفي الدخول المتوسطة و المحدودة بتلبية حاجات هاتين الطبقتين و هذا مأزق ما لم تكن هناك إعانات لفئات اجتماعية عريضة أكبر من فئات الضمان الاجتماعي الحالية مما يجعلنا نعود من حيث بدأنا.
الملاحظ أن( حمى ) التخصيص تزداد في الفترات التي تواجهنا فيها أزمات مالية عامة فاستراتيجية التخصيص في المملكة ( التي واكبت و لاحقت الفورة العالمية في التخصيص في الغرب بزعامة الثلاثي الغربي المحافظ: تاتشر و ريجان و كول ) جاءت أيضا استجابة لتحدي انخفاض إيرادات النفط و تزايد الدين العام في حينه و جاءت بطيئة و مترددة و مرتبكة إلى حد ما .
و قد كان هناك بعض الجدل حول ماذا يخصص و هل نخصص المؤسسات الناجحة أم الفاشلة؟
الدولة حاليا منغمسة في تقديم خدمتين أساسيتين واستثمرت فيهما مئات المليارات من الريالات خلال العقود الماضية: التعليم و الصحة. و هما تقدمان أيضا من القطاع الخاص جنبا إلى جنب مع ما تقدمه الأجهزة الحكومية .
الحكومة تملك بنية أساسية في هذين النشاطين و يمكن تخصيصهما بأي أسلوب تخصيص (ربما بتأسيس شركات لتقديم خدمات التعليم و الصحة ) و لكن السؤال هو: كيف يمكن للمواطنين أن يدفعوا التكاليف بدخول لا تمكنهم من ذلك (لا ننسى أن الدولة كانت تتحمل هذه التكاليف و أن دخله الضعيف أصلا لا يأتي كله من إنتاجيته المتدنية).
قبل أن نخصص الخدمات الأساسية يجب أن نسال عن العلاقة بين التكاليف و الدخول لفئات عريضة من المواطنين.
( ها نحن نرى أمام أعيننا تداعيات الزيادة في أسعار الوقود و الماء و الكهرباء و هي زيادات لا تغطي التكاليف).
أنا مع التخصيص المدروس بالمنطلقات و الشروط الآتية :
ألا يؤثر التخصيص كثيرا على حياة المواطن و على مستوى معيشته.
أن يستطيع القطاع الخاص و يرغب في تقديم السلعة أو الخدمة المزمع تخصيصها (و هناك شك في ذلك لأنه تعود على النشاطات الطفيلية المربحة و لنتذكر آلاف المشاريع المتعثرة التي بطلاها الإدارة الحكومية الفاشلة و القطاع الخاص المتخم بالفرص الطفيلية المربحة).
أن يؤدي التخصيص إلى تخفيض النفقات العامة.
أن يؤدي التخصيص إلى زيادة الإيرادات العامة من مصادر مستدامة.
أن تقدم الخدمة بكفاءة أفضل من ذي قبل (والتركيز على الخدمات لأنني لا أعلم أن القطاع العام ينتج سلعة في المملكة).
ألا يؤدي التخصيص إلى تركز الثروة و الملكية في أيدي القلة.
أن يكون التخصيص متوافقا و داعما للتحول الاقتصادي نحو اقتصاد صناعي معرفي منتج يقوم على البحث و التطوير و الاستدامة و المنافسة في الأسواق الوطنية و العالمية بمنتجات يحتاجها العالم.
أن تذهب عائدات الخصخصة إلى استثمارات تدر دخولا مستدامة.
ماذا عن خصخصة أرامكو؟
أرامكو عالم غامض بالنسبة لي و لا توجد شفافية و لا معلومات كافية لا عن أصولها و لا عن نفقاتها إلا ما هو متناثر هنا و هناك فهي لا تعلن ميزانيتها العمومية . و لا غرابة فهي في جوهر الأمن الوطني السعودي بكل مقوماته السياسية و الاقتصادية و الاجتماعية بل حتى مقوم القوة (المقوم الأمني و العسكري).
نعرف بعض المعلومات الكلية التي لا تمكن من إبداء الرأي الموضوعي حول ما أعلن عن التوجه لخصخصتها .
الاحتياطيات المؤكدة المعلنة هي في حدود 256 مليار برميل و المحتملة قد تصل إلى 500 مليار و أكثر غير احتياطيات الغاز.
طاقتها الإنتاجية اليومية القصوى المعلنة بين 12 و 13 مليون برميل.
مملوكة ملكية عامة (للدولة النائبة عنا جميعا).
لها خبرة و بنية أساسية متقدمة في الاستكشاف و التنقيب و التكرير و النشاطات الأخرى غير الاستخراج (و لا نقول الإنتاج).
لها خبرة إدارية متميزة و تملك علاقات و أثرا قويا جدا في سوق النفط و الغاز.
لها أصول و شراكات داخلية و خارجية متعددة.
المؤكد (كموقف و رأي شخصي ) أن الاحتياطيات من النفط و الغاز لا يجب أن تكون ضمن منظور التخصيص ففي هذا مغامرة و مقامرة و تعجل اللهم إلا إذا أردنا أن نعود إلى وضع شبيه بعهود الامتياز .
و لا بد من التذكير أن للموارد الطبيعية سعران : سعر معروف هو سعر البرميل في السوق و سعر مقدر للبرميل تحت الأرض و يدخل في تقديره العوامل الجيلية و البيئية و البدائل و أمن الطاقة و الأمن الاقتصادي بل و الأمن الوطني .
و يجب أن نتذكر أيضا أن النفط يلعب دورا مزدوجا في المملكة فهو حتى هذه اللحظة مصدر الدخل الرئيسي و هو في نفس الوقت مصدر وحيد للطاقة و نحن نستهلك ثلث ما ننتج تقريبا لتوليد الطاقة.
كل هذا يجعل حسابات خصخصة أرامكو و تقييم أصولها أمر محاط بكل احتمالات الخطأ في تقدير السيناريوهات المستقبلية.
إذا توفرت دراسات موضوعية شفافة و إذا سنت التشريعات المطلوبة و إذا كانت هناك ضمانات أن عائدات الخصخصة ستوجه لاستثمارات تصبح مصادر دخول متنوعة مستدامة (و ليس لتمويل الميزانية أو مواجهة أزمة المالية العامة) فقد يكون هناك مبرر لخصخصة أرامكو الجزئية.. أما الكلية فلا تبدو لي محتملة و لا مبررة لا اقتصاديا و لا سياسيا.
تعقيب: أ. مطشر المرشد
قدم د. حمد تعريف وافي وشامل للخصخصة وبعض استخداماتها ، أيضا قدم لنا وصف لبعض أساليب الخصخصة: مثل انتقال الملكية ( البيع ) الكامل أو الجزئي ، و خصخصة الإدارة فقط من خلال عقود التشغيل ..
وذكر أن الخصخصة استخدمت بغرض تشجيع القطاع الخاص على المشاركة في تقديم بعض الخدمات التي عادة تقدمها الحكومات لمواطنيها..
واتفق بأن الهدف من عمليات التخصيص هو تخفيض عجز القطاع الحكومي وزيادة الاستثمارات في المؤسسات المخصصة. ومن خلال تطبيق برنامج خصخصة محكم يشجع المنافسة العادلة ، حينها سيستفيد المستهلك خاصة بما يتعلق بتحسين نوعية الخدمات والبضائع، وعادة ما يطرأ انخفاض في أسعار هذه الخدمات والبضائع إذا نجحنا في تطبيق برنامج تخصيص محكم ودقيق. من جانب آخر يشدد خبراء في تقرير صدر عن البنك الدولي عام 1995م أهمية تحضير الاقتصاد لعملية التخصيص لكي تنجح خطوات هيكلة مؤسسات القطاع العام وتحويلها لملكية القطاع الخاص. وأن وجود سوق حرة وتشجيع المنافسة وإيجاد نظام سوق حديث ومتطور (سوق أوراق مالية) عوامل مهمة لدعم عملية التخصيص ورفع مستوى الأداء في المؤسسات التي يتم تخصيصها.
مما يجعلنا نطرح التساؤل التالي: هل سيكون لخطوات التخصيص التي تنوي المملكة إتباعها تأثير إيجابي يساعد في تطوير الخدمات وتقديمها بشكل أفضل ؟
وهل الاقتصاد السعودي في وضعة الحالي جاهز للتخلي عن قطاعات أساسية ومدرة لتدفقات نقدية تبرز أهميتها في حال انخفضت أسعار النفط…
ويجب ذكر بأن تحويل أصول القطاع العام إلى ملكية مؤسسات القطاع الخاص عادة ما يتطلب عملية تنظيم وإشراف محكمة، وإلا أصبحت عملية التخصيص مكلفة جداً ويتجنبها المستثمر العالمي والمحلي. أيضا يركز خبراء التخصيص على أن من الضروري جداً وجود جهاز إشرافي موحد لإنجاح برامج التخصيص، وسلطة تنظيمية لحماية جميع الأطراف وتفعيل دور الإشراف الحكومي. ويوصي الخبراء بأن تعمل الحكومات مع المؤسسات الخدماتية المملوكة للقطاع الخاص منذ بداية عملية التخصيص لكي تتأكد من وجود جميع الأنظمة والضوابط في مكانها. ففي بعض الأحيان يكون من الصعب تجنب وجود مؤسسة تحتكر جزءاً من قطاع الخدمات، وهذا يوضح أهمية دور الجهات التنظيمية والرقابية لتخفيف النتائج السلبية. وعلى سبيل المثال في بداية التجربة البريطانية لم تحصل الحكومة على أهدافها من التخصيص بسبب عدم وجود قاعدة تنظيمية، وميدانياً اعتقدت الشركات المخصصة أنها تحصل على الدعم المستمر من الحكومة وبذلك يمكنها رفع الأسعار وعدم الاكتراث بالجودة ونوعية الخدمات المقدمة؛ وبهذا تضعف أسس المنافسة.
إن وضع القوانين اللازمة ووجود خطة تنظيمية محكمة سيساعد على نجاح عملية التخصيص ويكون صمام أمان للتأكد من أن القوانين والخطط التنظيمية تتماشى بشكل كبير مع برنامج التخصيص، ويتفق الخبراء مع هذا ويرون أنه من الضروري الحصول على تكافؤ بين الأنظمة والقيود المراد وضعها لتنظيم عملية التخصيص وبين إعطاء المؤسسات الحرية اللازمة لكي تعمل ضمن القطاع الخاص.
وكما ذكر العديد من الخبراء أنه بالنسبة للخصخصة ما يناسب دولة معينة قد لا يناسب دولة أخرى.. لذا يتعين على المملكة العربية السعودية أن تتناول موضوع الخصخصة بكثير من الحذر مع الأخذ بعين الاعتبار بأن اقتصادها يعتمد بشكل كبير على عائدات النفط.. علاوة على ذلك فإن الاحتياجات الاجتماعية مختلفة كثيراً عن مثيلاتها في الدول الأخرى.. فالمواطنون السعوديون اعتادوا على دعم الدولة لهم في كافة مناحي حياتهم.. وهكذا فإن إزالة هذا الدعم فجأة سينطوي على كثير من المخاطر وسينظر الناس إلى الخصخصة بامتعاض وعدم رضى.
إضافة إلى ذلك فإن خصخصة بعض القطاعات الحكومية ومنها الخدمات لن يعني فقط زيادة في الأسعار سيعاني منها عامة الناس ، لكنه سيعني أيضا أنه أصبح للدولة من يشاركها في جزء كبير من دخلها سواء كان ذلك شريكاً محلياً أم أجنبياً.. ومع الأخذ بعين الاعتبار التقلبات الحاصلة في أسواق النفط فإن عائدات الدولة ستتأثر بشكل كبير من جراء ذلك..
لذا أرى أنه قد يكون من الأجدى أن تقوم الحكومة بالتركيز على استخدام أسلوب التأجير لعقود طويلة أو استخدام أسلوب (Boot) للمحافظة على قطاع الخدمات في يد الدولة.. إن معظم الدول التي اتبعت أسلوب (BOOT) لخصخصة خدماتها استطاعت أن تحقق فوائد كبيرة اشتملت على:
المزيد من الاستثمارات الأجنبية (تدفق رؤوس الأموال).
