التقرير الشهري رقم (53)
1 يونيو 2019

:تمهيد
:المحتويات
:الملخص التنفيذي
تضمنت الورقة الرئيسة الإشارة إلى مقدمة تمهيدية حول مجموعة العشرين (G20)، وانضمام المملكة العربية السعودية لها، وكون المملكة هي الدولة العربية الوحيدة في المجموعة، وهل استفادت السعودية من انضمامها لمجموعة العشرين (G20)، واختتمت بعرض البيان الختامي لقمة مجموعة العشرين (G20) أوساكا – اليابان.
وعرض التعقيب الأول لأبرز الموضوعات التي ناقشتها القمة ومنها: الاقتصاد العالمي، والسعي لنمو اقتصادي عالمي قوي، والتجارة والاستثمار، وفائض الإنتاج من الحديد، والابتكار، والاستثمار في البنية التحتية ذات الجودة، والمالية العالمية، ومكافحة الفساد وغيرها من الموضوعات. كما أشار إلى بعض الملاحظات التي انتهى إليها البيان الختامي للقمة.
أما التعقيب الثاني فقد أكد على أن الحديث حول قمة العشرين لا يمكن إلا أن يكون مزيجاً بين السياسة والاقتصاد، وأن القمة لا تعدو عن كونها تجمعاً للنقاش حول القضايا الكلية التي تهتم بها الدول الكبرى بشكل أساسي، وتستثمر الدول المشاركة تواجدها في القمة لتوحيد المواقف ودعم المبادرات وتحقيق المصالح، كما أنها فرصة مواتية لعقد الاجتماعات الثنائية مع زعماء الدول الرئيسة في العالم، وكل دولة تعمل على توجيه القمة وفق مصالحها وتستفيد منها وفق مركزها العالمي وأجندتها السياسية والاقتصادية، وقوة تحضيرها خلال العام، باختصار هو “نادي للكبار” فيه نظام مفتوح وبعض بروتكولات صارت عرفاً.
واتفقت المداخلات في مجملها على أهمية مشاركة المملكة في القمة، في حين تباينت الآراء حول المردود الكمي والنوعي لمجموعة العشرين والأبعاد الحالية والمستقبلية المرتبطة بها.
وتضمنت المداخلات حول القضية المحاور التالية:
s الهيكل التنظيمي لمجموعة العشرين (G20).
s مجموعة العشرين منافعها ومحاذيرها الاستراتيجية.
s تقييم مشاركة المملكة في مجموعة العشرين (G20).
s استضافة المملكة لاجتماعات مجموعة العشرين (G20) العام القادم: أهدافها وكيفية توظيفها.
ومن أبرز التوصيات التي انتهي إليها المتحاورون في ملتقى أسبار حول قضية: قمة العشرين…. المملكة الأثر والتأثير، ما يلي:
1- اعتبار وجود المملكة في قمة العشرين جزء من المشروع الوطني متمثلا في رؤية 2030، وجعله محوراً من محاور التعاملات الخارجية دبلوماسيا واقتصاديا وتجاريا.
2- استخدام العضوية كمنصة للقوه الناعمة إقليميا ودوليا. وتتمثل هذه القوة في المشاركة في هموم العالم متمثلا في المناخ والبيئة وأيضاً المجاعات والهجرات من الدول الفقيرة إلى الدول الأغنى. وخاصة أن منطقتنا تمثل حصة الأسد في الهجرات نتيجة الثورات والحروب الأهلية.
3- التحضير وكسب الأصوات لإنشاء صندوق شبيه بمشروع مارشال لإعمار أوربا يسمى تيمنا (مشروع الملك سلمان لإعمار الدول المتضررة في الشرق الأوسط) ليحقق ما نادت به قمة أوساكا وكل القمم من الحد من الهجرات غير الشرعية نتيجة الحروب والثورات
ʘ الورقة الرئيسة: د. نوف الغامدي
مقدمة حول مجموعة العشرين (G20)
تمثل مجموعة العشرين G20 ثقلاً اقتصادياً وسياساً عالمياً، حيث تمثل ما يقارب 85 في المائة من حجم الاقتصاد العالمي، و75 في المائة من التجارة العالمية، ويبلغ عدد سكان المجموعة ثلثي سكان العالم. وتملك دول المجموعة سيطرة اقتصادية وسياسية مؤثرة في استقرار ونمو العالم واستدامة موارده. وتلعب دول G20 دورا محوريا في تحقيق الاستقرار الاقتصادي، وتحقيق النمو الاقتصادي والتكامل بين دول المجموعة وبقية دول العالم، الدور الذي يعكس أهمية التقارب العالمي وتوحيد المصالح من أجل نماء وازدهار الحياة على كوكب الأرض.
بدأت المجموعة منذ عام 1999م كنتيجة لمبادرة من مجموعة السبع لتجمع الدول الصناعية الكبرى مع الدول الناشئة لمناقشة المواضيع التي تهم الاقتصاد العالمي، ولا تملك مقراً ثابتاً ولا موظفين وكل عضو يستضيف بالتناوب القمة السنوية واللقاءات الأخرى التي تتم خلال العام. وأسهمت مجموعة العشرين في تحقيق التوافق والتكامل بين الدول في مجالات النمو الاقتصادي، وتحسين النظام المالي العالمي، والتعامل مع الأزمات الاقتصادية والمالية والتصدي لتمويل الإرهاب وغسيل الأموال، وتسعى المجموعة لتطبيق الشفافية وتحسين الحوكمة في الدول الأعضاء للحفاظ على المكتسبات العالمية، وكان ذلك خلال اجتماع لوزراء مالية مجموعة السبع التي ضمت كندا والولايات المتحدة وفرنسا وألمانيا بجانب بريطانيا وإيطاليا واليابان استجابة لضرورة التعاون بين الدول المتقدمة والناشئة بعد الأزمة الآسيوية آنذاك، وقد عقد الاجتماع التأسيسي في برلين في ديسمبر 1999م، وتضم مجموعة العشرين أعضاء يمثلون 19 دولة إلى جانب الاتحاد الأوروبي، وكان حضور اجتماعات مجموعة العشرين في البداية مقتصرا على وزراء المالية وحكام المصارف المركزية للأعضاء عندما أنشئت قبل 19 عاماً، لكن بعد الأزمة المالية عام 2008م وتحديدا في نوفمبر دعا الرئيس الأميركي آنذاك جورج بوش قادة دول مجموعة العشرين إلى واشنطن لتنسيق الاستجابة العالمية للأزمة خاصة بعد تعثر ليمان بروذرز، ما خلق أول قمة لقادة مجموعة العشرين لتصبح قمة سنوية وهي تحتفل بعيدها العاشر في بيونس آيرس ليكون أول اجتماع تستضيفه أميركا الجنوبية، وهذه السنة في أوساكا باليابان.
انضمام المملكة العربية السعودية لمجموعة العشرين (G20)
انضمت السعودية إلى مجموعة العشرين عام 2008 م وذلك في ذروة الأزمة المالية العالمية، وقد شاركت كعضو برئاسة الملك الراحل عبد الله بن عبد العزيز في اجتماع 20 نوفمبر الذي أقيم حينها في واشنطن، ثم شاركت في الاجتماع الثاني في لندن في 2 أبريل عام 2009 م ولاحقاً في كل الاجتماعات الأخرى التي كانت تعقد في الدول التي كانت تستضيف الاجتماعات. وتأكيداً لمكانة المملكة وثِقَلها المؤثر على الاقتصاد العالمي ولمواقفها المعتدلة وقراراتها الاقتصادية الرشيدة التي تَبَنّتها خلال سنوات التنمية الشاملة، إضافة إلى النمو المتوازن للنظام المصرفي السعودي؛ شاركت المملكة في اجتماعات قمة مجموعة العشرين الاقتصادية منذ دورتها الأولى في واشنطن في نوفمبر 2008 م وجاءت هذه المشاركات تأكيداً على مكانة المملكة في المحفل الاقتصادي الدولي، والتزامها بالاستمرار في أداء دور فاعل وإيجابي لتحقيق الاستقرار الاقتصادي العالمي، وعلى دورها في صياغة نظام اقتصادي عالمي يحقق نمواً اقتصادياً عالمياً متوازناً ومستداماً، بما يحافظ على مصالح جميع الدول المتقدمة والنامية.
وتحتل السعودية المرتبة الثالثة بين دول مجموعة العشرين G20 من حيث الاحتياطيات الأجنبية بـ 505.1 مليار دولار “1.9 تريليون ريال”، بعد كل من الصين واليابان، وتشكل الاحتياطيات الأجنبية للسعودية 6.2% من الاحتياطيات الإجمالية لدول المجموعة البالغة 8.2 تريليون دولار، وتساعد احتياطيات الدول من العملات الأجنبية على دعم العملة المحلية، كما يمكن الاستعانة بها في حالة الطوارئ والأزمات الاقتصادية للدول.
المملكة العربية السعودية هي الدولة العربية الوحيدة في مجموعة العشرين (G20)
السعودية من الدول التي تملك اقتصاداً قوياً كما أن لها دورها الكبير والمؤثر في المنطقة على كل الأصعدة، بالإضافة إلى دورها المؤثر على استقرار أسواق الطاقة العالمية، كون السعودية دولة نفطية كان له دوره الكبير في انضمامها إلى مجموعة العشرين، صحيح أن البلاد تخطط لاقتصاد لا يعتمد على النفط ولكن ذلك لا يعني أنها فقدت القوة التي تتمتع بها كلاعب «نفطي» أساسي على الساحة العالمية. السعودية لعلها الدولة الوحيدة التي يمكنها سد أي نقص يحصل في أسواق الطاقة وهذا ما أثبتته في أكثر من مناسبة حين ساهمت بسد عجز عدد من الدول التي توقف إنتاجها النفطي في منطقتنا بسبب الحروب والأزمات. يضاف إلى ذلك واقع أنها تملك إمكانات ضخمة في عمليات الإمدادات للأسواق العالمية.
السعودية وبشهادة عدد من الخبراء الاستراتيجيين هي واحدة من أهم ثلاث دول في العالم بالإضافة إلى أميركا وروسيا لأنها دولة قوية في قطاع الطاقة وهذا ما يجعلها مهمة جداً في هذا المجال خصوصاً وأن لها مساهمات واسعة في أي قرار بقطاع الطاقة في العالم، في المقابل دول مجموعة العشرين يمثلون أكثر من ثلثي حجم اقتصاد العالم وجميع دول العالم مرتبطة ببعضها البعض بالتبادل التجاري. السعودية هي أكبر دولة مصدرة للنفط، والنفط هو أكبر سلعة في التبادل التجاري وبما أنها المنتجع الأكبر لهذه «السلعة» فوجودها منطقي وأساسي في مجموعة العشرين.
والسعودية اليوم تقوم بإصلاحات اقتصادية ومجتمعية كبيرة يقودها ولي العهد الأمير محمد بن سلمان مؤطرة برؤية المملكة 2030 وبالتالي هناك تحول كبير داخل السعودية والعالم الغربي بأمس الحاجة للاطلاع على هذا الجانب. النقطة الأخرى وهو المسار المالي وهو بغاية الأهمية والمملكة من المؤسسين لمجموعة العشرين والفاعلين في هذه المجموعة وحققت أعلى من 73% ولذلك هي من الأعضاء الفاعلين في تحقيق ما تم إقراره في القمم السابقة، كما أن انضمام السعودية لـ “فاتف” مهم خاصة فيما يتعلق بتوجيه بعض الاتهامات المغرضة للمملكة فيما يتعلق بملف تمويل الإرهاب وغسل الأموال، واليوم دخول المملكة في فاتف دليل على تطبيق وتحقيق جميع المتطلبات والمعايير التي تفرضها هذه المجموعة.
هل استفادت السعودية من انضمامها لمجموعة العشرين (G20)؟
الحقيقة أن السعودية أفادت أكثر مما استفادت من عضويتها في مجموعة العشرين. فالمملكة تتمتع باقتصاد قوي وعليه هي لم تكن بحاجة لأي دعم مالي مهما كان نوعه من الدول الأعضاء ولكنها في المقابل، حالها حال جميع الأعضاء، تدفع ما يتوجب عليها من التزامات وتعهدات مالية. كما لم تستفد السعودية أيضاً من صندوق النقد الدولي لأن عملتها مستقرة، وبالتأكيد هي لا تحتاج لمساعدة البنك الدولي.
ولكن عضويتها بالتأكيد ليست بلا فائدة فهي لاعب أساسي ولها رأيها في كل القرارات وبالتالي تؤيد وترفض وتصوت على كل ما يتم طرحه، كما أنها تطرح الملفات التي ترى بأنها تحتاج إلى الطرح والمناقشة. العضوية هذه تمنح المملكة أيضاً القوة والنفوذ على الصعيدين السياسي والاقتصادي؛ فهي في نهاية المطاف طرف مؤثر في صناعة السياسات الاقتصادية العالمية التي تؤثر في اقتصادات كل دول العالم ومن ضمنها الدول العربية. فمن النتائج الإيجابية لعضوية السعودية في مجموعة العشرين توفير قنوات اتصال دورية بكبار صناع السياسات المالية والاقتصادية العالمية، ما يعزز التعاون الثنائي معها.
خلال السنوات الماضية وقعت السعودية اتفاقيات دولية مع دول كبرى كالولايات المتحدة الأميركية وروسيا وفرنسا بأنشطة أعمال طاقة ومعدات عسكرية بالإضافة إلى السماح للشركات الأجنبية بالعمل في السعودية بملكية ١٠٠٪، وكل هذه الأمور تنعكس على التجارة بشكل إيجابي سواء على الصعيد السعودي أو على التجارة الدولية. كما عملت مع دول عديدة على تنظيم الجمارك والضرائب لدعم التجارة الدولية بما يتناسب مع توجه دول العشرين في هذا المجال. وهذه الجهود ساهمت في نمو التجارة العالمية ما جعل السعودية تكتسب أهمية أكبر.
البيان الختامي لقمة مجموعة العشرين (G20) – أوساكا – اليابان
إن البيان الختامي لقمة مجموعة العشرين التي عقدت في مدينة أوساكا باليابان بمشاركة 37 دولة ومنظمة العمل لتعزيز نمو الاقتصاد العالمي، يؤكد مجدداً على الالتزامات المتصلة بأسعار الصرف التي أعلنها وزراء المالية ومحافظو البنوك المركزية في مارس 2018، ودعم الإصلاح الضروري في منظمة التجارة العالمية لتطوير مهامها وأن السياسة النقدية ستستمر في دعم النشاط الاقتصادي وضمان استقرار الأسعار بما يتماشى مع عمل البنوك المركزية.
ومن تابع البيان لاحظ تأكيد قادة دول مجموعة العشرين على أن حدة التوترات التجارية والجيوسياسية تصاعدت، وهيمن عليها النزاع التجاري الصيني-الأمريكي “الأهم هو أن التوترات التجارية والجيوسياسية تصاعدت”، ولا شك أن بيان قمة العشرين مهم جداً، ولكن الاجتماعات الثنائية التي عقدت – ليست هامشية- بل وضعت النقاط على حروف البيان الختامي ورسمت العلاقات الثنائية بين البلدين المُجتمعين، فمن الأمور المهمة الحمائية التي تفرضها إدارة الرئيس دونالد ترمب، مقابل التعددية التي تقترحها حكومة الرئيس الصيني شي جينبينغ. وقد التقي ترمب وشي لبحث مصير الاقتصاد العالمي على وقع الحرب التجارية بين بلديهما. وتهدد واشنطن بفرض رسوم جمركية على كل السلع الصينية التي تستوردها الولايات المتحدة، وهو ما سيشكل نقطة اللاعودة في نزاع تجاري وتكنولوجي بين العملاقين.
إن قادة مجموعة العشرين دعوا لتوفير مناخ تجاري “حر ونزيه وغير منحاز” فكما ذكر البيان “نسعى جاهدين لتوفير مناخ تجاري واستثماري حر نزيه غير منحاز وشفاف ومستقر يمكن التكهن به وإبقاء أسواقنا مفتوحة” كما أن واشنطن ترفض تعيين قضاة لحل النزاعات في المنظمة، في وقت تدفع دول أخرى إلى «تسريع إصلاح المنظمة».
أيضاً موضوع التغير المناخي، فإدارة ترمب ترفض أي حديث عن الاتفاق المناخي الموقّع في باريس عام 2015، كما يرفض قادة آخرون على غرار الرئيس البرازيلي جائير بولسونارو، أي انتقاد غربي لسياساتهم البيئية، بينما علق الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش “بأنه من الواضح أنه سيكون من الصعب تحقيق اختراق”، أما الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، الذي استضافت بلاده توقيع اتفاق المناخ في باريس، قبل أربع سنوات، فقد أوضح خلال القمة أن ملف المناخ هو “الأكثر صعوبة” في القمة، وقد أعلن الفرنسيون والألمان أن دول مجموعة العشرين توصلت إلى توافق بشأن المناخ باستثناء الولايات المتحدة التي انسحبت من الاتفاق عام 2017. وهكذا جدّدت 19 من دول مجموعة العشرين التزامها «التطبيق الكامل» للاتفاق. وقال الموقعون في البيان الختامي للقمة، إنهم متفقون على عدم التراجع عن هذا الاتفاق، مستخدمين لهجة تذكّر بالبيان الختامي لقمة مجموعة العشرين العام الماضي في الأرجنتين، وبالتالي صيغة لا تلزم الولايات المتحدة.
أيضاً الشكوك في النمو العالمي يضغط على أسعار النفط في المقابل التهديدات الإيرانية لإمدادات النفط وهذا يؤثر أيضاً على ارتفاع الأسعار وبالتالي إذا كانت مجموعة العشرين تهتم كثيراً في تحقيق النمو المستدام فإن أكثر ما يؤثر على هذا النمو هو الارتفاع المفاجئ لأسعار النفط، كذلك فإن تهديد النظام الإيراني لصادرات النفط الخليجية من خلال مضيق هرمز أو خليج عُمان سيكون له أثر كبير على الاقتصاد الدولي. يفترض أن يتحمل المجتمع الدولي مسؤولياته لحماية الإمدادات النفطية وتأمين الممرات البحرية والتجارية ضد تهديد النظام الإيراني.
وقد أكدت المملكة العربية السعودية بقيادة ولي العهد الأمير محمد بن سلمان على مواصلة العمل لتحقيق التقدم المنشود في جدول أعمال المجموعة، والعمل مع كافة الدول الأعضاء، خاصة أعضاء الترويكا دولتي اليابان وإيطاليا، لمناقشة القضايا الملحة في القرن الواحد والعشرين، ولتعزيز الابتكار والحفاظ على الأرض ورفاه الإنسان، أيضاً أكد ولي العهد على السعي للوصول إلى الشمولية والعدالة ولتحقيق أكبر قدر من الرخاء، ويظل تمكين المرأة والشباب محورين أساسيين لتحقيق النمو المستدام، وكذلك تشجيع رواد الأعمال والمنشآت الصغيرة والمتوسطة.
أما فيما يتعلق بموضوع التغير المناخي، والسعي لإيجاد حلول عملية ومجدية لخفض الانبعاثات من جميع مصادرها والتكيف مع آثارها، وضمان التوازن البيئي في العالم على أجندتنا تحت رئاسة المملكة للمجموعة، كما ذكر ولي العهد بأن توفير التمويل الكافي لتنفيذ أهداف التنمية المستدامة يعد أحد أهم التحديات التي تواجه العالم، ونحن في أمس الحاجة إلى التعاون مع البلدان منخفضة الدخل في مجالات عديدة مثل الأمن الغذائي، والبنية التحتية، والوصول إلى مصادر الطاقة والمياه، والاستثمار في رأس المال البشري، وستحظى هذه القضايا باهتمامنا العام القادم، كما أن أمن واستدامة المياه وما يترتب عليها من تحديات بيئية وسياسية، هو أحد أهم المواضيع التي تواجه العالم بشكل عام ومنطقة الشرق الأوسط بشكل خاص، وسنعمل معكم لإيجاد سياسات توافقية ومجدية لهذه التحديات.
وأوضح ولي العهد السعودي، أن العالم يعيش في زمن الابتكارات العلمية والتقنية غير المسبوقة، وآفاق النمو غير المحدودة، ويمكن لهذه التقنيات الجديدة مثل الذكاء الاصطناعي وإنترنت الأشياء، في حال تم استخدامها على النحو الأمثل، أن تجلب للعالم فوائد ضخمة، وفي الوقت ذاته فقد ينتج عن هذه الابتكارات تحديات جديدة مثل تغير أنماط العمل والمهارات اللازمة للتأقلم مع مستقبل العمل وكذلك زيادة مخاطر الأمن السيبراني وتدفق المعلومات؛ ما يستوجب علينا معالجة هذه التحديات في أقرب وقت لتفادي تحولها إلى أزمات اقتصادية واجتماعية، وأضاف أنه على الجميع العمل معًا والتعاون مع شركائنا في العالم لخلق بيئة يزدهر فيها العلم وبما يعزز زيادة حجم وفاعلية الاستثمار في مهارات ووظائف المستقبل.
كما أعلن رئيس وزراء اليابان، شينزو آبي، خلال الجلسة الختامية لقمة مجموعة العشرين تولي المملكة العربية السعودية رئاسة مجموعة العشرين المقبلة.
ʘ التعقيبات:
·التعقيب الأول: د. رياض نجم
استعرضت د. نوف الغامدي في الورقة الرئيسة خلفية تاريخية كاملة عن مجموعة العشرين ونشـأتها وانضمام المملكة لهذه المجموعة ومدى استفادتها منها. ثم ختمت الورقة باستعراض القرارات الهامة للقمة في اليابان.
يتساءل البعض: كيف يتم اختيار العشرين دولة؟ والاعتقاد السائد هو أن هذه الدول هي الأكبر في حجم اقتصادها على مستوى العالم. هذا الاعتقاد صحيح إلى حد كبير، إلا أنه ليس دقيقا. فقد تم استبعاد 3 من الدول الأكبر اقتصادا في العالم، وهي اسبانيا (رقم 13) وهولندا (رقم 17) وسويسرا (رقم 19). وتم الاستعاضة عن هذه الدول، لأسباب سياسية، بالاتحاد الأوروبي لتخفيف التواجد الأوروبي وتمثيل باقي الدول الأوروبية غير الموجودة في قائمة العشرين، وجنوب افريقيا لتمثيل القارة الافريقية بالرغم أن ترتيبها فوق 30، والأرجنتين لأنها كانت من أكبر الدول المدينة وكثرت المشاكل المالية فيها عام 2008 عندما تم توسع مجموعة دول السبعة إلى مجموعة دول العشرين.
وعند استعراض البيان الختامي لقمة العشرين في اليابان (43 فقرة) على الرابط:
https://www.g20.org/pdf/documents/en/FINAL_G20_Osaka_Leaders_Declaration.pdf
نجد أنها شملت المواضيع الرئيسية التالية:
الاقتصاد العالمي.
السعي لنمو اقتصادي عالمي قوي:
– التجارة والاستثمار.
– فائض الإنتاج من الحديد.
– الابتكار: الرقمنة / التدفق الحر للبيانات / الثقة.
– الاستثمار في البنية التحتية ذات الجودة.
المالية العالمية.
مكافحة الفساد.
تكوين دورة نمو نبيلة بمعالجة عدم المساواة:
– العمل والتوظيف.
– تمكين المرأة.
– السياحة.
– الزراعة.
تحقيق عالم شامل ومستدام:
– التنمية.
– الصحة في العالم.
– قضايا وتحديات البيئة.
– التغير المناخي.
– الطاقة.
– البيئة.
– النزوح والهجرة.
يسترعي انتباهنا من هذا البيان الختامي الملاحظات التالية:
s إن المواضيع ذات الاهتمام على المستوى العالمي لا تختلف كثيرا من قمة عشرين إلى أخرى. وأفضل ما يمكن أن تقوم بها الدولة المستضيفة للقمة هو في زيادة التركيز على الجوانب الأهم بالنسبة لها.
s التشابه الكبير بين البيان الختامي لقادة دول المجموعة والبيان الختامي لقمة مجموعة المشاركة لمخازن التفكير T20 التي عقدت في اليابان أواخر شهر مايو وتشرفت بتمثيل ملتقى أسبار فيها. وهذا يؤكد مدى أهمية الـ T20 ضمن منظومة مجموعة العشرين بالرغم من وجود 7 مجموعات مشاركة غيرها في المنظومة.
s التركيز في بيان القمة هو على الجوانب المالية والاقتصادية والتنمية المستدامة في المجالات المختلفة.
s التركيز على نقاط الاتفاق بين الدول الأعضاء وتجنب ذكر النقاط الخلافية. فلا نجد شيئا يذكر عن الصراعات القائمة في العالم سواء في منطقتنا أو في غيرها من المناطق. كما أن البيان تجنب الحديث عن الإجراءات الحمائية التي اتخذتها الولايات المتحدة ضد الصين. والاستثناء الوحيد في ذلك هو موقف الولايات المتحدة من اتفاقية المناخ التي انسحبت منها عام 2017م وذكرت مبررات ذلك في البيان الختامي للقمة.
وأود التعليق على ما ذكرته د. نوف في ورقتها من أن المملكة أفادت أكثر مما استفادت من انضمامها لمجموعة العشرين، حيث أنني لا اتفق كثيرا مع كل التقدير، مع هذا الرأي؛ لأن انضمام المملكة للمجموعة كان لحجم اقتصادها بالدرجة الأولى ولأهميتها السياسية على المستوى الدولي، وليس بغرض الاستفادة من أي مزايا مالية أو من صندوق النقد الدولي أو البنك الدولي وهي عضو فاعل في الاثنين. وما ورد في الورقة من مزايا جنتها المملكة جراء انضمامها للمجموعة يؤكد أن الاستفادة كانت أكبر من إفادة المجموعة وباقي أعضائها. ولا أظن أنه كان مفيدا للمملكة التردد في الانضمام للمجموعة ولو لحظة واحدة. وإذا كان المعيار الأساسي لعضوية هذه المجموعة هو حجم الاقتصاد، فإن علينا المثابرة على استمرار نمونا الاقتصادي بما لا يقل عن مستوى نمو الدول المنافسة لنا حتى نستمر في عضوية المجموعة.
وعلى الرغم من أن قرارات مجموعة العشرين ليست ملزمة للدول الأعضاء، إلا أنها تعتبر من أهم التجمعات الدولية الفاعلة نظرا للوزن الذي يتمتع به أعضاؤها على المستوى الدولي في معظم المجالات، ولقلة عددهم وسرعة اتخاذ القرار فيها. كما لا يقل أهمية عن القمة الاجتماعات الجانبية التي تتم بين قادة الدول على هامشها. ومثال كبير على ذلك الاجتماعات التي قام بها صاحب السمو الملكي ولي العهد الأمير محمد بن سلمان أثناء القمة الأخيرة مع باقي القادة، وهي لم تكن لتتم إلا من خلال زيارات رسمية لهذه الدول. كما أن الرئيسين الأمريكي والصيني استطاعا نزع فتيل الحرب التجارية بينهما، ولو لأجل، من خلال اجتماع تم بينهما.
والخلاصة فإن مجموعة العشرين هي ناد يضم قادة العالم ويمكن الاستفادة منها في التأثير على ما يجري في الساحة الدولية والاستفادة من تجارب هذه الدول التي تقود العالم، ومن الأهمية بمكان المحافظة على البقاء في عضويتها.
·التعقيب الثاني: أ. فهد القاسم
استهلت د. نوف الغامدي ورقتها بمقدمة ضافية حول قمة العشرين والتي بدأت في عام ١٩٩٩م من خلال مؤسسيها في مجموعة السبع (كندا وأمريكا وفرنسا وألمانيا وبريطانيا وإيطاليا واليابان)، وتطرقت إلى انضمام المملكة للقمة في عام ٢٠٠٨م، ثم دور المملكة في القمة، وختمت بنقاش حول البيان الختامي للقمة.
والحديث حول قمة العشرين لا يمكن إلا أن يكون مزيجاً بين السياسة والاقتصاد، وفي رأيي أن القمة لا تعدو عن كونها تجمعاً للنقاش حول القضايا الكلية التي تهتم بها الدول الكبرى بشكل أساسي، وتستثمر الدول المشاركة تواجدها في القمة لتوحيد المواقف ودعم المبادرات وتحقيق المصالح، كما أنها فرصة مواتية لعقد الاجتماعات الثنائية مع زعماء الدول الرئيسية في العالم، وكل دولة تعمل على توجيه القمة وفق مصالحها وتستفيد منها وفق مركزها العالمي وأجندتها السياسية والاقتصادية، وقوة تحضيرها خلال العام، باختصار هو “نادي للكبار” فيه نظام مفتوح وبعض بروتوكلات صارت عرفاً.
ومن المهم التأكيد على أن تواجد المملكة في قمة العشرون الكبار يعد نقطة قوة تحسب لصالح القيادة السياسية في المملكة، وتأتي استجابة طبيعية للقوة السياسية والاقتصادية والدينية والجغرافية للمملكة، ناهيك على أنها الدولة العربية الوحيدة في القمة.
فصلت الورقة في تحليل البيان الختامي، والذي يؤكد على التزامات مشتركة ودعاوى ذات قيمة عالية واتفاقيات قيمية وتوجهات محددة، ولكنها في الواقع كما أثبتت الوقائع والأحداث السابقة أن كثير منها مجرد حبر على ورق، وليس بالضرورة يتم تنفيذ الالتزامات المتفق عليها ناهيك عن بعض الدول التي تعلن في القمة معارضتها الرسمية لبعض التوجهات أو الالتزامات، وقرارات القمة وتوجهاتها في الواقع غير ملزمة للدول الأعضاء، وقد لاحظنا أن الدول خاصة الكبرى منها هي أكثر من يخالف ويستقل برأيه سواء في القمة أو فيما يليها من أحداث أو قرارات.
وعودة إلى عنوان الورقة والذي يشير إلى أثر المملكة في القمة وتأثيرنا عليها أو تأثرنا بها، فقد انعكس في اهتمام القمة بالنفط ومشكلة إيران وتداعيات المنطقة سياسياً وعسكرياً، وأهمية المملكة كمورد للنفط يصنع التوازن في الأسواق، لكن المهم في رأيي والمؤكد أن الدولة المستضيفة تلعب دوراً أكبر في التأثير وتحقيق المكاسب، لذلك فإن انعقاد القمة القادمة في الرياض سيكون فرصة ذهبية لترسيخ مكان المملكة بين الكبار، والمساهمة في صياغة توجهات القمة.
بقي على تسلم المملكة ملف القمة ٥ أشهر تقريباً، ومنها تنطلق التحضيرات المشتركة مع باقي الدول الأعضاء، وبقي على انعقادها ١٦ شهر تقريباً (نوفمبر ٢٠٢٠م)، وهي مدد قد تبدو طويلة، ولكنها سرعان ما تسير بسرعة البرق، فعلينا مسابقة الصوت والضوء لإخراج هذا الحدث العالمي بما يتناسب مع موضع المملكة التي تطمح أن تكون فيه.
ختاماً؛ أغفلت الورقة وضع توصيات مستقبلية، والتي أرى تلخيص أهمها في ما يلي:
1- العمل الجاد والمبكر استعداداً للقمة القادمة التي ستعقد في الرياض.
2- تأكيد الاستفادة الجادة من الاجتماعات التحضيرية للقمة، والتي تسبقها، لمصلحة اقتصاد الرياض.
3- استثمار القمة القادمة في الرياض، واجتماعاتها التحضيرية لتكون فرصة ثمينة للترويج للمملكة وتاريخها وقيمها ودينها ولغتها، واقتصادها وسياحتها.
ʘ المداخلات حول القضية
·الهيكل التنظيمي لمجموعة العشرين (G20)
تساءل أ. عبدالله الضويحي: إذا كانت قمة العشرين لا تملك مقراً ثابتاً ولا موظفين وكل عضو يستضيف بالتناوب القمة السنوية واللقاءات الأخرى التي تتم خلال العام، فكيف يتم التنسيق بين الأعضاء!؟ وهل يصدر عنها قرارات أو توصيات!؟ وكيف تتم متابعة ذلك!؟ أم أنها فقط قمة تشاورية!؟
ومن جانبه أوضح د. رياض نجم أنه بالفعل لا يوجد أمانة عامة ثابتة للمجموعة؛ إلا أن الأمانة العامة تنتقل من دولة للتي تليها كل عام. ويتم التنسيق بين الأمانات العامة لدول الترويكا. وما يصدر عن مجموعات المشاركة بيان ختامي Communique يعبر عن توجهات الأعضاء، وما يصدر عن القمة هو بمثابة إعلان/بيان توجهات القادة Declaration، ويبذل مجهود كبير في صياغة البيان لأنه يعبر عما توافقت عليه دول المجموعة. أما الخلافات فلا تذكر في البيان. وبدورها ذكرت د. نوف الغامدي إلى أن مجموعة العشرين لا تحتوي على هيئة موظفين ثابتة في داخلها، بل ينتقل منصب رئيس المجموعة فيما بين الأعضاء، ويُعين الرئيس المختار سكرتارية مؤقتة خلال فترة تقلده المنصب، والتي بدورها تنسق عمل المجموعة، وتنظم الاجتماعات المقرر عقدها بواسطة اللجنة الثلاثية (الترويكا). وقد انضمت السعودية، للجنة الثلاثية (الترويكا) في مجموعة العشرين، والتي ترأستها اليابان في الدورة الأخيرة، بصفتها رئيس المجموعة لعام 2019، والأرجنتين بصفتها الرئيس السابق، والسعودية بصفتها الرئيس اللاحق للمجموعة في عام 2020، وتهدف اللجنة للتعاون بشأن استمرارية واتساق جدول الأعمال، والمواضيع التي تناقشها المجموعة، وبالفعل بدأت المملكة في استعداداتها وتحضيراتها لاستضافة اجتماعات المجموعة 2020 منذ الإعلان عن موعد توليها للرئاسة خلال قمة هامبورج عام 2017، وتضمن ذلك إنشاء “الأمانة السعودية لمجموعة العشرين” للإشراف على أعمال المجموعة خلال فترة رئاسة السعودية لها، وبلورة جدول أعمال يسعى لتعزيز إنجازات المجموعة وأولوياتها من خلال الاقتصاد العالمي والتنمية.
بينما أوضح م. أسامة كردي أن هناك تفكير لدى بعض الدول ومنها المملكة لتكون الأمانة العامة دائمة لمتابعة القمم القادمة وضمان مساهمة هذه الدول في تلك القمم ونقل مرئياتها، لكن التساؤل المهم: هل ذلك من صالح المملكة؟. لكن في اعتقاد د. رياض نجم فإنه لا يمكن القطع بمدى كون إنشاء أمانة عامة دائمة سيصب في مصلحة المملكة والدول الأصغر حجما في المجموعة. ومن وجهة نظره فإنه إذا أصبح للمجموعة أمانة دائمة فستصر الدول الكبرى (أمريكا وروسيا والصين على الأقل) بأن يكون لها دور أساسي في وضع الأجندات لكل دورة، وهذا لا يصب في صالح المملكة.