نقل التكنولوجيا وتحديث الأنظمة.
تطوير أسواق جديدة وخدمات ومهارات إدارية.
المداخلات حول القضية
التوجه للخصخصة: الإشكالات وحساسية الطرح
أشار م. حسام بحيري إلى أن التوجه للخصخصة موضوع حساس بالذات في مجتمعنا والذي يفتقد الشفافية في طرح أمور هامة مثل خصخصة القطاع العام. وأضاف: من سيشتري حصص القطاع العام ؟ وما هي الآلية التي سيتم في إطارها انتقال حصص القطاع العام إلى القطاع الخاص؟ وكيف سيتم تقييم أسعار القطاع العام؟ ومن هي الشركات المالية التي ستقوم بتقييم حصص القطاع العام هل هي أهليه؟ ( قليل جدا من الشركات المالية المحلية سيكون لديها القدرة لتقييم عادل لأسعار الحصص) هل ستكون أجنبية ؟ وهذا سيكون موضوع جدا حساس لعرض أسرار الدولة الاقتصادية على شركات أجنبية وإعطائهم معلومات داخلية عن البنيه الأساسية لاقتصادنا وأكيد سيؤثر على منافستنا العالمية. هل سنستيقظ فجأة ونجد أن مجموعة متنفذة من التجار تمكنوا من الحصول على حصص الدولة وبناء نظام تجاري احتكاري جديد مازلنا نعاني منه وهذا حصل في السابق ومازال يحصل. الشيطان يكمن في التفاصيل. بدون شفافية متناهية التخصيص لن يكون حلا بل سيسبب مشكلة للاقتصاد ويغذي روح الاحتكار الذي نعاني منه اقتصاديا. أعتقد أن نظام التخصيص في كل شركه أو مؤسسة حكومية لابد أن يطرح أكثر من ٥٠٪ من قيمته للاكتتاب في سوق المال لمنع السيطرة والاحتكار وجعل الشركات المخصصة في تنافس مستمر لتحقيق أفضل النتائج لحاملي أسهمهم وإقالة مجالس الادارة الفاشلة التي تم تعيين أعضاءها في مناصبهم بدون أن يكون لديهم أي خبرات اقتصادية أو تجارية.
وقالت د. عائشة حجازي أن قطاع النفط من القطاعات الحساسة خاصة أنه المنتج الأساسي الذي يقوم عليه اقتصاد المملكة . وفي ظل الأحداث الحالية من المفترض التروي وعدم الاستعجال في الخصخصة كمفهوم جديد لابد من نشر الوعي الكامل فيه وأن يتم بوضوح وشفافية متناهية.
انتقال الملكية من القطاع العام إلى القطاع الخاص تحتاج إلى بنية ثابتة ومستقرة وأفكار واضحة وخطط مسبقة قبل التنفيذ وأولها تثقيف المجتمع وزيادة الوعي في ذلك.
المجتمع بمستوياته الاقتصادية المختلفة لن يدرك بسهولة هذا المعنى الكبير خاصة في ظل الأحداث السريعة المتلاحقة ..ننام على حدث ونصحو على أحداث لن تستطيع بعض العقول استيعابها بسهولة فكيف بفكرة خصخصة هذا القطاع الذي ينظر له أفراد المجتمع كصمام أمان للدولة .
وترى د. سامية العمودي أن البعض لا يفهم مصطلح الخصخصة من أساسه وخاصة في الإعلام الذي عليه دور في نشر الوعي بما يتم تداوله سلباً وإيجابياً، ولذا يصفق البعض ويشعر البعض بالإحباط نتيجة الجهل قبل أن يكون قد اقتنع أو فهم ما هي تأثيرات القادم عليه وعلى رزقه ورزق أولاده أتمنى الأخذ بهذا الجانب من أهل الخبرة منعاً للبلبلة فالمنعطفات التي يمر بها الوطن كبيرة ومتسارعة
ويعتقد أ. عبدالله آل حامد أن العمل على تحقيق الخصخصة يجب أن يراعي تطبيق أعلى معايير الجودة والتي تتلخص في أننا كل ما استطعنا تعريف الخدمة بشكل دقيق كل ما كانت الخصخصة أكثر نجاحا ونجاعة.
وقال د. مساعد المحيا: لا أعرف كيف لنا أن نطلق العنان لقطاعنا الخاص أن يستولي على مؤسسات القطاع العام دون أن يكون لدينا مؤسسات برلمانية منتخبة ولو جزئيا وذات صلاحيات واسعة ومؤسسات مجتمع مدني تمارس وظيفتها بشفافية واسعة في المحاسبة وتمارس دورها في محاسبة هذه المؤسسات ومساءلتها ..
نحن اليوم نشهد الكثير من مظاهر الفساد في شركات كثيرة انتهت إلى الإفلاس مع أنها شركات حديثة الاكتتاب .. وأحد أهم أسباب إفلاس أو ضياع حقوق المكتتبين هو أن مجالس إدارتها كانت تمارس العبث بميزانية الشركة دون حسيب ..
ما يقلق في موضوع الخصخصة هو بعض الأمثلة السيئة التي حدثت للمساهمين إثر التلاعب بأصول الشركة … ولنلاحظ مثلا ما جرى لمساهمي المتكاملة حيث خسروا لكن الدولة بتوجيه معين تم تعويضهم فتحملت الدولة أخطاء مسؤولي الشركة ….!!
وفي ٢٠٠٨ تم طرح المعجل للاكتتاب وكانت المعلومات عن الشركة توحي بأنها عملاقة .. فهي ١٠٠ مليون سهم و١٦ ألف موظف وكانت أرباحها عالية ..الخ، وما أن التهموا أموال الاكتتاب وبدأت بالتداول بدأ الانخفاض في أرباحها على نحو متسارع … وفي ٢٠١٢ تم إيقاف التداول وتجميد أموال المساهمين ومنذ ذلك التاريخ وحتى 2016 لا جديد لأصحابها.
وأكد د. حامد الشراري على ضرورة أن تكون هناك قوانين تتسم بالشفافية والحيادية والصرامة، وأن يقف الجميع على نفس البعد، بحيث لا تكون هناك حظوة لأحد على حساب الآخرين بحجج قد تكون سلبياتها تغلب على إيجابياتها منها تكوين وتأثير مجلس الإدارة والحصول على ميزات أخرى وقوة وهيبة الهيئات المنظمة، وقد يكون أوضح مثال على ذلك فيما مضى: الاتصالات السعودية مع زين وموبايلي ، والخطوط السعودية مع سما وناس.
وبرأيه فإن الخصخصة تتحرك ببطء، لكن لعل في التوجه الجديد للقيادة وبرنامج التحول الوطني يتجاوز سلبيات المرحلة السابقة ويستفيد من تلك التجربة.
ويعتقد أ. عدنان المرشد أن المملكة لم تنجح في عملية الخصخصة لأسباب عديدة تم الإشارة إليها سابقا ومثال ذلك شركة الاتصالات السعودية.
تقييم عدم النجاح في هذه الخصخصة أو القطاع لا علاقة له بالعائدات المالية لشركات الاتصالات والتي تعتبر الأكبر في العالم بسبب نسبة ARPU وهو ما دفع الكثير من الشركات العالمية للمنافسة في دخول السوق السعودية لدرجة أن سعر رخص الاتصالات كانت الأغلى عالميا في التجربة الأولي والثانية.
الأهداف التي جعلت المملكة تدخل في عملية التخصيص لقطاع الاتصالات بشكل عام هو إدراك المملكة لصعوبة إدارة التقنية المتسارعة في مجال الاتصالات عالميا من خلال وزارة مترهلة لا يمكنها بأي حال من الأحوال تقديم خدمات متقدمة بشكل سريع. إضافة لحرص المملكة في التقدم في هذا المجال بشكل رئيسي لكونه قطاع يمس جميع مناحي الحياة وتطور الأمم في القرن الحادي والعشرون يعتمد عليها بشكل رئيسي.
لم تنجح شركة الاتصالات في نقل المعرفة وبناء قيمة مضافة للمشاريع العملاقة التي عملت في بنائها مع شركات عالمية.
لا تزال شركة الاتصالات تستعين بشركات عالمية لتقديم حلول لها في كل مشكلة تواجهها.
فصلت الشركة العديد من الموظفين حيث كان عدد موظفيها هو ٢١ الف وكان هدفها الانخفاض بهذا العدد إلى ما دون ال ١٠ الاف موظف.
لم تدعم الشركة برامج وطنية تقوم هي بإنشائها وإدارتها وتطويرها.
الاتصالات شركة ريعية كما الكثير من الشركات الوطنية، معظم العقود تأتي بالفرض أحيانا أو بسبب ممتلكات الشركة الكبيرة التي ورثتها من الوزارة في مرحلة سابقة. Infrastructure
لم تضبط عملية المراقبة لجعل الشركة تدرك أن الهدف من هذه الخصخصة هو الرقي بالمجتمع وتطويره وخلق الأعمال والفرص وأيضا الربح المالي للاستمرار. تم التركيز على الربح المادي فقط وهو ما جعل الشركة تنظر لل $ في أي قرار تتخذه.
هناك إشكال كبير في تحديد الهدف من الخصخصة وهو ما سيجعل المملكة تدخل في إشكالات كبيرة جدا ولن تستطيع الخروج منها إلا بتكاليف باهظة.
في حين يرى د. حميد المزروع أن شركة الاتصالات السعودية ليست أنموذجا مثاليا لتقييم تجربة الخصخصة بالمملكة لأنها فعليا مازالت تدار كمرفق حكومي خاصة بالتعيينات ، وذلك لكون الدولة تملك ٧٠٪ مِن الأسهم ، لعل تجربتنا بخصخصة القطاع المصرفي أفضل مثالا لنجاح الخصخصة وتطوير الصناعة المصرفية بالمملكة ، وإذا كنا قد نجحنا الي حد كبير بخصخصة الصناعة المصرفية بحكم استقلالية إدارتها ، فإننا مؤهلين بنفس القدر من النجاح في خصخصة القطاعات الأخرى.
وقال د. محمد سالم الصبان: لدي تحفظ كبير على خصخصة العمليات الأولية ( استكشاف واستخراج النفط Upstream ) في أرامكو. فهذه جوهرة المملكة وقوتها دوليا وسيطرة الحكومة عليها مهمة جدا على الأقل خلال العقد القادم.
صحيح أن نسب التخصيص المقترحة هي محدودة ( ٥-١٠٪)، لكنها قابلة للزيادة المتسارعة في ظل برنامج الإصلاحات الاقتصادية ومتى ما توسع سوق الأسهم وتم تسهيل دخول المستثمرين الأجانب بشكل أكبر. فالضغوط المحلية والدولية ستكون كبيرة نحو مزيد من تخصيص لهذه ” الجوهرة”، وتدريجيا تفقد الحكومة سيطرتها على قرار الإنتاج والتوسعة، وتٌعلن بالتالي نهاية الأوبك.
أؤيد تخصيص العمليات اللاحقة ( Downstreams)، بإنشاء شركة قابضة تشمل ملكية أرامكو في عملياتها المحلية والدولية من مصافي تكرير وبتروكيميائيات وغيرها. ويتم طرح نسبة ال ٥٪ من هذه الشركة.
وبدوره قال أ. عدنان المرشد أن تملك الدولة للنسبة الأكبر في الاتصالات يعد أمر يخدم مصلحة الشركة لتحقيق الأهداف بشكل أفضل، هذا الأمر جعل الشركة يكون لها نصيب الأسد في المشاريع العملاقة الأكثر ربحية.
كان من المفروض أن يكون مجلس الإدارة هو المراقب لتحقيق أهداف الخصخصة ودفع الشركة لتكون منتجة للمعرفة والبحث والتطوير والتحول التجاري والذي لم يحدث لأسباب مجهولة.
تختلف صعوبة الخصخصة من قطاع لآخر بسبب عوامل كثير وتعقيدات في البنية التحتية والقوي البشرية والإمكانات وتحديات أخرى.
هل المقياس هنا الأرباح المادية أو ما ينتجه هذا القطاع من معرفة وخدمات للمواطنين.
بنسبة للأرباح فهي الأعلى في العالم وهذا ما يجعلنا ندرك أن هنالك مشاكل كثيرة لمفهوم الخصخصة وتطبيقاتها في المملكة.
لا أعتقد أن المصارف السعودية أفضل من قريناتها العالمية، بل بالعكس المصارف العالمية لها أهداف وتخصصات واضحة تجني لها المعرفة والأرباح الكبيرة.
البنوك المحلية لا تقوم:
بمشاريع اجتماعية تتناسب وأرباحها العملاقة.
تعتمد على مصادر عالمية عندها عمق في السوق السعودي أكثر منها مثل MEED وخلافها.
لا تستثمر في بحوث السوق لمعرفة القطاعات المميزة.
لا تستثمر في رأس المال الجريء للمشاريع الجديدة.
حقيقة لا أعلم كيف تحدد الأهداف للخصخصة و كيف ستضبط وأن لا تكون غلطة. لابد من دراسة التجارب السابقة العالمية لمعرفة أفضل التطبيقات وكذلك دراسة التجارب المحلية لمعرفة أماكن القصور لدينا قبل الإقدام على هذه الخطوة الكبيرة.. لابد أن يكون هناك pilot لتجربة قدرتنا قبل تعميم هذا التوجه.
ومن ناحيته قال د. عبد الله بن صالح الحمود في تعقيبه: لاشك أن للخصخصة منافع عديدة اقتصادية واجتماعية وأمنية ، إذا ما جرى تطبيقها استنادا إلى ضوابط وتوجهات تهدف إلى الرفع من مستوى الخدمات المقدمة ، ودعماً ومؤازرة للاقتصاد الوطني .
ومعروف أن للخصخصة منظورين اقتصادي وسياسي ، فمن المنظور الاقتصادي تهدف عملية الخصخصة إلى استغلال المصادر الطبيعية والبشرية بكفاءة وإنتاجية أعلى ، وذلك بتحرير السوق وعدم تدخل الحكومة إلا في حالات الضرورة القصوى ، وعبر أدوات محدودة لضمان استقرار السوق والحد من تقلباته أما من المنظور السياسي فالتخصيص يدعو إلى اختزال دور الحكومة ليقتصر على مجالات أساسية مثل الدفاع والقضاء والأمن الداخلي والخدمات الاجتماعية ، لذا فإن التخصيص يتجاوز مفهومه الضيق المقتصر على عملية بيع أصول أو نقل ملكية ليكون بمثابة نقلة اقتصادية واجتماعية وسياسية كبيرة ، وفلسفة جديدة لدور الحكومة.
والتخصيص وسيلة لجذب الاستثمارات المحلية والأجنبية ، وما يميز التخصيص كتوجه اقتصادي أنه يساعد على الإسراع في الإصلاحات الهيكلية في الاقتصاد ، ومن ثم إيجاد بيئة استثمارية أكثر جاذبية ، والمتوقع من برامج التخصيص أنه يفترض أن تتبع المزيد من الفرص الاستثمارية مما يؤدي إلى توطين المدخرات وحسن استثمارها في مجالات أكثر كفاءة وأعلى مردوداً .
وهنا لابد من التأكيد على أن قبول عمليات التخصيص لأي سلعة أو خدمة تمتلكها الحكومة وترغب في خصخصتها يفترض أن تكون منتجة وذات شهرة في السوق لأن مبدأ التخصيص يتأتى من خلال بيع المنتجات الناجحة وليست الخاسرة .
وفي المملكة العربية السعودية نلحظ أن الاعتماد الكلي هو على إنتاج النفط وهذا الاعتماد لاشك أنه يشكل خطورة لأي مجتمع ليس تخوفاً من نضوب البترول فحسب بل للتذبذب السعري لهذا المنتج ، وهو ما نشهده حالياً ، ولهذا فإن التوجه للخصخصة مطلب ملح في هذه المرحلة ، وهي مرحلة تشهد نمو سكاني مضطرد ، فضلاً عن أن إدارة القطاعات الخدمية على وجه الخصوص تحتاج هي الأخرى إلى عقلية تجارية تسهم في رفع الناتج المحلي وكذا الدخل القومي للبلاد.
وفي هذه المرحلة إذا ما عزمنا على التوسع في عمليات التخصيص فإن من المجالات المفترض تخصيصها هي (التعليم والصحة وبعض من الخدمات البلدية) ، فهي مجالات تتطلب التطوير والرفع من مستوى الخدمات المؤملة ، فضلاً عن أنها قطاعات بدأت تتدنى في خدماتها بشكل ملحوظ .
والتخصيص عامة حتى يكون ذو فوائد مرجوة لابد أن يحقق مكتسبات اجتماعية واقتصادية بالدرجة الأولى ، ومن ذلك على سبيل المثال لا للحصر :
توافر فرص عمل لمواطني الدولة .
الرفع من مستوى الخدمات المقدمة ، وتوافر سلع وخدمات عالية المستوى وفي متناول الجميع ، وبأسعار تنافسية .
فك الاحتكار القائم على سياسة (الوكيل الحصري) تحريراً موسعاً للسوق .
تفرغ الحكومة للشؤون الأمنية والاجتماعية والبلدية الإشراقية ، والمتابعة والإشراف العام على مصالح الدولة تحقيقاً للنمو والازدهار المطلوبين .
وبصفة عامة يعتقد م. سالم المري أننا جاهزون للخصخصة ولا يظن أن أي خصخصة حقيقية ستنجح في المملكة في الوقت الحاضر إلا على نطاق ضيق في بعض القطاعات. والدول التي خصخصت دول رأسمالية حقيقية لها قرون وأسواقها حرة ونظمها مكتملة ومع ذلك واجهت صعوبات.
أما بالنسبة لنا في المملكة فسوق العمل لدينا مازال مختل وليس لدينا قطاع خاص وطني حقيقي والبنية التحتية مازالت في طور التطور والعمالة الوطنية مازالت بحاجة للتعليم والتدريب وليس لدى القطاع الخاص القدرة ولا الخبرة على التدريب. وأصحاب القطاع الخاص في بلدنا الكثير منهم إما وهميون متسترون أو يغلب عليهم عدم الثقة بأنظمة البلد وأموالهم في أغلبها مودعة في الخارج ويندر منهم من ليس لديه جواز بلد ثاني؟!
والقطاعات الناجحة إذا خصخصتها الحكومة خسرت المزيد من الدخل والقطاعات الفاشلة لن يشتريها أحد!
وكان الأجدر (وما زالت الفرصة قائمة) أن تؤسس الدولة شركات حكومية في مختلف المجالات قادره على التوظيف والتدريب ثم تخصخص الناجح منها بالتدريج فالعمالة الوطنية بحاجه للتعليم الفني والتدريب المهني على رأس العمل وبحاجه للتعود على سلوكيات العمل والانضباط وهذا لا يتأتى إلا بثقافة عمل تزرعها وتؤسس لها شركات كبرى قوية.
وأحد الحلول لمشكلة التوظيف في قطاع التجزئة والإنشاءات والنقل والمواصلات قد يكون في تأسيس شركات مملوكه للدولة توظف السعوديين برواتب مجزية وتدربهم تقوم ببعض الأعمال وفي نفس الوقت تزود القطاع الخاص بحاجته من العمالة السعودية المدربة بأجور مجزيه وظروف عمل مناسبة وتضمنهم أمام جهة العمل وتوفر البديل في حالة الفشل.
وقال أ. خالد الحارثي: نتناول موضوع الخصخصة بعد تجارب سابقة لم يثمر نجاحها النسبي وإخفاقاتها من توليد النموذج المثالي للمملكة العربية السعودية بما يتفق مع نظام الحكم وقيم وتقاليد الشعب والمستوى المعرفي والوعي الاقتصادي لدى الأجيال الخاضعة لنتائج هذه القرارات الاستراتيجية ذات الأثر المتعدّي لأجيال لاحقة.
أعتقد أن هذا يضعنا في مواجهة مع أهمية الخصخصة وأهمية سعودتها ، ودراسة المفهوم وتداخلاته مع الاقتصاد السياسي ومع علم الاقتصاد والعلوم الإدارية والامتداد في العلوم الاجتماعية والسياسات العامة .
من الصعب جدا الحصول على نتائج مرضية من الخصخصة بغياب سَعوَدَة المفهوم لعدة أسباب أهمها علمانية المفهوم وارتباطه بنظريات الاقتصاد السياسي ونظريات الاقتصاد والسياسات المالية والتضارب الحدي بين تلك النظريات ، والذي يضعنا في موقف حرج من تبني هذه النظريات دون اعتبار للمنصات الأهلية والعلمانية التي نشأت وتطورت في بيئاتها تلك النظريات.
الملاءة المالية وغزارة الاحتياطي النقدي والأصول في اقتصاد المملكة قد يضلل الباحث عن إدراك نوعية الاقتصاد السعودي كاقتصاد ريعي لا تنطبق عليه مسلمات النظريات الاقتصادية من رأسمالية واشتراكية وغيرها ، وهو في نظري السبب الرئيسي الذي ولد أزمات الاقتصاد السعودي الحالية من غلاء العقار والبطالة والتستر وتضخم أعداد العمالة الأجنبية والتدهور في الحياة الاجتماعية ، واليوم والدولة تنظر لتبني الخصخصة أرى من الواجب فرز وتعيين المصالح التي ننظر لتحقيقها من خلال الخصخصة ونتتبعها بشكل علمي ومنهجية مستقيمة تحافظ على جميع مفردات المصالح التي تتطلع إليها الدولة والشعب.
فيما يخص سَعوَدَة الخصخصة وتهذيبها من المفهوم والمضمون العلماني الذي يفترض المشاركة الواسعة للشعب في صناعة القرارات والسياسات العامة والملكية العامة للثروات والأرض، ويفترض الرقابة والمحاسبة المستمدة من سلطة حياد نظم الرقابة واستقلال سلطتها عن الأجهزة الحكومية ، أعتقد أن تحديد المصالح ورسم مسار الوصول لها بواقعية هو الضامن الوحيد في مرحلة التخطيط للخصخصة ، أيضا لا بد من الإشارة إلى أهمية التواضع من المشاركين في التخطيط والتشريع للعلم والوطن وخدمة الشعب دون الأخذ بالمسلمات التي لا تنطبق على الوضع السعودي.
في نظري أن المصالح تتلخص في ثلاث محاور رئيسة هي:
تخليص الدولة من عبء التسيير للخدمات التي يمكن للخصخصة أداءها بجودة أفضل وعبء حكومي أقل ، ويساهم في تقليص الجسم الحكومي ونفقاته عن تحميل الموازنة العامة للدولة عبء الكوادر والإشراف المباشر.
تنويع الخبرات وتنمية القدرات للقطاع الخاص للمساهمة بشكل فاعل في الابتكار والاقتراب من المواطن واحتياجاته.
انتفاع المواطن اقتصاديا واجتماعيا ومهنيا من الخصخصة بشكل ملموس ونوعي يظهر في نوعية وجودة الخدمات على المستوى التعليمي والبلدي والشخصي والمهني حتى يكون تحول الملكية العامة الى ملكية خاصة محتسبا لمبادئ التوزيع العادل للثروة ومنعا لتركز الثروات في أقليات فتخسر بذلك البلاد أهمية هذا التحول وتحصل على المزيد من العصبيات والعنصريات التي تلتهم المنجزات المدنية والحضارية للدولة وتتفاقم معها الأزمات بشكل أكثر تعقيدا مما سبق.
أعتقد أن التحليل للبيئة السعودية وقابلية الخصخصة يجب أن يأخذ بالحسبان المجموعات المهمشة التي لم يتسنى لها الإثراء والادخار وتملك المنازل في الفترات السابقة. التعاونيات العملاقة والمساهمات العامة التي تخضع لتقنين ملكيات الأسهم والتي تمول صناديق الاقراض الحكومي ملكية أسهمها من شأنه تخفيف الأعباء على أرباب الأسر والعائلات وفتح الافاق أمامهم بتكافؤ الفرص وتحقيق الطموحات الشخصية المشروعة للمواطن دون تعنصر أو تجاهل.