·مجموعة العشرين منافعها ومحاذيرها الاستراتيجية
أشار د. عبدالله بن ناصر الحمود إلى أنه لا شك في أن لمجموعة العشرين أسبابا أدت إلى تشكل نواتها الأولى، ثم إلى تعدد أطرافها كما هو الوضع الراهن. ولا شك أيضاً في بواعثها الاقتصادية في المقام الأول. كما لا شك في أنها تمثل محورا مهما لترشيد السلوك الدولي للكبار اقتصاديا فيما بينهم، وبالتالي تأثيراتهم على الباقين خارج العشرين ممن يتقاسمون معهم الماء والهواء والجغرافيا. ولا جدل كثيراً في هذا. لكن الظن أن لهذه المجموعة منفعة استراتيجية كبرى واحدة، وفيها محذور استراتيجي كبير واحد. حيث تتمثل المنفعة الاستراتيجية الكبرى، في الالتقاء في فضاء تشاوري نوعي، بين (شركاء) أثناء القمة، و(فرقاء) خارجها؛ حيث يبق الكبار كبارا داخل أروقة القمة وعندما يعودون حيث بلدانهم.. وبالتالي، لو تصورنا أن هؤلاء الكبار لا يلتقون أبدا (كما يفعلون في القمم) لذهب كل كبير بما لديه، وازدادت (الفرقة) بينهم وتسبب ذلك في إشكالات لهم وبينهم ومع الآخرين الذين هم ليسوا كباراً.. ولهذا لعل من نعم الله على خلقه أن هداهم لمثل هذا التجمع (الحذِر) لتوفير الحدود الدنيا من المنظور الجمعي للكون والحياة.
أما المحذور الاستراتيجي، فيتلخص، في تصور د. عبدالله بن ناصر الحمود في أنه في حين كان الباعث لإنشاء نواة هذا التجمع في ١٩٩٩م لتنسيق مصالح الدول المؤسِّسة، خوفا من كل دولة على مصالحها ومكتسباتها الاقتصادية العالمية، فإن هذا (الشعور، أو أنه الهدف) سوف يبقى في الخلفية النفعية لدى (الأكبر) من بين هؤلاء الكبار، وبالتالي، يوقع بعض أعضاء المجموعة في حرج مع بعضهم الآخر، بل ربما في ترقب وقلق، وهو الأمر الذي تبرره الإشكالات التي تظهر في معظم القمم حول البيان الختامي، وعدم الالتزام لاحقا بتطبيق ما يتم التوافق النسبي حوله تحت قبة القمة، وبالتأكيد المواقف غير المعلنة بالضرورة لمنظومة الدول والمجتمعات الذين هم خارج هذا التجمع أصلا، وشعورهم، ربما، ليس بالدونية وحسب، ولكن بأن الناس يتآمرون عليهم، عوضا عن أنهم يجتهدون كيف يسدون جوعهم وعوزهم. البيئات الاستهلاكية الكبرى في الثلث الأقل حظا اقتصاديا في العالم، تبرر شيئا من قلق هؤلاء من الثلثين المتربعين على عروش الثراء.
وفي اعتقاد د. محمد الملحم فإن مشاركة المملكة حتمية وليست مرهونة بمنافع استراتيجية بالضرورة فمكانتها الدولية وأهميتها الاستراتيجية وموقعها الجغرافي وأدوارها التاريخية تحتم عليها التواجد في كل المجموعات الدولية المؤثرة ولا يلزم أن يكون المكسب آنيا، ولو لم يكن سوى المشاركة في صنع القرارات دون أن تكون بعيدة عنها لكفاها، ولعل أهم فائدة استراتيجية تعود عليها التحالفات الاقتصادية التي يمكن أن تنشأ سواء على مستوى الدولة أو القطاعات كنتيجة لمواد اللقاء ومقتضياته. والظن أن المملكة يمكنها في المستقبل أن تمثل مجموعات متحالفة معها اقتصاديا حال تكوين كارتل نظرا لوجودها التاريخي في المجموعة كما أن المملكة يمكنها من خلال المجموعة أن تقدم أطروحاتها سواء بالاقتراح أو بالتآزر (لوبينغ) lobbying كما أن المجال مفتوح جدا لكثير من المنافع لا يمكن حصرها، وهي نتاج طبيعي لحجم المملكة وثقلها الاقتصادي والسياسي. ومن هنا فإن المملكة ونظرا لدورها وقيمتها المهمة في كثير من التجمعات الاقتصادية الدولية ربما من المفيد لها أن تسعى إلى إنشاء تكتل اقتصادي رسمي مقنن حتى لو كان ثنائيا أو ثلاثيا بحيث تقوده وتتحرك من خلاله بأطروحات جديدة في مشاركاتها المماثلة ويمكن أن تنمي هذا التكتل مع الوقت ليشمل دولا أكثر وأكبر، وهو ما سيحدث كنتيجة طبيعية للتقدم في الطروحات البناءة لصالح الدول المتحالفة (والتي تكون غالبا أصغر منها قليلا ليتحقق للمملكة موقع القيادة) ومن الضروري أن تجمع هذه الاقتصادات عوامل مشتركة تحقق الديمومة لتضمن مسارا استراتيجيا ناجحا على الدوام.
وتساءل أ. محمد الدندني: كيف لا تكون مرهونة بمنافع استراتيجية وطنية وإقليمية أولا ودولية ثانياً؟ حيث يجب الاستفادة من هذا الجهد والموقع والقوة الاقتصادية. كيف نستثمر بناء هذه العلاقات الشمولية والبينية لحلحلة مشاكل إقليمية تؤثر على خطط التنمية وتسارعها؟ كيف نكون فاعلين دوليا وكثير من الوقت والمال يصرف لدفع مشاكل إقليمية عن بلادنا؟ وبدوره أوضح د. محمد الملحم أن ما قصده ليس نافيا لوجود المنافع الاستراتيجية وانما هو محض تأكيد ل “حتمية” المشاركة سواء توافرت فرص أهداف استراتيجية قائمة أو لم توجد.
في حين أكد د. نبيل المبارك على أن مجموعة العشرين لا يمكن أن تختزل في قمةً للمجموعة، إنما تختتم بالقمة في كل عام، ولديها أجندة مكثفة على مدار العام، فهناك أكثر من ٩٠ اجتماع خلال العام في مقر دولة الاستضافة، وهناك أعمال سكرتارية مصاحبة ومكثفة، يقوم بها معهد الاستقرار المالي التابع للمجموعة، وفي كل قمة هناك ملخص من المعهد للقادة حول أهم المنجزات خلال العام المنصرم وأجندة العام القادم، كما أن هناك العديد من المؤسسات التي أنشئت من قرارات القمة، وأصبحت منشئات دائمة تقوم بأعمال محددة لأهداف متوسطة وبعيدة الأجل. كما أن المجموعة سياسية اقتصادية، وتغطي الأجندة الدولية كلها، تقريبا. وهي تعتمد على قدرة الدول على فرض الأجندة على الآخرين. وما لم يدركه الكثيرون، أن أجندة القمة تأتي من الأسفل (bottom up approch)، وليس من الأعلى للأسفل (top down approch)، الا في حالات معينة. الأمر الذي يعني أن العمل يكون من اللجان الصغيرة. وهو أمر ينبغي لنا أن ندركه جيدا إذا أردنا تحقيق اختراق لأجندة القمة ولفرض الموضوعات. وهو يعتمد على مدى تنسيق داخل الدولة عضو المجموعة لتمرير الأجندة، وتحتاج إلى اهتمام، وهو ما دعا ولي العهد حفظة الله لتأسيس أمانة السعودية لمجموعة العشرين. وتحتاج الأمانة إلى جهود مضاعفة لتحقيق الأهداف حتى تنجح المملكة في اختتام الاستضافة بقمة تحقق نتائج مهمة لنا في المملكة. وهو أمر يعتمد على فريق الأمانة وكيفية عمل الترتيبات اللازمة لكل اللجان وفاعلية الأعضاء الذين يمثلون المملكة في مختلف المجالات. ومن المهم الوضع في الاعتبار أن القمة لن تأتي لنا مرة أخرى إلا بعد عشرين عام تقريبا.
وفي هذا الإطار أوضح د. رياض نجم أن من المهم أن تشارك المملكة في صنع التوجهات التي تخدم مصالح دول المجموعة وقد أصبحت جزء منها، وهذا ما تسعى إليه المجموعة بشكل أساسي. تنمية أسواق واقتصادات الدول خارج المجموعة يخدمها بفتح مزيد من الأسواق لدولها.
وتساءلت د. وفاء طيبة: كيف تؤثر دول العشرين في اقتصاديات العالم خارج G20 لتتكامل معها كما ذُكر؟ خاصة أن ما يناقش عادة هو الأمور التي تهم هذه الدول الكبرى بشكل خاص، وكل دولة تبحث عن مصلحتها بطبيعة الحال. وما هو دور الأمم المتحدة في حضور هذه الاجتماعات؟ كما طرح د. سليمان الطفيل تساؤلاً مهماً مفاده: ماذا استفاد المجتمع الدولي من هذه المجموعة منذ تأسيسها؟ وماذا نتوقع أن تستفيد المملكة منها مستقبلاً؟ وهل سينعكس تقدمها في المجموعة على رفعة الوطن وتحسن معيشة المواطن؟ ومن جانبه أوضح د. نبيل المبارك أنه بخصوص هذه التساؤلات يمكن القول إن هناك منجزات يمكن التحدث عنها ومن ذلك ما يلي:
s أولاً: أن أهم منجز هو وجود المجموعة بحد ذاته كقاطرة لقيادة “التنسيق الاقتصادي”، وهو أمر حدث لأول مرة من خلال هذه المجموعة بعيدا عن المجموعات الصغيرة والقوى العظمي والإقليمية، وبعيدا عن سيطرة بيروقراطية البنك والصندوق الدوليان.
s ثانيا: حجم المشاريع التي يتم إنجازها من خلال لجان وفرق عمل في مواضيع متعددة ومتخصصة يفوق الوصف، وهي ناتجة عن مستخلصات وتجربة الأزمة المالية العالمية في العام ٢٠٠٨م، فقد شٌرعت أنظمة وطورت أدوات لا حصر لها، سواء عن طريق معهد الاستقرار المالي أو لجنة بازل أو لجان وفرق عمل متعددة. تغييرات كبيرة في أسواق المال وفي علوم المحاسبة والمالية والتقنية وفعلا المجموعة تحاول أن تسطير وتقود، لكن ليس بالضرورة أنها تنجح دائما.
s ثالثا: انضمام دول ليست عظمى بالمفهوم العسكري ولكن لها ثقلها الاقتصادي، ومشاركتها في القرار الدولي منجز وصوت للدول النامية. كما أن لغة العالم تغيرت كثيرا بسبب الهموم المشتركة، وقلة نبرة التكبر من الدول الكبرى عسكريا. وإن كان وصول اليمين المتطرف لبعض الدول الكبرى شتت المشهد قليلا، مثل ترامب.
s رابعاً: بخصوص استفادة المملكة، فالكرة في ملعب المملكة، وتستطيع إذا توفرت عناصر معينة، تعظيم الاستفادة، من خلال تبني أفضل الممارسات والربط مع الاقتصاديات وبناء الشراكات، والتعرض المباشر لتجارب محددة. السؤال يبقى هل تمت الاستفادة؟ وهل لدينا فرق العمل التي تعظم الاستفادة؟ وهل تم توظيف الأشخاص الذين يمكن من خلالهم جلب الاستفادة؟ وهل لدينا في المملكة الأيدي التي يمكن توظيفها لتدخل في أعماق الدول العشرين؟ المُشاهد لسنوات أن الأدوات والأيدي الأمريكية تتصارع مع الأيدي الأوربية في موضوع تقني بحت وكلا يحاول تعظيم مصالحه، من خلال فرق صغيرة جدا ولكنها تحدث الفارق، لأن ما يتفق عليه في هذه الفرق الصغيرة يرفع إلى مستويات أكبر وأكبر حتى يصل جاهزا متفق عليه للقمة.
أيضاً فقد أشار د. رياض نجم بخصوص دور الأمم المتحدة في مجموعة العشرين أنه بصفة مراقب، والاعتقاد أنها تشارك إلا بأمينها العام في اجتماع القادة، أو إذا دعيت في الفعاليات الأخرى كجهة اختصاص في موضوع معين.
·تقييم مشاركة المملكة في مجموعة العشرين (G20)
أشار د. خالد بن دهيش إلى أن للمملكة العربية السعودية تأثير قوي في مجموعة G20 لدورها الفعال في تعزيز استدامة النمو الاقتصادي العالمي وشموليته وحرصها على استقرار أسواق الطاقة لأهمية الحفاظ على سلامة امدادات الطاقة للمحافظة على استقرار الاقتصاد العالمي وتعزيز نموه. كما أن المملكة قامت بتنفيذ الإصلاحات الهيكلية لتعزيز المرونة الاقتصادية، والحفاظ على نظام تجاري مفتوح الأطراف وعادل للجميع. والمملكة تسعى للوصول إلى حلول توافقية للاقتصاد الرقمي وتحقيق نظام مالي أكثر شمولية لبلوغ الخدمات المالية المناسبة. ورؤية المملكة 2030 تهدف إلى إصلاحات وتنوع اقتصادي شامل ومنفتح على الاستثمار الأجنبي وعلى التحول الرقمي وتمكين المرأة والشباب والمجتمع المدني وتحسين جودة الحياة للمواطن. كما قامت بتعزيز دور القطاع الخاص ومواصلة دعم مشاريع البنية التحتية ومكافحة الفساد في إطار تشريعي وتنفيذي شامل وفعال لاسترداد الأموال المسروقة ومكافحة الجريمة بجميع أشكالها. وتحرير الأسواق وتعزيز التبادل التجاري حيث تؤكد المملكة على تحسين وتطوير عمل منظمة التجارة العالمية.
ومن وجهة نظر د. صدقة فاضل فإن عضوية المملكة في هذه المجموعة المهمة تعتبر حافزاً يجب أن يدفعنا للعمل الدؤوب لتطوير بلادنا في كل المجالات، وليس في المجال الاقتصادي والمالي وحسب. مازلنا نعتبر في عداد البلاد النامية في بعض المجالات، تلك حقيقة يجب تذكرها، ونحن نزهو بهذه العضوية التي نستحقها كممثلين للعرب، على أن تكون لنا الحافز المطلوب. يجب أن نستفيد من الأعضاء ونفيدهم.
وعقب أ. محمد الدندني بأن ما ذكره د. صدقة فاضل يقودنا لسؤال: كيف نضيق الفجوة بين كوننا أعضاء في مجموعة العشرين وكوننا من الدول النامية؟ وأضاف أنه ورد على لسان سمو ولي العهد أن يكون الشرق الأوسط أوربا الجديدة. كيف تقود المملكة القاطرة لتكوين مجموعة اقتصادية تمثلها المملكة في مجموعة العشرين. لا نستهين بحجم السوق في الشرق الأوسط والعالم العربي. فما أن تستقر أغلب هذه الدول وتتطلع للتنمية فستكون ثقل لا باس به عالميا. والفائدة أنها أسواق للمملكة. كل ذلك يقرب المملكة، من خلال تحقيقها لرؤيتها ٢٠٣٠ وأهداف وبرامج خططها الاستراتيجية، على السعي لتحقيق معظم أهداف أو موضوعات الاجتماع الأخير في اليابان.
واتفقت د. عبير برهمين مع أهمية الاستفادة من وجود السعودية كأحد دول العشرين الأعضاء؛ فوجودنا كدولة نفطية أولى، وأهميتنا كلاعب دولي مؤثر في اقتصاديات العالم ليس محل تشكيك بل حقيقة مؤثرة وفخر لنا كسعوديين. وهي هبة من الله سبحانه وتعالى. ما نحلم أن نراه يوما ما حقيقة هو دورنا المؤثر كأحد دول العشرين وقد تبدلت المراتب واحتلت السعودية أحد المراتب الخمس الأولى بحلول 2030. يقال إنه إن أمكنك تصور حلمك ستكون قادرا على تحقيقه يوما ما. ولذلك فالمرجو أن تحلم السعودية قاطبة بذلك وأن تعمل على تحقيق الحلم على أرض الواقع. لو تم استثمار إقامة اجتماع G20 القادم في الرياض بشكل صحيح سنكون إن شاء الله قادرين على تحقيق الحلم. كل الدول الأعضاء تعمل على تعزيز وتنمية مكتسباتها الاقتصادية والتنموية والسياسية وغيرها وتعمل على تسليط الضوء على ما من شأنه جلب المزيد من هذه المكتسبات واستغلال اجتماع دول العشرين لعقد الصفقات والهدنات بل وحتى تخيف التوترات السياسية كما لمسنا في اجتماع القمة الأخير في اليابان. فمن الحكمة أن نعمل من اليوم على جميع الملفات التي من شأنها أن تحقق مكتسبات نوعية للمملكة. كل المجموعات G20، B20, W20, Y20, C20 and T20 يجب أن تخصص وتوظف موضوعاتها فيما يحقق النفع بالمقام الأول للمملكة. وفترة 16 شهر تعتبر قصيرة جدا. لذلك يجب التركيز ووضع سلم لأولويات الملفات وتعظيم حجم الاستفادة. و من الضروري أن يتم نشر ثقافة معرفة ماذا تعني مثل هذه القمم ولماذا نشارك فيها للعموم من مواطنين ومقيمين. فربط نشر الثقافة يعزز أكثر بخلق روابط قوية كإقامة الحدث نفسه على أرض الوطن.
بينما نظر د. خالد الرديعان إلى مشاركة المملكة في الـ G20 وكونها عضواً في هذه المجموعة من زاوية مختلفة قليلاً. ليس من زاوية سياسية ولا اقتصادية ولكن من زاوية اجتماعية- نفسية. حيث ذهب إلى أن وجود المملكة في هذه المجموعة المهمة والمؤثرة على الساحة الدولية يعطي السعوديين ثقة في اقتصادهم وامكاناتهم وقدراتهم ولاسيما أن المملكة هي الدولة العربية الوحيدة في هذا التجمع ما يجعلها تبز جميع الدول العربية، مما وفر لها مكانة مرموقة إضافة إلى قيادتها الدينية بحكم احتضانها للحرمين الشريفين. ومن المهم قول ذلك في هذا الوقت الذي شاع لدى البعض أن الاجراءات الاقتصادية التي تبنتها المملكة في الخمس سنوات الأخيرة لهيكلة اقتصادها هي بسبب تناقص مواردها المالية؛ في حين أن ذلك غير صحيح البتة. اقتصاد المملكة قوي ومتنامي وواعد إن شاء الله إلا أن طريقة إدارته السابقة كرّست مفهوم الدولة الريعية rentier state الذي خلق اعتماداً تاماً على الدولة سواء كمواطنين أو كقطاع خاص. وجودنا في مجموعة G20 هو اعتراف دولي بقوة اقتصاد المملكة وما يمثله في المنظومة العالمية، وهو كذلك يولّد ثقة إضافية عند المواطن والمقيم بمستقبل المملكة، ويغيظ كذلك أعداءها ممن استمرأوا التعرض للمملكة في محاولة تشويه صورتها بكل الوسائل. والخلاصة أنه لابد من خلق الاطمئنان عند المواطن فيما يخص اقتصاده ومتانته، وهو الأمر الذي يساهم في المضي قدماً في تطبيق رؤية ٢٠٣٠ للخروج من النظام الريعي إلى آفاق اقتصادية أوسع تتمثل في تنويع مصادر الدخل.
وركزت أ. فائزة العجروش على أنه يحق لنا كسعوديين أن نفتخر بأن مشاركة السعودية في قمة مجموعة العشرين لم تأت من باب البترول ( كمصدر ومسعر للطاقة العالمية التي تهم جميع دول العالم) حسب قول بعض المغرضين؛، بل أتت من خلال تصنيف حجم الاقتصاد السعودي في المركز ال13 على مستوى العالم، ولارتفاع حجم تجارتها الدولية وتأثير ذلك على دول العالم، وكذلك لقدرة المملكة على دعم اقتصادها الوطني برؤية جديدة تتناسب مع الظروف التي يمر بها الاقتصاد الدولي، وفخرنا بتبوأ السعودية لهذا المنصب العالمي الرفيع، لتصبح عضوًا فاعلًا في مجلس إدارة العالم؛ لوضعها في المكان المناسب في الاقتصاد المناسب، ومنحها مكانة مرموقة واعترافًا دولياً بأهمية دورها على شتى الأصعدة ومختلف الملفات في المنطقة.
أما د. وفاء طيبة فأشارت إلى أنه قد جاء في البيان الختامي لقمة العشرين في أوساكا أهمية العمل المشترك لدول مجموعة العشرين من أجل الهجرة والمهاجرين، ويمكن أن يكون للمملكة دور في ذلك بسبب قيادتها للعالم العربي ومنه العدد الأكبر من المهاجرين، كما أن لها خبرة يشهد بها الغرب في مكافحة الإرهاب، والذي قد ينتج عن الحروب والهجرات. كما أن للمملكة دور رائد في الإغاثة من خلال مركز الملك سلمان للإغاثة والهيئة العالمية للإغاثة وغير ذلك، فلو أن المملكة يكون لها الدور الريادي في موضوع الهجرة بالذات في قمة العشرين القادمة باعتبار المآسي الكثيرة هي في العالم العربي وهم العدد الأكبر من المهاجرين إلى دول العشرين الكبرى أيضاً، والمملكة هي قائدة للعالم العربي، ولها دور كبير في محاربة الإرهاب الذي قد يكون نتيجة لأوضاع التهجير والهجرة، فتجمع بين خبرتها في محاربة الإرهاب والتي شهد لها بها الغرب، وخبرتها الإغاثية وريادتها للعالم العربي لحل هذه المشكلة من جذورها وآثارها المختلفة نفسيا واجتماعيا واقتصاديا، ويكون على المملكة وخلال هذا العام الحضور الفاعل لكل مؤتمرات منظمة الهجرة العالمية بفروعها، وطرح رؤاها فيها لتوضيح دور المملكة الفاعل حاليا وخطتها مستقبليا لمواجهة مشكلات الهجرة. ومن ناحية أخرى وباعتبار المملكة هي رائدة العالم العربي، هل يمكن بالفعل أن تنقل المملكة كقائد للعالم العربي إلى منظمة العشرين مشكلات وحاجات العالم العربي أجمع؟ هل يمكن اقتراح سلسلة اجتماعات (ظل) عربية بنفس نظام G, W, Y لتقديم المقترحات الناتجة عن هذه الاجتماعات فيما بعد لاجتماعات دول العشرين؟
في حين يرى د. سليمان الطفيل أن المملكة لم تحقق بعد ما تستحقه من هذه المجموعة؛ فالمملكة تقدم الكثير من الدعم لدى الصندوق والبنك الدوليين وتمثل راعية السلام في الشرق الأوسط والميزان الاقتصادي بين دول الغرب والشرق مما يتطلب معه ضرورة تعظيم الاستفادة من تواجد هذه المجموعة في الدورة القادمة على أرض المملكة وعلى كافة الأصعدة والمستويات. أما عن عدم حاجة المملكة لأي دعم مالي؛ فالرأي خلاف هذا الرأي خاصة إذا علمنا أن رؤية المملكة ٢٠٣٠م تهدف إلى جعل البترول خارج عجلة الاقتصاد من خلال تعزيز وتنويع مصادر الدخل الأخرى وجعل القطاع الخاص شريكا في عملية التنمية وكيف انعكس ذلك في الفترة الأولى على شُح السيولة لدى القطاع الخاص وصعوبة الحصول على التمويل وتوجه الدولة إلى طرح جزء من أرامكو لدعم صندوق الاستثمارات العامة.. الخ، كل ذلك يدعونا إلى أهمية أن تحصل المملكة على التمويل المناسب من الصندوق والدعم من البنك للجهات المستهدفة وبما يلبي تطلعات وأهداف الرؤية. نريد كسر عقدة التحفظ المفرط للجانب المالي ونعكس واقعنا الحقيقي لننهض معا: القطاع العام والخاص والثالث. والمهم في كل ذلك أن تنعكس تلك المكاسب على رفاهية المواطن ومعيشته وعلى النشاط الاقتصادي بأكمله. واتفقت د. نوف الغامدي مع ذلك وأضافت أن المملكة بالفعل تعمل على برنامج تمويل الديون الاستراتيجي في المدى المتوسط في العام الماضي وحصل الصندوق السيادي على قرض دولي كقرض تجاري بقيمة ١١ مليار دولار لتطوير الصناعات غير النفطية.
وفي تصور د. مساعد المحيا تظل المملكة من حيث حجم الاقتصاد أقل بكثير من اقتصادات الدول الأخرى؛ إلا أن حجم تأثيرها في سوق النفط جعلها تتبوأ مكانة في هذه المجموعة. وفي اعتقاده فإن المملكة يمكنها أن تفيد من وجودها وحضورها للمؤتمر السنوي، بالإضافة لما تجده من صورة ذهنية ومكانة إعلامية فإنها يمكن أن تفيد اقتصاديا من خلال الاهتمام الكبير ببناء الشراكات الاقتصادية للعديد من البرامج والمشروعات، لاسيما بعد ارتفاع أصول صندوق الاستثمارات العامة إلى أكثر من ترليون.. كما يمكن الاهتمام بوجود فرق عمل احترافية وطنية لتكون البوابة التي يمكن من خلالها استثمار الحضور السعودي في المجموعة. إذ هي فرصة فريدة لهذا الحضور، ولعل من المهم ألا يكون في المجموعات الاستشارية شخصيات أجنبية؛ حيث أنه بذلك يصبح الحضور السعودي غير موجود من الناحية العملية.
·استضافة المملكة لاجتماعات مجموعة العشرين (G20) العام القادم: أهدافها وكيفية توظيفها
تساءل م. أسامة كردي: ما أهداف المملكة من استضافة اجتماعات المجموعة العام القادم؟ وفي هذا الصدد ذكرت د. نوف الغامدي أن استضافة المملكة لقمة العشرين قد تهدف للتأكيد على العمق والدور السعودي وتأثير المملكة في مختلف القضايا على الساحتين العربية والدولية. أيضاً العمل على تعزيز التوازن بين القوى الدولية في طرح القضايا والتحديات التي تعاني منها المنطقة على صعيد الإرهاب واللاجئين وعلى صعيد حل القضية الفلسطينية وحل النزاعات المسلحة في المنطقة العربية، ومواجهة التغير المناخي وأزمة المياه ومشكلات البيئة. كذلك فهي اعتراف ودليل عالمي واضح من المجتمع الدولي لدور المملكة بصفتها السلطة الدينية التي تمثل العالم الإسلامي، ويمكن من خلالها الحديث عن مواجهة الإسلاموفوبيا التي تروج لها بعض الأجندات المغرضة التي تربط بين الدين الإسلامي الحنيف والإرهاب، لتستخدم هذه القمة في فك هذا الاشتباك وتوضيح الصورة. والأهم هو أن الدولة التي تتولى الرئاسة الدورية لقمة العشرين تستطيع أن تضع على جدول الأعمال القضايا التي تهمها، ومن هنا تترقب الأوساط الاقتصادية في المنطقة العربية، أن تطرح المملكة في قمتها موضوعات اقتصادية ذات علاقة بمنطقة الشرق الأوسط، وما تواجهه من صعوبات وتحديات في المرحلة الراهنة، والخروج بتوصيات مهمة تعالج الكثير من المشكلات الاقتصادية في المنطقة. وتنظر الدول العربية إلى المملكة على أنها الممثل لها في قمم مجموعة العشرين.
وأوضح د. رياض نجم أن استضافة القمة يتناوب عليها جميع الأعضاء في مجموعة العشرين، وقد جاء دور المملكة في استضافتها، وهي لمدة عام واحد كباقي الأعضاء من ديسمبر إلى ديسمبر. والفترة الرسمية للاستضافة تبدأ من ١ ديسمبر ٢٠١٩ حتى ٣٠ نوفمبر ٢٠٢٠م. اليابان لا زالت حسب نظام المجموعة هي الدولة المستضيفة حتى ٣٠ نوفمبر القادم. وقد قدمت موعد اجتماع القادة من نوفمبر (الموعد المعتاد) إلى يونيو لأن لديهم مناسبات داخلية أواخر العام منها تنصيب الإمبراطور الجديد. ويمكن للمملكة استغلال انعقاد القمة عندها لتخدم أهدفها الاستراتيجية على المستوى الوطني أولا ثم على المستوى الإقليمي والدولي، وهنا تكون البراعة في توظيف استضافة مجموعة العشرين لخدمة هذه الأهداف، ولا ننسى أن فعاليات المجموعة غير محصورة في اجتماع القادة آخر العام، بل هي مستمرة على مدار الاثني عشر شهرا وفي جميع المجالات تقريباً.
وأكد د. سعيد العمودي على أن المملكة ولله الحمد لديها فرص عظيمة للتواجد الدائم في الإعلام والاهتمام؛ فمثلا مواسم رمضان والحج والعمرة مؤثرة لقرابة الملياري مسلم حول العالم. وحدث مثل استضافة G20 له تأثير كبير على مستوى العالم. وبخصوص كيفية استثمار هذا الحدث الضخم فالاعتقاد أنه لو تم الاهتمام بشريحة لا تقل أهمية من رؤساء وكبار مسؤولي الدول المشاركة في الملتقى، ألا وهم الإعلاميين والصحفيين والذين يبلغ عددهم قرابة ستة آلاف شخص!! فالواجب أن يتم التنسيق بأن بنية الفنادق ستستوعبهم! مع الوضع في الاعتبار أن تجربة زيارة كبار المسؤولين والإعلاميين والصحفيين للسعودية والرياض على وجه التحديد ستكون مثيرة للاهتمام وخير وسيلة لتسويق السعودية لكافة العالم! فضلاً عن أن من الضروري أن يتبنى المجتمع بأكمله الوعي بأهمية هذا الحدث، من سائق الأوبر وكريم إلى الأفراد في المطار والفنادق، والمهم أيضاً المواد التلفزيونية التي تبث في القنوات المحلية وقت القمة.
وبدوره ذهب د. خالد بن دهيش إلى أن رؤية المملكة 2030 بأهدافها متشابهة بنسبة كبيرة مع أهداف الأمم المتحدة للتنمية المستدامة، ومع الأهداف والأوليات المعلنة لدى مجموعة العشرين G20. لذلك لابد من استفادة المملكة من الخبرات الدولية لتحقيق أهداف الرؤية 2030 الاقتصادية والاجتماعية والمالية من خلال هذا التجمع العالمي الذي سيتواجد بالمملكة خلال عام كامل للمشاركة في 90 اجتماعاً متوقعاً عقدها بالمملكة قبل القمة في نوفمبر 2020 لمناقشة قضايا حيوية ودراسات وتجارب تمت بالدول المتقدمة في مجالات عدة مثل مكافحة التصحر وندرة المياه وتطوير الموارد المائية والأمن الغذائي المستدام. وكذلك في مجال الطاقة المتجددة والتقنيات الجديدة والابتكار الرقمي والذكاء الصناعي والجرائم المعلوماتية والفجوة الرقمية، وعرض تطبيقات المملكة المستقبلية في مشروعات نيوم والبحر الأحمر والقدية والمشروعات القائمة حالياً مثل الصناعات البتروكيميائية وخاصة في مجال تطبيقات التقنيات الجديدة والابتكار والمحافظة على البيئة والمناخ وغيرها.
وأوجزت أ. فائزة العجروش أهمية قمة العشرين للمملكة فيما يلي:
أولًا: تعد قمة مجموعة العشرين التي ستعقد في الرياض 2020، تاريخية؛ فهي الأولى من نوعها على مستوى العالم العربي؛ مما يعكس الدور المحوري للمملكة على الصعيدين الإقليمي والدولي، ويتوج مكانتها الصاعدة على الساحة العالمية.
ثانيًا: تعد هذه القمة فرصة ذهبية لدول العالم ذات الاقتصاد الأقوى لتبادل الفائدة والطروحات والخبرات؛ فهي قمة الاقتصاد والمصالح. ويعُد دخول المملكة عضوًا في هذه المجموعة اعترافًا بأهميتها السياسية وتأكيدًا لقوتها الاقتصادية والمالية. ليس في الوقت الحاضر فحسب، وإنما في المستقبل أيضاً.
ثالثًا: يتضمن انعقاد القمة المرتقبة في المملكة اعترافًا جديدًا من قبل دول العالم بدور السعودية في تعزيز الأمن في المنطقة والعالم في ظل حزمة الأزمات السياسية والأمنية والاقتصادية التي تهز العالم أجمع، في مقدمتها:
1- التطرف والإرهاب بكافة صوره.
2- الحرب التجارية بين الولايات المتحدة الأمريكية والصين.
3- العلاقات الأمريكية الروسية الفاترة.
4- التهديدات الإيرانية.
5- الأزمات في منطقة الشرق الأوسط.
رابعًا: من النتائج الإيجابية لعضوية المملكة في هذه المجموعة توفير قنوات اتصال دورية بكبار صناع السياسات المالية والاقتصادية العالمية؛ ما يعزز التعاون الثنائي مع الدول الرئيسة المهمة في العالم.
خامسًا: استضافة المملكة لقمة العشرين يحمل إضافة للمكاسب السياسية والاقتصادية (الشهادة الدولية بأهمية اقتصاد المملكة ودورها في تعزيز الاستقرار المالي والاقتصادي في العالم)، مكاسب أخرى، من أهمها:
1- مكاسب للقطاع السياحي، حيث يمثل انعقاد القمة في المملكة بمثابة دعاية دولية كبرى لمدينة الرياض وللسياحة فيها.
2- مكاسب للقطاع التجاري؛ فمن المتوقع أن تستقبل العاصمة الرياض بالإضافة لزعماء ووفود الدول العشرين وضيوف الشرف، نحو 10 آلاف زائر، هذا غير عشرات الآلاف من الصحفيين والدبلوماسيين، وهذا يعني مزيد من المكاسب التجارية لملاك الفنادق ولأصحاب المحال والتجار في العاصمة وهو ما يدعم الاقتصاد السعودي بشكل عام.
3- تعزيز الثقة في البيئة الاستثمارية والترويج لبرامج ومبادرات رؤية المملكة 2030.
4- المشاركة القوية المرتقبة للقطاع الخاص السعودي في الفعاليات المختلفة لقمة مجموعة العشرين 2020، (كتعميق الشراكات التجارية الدولية، والاستفادة من الفرص الاستثمارية الكبيرة المتاحة داخل المملكة).
ومن الأهمية بمكان استثمار هذه القمة لصالحنا؛ فاستضافة حدث بهذا الحجم يجب أن لا يمر مرور الكرام، والدور كبير على القائمين على ملف استضافة أعمال القمة (خاصة أعضاء أمانة السعودية لمجموعة العشرين)؛ حيث يجب عليهم استثمار هذه الفرصة كأحد مصادر القوة الناعمة التي تمتلكها المملكة لتحقيق الأهداف التالية:
1- تعريف العالم بالقوة الاقتصادية المقبلة للمملكة المتمثلة في صندوق الاستثمارات العامة، وشركة أرامكو والانفتاح السياحي والاقتصادي الذي تطمح من خلاله المملكة لفتح آفاق التعاون والتكامل مع جميع دول العالم لتحقيق رؤية المملكة 2030.