ومن وجهة نظر م. خالد العثمان فإن:
الخصخصة ستفشل حتما إن كان الهدف من ورائها فقط تحقيق عوائد مالية .. إذ أن الخلل الذي يمكن أن يترتب على بيع المرافق والخدمات الأساسية إلى القطاع الخاص مع غياب الرقابة والتمحيص في التبعات والآثار الاجتماعية والاقتصادية سيكبد الدولة أضعاف المكاسب المادية التي يمكن أن تحققها من عملية الخصخصة
إيكال إدارة مرافق وخدمات الدولة إلى القطاع الخاص بعقود تشغيل ليس خصخصة أبدا .. وهو يخضع عموما لأنظمة المشتريات والمنافسات الحكومية ويسقط أية احتمالات لتطوير الأداء ورفع الكفاءة التشغيلية.
الخصخصة رؤية يتطلب تحقيقها وضع منهج واستراتيجية وبرنامج مفصل للقطاعات والمرافق والخدمات القابلة للخصخصة وكيفيتها وآليتها وقيمتها وغير ذلك الكثير من التفاصيل.. وهي بالتالي لا يمكن أن تكون نتاج قرار مرتجل ناجم عن ضغوط الانكماش الاقتصادي والتدفقات النقدية.
القطاعات الأجدر بالمبادرة بالخصخصة هي تلك التي لا ترتبط بسيادة الدولة ومنها على سبيل المثال ممتلكات الدولة الجمة في الفنادق والشركات وغيرها .. لن يضير الدولة مثلا لو خفضت حصص ملكيتها في سابك وشركة الكهرباء والبنوك وغيرها قبل الحديث في خصخصة أرامكو والتعليم وغيرها.
خصخصة أرامكو
تطرق م. سالم المري إلى بعض التفاصيل التي تخص أرامكو السعودية وذلك في سياق تعقيبه على قضية الخصخصة ، وأشار إلى ما يلي:
الوضع الراهن
تم اكتمال تأميم (شراء) أرامكو السعودية عام ١٩٨٨م وتعد أكبر شركة في العالم من حيث القيمة السوقية حيث بلغت قيمتها السوقية 7 تريليون دولار في عام ٢٠١٠ طبقاً لتقدير صحيفة فاينانشال تايمز. فيما رجحت مجلة اكسبلوريشن قيمة أرامكو السوقية في عام ٢٠١٥بحوالي 10 تريليون دولار.
وتحتل أرامكو السعودية المرتبة الأولى في العالم في المجالات التالية:
احتياطيات النفط الخام: ٢٦٠مليار برميل (ربع إجمالي الاحتياطيات العالمي)
الطاقة الثابتة لإنتاج الزيت الخام: 10.5 مليون برميل في اليوم
صادرات النفط الخام
صادرات سوائل الغاز الطبيعي
تحتل الشركة المرتبة الرابعة في العالم في احتياطيات الغاز
تحتل الشركة المرتبة الثامنة في العالم من حيث طاقة التكرير
وتعد أرامكو السعودية أكبر شركة بترول في العالم، وهي بلا شك ناجحة في أداء وظيفتها الأساسية في إنتاج وبيع النفط الخام إلا أنه طالها ما يطول الكثير من المؤسسات المعمرة من الترهل والمحسوبية الإدارية وارتفاع الكلفة إضافة إلى بعض أشكال الفساد الإداري الذي يتناقله بعض رجال الأعمال، ولكن الوفرة الدائمة في ميزانيتها كانت غطاء حجب الكثير من العيوب الأخرى. كما كان للأهمية القصوى للنفط في الاقتصاد السعودي وللسرية والغموض اللذان أحاطت الشركة نفسها بهما دور رئيس في عدم تغييرها أو الاقتراب منها من قبل الحكومة منذ تم شرائها من الأمريكان عام ١٩٨٨م ، ويحظى كبار المسؤولين في أرامكو السعودية خاصة الرئيس ورئيس مجلس الإدارة ووزير النفط بخدمات متميزة وثروة هائلة لا تتوفر لأعضاء مجلس الوزراء ولا حتى لبعض أعضاء الأسرة الحاكمة؟ مثل الطيران الخاص ومساكن خاصة متعددة وتسهيلات مالية كبيرة إضافة إلى النفوذ في التوظيف والترقيات حتى أصبح من المألوف أن ترى مسؤولا كبيرا في أرامكو وإذا سألت عنه وجدته ابن لمسؤول سابق وكأن المسألة أصبحت وراثية. وقد بدأت الشركة (كما يسميها موظفوها) في السنوات الأخيرة تعاني من تسرب الخبرات وتقاعد الكثير من المسؤولين مبكرا بسبب “الشللية الإدارية” فكل رئيس جديد غالبا ما يصطدم بالطبقة الإدارية العليا ويحاول إبدالهم بآخرين موالين له وفي الغالب أقل منه معرفة وخبرة.
ومع أنه لم تتضح بعد ملامح خطة الخصخصة والهيكلة لشركة أرامكو لكي نستطيع إعطاء رأي واضح فيها ، إلا أنه من الواضح أنه قد أصبح هناك حاجه لتطوير الشركة وإعادة النظر في تقسيم مهامها وتحسين الرقابة الخارجية على أعمالها أما فيما يخص الخصخصة فهناك العديد من الأسباب التي تدعو للتريث في تخصيص قطاع البترول ودراسة وضع القطاع دراسة متأنية قبل الاقدام على أي قرار يمكن أن يضر بهذا القطاع الحيوي ومن هذه الأسباب :
البترول مورد ناضب و الاستثمار الرشيد للموارد الناضبة يحتم وجودها تحت جهة حكومية تضع استراتيجية مركزية لاستغلالها والحصول على أقصى منفعة ممكنة للجيل الحالي والأجيال القادمة ولذلك فإنه من المهم بقاء قطاع البترول مملوكا للدولة تحت مظلة واحدة وليس من الصالح بعثرته في شركات خاصة.
إذا كانت هناك نية للخصخصة فالأفضل أن تكون وقت النجاح للحصول على أفضل قيمه أي في وقت غلاء البترول وليس وقت رخصه فوفقا لتقديرات أرامكو يبلغ احتياطي البترول المؤكد تحت الأرض حوالي 260 مليار برميل فعندما يكون سعر البرميل 100دولارا فإن هذا يعني نظريا أن قيمة بترول أرامكو تساوي 26 تريليون دولار. بينما عندما ينخفض سعر البرميل من 100 إلى 35 دولارا فإن القيمة السعرية لبترول أرامكو ستنخفض إلى 9.1 تريليون دولار فقط وعلى أية حال يجب ألا يكون امتياز الاستخراج ضمن التخصيص، فما تحت الأرض من ثروات يجب أن يبقى ملك الدولة ويستغل بمقابل مالي وشروط يمكن تعديلها وتغييرها حسب الظروف.
البعض يتكلم عن توفير ملايين الوظائف بتخصيص أرامكو وهذا غير عملي فإذا كان الدخل منخفض وأرامكو متوقفة عمليا عن التوظيف المباشر منذ عقود ومتوقفة على ما يقارب 56 الف موظف فإن زيادة العاملين من المفترض أن يقلل الدخل ومن ثم فإن الخوف هو أن تكون نتيجة التخصيص عكسية على العمالة الوطنية فتتخلص الشركات المخصخصة من العمالة الوطنية وتجلب عماله آسيوية أقل كلفة وهذا سيزيد نسبة العاطلين عن العمل والتي هي مرتفعة أساسا ولا يخفى علينا مخاطر ارتفاع نسبة البطالة.
ليس في المملكة تجربة خصخصة ناجحة يمكن اتخاذها قدوة وأقرب مثال تجربة تخصيص قطاع الكهرباء الذي يواجه مشكله فهل سينجح تخصيص البترول؟ جاء في الموروث الشعبي أن الغراب حاول تقليد مشية الحمامة الأنيقة فلم يستطع فحاول العودة لمشيته السابقة فلم يستطع فأضاع مشيته ومشية الحمامة وهذا ينطبق حاليا على قطاع الكهرباء في المملكة منذ ما يزيد على 12 سنة عندما قررت الدولة إعادة هيكلته وتخصيصه وهذا القطاع في تخبط ومن خطة إلى خطة في إعادة الهيكلة وحتى الآن لم يحصل شيء ولكنه يتم التغطية على ما يعانيه هذا القطاع ببلايين الريالات التي تضخها الدولة بين الفينة والأخرى في ميزانية الشركة السعودية للكهرباء والأسعار المخفضة للوقود وقطاع الكهرباء لا يقارن بالتأكيد بشركة أرامكو السعودية من حيث القيمة والضخامة والتعقيد فما الذي سيجعلنا نعتقد أن الدولة ستنجح في تخصيص أرامكو بالنظر لتجربتها في قطاع الكهرباء؟ ولذلك فإنه من الأفضل التركيز على قطاع الكهرباء ودراسة سبب فشله في التخصيص قبل البدء بتخصيص قطاع مهم مثل البترول لتلافي الوقوع في نفس الأخطاء.
أما فيما يخص ما ستحققه الخصخصة من الشفافية ومكافحة الفساد، والذي قد يكون موجودا في أرامكو فإن ما في أرامكو أقل بكثير مما هو حاصل في قطاعات مهمة في الدولة بل وقد يكون ما هو موجود في أرامكو نتيجة لما في قطاعات الدولة ولذلك من الأفضل تصحيح وضع قطاعات الدولة الأخرى أولا قبل التوجه لأرامكو.
تطوير أرامكو وتكوين شركات جديدة
تطوير «أرامكو» كشركة، مطلب طبيعي فتركيبتها الضخمة الشاملة فيها من السلبيات والايجابيات ما يحتم أهمية دراستها وتطويرها بشكل مستمر فكل نشاط من نشاطاتها الرئيسة مثل الاكتشاف والتنقيب والحفر والمصافي والتوزيع، والشحن البحري وأسطول طيرانها من الممكن أن يكون شركة وطنية تعمل في المملكة وخارجها.
ولذلك فإن الحل من وجهة نظري يكمن في تطوير أرامكو نفسها وإنشاء شركات جديدة وزيادة عدد المخرجات وتنويعها مما سيؤدي إلى زيادة الوظائف والثروة المحلية مع الحرص على الإنتاجية فالمقياس البسيط للإنتاجية هو الخارج تقسيم المدخلات، فإن كان الناتج يفوق الواحد الصحيح فثمة قيمة مضافة وهذا شبه مضمون في ظل انخفاض كلفة إنتاج البترول في المملكة قياسا بالدول الأخرى؟ وهذا التوسع في المنتجات مع الحفاظ على الإنتاجية يمكن تحقيقه بتكوين شركات جديدة لتعظيم القيمة المضافة لبرميل النفط عن طريق تصنيع مكرراته وبيع المنتجات النهائية وليس الخام ويمكن القيام بذلك عبر إنشاء العديد من الشركات الجديدة في مجال النفط ومشتقاته وفي مجال الغاز ومشتقاته وكذلك في مجال الصناعة المعتمدة على مشتقات النفط والغاز، وتحويل بعض النشاطات المهمة التي تقوم شركة أرامكو حالياً بإيكالها للمقاولين والشركات الاجنبية إلى شركات وطنية جديدة مثل الحفر والتنقيب والنقل والخدمات الأخرى مما سيوفر آلاف الوظائف للسعوديين بدلا من العمالة الآسيوية التي يستخدمها المقاولون والشركات الأجنبية. ومن المفترض أن تدخل أرامكو السعودية (ممثلة للدولة) في جزء من هذه الشركات وتطرح المتبقي للاكتتاب العام.
وأخيرا فإنه يلزم تكوين لجنة عليا لتخطيط ومتابعة تطوير أرامكو السعودية أما إذا ترك الإصلاح لإدارة الشركة فلن يحصل شيء وستتكرر مأساة قطاع الكهرباء فكل رئيس يحاول الحفاظ على إمبراطورتيه لأطول فترة ممكنه حتى يكتفي ويتضح عجزه أو عدم رغبته في التغيير ويسلمها لمن بعده وكل ذلك على حساب الإنتاجية وعلى حساب معنويات واستقرار الموظفين.
التخصيص في التعليم العالي
يرى د. إبراهيم البعيز أنه وعند الحديث عن التخصيص في مجال التعليم يجب أن نفرق بين المؤسسات الخاصة غير الربحية والمؤسسات الخاصة الربحية (التجارية).
وعلينا أن نكون حذرين في مسألة التخصيص في التعليم وخاصة التعليم العالي، ومن التوسع في منح التراخيص للجامعات التجارية وذلك للآثار السلبية المحتملة في حال ترك الجامعات تعمل وفقا للمعايير التجارية، والتي قد لا تتفق في كثير من الأحيان مع الرسالة التنموية للجامعات.
وهذا ما أدركته الدول الرأسمالية وفي مقدمتها الولايات المتحدة وبريطانيا وأستراليا، هذه الدول معروفة بتميز نظم التعليم العالي فيها. وأهم عوامل نجاح التعليم العالي فيها أنها لم تترك الجامعات للشركات التجارية.
فعلى مر السنوات الطويلة لتاريخ الجامعات البريطانية، إلا أنها ظلت طوال هذه السنوات جامعات حكومية، ولم تسمح الحكومة البريطانية إلا مؤخرا لجامعة تجارية ربحية واحدة، وفي أستراليا لا يتجاوز عدد الجامعات التابعة للشركات التجارية أصابع اليد.
الجامعات الخاصة تنتشر بشكل واضح في أمريكا، وهذه الجامعات هي التي تتربع على قائمة الجامعات المتميزة، والتي كان لها الأثر الواضح في الريادة والإنتاجية العلمية والتقنية في الولايات المتحدة، كل هذه الجامعات الأهلية تتبع مؤسسات غير ربحية، ولا تعتمد مقاييس النجاح فيها على مؤشرات الربح القائمة على تقليل التكاليف وزيادة الإيرادات. هذه الجامعات تقيس نجاحها بخريجيها وإنجازاتها العلمية.
برزت مؤخراً على المستوى الإقليمي أسماء عدد من الجامعات الأجنبية، ومنها جامعات أمريكية فتحت فروعا لها في دول الخليج، وعدد منها تحمل أسماء جامعات معروفة ومرموقة، ويجب الحذر والنظر إلى هذه الظاهرة بالقليل من التفاؤل والكثير من التفكير والتحليل، والقراءة النقدية لهذه التجارب.
ومن المهم تقييم البرامج الأكاديمية لهذه الفروع وهل مصدقة وموافق عليها من الهيئات والمجالس العلمية في الجامعات الأم؟ أم هي مجرد مشاريع استثمارية للشركات التي تدير أوقاف تلك الجامعات، بمعنى آخر من الذي وقع الاتفاقيات لإنشاء هذه الفروع، هل هم مسئولون أكاديميون في هذه الجامعات أم مجرد مدراء محافظها استثمارية؟ ولماذا هي في بلادها مشاريع غير ربحية وفروعها لدينا مشاريع تجارية استثمارية؟
وأضاف أ. أسامة كردي: فيما يختص بتخصيص التعليم : من مبدأ تخفيض التكاليف و رفع النوعية فقد قمت منذ سنوات بمقارنة تكاليف الطالب في التعليم العام مع التعليم الخاص و وجدته عشرة آلاف ريال في التعليم العام و خمسة آلاف في الخاص .. فاستنتجت – نظريا فقط – إمكانية تكليف المدارس الخاصة بتعليم أبناءنا و بناتنا بتكلفة قد تنخفض إلى النصف أو مضاعفة عدد طلابنا بنفس التكلفة .. و يشترط لذلك وجود مواصفات للمدرسة و الكتاب و المدرس و الرقابة المحترفة لهذه العملية .. كما يتطلب ذلك وضع قواعد و مكافآت لتشجيع المنافسة بين المدارس المخصصة للتعرف على نوعية خريجيها .. فكر جديد بعض الشيء و يحتاج إلى تدقيق و مراجعة.
وعلق د. علي الحكمي على هذا الرأي الأخير بأن حساب تكلفة الطالب في التعليم العام (المدارس الحكومية) عملية معقدة بعض الشيء ويعتمد بشكل رئيس على حجم المدرسة .. فالمدارس الصغيرة ١٠٠ طالب فأقل تشكل حوالي ٣٠٪ من مجموع المدارس في المملكة، وبعض المدارس الصغيرة تكلفة الطالب فيها تصل لأكثر من تصل لأكثر من ٤٠ ألف ريال.
وأتفق د. مساعد المحيا مع هذا الطرح وأضاف: أن التعليم الخاص في الجملة لا يهتم بوجود كفاءات علمية وإدارية مكلفة الأمر الذي يجعل التكلفة منخفضة وهو انخفاض يعني انخفاض الجودة.
وعلق د. حمد التويجري بأنه عندما يكون التخصيص جزءاً من عملية الإصلاح الاقتصادي فإن هذا يعني توفر الشفافية ودقة اختيار المشروعات التي يتم تخصيصها. ولكن عندما يكون الهدف من التخصيص هو توفير أموال لخزينة الدولة فقط فإن نتائج التخصيص قد تكون كارثية .. وقد يؤدي التخصيص إلى انخفاض الأسعار نتيجةً لارتفاع الكفاءة الانتاجية وزيادة المنافسة. ولكن قد يؤدي دافع الربحية الذي تسعى الشركات الخاصة إلى تعظيمه إلى رفع الأسعار.
بينما أوضح د.م. نصر الصحاف أنه ليس مع تخصيص التعليم هنا لأن الذهنية السائدة من التخصيص في هذا المناخ بالذات هي لخفض التكلفة وليس للجودة مما سينعكس سلباً على مجتمع يعاني أزمة أزلية في التعليم ومضاعفات السعودة التي لم تنجح في تخريج طلاب على مستوى عالي مثل الأجيال السابقة!!
عموماً مسألة تخصيص التعليم لن تجني سوى تدني مستوى التعليم العام إلى ما هو دون المستوى الحالي والذي يعاني منه المجتمع !!
التعليم مهنة مقدسة ويجب الاهتمام بالمدرسين والمعلمين وأساتذة الجامعات والمدربين بإعادة النظر ملياً في رفع رواتبهم ومخصصاتهم وتحفيز النشء ليكون حلمهم أن يصبحوا معلمين ومعلمات وذلك لن يتأتى والحال كما هو في المملكة حيث تكون مهنة التعليم لمن لا مهنة له !! ولذلك يمكن التفكير في خصخصة كل المؤسسات إلا التعليمية لأننا وبصراحة لسنا مؤهلين للحفاظ على هذه المهنة المقدسة بعيداً عن الربحية المحضة على حساب المنفعة المجتمعية ككل!
وفي المقابل ترى أ. علياء البازعي أنه لو تم تخصيص التعليم بالشكل الصحيح سيخرج التعليم من القالب التقليدي و سيصبح هناك تنافس بين المدارس.. وبالذات أن أكثر من نصف ميزانية التعليم تصرف على الرواتب.. حيث أننا سجلنا افضل نسبة عالمية “student teacher ratio” 1/11 ، وهذه نسبة تجاوزت معظم الدول المتقدمة و السبب الزيادة في التوظيف و سوء التوزيع!
وتطرق د. خالد بن دهيش إلى تجربته في قضية خصخصة التعليم؛ حيث قال: أشرفت على دراسة حول ( مساهمة القطاع الخاص في التعليم العام ) قبل خمس سنوات بالتعاون مع استشاري أجنبي وآخر سعودي ، وتوصلنا إلى نتائج جيدة ، بعد أن تم حصر الخدمات الممكن أن تسند للقطاع الخاص ، وكانت النتائج تتلخص في إنشاء أربع شركات تملكها شركة تطوير القابضة ( شركة حكومية يملكها صندوق الاستثمارات ) وهي :
شركة النقل المدرسي.
شركة التغذية المدرسية.
شركة الخدمات التعليمية.
شركة المباني المدرسية.
والهدف كان تخلص وزارة التربية والتعليم من الأعباء غير التعليمية , وتفريغها للأشراف على العملية التعليمية ، إضافة إلى الرغبة برفع مستوى أداء الخدمة، وحسب علمي أن الشركات تعمل بإنتاجية أفضل مما كان عليه الحال بالسابق ، كما أن هناك مجالات أخرى أجل البحث في تحويلها للقطاع الخاص لأسباب عديدة .
أما ما ذكرته أ. علياء من نسبة طالب : معلم فالنسبة ١١: ١ غير مقبولة و سببها أنتشار التجمعات السكانية الصغيرة و اتساع رقعة المملكة والفصل بالتعليم ( بنين بنات) عند المقارنة بدول أخرى وهناك ٣٠٪ من المدارس عدد الطلاب/الطالبات أقل من ١٠٠ طالب / طالبة.
وفي ذات السياق فقد تضمنت خطط التنمية الخمسية السابعة والثامنة والتاسعة هدف ( زيادة مشاركة القطاع الأهلي في التعليم العام ) للوصول إلى نسبة ٢٥٪ (من نسبة ١٠٪) من إجمالي عدد الطلبة ، ولتحقيق ذلك سبق أن أشرفت على إدارة مشروع دراسة لتشجيع القطاع الأهلي على المشاركة في التعليم العام وذلك في عام ١٤٣٠ ، ولتحقيق ذلك الهدف تم إعداد الدراسة المطلوبة و رفعت لمجلس الوزراء الذي وافق على توصيات الدراسة والتي تضمنت الآتي :
تسهيل بناء المدارس الأهلية على الأراضي التي يملكها للمستثمر والمخصصة للتعليم وفق ضوابط.
تسهيل حصول المستثمر في التعليم على أراض بأسلوب حق الانتفاع.
مراجعة الإعانة المالية السنوية للمدارس الأهلية.
تسهيل منح تأشيرات الاستقدام للمعلمين للعمل بالمدارس الأهلية.
التوسع في مشاركة صندوق الموارد البشرية في رواتب المعلمين.
شراء المقاعد الدراسية ( القسائم التعليمية ) في المدارس الأهلية مقابل رسوم تدفعها الدولة أسوة بالتعليم العالي .
تسهيل تمويل المدارس الأهلية.
تأسيس شركات في مجال التعليم العام من خلال اندماج المؤسسات والشركات التعليمية القائمة أو تكوين شركات جديدة لطرحها للاكتتاب.
وقد وافق مجلس الوزراء على هذه التوصيات في عام ١٤٣٣، و من المتوقع إدراج متابعة تنفيذ هذه التوصيات ضمن برنامج التحول الوطني ، علما بأنه تم تجنب استخدام مصطلح التخصيص باستخدام مصطلح تشجيع مشاركة القطاع الأهلي ( الخاص ) .
بينما أكد د. علي الحكمي على أن النسبة التي ذكرتها أ. علياء للطلاب للمعلمين ١:١١ صحيحة ولكن يجب وضعها في الإطار الصحيح، حيث أن سببها هو كثرة المدارس الصغيرة كما ذكر ذلك د. خالد بن دهيش ولا تمثل مؤشر عام للمدارس، ففي المدارس الصغيرة قد تصل النسبة لثلاثة طلاب للمعلم الواحد، وفي المقابل نجد أن بعض المدارس الكبيرة يتكدس فيها الطلاب في الفصول حيث يصل بعضها لأكثر من أربعين طالب في الفصل. أما الرواتب فهي تشكل ٩٠٪ من ميزانية التعليم تقريباً.
وعلقت أ. علياء البازعي بأن مشكلة انتشار المدارس الصغيرة و اتساع رقعة المملكة من المشاكل التي تتطلب حلولا إبداعية… الطريقة المطبقة الآن غير عملية إطلاقا.. لكن لو كان التوظيف يتم محليا لتمكنت المناطق التعليمية من حصر احتياجها و إيجاد حلول تناسب طبيعتها السكانية و الجغرافية…و لتخلصت الوزارة من مشاكلها الأزلية مثل النقل.. و المعلمات البديلات.. والتوظيف على البنود و غيرها الكثير.