2- التعريف بالإجراءات التي اتخذتها المملكة في مجال السياسة النقدية والقطاع المالي والتجارة، والتي ساعدت في الحد من تأثير الأزمة المالية العالمية وتعزيز أداء الاقتصاد السعودي، وكان لها أبلغ الأثر في جعل المملكة دولة فاعلة في رسم سياسة الاقتصاد العالمي وقبلة آمنة للاستثمارات من مختلف دول العالم.
3- اقتناص الفرصة الكبيرة التي تشكلها القمة للترويج الأمثل لبرامج المملكة الإصلاحية والاستفادة من الزخم المرافق لها من أجل دعم تنفيذ أهداف رؤية المملكة 2030 والدخول في شراكات اقتصادية عميقة وجذب استثمارات متنوعة قادرة على تحقيق أهداف الرؤية.
4- أن استضافة القمة في الرياض ستسهم في طرح القضايا التي تهم المملكة بالدرجة الأولى (وتحقيق نتائج مهمة لاقتصادنا)، وتهم منطقة الشرق الأوسط.
5- تعريف دول العالم بهوية المملكة ومواقفها المشرفة في جميع المجالات ودورها الكبير في تحمل مسؤولياتها الإنسانية ودعم الشعوب الفقيرة، واستقرار الدول وفي طليعة مكافحي الإرهاب.
6- إيصال رسالة المملكة المبنية على التسامح والتعايش والتكامل مع دول العالم.
7- توضيح حجم المساعدات الكبيرة التي تقدمها المملكة لمختلف دول العالم من خلال مركز الملك سلمان للإغاثة والأعمال الإنسانية؛ حيث تحتل المرتبة الأولى بين أكبر الدول المانحة في العالم، ومساهمتها الكبيرة في مؤسسات التنمية الإقليمية والدولية.
8- تبيان حجم الإصلاحات غير المسبوقة التي تقوم بها المملكة والتي تهدف لها رؤية المملكة 2030، وما تتضمنها من إجراءات تسعى لحوكمة القطاعين العام والخاص وفتح المجال أمام الاستثمار الدولي. وتعزيز الاقتصاد المحلي، وتحقيق المشاركة مع دول العالم في تحقيق التنمية المستدامة.
والجدير بالذكر أنه سيصادف أثناء استضافة الرياض لقمة العشرين، انعقاد قمة الدول الصناعية السبع في العاصمة البريطانية لندن في نفس العام 2020، وبحكم أن الدول السبع جميعهم أعضاء في قمة العشرين؛ يحتم وجود تنسيق على أعلى مستوى بين السعودية وبريطانيا في جدول الأعمال للقمتين.
ʘ التوصيات
1- اعتبار وجود المملكة في قمة العشرين جزء من المشروع الوطني متمثلا في رؤية 2030، وجعله محور من محاور التعاملات الخارجية دبلوماسيا واقتصاديا وتجاريا.
2- استخدام العضوية كمنصة للقوه الناعمة إقليميا ودوليا. وتتمثل هذه القوة في المشاركة في هموم العالم متمثلا في المناخ والبيئة وأيضاً المجاعات والهجرات من الدول الفقيرة إلى الدول الأغنى. وخاصة أن منطقتنا تمثل حصة الأسد في الهجرات نتيجة الثورات والحروب الأهلية.
3- العمل على حلحلة النزاعات الإقليمية مع الثبات على مواقف المملكة المبدئية لما فيه مصلحتنا أولا ومصلحة المنطقة وشعوبها ثانياً.
4- تفعيل الزيارات الشعبية ممثلة في مجلس الشورى للبرلمانات العالمية لشرح سياسة المملكة ضمن منظور التغير والتحول في البنية الاقتصادية والاجتماعية والقانونية وتبيان النتائج بإحصائيات موثقة.
5- التحضير وكسب الأصوات لإنشاء صندوق شبيه بمشروع مارشال لإعمار أوربا يسمى تيمنا (مشروع الملك سلمان لإعمار الدول المتضررة في الشرق الأوسط) ليحقق ما نادت به قمة أوساكا وكل القمم من الحد من الهجرات غير الشرعية نتيجة الحروب والثورات. على أن يكون هذا الصندوق ممثلا بمجلس الأمن وألمانيا والدول الغنية مع الصناديق الدولية كالبنك الدولي وغيره. ويكون هذا الصندوق معنيا في منطقتنا وبالذات في اليمن وسوريا.
6- العمل على كسر القيود في ما يخص نقل التكنولوجيا بين الدول ومحاولة الفصل بين الخلافات السياسية وشروط التنمية، والتأكيد على أنه لا مجال للجمع بين التنمية والاحتكار.
7- تبيان دور المملكة كعنصر بناء واستقرار في المنطقة وحرصها على تنمية وبناء الإنسان وخاصه الشباب والشابات، وأن المملكة من الدول القليلة في المنطقة أو الوحيدة التي بادرت إلى مراجعة سياساتها وبرامجها لتلافي الجمود الاقتصادي والاجتماعي.
8- عمل حملة إعلامية موجهة للداخل السعودي تبين لماذا نحن ضمن ال G20 وتبيان أهمية ذلك.
9- الإفادة من اجتماعات ال G20 كونها الأداة الأفضل لمناقشات هذه الدول في ضوء غياب مؤسسات دولية شمولية لقضايا العالم وفي ضوء غياب حق الڤيتو لدى أعضائها.
10- التأكيد على أهمية وشمولية بيان أوساكا على الرغم من رفض الهند اعتماء الجزء الخاص بمرونة تبادل المعلومات الالكترونية وعلى الرغم من رفض أمريكا اعتماد الجزء الخاص بالتغير المناخي.
11- استفادة المملكة من الدراسات والتجارب التي تمت بدول مجموعة العشرين في مجال مكافحة التصحر وندرة المياه وتطوير الموارد المائية والأمن الغذائي المستدام. وكذلك في مجال الطاقة المتجددة والتقنيات الجديدة والابتكار الرقمي.
12- مواءمة أهداف وبرامج المملكة في رؤيتها ٢٠٣٠ في المجال الاقتصادي والمالي العالمي مع الأهداف والبرامج المقترحة من دول العشرين ونتائج قمة أوساكا وبما يتفق وسياسة المملكة في هذا المجال.
13- تفعيل دور مؤسسات المجتمع المدني السعودية للمشاركة الفاعلة في فعاليات G20 والاستفادة من تبادل الخبرات.
14- الاهتمام الكبير ببناء الشراكات الاقتصادية للعديد من البرامج والمشروعات، لاسيما بعد ارتفاع أصول صندوق الاستثمارات العامة إلى أكثر من ترليون.
15- العمل على وجود فرق عمل احترافية وطنية متخصصة لتكون البوابة التي يمكن من خلالها استثمار الحضور السعودي في المجموعة.
القضية الثانية
الوظائف في المستقبل
(14/7/2019م)
§الورقة الرئيسة: د. هشام صالح بن عباس
§التعقيبات:
ʘ التعقيب الأول: د. وفاء طيبة
ʘ التعقيب الثاني: أ. فائزة العجروش
§إدارة الحوار: د. خالد بن دهيش
ʘ الملخص التنفيذي
أشار د. هشام بن عباس في الورقة الرئيسة إلى أن معظم الاتجاهات العلمية في مراكز البحث والتطوير تنصب اهتماماتها في أتمتة الأعمال عن طريق جعل الآلات ذكية بقدر أنها تستطيع القيام ذاتيا بعمل الكثير من الأنشطة التي يقوم البشر بها في الوقت الحالي بكفاءة ودقة أعلى إلى حد يمكن لها تدريجيا أن تحل محل البشر. وحسب دراسة منتدى الاقتصاد الدولي فإن الوظائف المهددة هي ذات سمات من أبرزها: البراعة اليدوية والتحمل والدقة، والذاكرة واللفظية والسمعية والقدرات المكانية، وإدارة الموارد المالية والمادية، وتركيب التكنولوجيا والصيانة، واستخدام التكنولوجيا ومراقبتها، وغيرها.
بينما أوضحت د. وفاء طيبة في التعقيب الأول أن هناك أربع ثوابت تشكل إطاراً عاماً لفهم خريطة التغيرّات للوظيفة في المستقبل وتتضمن: أنماط التغيّر الوظيفي القائم على التكنولوجيا، والقدرات البشرية غير قابلة للأتمتة، وتغيّر تكوين مهمة العمل (مهام الوظيفة المعروفة)، وأنماط ونماذج التوظيف ومستقبل الشركة؛ حيث ستتمتع نماذج التوظيف في المستقبل بمرونة أعلى وتتميز بانتشار أكبر للعمل بدوام جزئي، والعمل عن بعد.. الخ. كما أن من المهارات المهمة للمستقبل: الذكاء العاطفي والابتكار والقدرات الإقناعية والإبداع – والتي تعتبر في مقدمة المهارات التي يتعلمها الطالب في الغرب- ويحتاجها الطالب والمعلم. ويفضي ذلك إلى ضرورة تطوير استراتيجية كاملة للتعليم لاستيعاب التغيرات في سوق العمل في المستقبل.
وأوضحت أ. فائزة العجروش في التعقيب الثاني التخصصات والوظائف المستقبلية المطلوبة في سوق العمل السعودي مع توجهات الرؤية، وأهمية التأهيل والتدريب النفسي والعملي للجيل الحالي والقادم لحمل الراية.
وتباينت مداخلات المتحاورون حول القضية والذين انقسموا بصفة عامة إلى فريقين أحدهما متشائم بأننا غير مستعدين لوظائف المستقبل وأن الصورة قاتمة، والآخر متفائل أو على الأقل غير قلق من وظائف المستقبل باعتبار أننا مررنا بمراحل تطلبت التغيير ومن الممكن التكيف مع متطلبات الأعمال الجديدة.
وتضمنت المداخلات حول القضية المحاور التالية:
s ماهية مهن المستقبل والتوقعات بشأن تطورها.
s تقنيات البلوك تشين Blockchain وأثرها على تطور وظائف المستقبل.
s وظائف المستقبل: الإشكالات والمهددات.
s آليات تجاوز الإشكالات المرتبطة بوظائف المستقبل.
s دور التعليم في مواكبة تطور وظائف المستقبل.
ومن أبرز التوصيات التي انتهي إليها المتحاورون في ملتقى أسبار حول قضية: الوظائف في المستقبل، ما يلي:
16- أهمية إشراك سوق العمل في تحديد مخرجات العملية التعليمية، بحيث يتم استقاء البيانات والمعلومات الفعلية عن سوق العمل من واقع إحصاءات المهن لدى وزارة العمل ووزارة الخدمة المدنية، وعليها تُبني استراتيجيات مخرجات التعليم؛ لتحقيق المواءمة بين مخرجات التعليم مع سوق العمل السعودية.
17- حث الجهات البحثية الحكومية والتعليمية والخاصة على بذل المزيد من الجهد والمال في عمل الدراسات الاستشرافية وفي مجال البحث والتطوير والابتكار، خصوصا في مجال التقنيات الحديثة ومعرفة الوظائف المطلوبة في المستقبل.
ʘ الورقة الرئيسة: د. هشام صالح بن عباس(*)
بقدر ما يقدم التطور العلمي من خدمات جليلة في خدمة الإنسان والزيادة في وسائل الرفاهية إلا أنه في نفس الوقت يلقي بظلاله المخيفة على مستقبل الوظائف والتي يستفيد حاليا منها شرائح كبرى من القوى العاملة. ومعظم الاتجاهات العلمية في مراكز البحث والتطوير تنصب اهتماماتها في أتمتة الأعمال عن طريق جعل الآلات ذكية بقدر أنها تستطيع القيام ذاتيا بعمل الكثير من الأنشطة التي يقوم البشر بها في الوقت الحالي بكفاءة ودقة أعلى إلى حد يمكن لها تدريجيا أن تحل محل البشر.
على سبيل المثال، تشير بعض التقارير إلى أن تقنية الروبوت في أتمتة العمليات كبديل عن الإنسان ستؤدي إلى إلغاء أكثر من ٥ مليون وظيفة بحلول عام ٢٠٢٠ م !! الروبوت (أو الآلات الذكية) ستحل محل وظيفة من كل ثلاث وظائف بحلول ٢٠٢٥م. الوظائف ذات الأنشطة الروتينية والمتكررة والمنخفضة القيمة هي أكثر الوظائف عرضة للاستبدال بالروبوت المدعوم بتقنيات الذكاء الاصطناعي والذي يتفوق بها عن الإنسان.
ليس الهدف من مناقشة مستقبل الوظائف هو ترويع العاملين وإحباطهم أمام حجم التحدي الذي يهدد مستقبل وظائفهم، بل معرفة إلى أين تتجه التقنية في المستقبل، وكيف يمكن التكيف مع متطلبات هذه المتغيرات ومواكبتها، وما هي الفرص المحتملة التي سوف تخلقها هذه التقنيات والاستفادة منها، وما هو الخط الزمني المتوقع لأبرز أحداثها؟
لذا فإننا بحاجة إلى دراسة هذا الموضوع من محورين أساسيين هما:
المحور الأول – التقنيات المستقبلية:
وفي هذا المحور من المهم جدا معرفة مسار التوجهات العلمية والتطور الرقمي لتقييم الأثر والتأثير؛ الأثر على الوظائف الحالية وهل هو دور مكمل (Augmentative) أو اجتياحي (Invasive)، والتأثير في خلق وظائف أخرى مستقبلية لا نعرفها الآن.
قد يكون أبرز المجالات هي المتعلقة بما يسمى الثورة الصناعية الرابعة والموضحة بالشكل أدناه وهي كالآتي (كما يرجى الاطلاع على الملحق لمعرفة تسلسل وملامح الثورات الصناعية من الأولى إلى الرابعة):
الذكاء الاصطناعي Artificial intelligence (AI) يدعى أيضا الذكاء الآلي، وهو مجموعة خوارزميات حاسوبية مهيأة للتعلّم وقادرة على أداء مهام تحتاج عادة إلى ذكاء بشري وعوامل أخرى (مثل: الإدراك البصري والتعرف على الكلام واتخاذ القرار).
تقنية المعزز الواقع Augmented reality (AR) تضيف معلومات رقمية إلى معلومات مستقاة من البيئة المحيطة، فتعرضها معا عبر صورة مركبة غنية بالمعلومات. وعلى عكس تقنية الواقع الافتراضي لا تعرض تقنية الواقع المعزز بيئية اصطناعية بالكامل وإنما تدمج المعلومات الجديدة مع المعلومات المستقاة من الواقع.
تحليل البيانات الضخمة Big data analysis تعتمد الثورة الصناعية الرابعة على أجهزة متصلة رقميا مع توفر كم كبير من بيانات عالية الجودة تسجل وتعالج وتخزن في أي وقت من الأوقات. وقد مكن تحليل البيانات الضخمة “المصنع الذكي” من سبر هذا الكم الهائل من مجموعات البيانات وإيجاد الروابط بينها، وتحديد الأنماط والتوجهات المتكررة فيها، وهذه الأمور مفيدة مثلا في جدولة الإنتاج، والتخطيط لتنفيذ أنشطة صيانة وتجنب معوقات الإنتاج.
البلوك تشين Blockchain (سلسلة الكتل أو قواعد البيانات المتسلسلة) منصة رقمية عامة لامركزية تعمل كدفتر حساب لجميع عمليات تداول العملات الرقمية مثل بتكوين. وتنمو هذه العمليات باستمرار في هيئة كتل مكتملة تسجل وتضاف إلى المنصة وفق ترتيب زمني. وتتيح المنصة أيضا للمشاركين في السوق تعقب عمليات تداول العملة الرقمية دون حفظها في سجل مركزي.
الحوسبة السحابية Cloud استخدام شبكة من الخوادم الحاسوبية عن بعد لحفظ البيانات الشخصية على الإنترنت عوضا عن الحاسوب الشخصي. ويمكن لمستخدم الحوسبة السحابية – أو “السحابة” – الاستفادة من خدمات متعددة متاحة عبر الإنترنت مثل منصات تطوير البرامج أو الخوادم الحاسوبية أو ذاكرات التخزين.
طائرة بدون طيار Drone قد تعمل ذاتيا أو يتحكم بها عن بعد.
إنترنت الأشياءInternet of things (IoT) شبكة تربط بين الأجهزة والمركبات والأدوات المنزلية التي تشتمل على مكونات إلكترونية وبرامج ومحركات، بالإضافة إلى خاصية اتصال تتيح لها جميعا التواصل فيما بينها والتفاعل وتبادل البيانات.
الحوسبة الكمية Computing Quantum شكل من أشكال العمليات الحاسوبية ينفذها حاسوب كمي باستخدام بعض ظواهر ميكانيكا الكم مثل ظاهرتي التراكب والتشابك.
طابعة الثلاثية الأبعاد Three-dimensional (3D) printing استخدام أساليب التصنيع الإضافي في صناعة منتجات ثلاثية الأبعاد بطريقة “طباعة” طبقات متتالية من المادة الخام فوق بعضها البعض.
الروبوتاتRobotics آلات كهربائية ميكانيكية أو حيوية أو هجينة يوظف فيها الذكاء الاصطناعي لتنفيذ أنشطة بشرية آليا، أو تعزيزها أو المساعدة في تنفيذها، سواء عبر التشغيل الآلي، أو باتباع توجيهات محددة.
والمتأمل في منحى التقنيات ومسار تطورها فإنه يجدها تتجه من تقنيات مساعدة للإنسان البشري إلى قيامها بدور مكمل أو تكاملي مع الإنسان البشري إلى أن تخلق هذه التقنيات آلات مستقلة بذاتها بدون التدخل البشري! كما هو موضح بالشكل أدناه.
السؤال المهم هو ما هي الوظائف التي سوف تحل محلها هذه الآلات الذكية وما هي المجالات والتخصصات التي سوف تخلقها في المستقبل؟
يرى الباحثون حسب دراسة منتدى الاقتصاد الدولي أن الوظائف المهددة هي ذات السمات التالية:
s البراعة اليدوية والتحمل والدقة.
s الذاكرة واللفظية والسمعية والقدرات المكانية.
s إدارة الموارد المالية والمادية.
s تركيب التكنولوجيا والصيانة.
s القراءة والكتابة والرياضيات والاستماع الفعال.
s إدارة الأفراد.
s مراقبة الجودة والوعي بالسلامة.
s التنسيق وإدارة الوقت.
s قدرات البصرية والسمعية والكلام.
s استخدام التكنولوجيا ومراقبتها.
وهي تشمل الوظائف الآتية:
s إدخال البيانات.
s المحاسبة وكشوف المرتبات.
s الأمناء الإداريون والتنفيذيون.
s عمال خطوط الإنتاج الصناعية.
s خدمة العملاء.
s منسقي رجال الأعمال ومراقبي الإدارات.
s المحاسبين والمراجعين.
s تسجيل المواد والمستودعات.
s موظفي حفظ الأوراق المالية.
s مدراء العمليات العامة.
s كتبة الخدمات البريدية.
s المحللون الماليون وكتاب الإحصاء والمالية.
s التأمين.
s الصرافين وبائعي التذاكر.
s الميكانيكيون ومصلحو الماكينات.
s الاتصالات الهاتفية.
s تركيب وإصلاح الالكترونيات.
s صرافو البنوك.
s سائقو السيارات والدراجات النارية.
s وكلاء ووسطاء المبيعات والمشتريات.
s عمال المبيعات من الباب إلى الباب.
s مقدمو الأخبار.
s الباعة والعمال.
s المحامين.
أما الوظائف المتوقع إنتاجها فهي تحمل السمات الآتية:
s التفكير التحليلي والابتكار.
s استراتيجيات التعلم والتعلم النشط.
s الإبداع والأصالة والمبادرة.
s تصميم التكنولوجيا والبرمجة.
s التفكير النقدي والتحليل.
s حل مشكلة معقدة.
s القيادة والنفوذ الاجتماعي.
s الذكاء العاطفي.
s التفكير وحل المشكلات.
s تحليل النظم وتقييمها.
وتشمل الوظائف المستقبلية على الآتي:
s محللي البيانات والعلماء.
s أخصائي التعلم الآلي والميكانيكي.
s مدراء العمليات العامة.
s متخصصو البيانات الضخمة.
s أخصائي التحول الرقمي.
s متخصصي المبيعات والتسويق.
s المتخصصين في التكنولوجيا الجديدة.
s أخصائي التطوير التنظيمي.
s مطورو البرامج والتطبيقات والمحللون.
s خدمات تكنولوجيا المعلومات.
s أخصائي الأتمتة.
s محترفي الابتكار.
s محللي أمن المعلومات.
s المتخصصون في التجارة الإلكترونية ووسائل التواصل الاجتماعي.
s تجربة المستخدم والآلة البشرية.
s مصممي التفاعل.
s تدريب وتطوير متخصصين.
s المتخصصين في الروبوتات والمهندسين.
s أخصائيو الثقافة والناس.
s معلومات العميل وعملاء خدمة العملاء.
s مصممي الخدمات والحلول.
s أخصائي التسويق الرقمي والاستراتيجيات.
المحور الثاني – الاستعداد والتأهيل:
القوى العاملة: يجب التركيز في المستقبل على الأعمال الأكثر تعقيدا والمتعلقة بالمهارات الإبداعية. الابتكار لم يعد رفاهية بل هي مسألة مصير وبقاء.
العبء يقع على مراكز دراسات المستقبل (Think Tanks) لاستشراف توجهات التقنية ثم على المؤسسات التعليمية في صياغة مناهج تواكب هذا التحدي. التحدي هو أننا يجب تأهيل خريجين لوظائف مستقبلية غير موجودة حاليا ومتمكنين من استخدام تقنيات لم تخترع حتى الآن لحل مشاكل لا نعرف ما هي حتى الآن!
للأسف لا يوجد دليل متفق عليه للاستعداد والتأهيل واكتساب المهارات لجيل المستقبل. مع ذلك فالتأهيل يجب أن يبدأ من الصفوف الدراسية الأولى ثم التدريب النوعي المواكب لسوق العمل العالمي ثم الممارسة الفعلية على رأس العمل.
قد تتلخص أهم المتطلبات في الآتي:
1- تحديد التخصصات المطلوبة في المستقبل حسب توجهات التقنية ومتطلبات سوق العمل المحلي وتوفر البنية التحتية اللازمة.
2- إعداد مناهج دراسية مواكبة لها وتقديمها بطريقه ابتكارية مختلفة عن الطريقة التقليدية والمعتادة.
3- توفير دورات تدريبية متخصصة ونوعية لردم الفجوة بين التعليم وسوق العمل.
4- تحفيز إنشاء العديد من حاضنات الأعمال في مجال التقنيات الحديثة.
5- تقديم تسهيلات في الدعم اللوجستي والمالي لرواد الأعمال والشركات الريادية.
ملحق
ʘ التعقيبات:
· التعقيب الأول: د. وفاء طيبة
مع الثورة الصناعية الرابعة بدأت الآلة تعتدي بشكل أكبر وأسرع وأوضح على ما كان قديما مجال مغلق للعقل والتفكير والعضلات البشرية، الأمر الذي يضعنا أمام تحدٍ كبير لمواجهة عصر الثورة الصناعية الرابعة، وكيف يمكن إعداد شبابنا له.
منذ الأزل وعلماء النفس والتربية ينادون بما ينادي به سقراط في قوله الشهير، وهو القول الذي اشتهر خطأً عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه (لا تكرهوا أولادكم على آثاركم، فإنهم خلقوا لزمان غير زمانكم)، وبالطبع لا يجب فهم المقولة السابقة بعمومها، فمن الآثار والقيم ما يجب تعليم وتربية الأولاد على الاحتفاظ به وتناقله من جيل إلى جيل، ومن ذلك كثير من الأخلاق والقيم، فمن القيم ما فيه متسع للتغيير، ومنها ما يفترض أن يظل ثابتاً كقيمة الصدق والأمانة وإن كانت تتعرض لتغيير بعض ممارساتها من عصر إلى عصر، ولكنها كقيم ثابتة عبر الزمان والمكان لأنها قيمة إنسانية عامة، وقد أشرت إلى أهمية القيم خاصة خوفا من نسيانها في سياق الحديث عن الماديات والتقدم العلمي والتكنولوجيا.
وقد جاء في الورقة الأساسية: (العبء يقع على مراكز دراسات المستقبل (Think Tanks) لاستشراف توجهات التقنية ثم على المؤسسات التعليمية في صياغة مناهج تواكب هذا التحدي. التحدي هو أننا يجب تأهيل خريجين لوظائف مستقبلية غير موجودة حاليا ومتمكنين من استخدام تقنيات لم تخترع حتى الآن لحل مشاكل لا نعرف ما هي حتى الآن!)
هذا المفهوم السابق أو الفكرة والذي يتطابق مع مقولة سقراط، مجال اهتمام علماء النفس والتربية دائما، والدعوة للخروج من مستوى تدريب الذاكرة فقط – مع أهميتها بالطبع- في التعليم أي التعليم بالتلقين، إلى المستويات العليا من التفكير والابتكار، هذا الاهتمام لازم المتخصصين في مطالباتهم في مجال تطوير التعليم دائما.
ففي العصر الحديث أخذت الآلة تحل محل كثير من الوظائف اليدوية والإدارية للإنسان، وكذلك بعض القدرات العقلية الدنيا في هرم التفكير لبلوم مثل: الذاكرة، والتطبيق، والعمليات الحسابية التي تقوم بها الآلة عوضا عن الإنسان، بل أيضا بعض القرارات والأحكام التي تقع في قمة الهرم ستتم عن طريق الآلة، وستنتقل أهمية الأداء الإنساني أكثر فأكثر من اليد والعضلات إلى الرأس بل مقدمة الرأس، فكيف نستعد؟
جاء في تقرير مسك الخيرية عن (الاستعداد للوظائف المستقبلية) Readiness for the Future of Work, 2019، أن هناك أربع ثوابت تشكل إطاراً عاماً لفهم خريطة التغيرّات للوظيفة في المستقبل:
أنماط التغيّر الوظيفي القائم على التكنولوجيا: ذكر التقرير أن من بين الوظائف التي سيتم استبدالها بالتكنولوجيات والابتكارات الجديدة الوظائف ذات المهارات المنخفضة والمهارات المتوسطة بسبب زيادة الاعتماد على الآلة والاعتماد على الذكاء الاصطناعي.
هناك بعض القدرات البشرية غير قابلة للأتمتة: مما يهيئ فرص عمل جديدة ومهن جديدة بدافع القوى الاقتصادية الكامنة، أو نمو خدمات جديدة معتمدة على ابتكارات جديدة.
تغيّر تكوين مهمة العمل (مهام الوظيفة المعروفة): من المتوقع أن تصبح التكنولوجيا هي سيدة الموقف وجزءاً لا يتجزأ من جميع مستويات مهمة العمل، وغالبا في معظم الوظائف في المستقبل. وسيقتصر دور الأفراد تدريجيا على إدارة الآلات والتغلب على المشكلات الهندسية، ويرجع ذلك إلى أن هناك من السمات والقدرات البشرية ما لا يمكن أن تعوضه الآلة كما جاء في الفقرة الثانية، مثل التكيّف والإبداع والتفكير الناقد والمهارات الاجتماعية والبراعة اليدوية.
أنماط ونماذج التوظيف ومستقبل الشركة: ستتمتع نماذج التوظيف في المستقبل بمرونة أعلى، حيث تتميز بانتشار أكبر للعمل بدوام جزئي، والعمل عن بعد، والعمل بناء على المشروع وليس وظيفة ثابتة، وتكون الرواتب بناء على النتائج بدلا من نظام الوقت. هذا النظام الجديد سوف يجعل الشركات أكثر مرونة وقدرة على التكيّف وقدرة على المحافظة على العقول والمواهب.
هذا التغير المتوقع لن يكون سلسا سريعا، وبالتالي لن يكون الإحلال الوظيفي بالسلاسة التي نريدها وسينتج عن ذلك زيادة في البطالة خاصة في الطبقات المتوسطة فما دون. (وهنا أرى أنه يجب الانتباه إلى ما قد يخلفه ذلك من آثار في المجتمع، لأن هذه الوظائف عادة بين الطبقات الاجتماعية الأقل من المتوسط والمتوسط). ومرة أخرى: هل نحن مستعدون؟ وكيف سيواجه التعليم هذه الأنماط والخريطة الجديدة للوظائف؟
التغيير سريع ونظامنا التعليمي يحتاج أن يتحرك لسد الفجوة، باستراتيجية تعليمية وبأهداف تعليمية مواكبة لهذه السرعة، وما نقدمه اليوم في مدارسنا لن يسمح لطموح الشباب المتزايد من تحقيق ذواتهم وبلوغ أقصى امكاناتهم (التقرير يشير إلى أن الشباب يرى أن هذا التحول الرقمي السريع يعتبر إيجابياً وليس سلبياً، فهل وجهة نظرهم صحيحة؟ خاصة بالنسبة لمؤهلاتهم هم؟)
ومن المهارات المهمة للمستقبل: الذكاء العاطفي والابتكار والقدرات الإقناعية والإبداع – والتي تعتبر في مقدمة المهارات التي يتعلمها الطالب في الغرب- ويحتاجها الطالب والمعلم، وفي رأيي الشخصي يجب إعادة بناء المعلم لاستقبال الحقبة القادمة، المعلم الذي لا يقدم المعلومة فحسب، المعلم الذي نختاره لهذه المهمة لأنه يستطيعها ويحبها ويحمل همها، ثم نبنيه في الكليات بناء على ما نتعلمه من الأبحاث والدراسات عن حاجات المستقبل، فالعصر الحديث لا يحتاج إلى تقديم المعلومات فهي متوفرة في الشبكة العنكبوتية وبكل سهولة، بل يكون دور المعلم أنه وسيط ومشرف لتعليم كيف يتعلم، وتهيئة البيئة المادية والنفسية للطالب للتعلم، بل للإبداع وإنتاج الأفكار الجديدة التي يعتمد عليها العصر الحديث، ويجب أن يقبل المعلم أن يتفوق عليه الطالب في هذا الإنتاج بل يعتبر ذلك التفوق انتصاراً له هو كمعلم. ووظيفة المعلم في رأيي لا يمكن أن تتلاشى ولكن يجري عليها ما ذكر في تقرير مسك عن (تغيير مهمة العمل). نحن في أشد الحاجة إلى أنظمة وقوانين تحكم كل ذلك وتوجه إلى إعداد الطالب أفضل إعداد لمواجهة المستقبل، نظام يحكم المنهج والمعلم، والبيئة التعليمية، وإعداد الشباب لسوق العمل، بناء على دراسات وأبحاث.
وقد ذكر د. هشام في ورقته خمس نقاط مهمة كمتطلبات في التأهيل والتدريب، أحب أن أضيف عليها فقرة، فما بين (تحديد التخصصات) و(إعداد المناهج) يجب تحليل المهام والمهارات والقدرات المطلوبة في الوظائف الجديدة لتكون من ضمن بناء المناهج، والبيئات المناسبة لتعلمها والتدريب عليها، وإعداد المعلم لها.
وأوضح تقرير مسك أنه (تعتبر الفجوة في المملكة العربية السعودية بين المهارات التي يحتاجها الشباب في سوق العمل في المستقبل والمهارات الفعلية التي يمتلكها فجوة كبيرة، ومتوقع زيادة في الرتق إن لم يتم اتخاذ اللازم)، والواقع أنه كثيرا ما نسمع من الشباب أن ما تلقاه من تعليم في جهة وما يواجهه في سوق العمل شيء آخر، ولذا نجد أن فنلندا عملت على ربط التعليم بالحياة الفعلية، فاختصرت الطريق إلى المستقبل، إلى كل ما يوجد خارج المدرسة، إلى التغيرات التي يمكن أن تتعرض لها الوظائف الجديدة في المستقبل.
وفيما يخص هذه الفجوة، أوضح التقرير أن هناك ثلاث فجوات مهمة بين مهارات الشباب في المملكة وحاجة سوق العمل الجديد، وهذه هي:
الفجوة في مهارات STEM (العلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات) والمقصود عدد الذين يتقنون هذه المهارات أو نسبتهم بين الخريجين هي 23% من الطلبة يتوجهون لهذا التخصص، ومع أن النسبة عالية نسبيا، إلا أن الحاجة أكبر في المستقبل، ولذا يجب أن تتجه أنظمة التعليم للتركيز على تطوير هذا الجانب.
الفجوة في المهارات (الناعمة) ومهارات القرن 21: التفكير الناقد والتفكير الإبداعي ومهارات التواصل، (وفي رأيي الذكاء العاطفي أيضاً بكل سماته) فلم يكن نظام التعليم السعودي يهتم بهذه المهارات الضرورية أبدا.
آليات التوظيف الصحيحة: فكثير ممن يتميزون بالمهارات التي يحتاجها سوق العمل لا يتقدمون للوظيفة المناسبة لهم، وكثير من أصحاب الأعمال لا يوظفون الشخص المناسب في المكان المناسب، مما يستدعي ضرورة اللجوء لآليات ونماذج توظيف فعالة.
وتعمل أنظمة التعليم في الدول المتقدمة على إعلاء أهمية الذكاء العاطفي من مرحلة الروضة، ويفخر الياباني بأنه مبدع أكثر من فخره بأنه ذكي.
وفي هذا المجال يجب أن لا ننسى التعليم والتدريب المهني والتقني، فحوله تدور كثير من المهن المستقبلية، مما يجعله بيئة خصبة للتطوير والتنمية، حيث أن 20% من الشبات ينتمي لفئة غير متعلمة ولا مدربة ولا عاملة، وغالبا هم متسربون من المدرسة بعد الحصول على الشهادة الابتدائية، ويجب استيعابهم للعمل، ومن أنسب فرص الاستيعاب في رأيي هي التدريب التقني المهني بما يناسب وظائف المستقبل، وخطة التنوع الاقتصادي لرؤية 2030.
وفي دائرة أكبر، غير التعليم، هناك جهات كثيرة في الحكومة مسؤولة عن الاستجابة لهذه الأوضاع الجديدة، بل إن الحكومة في حد ذاتها – كما اقترح التقرير- يجب أن يتغير دورها من اللاعب الأساس والموظِف أو الملاذ الأخير للتوظيف إلى الاقتصار على دور الحَكم وواضع القوانين لتنظيم البيئة الجديدة للعمل، حيث ستحتاج البيئة الجديدة إلى النظم والقوانين التي ستحكم وتنظم الأوضاع الجديدة لصالح الإنسان.