ومن جانبه يرى د. مساعد المحيا أن أحد أهم مسوغات خصخصة التعليم هو ضعف وقصور الموارد المالية الحكومية وضعف جودة مخرجات الطلاب في تعليم القطاع العام ..المشكلة أن هذين المسوغين لا يمكن الجزم بأن القطاع الخاص سيمنحنا انفاقا جيدا ولا جودة مرضية …
التعليم هو استثمار في الإنسان وكل جهد يختلط فيه الاستثمار بهذا الانسان بالتجارة سيغدو عملا تجاريا بحتا ..
واقع مخرجات غالبية المدارس لدينا في المراحل الثانوية مثلا تعطي مؤشرا على أن ما يجري هو مؤسسات تعليمية أشبه بالسوبرماركت .. مثلا غالبية الطلاب الذين يلتحقون لدينا في الجامعة كانوا قد حصلوا على معدلات قريبة من ٩٦ وحين يدخلون السنة التحضيرية يحصلون على تقدير جيد وربما جيد جدا برغم أن ما يدرسونه في التحضيرية هو أيسر مما درسوه في الثانوي ..
لست متفائلا بالخصخصة في التعليم إلا حين نأخذ الخصخصة على نحو مرحلي ويتم تطبيق ذلك على بعض المؤسسات ثم يتم تقويم تجربتها ثم يتم الانتقال على نحو مرحلي لمراحل متقدمة في هذا …
والأمثلة هنا تتعلق بالتعليم في المدارس الخاصة .. دون شك فإن خصخصة بعض المسارات في التعليم سيتحقق بسببه تخفيف العبء على الدولة .. لكن المطروح من قبل وزارة التعليم هو تحويل أجزاء من التعليم العام إلى مؤسسات تعليم أهلية إذ يمكن افتتاح مدارس خاصة في بعض الأحياء الجديدة على أن تقوم الوزارة بدفع تكلفة كل طالب يدرس في هذه المدارس .. هنا ستظهر الحاجة للموازنة المهمة بين معايير الجدوى الاقتصادية .. والجودة التعليمية ويشمل ذلك المنهج والمعلم والبيئة المدرسية والنشاط التربوي … وهذا هو التحدي في العملية التعليمية .. والخشية أن نمضي في طريق الخصخصة بدافع من ضغط الحاجة المادية نتيجة ظروف العجز المالي لاسيما ونحن نرى هذا التدهور في أسعار النفط.
وأوضح أ. مطشر المرشد أن التخصيص في هذا الإطار يجب أن يقسم إلى قسمين …
خصخصة البنية التحتية، ( مثلا التعليم يتم إنشاء شركة أغراض خاصة تقوم بمشاركة القطاع الخاص لتمويل بناء المدارس وتجهيزها بالكامل …)
خصخصة مهام التشغيل والإدارة من خلال التعاقد مع شركات القطاع الخاص للقيام بمهام الإدارة والتشغيل ( الكامل أو الجزئي ) … الكامل في مثالنا السابق تصبح المدارس خاصه ، الجزئي يتعلق بالصيانة والأمن والسلامة وأيضا المواصلات.
نموذج مقترح لدعم قدرة القطاع الخاص على الاستثمار في التعليم الجامعي للإعلام والاتصال الإنساني
قدم د. عبدالله بن ناصر الحمود مداخلة محددة في هذا الإطار حول الأدوار المتوقعة للقطاع الخاص في الاستثمار في تعليم الإعلام للمرحلة الجامعية، تستند لدراسات سابقة منها دراسة “الاستثمار في التعليم الإعلامي الجامعي في المملكة العربية السعودية” مقدمة للمنتدى الإعلامي السنوي الثالث للجمعية السعودية للإعلام والاتصال الذي تم عقده في مدينة الرياض في شهر ذي القعدة من العام 1426هـ الموافق نوفمبر 2005م. وأشار إلى أنه من المفارقات العجيبة أنه مضى على تلك الجهود العلمية عشر سنوات، مع بقاء المشهد على حاله.
مدخل
يمكن باستقراء مجمل الجهود العلمية في هذا المجال الانتهاء إلى حقائق مهمة من أبرزها:
أولاً: أن التعليم الجامعي والعالي في مجال الإعلام يواجه تحديات كبرى على مستوى الأهداف والوظائف والآليات.
ثانياً: أن المجتمعات العربية بشكل عام غير قادرة وفق آلياتها الرسمية على ملاحقة التغيرات السريعة الكبرى في مجال الإعلام والاتصال وعلى توفير متطلبات التعليم الإعلامي الفعال سواء من خلال توفير المكتبات والمراجع المتخصصة ودعم وتشجيع التأليف والنشر في قطاع الإعلام أم من حيث البنى التنظيمية الرسمية القادرة على أحداث تغييرات فاعلة وسريعة.
ثالثاً: هناك ثمة مشكلة متجذرة في مستوى التوائم بين مخرجات أقسام الإعلام والاحتياجات الفعلية لسوق العمل، حيث ألقت تلك المشكلات التي يعاني منها قطاع التعليم الإعلامي الحكومي بثقلها على طبيعة المخرج النهائي لتلك الأقسام من حيث ضعف تأهيله بشكل عام والنقص الحاد في التأهيل المهني والتدريب التقني بشكل خاص. وبشكل أكثر تحديدا التدني الكبير في المعرفة التخصصية الإعلامية بطبيعة التغير في التقنية الإعلامية العاملة في أرض الواقع الإعلامي والاتصالي المعاش اليوم. وتزداد هذه الإشكالية بروزا، في المرحلة الراهنة التي تسيدت فيه شبكات التواصل الاجتماعي المشهد الإعلامي.
رابعاً: أنه على الرغم من بروز الحاجة الكبرى لسد هذا النقص وتسديد هذا العجز، إلا أن القطاع الخاص لا يزال متخوفا من أن يخوض هذه التجربة نظراً لتكلفتها في المقام الأول ولعدم ضمان العائد الأكبر المادي منها فيما لو تم خوض التجربة.
خامساً: أن التجارب الموجودة في المنطقة العربية للتعليم الإعلامي عبر القطاع الخاص اتجهت بشكل أوسع وأكبر للتأهيل على مستوى الدورات قصيرة ومتوسطة وطويلة المدى، وقد استطاعت بذلك هذه الجهود أن تحقق شيئاً من المخرج الإعلامي النهائي القادر على التفاعل – ولو بقدر- مع احتياجات السوق، وهو الأمر الذي يشير إلى التخوف من جديد، وقد يحول دون الإقدام على التعليم الجامعي والعالي في القطاع الخاص.
إن السوق الإعلامية اليوم سوق سريعة ومتحركة والتعليم الجامعي يحتاج وقتاً وصبراً وأناة، وهو على جانب كبير من الأهمية خاصة في ظل الاحتياج المتزايد لممارسي الإعلام في مختلف مجالاته من المؤهلين وفق احتياج السوق حالياً. ولعل غياب برامج تطبيقية معدة باحتراف هو السمة الغالبة على كل المحاولات الخجولة القائمة، وحتى التجارب التي تمت تحت مظلة اتحاد إذاعات الدول العربية لا يمكن تصنفيها في قائمة برامج التدريب.
ويمكن توصيف العلاقة بين السوق الإعلامية الحالية ومخرجات أقسام الإعلام بعدد من السمات التي يمكن إيجازها من بعض الدراسات التي تمت في هذا الإطار، فيما يلي:
يعد المتخرجون في مجال الإعلام مؤهلون بشكل أكبر في جانب البناء المعلوماتي، مقارنة بالبناء الفكري الذي جاء في المرتبة الثانية، والتأهيل المهني الذي جاء في المرتبة الثالثة.
يتوافر المتخرجون في أقسام الإعلام على الرصيد المعرفي اللازم عن تاريخ الإعلام إضافة إلى إلمامهم بتاريخ المجتمع السعودي وأوضاعه المعاصرة وتاريخ الإعلام فيه، بشكل يفوق إلمامهم بالأوضاع الدولية المعاصرة.
يقل فهم خريجي الإعلام لأهمية الإعلام ووظائفه، كما تقل معرفة المتخرجين بالاتجاهات التخصصية التي تحكم الإعلام الحديث، ومنظومة الشبكات الاجتماعية وتطبيقات الويب المتعددة ذات الاستخدامات الجماهيرية.
يعود النقص الملحوظ على التأهيل المهني لخريجي الإعلام، إلى عدم كفاية ما يمتلكه المتخرجون من مهارات للمتطلبات الحالية لسوق العمل الإعلامي وبخاصة في جوانب اللغة الإنجليزية، مهارات الإنتاج الإعلامي، إعداد الدراسات الإعلامية، استخدام التقنيات الإعلامية الحديثة، التخطيط للعمل الإعلامي وإدارته، وتشعيل وإدارة التطبيقات الجديدة على الإنترنت.
يبدو سوق العمل الإعلامي في المملكة بحاجة للعديد من التخصصات الإعلامية الدقيقة مثل الجوانب الفنية في العمل: الإخراج، التصوير،… إضافة إلى التعامل مع التقنيات الإعلامية الحديثة: الإنترنت بتطبيقاتها وشبكاتها المتعددة، والصحف الإلكترونية. كما يحتاج لإعلاميين يجيدون أكثر من لغة ويتوافرون على مهارات العمل في مجالات الدعاية والإعلان والإعداد المهني المتميز للمواد الإعلامية، إضافة إلى احتياج السوق للإعلاميين القادرين على القيام بمتطلبات الإعلام النوعي وبرامج تحسين الصورة.
من أجل ذلك، نعرض هنا، نموذجا لدراسة حاجات سوق العمل وقدرة القطاع التعليمي الخاص على تلبيتها. ففي ضوء التراكمات العلمية المتاحة حول مستقبل التطورات النوعية لسوق العمل الإعلامي في المملكة، وتبعا لما يمكن للقطاع الخاص أن يساهم به في إنشاء ورعاية مؤسسات كبرى للتعليم الجامعي والعالي في مجال الإعلام، يمكن النظر إلى هذا النموذج، باعتباره نقطة انطلاق مهمة للتوجه الجاد للاستثمار في المساهمة في العملية التنموية الشاملة للمجتمع، وبما يحقق عوائد مادية ومعنوية مهمة للإنسان السعودي، والعربي بشكل عام. ويقوم هذا النموذج المقترح على عدد من البنود وفق ما يلي:
أولاً: منطلقات بناء النموذج:
1- لا يمكن النظر إلى هذا النموذج المقترح لدراسة حاجات سوق العمل في قطاع الإعلام، ومدى قدرة المؤسسات الخاصة التعليمية على تلبيتها باعتباره صالح لإجراء دراسات الجدوى الاقتصادية أو التسويقية لمثل هذه المشروعات، ولكن هذا النموذج يعد نموذجاً فعالاً ومهماً للتعرف الأولي على واقع تلك الحاجات، واستكشاف مدى قدرة التعليم الخاص على تلبيتها، بحيث ينبغي عند استشراف البيئة العامة التي يكفلها هذا النموذج، اتخاذ التدابير العلمية المتخصصة اللازمة، لمثل هذه المجالات.
2- إنه وعلى الرغم من مضي أكثر من ربع قرن على العديد من الدراسات والندوات والمؤتمرات المتخصصة الهادفة لدعم قدرة المؤسسات الحكومية على تحسين أوضاع تعليم الإعلام، وعلى الرغم – أيضا- من أن الملاحظة العابرة والدراسات المتخصصة تشير إلى أن تقدماً ملموساً على أرض الواقع لم يحدث، إلا أن الأمل لا يزال معقودا في أن تقوم الجامعات العربية والخليجية وبشكل خاص الجامعات السعودية بتحرك ملحوظ في تحسين أوضاع التعليم والتدريب في مجال الإعلام، ذلك أن مخرجات تلك الأقسام لا يمكن – مع الأسف الشديد- الاستناد إليها في مواكبة التغيرات الكبرى على المسرح الإعلامي والاتصالي في أرض الواقع.
ثانياً: الهدف من النموذج:
يهدف هذا النموذج إلى دعوة المهتمين من المختصين في مجال الإعلام والاتصال، وكذا المستثمرين في مجال الخدمات المجتمعية، إلى إجراء دراسة علمية مقننة، تجمع بين المنهجين الكمي والكيفي، لتستشرف حاجات سوق العمل في المملكة العربية السعودية في مجال الإعلام والاتصال، ومدى قدرة القطاع التعليمي الخاص على تلبيتها.
ثالثاً: المجتمعات التي يمكن دراستها:
يستهدف هذا النموذج لتحقيق أهدافه تطبيقه على مجموعة من الفئات المجتمعية المختلفة. ومن أهم هذه الفئات:
1- الخبراء الأكاديميون من أعضاء هيئة التدريس في أقسام وكليات الإعلام في المملكة العربية السعودية ومن في حكمهم.
2- الخبراء المهنيون الممارسون للعمل الإعلامي بشتى أنواعه المسموعة والمرئية والمقروءة، بما يشمل كل التطورات الجديدة في مجال الإعلام والاتصال من أصحاب الشركات والمؤسسات العاملة في هذا المجال.
3- الرسميون المعنيون في قطاع الإعلام والاتصال في الوزارات والمصالح الحكومية والجامعات ونحو ذلك.
4- الشركات والمؤسسات الكبرى المستفيدة من خدمات الإعلاميين سواء كانت إفادتهم عن طريق الاستشارات العلمية أو الخدمات التنفيذية المختلفة على نحو إنتاج المواد الإعلامية وتصميم وتنفيذ الحملات الإعلامية والإعلانية وبرامج العلاقات العامة ونحو ذلك.
5- المستثمرون، بما يشمل كبار المستثمرين في القطاعات التعليمية المختلفة وكذا أصحاب رؤوس الأموال الذين يمكنهم التوجه إلى الاستثمار في القطاع التعليمي.
6- الشركات والمؤسسات الكبرى غير السعودية والتي لها علاقات تعاقدية أو تضامنية أو استثمارية، أو يمكن أن يكون لها ذلك، في قطاع التعليم في المجتمع السعودي.
7- الطلاب المتوقع اهتمامهم بهذا النوع من التعليم ويشمل ذلك طلاب المرحلة الثانوية ومن في حكمهم وقد يشمل طلاب المرحلة الجامعية أو السنوات الأولى منها في أقسام الإعلام في المملكة.
رابعاً: عناصر النموذج:
تم بناء هذا النموذج ليكون قادراً على الإجابة على مجموعة من التساؤلات المهمة التي ينبغي إثارتها عند التوجه لإنشاء كليات أو أكاديميات خاصة للإعلام، في المجتمع السعودي، وتتلخص عناصر هذا النموذج فيما يلي:
1- مدى حاجة سوق العمل السعودي خلال العشرين سنة القادمة لخريجي الإعلام المؤهلين جيداً.
ولاستيفاء متطلبات هذا العنصر، ينبغي التوجه إلى الفئات المستهدفة بالدراسة والطلب إليهم تحديد إلى أي مدى يعتقدون احتياج سوق العمل. ويمكن هنا استخدام المقياس الخماسي.
2- مستوى تأهيل خريجي أقسام الإعلام في الجامعات الحكومية الحالية في المملكة من حيث قدرتهم على تلبية احتياجات سوق العمل.
ولاستيفاء متطلبات هذا العنصر، ينبغي التوجه إلى الفئات المستهدفة بالدراسة للتعرف على تقويمهم العام لمستوى تأهيل الخريجين وذلك اتساقاً مع طبيعة الاحتياجات التي يعتقدونها في سوق العمل. وقد يكون ملائما للتعرف على اتجاهات المبحوثين نحو هذا المجال استخدام المقياس الثلاثي.
3- طبيعة المشكلات التي يواجهها المتخرجون من أقسام الإعلام.
ولاستيفاء متطلبات هذا العنصر، ينبغي النظر إلى أنه في حال الإقرار بعدد من المشكلات فمن المهم التعرف على اتجاهاتها، بحيث يمكن التعرف على ما إذا كانت تلك المشكلات تتعلق بقلة أعداد المتخرجين من حاملي شهادات الإعلام أم أنها ذات علاقة بضعف التأهيل النظري للمتخرجين في أقسام الإعلام في المملكة، أم ضعف التأهيلي التطبيقي لهم، أم أن المشكلة في ارتفاع أجور المتخرجين السعوديين بعد التحاقهم بالعمل في مقابل أجور الإعلاميين من المستقدمين، أم أن أساتذة الإعلام لا يتوافرون على الخبرات المتقدمة الحديثة، أم أن ثمة مشكلة ناتجة عن تسرب أعضاء هيئة التدريس من أقسام الإعلام الحكومية بالشكل الذي تدنى معه المستوى العام للطلاب. وهناك ثمة مشكلة أخرى يمكن فحصها وهي مدى وجود تدنٍّ في مستوى الولاء الوظيفي والانضباط للشباب السعودي المتخرج.
4- مجالات التأهيل الإعلامي التي يحتاجها سوق العمل السعودي خلال السنوات العشر القادمة.
وهنا ينبغي النظر إلى أن السوق الإعلامية والاتصالية في المملكة هي سوق متغيرة ومتطورة باستمرار وبذلك ينبغي التوجه للفئات المستهدفة بالدراسة للتعرف على اتجاهاتهم نحو أهم المجالات التي يعتقدون أولوياتها في المرحلة القادمة من بين مجالات التأهيل الإعلامي المختلفة: التحرير الإعلامي (الصحفي، الإذاعي، التلفزيوني،…)، الإنتاج الإعلامي (التصوير، الإضاءة، الصف، المنتاج،…)، فنون الطباعة، الإخراج التلفزيوني، الإخراج الصحفي، الإخراج الإذاعي، فلسفة الإعلام (الأسس الفكرية، النظريات،…)، المسرح (النصوص المسرحية، التمثيل، الإخراج المسرحي،…)، العلاقات العامة (إدارة العلاقات العامة، تنفيذ مهامات العلاقات العامة،…)، الإعلان (التصميمات الإعلانية، الحملات الإعلانية،…)، السينما (النصوص السينمائية، التمثيل السينمائي، الإخراج السينمائي،…)، النشر الإلكتروني (صفحات الويب، العروض التقديمية،…)، إدارة المؤسسات الإعلامية (إدارة المؤسسات الأهلية، إدارة المؤسسات الحكومية، البحوث والدراسات الإعلامية،…)، ويشمل ذلك الإعلام التقليدي، والإعلام الجديد بكافة تطبيقاته وبيئاته الإلكترونية.
5- مدى إمكانية إقبال خريجي الثانويات العامة في المجتمع السعودي على دراسة المرحلة الجامعية للإعلام في كليات خاصة.
وهنا ينبغي التوجه للتعرف على إمكانية أن يكون إقبال خريجي الثانويات في المجتمع على دراسة المرحلة الجامعية للإعلام في كليات، ضمن القطاع الخاص، إقبالاً عالياً جداً أم أنه دون ذلك. وقد يحسن هنا استخدام المقياس الخماسي.
6- مستويات التأهيل التي يمكن لسوق العمل الإعلامي في المملكة أن يحتاجها خلال السنوات العشر القادمة.
وهنا ينبغي التوجه للتعرف على أولويات مستويات التأهيل المطلوبة في حالة تم التوجه لإنشاء كليات خاصة للإعلام، حيث تتراوح تلك المستويات بين مستويات الدراسات العليا في الماجستير والدكتوراه إلى مستوى البكالوريوس ثم الدبلومات العالية سواء كانت مدتها سنتان أو سنة واحدة، وحتى الدبلوم الذي يمكن أن يعطى في الإعلام لمدة سنتين أو سنة واحدة بعد المرحلة الثانوية.
7- المنطقة الأفضل لإنشاء كلية أهلية (قطاع خاص) للإعلام من بين مناطق المملكة.
وهنا يمكن التعرف على أفضل المناطق والمدن التي يمكن إنشاء كليات خاصة لتدريس الإعلام فيها.
8- مدى إمكانية إقبال المستثمرين السعوديين على الاستثمار في مجال التدريب والتعليم الإعلامي العالي.
وهنا يحسن التعرف على إمكانية إقبال المستثمرين السعوديين على ذلك وقد يحسن هنا استخدام المقياس الخماسي.
9- معوقات الاستثمار في تدريس الإعلام في القطاع الخاص في المملكة العربية السعودية.
وهنا يمكن التعرف على أهم تلك المعوقات في حال وجودها، مع أنه بالإمكان الحصول على نتائج تفيد بعدم وجود معوقات أصلاً. وفي حال كانت هناك معوقات فينبغي التعرف عليها على نحو: ضعف مستوى الأنظمة والقوانين، وضعف الطلب على التأهيل الإعلامي المدفوع، والاكتفاء بالتعليم الجامعي والعالي الحكومي، والبيروقراطية والتأخير وعدم وضوح الإجراءات اللازمة لإنشاء مؤسسات تعليمية خاصة، وندرة أعضاء هيئة التدريس السعوديين القادرين على التعليم الإعلامي الحديث، وارتفاع تكلفة الاستثمار في هذا النوع من التعليم لحاجة التعليم والتدريب الإعلامي لمعامل وتجهيزات تقنية متقدمة، وقناعة بعض قياديي العمل الإعلامي أن النجاح في مهنة الإعلام ليس مرتبطا بمستوى التأهيل الجامعي، وضعف العوائد الربحية المتوقعة من الاستثمار في هذا المجال، والمنافسة الأجنبية الممكنة ضمن مشروعات الاستثمار الأجنبي في المملكة، ومحدودية السوق الإعلامية وإمكان سد حاجاتها بعدد قليل من المؤهلين، ونحو ذلك من المعوقات التي يمكن أن تعوق عملية الاستثمار في تدريس الإعلام في القطاع الخاص في المملكة.
10- الجهات التي يمكن أن تكون مؤهلة لإنشاء كلية أهلية (قطاع خاص).
وهنا يمكن التوجه للتعرف على أفضل الجهات التي يمكنها القيام بمهامات الاستثمار في إنشاء كليات خاصة للإعلام، حيث من هذه الجهات: مستثمرون مستقلون سعوديون، إعلاميون ومؤسسات إعلامية محلية، مستثمرون مستقلون سعوديون وأجانب، تعاقدات دولية (شراكة مع كليات أو جامعات خارجية).
11- خصائص الفئات المستهدفة بالدراسة.
وهنا ينبغي التوجه – ولأغراض إحصائية- إلى تحديد مجموعة من المتغيرات المستقلة التي تعبر عن خصائص وسمات مجتمعات الدراسة، حيث يمكن الإفادة من الخصائص والسمات التالية:
أ- مجال العمل:
وهنا ينبغي التفريق بين مجالات العمل التالية: تدريس الإعلام، العمل في قناة تلفزيونية حكومية، العمل في قناة تلفزيونية في القطاع الخاص، الصحافة، العلاقات العامة والإعلام في القطاع الحكومي، العلاقات العامة والإعلام في القطاع الخاص.
ب- التأهيل الدراسي.
وهنا يمكن التعرف على مستويات التأهيل الدراسي للفئات المستهدفة بحيث يمكن التفريق بين حملة الدكتوراه والماجستير والبكالوريوس في الإعلام أو مجال آخر إضافة لمن هم دون البكالوريوس.
ج- جهة الحصول على المؤهل.
وهنا ينبغي التفريق بين من حصلوا على مؤهلاتهم الدراسية داخل المملكة ومن حصلوا على تلك المؤهلات خارجها.
د- الجنس.
وذلك للتعرف على نسبة الذكور إلى الإناث من بين الفئات المستهدفة بالدراسة.
ه- مدى الخبرات في التعامل مع المؤسسات الإعلامية في القطاع الخاص.