وفي الختام أود التعليق على ما عرضه د. هشام كمنحى للتقنيات ومسار تطورها من (Assisted Intelligence) إلى (Augmented Intelligence) إلى (Autonomous Intelligence) هي تتجه من تقنيات مساعدة للإنسان البشري إلى قيامها بدور مكمل أو تكاملي مع الإنسان البشري إلى أن تخلق هذه التقنيات آلات مستقلة بذاتها بدون التدخل البشري! كما وضحه في الشكل في الورقة الأساس.. أسأل؟
s هل سنصل بالفعل إلى Autonomous Intelligence ؟
s هل بالفعل يمكن الاستغناء عن التدخل البشري؟
s كيف ستستمر الحياة بعد ذلك؟
s هل يجب أن نتوقف في نقطة ما عن هذا التطور العلمي الرهيب حفاظا على إنسانية الإنسان؟ فقد كانت البداية هي توظيف المعرفة من أجل خدمة الإنسان وليس للقضاء عليه!!
s على أي صورة سنظل في إطار مفهوم القرآن الكريم (وَهُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلَائِفَ الْأَرْضِ وَرَفَعَ بَعْضَكُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِّيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آتَاكُمْ ۗ إِنَّ رَبَّكَ سَرِيعُ الْعِقَابِ وَإِنَّهُ لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ) (*)، وقد ميّز الله تعالى الإنسان بالعقل على جميع المخلوقات.
s ما هي الوظائف التي سيشغلها الأقل حظا من الذكاء والقدرات الجسدية؟ أم سيتمكن العلم مع كل هذه التطورات من زيادة ذكاء الإنسان وتعويضه عن قدراته المفقودة؟
s هل بسبب هذا التغّير ستعود الوظائف للتمايز مرة أخرى بين الجنسين لما حبى الله كل منهما بقدرات ومشاعر ومهارات؟ أم ستندثر وتتلاشى بعض الفروقات بين الجنسين؟
بعض التوصيات:
تطوير استراتيجية كاملة للتعليم لاستيعاب التغيرات في سوق العمل في المستقبل.
تطوير عملية اختيار وتعليم وتدريب المعلمين مع بناء وثيقة أخلاقية للمعلم يلتزم بها (code of conduct).
الاهتمام بالبيئة التعليمية المادية والنفسية والاجتماعية للتعليم ضمن الأنظمة والقوانين الخاصة بالتعليم والتدريب، فهي أساس مهم في التعليم.
إنشاء مركز أبحاث للعلوم الإنسانية يركز على الأبحاث النفسية والتربوية والاجتماعية والإدارية التي يمكن بناء عليها أن نخطط التخطيط السليم لمجتمعنا، فمهما كانت هناك معلومات وآليات عامة في المجتمع الدولي إلا أن كل مجتمع يواجه إمكانياته ومشكلاته بطريقة خاصة به أيضا.
تطوير دور مؤسسة موهبة لتشمل السمات الناعمة والذكاء الانفعالي والجوانب الابتكارية النفسية والاجتماعية والتربوية، أو إنشاء مؤسسات مماثلة للاهتمام بهذا الجانب.
· التعقيب الثاني: أ. فائزة العجروش
أولاً: المرئيات حول ما ورد في الورقة الرئيسة
1- استعرضت الورقة الوظائف في المستقبل بشكل عام وعلى المدى البعيد، في حين كنا نطمع في استعراض للوظائف المطلوبة مستقبلًا بشكل خاص في سوق العمل السعودي على المدى القصير والمتوسط. وفق للتوجهات الاقتصادية والسياسية للمملكة، خاصة بعد إطلاق رؤية 2030، والتي تهدف لنهضة المملكة وبلوغ العديد من الإنجازات الاقتصادية والسياسية والثقافية والعلمية.
2- لا أتفق مع ما جاء في الورقة من أن التقنيات الحديثة ستتجه من مساعدة الإنسان البشري وقيامها بدور مكمل أو تكاملي مع الإنسان البشري إلى أن تخلق هذه التقنيات آلات مستقلة بذاتها بدون أي تدخل بشري!؛ فالتفوق برأيي لا يزال حاليًا للعقل البشري – وربما يتغير هذا الرأي مستقبلًا-؛ فصحيح أن التكنولوجيا تتقدم بشكل كبير؛ لكن الدماغ البشري له وظائف ومميزات لا تتوفر للكمبيوتر، ولا يستطيع الكمبيوتر القيام بها، والتي من أهمها: ما يتعلق بالإدراك والوعي والعواطف والمشاعر الإنسانية والأمور المتعلقة بالفن والإبداع، في حين يتفوق الكمبيوتر على الإنسان بقدرته على تحليل الأمور بشكل أفضل وبسرعة أكبر في كثير من الأمور، وهناك شراكة لا تزال قائمة بين الكمبيوتر والدماغ البشري، وكلاهما يكمّلان بعضهما، ويقوم كل منهما بتزويد الآخر بما لا يستطيع فعله، وباعتقادي سيظل الصراع مستمرًا لسنوات قادمة بين العقل البشري والذكاء الاصطناعي؛ فالإنسان هو الذي برمج الكمبيوتر؛ فكيف يسمح للكمبيوتر أن يتغلب عليه بسهولة؟ ! وما محاولات العلماء الدائمة لاستخدام طرق التفكير والمنطق البشري لتطوير الكمبيوتر وجعله أكثر كفاءة وأكثر سهولة في الاستخدام وتطوير آلات قادرة على القيام بوظائف الدماغ المتطور إلا خير إثبات لتفوق العقل البشري. وهي بالمناسبة مهمة لا تبدو سهلة أبدًا… قال تعالى: }وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إلا قَلِيلا{(*) فلا زال العلماء يجهلون كيفية عمل تحول الخلايا العصبية من إشارات مليارية إلى وعي، ومن فهم الكيفية التي تعمل بها. ومن قراءتي حول نفس الموضوع، يتوقع العلماء أنه بمجرد الانتهاء من النمذجة الصحيحة، وبعد أن تتم مماثلة المخ البشري والمنتج للوعي بالكمبيوتر، سيصبح الكمبيوتر واعيًا!! ولا أدري حينها كيف سيتم التعامل مع الكمبيوتر؟! وهل سيُعطى حقوقًا لأنه كائن واعي؟!
3- اتفق تمامًا مع د. هشام في كيفية الاستعداد والتأهيل للوظائف المستقبلية، بأن على القوى العاملة التركيز على الأعمال الأكثر تعقيدًا والمتعلقة بالمهارات الإبداعية. وأن الابتكار لم يعد رفاهية بل هي مسألة مصير وبقاء، وأن التأهيل من الضروري أن يبدأ مبكرًا منذ الصفوف الدراسية الأولى، بالإضافة للتدريب النوعي المواكب لسوق العمل العالمي ثم الممارسة الفعلية على رأس العمل.
4- اثني على التوصيات التي ختم بها د. هشام ورقته، والتي لابد فيها من تظافر الجهود والتعاون التام والكامل بين وزارة التعليم العالي، ووزارة العمل والتنمية الاجتماعية، ووزارة الخدمة المدنية.
5- لفت انتباهي ما جاء في الورقة، أن من بين الوظائف المهددة، هي تلك التي تتسم بالسمات التالية: البراعة اليدوية والتحمل والدقة!! فهل لكم أن تخيلوا معي، أن طبيب جراح مشهور في مجاله ومتفوق ومعروف ببراعته ودقته اليدوية في إجراء العمليات الجراحية، ثم تأتي تطبيقات أكثر دقة منه، وتهمش قيمة عمله! ويتبادر لذهني سؤال آخر هل هذا سيعني أيضًا اختفاء صناعة الساعات اليدوية السويسرية الشهيرة؟!
ثانياً: التخصصات والوظائف المستقبلية المطلوبة في سوق العمل السعودي مع توجهات الرؤية
حلم كل خريج وخريجة جامعية هو إيجاد وظيفة، تحقق لهما مكانة مرموقة، ودخلًا ماديًّا عاليًّا، ولأنّ المملكة تشهد تطورات عدة سواء على الصعيد الاقتصادي أو التكنولوجي، ووفقا لرؤية 2030 الهادفة لنهضة اقتصادية شاملة تعم أرجاء المملكة، سيكون هناك أعداد هائلة من الوظائف، ووفرة في فرص العمل التي تنتجها مشاريع الرؤية، وسيكون هناك بروز لبعض مجالات العمل أكثر من غيرها، وزيادة الطلب على المختص بها. سأستعرض خلال السطور التالية أفضل التخصصات والوظائف المستقبلية المطلوبة في سوق العمل السعودي، وأﻫــﻢ اﻟﻤﺴــﺎرات اﻟﺘﻌﻠﻴﻤﻴــﺔ – التي أشار إليها ﺩ. ﻳﺎﺳﺮ ﺑﻦ ﻋﺒﺪ ﺍﻟﻜـﺮﻳﻢ ﺑﻜـﺎﺭ ﺑﻤﻨﺼــﺔ اﻛﺘﺸــﺎف، مع تسليط الضوء على الأسباب التي جعلتها في مقدمة سوق العمل في مختلف القطاعات:
1- قطاع اﻻﺗﺼﺎﻻت وﺗﻘﻨﻴﺔ اﻟﻤﻌﻠﻮﻣﺎت؛ فاﻟﺒﻨﻴــﺔ اﻟﺘﺤﺘﻴــﺔ اﻟﺮﻗﻤﻴــﺔ هي المُمكّن الأساسي لتحسين ﺗﻨﺎﻓﺴــﻴﺔ اﻻﻗﺘﺼــﺎد اﻟﻮﻃﻨــﻲ، (وتشمل خريجي التخصصات التالية: علوم وبرمجة وهندسة الكمبيوتر، تقنية ونظم المعلومات، الهندسة الالكترونية والميكانيكية، الرياضيات والإحصاء، تحليل البيانات، والبرمجة).
2- القطاع الصحي؛ فالمملكة تسعى لتطوير القطاع الصحي وتفعيل نظام الرعاية المنزلية والرعاية الصحية وتقنية المعلومات الصحية وتعزيز دور الطب الوقائي ومكافحة الأمراض المزمنة، بخصخصة الخدمات الصحية، (وتحقيق تطوير هذا القطاع يحتاج المزيد من خريجي: الطب البشري مع التدريب المتقدم في طب الأسرة والطب الوقائي والأمراض المزمنة والرعاية الطبية المنزلية، التمريض، المعلوماتية الصحية، تخصص الصحة العامة والتخصص الدقيق في مجال تعزيز الصحة والوقاية من الأمراض ومكافحة الأمراض المزمنة، واقتصاديات الصحة).
3- القطاع التعليمي؛ حيث تطمح رؤية 2030 لسد الفجوة بين متطلبات ﺳــﻮق اﻟﻌﻤــﻞ السعودي وبين مخرجات التعليم العالي، وﺗﻄﻮﻳــﺮ ﺧﻤــﺲ ﺟﺎﻣﻌــﺎت ﺳــﻌﻮدﻳﺔ ﻋﻠــﻰ اﻷﻗــﻞ ﻣــﻦ أﻓﻀــﻞ (200) ﺟﺎﻣﻌﺔ دوﻟﻴﺔ ﺑﺤﻠﻮل 2030، ﺑﺎﻹﺿﺎﻓــﺔ إﻟــﻰ ﺗﻄﻮﻳــﺮ اﻟﺘﻌﻠﻴــﻢ اﻟﻌــﺎم وﺗﻮﺟﻴــﻪ اﻟﻄــﻼب ﻧﺤــﻮ اﻟﺨﻴــﺎرات اﻟﻮﻇﻴﻔﻴــﺔ واﻟﻤﻬﻨﻴــﺔ اﻟﻤﻨﺎﺳــﺒﺔ، (كالإدارة التربوية، وتخطيط التعليم واقتصادياته).
4- القطاع المالي؛ فبرنامج ﺗﻄﻮﻳــﺮ اﻟﻘﻄــﺎع اﻟﻤﺎﻟــﻲ أﺣــﺪ اﻟﺒﺮاﻣــﺞ اﻟﺘﻨﻔﻴﺬﻳــﺔ الأثنا ﻋﺸــﺮ والذي ﻳﺴــﻌﻰ إﻟــﻰ ﺗﻄﻮﻳــﺮ اﻟﻘﻄــﺎع اﻟﻤﺎﻟــﻲ، وزﻳــﺎدة ﻛﻔﺎءﺗــﻪ ﻟﺪﻋــﻢ ﺗﻨﻤﻴــﺔ اﻻﻗﺘﺼــﺎد اﻟﻮﻃﻨــﻲ (وﺳــﺘﻠﻌﺐ ﻫــﺬه اﻟتخصصات دورًا مهمًا في وظائف هذا القطاع: المالية والاقتصاد، العلوم المصرفية، الرياضيات المالية والاكتوارية، الاقتصاد الإسلامي، التمويل والاستثمار، التأمين، إدارة المخاطر).
5- القطاع العسكري؛ فتوجه اﻟﻤﻤﻠﻜــﺔ الحالي لتوطين اﻟﺼﻨﺎﻋــﺎت اﻟﻌﺴــﻜﺮﻳﺔ واﻟﻌﻤــﻞ ﻋﻠــﻰ ﺑﻨــﺎء ﻗﺪراﺗﻬــﺎ، وﺗﻮﻃﻴــﻦ ﻣــﺎ ﻳﺰﻳــﺪ ﻋﻠــﻰ (50٪) ﻣــﻦ اﻹﻧﻔــﺎق اﻟﻌﺴــﻜﺮي بحلول 2030م، (لذلك ﻫﺬه اﻟﺘﺨﺼﺼﺎت ﺳﻴﺠﺪ خريجها ﻓﺮﺻًﺎ واعدة ﻟﻠﻌﻤﻞ ﻓﻲ ﻫﺬا اﻟﻘﻄﺎع: الهندسة الميكانيكية والكيمائية، هندسة الطيران والفضاء، هندسة الموارد، ميكانيكا الطيران والكترونيات طيران، ميكانيكا إنتاج).
6- قطاع اﻟﻨﻘﻞ اﻟﻠﻮجستي وﺳﻼﺳﻞ اﻹﻣﺪاد؛ فخطة المملكة الاﺳــﺘﺮاﺗﻴﺠﻴﺔ ﻓــﻲ ﺳــﻴﺎق رؤﻳــﺔ 2030 تهدف لأن تصبح المملكة ﻣﻨﺼــﺔ ﻟﻮﺟﺴــﺘﻴﺔ ﻋﺎﻟﻤﻴــﺔ، وتحقق ﺗﻘــﺪم في ﺗﺮﺗﻴـبها ﻓــﻲ ﻣﺆﺷــﺮ أداء اﻟﺨﺪﻣــﺎت اﻟﻠﻮﺟﺴــﺘﻴﺔ ﻣــﻦ اﻟﻤﺮﺗﺒــﺔ (49) إلى (20) ﻋﺎﻟﻤﻴــًﺎ، واﻷوﻟــﻰ إﻗﻠﻴﻤﻴــًا (ويحتاج تحقيق هذه الخطة المزيد من خريجي هذه التخصصات: الهندسة الصناعية وهندسة النظم، إدارة الأعمال، دبلوم يدرس سلاسل الإمداد والتموين والموانئ والنقل البحري).
7- ﻗﻄﺎع اﻟﺘﺠﺰﺋﺔ واﻟﻤﻨﺸﺂت اﻟﺼﻐﻴﺮة؛ فتوﺟﻬــﺎت اﻟﻤﻤﻠﻜــﺔ في ﺗﻄﻮﻳﺮ ﻗﻄﺎع اﻟﺘﺠﺰﺋﺔ، ودﻋــﻢ اﻟﻤﻨﺸــﺂت اﻟﺼﻐﻴــﺮة اﻟﺘــﻲ ﻣــﺎ زاﻟــﺖ ﻻ ﺗﺴــﺎﻫﻢ إﻻ ﺑﻨﺴــﺒﺔ ﻻ ﺗﺰﻳــﺪ ﻋــﻦ 20% ﻣــﻦ اﻟﻨﺎﺗــﺞ اﻟﻤﺤﻠــﻲ اﻹﺟﻤﺎﻟــﻲ، وإﺿﺎﻓــﺔ ﻣا ﻳﻘﺎرب من ﻣﻠﻴــﻮن ﻓﺮﺻــﺔ ﻋﻤــﻞ ﻟﻠﻤﻮاﻃﻨﻴــﻦ ﻓــﻲ ﻗﻄــﺎع اﻟﺘﺠﺰﺋــﺔ ﺑﺤﻠﻮل 2020 (وتظهر هنا أهمية خريجي التخصصات التالية: الاقتصاد، المالية، إدارة الأعمال، الشريعة والقانون، القانون التجاري، دبلوم التسويق وإدارة المبيعات، نظم المعلومات الإدارية).
8- قطاع اﻟﺜﻘﺎﻓﺔ واﻟﻔﻨﻮن وإﺣﻴﺎء اﻟﺘﺮاث؛ حيث ﺗسعى رؤية 2030 لتطوير ﻗﻄــﺎع اﻟﺜﻘﺎﻓــﺔ ﻓــﻲ اﻟﻤﻤﻠﻜــﺔ، وﺧﻠــﻖ ﺻﻨﺎﻋــﺔ ﺛﻘﺎﻓﻴــﺔ وجعلها ﻋﻨﺼــﺮ رﺋﻴﺴــﻲ ﻟﻠﺘﻮاﺻــﻞ ﺑﻴــﻦ اﻟﻨــﺎس وراﻓــﺪا ﻟﻼﻗﺘﺼــﺎد، وإحياء مواقع التراث اﻟﻮﻃﻨــﻲ واﻹﺳــﻼﻣﻲ واﻟﻘﺪﻳــﻢ وﺗﺴــﺠﻴﻠﻬﺎ دوﻟﻴــًﺎ ﻋﻠــﻰ إرﺛﻨــﺎ اﻟﻌﺮﻳــﻖ، (ولتحقيق ذلك تبرز أهمية توظيف خريجي التخصصات التالية: الإعلام والتخصص الدقيق في الإعلام الرقمي، الإعلان والاتصال التسويقي، الآثار، التاريخ، تصميم الجرافيكس والتدريب المتقدم بالتقنيات الحديثة في الفنون البصرية، الإنتاج التلفزيوني والسينمائئ، اللغة العربية، واللغات الأجنبية، ﺻﻨﺎﻋــﺔ اﻟﻤﺤﺘﻮى واﻟﻌﻤﻞ اﻹﻋﻼﻣﻲ، إدارة وتخطيط الفعاليات).
9- قطاع اﻟﺘﻨﻤﻴﺔ اﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻴﺔ ودﻋﻢ اﻟﻌﻤﻞ اﻟﺘﻄﻮﻋﻲ واﻟﻘﻄﺎع ﻏﻴﺮ الربحي؛ حيث تسعى رؤية 2030 لتعزيز اﻟﺘﻨﻤﻴــﺔ اﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻴﺔ، وﺗﻄﻮﻳــﺮ أداء اﻟﻘﻄــﺎع ﻏﻴــﺮ اﻟﺮﺑﺤــﻲ وﺗﻌﺰﻳــﺰ اﻟﻌﻤــﻞ اﻟﺘﻄﻮﻋــﻲ، (يبرز هنا الطلب على خريجي اﻟﺘﺨﺼﺼﺎت التالية: علم الاجتماع -إدارة المؤسسات الاجتماعية والتنمية الاجتماعية-، إدارة الأعمال -تخصص دقيق في المسؤولية الاجتماعية، وريادة الأعمال الاجتماعية-، التمويل وتنمية الموارد المالية، التسويق والاتصال التسويقي والعلاقات العامة).
10- قطاع التنمية المستدامة والطاقة اﻟﻨﻈﻴﻔﺔ واﻟﻄﺎﻗﺔ اﻟﻤﺘﺠﺪدة؛ فاﻟﻤﻤﻠﻜــﺔ تتجه ضمن مشروع نيوم لبناء أﺿﺨــﻢ ﻣﺸــﺮوع ﻟﻠﻄﺎﻗــﺔ اﻟﺸﻤﺴــﻴﺔ ولطاقة اﻟﺮﻳــﺎح ﻓــﻲ اﻟﻌﺎﻟــﻢ، وتنوي البدء في ﺑﺮﻧﺎﻣــﺞ اﻟﻄﺎﻗــﺔ اﻟﻨﻮوﻳــﺔ (وﻫﻨــﺎ ﺳــﻴﻜﻮن لخريجي هذه التخصصات أﻫﻤﻴــﺔ ﻓــﻲ اﻟﻤﺴــﺘﻘﺒﻞ القريب: الهندسة بمختلف فروعها، الكهربائية والنووية والميكانيكية والكيمائية، بالإضافة لتخصص الطاقة المتجددة).
11- قطاع التعدين؛ فمن أهداف الرؤية: ﺗﻄﻮﻳــﺮ ﻗﻄــﺎع اﻟﺘﻌﺪﻳــﻦ وﺗﻌﺰﻳــﺰ ﻣﺴــﺎﻫﻤﺔ اﻟﻘﻄــﺎع اﻟﺨــﺎص ليساهم ﻓــﻲ زﻳــﺎدة ﻋــﺪد ﻓــﺮص اﻟﻌﻤــﻞ ﻓــﻲ ﻫــﺬا اﻟﻘﻄــﺎع إﻟــﻰ (90) أﻟــﻒ ﻓﺮﺻــﺔ ﻋﻤــﻞ ﺑﺤﻠــﻮل اﻟﻌــﺎم 2020م. (واﻟﺘﺨﺼﺼﺎت اﻟﻤﻄﻠﻮﺑﺔ ﻫﻨﺎ من خريجي: هندسة التعدين، فيزياء الأرض، الجيولوجيا).
12- قطاع الرياضة وقطاع السياحة والترفيه؛ فكلا القطاعين يحتلان مكانة خاصة في رؤية المملكة لما فيهما من فرص كبيرة للنمو ودعم لإيرادات المملكة غير النفطية، وحسب توقعات ﻣﻨﻈﻤــﺔ اﻟﺴــﻴﺎﺣﺔ اﻟﻌﺎﻟﻤﻴــﺔ، سترتفع مساهمة اﻟﺴــﻴﺎﺣﺔ ﻓــﻲ اﻟﻨﺎﺗــﺞ المحلي اﻹﺟﻤﺎﻟــﻲ اﻟﺴــﻌﻮدي إﻟــﻰ (300) ﻣﻠﻴــﺎر رﻳــﺎل ﺑﺤﻠــﻮل ﻋــﺎم 2026م (ويحتاج النهوض بهذين القطاعين التوجه لخريجي التخصصات التالية: التدريب الرياضي، الإدارة الرياضية والترويحية، اللياقة البدنية، الفندقة والسياحة، الإرشاد السياحي، التاريخ التراثي).
13- قطاع البيئة وحماية المحميات البرية والحياة الفطرية؛ حيث أشارت وثيقة الرؤية إلى سعي المملكة لمكافحة التصحر والحفاظ على الغطاء النباتي وزيادته، وحماية الشواطئ، والحد من الصيد والرعي الجائر ومن التلوث بكافة أنواعه، واستثمار المحميات والجزر وتهيئتها وإنمائها من أجل تنشيط السياحة البيئية، (وهناك عدد من التخصصات المطلوبة لشغل وظائف هذا القطاع: حيث يمكن تأهيل خريجي الجغرافيا والعلوم البيئية والعلوم الزراعية لدراسة تطوير المناطق الطبيعية والمحميات والحياة الفطرية وزراعة الأراضي القاحلة، وخريجي علم النبات وعلم الحيوان لدراسة التنوع الإحيائي والثروة الحيوانية.
ثالثاً: أهمية التأهيل والتدريب النفسي والعملي للجيل الحالي والقادم لحمل الراية
الحديث عن الوظائف في المستقبل لا يمكن أن يناقش منعزلًا عن كيفية استعداد وتأهيل من سيعمل بتلك الوظائف؛ لذلك دعونا نساعد أبناءنا من هذا الجيل ومن الجيل القادم، أولًا في معرفة كيفية البحث عن تخصصات ووظائف تناسبهم، وهي عملية استكشاف بالدرجة الأولى، تتطلب منهم مرونة ذهنية، وتبدأ العملية بثلاث خطوات لابد منها:
1- معرفة الفرد بنفسه (ميوله، قدراته، مهاراته، استعداداته، وأهم القيم التي يؤمن بها في حياته).
2- معرفة الفرد بالمهن المستقبلية (مزاياها وعيوبها على المدى القريب والبعيد، مجالاتها بعد التخرج وتحليل المهن).
3- المواءمة أو التطابق ما بين الشخصية والمهنة (الشخص المناسب في المكان المناسب).
وعلى الشباب أن يعلموا أنه عند اختيارهم للتخصص والوظيفة، أن لا يهتموا كثيرًا باحتياج السوق من المهن فهو متغيّر، ولا أن يجعلوا جل تفكيرهم هو البحث عن الوظيفة الأعلى راتبًا، فربما يجدون منافسة عليها فتصبح الرواتب دون المتوسط. عليهم معرفة أن موازنة رغباتهم مع سوق العمل، تأتي بعد تحديد ما يحبون هم ويرغبون وليس قبل. وأن حصولهم على وظيفة في التخصص والمجال الذي يحبون، سيجعلهم يؤدون عملهم بشغف، وسيقرؤون ويطورون من أنفسهم بشكل مستمر، إلى أن يصبحوا الأفضل. في حين أن حصولهم على وظيفة ﻻ تتوافق مع ميولهم ورغباتهم ستنتهي بهم إلى أشخاص منتجين لكن غير سعداء وغير منغمسين، وهذا سيحرمهم من جانب أساسي من الإبداع والتميز.
وكلنا نعرف أن الفترة القادمة وخلال العشرين سنة القادمة ستكون هناك تغييرات كبيرة ومتسارعة في سوق العمل العالمي والداخلي، وسيكون هناك تغير كبير في نوعية وأعداد الوظائف. وكما ذكر د. هشام فإن التحوّل القادم هو تقني بشكل رئيسي، ومن يقود التحول هو الذكاء الاصطناعي والتكنولوجيا الحيوية، وستُهمش أو ستُلغي بعض الوظائف التي نعتبرها اليوم رئيسية. وبالتأكيد سيكون أول ضحايا هذا التحوّل القادم، هم من الأشخاص الذين لا يمتلكون مهارة التغيير وسرعة التكيف، ولا يرغبون في تعلم كل ما هو جديد.
وباعتقادي أن مواجهة التحدي الأكبر، وهو: أن لا أحد يعلم ماهي الوظائف الرئيسية بالضبط التي ستشكل سوق العمل حينها، فمعظم الفرص الوظيفية في المستقبل ستكون في مجالات وتقنيات جديدة لا يتم تدريسها حاليًا (لأنها ببساطة لم يتم ابتكارها حتى الآن …!)، تحتاج إلى:
أن يبني الشخص لنفسه ميزة تنافسية تؤهله لتخصصه ولوظيفته دون غيره. وتحتاج تلك الميزة توفر مهارتين لديه؛ ليكون مستعداً وجزءاً من هذا التحول القادم وهما:
1- العقلية المرنة Cognitive flexibility: وهي المقدرة على سرعة التغيير والتكيف مع المستجدات. ونظريًا قد تبدو هذه المهارة سهلة، لكنها صعبة وتحتاج تهيئة وتدريب مسبق.
2- حب التعلّم، وتعلّم الجديد مهما كان عمر الشخص أو منصبه.
وبرأيي الشخصي أفضل التخصصات، هي التخصصات التي تساعد الطالب كيف يتعلم، وتزوده بأدوات ومهارات تحليلية تساعده على النجاح والابتكار والتميز حتى في المجالات الجديدة. وتقع ضمن هذا الرباعي المعروفة اختصارًا ب STEM: التقنية، العلوم، الهندسة، الرياضيات
واسمحوا لي أن أضرب مثالًا من بيئتنا العربية، لكيفية الاستعداد والتهيئة المطلوبة لأي باحثين عن وظيفة في سوق العمل المستقبلي، بأن يتصفوا بصفات البدو الرحل؛ فخيمتهم جاهزة للتنقل بأي وقت وبكل سلاسة، وقدرتهم كبيرة وسريعة على تقبل الجديد.
الجهد المضاعف القائم على المؤسسات التعليمية لصياغة مناهج حديثة تعتمد على التفكير والتحليل والاستنتاج؛ لتواكب هذا التحدي، وتعمل على تدريب وتأهيل خريجين لوظائف مستقبلية غير موجودة حاليًا، ومستعدين لتعلم واستخدام أي تقنيات حديثة.
ولعل من المناسب هنا استعراض ما قرأته من أسباب كانت وراء تمكَّن شباب من الهند تتراوح أعمارهم بين منتصف الأربعينيات والخمسينيات من قيادة العالم (الهند التي تملك 5 آلاف قنبلة نووية، وهي من دخلت مجال المريخ بمركبة فضائية هندية 100%، الهنود هم من اخترعوا الهوتميل والـ USB، وهي من أكثر الدول التي لديها مصانع قطارات وسفن، ويوجد بها أكثر رجال العالم ثراء وهم يملكون الذهب في جنوب أفريقيا). ففي حين نجد رواتب للخريجين العاطلين في السعودية، ومعونات للعاطلين عن العمل في أمريكا وأوروبا، وأجهزة تعليم ذكية للطلاب في الإمارات، ووساطات ومحسوبيات في التعيينات والترقيات، وتوريث لأبناء المسؤولين في معظم الدول العربية لا نجد شيئاً من هذا في البيروقراطية الهندية الجديدة التي اكتسحت العالم.
وهناك أسباب أربعة لتفوق الإدارة الهندية، حددها مؤلفو كتاب “نهج الهند”، هي كالتالي:
1- العمل الشاق والاندماج الكلي في العمل.
2- سرعة التكيف مع المتغيرات.
3- تحقيق إنجازات عظيمة بموارد محدودة.
4- التركيز على المجتمع والأسرة والموظفين أكثر من حملة الأسهم.
ولمعرفة أسرار نجاح الهنود من أناس تعاملوا معهم، نجدها تتلخص في:
1- ثقافة المشاركة والتواضع وقبول الآخر.
2- الجَلَد والمثابرة.
3- قيم الالتزام وأخلاق العمل، فضلاً عن نظام التعليم التنافسي الذي يهتم بالرياضيات والهندسة والعلوم، والتنافس الأكثر ضراوة في سوق العمل.
وختامًا لهذا التعقيب أود أن أشير لأهمية ملتقى أسبار كمركز من مراكز (Think Tanks) لاستشراف توجهات التقنية في المملكة، وللوظائف المطلوبة في سوق العمل السعودي، ولوضع المرئيات للمؤسسات التعليمية لمساعدتهم لمواجهة هذا التحدي الصعب، وتقديم التوصيات التالية:
w أهمية إشراك سوق العمل في تحديد مخرجات العملية التعليمية، بحيث يتم استقاء البيانات والمعلومات الفعلية عن سوق العمل من واقع إحصاءات المهن لدى وزارة العمل ووزارة الخدمة المدنية، وعليها تُبني استراتيجيات مخرجات التعليم؛ لتحقيق المواءمة بين مخرجات التعليم مع سوق العمل السعودية.
w البدء الفوري في افتتاح تخصصات جامعية جديدة تتماشى مع أهداف وتطلعات الرؤية، وتضمن التوظيف الفوري لخريجيها، منها على سبيل المثال: إدارة اللوجستيات وسلاسل الإمداد، اﻟﺼﻨﺎﻋﺎت اﻟﻌﺴــﻜﺮﻳﺔ، اﻟﻄﺎﻗــﺔ اﻟﻤﺘﺠــﺪدة، هندسة الموارد، اﻹﻧﺘــﺎج اﻟﻤﺮﺋــﻲ واﻟﺮﻗﻤﻲ، صناعة التعدين.. وغيرها من التخصصات المشار إليها في التوصية الرابعة.
w توجيه كافة الطاقات والكفاءات لتوفير متخصصين ومبدعين في تلك التخصصات والمجالات الجديدة، وذلك بالتدريب والتأهيل عالي الجودة للشباب والخريجين. مما يضمن توفر عدد من فرص العمل المميزة والتي ستشكل ملامح مستقبل جيل كامل من الشباب السعودي.
w على طلاب الجيل الحالي الاطلاع على رؤية 2030، والمستقبل الذي ينتظر المملكة من خلال تحقيق أهدافها؛ لتتكون لديهم معرفة تامة بالوظائف المستحدثة أو التي سيزيد الطلب عليها، والتخصصات المطلوبة التي ستساهم في تحقيق الرؤية فور تخرجهم، والاستفادة من وجود وظائف مستقبلية محتملة مع الرؤية، تستلزم دراسة تخصصات هامة، كالقانون المتخصص: مثل قانون الطيران التجاري، قانون الحوكمة، قانون التجارة الدولية، الأمن السيبراني، المحاسبة، الموارد البشرية، الطاقة البديلة، الذكاء الاصطناعي، التجارة الإلكترونية، علم النانو، الطاقة الشمسية.
w أن يتم تقديم البرامج التدريبية وتهيئة الطلاب منذ المراحل المبكرة؛ حتى يتخرج الطالب أو الطالبة من المرحلة الثانوية وقد وصل إلى مرحلة من الوعي المهني التي تؤهله بربط مهاراته وميوله وقدراته بسوق العمل.
ملاحظة أخيرة:
لفت الانتباه للتخصصات الجامعية والدبلومات المتوافقة مع رؤية المملكة، لا يعني أن التخصصات الأخرى لن يكون لها فرص عمل في المستقبل. وأن اختيار التخصص المناسب الذي يتوافق مع ميول الشخص وقدراته واهتماماته، يتميز بمزيد من فر ص النجاح والإبداع والتألق في سوق العمل في المستقبل.
ʘ المداخلات حول القضية
· ماهية مهن المستقبل والتوقعات بشأن تطورها
أورد أ.د عثمان العثمان ترجمة لملخص تقرير المنتدى الاقتصادي ٢٠١٨ حول مهن المستقبل، ومع كونه معني بالمستقبل القريب جدا (إلى ٢٠٢٢) إلا أنه غني بالمعلومات والإحصاءات. وتشمل النتائج الرئيسية للتقرير ما يلي:(*)
w دوافع التغيير: من المقرر أن تهيمن على الفترة 2018-2022 باعتبارها محركات تؤثر بشكل إيجابي على نمو الأعمال. يحيط بها مجموعة من الاتجاهات الاجتماعية والاقتصادية التي تدفع فرص العمل بالتوازي مع انتشار التقنيات الجديدة، مثل مسارات النمو الاقتصادي الوطني؛ التوسع في التعليم والتوسع في الطبقات الوسطى، خصوصا في الاقتصادات النامية؛ والتحرك نحو اقتصاد عالمي أكثر استدامة من خلال التقدم في تقنيات الطاقة الجديدة.
w تبني التكنولوجيا المتسارعة: بحلول عام 2022، وفقًا للنوايا الاستثمارية المعلنة للشركات التي شملها هذا التقرير، من المحتمل أن يكون 85٪ من المشاركين قد قاموا بتوسيع اعتمادهم على تحليلات البيانات الكبيرة للمستخدمين وللكيانات.
w اتجاهات الإنسالة (الروبوتات): من المرجح أن تتبنى الشركات في جميع القطاعات استخدام الروبوتات الثابتة، على عكس الروبوتات البشرية أو الجوية أو تحت الماء.
w تغيير جغرافية الإنتاج والتوزيع وسلاسل القيمة: بحلول عام 2022، 59٪ من أرباب العمل الذين شملهم الاستطلاع لهذا التقرير، يتوقع أن يكونوا قد قاموا بتعديل كبير في كيفية إنتاجهم وتوزيعهم من خلال تغيير تركيبة سلسلة القيمة الخاصة بهم، ويتوقع نصفهم تقريبًا تعديل قاعدة عملياتهم الجغرافية.
w تغير أنواع الوظائف: تقريبا 50٪ من الشركات تتوقع أن الأتمتة سوف تؤدي إلى بعض التخفيض في القوى العاملة بدوام كلي بحلول 2022. ومع ذلك، تتوقع 38٪ من الشركات التي شملها الاستطلاع توسيع القوى العاملة لديها إلى أدوار جديدة لتعزيز الإنتاجية وأكثر من الربع يتوقعون أن تؤدي الأتمتة إلى إنشاء أدوار جديدة في مؤسستهم على نحو ما أشار تقرير المنتدى الاقتصادي ٢٠١٨ في دافوس حول مهن المستقبل حتى العام 2022.
وتتوقع الشركات حدوث تحول كبير على الحدود بين البشر والآلات في مهام العمل الحالية بين عامي 2018 و2022. في عام 2018، يتم تنفيذ ما معدله 71 ٪ من إجمالي ساعات العمل عبر الصناعات الـ 12 التي يغطيها التقرير من قبل البشر، مقارنةً إلى 29 ٪ من الآلات. بحلول عام 2022، من المتوقع أن يتحول هذا المتوسط إلى 58 ٪ من ساعات العمل التي يؤديها البشر و42 ٪ عن طريق الآلات. في عام 2018، من حيث إجمالي ساعات العمل، لم يتم تقدير أي مهمة عمل حتى الآن بواسطة جهاز أو خوارزمية. بحلول عام 2022، من المتوقع أن تتغير الصورة إلى حد ما، حيث تزيد الآلات والخوارزميات في المتوسط من مساهمتها في مهام محددة بنسبة 57٪. أيضاً ووفقاً لتقرير المنتدى الاقتصادي ٢٠١٨ في دافوس حول مهن المستقبل حتى العام 2022 والذي تضمن مجموعة من الشركات شملها الاستطلاع، وتمثل 15 مليون عامل، فإن التقديرات الحالية تشير إلى نقص مقداره 0.98 مليون وظيفة وزيادة مقدارها 1.74 مليون وظيفة (تقرير المنتدى الاقتصادي ٢٠١٨ في دافوس حول مهن المستقبل حتى العام 2022).
الاستراتيجيات الحالية لمعالجة الفجوات في المهارات: تسلط الشركات الضوء على ثلاث استراتيجيات في المستقبل لإدارة اتساع الفجوات في المهارات من خلال اعتماد تقنيات جديدة. يتوقعون توظيف موظفين دائمين جدد لديهم المهارات التقنية الجديدة؛ والسعي إلى أتمتة مهام العمل المعنية بالكامل؛ وإعادة تدريب الموظفين الحاليين. إن احتمالية تعيين موظفين دائمين جدد من ذوي المهارات ذات الصلة هو ضعف احتمال التكرار الاستراتيجي للموظفين المتخلفين في تبني المهارات الجديدة. ومع ذلك، ما يقرب من ربع الشركات لم يحسموا أمرهم أو من غير المرجح أن يواصلوا إعادة تدريب الموظفين الحاليين، ويتوقع ثلثا الشركات أن يتكيف العمال مع المهارات ويحصلوا عليها أثناء تغيير وظائفهم. من المرجح أن ينتقل نصف إلى ثلثي الشركات إلى المقاولين الخارجيين والموظفين المؤقتين والمستقلين لمعالجة ثغرات مهاراتهم (تقرير المنتدى الاقتصادي ٢٠١٨ في دافوس حول مهن المستقبل حتى العام 2022).
· تقنيات البلوك تشين Blockchain وأثرها على تطور وظائف المستقبل
تساءلت د. نوف الغامدي: ما أثر تقنيات البلوك تشين Blockchain على تطور الوظائف؟ وفي هذا الصدد أكد د. هشام بن عباس على أن تقنية البلوك تشين Blockchain بالفعل يتوقع لها أن تغير طريقة نماذج الأعمال الحالية، والاستغناء عن الوسيط سيخلق مفهوم جديد لم نعتاد عليه حالياً. وأضاف أنه في هذه السنة ستنطلق أول الخطوات في تكوين النظام المتكامل (ecosystem) الداعم والممكن لتقنية البلوك تشين. والواقع أنه لم يعد الغرض من التقنيات الحديثة الرفاهية فقط، بل إنها سوف تحدث ثورة مربكة (Disruption) لنظم الأعمال والاقتصاد، لذا فعلى الرؤساء التنفيذيين مسؤولية عظمى في سرعة المبادرة بالتفكير والاستعداد والعمل والاستثمار في التقنيات الحديثة قبل أن يتجاوزهم الزمن فيكونون عرضة للإرباك، وكما يقال: “If you don’t disrupt your business, you’ll be disrupted”.(*).
· وظائف المستقبل: الإشكالات والمهددات
ذهب د. خالد الرديعان إلى أن قلقه هو على الإنسان وليس على الروبوتات، أو وظائف المستقبل التي ستتحول إلى الآلات ليزداد بذلك عدد العاطلين عن العمل وغير المؤهلين. وبقدر ما يحمل لنا الذكاء الصناعي من فرص اقتصادية مذهلة كما يزعم المبشرون، فإنه كذلك يخيفنا مما يحمل في طياته من مهددات للعنصر البشري في لقمة عيشه، وكينونة الأفراد كمخلوقات اجتماعية تحب وتكره وتحيا وتموت في سبيل أن تظل بشر دون أن يتم اختزالها إلى كائنات استهلاكية عديمة الجدوى. ويبرز في هذا الصدد مشكلتين أساسيتين:
s المشكلة الأولى: وتتعلق بالذكاء الصناعي، وهي قضية الهوة العلمية والتقنية بين الدول والمجتمعات؛ فهذه الهوة واسعة وستكون الغلبة للدول المتقدمة في السيطرة والهيمنة واحتكار المعرفة، أخذاً في الاعتبار أن هذه الهيمنة لن تكون أخلاقية أو رحيمة أبداً بل ستكون استغلالاً اقتصادياً وسياسياً يتم بأبشع الصور، فالرأسمالية التي نراها اليوم لا تستطيع أن تكون إلا هكذا. هي لا تستطيع أن تغير جلدها بين ليلة وضحاها لتكون إنسانية ورؤوفة بالفقراء والمعدمين وقليلي العلم.
s المشكلة الثانية: والتي تطل برأسها مع الذكاء الصناعي والتقنية الحديثة هي التغير الهائل في نمط العمل وساعاته وأدواته ومتطلباته، والتي لن يكون الإنسان جزء مهماً منها. سيكون دوره محدوداً للغاية وسيجد نفسه في منافسة غير عادلة مع وحش كاسر أسمه الروبوتات والتطبيقات الذكية التي سيديرها حفنة من الشركات الخفية التي لا نعرف أين هي ومن يديرها وكيف يديرها.
ومن جانبه أضاف د. هشام بن عباس أنه أمام عجلة التقدم فإن الخشية أنه لا يوجد حل إلا بالهروب للأمام، والمقصود مواكبة العالم المتقدم، وأيضا العمل جنبا إلى جنب مع الجمعيات العالمية التي تهتم بالجانب الإنساني مثل بعض لجان الأمم المتحدة (Sustainable Development Goals) وجمعيات الأخلاقيات مثل OECD.
أيضاً فقد ذكرت أ. فائزة العجروش أنه بالفعل فقد كثرت المخاوف عن تزايد نسب البطالة في المستقبل نتيجة الذكاء الاصطناعي والتطور التكنولوجي المتسارع. وأشارت في هذا الإطار إلى إحصائية مهمة حول التوزيع النسبي للمتعطلين السعوديين الحاصلين على شهادة دبلوم فأعلى (15 سنة فأكثر) حسب الجنس والتخصص الدراسي، ويتبين منها فيما يخص معدلات العاطلين عن العمل في الربع الأول من عام 2019 أن أعلى نسبة بطالة كانت لتخصص الدراسات الإنسانية بنسبة 25.6%، يليها تخصص العلوم التربوية وإعداد المعلمين 17.9%، لكن الغريب والأمر المقلق حقًّا أن نسبة بطالة الذكور مرتفعة في مجالات مطلوبة حاليًا في سوق العمل السعودي، حيث بلغت 20.5% لدى خريجي الأعمال التجارية والإدارية، وبلغت 14.7% في مجال الهندسة والمهن الهندسية، في حين بلغت 11.7% لدى خريجي تكنولوجيا المعلومات والحاسب، وهذا ما يزيد من مخاوفنا إذا كان هذا هو الوضع الحالي ارتفاع معدلات البطالة في المجالات المطلوبة في سوق العمل!! إذن ماذا سيحدث عندما تبدأ التقنيات الحديثة بالفعل في عزل وتهميش الإنسان لتحل محله؟!
جدول (1)
التوزيع النسبي للمتعطلين السعوديين الحاصلين على شهادة دبلوم فأعلى (15 سنة فأكثر) حسب الجنس والتخصص الدراسي (%) خلال الربع الأول من عام 2019
المصدر: بيانات تقديرية من مسح القوى العاملة – الهيئة العامة للإحصاء.
وعقبت د. وفاء طيبة بأن المقلق بالفعل هو بطالة خرجي العلوم الإنسانية والتربوية، فهم من جهة كثيرون ربما لسوء التخطيط وعدم معرفة الفرد موطن قدراته الأصلي. ولكن من جهة أخرى فإن أحد أسباب بطالة خريجي العلوم الإنسانية هو عدم الاعتراف بدورهم وأهميتهم خصوصا في حالات التحول السريعة هذه والتي تؤثر على القيم والسلوك والنفس البشرية بشكل كبير.
واتفقت د. مها المنيف مع القول بأن بعض الوظائف المهددة بالانقراض سوف يحل محلها وظائف جديده تتفق مع العصر التكنولوجي الذي نعيشه، ففي آخر إحصائية في مكتب العمل بأمريكا لمقارنة عدد الوظائف المتاحة بعدد الخريجين حسب كل تخصص وجد أن عدد الوظائف المتاحة في تخصص علم الكمبيوتر والذكاء الاصطناعي الخ تفوق عدد الخريجين من هذا التخصص على عكس تخصص الهندسة أو العلوم الإنسانية؛ لذلك فإن دخول الشباب هذا التخصص وفروعه مهم جدا، ويجب أن توفر الجامعات التخصصات الدقيقة في هذا المجال.
أما أ. محمد الدندني فيرى أن المقلق بالنسبة لنا وكل الشعوب هو التأخر وعدم المبادرة واللحاق بالركب. عموم المنطقة وما يسمى بالعالم الثالث طافته الثورات الصناعية الثلاث السابقة وأصبح مجرد مستهلك لما تنتجه فهل ستطوفنا الرابعة.
في حين أشارت د. عبير برهمين أنه بخصوص استحواذ الروبوتات وتغلبها على البشر وتفوقها في الذكاء الاصطناعي وتطورها الذاتي؛ فإن السيناريو مرعب بالفعل؛ لكنه في نفس الوقت سيناريو نمطي تم فرضه علينا من إنتاج استديوهات هوليوود، ولا يعني ذلك بالطبع التقليل من شأن ثورة الروبوتات والذكاء الاصطناعي؛ فالرأي أن الحروب المستقبلية ستكون تقنية وآلية بين الدول. أما التساؤل: هل هناك تخوف من سيطرة الروبوتات على وظائف ومهن البشر بحيث يصبح لدينا عاطلين أكثر؟ فالرأي أن الأمر مناصفة 50:50 ويعتمد رسم ملامح المستقبل على ما يمكن أن نقرره اليوم، بمعنى هل سنعتمد على التقنية بشكل مفرط أم ستكون التقنية ميسرة ومسهلة لحياتنا ونستفيد منها فيما لا نرغب القيام به من أعمال أو لإيجاد حلول مبتكرة لمشاكل قائمة.
أما د. محمد المشيقح فيرى أن مشكلة الوظائف في ظل الثورة الصناعية الرابعة (والتي يندمج فيها العالم مع الآلة) ليست مشكلة جديدة. ففي كل ثورة من الثورات الصناعية الثلاث السابق تكرر نفس السؤال ونفس السيناريو.
وفي سياق متصل، ذهب د. رياض نجم إلى أنه يبدو من خلال النقاشات أن هناك فريقان:
الأول: متشائم بأننا غير مستعدين لوظائف المستقبل وأن الصورة قاتمة.
الثاني: متفائل (أو على الأقل غير قلق) من وظائف المستقبل باعتبار أننا مررنا بمراحل تطلبت التغيير ومن الممكن التكيف مع متطلبات الأعمال الجديدة.
وأشار د. رياض نجم إلى أنه مع الفريق الأول لعدة أسباب يمكن إيجازها فيما يلي:
1- بالرغم من كل التطمينات بأن تطبيق التقنيات المستجدة ستخلق أنواعا مختلفة من الوظائف يمكن الاستعداد والتأهل لها، إلا أن المحصلة النهائية للعدد المطلوب من الوظائف سيكون أقل بكثير مما هو مطلوب حاليا ببساطة لأن الآلة ستكون بديلا عن الإنسان في عدد غير محدد من الوظائف والمهام. وعدد الوظائف التي لا يمكن استبدال الإنسان فيها يتضاءل يوما بعد يوم، وقد يختفي يوما ما.
2- أننا لا نملك إلا اليسير من أدوات توليد وظائف المستقبل وهي المعتمدة بشكل أساسي على التقنيات الحديثة (من الذكاء الاصطناعي والبلوك تشين Blockchain وإنترنت الأشياء ومعالجة البيانات الضخمة والروبوتات وغيرها).
3- تعتمد وظائف المستقبل بشكل كبير على عاملي الابداع والابتكار والبحث والتطوير. وبالرغم من كل الجهود المبذولة في هذه المجالات، إلا اننا لا زلنا في بداية الطريق ونقل كثيرا عما تبذله كثير من الدول التي سبقتنا في هذه المجالات.
4- أننا لا زلنا نركز أكثر من اللازم على العلوم الاجتماعية، بالرغم من أهميتها، لكن ليس بهذا الكم الهائل من المتخصصين فيها. والنتيجة أن ربع خريجي هذه التخصصات من الجامعات لا يجدون الوظائف المناسبة لهم.
· آليات تجاوز الإشكالات المرتبطة بوظائف المستقبل
يرى د. صدقة فاضل أن هناك واجب على الدولة – أي دولة- حكومة وشعبا، لتوفير ولو الحد الأدنى من العيش الكريم لشعبها، وخاصة شبابها … مستقبلها. وبصرف النظر عن التطورات التقنية التي سيشهدها العالم، ومنه المملكة، علينا أن نوفر العيش الكريم لشعبنا عبر توفير عمل مناسب لكل شاب وشابة. والاعتقاد أن توفير ذلك غير مستحيل، لاسيما وقد وهب الله بلادنا ثروات طبيعية مهمة ومتميزة، نوعا وكما. التخطيط السياسي – الإداري السليم يمكن أن يحقق لنا أهدافنا النبيلة في مواجهة الأتمتة. المهم أن لا تكون لدينا نسبة عالية من البطالة يمكن أن تحيل حياتنا إلى اضطراب لا نهاية له. يجب أن لا نكترث كثيرا بالتطورات التقنية التي هي مزدهرة خارج بلادنا. إيفاء المسؤولية الاجتماعية والإنسانية يجب أن تكون له الأولوية عندنا. يجب أن لا نلجأ للروبوت ونترك شبابنا عاطلا في البيوت، تلك هي القضية. ومن ناحية أخرى فطالما أن التقدم التقني سيولد أعمال، كما سيقضى على أعمال، فان النتيجة النهائية قد لا تمثل إشكالا. ما يهمنا في بلادنا هذه هو أن لا تكون هناك نسبة مرتفعة للبطالة بين الجنسين، كما هو حالنا الآن.
وأكدت د. وفاء طيبة على أن المسألة مسألة تخطيط سليم، التعليم والعمل والخدمة المدنية بمسميات الوظائف لا يخططوا معا لمواجهة البطالة الحالية! الآن! فمتى نخطط للبطالة المتوقعة القادمة؟ نحتاج إلى غرفة طوارئ، وتدخل جراحي سريع في جوانب عدة لتضمن للإنسان كرامته مستقبلاً. وعقب د. خالد بن دهيش بأنه قبل أن تدمج وزارتي التعليم العالي مع وزارة التربية والتعليم كانت هناك لجنة عليا وفرق عمل تعمل على المواءمة والتنسيق بين الوزارتين أحد أهدافها توجيه الخرجين من التعليم العام إلى التخصصات المطلوبة، وتكييف قدرات الجامعات لاستيعاب أعداد الخرجين وفقاً لاحتياجات سوق العمل، بجانب هدف تحقيق متطلبات التعليم العالي من التعليم العام والعكس، خاصة في مجال إعداد المعلمين، وأعداد المعلمين المطلوبين. والآن وقد أصبحت وزارة واحدة للتعليم والوزير هو رئيس مجلس إدارة المؤسسة العامة للتدريب التقني والمهني، فالظن أن الأمر أصبح ميسر. المعضلة هي حصر التخصصات والأعداد المطلوبة لشغل وظائف المستقبل ودعم الجامعات لتحقيقها، وهذا المطلوب، وهناك مبادرات لتحقيق ذلك في خطط وزارة التعليم؛ فالهدف الاستراتيجي السادس في برنامج التحول الوطني هو 🙁 تعزيز قدرات التعليم لتلبية التنمية واحتياجات سوق العمل).
وفي هذا السياق عرض د. خالد بن دهيش لما تضمنه “تقرير مستقبل الوظائف والعمل في المملكة العربية السعودية” من إعداد مجموعة الأغر، والصادر في شهر فبراير ٢٠١٩ الموافق جمادى الآخرة ١٤٤٠ هـ، حيث يشير التقرير لمدى استعداد المملكة العربية السعودية لموضوع مستقبل العمل. وقد بني على عدداً من التقارير والمؤلفات حول موضوع مستقبل العمل، بجانب دراسة ميدانية مع ذوي العلاقة لمعرفة الوضع الحالي للمملكة وتحديد الاحتياجات المستقبلية. وتوصل التقرير إلى أن هناك ثلاثة عوامل تؤثر على سوق العمل وبالتالي على جودة ومتطلبات الوظائف المستقبلية هي:
s التغيّر في القوى العاملة.
s تقدم التقنية.
s العولمة.
وتوصل إلى أن استمرار المملكة في التقدم الاقتصادي الحالي (المرتبة ال ١٣ لأغنى دول العالم لعام ٢٠١٧ م) وتحقيق رؤية المملكة ٢٠٣٠ تعتمد على تحقق عامل رئيسي واحد هو (القوى العاملة المستعدة والمهيأة للتكيف مع التحول في الوظائف والمهارات التي تشكّل مستقبل العمل).
· دور التعليم في مواكبة تطور وظائف المستقبل
ترى د. نوف الغامدي أن الحديث عن الشباب، يحيلنا تلقائياً نحو تناول الشق الأهم من جهوزيتنا لمخرجات الثورة الصناعية الرابعة وهو التعليم، فكيف يمكن للتعليم أن يؤنسن التكنولوجيا ويغيّر من وظائفها؟ وكيف يمكن أن نوازن بين احتمالات أن يتولى الجيل القادم من الذكاء الاصطناعي -الروبوتات -تعليم أبنائنا، وبين الحفاظ على القيم الإنسانية التي يجب أن تكون أهم مخرجات التعليم في المستقبل؟ لا نريد أن نقفز من واقع التعليم الحالي إلى واقع مختلف تماماً بدون ضمان أن يؤدي قطاع التعليم وظيفته التي ذكرناها مسبقاً، وهي تنمية العقول والوجدان في آن.
وفي تصور د. محمد المشيقح فإن تجاوز أزمة وظائف المستقبل يرتكز على عاملين أساسيين:
1- التعليم، فهو الأساس لمواكبة هذه الثورة. فما زالت المناهج عندها للأسف قائمة بأغلبيتها على تلقين الطلاب مجموعة من المعارف ويتم اختبارهم على قدرتهم في استرجاع هذه المعارف! وبلا شك فأن الآلة تجاوزت الإنسان بهذه القدرة وستظل تتجاوزه بشكل مستمر.
2- مع التقدم الروبوتي المستمر، سيتزايد عدد الأعمال التي يستطيع اقتحامها واستبدال الإنسان بها. وبلاشك فإن العمل اليدوي أو الروتيني سيتم استبدال الإنسان فيه بالآلة لكن لن يستطيع الروبوت استبدال العمل الإبداعي (creative work) والذي نجد عدد من الاقتصاديات المتقدمة اليوم تؤهل كوادرها عليه.
وبدوره أكد د. مساعد المحيا أن من الضروري الاهتمام بوجود قرارات وإجراءات مرنة لفتح أقسام جديدة أو مسارات تنسجم مع المتغيرات وتتكيف مع متطلبات المستقبل الوظيفية في كل المراحل الثانوية والجامعية والماجستير مع ضرورة العناية بحاجة السوق كما وكيفا. ويلاحظ أن الأجيال الجديدة من الشباب والفتيات في الثانويات والجامعات يحملون اليوم الكثير من القدرات التي يمكن أن تتكيف مع المهن الجديدة والتي ستتيح لهم دخلا أفضل. وبصورة محددة من المهم الوضع في الاعتبار النقاط التالية:
s سيظل حجر الزاوية في مواكبة التغيير هو أنظمة وبرامج التعليم العام والجامعي؛ فمن أهم الجوانب تطوير المنظومة التعليمية والعمل على تدريب وتأهيل الكوادر التعليمية كي تتعامل مع التكنولوجيا الحديثة حيث سيسهم هذا في المضي نحو المستقبل.
s التحولات الكبيرة التي فرضتها تطبيقات الشبكات الاجتماعية تفرض أهمية عمل أقسام الإعلام على إعادة النظر في مناهجها وتغييرها جذريا حتى لا تكون كمن يعلم الطلاب مالا حاجة لهم به.
s المهم في عملية التحول نحو وظائف المستقبل أن ندرك بأن من المهم أن نحسن التعامل مع معطيات هذا المستقبل وأن ننجح في إدارته واستثماره، وأن البحث عن المستقبل لا يعني عدم الاهتمام بالتخصصات التي سيظل يحتاجها المجتمع وإنما كيف نضيف لهذه التخصصات ما يجعلها أكثر قدرة على إدارة المستقبل والتكيف مع معطياته، وكذلك العناية بالكفاءات التعليمية والقيادات الإدارية التي يفترض أن تقود زمام هذا التحول لخلق التوازن بين وجود المهنيين. وبين القيادات الإدارية التي تحسن توظيف الموارد البشرية والإفادة منها.
وطرح د. رياض نجم مجموعة من الحلول المقترحة لمواجهة التحديات المتعلقة بوظائف المستقبل وتتمثل فيما يلي:
1- حث الجهات البحثية الحكومية والتعليمية والخاصة على بذل المزيد من الجهد والمال في مجال البحث والتطوير والابتكار، خصوصا في مجال التقنيات الحديثة.
2- حان الوقت لتقليل تخريج طلاب من الجامعات في العلوم الاجتماعية بالنظر إلى التخمة التي نعاني منها في هذه التخصصات وليس لعدم أهميتها. ويمكن أن نصعّب القبول في هذه التخصصات بدلا من تسهيله وتحويل غير المقبولين في باقي التخصصات إليها.
3- تشجيع الشباب على الانخراط في التخصصات التقنية سواء على المستوى الجامعي أو ما قبله، وفتح مزيد من الكليات والمعاهد في هذا المجال وتسهيل القبول فيها وليس تصعيبه.
4- وضع برامج تأهيل في المجالات التقنية لمن يرغب من الخريجين الذين لا يجدون وظائف في مجال اختصاصهم.
5- توسيع ثقافة العمل بالوقت الجزئي part time وأن يكون تقييم العاملين على أساس الإنتاجية والأداء وليس قضاء عدد محدد من الساعات في الوظيفة.
ʘ التوصيات
1- أهمية إشراك سوق العمل في تحديد مخرجات العملية التعليمية، بحيث يتم استقاء البيانات والمعلومات الفعلية عن سوق العمل من واقع إحصاءات المهن لدى وزارة العمل ووزارة الخدمة المدنية، وعليها تُبني استراتيجيات مخرجات التعليم؛ لتحقيق المواءمة بين مخرجات التعليم مع سوق العمل السعودية.
2- حث الجهات البحثية الحكومية والتعليمية والخاصة على بذل المزيد من الجهد والمال في عمل الدراسات الاستشرافية وفي مجال البحث والتطوير والابتكار، خصوصا في مجال التقنيات الحديثة ومعرفة الوظائف المطلوبة في المستقبل.
3- تطوير استراتيجية كاملة للتعليم لاستيعاب التغيرات في سوق العمل في المستقبل.
4- تطوير عملية اختيار وتعليم وتدريب المعلمين مع بناء وثيقة أخلاقية للمعلم يلتزم بها (code of conduct).
5- الاهتمام بالبيئة التعليمية المادية والنفسية والاجتماعية للتعليم ضمن الأنظمة والقوانين الخاصة بالتعليم والتدريب، فهي أساس مهم في التعليم.
6- إنشاء مركز أبحاث للعلوم الإنسانية يركز على الأبحاث النفسية والتربوية والاجتماعية والإدارية التي يمكن بناء عليها أن نخطط التخطيط السليم لمجتمعنا، فمهما كانت هناك معلومات وآليات عامة في المجتمع الدولي إلا أن كل مجتمع يواجه إمكانياته ومشكلاته بطريقة خاصة به أيضا.
7- تطوير دور مؤسسة موهبة لتشمل السمات الناعمة والذكاء الانفعالي والجوانب الابتكارية النفسية والاجتماعية والتربوية، أو إنشاء مؤسسات مماثلة للاهتمام بهذا الجانب.
8- تحديد التخصصات المطلوبة مستقبلًا في سوق العمل السعودي حسب توجهات التقنية ومتطلبات سوق العمل المحلي والعمل على توفر البنية التحتية اللازمة.
9- تعزيز قيم ومهارات التعلم النشط والتعلم الذاتي والتعلم المستمر لدى الطلبة في التعليم العام والجامعي.
10- الحد من قبول الطلاب في المجالات (الاجتماعية والنفسية والدينية والثقافية والتربوية)، مع حث خريجي تلك التخصصات على رصد التغيرات السريعة التي تمر بها حياة الإنسان المعاصر وما يتعلق بها من تطورات في جميع مجالات الحياة ومنها مجال التخصصات والوظائف الجديدة. والسعي لمواكبة ذلك بمناهج حديثة مدروسة تعزز القيم الإنسانية وتحفز على جودة التعامل مع المستجدات وخاصة تأثيرات التقنيات المتقدمة على الطبيعة البشرية للإنسان سعياً نحو التخفيف من سلبيات تلك التأثيرات.
11- البدء الفوري في افتتاح تخصصات جامعية جديدة تتماشى مع أهداف وتطلعات الرؤية، وتضمن التوظيف الفوري لخريجيها، منها على سبيل المثال: إدارة اللوجستيات وسلاسل الإمداد، اﻟﺼﻨﺎﻋﺎت اﻟﻌﺴــﻜﺮﻳﺔ، اﻟﻄﺎﻗــﺔ اﻟﻤﺘﺠــﺪدة، هندسة الموارد، اﻹﻧﺘــﺎج اﻟﻤﺮﺋــﻲ واﻟﺮﻗﻤﻲ، صناعة التعدين، القانون المتخصص: مثل قانون الطيران التجاري، قانون الحوكمة، قانون التجارة الدولية، الأمن السيبراني، المحاسبة، الموارد البشرية، الطاقة البديلة، الذكاء الاصطناعي، التجارة الإلكترونية، علم النانو، الطاقة الشمسية.
12- وضع برامج تدريب وتأهيل عالي الجودة للشباب والخريجين في المجالات التقنية للخريجين الذين لم يحالفهم الحظ في الحصول على وظائف في مجال اختصاصهم، وتوجيه كافة الطاقات والكفاءات لتوفير متخصصين ومبدعين في تلك التخصصات والمجالات الجديدة، وذلك بما يضمن توفر عدد من فرص العمل المميزة والتي ستشكل ملامح مستقبل جيل كامل من الشباب السعودي.
13- صياغة مناهج دراسية حديثة ابتداءًا من مراحل التعليم العام، تعتمد على التفكير والتحليل والاستنتاج، وتقديمها بطريقه ابتكارية مختلفة عن الطريقة التقليدية والمعتادة لتواكب هذا التحدي، وتعمل على تدريب وتأهيل خريجين لوظائف مستقبلية، ومستعدين لتعلم واستخدام أي تقنيات حديثة وتقع ضمن هذا الرباعي المعروفة اختصارًا ب STEM: التقنية، العلوم، الهندسة، الرياضيات.
14- أهمية أن يبني الشخص لنفسه ميزة تنافسية تؤهله لتخصصه ولوظيفته دون غيره. وتحتاج تلك الميزة توفر مهارتين لديه:
أ. العقلية المرنة Cognitive flexibility : وهي المقدرة على سرعة التغيير والتكيف مع المستجدات.
ب. حب التعلّم، وتعلّم الجديد مهما كان عمر الشخص أو منصبه.
15- تقديم تسهيلات في الدعم اللوجستي والمالي لرواد الأعمال والشركات الريادية.
16- تشجيع الشباب على الانخراط في التخصصات التقنية سواء على المستوى الجامعي أو ما قبله، وفتح مزيد من الكليات والمعاهد في هذا المجال وتسهيل القبول فيها واستقطاب الشباب بالمميزات والرواتب الجاذبة.
17- توسيع ثقافة العمل بالوقت الجزئي part time وأن يكون تقييم العاملين على أساس الإنتاجية والأداء وليس قضاء عدد محدد من الساعات في الوظيفة.
18- توفير دورات تدريبية متخصصة ونوعية على رأس العمل؛ لردم الفجوة بين التعليم وسوق العمل.
19- تحفيز إنشاء العديد من حاضنات الأعمال في مجال التقنيات الحديثة. وتعميم هذا النهج كبزنس موديل ليشمل كل الأفكار المفيدة والابتكارات حيث تحول هذه الحضانات الى مؤسسات تدرج في السوق المحلي كسوق موازي يساعد في جلب مساهمين واستثمارات تغذي هذه الحاضنات.
20- الاهتمام خلال مراحل التعليم بالذكاء الانفعالي، والذي يشمل كثير من السمات النفسية.
21- تشجيع إقامة النوادي العلمية وفِي مقرات المدارس للطلبة وغيرهم من المهتمين لسبر المبدعين وتبنيهم في حاضنات تستقطب مستثمرين وإشراك العاملين المبدعين بنسبة ملائمة من العوائد المالية؛ فهذا الأسلوب هو المتبع عالميا لتحفيز المبدعين.
22- تعاون الجهات ذات العلاقة في عمل كادر وظيفي خاص بوظائف المستقبل بحيث يشمل حوافز ومميزات مغرية وجاذبة لانخراط الشباب لتلك الوظائف المطلوبة.
23- توجيه الشباب إلى الشهادات متناهية الصغر وتشجيعهم لأن لا تكون شهادة البكالوريوس في أي تخصص كان هي غايتهم؛ بل الالتحاق بالتخصصات المرغوبة المطلوبة في سوق العمل بتكاليف أقل ومدة دراسة قصيرة جداً. وتلك التخصصات ليس من الضرورة أن تمنحها الجامعات أو المعاهد الأكاديمية ولكنها من قِبل الشركات الكبرى المتخصصة في مجالات حيوية متعددة مطلوبة في سوق العمل.
24- إتاحة الجامعات لنظام الدبلوم كدرجة علمية معترف بها، بجانب البكالوريوس وهو يماثل ال community college في الجامعات الأمريكية بحيث يتم قبول الطلاب في التخصصات المطلوبة في سوق العمل المستقبلي ويكون للطالب الخيار بعد ذلك في إكمال البكالوريوس.
القضية الثالثة
لائحة الوظائف التعليمية الجديدة 1440هـ: تحول نوعي للتعليم
(21/7/2019م)
الورقة الرئيسة: د. محمد الملحم
التعقيبات:
ʘ التعقيب الأول: د. فوزية البكر
ʘ التعقيب الثاني: د. الجازي الشبيكي
إدارة الحوار: أ. علياء البازعي
ʘ الملخص التنفيذي
أوضح د. محمد الملحم في الورقة الرئيسة أنه تم الإعلان مؤخراً عن اعتماد مجلس الوزراء الموقر برئاسة خادم الحرمين الشريفين حفظه الله لائحة الوظائف التعليمية الجديدة والتي ترقبها الوسط التعليمي منذ زمن بعيد وقد صدرت بقرار مجلس الوزراء رقم 606 وتاريخ 22/10/1440هـ، وبحسب موقع وزارة الخدمة المدنية فإن هذه اللائحة الجديدة سوف ستدخل حيز التنفيذ في 26 ربيع الثاني من العام 1441هـ؛ وذلك بعد (180) يوماً من إقرار مجلس الوزراء -الموقّر- لسلّم رواتب الوظائف التعليمية. ويلاحظ أن اللائحة رسمت باحترافية ومهنية واضحة حيث ضمنت للمعلمين الحاليين وضعهم الوظيفي، فلا ينتج عن اللائحة أي تغيير على رواتبهم الحالية باعتبار أن جميع المعلمين والمعلمات في المستوى الرابع والخامس والسادس سيتم تسكينهم على رتبة معلم ممارس وفقا لراتبه الحالي أو الدرجة الأعلى الأقرب لراتبه، وكذلك ستحسب لهم سنوات الخدمة السابقة في ترقيتهم لرتبة المعلم المتقدم كما سيمنحون فرصا عدة لاجتياز اختبارات الرخصة المهنية المتطلبة للترقية. كما اهتمت اللائحة بفئة مهمة كانت خارج السلم التعليمي بينما هم يعملون في السلك التعليمي ويتعاملون مع الطالب والمعلم وأدوات التعليم، مثل محضر المختبر وأمين المكتبة، وهؤلاء هم الشباب الذين حصلوا على دبلوم دون البكالوريوس وكانوا سابقا على نظام المراتب. بل أعطتهم اللائحة الجديدة الفرصة للدخول إلى مراتب السلم التعليمي فوق مرتبته الأولية (معلم مساعد) إذا ما اجتهد وطور نفسه بالحصول على شهادة البكالوريوس. بجانب أن اللائحة اهتمت بالقيادات التعليمية، أيضاً فقد وضعت اللائحة حوافز متعددة سواء في العلاوات أو مكافآت نهاية الخدمة، كما شجعت على التعليم العالي لكوادرها، ويلاحظ هنا إعطاء وزن لشهادة الدكتوراه مقارنة بالوضع السابق الذي كان يتوقف عند الماجستير فقط.