وهنا يمكن التعرف على مدى التمتع بخبرات كثيرة أو قليلة وقد يحسن هنا المقياس الثلاثي بحيث يتضح من ليس لديهم خبرات في مقابل من خبراتهم أقل من ثلاث سنوات أو أولئك الذين تتجاوز خبراتهم ثلاث سنوات في التعامل مع المؤسسات الإعلامية الخاصة.
و- مجال الخبرات في القطاع الخاص.
وهنا ينبغي التوجه لأولئك الذين لديهم خبرات في التعامل مع القطاع الخاص للتعرف على نوع ومجال تلك الخبرات، بحيث يمكن التعرف على ما إذا كانت تلك الخبرات في قيادة منشأة إعلامية خاصة أو أكثر، أم عمل استشاري في منشأة إعلامية خاصة أو أكثر، أم أعمال تنفيذية في منشأة إعلامية خاصة أو أكثر.
خامساً: النتيجة المتوقعة من تطبيق البرنامج:
باختصار شديد، يمكن القول أن تطبيق هذا البرنامج سيساعد كثيراً في التعرف على ما إذا كان للقطاع الخاص في المملكة العربية السعودية قدرة على المساهمة في العملية التعليمية العالية في مجال الإعلام بعد أن يتم الكشف على أهم اتجاهات احتياجات سوق العمل وتطلعاته خلال عقد قادم من الزمن.
إن هذه النتيجة مهمة جداً، حتى يمكن البدء بشكل صحيح لمواجهة تحديات إعلامية كبرى بقي العالم العربي يتحدث حولها أكثر من ربع قرن دون أن تكون المؤسسات القائمة الحكومية قادرة على مواجهتها.
إن القطاع الخاص اليوم وفي المجتمع السعودي، بشكل أكثر تحديداً، قطاع واعد وله تجارب متقدمة في دعم العملية التنموية التي يشهدها المجتمع، ويمثل اتجاه هذا القطاع للاستثمار في مجال الإعلام توجها مرحلياً حاسماً، وحتى يكون هذا التوجه مؤسسا بطريقة علمية سليمة فإن هذا البرنامج العلمي المقترح يعطي ضوء أخضر للبدء بشكل صحيح في التفكير المنطقي في استثمار الإنسان والمال لخدمة القضايا الكلية للمجتمع.
خصخصة الأندية
في مجال آخر من مجالات الخصخصة، أوضح أ. عبدالله الضويحي فيما يتعلق بخصخصة الأندية والاعتقاد بأنها لو تمت ستوفر مبالغ طائلة على الدولة أهمية الإشارة إلى نقطتين هامتين:
الأولى: أنه ليس متفائلا بالخصخصة فالمستثمر يحسب رياله وأين يضعه !؟
لا يمكن أن يستثمر في كيانات مديونة فبعض الأندية أعلن أن ديونه بلغت 180 مليون ريال وبعضها في حدود الخمسين وهنا نتحدث عن الأندية الكبيرة القابلة للاستثمار والبنوك رفضت تقديم أية قروض لها مالم تحصل على ضمان من جهة رسمية ( رعاية الشباب ).
الثانية: الدولة لن تستفيد من خصخصة الأندية فائدة تذكر فهي – أي الدولة – لا تدفع للأندية أية ميزانيات أو مبالغ ولا للاتحادات الرياضية كما يتصور البعض.. فرواتب اللاعبين ومكافآتهم والمدربين والإداريين تدفعها الأندية والوضع نفسه مع الاتحادات الرياضية واتحاد كرة القدم.
الدولة أنشأت مقرات الأندية والملاعب وتدفع ما يلي:
معونة احتراف بقيمة 3 ملايين لكل ناد من أندية الدوري الممتاز وتم تخفيضها إلى النصف وتصرف على دفعتين كل دفعة تتأخر بضعة أشهر وهذه لا تغطي راتب لاعب واحد لبضعة أشهر.
إعانة لكل ناد مقابل نشاطات شبابية واجتماعية ورياضية لا تتجاوز 30 مليون ريال توزع على 153 ناد حسب ما قام به من نشاط.
أما المصاريف الأخرى والعقود والرواتب .. إلخ فهي من أعضاء الشرف أو عقود الرعاية وحقوقها من بيع الدوري ومن التلفزيوني.
هذا ما يتعلق بالأندية ..
من جانب آخر:
ميزانية اللجنة الأولمبية القطرية 100مليون ريال.
وكذلك اللجنة الأولمبية الإماراتية.
ميزانية اللجنة الأولمبية البحرينية 54 ما يعادل مليون ريال.
بينما:
ميزانية اللجنة الأولمبية السعودية 6 ملايين ريال وقبل سنوات قليلة وبعد محاولات ومطالبة برفعها لـ 100 مليون تم رفعها إلى عشرة ملايين فقط ولازالت.
اتحاد القدم كانت ميزانيته 18 مليون ويمون نفسه ذاتيا من نسبته من بيع الدوري والإعلانات والنقل التلفزيوني ورعاية البطولات كما حصل في دورة الخليج.
الاتحادات الأخرى ميزانية كل اتحاد 3 ملايين ريال شاملة المصاريف الإدارية.
هذه ليست دفاعا عن رعاية الشباب ولا مبررات لكنها فقط حقائق لأن كثيرين يعتقدون أن كل ما يصرف على الرياضة والأندية هو من ضمن ميزانية رعاية الشباب.
الاتحادات الرياضية مستقلة عن رعاية الشباب وبالذات اتحاد القدم ولا تستطيع التدخل في شؤونه.
الخصخصة من الزاوية الاجتماعية
تناول د. خالد الرديعان قضية الخصخصة من الزاوية الاجتماعية بالإشارة إلى النقاط المحددة التالية:
أولا: الخصخصة قد تؤدي إلى ارتفاع مستويات البطالة بحكم أن مجتمعنا مختلف عن غيره من المجتمعات؛ فقيم العمل والإنتاج ليست أولوية في الذهنية الفردية مقارنة بقيم أخرى تكرس الاتكالية ونوع العمل الذي يمارسه كل منا.. ورغم أهمية الخصخصة في دفع عجلة الإنتاج بالمفهوم الرأسمالي الذي نعرفه عنها إلا أن مستويات البطالة التي قد ترتفع ستزيد من حدة التوترات الاجتماعية.
ثانيا: قد تلجأ القطاعات التي يتم خصخصتها إلى العمالة الوافدة والخبرات الأجنبية لسد النقص في كوادرها بحكم أنها تفكر بالربح مما سيزيد من مستويات البطالة كما ذكرنا أعلاه ومما سيتسبب بمشكلات في التركيبة السكانية كما هو الحال في دولة الامارات حيث يشكل السكان الأصليون ما نسبته ١٨٪ مقابل ٨٢٪ للوافدين وهذا خطر كبير في بلد كالسعودية حيث أن انظمتنا لا تستطيع التجاوب مع متطلبات الوافدين الأمر الذي سينجم عنه تدخلات دولية في سياستنا الاجتماعية.
ثالثا: الخصخصة تستوجب إجراء تغييرات جذرية في معظم أنظمتنا السياسية والاقتصادية والاجتماعية والتشريعية بهدف موافقة كثيرا من المعايير الدولية لضمان الشفافية وتجنب الفساد المالي والإداري. هذا الشرط يصعب تطبيقه في ظل ما هو قائم من بنية تشريعية وثقافة اجتماعية تكرس أنماط تقليدية يصعب زحزحتها.
رابعا: الخصخصة تستوجب وجود تنظيمات عمالية ونقابات مهنية لحماية حقوق العاملين فهل بيئتنا التشريعية والسياسية تساعد في ظهور هذه التنظيمات؟ أتوقع أنه في حال منع هذه التنظيمات من الظهور وممارسة نفوذها أن ذلك سيقود إلى هزات اجتماعية كبيرة وأزمات اقتصادية غير منظورة.
خامسا: أن تكون الدولة هي المنسق العام coordinator للاقتصاد والقطاعات المنتجة بعد الخصخصة يستوجب تغييرات سياسية جوهرية في نظام الحكم وإدارته بما في ذلك إمارات المناطق وجميع المناصب التي تعتبر key positionss في الدولة بحكم أن الربح هو سيد الموقف إضافة إلى الكفاءة في العمل والنزاهة.. هذا الشرط سيهمش فئات اجتماعية كانت نافذة مما سيخلق تشظي اجتماعي واستقطابات تؤثر على مجمل البنية الاجتماعية.
ويرى د. حميد المزروع أنه إذا لم تكن أحد أهم أهداف الخصخصة توفير فرص العمل، وتوزيع ثروات الوطن بعدالة علي المواطنين فإن أبعادها الاجتماعية ستكون سلبية علي المجتمع خاصة في الأمد القريب.
لعل سياسة التخصيص التدريجي تقلل من المخاطر السلبية لتخصيص المرافق الاقتصادية بشكل سريع ، خاصة إذا ما أخدنا بعين الاعتبار بأن أهم أدوات نجاح سياسة التخصيص هي أولا تأهيل القوي العاملة الماهرة التي تستهدف الجودة بالإنتاج ، والمنافسة ،واحترام ضوابط العمل.
وفي نفس الإطار يرى أ. أسامة كردي أنه من أهم الأولويات مسألة العدالة الاجتماعية سواء عند التخصيص أو عند تشغيل الأعمال التي تم تخصيصها .. و بالتالي أهمية تكليف جهة محددة بأعمال التخصيص مسؤولة عن تحقيق أهداف التخصيص و التشغيل الصحيح للجهات المخصصة .. بمعنى أن يستفيد المواطن استفادة واضحة من إجراءات التخصيص بمشاركته في شراء الأسهم ثم استفادته من نتائج التخصيص بتوفر منتج أو خدمة مرتفعة النوعية و منخفضة التكاليف .. لا ننسى أن الدخل المتحقق من التخصيص يجب أن لا يدخل ميزانية الحكومة كمصروفات بل أن يدخل في عملية استثمارية تدر دخلا مستداما.
المشاركون في مناقشات هذا التقرير:
(حسب الحروف الأبجدية )
د. إبراهيم إسماعيل عبده (مُعِدّ التقرير)
د. إبراهيم البعيز
عقيد ركن. إبراهيم آل مرعي
أ. إدريس الدريس
أ. أسامة كردي
السفير أ. أسامة نقلي
د. الجازي الشبيكي
د. حاتم المرزوقي
د. حامد الشراري
م. حسام بحيري
د. حسين الحكمي
د. حمد التويجري
د. حمزة بيت المال
د. حميد المزروع
د. خالد الرديعان (رئيس لجنة التقرير الشهري)
م. خالد العثمان
أ. خالد الحارثي
أ. خالد الوابل
د. خالد بن دهيش
د. زياد الدريس
م. سالم المري
د. سامية العمودي
اللواء د. سعد الشهراني
أ. سعيد الزهراني
أ. سمير خميس
أ.د صالح المانع
أ.د صدقة فاضل
د. طلحة فدعق
د. عائشة حجازي
أ.د. عبدالرحمن العناد
د. عبدالرحمن الهدلق
د. عبدالسلام الوايل
أ. عبدالله آل حامد
د. عبداللطيف العوين
د. عبدالله بن ناصر الحمود
د. عبد الله بن صالح الحمود
أ. عبدالله الضويحي
أ. عبدالله بن كدسه
أ. عدنان المرشد
أ. علي بن علي
اللواء. علي الحارثي
د. علي الحكمي (رئيس اللجنة الإشرافية على منتدى أسبار)
أ. علي بن علي
أ. علياء البازعي
أ. فاطمة الشريف
د. فايز الشهري
أ. فايزة الحربي
د. فهد الحارثي
أ. فوزية الجار الله
د. فوزية أبو خالد
أ. كوثر الأربش
أ. ليلى الشهراني
د. محمد القويز
د. محمد سالم الصبان
د. مساعد المحيا
د. مسفر السلولي
أ. مسفر الموسى
أ. مطشر المرشد
أ. مها عقيل
د. منصور المطيري
د. ناصر البريك
د. ناصر القعود
أ. ندى القنيبط
د.م. نصر الصحاف
أ. هيا السهلي
أ. وليد الحارثي
أ. يحيي الأمير
د. يحيى الحارثي
أ. يوسف الكويليت