وأشارت د. فوزية البكر في التعقيب الأول إلى أن من أبرز ملامح اللائحة الجديدة تركيزها على تمهين التعليم، وجعل هيئة تقويم التعليم العام لاعبا أساسيا في ضبط تمهين المعلمين، وهو ما سيحقق رفعا واضحا لمستوياتهم على اختلاف رتبهم المهنية، ومكافأة المعلمين الطامحين للحصول على درجات علمية أعلى.
وأكدت د. الجازي الشبيكي في التعقيب الثاني على أن اللائحة غير كافية لخلق تحول حقيقي في ممارسات منسوبي التعليم، فهناك عدة أنظمة مرتبطة بالنظام التعليمي عليها العمل على المواكبة والتنسيق، كما أن مناهج الكليات التربوية التي تُخرٍج المعلمين بحاجة إلى خطط تطويرية تتسق مع متطلبات اللائحة الجديدة. أيضاً فإن الأنظمة والبُنى التحتية المعلوماتية والاتصالية بحاجة إلى تطوير نوعي يضمن شمول ودقة وسرعة الوصول للمعلومة التي تتطلبها النقلة الكبيرة المُستهدَفة سواءً بالنسبة للطلبة أو المعلمين. فضلاً عن أن من الإجراءات التي ربما تحتاج وزارة التعليم أن تستكملها قبل أن يتم وضع اللائحة الجديدة موضع التنفيذ: إنشاء وحدات تقويمية مستقلة للمجالات التي تضمنتها اللائحة، وكذلك إنشاء هيئة مستقلة للإشراف على كل ما يتعلق بالرخص المهنية لمزاولة التدريس.
ولوحظ اتفاق المتحاورون على أن الاهتمام الملموس بلائحة الوظائف التعليمية الجديدة يعزو بالأساس إلى كونها تمس نصف موظفي الدولة بصورة مباشرة والمجتمع ككل بصفة غير مباشرة؛ كون المعلم يؤثر فيه من خلال تعليمه لأفراده بتعاقب الأجيال. في حين تباينت المداخلات حول تفاصيل مواد اللائحة والمخاوف المثارة بشأنها.
وتضمنت المداخلات حول القضية المحاور التالية:
s لائحة الوظائف التعليمية الجديدة وتحقيق التحول المطلوب.
s التخوفات من لائحة الوظائف التعليمية الجديدة.
s قراءة نقدية في بنود لائحة الوظائف التعليمية الجديدة.
s دور النخبة في دعم الميدان التعليمي.
s ملاحظات ختامية على لائحة الوظائف التعليمية الجديدة.
ومن أبرز التوصيات التي انتهي إليها المتحاورون في ملتقى أسبار حول قضية: لائحة الوظائف التعليمية الجديدة 1440هـ، ما يلي:
1- مراجعة المواد التي لم يتم الانتهاء من ضوابطها وشروطها بين وزارة التعليم ووزارة الخدمة المدنية لجبر كسر بعض ما ورد في اللائحة وتبين أن له أثراً سلبياً.
2- أهمية مراجعة وإعادة صياغة السياسة التعليمية من غايات وأهداف ولوائح وأنظمة فهي متقادمة جداً؛ لتتواكب مع المرحلة المهمة التي يتطلبها التطوير الشامل والنوعي للتعليم والبيئة التعليمية في المملكة.
3- الاهتمام أكثر بالبيئة المدرسية وما يندرج تحتها من مباني تعليمية وتوفير كافة متطلباتها وتجهيزاتها (من ملاعب وأفنية ومختبرات ومعامل للحاسب الآلي
4- تحديد معايير واضحة ومحددة لاكتساب المعلم للنقاط الواردة في المادة ١٠/ج، مع توافر طاقم تدريب قوي وجاد، وبحيث لا تكون الدورات التدريبية شكلية فقط لاجتياز النقاط المطلوبة.
الورقة الرئيسة: د. محمد الملحم
تداول الناس والوسط التربوي خبر إعلان معالي وزيري الخدمة المدنية والتعليم اعتماد مجلس الوزراء الموقر برئاسة والد الجميع خادم الحرمين الشريفين حفظه الله ووفقه لكل خير لائحة الوظائف التعليمية الجديدة والتي ترقبها الوسط التعليمي منذ زمن بعيد وقد صدرت بقرار مجلس الوزراء رقم 606 وتاريخ 22/10/1440هـ(*)، وبحسب موقع وزارة الخدمة المدنية فإن هذه اللائحة الجديدة سوف ستدخل حيز التنفيذ في 26 ربيع الثاني من العام 1441هـ؛ وذلك بعد (180) يوماً من إقرار مجلس الوزراء -الموقّر- لسلّم رواتب الوظائف التعليمية.
وصدرت اللائحة السابقة بتاريخ 10/11/1401 هـ وها هي اللائحة الجديدة تعلن في نفس الشهر بعد 39 عاما من مسيرة اللائحة السابقة والتي كان لها وقعها الكبير عندما أعلن نظام المستويات خلفا لنظام المراتب والذي اشترك فيه المعلم مع موظف الخدمات الحكومية الأخرى سواء بسواء بينما ما يبذله المعلم من جهد وما يتطلبه عمله من الإعداد قبل التدريس والمتابعة بعده أكثر بكثير مما يقوم به الموظف الإداري منحصرا في عمله بمكتبه فقط، وكان لذلك التحول أثره الكبير في إقبال الشباب على مهنة التدريس وحبها وتقديرها أكثر من ذي قبل، وكان ذلك هدفا لتلك اللائحة في الواقع لإحلال السعوديين مكان المعلم غير السعودي، بيد أنه ومع اتساع التعليم في المملكة وتقدم عمليات التدريس ومتطلباتها من الإبداع في تقديم المعلومة واستخدام التقنيات وتحديث الوسائل والاستراتيجيات مما يتطلب معه أن يتابع المعلم مستجدات هذه المهنة أولا بأول كونها أصبحت ذات دينامية مختلفة عن ذي قبل عندما كان التلقين ونقل المعرفة محققا للحد المطلوب للتنمية وبناء المجتمع المدني، فلهذا كله لم يعد المعلم النمطي محققا لما تتطلبه التنمية من إبداع في العملية التدريسية، بينما ظهر أن النمط التدريسي الجديد لا تحقق له اللائحة الموجودة حاليا متطلباته من الحوافز والدعم للمعلم المجتهد والمخلص والذي سيبذل جهودا أكثر مما كان يبذله سلفه، ثم تداعت نتيجة لذلك الأصوات لطلب التحرك في تحديث النظم التعليمية سواء المناهج أو الأنظمة، وعلى رأسها كان نظام الوظيفة والمتمثل في التعيين والترقية والعوائد والمكافآت وما إلى ذلك من المعايير التي تكفل توفير الحافز المناسب للعطاء والإطار العملي للتقييم والمحاسبية وتفعيل العمل المؤسساتي بشكله القياسي كما هو في البيئات المتقدمة، وظلت هذه الأصوات تلح وتؤكد مما نتج عنه استجابة مباركة من حكومة المملكة وفقها الله بقيادة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان رعاه الله ومتابعة ولي عهده النشط صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان، وخاصة من خلال رئاسته للمجلس الاقتصادي الأعلى المختص في هذا الشأن، ونتج عن ذلك إصدار اللائحة مستشرَفا لها أن تقدم نقلة تحولية transformative للتعليم في المملكة العربية السعودية، ولعل أفضل ما يمكن أن يقال عن اللائحة أنها خير محرك driver للتعليم في تحقيق أهدافه التي وضعها للمشاركة في تحقيق رؤية المملكة 2030 خاصة أن المعلمين والمعلمات يمثلون أكثر من نصف موظفي الخدمة المدنية، وفي هذا الشأن فإنه وبمراجعة لتوجهات وزارة التعليم نحو تحقيق رؤية المملكة 2030 نجد ما يلي:
أولا/ ورد في بند “سبل التطوير الإداري” في رؤية وزارة التعليم نحو 2030 البندين التاليين والذين تمثلهما اللائحة الجديدة بكل وضوح كتغيير مهم وحيوي في الأنظمة الإدارية وتحسين الهيكلة وتنظيم الإشراف بصورة عملية أكثر من قبل:
إعادة هيكلة قطاع التعليم، وصياغة حديثة لمنظومة الأنظمة والتعليمات والقواعد التنفيذية التي تحكم تطوير المناهج والتحاق المعلمين بالسلك التعليمي وتنظيم عملية الإشراف التربوي، ورفع فاعلية التطوير والتدريب المهني بشكل مستمر.
رفع كفاءة الأداء التشغيلي، وتقليل التكلفة المهدرة، والاستفادة القصوى من الامكانات البشرية والموارد والتجهيزات والمباني.
ثانيا/ ورد في بند “اتجاهات التغيير” ما يلي: “تطوير الأنظمة والإجراءات بما يكفل جدية العمل والانضباط في النظام التعليمي، ويعزز العدالة، ويكافئ بناء على الأداء المتميز”، وهو فعلا ما حدث في اللائحة الجديدة كأبرز الأنظمة الحافزة على العطاء التعليمي بشكل مباشر يلمسه المستفيد النهائي (أو الوالدين).
ثالثا/ ورد في بند “سبل التطوير التعليمي” ما يلي: “شمول التعليم لذوي الاحتياجات الخاصة، وتوفير الدعم المناسب لكل فئاته”. وحيث يلاحظ في اللائحة الجديدة الاهتمام بمعلمي الفئات الخاصة من خلال تقليص أنصبتهم فذلك يلتقي مع توجه الرؤية تماما.
وفيما يلي ملامح بارزة حول اللائحة:
أولا: حيث أن أي تغيير يتوقع أن يجد مقاومة، فإن اللائحة رسمت باحترافية ومهنية واضحة حيث ضمنت للمعلمين الحاليين وضعهم الوظيفي، فلا ينتج عن اللائحة أي تغيير على رواتبهم الحالية باعتبار أن جميع المعلمين والمعلمات في المستوى الرابع والخامس والسادس سيتم تسكينهم على رتبة معلم ممارس وفقا لراتبه الحالي أو الدرجة الأعلى الأقرب لراتبه، وكذلك ستحسب لهم سنوات الخدمة السابقة في ترقيتهم لرتبة المعلم المتقدم كما سيمنحون فرصا عدة لاجتياز اختبارات الرخصة المهنية المتطلبة للترقية.
ثانيا: اهتمت اللائحة بفئة مهمة كانت خارج السلم التعليمي بينما هم يعملون في السلك التعليمي ويتعاملون مع الطالب والمعلم وأدوات التعليم، مثل محضر المختبر وأمين المكتبة، وهؤلاء هم الشباب الذين حصلوا على دبلوم دون البكالوريوس وكانوا سابقا على نظام المراتب. بل أعطتهم اللائحة الجديدة الفرصة للدخول إلى مراتب السلم التعليمي فوق مرتبته الأولية (معلم مساعد) إذا ما اجتهد وطور نفسه بالحصول على شهادة البكالوريوس.
ثالثا: اهتمت اللائحة بالقيادات التعليمية وخاصة أكثرها ألما ومكابدة لمشكلات لعمل اليومي وهم مديرو المدارس (تسميهم اللائحة قادة المدارس) فجعلت مكافأة التكليف لهذه المهمة أعلى من المهام القيادية الأخرى (وكيل، مشرف تربوي) كما أعطتها بوابة دخول إلى أعلى مرتبة (خبير تربوي) خلافا للمهمة القيادية الأخرى (وكيل).
رابعا: وضعت اللائحة حوافز متعددة سواء في العلاوات أو مكافآت نهاية الخدمة، كما شجعت على التعليم العالي لكوادرها، ويلاحظ هنا إعطاء وزن لشهادة الدكتوراه مقارنة بالوضع السابق الذي كان يتوقف عند الماجستير فقط.
وهناك ملامح كثيرة ذكرت في مواضع متعددة في الصحف والسوشيال ميديا لكن أكتفي بما تقدم وانتقل إلى الجزء التالي حول نقاط أخرى يمكن الحديث حولها، فعند النظر إلى هذه اللائحة ونحن على مفترق طرق وبداية تحولات في البيئة التعليمية (إن شاء الله تعالى) تبرز الأسئلة التالية:
1- مع أن التعليم عملية مركبة ولا تجزم أن تغييرا واحدا فيها يمكن أن يحدث فرقا تحوليا كبيرا إلا أنه بالنسبة للائحة ونظرا لدورها التاريخي في إحداث فرق في نسختها السابقة (مستهل القرن الحالي) فهل هذه اللائحة كافية لخلق تحول حقيقي في ممارسات منسوبي التعليم ينعكس أثرها إيجابا على تحصيل الطلاب وتمكنهم من مهارات القرن الواحد والعشرين؟
2- ما الأنظمة الأخرى التي ربما تحتاج أيضاً إلى تطوير أو تحديث لتواكب هذه اللائحة؟
3- مع أن اللائحة نصت على إجراءات متطلبة من الوزارة لتفعيل هذه اللائحة إلا انه يمكن أن نتساءل أيضاً ما هي الإجراءات الأخرى التي ربما تحتاج وزارة التعليم أن تستكلمها قبل أن توضع اللائحة موضع التنفيذ لتضمن جودة التنفيذ من أول مرة؟ وهنا لا أشير بالضرورة إلى إجراءات تنظيمية بحتة من فئة اللائحة وإنما كل ما يمكن أن يكون إجراءات ضرورية أو تكميلية لتحسين التطبيق؟
4- ما هي السلوكيات التي يمكن أن تنشأ في بيئة العمل المدرسي والتعليمي نتيجة لمقتضيات هذه اللائحة الجديدة، خاصة في ظل نظام تقييم الأداء الجديد وأثره على الترقيات؟
ʘ التعقيبات:
· التعقيب الأول: د. فوزية البكر
حققت المملكة العربية السعودية مستويات عالية من نشر التعليم تقريبا بشكل كامل منذ بدأت مشروعها التنموي في الخمسينات ورافق ذلك التواري التدريجي لظاهرة الأمية وهذا يعني أن الشعب الآن يتمتع بمستويات تعليمية جيدة رفعت من مستوى توقعاته فيما يخص تعليم أبناءه وهو ما جعل التذمر من مستوى التعليم الحكومي يرتفع وفتح الباب لبرامج تعليم خاصة ليس بالضرورة أن تكون الأفضل لكنها تقدم بيئة تعليمة (أقل) تقليدية وتتمتع بمعلمين لديهم الاستعداد لبذل الجهد للمحافظة على وظائفهم.
هذا التغيير القيمي والثقافي عقد ورفع من مستوى التوقعات لشكل ومحتوى المعلم (بكل تنوعاته) والقائد والمشرف والخبير التربوي المطلوب اليوم ليسهم في تحقيق رؤية 2030 والطموحات الكبيرة التي يضعها شعب تعلم الآن وأنتج شبابا واعيا ومتابعا للتكنولوجيا ومستخدما لا يكف عن فك أسرارها المعقدة وكما ذكر د. محمد الملحم مختلف عن معلم الأمس الذي قدم جهده وعلمه وأبوته لكن عالم اليوم يحتاج أكثر.
أبرز ملامح اللائحة الجديدة:
تركيزها على تمهين التعليم: أي ربط الوصول إليه والتقدم فيه بالتدريب المهني المستمر مثل كافة المهن المعقدة كالطب والهندسة وغير ذلك.
جعل هيئة تقويم التعليم العام التي يرأسها حاليا معالي مدير جامعة الطائف السابق أ.د حسام زمان لاعبا أساسيا في ضبط تمهين المعلمين وهو ما سيحقق رفعا واضحا لمستوياتهم على اختلاف رتبهم المهنية.
مكافأة المعلمين الطامحين للحصول على درجات علمية أعلى كالماجستير والدكتوراه؛ وهو ما يعني أن الوزارة ستدفع بالراغبين في الدراسة إلى الجامعات، وهذا سيزيد فعالية وتأثير الأقسام المختلفة في الجامعات، كما تعني أن الدكاترة الجدد سيكونون فعلا في الميدان وداخل المدارس وإدارات التعليم يمارسون العمل الحقيقي بعيدا عن الأبراج العاجية لنا كأعضاء هيئة تدريس!
ما أهم مخاوف المعلمين القدامى من اللائحة الجديدة؟
مما أتيحت لي قراءته يتبين أنها تتركز في نقطتين:
الخوف من الحرمان من العلاوة السنوية.
توقف بقاءهم في المهنة على ضرورة الحصول على الرخصة المهنية.
رغم أن اللائحة أكدت لهم أنهم سيسكنون على مستويات تتناسب مع سنوات خدمتهم بحيث لن تتأثر دخولهم الشهرية؛ إلا أنها منحتهم حدا أقصي وهو خمس سنوات مع تكرار المحاولة حتى الحصول على الرخصة وإلا ستضطر الوزارة لإحالتهم للتقاعد، وهو ما حدا بأحد المعلمين في إحدى التغريدات أن يحذر زملائه ال 500 ألف معلم) بأن متطلبات هذه الرخصة التعليمية والتقنية والتربوية تختلف (كما يقول) عما درسه داخل فصله للخمسة عشر سنة الماضية فكيف سنتمكن نحن المدرسون القدامى من عبور هذا التقييم والحصول على الرخصة؟ ويجيب: لن نتمكن؟
يظهر هنا تحديدا الخطر الذي ينشب في جنبات تعليمنا والمتمثل في اعتقاد بعض المعلمين أن عليه (تلقين) طلبة فصله ما هو موجود في المنهج المقرر من الوزارة وها هو قد حفظ صفحاته القليلة عن ظهر قلب وكل ما يقوم به كل يوم في عمله خلال سنوات خدمته هو إعادة وتكرار العبارات على هؤلاء المستمعين المهذبين دون أن يغوص عميقا في مستجدات مادته أو يقدمها بأشكال متطورة، وهو ما يعجز عنه بوضعه المهني الحالي البسيط، فهل نحتاج لبقاء هذه النوعية من المعلمين؟
· التعقيب الثاني: د. الجازي الشبيكي
أوضح د. محمد الملحم بتسلسل جميل الخلفية التاريخية لهذه اللائحة وما سبقها إلى أن وصلت إلى شكلها النهائي الحالي، القابل أيضاً للتحديث بحسب المستجدات المستمرة لكل ما يتعلق بالنظام التعليمي من تطورات.
وتتفق أغلب الآراء سواء من المهتمين بالشأن التعليمي أو الشأن التنموي بشكل عام، بأن التعليم المتميز هو مرتكز ومحور أي جهود تُبذل للنهوض بالمجتمعات البشرية. وقد أكًدت رؤية المملكة 2030 على أنها تطمح إلى بناء مجتمع معرفي يمتلك المهارات والكفاءات، وممًا لا شك فيه أن أساس هذا البناء هو المنظومة التعليمية التي ترتكز على العديد من عناصر ومقومات النجاح ويأتي في أولوياتها الإعداد والتطوير المستمر لرفع كفاءة أداء المعلمين والمعلمات في مراحل التعليم المختلفة.
واللائحة التعليمية الجديدة، استهدفت استمرارية واستدامة التنمية المهنية للمعلمين لمواكبة المستجدات والمتغيرات في العملية التعليمية وهي بالفعل تُعدً نقلة نوعية في مسيرة تطوير التعليم في المملكة لأنها تعتمد على فكرة تمهين التعليم وتحويله من مجرد وظيفة إلى مهنة.
والسلم الوظيفي في اللائحة الجديدة له مزايا متعددة للمعلم الأكثر اجتهاداً والأكثر حرصاً على الالتحاق بالدورات التطويرية ليتمكًن من الانتقال خلال الرتب ويحصل على العلاوات والمكافآت وغيرها من الميزات.
ومن المزايا الجديرة بالإشادة أيضاً التحفيز والتشجيع على مواصلة الدراسات العليا لتقليل مدة التنقل بين درجات السلم. وكما هو مُلاحظ فإنه تم تقديم حوافز أكبر تصب في نواتج التعلًم، وكذلك تمً اعتماد علاوات أكبر وسقف رواتب أعلى للمعلمين، ورفع لمكافآت القيادات التربوية، ولكن كل تلك الإجراءات مرتبطة ومعتمِدة على تحقيق درجات متميزة في اختبارات رُخص مُزاولة مهنة التدريس التي تعد من أروع ما جاء في هذه اللائحة.
ورخصة مزاولة التدريس هي الإجراء الدوري الذي يضمن أن المعلمين على قدر من التميز المستمر في الكفاءة التدريسية، وهناك تجارب عالمية عديدة ناجحة في هذا الخصوص في أمريكا واليابان والكويت وقطر.
وقد توصلت بعض الدراسات التربوية التي أُجريت في المملكة إلى نتائج كان من ضمنها التوصية بضرورة وأهمية وجود رخص مزاولة المهنة للمعلمين والمعلمات وذلك لإخضاع المهنة لضوابط وأسس وإيجاد نوع من المعايير لمزاولة المهنة والتدريب والتعليم المستمر، ومن تلك الدراسات دراسة د. راشد العبدالكريم عام 2009.
في المقابل يقع على وزارة التعليم مهمة إنجاح تطبيق هذه اللائحة بشكل فاعل إذا ما تم طمأنة كوادر المعلمين والمعلمات بأهداف وغايات الإجراءات الجديدة من خلال برامج توعوية مكثفة ومدروسة ومن خلال تنظيم دورات تعليمية متعددة للتدريب على اختبارات الرخص المهنية في البداية.
وأختم بمحاولة الإجابة على تساؤلات د. محمد الملحم التي وردت في نهاية ورقته كما يلي:
1- بالطبع اللائحة غير كافية لخلق تحول حقيقي في ممارسات منسوبي التعليم، فهناك عدة أنظمة مرتبطة بالنظام التعليمي عليها العمل على المواكبة والتنسيق، كما أن مناهج الكليات التربوية التي تُخرٍج المعلمين بحاجة إلى خطط تطويرية تتسق مع متطلبات اللائحة الجديدة.
2- الأنظمة والبُنى التحتية المعلوماتية والاتصالية بحاجة أيضاً إلى تطوير نوعي يضمن شمول ودقة وسرعة الوصول للمعلومة التي تتطلبها النقلة الكبيرة المُستهدَفة سواءً بالنسبة للطلبة أو المعلمين.
3- من الإجراءات التي ربما تحتاج وزارة التعليم أن تستكملها قبل أن يتم وضع اللائحة الجديدة موضع التنفيذ:
s إنشاء وحدات تقويمية مستقلة للمجالات التي تضمنتها اللائحة.
s إنشاء هيئة مستقلة للإشراف على كل ما يتعلق بالرخص المهنية لمزاولة التدريس.
· المداخلات حول القضية
ʘ لائحة الوظائف التعليمية الجديدة وتحقيق التحول المطلوب
أوضح د. خالد بن دهيش أن اللائحة التعليمية، ورتب المعلمين قد درست في أروقة الوزارة منذ ما يزيد عن ثلاثة عقود. وأضافت أ. فائزة العجروش أن قيادتنا الرشيدة قدمت الكثير من الدعم المالي والمعنوي لميزانية التعليم؛ وسعت جاهدة لإصلاح نظام التعليم في المملكة، ولكن للأسف الشديد لم توفق القيادات التعليمية السابقة في تحقيق هذا الهدف السامي، ومن غير المعقول أن تبقى وزارة بحجم وزارة التعليم تعمل بلائحة صدرت قبل 40 عامًا، لائحة يتساوى فيها الجميع دون استثناء، ولا يفرق فيها بين من يعمل ومن لا يعمل، وبين المعلم المميز والمعلم التقليدي. لذلك جاءت هذه اللائحة الجديدة – التي تعد نقلة تاريخية وجزءًا من منظومة التطوير في قطاع التعليم – لتركز على التطوير المهني والشخصي للمعلمين، من أجل رفع قدراتهم على التدريس والقيادة، وإعداد رحلة تعلم شخصية للطاقم التعليمي، بهدف رفع قدراتهم على التأقلم مع التحول في التعليم. وبلا شك فإن تطوير أدوات وعناصر أداء مهنة المعلم -الركيزة الأساسية في منظومة التعليم- سيبثّ الطمأنينة لولاة الأمور، على تعليم أبنائهم وبناتهم من قبل معلمين يتمتعون بالمهنية والكفاءة، في منظومة متكاملة لتقويم الأداء.
وأشارت أ. علياء البازعي إلى أن د. محمد الملحم قد تساءل في الورقة الرئيسة: هل لائحة الوظائف التعليمية الجديدة كافية لخلق تحول حقيقي في ممارسات منسوبي التعليم ينعكس أثرها إيجابا على تحصيل الطلاب؟ ومن جانبه أكد د. خالد الرديعان أن اللائحة بالطبع غير كافية لإحداث التحول المطلوب، حيث أن موضوع المناهج والمباني وتوقيت الدخول والخروج من المدرسة هي متغيرات مهمة لإحداث تغير حقيقي وملموس. أما د. خالد بن دهيش فذهب إلى أن عملية تطوير العملية التعليمية عملية تراكمية وطويلة سواءً كان التطوير لأداء المعلمين أو للمناهج والمقررات حتى يتم تحقيق التطوير والتحول الحقيقي للعملية التعليمية. فنتائج التطوير الشامل للمناهج والمقررات الدراسية مثلاً لا يمكن قياسه حتى تتخرج الدفعة الأولى من طلاب الصف الأول الابتدائي الذين طبق عليهم التطوير الشامل من المرحلة الثانوية أي بعد ١٢ سنة مع التقييم والتعديل المستمر لكل مرحلة بنهايتها ولكل صف بنهايته، ناهيك عن احتياج تطوير المناهج والمقررات وأداء المعلمين إلى تحديث المعامل والمختبرات والتجهيزات المدرسية والتقنية والتدريب عليها للمعلمين والفنيين وفقاً للتطوير الذي تم للمناهج والمقررات ولأداء المعلمين، وهذا ما قامت به الوزارة مثلاً عندما تم تطوير مناهج العلوم والرياضيات بالتعاون مع أحد دور النشر المتخصصة بصناعة المناهج والمقررات المدرسية الأمريكية والتي كانت تُدرس بالولايات المتحدة الأمريكية بعد أن تم شراؤها لتطبيقها بالمملكة، وبعد تكييفها لتناسب الثقافة العربية وبيئة المنطقة وتم تدريب المعلمين عليها بالتعاون مع شركة العبيكان التعليمية ومطابعها. فالوزارة تحتاج إلى عقد العديد من ورش العمل لشرح اللائحة وتحويل المعلمين عليها وشرح كيفية معاملتهم تربوياً ومالياً وإدارياً، إضافة إلى شرح حقوقهم ومسؤولياتهم المهنية.
في حين تساءل أ. محمد الدندني: هل لدينا الثقة بخريجي المستقبل القريب من كليات التربية والآداب والعلوم للخروج بمدرسين أكفاء يوائمون اللائحة الجديدة من استمرارية التعلم وحضور الدورات والحصول على الرخص المطلوبة للترقي وقبلها إتقان العمل؟ والمقصود هنا ليس التشكيك في المقدرة الذهنية للطلبة والطالبات ولكن هل مناهج الكليات التي تخرج المدرسين مؤهلة لإعداد مدرس الحاضر والمستقبل؟ المعلم والمنهج هما ركيزة التعليم مع أهمية المباني والخدمات التابعة. يضاف أيضاً غياب دور الأسرة في اللائحة وهي مهمة جدا. تفاعل البيت مع المدرسة أمر يساعد على متابعة الطالب والطالبة أكاديميا وسلوكياً. وأكدت أ. علياء البازعي على أن اختيار المعلمين عملية مهمة للغاية. ويجب أن تبدأ الجامعات – إن لم تكن قد بدأت – بمعاملة المتقدمين لكليات التربية مثل المتقدمين لكليات الطب. ومن جديد أضاف أ. محمد الدندني أنه وبناء على ما تقدم يجب تشجيع خريجي الثانوية بعمل لائحة تشجع الإقبال على مهنة التدريس، وفي الوقت ذاته فإن التدريس لا يجب أن يخرج عّن نطاق مسؤولية وزارة التعليم.
وعقب د. عبدالله بن ناصر الحمود بأن التعليم الجامعي، تعليم نوعي، يجب ألا يتاح إلا للمؤهلين بمستويات عالية من خريجي التعليم العام. إقحام الجامعات في حلول وقتية لاستيعاب الشباب، عن الانحرافات، هكذا، يتيح حلولا جزئية وقتية، لكنه كارثي على مستوى التعليم الجامعي، وعلى مخرجاته، وبالتالي على كفاءة اليد العاملة المتوقعة لسوق العمل. وهذا الاستيعاب المزعوم ليس وظيفة الجامعات أبدا، فالجامعات ليست دور رعاية ولا إصلاحيات، ولا جمعيات خيرية؛ الجامعات بيوت خبرة ومصانع الكفاءات الحضارية لأي مجتمع، ومشكلات المجتمعات تُحل بطرق كثيرة أخرى. جامعاتنا ولعدة سنوات استوعبت ما يقرب من ٩٠٪ من خريجي التعليم العام، بينما تتراوح النسب في الدول المتقدمة بين ٣٠ و٥٥٪. دخول غير الأكفاء للجامعات، محبط جدا للأساتذة، وعامل إنقاص حاد لكفاءتهم، حيث لا يجعلهم الضعفاء في تحدّ حقيقي كأساتذة، وبالتالي تتراخى وتتقادم كفاءة الأساتذة أيضاً. المشكل الجامعي عندنا جدّ عميق، ويحتاج إلى وقفة حضارية ترقى لمستوى تطلعاتنا الراهنة لمستقبلنا المنظور، ولو استطاعت الجامعات في ٢٠٣٠ أن تحصر القبول في الجامعات على الأكفأ فقط من خريجي التعليم العام، فإنها تكون قد قدمت أغلى هدية لرؤيتنا الوطنية الطموحة، والطموحة جدا. وبدورها عقبت د. وفاء طيبة بأن الجامعات لها من هم كفؤ لها، والتدريب المهني له اكفاء أيضاً، معرفة وقياس القدرات والتخصصات هو الذي يحدد، وهذا هو الحل، فمن لا يدخلون الجامعات في ألمانيا أو فنلندا ويتعلمون ويتدربون تدريبا مهنيا هم كفؤ لتلك المهنة. وبالفعل من لا يدخلون الجامعات في الغرب ويتوجهون للتدريب المهني نسبتهم في الغرب مثل أو أكثر ممن يتوجهون للجامعات ولذلك قلّت لديهم مشكلات سوق العمل.
أما د. علي الطخيس فأشار إلى أن من يقرأ ما يكتب عن لائحة الوظائف التعليمية خاصة من غير منسوبي قطاع التعليم يشعر بوجود فجوة بين عطاء المعلم وبين ما يقدمه النظام له من ميزات إن وجدت. والملاحظ أنه يصاحب تغيير الوزراء بشكل عام والتعليم بشكل خاص أن تتغير كثير من استراتيجيات وسياسات كل وزارة. وللأسف يبدو أنه لا يوجد استراتيجية واضحة مقرة من مجلس الوزراء يتم تحديثها حسب الحاجة وغير مرتبطة بوزير يتم تعيينه، ونتج عن ذلك ضعف في مخرجات التعليم بشكل عام. كذلك فقد تم اعتماد مبلغ عشرة مليار ريال لتطوير التعليم في عهد الملك عبدالله رحمه الله وشكلت لجان لهذا الغرض، والسؤال المهم هنا: هل تحسن مستوى التعليم بعد هذه المبادرة؟
وأكد د. صدقة فاضل أن من الطبيعي والبديهي أن يكون لكل مهنة متميزة “كادر” خاص ينظم عمل محترفيها ويحدد حقوقهم وواجباتهم، وأيضاً سبل تطويرهم. وكما ذكرت د. الجازي، فان هذه اللائحة تمثل جزئية بسيطة فقط في المنظومة التعليمية. ولعل من الضروري إعادة الوزارتين: وزارة للتربية والتعليم ووزارة للتعليم العالي والبحث العلمي؛ فذلك أدعى للتركيز والضبط اللائحي والنظامي. ومناقشة هذه اللائحة بمعزل عن العناصر الأخرى المرتبطة بها لن يفيد كثيرا. ولكن ميزة هذه القضية أنها تفتح الباب للتطرق لوضع التعليم والمعلم. وكما هو معروف، فإن للمعلم الجامعي كادره (لائحته) الخاصة، وهذا يستوجب التفريق بين الاثنين.
وفي تصور د. عبير برهمين فإنه يبدو أن السياسات المتعاقبة في إدارة التعليم وإصرار الإدارات السابقة على التحسين المظهري دون المخبري هو أحد أهم أسباب انتكاس المنظومة التعليمية فنحن نتقهقر للوراء ولسنا نتقدم للأمام مع الأسف. وكل هذه الإصلاحات تراوح مكانها؛ لسبب بسيط أننا أفسدنا ما كان قائما وناجحا وفعالا ولم نستطع علاج ما كان عاطلا فتشابكت كل الخطوط وتشوشت كل الصورة. نظرنا وعالجنا الأعراض وتجاهلنا الأمراض حتى غدت مستعصية. مشكلة التعليم العام أكبر من مجرد لائحة تنظيم وتذمر المعلمين. مشاكلنا أكبر بكثير؛ فبتعاقب الإدارات لم نتمكن حتى اللحظة مثلا من التخلص من مشكلة المدارس ذات المباني المستأجرة. تم هدر مليارات الريالات على تحسين المناهج الدراسية وتم طبع ملايين الكتب الدراسية لنكتشف بها أخطاء إملائية وطباعية مثل (كلمة ضفدع تحت صورة ضابط) في كتب تعلم الأحرف الابجدية! في إطار تحسين المناهج تم إلغاء حصص الإملاء والتعبير والخط العربي والقراءة فأنتجنا جيلا يخلط بين الضاد والظاء والعين والقاف ويكتب التنوين بالنون ناهيكم عن مواقع الهمزات وكل مالا يخطر على البال من جرائم بحق لغة الضاد. حتى قراءة القرآن الكريم لا تتم بالصورة الصحيحة. إن فصل التربية عن التعليم كان من أكبر الطوام ودمج وزارتي التعليم والتعليم العالي في وزارة واحدة ضاعف حجم المشاكل حتى غدت مستعصية الحل. اللائحة جاءت لتنظيم جزء من كل لكنها أغفلت الكثير، وتذمر المعلمين من الرخصة المهنية وربط الترقيات والعلاوات بالتطوير الشخصي للمعلمين هو مؤشر كبير على تدني مستوى المعلم المتذمر لعلمه أنه لن يستطيع تجاوز هذا الشرط. وإلا فإن كل المهن تتطلب تدريبا مستمرا على رأس العمل وتطويرها لأدوات ومهارات عملية وسلوكية سنويا ويقوم بذلك الكثير كالأطباء والممارسين الصحيين والمهندسين دون تذمر. إلا أنه من المنصف جدا القول بأن هنالك فئة من المعلمين وإن كانت قليلة مازالت تحتفظ بكثير من الأدبيات والممارسات الصحيحة والشغف بأداء رسالة التعليم وهؤلاء مع الأسف نكاد لا نسمع عنهم لأن جعجعة الفارغين تملأ فضاء منصات التواصل الاجتماعي وتشكل ضغط كبير على الرأي العام بالباطل. هذا ولم نتطرق بعد لملف التعليم العالي وهو ملف ليس كباقي الملفات. هل كل منظومتنا التعليمية بوضعها الحالي هي شر محض؟ بالطبع لا فيها الجميل وفيها الجيد والحسن وفيها كذلك ما يجب استئصاله. هل لا يوجد حل؟ بلى هناك مئات بل آلاف الحلول. علينا بادئ ذي بدء بتشخيص أمراضنا في منظومة التعليم العام وماهي مسبباته. ثم تصحيح وضع الأمور في أنصبتها بشكل شامل والبدء بالأهم فالمهم.
وأضافت د. وفاء طيبة قولها: “بالفعل هناك إصلاحات في التعليم نفرح بها ولكن للأسف وضع المعلم ابتداء من اختياره لا يَسُر! ينخرط في التعليم في كثير من الحالات من تقدموا لتخصصات أخرى ولم يقبلوا فيها، وقد كنت شاهدة على استقبال قسم رياض الأطفال في كلية التربية لأقل المتقدمات مجموعا ولمن رفضتهم المقابلات الشخصية في أقسام التربية الخاصة وعلم النفس في الكلية، ويتكرر هذا الوضع في تخصصات أخرى بالفعل، وتظل كليات المعلمين تستقبل غير الراغبين في التعليم بدون معايير من الدولة تفحص قدرتهم على التعليم، وتختار على أساس القدرة والحب لأداء مهام التعليم، ومن جهة أخرى يتقدم للتعليم عادة خريجي الكليات العلمية مثلا أو الأدبية الذين لم يوفقوا لوظائف يرغبونها، دون تدريب تربوي، ويبقى في التعليم قلة مخلصون توجهوا للتعليم عن رغبة كما صرفوا على أنفسهم ليتعلموا ويرتقوا بأدائهم، وضربوا أروع الأمثلة في تحملهم لمسؤولية التربية والتعليم، وهم الصابرون على هذا المجال الذي يحبونه! نعم اللائحة أفضل مما سبق وهي جزء صغير من كل، ولكن هي ليست محفزا كافيا للمعلمين والمعلمات، وبها كثير من الثغرات التي اعتاد المراجعون للأنظمة والقوانين على وجودها. وفيما يخص المناهج، فإن أكثر ما يؤلم هو وضع مناهج اللغة العربية وكذلك الدين، فثمة معلومات كثيرة وأساسية في اللغة العربية والدين غير معروفة، ومن جانب آخر لم نُعلم التفكير لا الناقد ولا الابتكاري، فأصبح الانسان يستقبل كل الأفكار من أي جهة كانت واختلت عقيدته، وأفرزنا الاتجاهات التي نحاربها الآن، ولم ندرك أننا فعلنا ذلك بأيدينا، والعجلة تدور!! يجب أن نتوقف لننظر نظرة ثاقبة في المرض! نستخدم أساليب الأطباء والنظام الصحي في علاج التعليم (تشريح، أشعة، تحليل، دراسات) ومن ثم نبدأ على أساسها بناء المعلم من جديد”.
ʘ التخوفات من لائحة الوظائف التعليمية الجديدة
أشارت أ. فائزة العجروش إلى أنه كعادة ملتقى أسبار يتم اختيار القضايا التنموية الاستراتيجية، والقضايا المتزامنة مع صدور قرارات جديدة للدولة وتمس شريحة كبيرة من الشعب. وقضية لائحة الوظائف التعليمية الجديدة قضية هامة وحيوية لأكثر من نصف مليون معلم وتستحق المناقشة، فما رأيناه خلال الأيام السابقة بعد صدور اللائحة الجديدة، هو لجوء كثير من المعلمين لوسائل التواصل للتعبير عن غضبهم ورفضهم لبعض بنود اللائحة، ومناقشتنا لهذه القضية (اللائحة بصيغتها الحالية)، سيكون له أكبر الأثر في توضيح المغلوط، وبيان حرص واهتمام حكومتنا الرشيدة بقيادة خادم الحرمين الشريفين وولي عهده الأمين، بالتعليم والمعلمين، وبأهمية التحفيز المهني والتدرج الوظيفي للوصول إلى الهدف المنشود لتحقيق تجويد التعليم وتحسين مخرجاته.
وأضاف أ. فائزة أن ما نراه حاليًا من اعتراض ورفض من بعض المعلمين في وسائل التواصل الاجتماعي لبعض بنود اللائحة هو جزء من الطبيعة البشرية، التي تجابه وتقاوم أي تغيير جديد في البداية، فهناك من المعترضين من لم يكلف نفسه عناء قراءة المشهد من كافة الزوايا؛ لذلك فهو يتخوّف من التغيير لكونه لم يستوعب أهدافه، وهناك من لا يرغب أصلًا في الخروج من منطقة الراحة التي تعود عليها والانخراط في مثل هذه المشاريع التطويرية الجديدة رغم إيجابيتها!! وقد يكون للتطبيق الفعلي والممارسة العملية لهذه اللائحة دور كبير في تبيان الملاحظات (ما لها وما عليها)، وقابلية تحديثها وفق المستجدات كما أظهرتها بنود اللائحة التي تضمنت مرونة لاستحداث أو تطوير بعض الإجراءات التنفيذية من خلال صلاحيات وزيري التعليم والخدمة المدنية. فعلى سبيل المثال، من المفترض احتساب الخبرات التعليمية والقيادية لأصحاب المؤهلات العليا (ماجستير- دكتوراه) من القيادات وخبراء التعليم -الذين تمت مساواتهم بجميع المعلمين في التسكين على «رتبة معلم ممارس» – ومؤهلاتهم القيادية وتسكينهم في الرتب التي تناسب مواقعهم؛ فهم من يقودون عملية التغيير والتطوير ويجب تمييزهم عن البقية. والحقيقة الأهم أننا في مرحلة مهمة تستلزم التغيير والتطوير ويحتاج الوطن للقياديين المؤمنين بالتغيير الإيجابي وتبنيه، وهذا لن يتم إلا من خلال تعديل وتطوير وتحديث للأنظمة واللوائح والهياكل وبرامج التحفيز والتدريب المهني. وبلا شك هذه اللائحة جاءت ببعض المزايا، كتحفيز المعلم المجتهد ومساءلة المقصر وبقاء الأفضل في كافة الوظائف التعليمية، بغرض تحسين المخرجات، ولكن قد تكون لها توجهات أخرى ضمن توجهات رؤية 2030 وهي: التقليل من الهدر المالي وخاصة في أعلى الهرم الإداري.
في حين يرى د. خالد الرديعان أنه ومن خلال متابعته للتنظيم الجديد فقد تلمس تبرم من المعلمين والمعلمات وأغلبه يتركز حول العلاوة السنوية واختبار الكفايات. كما أضاف أن فئة المعلمين والمعلمات فئة كبيرة والخوف هو توجه نسبة كبيرة منهم للتقاعد المبكر، مما يربك العملية التربوية في ظل عدم توفر البديل المناسب من الخريجين. مع ذلك فالسلم الجديد للرواتب جيد مالياً مقارنة بسلم رواتب بقية الموظفين المدنيين، مع الأخذ في الاعتبار مزايا أخرى كالعطلة الصيفية وعطلة ما بين الفصلين وهو ما لا يتوفر للموظف المدني. يفترض والحال كذلك عدم تكليف المعلمين والمعلمات خلال الصيف أو تشغيلهم قبل بدء الدراسة بعدة أسابيع كما يحدث عادة، وأن يكون ذلك التكليف اختيارياً لمن يريد، ويكون له كذلك مقابل مادي اضافي كأن يعامل over- time بحيث يتم ترتيب ذلك قبل نهاية السنة الدراسية. كذلك فمن الممكن التفكير بضم خريجي كليات الآداب والعلوم الإنسانية للعمل في القطاع التربوي على أن يعينوا في الدرجة الأدنى (معلم مبتدئ) ويمنحون الفرص لتحسين أوضاعهم بدورات تربوية؛ فكليات الآداب تضم أقسام مهمة كاللغة الانجليزية واللغة العربية والاجتماعيات وهي ليست ببعيدة عن التخصصات التربوية. وبدوره أوضح د. محمد الملحم أن هذا ممكن بحكم اللائحة حيث نصت الفقرة الأولى من معلم ممارس: “يعين على الدرجة الأولى من المستوى الأول الحاصل على شهادة جامعية غير تربوية”.
وذهبت د. وفاء طيبة إلى أننا دائما ما نقع في فخ من يدرس خريج التربية أم الخريجين الآخرين من تخصصات مختلفة؟ وإلى الآن لم نحل المشكلة، فخريج التخصص المعين، ولنقل لغة إنجليزية أو عربية بلا شك أقوى علميا، ولكن ماذا يعرف عن التربية والتعامل داخل الصف خاصة في الصفوف الدنيا؟ لم يكن ملائماً في اللائحة أن تتضمن عدم اشتراط الدبلوم التربوي كشرط أساس لاستلام أي وظيفة في المحيط التعليمي، لا للترقية فقط، وبالمقابل خريج التربية حتى التربية الخاصة لا يعرف كيف يوصل معلومات في مادة الرياضيات مثلا وغير قادر على ذلك حتى في الصفوف الدنيا، ولذلك رأينا في – فترة من الفترات- إعادة تأهيل للخريجين!
وأشار د. زياد الدريس إلى أن مشكلة التعامل مع المعلمين ليست محلية فقط أو حتى عربية بل هي عالمية، لأسباب عديدة من أهمها:
1- أن عدد المعلمين هو دوماً الأكبر من بين منسوبي المهن الأخرى في البلد.
2- أن مهنة التعليم ليست (خدمة) بحيث يمكن تطبيق معايير جودة الخدمة عليها كالخدمات الأخرى.
3- صعوبة قياس نجاح المعلم أو فشله، لا تتبين سريعاً كالطبيب مثلاً.
وبسبب هذه التعقيدات، ولتأكيد أنها قضية عالمية، فقد قامت منظمة اليونسكو في الستينيات الميلادية بإصدار وثيقة دولية عن رفع مكانة المعلم. وبقيت تلك الوثيقة مثار نقاش وجدل طويل، واستجابت بعض الدول الأعضاء لتوجيهاتها والتي كان من أهمها الدعوة إلى تحسين أوضاع المعلمين، المادية خصوصاً، وكانت السعودية من بين الدول التي استجابت لتلك التوصية، فاستحدثت كادراً خاصاً للمعلمين كان نقلة نوعية في مستوى دخل المعلم، وربما كان له أثراً إيجابياً على تحفيز المعلمين حينها، لكن هذا الأثر لم يشعر به سوى المعلمين الذين عاصروا رواتب ما قبل الكادر وما بعده فأحسّوا بالفرق، أما الذين جاءوا من بعدهم فقد أصبحت الامتيازات الجديدة بالنسبة لهم حقاً طبيعياً يثورون لأدنى مساسٍ به.
وباعتقاد أ. علياء البازعي فإن هناك مصدرين للقلق من جانب المعلمين والمعلمات المعترضين ويتعلقان بآلية الترقية، وأن لا يكون تقييم الأداء الوظيفي منصفاً. وهذا يقودنا إلى أهمية تنمية مهارات المقيمين من مشرفين وقادة مدارس. بينما أضاف د. محمد الملحم أنه لدى المعلمين القدامى كذلك خيبة أمل من إعادتهم جميعا إلى أول رتبة (مع المحافظة على رواتبهم) فالجانب الاجتماعي هنا وكذلك النظرة إلى مستقبل النمو يعملان معا على رفض هذا التغيير.
أما د. عائشة الأحمدي فترى أن المشكلة بالنسبة للمعلمين تتلخص فيما يلي:
1- عدم وضوح اللائحة، فمثلا وكلاء ومدراء المدارس، هل يتطلب حصولهم على العلاوة اجتياز اختبار قياس في التخصص المعينين عليه، أم في العمل المكلفين به ويعملون به مدة طويلة؟ ثم من يضمن لهم معيارية تقييمهم، وموضوعيته؟
2- أن العلاوة لا تمنح لكل من يستحق، وإنما ل ١٠ في المئة من الذين اجتازوا، فهم دخلوا هذا القطاع على عهود ومواثيق، وأصبح الحال اجتهادات بشرية يعتقدون أنهم ضحية لها، دون وجود ضمان أن هذا الاجتهاد هو الصواب.
وأضافت أ. فائزة العجروش أن بعض المعلمين يعترضون لعدم المساواة مع موظفي الخدمة المدنية، وهذا خطأ فلابد من الحصول على دورات متخصصة لحصول على الترقية، وكذلك التقييم السنوي للموظف له دور كبير في حصوله على الترقية من عدمها. أما العلاوة السنوية فصحيح يتم الحصول عليها سنويًا تلقائيًا، لكن قد تتوقف عند مربوط معين عند عدم الترقية، وهذا يعادل ما هو مطلوب من المعلمين الآن.
ومن وجهة نظر د. عائشة الأحمدي فإن المشكلة أن اللائحة روج لها على أنها حوافز فقط، بينما الحقيقة ليست بهذا الشكل، لنكن منصفين فالمعلم استثمر في نفسه من جانبين، جانب كلفة الفرصة الضائعة، إذا قورنت بمهن أخرى عوائدها المادية أكبر، وكلفة الإنفاق على التعليم، عندما يفاجئ المعلم أن الحوافز تعني إيقاف علاوة يفترض أنها حق له كبقية الوظائف، على الرغم أنها في بعض التخصصات والمراحل العليا مهنة شاقة، لابد أن يستثيره الأمر، كان الأولى بهذا أن يطبق على كافة المهن الحساسة، ولا يعني ذلك بالطبع الموافقة على أن تمنح العلاوة بشكل آلي، لكن في نفس الوقت لست على نحو ما أوردته اللائحة.
وعقبت أ. فائزة العجروش بأن اللوائح التنظيمية ستشمل الوظائف الصحية والدبلوماسية (كلاهما وظائف حساسة) كمرحلة قادمة، والتغيير والتطوير سينال جميع موظفي الدولة، لماذا لم ينظروا لها أنها تفرق بين من يعمل ومن لا يعمل وأنها تميز مديري المدارس والوكلاء بعلاوة تختلف عن البقية، وأنها تخفف من نصاب المعلم الذي يدرس ذوي الاحتياجات الخاصة؟ كما أنها زادت من مكافأة نهاية الخدمة لمن قضى أكثر من 31 عامًا في المهنة، وغيرها من المزايا الإيجابية!! فقط ركزوا على السلبيات. وبدورها ترى د. عائشة الأحمدي أنه قد يكون من غير المناسب بدأ تطبيق التجربة في أكبر قطاع حساس، من ناحية كبر القطاع ذاته، وأهميته على سلم الأنظمة الاجتماعية، والأمر الآخر احترام عقول المعنيين، دكتور توفيق الربيعة وضع لائحة الكادر الصحي لمنسوبي وزارته، وطلب منهم نقدها وتمحيصها، على عكس ما حدث في وزارة التعليم روج لها على أنها حوافز على إطلاقها، وعندما تبين للمعنيين غير ذلك، كان ذلك الغضب، وعدم الرضا، مع أن البحوث التربوية تشير إلى أن درجة الرضا لدى المعلمين مقبولة في السابق مقارنة ببقية المهن، والاعتقاد أن فئة المعلمين تحتاج إلى زيادة الرضا الوظيفي لها أكثر من أي فئة أخرى؛ لأن هذا بالضرورة سوف ينعكس على عدم الرضا لدى الطلبة، هذه علاقات تشير الدراسات إلى ارتباطها. ومن ناحية أخرى فإن رواتب المعلمين تكلف الوزارة والدولة بصفة العموم مبالغ طائلة، دون أن نرى جدوى لهذه الكلفة المرتفعة، فالطلبة السعوديون في الاختبارات الدولية (التيمس، وبيزا) يحتلون المراكز الأخيرة عبر دورتها المختلفة، لكن الخشية أن يولد عدم الرضا مشاكل اجتماعية خطيرة تتوغل في جذور ثقافة النظام التعليمي، وتكون كلفة اجتثاثها أعلى من كلفة رواتب المعلمين وعلاواتهم المضطردة. واتفقت أ. فائزة العجروش مع هذا الطرح، وأضافت أنه قد يكون للتطبيق الفعلي والممارسة العملية لهذه اللائحة دور كبير في تبيان الملاحظات (ما لها وما عليها)، وقابلية تحديثها وفق المستجدات كما أظهرتها بنود اللائحة التي تضمنت مرونة لاستحداث أو تطوير بعض الإجراءات التنفيذية من خلال صلاحيات وزيري التعليم والخدمة المدنية. والمعلم من أهم ركائز العملية التعليمية وراحته ومصلحته واستقراره الوظيفي سيصب في مصلحة الكل.
وفي السياق ذاته ذكر د. خالد الرديعان أن تبرم المعلمين من أوضاعهم ليس بجديد؛ فنحن نسمعه منذ عدة سنوات وقبل صدور اللائحة الأخيرة. هم يدركون أن التعليم العام يعاني من ضعف في مخرجاته، ومن ثم يحاولون القول إنهم غير مسؤولين عن ذلك، ولرمي الكرة في ملعب غيرهم. والواقع أن نسبة كبيرة من المعلمين مستواهم متواضع جداً ومن غير الواضح سبب ذلك. هل هو بسبب تواضع تأهيلهم؟ هل هو بسبب بيئة العمل؟ أو المقررات؟ والخشية كذلك أن عدد المعلمين الكبير يرونه وسيلة ضغط على وزارة التعليم، ولاسيما أن بعضهم يمارس التهييج ضد الوزارة على وسائل التواصل الاجتماعي، دون أن يشيروا إلى أي ايجابية في التنظيم الجديد وهذا غريب جداً. تركيزهم على سلبيات التنظيم ومسألة العلاوة السنوية عمل مضر ويزيد التشويش حول الايجابيات على المدى البعيد. والاقتراح بهذا الخصوص هو ترشيح عدد من المعلمين من مختلف مناطق المملكة ومن مختلف المستويات ممن يرون أنفسهم متضررين من اللائحة الجديدة وأن يجتمعوا بلجنة عليا من وزارة التعليم لشرح مخاوفهم وأن تجيب الوزارة عن أسئلتهم لخلق الطمأنينة، ولإيقاف هذا العبث اللفظي الذي نراه في وسائل التواصل الاجتماعي. هناك فئات من الموظفين لا يحصلون على نصف امتيازات المعلم ومع ذلك لا نراهم يمارسون التهييج ضد وزارة الخدمة المدنية. وعلى نحو محدد يمكن الإشارة في هذا الصدد إلى النقاط التالية:
1- العلاوة جزء صغير من مجمل “الباكج” ولا تستحق كل هذا الهياج حولها، مقارنة بالمزايا الأخرى للمعلم؛ كتعديل سلم الرواتب، والإجازات، وقصر وقت العمل في المدرسة، وسنوات الخدمة التي تحتسب في الترقية للقدماء من المعلمين بعد اجتياز اختبار الكفايات.
2- فيما يخص اختبار الكفايات؛ هل هو صعب جداً بحيث يستحيل تجاوزه؟ الأمر مبالغ فيه. مؤكد أن المعلم الذي يسعى إلى تطوير نفسه، ويقرأ ويتابع، حتى لو لم يحصل على دورات يمكنه تجاوز هذا الاختبار، كالاختبارات التي تُعد متطلب مسبق للدراسات العليا في الجامعة مثل ال TOEFL. الكفايات بمثابة اختبار شامل ولا يقتصر على مادة بعينها ويغلب عليه أنه عام ما يعني ضرورة أن لا يتوقف المعلم عند شهادة البكالوريوس التي حصل عليها بل لابد من الاستمرار في تطوير قدراته بالقراءة والدورات وصقل مهاراته. المعلم لابد أن يطور من أدواته وأساليبه ولابد أن ينظر إلى مهنته بشيء من التقدير والشغف؛ فهي ليست مهنة لأكل العيش كسائر المهن، ولكنها مسؤولية ثقيلة وعظيمة تتعلق بأجيال يتوقف مستقبل البلد عليها.
3- لدينا مشكلة في تأهيل المعلم وإعداده بصورة جيدة، وعلينا أن نعترف بذلك. واللائحة الجديدة قد تكون ضمن ما يمكن الأخذ به للرفع من مستوى المعلم وتأهيله، بل ودفعه لتطوير نفسه وأدواته.
وأشار د. محمد الملحم إلى أن أي تنظيم جديد لابد له من مقاومين وكذلك لابد له من ضحايا ولا يمكن أن تحكم عملية التغيير بدرجة غاية في الدقة، ومع الإقرار بوجود ثغرات فعلا في هذه اللائحة إلا أن هذا لا ينبغي أن يكون هدفا للهجوم عليها؛ لأنها كنظام محاسبي وقائم على التحفيز أفضل من سابقتها (ولكل منهما مشكلاته ونقائصه). وأضاف د. محمد الملحم قوله: “لو لبست قبعة المعلم سأقول إنها مجحفة وتحرمني من علاوة كنت أحصل عليها بأقل جهد وأقل فهم واستيعاب، والآن تطالبونني بالنشاط وكد الذهن! (وبالمناسبة هذه قبعة المعلم المهمل أو المتكاسل فقط) ولو لبست قبعة الطالب أو ولي أمره سأقول هذه اللائحة تنصفني وتأخذ حقي من معلمي المهمل وتجره إلى العطاء جرا فأرجو أن يحسن المسؤولون تطبيقها لأجني ثمارها. الاختبار للرخصة ليس شبحا مخيفا ويقتبس من جوانب مشهورة في علم النفس التربوي وطرائق التدريس وبقية العلوم التربوية المعروفة. ولكن قدره كقدر اختبار القدرات والتحصيلي وبقية اختبارات الاستعداد التي أحدثت تحولا في المجتمع، مرفوضة لارتباطها بعامل الجودة في التعلم وهو أمر مفقود في المدرسة (بالنسبة لطالب التعليم الذي سيختبر القدرات) ومفقود في الجامعة (بالنسبة للمعلم الخريج الذي سيختبر الرخصة المهنية) ولذلك يبكي الناس من هذه الاختبارات (الجادة) التي لم يألفوها من قبل! بعض المعلمين يحسنون البكاء والعويل لأن قسما منهم التحقوا بالمهنة كحل لمشكلة عدم الحصول على وظيفة أو عدم القبول في كليات علمية أو مهنية متخصصة، لذا فهي وظيفة لا يحسنونها أو لا يحبونها، ولكنهم يحبون راتبها فقط، ولذا اشتهر عن عراب التربية والتعليم بالمملكة معالي الأستاذ الدكتور القدير محمد الأحمد الرشيد رحمه الله “مشكلة التعليم أنه مهنة من لا مهنة له”.
ʘ قراءة نقدية في بنود لائحة الوظائف التعليمية الجديدة
في تصور أ. علياء البازعي فإن الورقة الرئيسة وما ورد بالتعقيبين والمداخلات بشأنها؛ يؤكد على أنه ثمة مجموعة من النقاط الإيجابية في هذه اللائحة. نعم سيكون هناك “ضحايا” لهذا التنظيم الجديد لكن أيضاً مستقبل الأجيال القادمة يستحق أن يعطى أهمية أكبر؛ فالطبيب عندما يخطئ في عمله يحاسب، لكن المعلم لا يحاسب، والطبيب لا يتأخر عن عملية جراحية، لكن نسبة كبيرة من المعلمين يتأخرون عن حصصهم وعن دروسهم بدون محاسبة، فقط تقييم أداء وظيفي منخفض ولكن بدون عواقب!!! الطبيب لا تتجدد رخصه إلا بساعات تدريب ودراسة، والمعلم يحصل على كل الميزات الخاصة بوظيفته دون أن يبذل جهد إضافي أكثر من حضور جدوله اليومي، وهذا ليس تقليلاً من قدر المعلمين والمعلمات؛ فالواجب أن نحترم مهنة التعليم، ونعيد لها هيبتها وأهميتها وأن لا يقل قدر هذه المهنة عن بقية المهن الحيوية الأخرى. وهذه اللائحة هي خطوة أولى نحو استعادة هيبة مهنة التعليم وهذا هو المطلوب.
وعقبت د. عائشة الأحمدي على ذلك، بأنه لا أحد يختلف فيما تم الإشارة إليه، لكن ألا يحق لنا أن نخاف مما قد تفضي إليه هذه الآلية في تشكيل ثقافة سخط تنعكس بشكل أو بأخرى في المناخ المدرسي؟ الخشية أن تزيد روح اللامسؤولية في جوهر النظام، بل إن كنّا نراهن اليوم على نزاهة معلمون، فالتخوف من أشكال فساد قادمة تتصدرها الدروس الخصوصية، وتسريب الأسئلة، وقبول الهدايا. ليس المقصود هنا رسم سيناريو قادم قاتم، لكن من المسؤولية القول إن دراسة هذه اللائحة والاستفتاء عليها من قاعدة النظام هو أمر ضروري حتى تتبدد كل تلك المخاوف، ولعل الدروس المستفادة من تطبيق تلك اللوائح في بلدان الاتحاد الأوربي هي بمثابة دليل يسترشد به.
أما د. وفاء طيبة فترى أن من أهم مميزات اللائحة هو تحقيق ما كنا نطالب به دائما وهو عدم المساواة بين من يعمل ومن لا يعمل. والنقطة الأخرى هي رخصة المعلم والتي تعد مهمة جدا ولا تقل عن رخصة الطبيب فالمعلم يصنع إنسان، وكذلك اختبار الكفايات. أما بخصوص بعض الجوانب الأخرى في اللائحة فيمكن ملاحظة ما يلي:
تعريف المعلم: هل ما زلنا نستقبل معلم يحمل مؤهل غير جامعي؟ وهي الرتبة الأولى للمعلم، التعليم لا يجب أن يستخدم لحل مشكلة البطالة، ومن ثم فإن غير الجامعي لا يجب أن يدرس.
ذكرت اللائحة أن هناك ٣ مستويات من المعلمين (ممارس، متقدم، خبير)، فكيف يكون توزيع هؤلاء على الفصول الدراسية؟ هل سيحظى فصل دون آخر بالمعلم الأفضل؟ أم سيكون هناك تنظيم أفضل لاستفادة الطلبة والمعلمين من خبرات المعلم المتقدم والخبير؟ لم توضح المهام في هذا الشأن.
تعريف الأنشطة اللاصفية دَمج بين نشاط المعلم لتطوير ذاته وأداء مهامه الإدارية وبين الأنشطة اللاصفية للطالب، وكان الأحرى الفصل بينهما حتى لا يطغى أحدهما على الآخر.
هناك نقاط كثيرة في مواد اللائحة لم يتم تحديد ضوابطها وشروطها بعد وورد فيها أن الوزارة ستضع هذه الضوابط والشروط مع وزارة الخدمة المدنية، متى؟ ولماذا تخرج اللائحة ناقصة بهذا الشكل وهي ستطبق بعد عدة أشهر، كان من الأفضل استكمال العمل والإشارة إلى ذلك في هذه اللائحة لتعطي ثقة أكبر بها. مثال: مكافأة الحصص الإضافية المادة ٩، المادة ٦، ٨، المادة ١٧، المادة ١٨.
ورد أن المعلم يعين على المستوى الأول الحاصل على الثانوية العامة بالإضافة إلى دبلوم لا تقل مدته عن سنة، ولم يحدد ماهية هذا الدبلوم، وكان لابد من تخصيصه.
المادة ٧ أيضاً في ج/ ١ لماذا تكون هناك حاجة لتعيين جامعي على رتبة ودرجات غير الجامعيين؟ كذلك ٢/أ في نفس المادة ٧ المعلم الممارس يكون لديه شهادة جامعية في الدرجة الأولى بدون دبلوم تربوي! والرأي أنه كان لابد أن يكون تخصص التربية أو الدبلوم التربوي في جميع الرتب والمستويات.
الفروق بين الحاصلين على بكالوريوس والحاصلين على ماجستير ودكتوراه غير مجزية، فقط درجة واحدة.
مساواة المعلم الممارس والمعلم في الحصص ٢٤ حصة! واللائحة تلزم جميع المعلمين بالمشاركة في الأنشطة اللاصفية، فإذا كان نصاب المعلم الممارس ٢٤ حصة أي حوالي ٥ حصص في اليوم، فمتى يحضر لدروسه ويبحث، ومتى يشارك وكيف؟ هذا يعني أنه حتما سيعمل في المنزل، وهل يكافأ على ذلك؟
فيما يخص المادة ١٠، فإن المدد المذكورة للترقية تدفع إلى الملل!! ٥ سنوات و٦ سنوات كثيرة في عمر عمل الإنسان كان من الممكن أن تكون أقصر لتدفع المعلم بالفعل على العمل الجاد، والخبرة ستتراكم على أية حال. وعليه فإن ١٠/ج و١٠/د لابد من تقنينها وتحديداً تقنين الحصول على النقاط وتطوير تقويم الأداء الوظيفي.
بالنسبة للمادة ١٤، لم يرد أي شيء في معاقبة المعلم عن الإيذاء النفسي للأطفال وهو يقع أكثر بكثير من أنواع الايذاء الأخرى المذكورة.
بخصوص المادة ١٩، لماذا يجب أن يترقى قائد المدرسة ووكيلها من مهنة التعليم ذاته؟ لماذا لا يكون القائد والوكيل من خريجي قسم الإدارة التربوية؟ نحتاج لخبرة في واقع التعليم، ممكن أن تتوفر بطريقة أخرى إلى جانب الاستفادة من علم خريج الإدارة التربوية.
لم يرد ذكر الأخصائي النفسي إطلاقا، مع أن دوره مهم جدا في التعليم وكذلك الأخصائي الاجتماعي وغيرها من التخصصات.
كثير من النقاط تركت فجوة للتدخل الشخصي للوزير وهذه حتى لو اعتبرناها مرونة إلا أنها مشكلة في كثير من أنظمتنا.
مكافأة قائد المدرسة والوكيل غير كافية.
بدل نهاية الخدمة غير مجزي للبعض، فهو في حده الأقصى = ٣٥٠٠x ٤٠(نادرا ما تحدث في التعليم) = ١٤٠٠٠٠ ريال، بعض المعلمين لو اختار وظيفة أخرى وتمكن منها سيحصل على أضعاف ذلك المبلغ من الراتب فقط ناهيك عن بدل نهاية الخدمة.
باعتبار أن الوزارة أصبحت مسؤولة عن التدريب المهني والتقني، هل ستصدر لائحة أخرى للتدريب؟
وركزت أ. فائزة العجروش على النقطة الأبرز من وجهة نظرها في اللائحة الجديدة وهي: وضع المعلم الجديد تحت التجربة لمدة عامين دراسيين حتى تثبت صلاحيته للتعليم؛ ربما يكون البعض منهم غير محب أو غير مؤهل لوظيفة المعلم ما يجعل سلوكه ينعكس سلبًا على الطلبة. ففي تصورها فإن هذه اللائحة جاءت بالفعل لتفرق بين التوظيف واكتساب المواهب. فالتوظيف: ملء للشواغر الوظيفية فقط، أما اكتساب المواهب: هي استراتيجية مستمرة للحصول على قادة المستقبل ذو المهارات. وتركز على التخطيط الأمثل للموارد البشرية على المدى الطويل، وتحويل التعليم من وظيفة إلى مهنة احترافية.
ومن ناحية أخرى، تساءلت أ. علياء البازعي: هل توظيف المعلمين عن طريق التعاقد “القطاع الخاص” سيجعلهم أكثر تقبلا للوائح والأنظمة؟ وبدوره ذكر أ. محمد الدندني أن لديه حساسيه مفرطة عن إعطاء القطاع الخاص دور أكثر من إقامة المدارس الخاصة، أما أن يكون له رأي في التعاقد والرواتب ومن ثم المناهج فهذا غير ملائم. قطاعين من المهم أن تكون الدولة هي المقررة والموجهة وهما التعليم والصحة. بينما أوضح د. محمد الملحم أن المناسب أن يكون التوظيف فقط مثل نموذج التشغيل المعمول به في المستشفيات outssurcing لكن الجهة المشغلة للمستشفى (أو المدرسة هنا) تسير بأنظمة الوزارة، دورها هو في توفير الموظفين (manpower supply) فقط ولكن المدير والمسئولون هم موظفو الوزارة وهكذا وبالتالي يكون المعلم وظيفيا تحت حكم العقد مع الشركة (أي هو هنا في الواقع تابع لوزارة العمل) ويفترض في هذا النموذج أن تسهل المحاسبية (والمكافأة أيضاً)! ومن جديد أشار أ. محمد الدندني إلى أنه يمكن بكل سهولة أن تقوم إدارة المدرسة بالمحاسبة والمكافأة. إن كنّا نخشى المحسوبية وغيرها فهي في القطاع الخاص أسوأ أو على الأقل مثل غيره. هي ثقافه لتعمل الوزارة على تحجيمها بالقوانين والتقييم والمحاسبة الصارمة التي تصل إلى الفصل بعد عدد قليل من الإنذارات والمكافأة بنفس القوة، ولننظر إلى تدخل القطاع الخاص في تزويد الشركات بالأيدي العاملة كما في أرامكوا، ما هي الفائدة المضافة سوى أخذ نسبة على الموظف أو الموظفة. هي تجارة رقيق والهدف هو تخلي الشركة عّن التزامات كالعلاج والتقاعد وغيره. وبدوره أكد د. محمد الملحم أنه إذا ظلت المحاسبية والتقييم للترقية والمكافأة (وكذلك الحسم) بيد مدير مسئول من الوزارة فلن تمارس الشركات ممارستها التي شوهدت حاليا والظن أن هذا النموذج غير موجود حاليا، وهو في الواقع نموذج هجين أو hybrid فلعله ينجح لو تم تجريبه.
وتطرق د. محمد الملحم إلى بعض المشكلات المتعلقة بلائحة الوظائف التعليمية الجديدة والتي ربما لا تكون منتشرة ولكنها ذات أهمية منها على سبيل المثال لا الحصر ما يلي:
حاولت اللائحة تشجيع إقبال المعلمين على العمل كقيادات سواء في المدارس أو في إدارات التعليم ولذلك خصصت مكافأة لمدير المدرسة هي الأعلى (800 ريال) وللمشرف مكافأة (500 ريال). ولكن لم تنتبه إلى أنها عندما جعلت مكافأة وكيل المدرسة (500 ريال) فإنها بذلك تكون قد جعلت الفرق بينه وبين المدير (300 ريال فقط) وهو مبلغ غير مشجع كثيرا وفي ظل جاذبية وظيفة وكيل مدرسة حيث لا تقع عليه المحاسبية بشكل مباشر ودوره ثانوي في المسألة القيادية فإن كثيرا من المعلمين لن يستجيب لطلب العمل كمدير وسيظل في هذه الخانة فقط. كذلك أغفلت اللائحة فئة مهمة جدا من المكافأة وهم المديرون والرؤساء حيث اكتفت بمكافأة المشرف التربوي، بينما ظل المعلم المكلف كمدير إدارة أو رئيس قسم أو حتى كمدير تعليم أو مساعد مدير تعليم خارج هذا الاهتمام، ولطالما كان من هم في هذه الوظائف يتطلعون إلى الاهتمام بهم من هذه الزاوية فلما جاءت اللائحة الجديدة مخيبة لآمالهم فإنه يتوقع أن يغادر كثير منهم إلى التدريس بعدا عن مسئوليات العمل القيادي ومشكلاته ولا يبقى في هذه الموقع سوى الفئة الباحثة عن وجاهة “المنصب” الاجتماعية وهي فئة لا يتقدم بها التعليم كثيرا للأمام.
لم تعالج اللائحة وضع فئة قديمة جدا موجودة في لائحة الوظائف الإدارية حيث مسميات وظائفهم تحمل صفة قيادية تعليمية مثل مراقب شئون المعلمين، ومراقب التجهيزات المدرسية، ومراقب تعليمي، وهكذا، فهؤلاء كانوا تاريخيا يمارسون أدوارا فيها جانب معرفي متعلق بالمدرسة والتعليم كتجهيزات المدرسة التعليمية أو إحصاءاتها كأعداد الفصول ونموها وتوقعات استحداث مدارس جديدة، وتوزيع المعلمين (او المعلمات) على المدارس بحسب التخصصات وما إلى ذلك، ثم لما دخلت التقنية وتم تكليف معلمين بهذه الوظائف جنبا إلى جنب مع هؤلاء الموظفين “الإداريين” بل حتى وصل الأمر إلى ترؤس “المعلمين” المكلفين للأقسام والإدارات التي تعالج تلك الموضوعات، ولكن هؤلاء الموظفين القدامى اعترضوا على ذلك وطالبوا الوزارة بمعاملتهم بالمثل ماليا لأن ارتفاع راتب “المعلم” عن الموظف الإداري مرده في الأصل هو زيادة في راتب المعلم كبدل تدريس وهو ما لا يمارسه حاليا في عمله “الإداري” ولكنه يتقاضى ذلك البدل! فكانت المطالبات بمنح الموظف الإداري بدلا تعليميا كالمعلم. واللائحة الجديدة لم تعالج هذه المشكلة وظل هؤلاء يطالبون الوزارة.
وتساءل د. حميد الشايجي فيما يخص رخصة المعلم والاختبارات المطلوبة للترقية، هل هناك تدريب كافي يغطي كافة المعلمين ليؤهلهم لاختبارات الترقية التي تقدمها هيئة القياس والتقويم؟ وهل في الأساس هذه الاختبارات تفي بالغرض المطلوب وهو الارتقاء بعطاء وأداء المعلم أم هي تقيس الجانب المعرفي لديه فقط؟ وهل تمت دراسات تقييمية تقارن بين أداء المعلمين الذين سبق لهم الاختبار واجتيازه وبين من لم يختبروا؟ أي هل هناك فرق في أدائهم؟ وهل سيسمح لمراكز التدريب الأهلية بتدريب المعلمين على اجتياز اختبارات العلاوة ورخصة المعلم؟ ومن ناحيته أوضح د. محمد الملحم أن التدريب سيكون من خلال الدبلوم التربوي الذي درسوه أو كلية المعلمين/التربية التي تخرجوا فيها. أما الوزارة فهي تقدم تدريب على رأس العمل أيضاً من خلال مراكز التدريب ولكنه لا يغطي كل الموضوعات بالضرورة. وبالنسبة للاختبارات فهي اختبارات استعداد مثلها مثل القدرات ولا تعني بالضرورة أن من سيدخل الجامعة سيتخرج أكيد ولكنها مؤشر قوي على احتمالية النجاح، وتعتبر اختبارات المعلمين لرخصة التدريس ممارسة عالمية ناجحة. وبشأن المراكز الأهلية فهي تدرب فعلا على هذه الاختبارات.
ʘ دور النخبة في دعم الميدان التعليمي
طرحت أ. علياء البازعي تساؤلاً مهماً مفاده: ما دور المجتمع النخبوي في دعم الميدان التعليمي ودعم توجيه الدفة بشكل يدعم تطبيق اللائحة وبالذات أنها قد صدرت بقرار رسمي وغير قابلة للتغيير على الأقل في الوقت الحاضر؟ وفي هذا السياق ذكر د. خالد الرديعان أن دور النخبة هو توعوي وذلك بالتركيز على ايجابيات اللائحة الجديدة وأن الهدف منها كذلك انتشال التعليم وتحسين مستوى المعلمين والمعلمات. ويلزم بهذا الخصوص تسخير وسائل التواصل الاجتماعي لهذه المهمة وحتى لا تشعر وزارة التعليم أنها تقف بمفردها وفي وجه مجموعة من المعلمين المتبرمين. أما أ. محمد الدندني فيرى أنه يقع على عاتق النخبة مسؤوليات كبيرة بحكم الاهتمام والمتوقع منهم وليس فرضا، وعلى الوزارة أيضاً أن تبادر لتتحدث مع النخب؛ أي أن التواصل يكون من الطرفين. ويمكن في هذا الإطار تكوين مجالس أمناء للتعليم في كل منطقه إدارية؛ فكل منطقة بها من المؤهلين الكثير إن كانوا من قطاع التعليم أو مثقفين من قطاعات أخرى وليس شرطا أن يكونوا جميعا من نفس المنطقة. أيضاً من المهم تفعيل دور الأسرة كجزء من منظومة التعليم.
ʘ ملاحظات ختامية على لائحة الوظائف التعليمية الجديدة
أكد أ. عبدالله الضويحي على أن قضية لائحة الوظائف التعليمية الجديدة تكتسب أهميتها كونها تمس نصف موظفي الدولة بصورة مباشرة والمجتمع ككل بصفة غير مباشرة؛ كون المعلم يؤثر فيه من خلال تعليمه لأفراده بتعاقب الأجيال. لذلك لا غرو إن اهتمت الجهات المسؤولة بها، بل يفترض ذلك وأن يكون هذا الاهتمام دائما ويتماشى مع العصر. الاهتمام ليس مادياً فقط بل وتأهيلاً كونه يؤثر في جميع طبقاته وأفراده ويمرون على يديه في أهم مراحل حياتهم. وهذا الاهتمام ليس وليد العصر الحالي وإنما يعود لأكثر من 60 عاماً بدءاً من رفع مستوى تأهيله عبر معاهد المعلمين بالشهادة الابتدائية إلى الجامعية وعبر كادر الوظائف التعليمية.. إلخ. العملية التعليمية لدينا مرت بالكثير من الحلول المؤقتة والطارئة والعديد من القيادات معظمها لم يكن تربوياً أو ابن المهنة بدءاً من إعطاء دورة لمدة سنتين نصفها هنا ونصفها في بريطانيا لخريجي الثانوية وتعيينهم معلمي لغة إنجليزية فيما كان معلمونا في النصف الثاني من الستينيات في المرحلة المتوسطة من إنجلترا، ثم جاءت مرحلة تعيين خريجي الزراعة والإعلام والعلوم الإدارية معلمين. وقد عاش المعلم أربعة عقود في بحبوحة من الدوام والدخل الجيد والعلاوة الثابتة بدون تأهيل دوري تساوى فيه وكيل المرحلة الابتدائية لمدرسة عدد طلابها لا يتجاوز الـ 100 أو الـ 200 مع مدير مرحلة ثانوية فيها 1000 طالب ومعلم الابتدائي مع معلم الفيزياء في الثالث الثانوي وهو الذي أصبح مشرفاً يوجه المعلم والمدير، فكيف بفاقد الشيء أن يعطيه!؟ ثم تم تحويل التعليم إلى وظيفة بدلاً من أن يكون مهنة فأصبح مهنة من لا مهنة له. وأضاف أ. عبدالله الضويحي قوله: “عايشت التعليم 34 عاماً معلماً ومشرفاً وإدارياً ولمست ذلك عن قرب.. عايشت المعلم الاتكالي وغير المخلص والذي يدرك أن لا أحد يستطيع محاسبته.. وعايشت المعلم المخلص المحب والمبدع في عمله محتسباً ذلك عند الله دون أن يفكر في تقييم أو محاسبة.. وكلاهما سواء أمام المسؤول وأمام النظام.. جيل كامل وأكثر عاش في هذا الجو.. من الطبيعي أن يرفض ويعترض على إعادة صياغته! أو إيجاد آلية للتمييز بين من يعمل ومن لا يعمل.. في كل القطاعات عشنا تلك الفترة وعندما جاء التحول للحوكمة والتقييم من الطبيعي أن يأتي الرفض وهذه طبيعة النفس البشرية ولأن التعليم يمثل القطاع الأكبر والأهم وللأسباب التي ذكرت كانت ردة الفعل أكبر.. وجاءت منصات التواصل وتويتر على وجه الخصوص لتسهم في ذلك وأصبحت مجالاً للاعتراض على كل شيء حتى أن أحدهم كتب مستهزئاً بالوزير أن المعلمين سيراقبون السفن في مضيق هرمز!! وهناك هشتاقات وجهات خارجية تستغل ذلك لتثير الأوساط هنا وينجر وراءها الكثير.. ربما كان د. محمد الرشيد رحمه الله الرجل الاستثنائي بين من مروا على التعليم ووضع اللبنات لتطوير بيئته والاهتمام بالمعلم، ومع ذلك واجه ما واجه من المعترضين على كل شيء. ولا يعني ذلك أن اللائحة الجديدة متكاملة ولكن بالتأكيد هي مطلوبة والتغيير والتطوير سنة الحياة ولابد منه في هذه المرحلة إذا ما أردنا فعلاً تحقيق رؤيتنا 2030 وسيذهب هذا الجيل ويأتي جيل يقبلها ويتقبلها، إلى جانب كل ما سبق فلعل من أسباب رفضها طرحها فجأة دون تهيئة للكوادر التعليمية، وربما تغير الأمر لو كانت هناك ورش عمل لشرحها وتقديمها قبل إعلانها؛ فمن الأجدر الاهتمام برجل الميدان كونه الأقرب لفهم وإدراك ما يراد وتلمس جوانبه. وعلى نحو محدد هناك ثلاثة ملاحظات أساسية كما يلي:
الملاحظة الأولى: أن اللائحة وضعت لتبقى وهي قابلة للتطوير ولا خوف من تسرب المعلمين اعتراضاً عليها فالقدامى أمامهم أربع سنوات والجدد سيتأقلمون معها والتعليم يتقاعد منه سنوياً الآلاف ويحل البديل والكل اليوم يبحث عن وظيفة فلا خوف على التعليم.
الملاحظة الثانية: عقد ورش عمل في مختلف المناطق مع بداية العام الدراسي يحضرها المعلمون والمهتمون لشرح اللائحة وأبعادها والهدف منها من قبل اختصاصيين بدلا من ترك تفسيرها للاجتهادات الشخصية بما يخرجها من هدفها الأسمى.
الملاحظة الثالثة: الاهتمام بالتعليم على أنه مهنة وليست وظيفة وبإعداد المعلم لذلك من خلال كليات التربية وإعداد المعلمين وأن يكون من ضمن مقرراتها مادة تتعلق بالتعليم كمهنة ولوائحه وأنظمته وماهي حقوق المعلم وماهي واجباته.
واهتم د. مساعد المحيا بتسليط الضوء على الجوانب التالية:
إحدى المشكلات المتعلقة بكل روح تطويرية هو كيف نستطيع أن نخرج التعليم من ريعية الدولة لاسيما وهو أحد أهم الخدمات التي تقدمها الدول ناهيك عن ما تقدمه الدولة للمواطن؛ فالعملية تكاملية.
كذلك لابد من الاهتمام بوجود مسارين متوازيين أحدهما تنفيذ اللائحة والآخر تطوير أداء المعلم لتكون مواد اللائحة محققة للغرض المقصود منها؛ فاللائحة يجب أن لا تكون سيفا ساقطا على المعلم دون أن تحفزه الوزارة عبر برامج تطويرية عميقة وقوية.
اللائحة اشتملت على جوانب إيجابية رائعة يدركها كل معلم مخلص محب للعملية التعليمية، ويأنف منها كل أولئك الذي بدأوا يتحسسون مواقعهم وأماكنهم وبدأوا يشعرون بأنهم مهددون في أن تطبق عليهم بنودها، والواقع أن اللائحة بداية في طريق طويل لإصلاح التعليم.
المهم الآن هو كيف سيتم التطبيق، وهو ما يتعلق بلائحتها التنفيذية التي يفترض أن تصدر لاحقا. وهل ستخلو من الأبعاد الشخصية في عمليات التطبيق، وهل سيجد المعلمون عدالة لدى القائمين على متابعتها وتطبيق موادها؟ وهذا هو أحد مسارات القلق؛ لأنها إن كان تطبيقها سيختلط بعمليات المحاباة فلن يكون لها حضور جيد في تقويم وتطوير أداء المعلمين.
وركزت أ. نورة الفايز على رصد مجموعة من الملاحظات المهمة بخصوص لائحة الوظائف التعليمية الجديدة على النحو التالي:
1- هذه اللائحة هامة جداً وهناك حاجة ماسة لها خاصة في الوقت الراهن.
2- اللائحة بدون تطوير مهني مستمر للمعلمين على رأس العمل في جميع المستويات لا فائدة منها.
3- اللائحة بدون تطوير مهني للقيادات التربوية في الميدان لن يستفاد منها.
4- اللائحة بدون تطوير لأنظمة التعليم العالي وتطوير مهني لأعضاء هيئة التدريس في الجامعات لن توتي ثمارها بالشكل المطلوب.
5- اللائحة بدون شروط قبول واختبارات مركزة ومقابلات مكثفة لمن سيلتحق بمهنة التدريس لن تؤتي ثمارها؛ لأنه ليس كل من قال أنا أستطيع أن أكون معلماً سيستطيع؛ فلكل منا قدرات ومهارات شخصية مختلفة.
6- اللائحة بدون وجود تطبيق عملي مكثف بعد التخصص لن يستفاد منها.
7- اللائحة بدون دراسة مكثفة وتطبيق عملي مركز لأساليب التدريس الحديث وإدارة الصف بعد دراسة التخصص لن يستفاد منها.
8- من المهم قبل تطبيق هذه اللائحة أن يتم تطوير ومراجعة عدد من اللوائح المستخدمة في وزارة التعليم لعل أهمها لائحة تقييم الأداء الوظيفي للمعلمين وللقيادات التربوية، ولائحة السلوك للطلاب، ولائحة تقويم الطالب، ولائحة الاختبارات وغيرها من لوائح ذات علاقة مباشرة أو غير مباشرة.
9- أهمية المتابعة الدقيقة للقيادات التربوية والإشرافية التي ستتولى عملية تقويم الأداء الوظيفي للمعلمين للتحقق من مهارتهم وأمانتهم في منح الدرجات المستحقة؛ وذلك لأن الدقة في تقييم أداء المعلم هي المحك الأساسي الذي سيعتمد علية في منح العلاوة والترقية، وهذا مهم جداً.
10- أهمية تطبيق الاختبارات التحصيلية على القيادات التربوية والمعلمين، وأن يكون هناك مواد تدرس، وبرامج تدريب تسبق هذه الاختبارات التحصيلية، مع أهمية أن يكون هناك توافق تام بين محتوى هذه الاختبارات وما يدرس في الجامعات، وبين هذه الاختبارات وما يطبق في الميدان التربوي.
11- من المهم أن يصاحب تطبيق هذه اللائحة مراجعه لأنصبة المعلمين من الحصص حسب التخصص.
12- من المهم أيضاً أن يتم العمل على تقليل عدد الطلاب في الفصل الواحد بحيث لا يزيد عن (٣٠) طالب حتى يتمكن المعلم من أداء دوره بالشكل المطلوب.
13- أن يكون هناك عناية بتوفير المعامل وورش التطبيق في المدارس.
14- أن يكون هناك عناية بتنمية المهارات والهوايات لدى الطلبة.
في حين يرى أ. محمد الدندني أن العلاوة لا يجب أن تكون ثابتة فهي عمليا تحفيز. العلاوة والتحفيز يجب أن ترتبط بتقييم ذو مستويات وليكن من ١ إلى ٤ على سبيل المثال، وكل تقييم يكون مرتبط بنسبة معينة في الزيادة السنوية. وهذا يجب أن لا ينطبق على المدرس وقطاع التعليم بل على جميع الموظفين والموظفات في الدولة. وللإنصاف فإن التقصير ليس فقط في وزارة التعليم بل إنه في كل الوزارات كذلك، لا يجب أن يُخشى من ردات الفعل وشعبية أي قرار فلقد عشنا عقودا من الزمن لا يعرف المواطن الدولة إلا كمصدر للمال ولا يعرف أنه يعيش في وطن وكيان يحتاج الاجتهاد والإنتاج. واللوم غير موجه لأحد؛ فهذا نتاج سياسات متراكمة ولم يرى المجتمع حراك عملي وحاجة لتغيير كثير من المفاهيم والعادات إلا بعد إعلان الرؤية والتحول.
وأضافت أ. فائزة العجروش أن هناك ضرورة لتحديد الأولويات في عملية الإصلاح والتطوير، وصدور هذه اللائحة (المهمة جدًا) لا يكفي للنهوض بعملية التغيير والتطوير، فهناك أولويات يجب البدء بها فورًا وتتلخص في الآتي:
إصلاح وتطوير الأنظمة واللوائح في كليات التربية التي تتمحور وظيفتها الأساسية في إعداد المعلمين.
أهمية مراجعة وإعادة صياغة السياسة التعليمية من غايات وأهداف ولوائح وأنظمة فهي متقادمة جداً؛ لتتواكب مع المرحلة الهامة التي يتطلبها التطوير الشامل والنوعي للتعليم والبيئة التعليمية في المملكة.
الاهتمام أكثر بالبيئة المدرسية وما يندرج تحتها من مباني تعليمية وتوفير كافة متطلباتها وتجهيزاتها (من ملاعب وأفنية ومختبرات ومعامل للحاسب الآلي ومكان مناسب ومواقف كافية ومصاعد… الخ) واستبعاد كافة المباني المدرسية المستأجرة والمتقادمة.
تجديد الدماء في القيادات التعليمية بمن هم كفؤ ولديهم من القابلية والحماس والطموح لقيادة التغيير والتطوير.
تعديل اللائحة التعليمية لتحفيز المعلم المجتهد والمتميز ومساءلة المعلم المتهاون مع الترشيد المالي، فمن الواجب التفريق بين العلاوة السنوية وبين الحوافز، فالعلاوة من اسمها تعني: علاوة أي تعلو بها لذا يستحقها المعلم سنويًا لتأدية عمله النظامي، فيما تعني الحوافز: (حتى في علم الكيمياء تسمى مُحفز) أي إضافة على المادة الأصلية لتُعطي تفاعل أكثر-؛ لتمييز المعلم المجتهد بإعطائه الحوافز مع العلاوة السنوية دون أقرانه لتحفيز الآخرين وجذب التنافس.
وفي الإطار ذاته اهتم أ.د عثمان العثمان بضرورة التركيز على إعادة هيبة المعلم واحترامه؛ فالشخص العاقل عندما تحترمه سيعطي أفضل ما عنده. كذلك ضرورة فتح قنوات تشاركية/ تشاورية مع المعلمين وبقية فئات المجتمع، بمن فيهم المثقفون. فضلاً عن أن هناك أزمة ثقة واضحة بين المعلم والوزارة، تكونت خلال سنوات طويلة، ولابد من العمل على ردمها.
وذهب د. رياض نجم إلى أنه فيما يخص بعض الآراء التي تدعو إلى مراجعة اللائحة وتعديلها فإن الظن أن هذا غير وارد في المرحلة الحالية لأنه يتطلب صدور قرار جديد من مجلس الوزراء. وفيما يرتبط بالضجة الإعلامية على اللائحة؛ فإنها صادرة بشكل أساسي من المدرسين الكسالى الذين يعتبرون وظيفة التدريس مصدر للدخل فقط، بل إن بعضهم لا يعتبرها الوظيفة الأساسية ويعمل في مجالات أخرى. والأمثلة حولنا كثيرة. وهؤلاء لا نريدهم أن يستمروا في السلك التعليمي ونحبذ رحيلهم.
ʘ التوصيات
1- التركيز على إعادة هيبة المعلم واحترامه.
2- فتح قنوات تشاركية/ تشاورية مع المعلمين وبقية فئات المجتمع، بمن فيهم المثقفون.
3- العمل على تجاوز أزمة الثقة الواضحة بين المعلم والوزارة والتي تكونت خلال السنوات الطويلة الماضية.
4- مراجعة المواد التي لم يتم الانتهاء من ضوابطها وشروطها بين وزارة التعليم ووزارة الخدمة المدنية لجبر كسر بعض ما ورد في اللائحة وتبين أن له أثراً سلبياً.
5- الاجتهاد في بناء أدوات قياس الأداء الوظيفي، ليتحقق فيها الصدق والثبات والعدل، واستخدام أسلوب ٣٦٠ إن أمكن بأدواته.
6- تحديد معايير واضحة ومحددة لاكتساب المعلم للنقاط الواردة في المادة ١٠/ج، مع توافر طاقم تدريب قوي وجاد، وبحيث لا تكون الدورات التدريبية شكلية فقط لاجتياز النقاط المطلوبة.
7- عرض مقترحات وزارة التعليم ووزارة الخدمة المدنية لما جاء في المادة ٣٢ للتحكيم من قبل أكاديميين وجميع رتب المعلمين وكذلك الوظائف التعليمية الأخرى كالقائد والوكيل والمدير وغيرهم للاستئناس بآرائهم حول المقترحات والأساليب الجديدة قبل إصدارها نهائيا.
8- إشراك طلبة وطالبات السنة النهائية لكليات التربية في ورش عمل لشرح اللائحة.
9- تطوير الجامعات لبرامجها لاختيار وتخريج معلم أفضل.
10- الاهتمام بالتعليم على أنه مهنة وليست وظيفة بإعداد المعلم لذلك من خلال كليات التربية وإعداد المعلمين وأن يكون من ضمن مقرراتها مادة تتعلق بالتعليم كمهنة ولوائحه وأنظمته وماهي حقوق المعلم وماهي واجباته.
11- العمل على تعزيز احترام المعلم ودوره العظيم من خلال لوائح وأنظمة أخرى لم تصدر بعد في وزارة التعليم.
12- استئناف الابتعاث في مجال العلوم التربوية إن كان متوقفا مع التدقيق في اختيار المبتعثين.
13- تطوير المعلم لا يجب أن يقتصر على تطوير مناهج الكليات التربوية التي تخرج المعلمين أو اجتياز اختبار الرخصة المهنية، بل يتعدًاه إلى توفير كافة البُنى التحتية المعلوماتية الحديثة التي تُعينه على استمرارية تطوير نفسه وفق أحدث الأساليب للحصول على المعلومات ومواكبة المُستجدات.
14- التحفيز على التميز بجوائز سنوية وأوسمة تكريم للمعلمين وقادة المدارس الأكفاء على مستوى المدن والمحافظات والمناطق والدولة ككل.
15- فرز المواهب أو الطلبة المهتمين بمهنة التعليم مسبقاً في المرحلة الثانوية وعمل ورش لتثقيفهم بمهنة التدريس ومزاياها وقيمتها الراقية معنويا ومادياً.
16- إنشاء مجالس أمناء في كافة المناطق من المختصين والمثقفين ومن المدراء التنفيذيين من الشركات وبالذات من لهم خبرة في أقسام البحث والتطوير ليساعدوا القيادات التعليمية.
17- خلق روح المنافسة بين المناطق في جودة التعليم والممارسات التربوية.
18- ربط الأسرة بالتعليم؛ كأن يكون هناك ممثلين عن ما يعرف بمجلس أولياء الأمور في مجلس الأمناء أو أي تنظيم آخر يضمن المتابعة والاستدامة.
19- الاستعانة بالتجارب الناجحة دوليا كمثال، كما في فنلندا وكوريا الجنوبية وبالذات في إعداد المعلم وأيضا مستوى المناهج.
20- إنشاء معهد لإعداد القيادات التعليمية والابتعاث لهذا الغرض لدول رائدة في التعليم، أو النظر في أن يكون المعهد ضمن شراكة مع إحدى هذه الدول الرائدة.
21- تجديد الدماء في القيادات التعليمية بمن هم كفء ولديهم من القابلية والحماس والطموح لقيادة التغيير والتطوير.
22- إصلاح وتطوير الأنظمة واللوائح في كليات التربية التي تتمحور وظيفتها الأساسية في إعداد المعلمين، وقبول المؤهلين فعليًّا لمهنة التعليم بعد اختبارات قبول دقيقة لأعلى مستوى.
23- أهمية مراجعة وإعادة صياغة السياسة التعليمية من غايات وأهداف ولوائح وأنظمة فهي متقادمة جداً؛ لتتواكب مع المرحلة الهامة التي يتطلبها التطوير الشامل والنوعي للتعليم والبيئة التعليمية في المملكة.
24- الاهتمام أكثر بالبيئة المدرسية وما يندرج تحتها من مباني تعليمية وتوفير كافة متطلباتها وتجهيزاتها (من ملاعب وأفنية ومختبرات ومعامل للحاسب الآلي ومكان مناسب ومواقف كافية ومقاصف ومصاعد ونظافة وصيانة … الخ) واستبعاد كافة المباني المدرسية المستأجرة والمتقادمة.
25- إقرار الأدوات التي سوف يتم الاعتماد عليها في تقويم المعلم.
26- تعديل اللائحة التعليمية لتحفيز المعلم المجتهد والمتميز ومساءلة المعلم المتهاون مع الترشيد، كتمييز حملة الماجستير والدكتوراه بعدم وضعهم في السلم الجديد على وظيفة معلم ممارس مما قد يحرمهم من العلاوة السنوية التي قد تتوقف إذا لم تتم ترقيتهم إلى رتبة أعلى.
27- النظر في رفع المكافأة التي يحصل عليها قائد المدرسة والمشرف التربوي والتي لا تتجاوز 800 ريال لتتناسب مع مهامهم المتعددة.
28- النظر في أن يكون تقييم الخبرة والشهادات العلمية كافي لأن تمنح المعلم الرخصة المهنية، خصوصاً من لديه خبرة تتجاوز 20 سنة وثبتت بالفعل مهنيته العالية في مجال التعليم.
29- الاهتمام بوجود مسارين متوازيين أحدهما تنفيذ اللائحة والآخر تطوير أداء المعلم لتكون مواد اللائحة محققة للغرض المقصود منها.
30- اللائحة بدون تطوير مهني مستمر للمعلمين على رأس العمل في جميع المستويات لا فائدة منها.
31- اللائحة بدون تطوير مهني للقيادات التربوية في الميدان لن يستفاد منها.
32- اللائحة بدون تطوير لأنظمة التعليم العالي وتطوير مهني لأعضاء هيئة التدريس في الجامعات لن تؤتي ثمارها بالشكل المطلوب.
33- اللائحة بدون وجود تطبيق عملي مكثف بعد التخصص لن يستفاد منها.
34- من المهم قبل تطبيق هذه اللائحة أن يتم تطوير ومراجعة عدد من اللوائح المستخدمة في وزارة التعليم لعل أهمها لائحة تقييم الأداء الوظيفي للمعلمين وللقيادات التربوية، ولائحة السلوك للطلاب، ولائحة تقويم الطالب، ولائحة الاختبارات وغيرها من لوائح ذات علاقة مباشرة أو غير مباشرة.
35- أهمية المتابعة الدقيقة للقيادات التربوية والإشرافية التي ستتولى عملية تقويم الأداء الوظيفي للمعلمين للتحقق من مهارتهم وأمانتهم في منح الدرجات المستحقة؛ وذلك لأن الدقة في تقييم أداء المعلم هي المحك الأساسي الذي سيتم الاعتماد عليه في منح العلاوة والترقية.
36- أهمية تطبيق الاختبارات التحصيلية على القيادات التربوية والمعلمين، وأن يكون هناك مواد تدرس، وبرامج تدريب تسبق هذه الاختبارات التحصيلية، مع أهمية أن يكون هناك توافق تام بين محتوى هذه الاختبارات وما يدرس في الجامعات، وبين هذه الاختبارات وما يطبق في الميدان التربوي.
37- من المهم أن يصاحب تطبيق هذه اللائحة مراجعه لأنصبة المعلمين من الحصص حسب التخصص.
38- ضرورة أن يتم العمل على تقليل عدد الطلاب في الفصل الواحد بحيث لا يزيد عن (٣٠) طالب حتى يتمكن المعلم من أداء دوره بالشكل المطلوب.
39- أن تتجاوز المكافآت للمعلمين المتميزين الجانب المادي فقط وذلك بالتعاون مع مؤسسات المجتمع المحلي لتقديم تسهيلات وخصومات ومكافآت خاصة بالمعلمين.
40- تفعيل المجلس التعليمي لكل منطقة بحيث يشارك به المعلمين وأولياء الأمور ورجال الأعمال ويناقشون المشكلات وسبل الدعم والتطوير؛ حيث تختلف المشكلات والاحتياجات من منطقة تعليمية لأخرى.
41- تفعيل صلاحيات قادة المدارس بشكل جاد ليحصلوا على تعاون المجتمع المحلي في دعم وتطوير مدارسهم من ناحية الخدمات والبنى التحتية.
42- عقد ورش عمل في مختلف المناطق مع بداية العام الدراسي يحضرها المعلمون والمهتمون لشرح اللائحة وأبعادها والهدف منها من قبل اختصاصيين بدلا من ترك تفسيرها للاجتهادات الشخصية بما يخرجها من هدفها الأسمى.
القضية الرابعة
زراعة النخيل وإنتاج وتسويق التمور في المملكة العربية السعودية
(28/7/2019م)
الورقة الرئيسة: د. علي الطخيس
التعقيبات:
ʘ التعقيب الأول: د. خالد الفهيد
ʘ التعقيب الثاني: د. سليمان الطفيل
إدارة الحوار: د. الجازي الشبيكي
ʘ الملخص التنفيذي
أشار د. علي الطخيس في الورقة الرئيسة إلى أن موضوع زراعة النخيل في المملكة ينقسم إلى قسمين كبيرين: الأول عن زراعة أشجار النخيل وما يصاحبها من عمليات حقلية تتمثل في حرث التربة، وزراعة الفسائل، وتصميم شبكة ري وتحديد مسافات مثلى بين أشجار النخيل المتجاورة واستخدام الأسمدة والمبيدات وغير ذلك الكثير. والقسم الآخر يتعلق بالتمور وأنواعها وكمياتها وتسويقها محلياً ودولياً، والتحديات التي تواجه قطاع إنتاج التمور وتوزيعها وتسويقها، وخدمة مزارعي النخيل، ونحو ذلك. وقد تم التركيز في هذه الورقة على القسم الثاني لارتباطه المباشر بالأمن الغذائي وبالاقتصاد والتصدير، وخلق وظائف ودخول القطاع الخاص بالاستثمار في إنتاج وبيع التمور؛ وهذه تهدف جميعها إلى تحقيق رؤية المملكة 2030.
وأوضح د. خالد الفهيد في التعقيب الأول أن الملاحظ أن المملكة العربية السعودية تهتم بالنخيل والتمور من نواحٍ اقتصادية متعددة، وتعمل على دعم وتشجيع القطاع الخاص للاستثمار في هذا المجال؛ للمساهمة في تحقيق أهداف رؤية المملكة 2030 اقتصاديا. ويمثل إنتاج المملكة من التمور 17٪ من الإنتاج العالمي، وتبلغ الكميات المصدرة منها حوالي 100 ألف طن بنسبة 7.6% ، ويتم تصنيع 276 ألف طن بنسبة تصل إلى 23% ، ويمكن الاستفادة منها في بعض الصناعات المحلية، وبالنسبة لـ 70% من إنتاج التمور يكون أسيراً للاجتهادات الشخصية وحسب الطلب والعرض في السوق المحلية. ويقدر الاستهلاك المحلي تقريبا بثلث الكمية المنتجة، وهناك فاقد وهدر من هذا المنتج سواء بسبب رداءة المنتج أو لعدم قدرة المزارع على جني محصوله، إضافة إلى ما يتم إنتاجه من النخيل في الشوارع داخل المدن.
وأبرز د. سليمان الطفيل في التعقيب الثاني أن هناك ندرة كبيرة في البيانات الإحصائية عن النخلة وثمرتها (التمور بأنواعها)، وهذا من أكبر معوقات نموها ومنافستها محليا وعالميا؛ فالبيانات المتاحة في هذا الشأن ضعيفة جدا لا تسعف صاحب القرار ولا المستثمر ولا سوق التمور للدخول في المنافسة محليا وإقليميا وعالميا. ومن الخلط المؤسف حقا أن نجد أن البيانات لم تميز في أحيان معينة بين نخيل التمور ونخيل الزينة (واشنطونيا).
وقد اتفق المتحاورون على أهمية الاهتمام بزراعة النخيل في المملكة بالنظر إلى مردوها الاقتصادي ودورها في دعم الاقتصاد الوطني، في حين تباينت وجهات النظر حول سبل التغلب على معوقات زراعة النخيل في المملكة وكذلك جهود دعم إنتاج وتسويق التمور في المملكة، وإن كانت في مجملها مكملة لبعضها البعض.
وتضمنت المداخلات حول القضية المحاور التالية:
s البيانات الإحصائية حول زراعات النخيل في المملكة.
s معدل استهلاك السعوديين للتمر ومدى كفاية إنتاج المملكة للسوق المحلي.
s معوقات زراعة النخيل في المملكة وسبل التغلب عليها.
s التوازن بين التوسع في زراعة النخيل وقضية مستقبل شُح المياه.
s تجربة تونس في إنتاج التمور.
s جهود دعم إنتاج وتسويق التمور في المملكة.
s دور الجمعيات التعاونية فيما يخص الاستثمار في زراعة النخيل.
s الصناعات التحويلية المرتبطة بالتمور: جدواها وسبل تنميتها.
ومن أبرز التوصيات التي انتهى إليها المتحاورون في ملتقى أسبار حول قضية: “زراعة النخيل وإنتاج وتسويق التمور في المملكة العربية السعودية” ما يلي:
1- أهمية وجود رؤية وإستراتيجية واضحة المعالم والأهداف لزراعة النخيل وإنتاج التمور.
2- النظر لشجرة النخيل والتمور كسلعة إستراتيجية بمعنى أن تُسخر كافة الإمكانات المُتاحة لتطويرها، والتفكير في إنشاء شركة كبيرة تُعنى بالنخيل ومنتجاتها على غرار شركة أرامكو؛ بهدف إيجاد شباك واحد لكل ما يخدم إنتاج التمور وتسويقها، والإشراف الفني والدعم اللوجستي لمزارعي النخيل، ويكون لها دور كبير في إقامة معارض التمور في الداخل والخارج .
3- الاهتمام بالصناعات التحويلية المعتمدة على النخلة ومشتقاتها، كصناعة الورق والفحم المضغوط والزيت والعلف وغيره.
4- الاهتمام بالدراسات والأبحاث وبرامج التوعية والتدريب والتسويق في مجال صناعة مشتقات النخيل والتمور.
ʘ الورقة الرئيسة: د. علي الطخيس
عندما بدأت في كتابة الورقة حول موضوع زراعة النخيل في المملكة تبين أن الموضوع ينقسم إلى قسمين كبيرين: الأول عن زراعة أشجار النخيل وما يصاحبها من عمليات حقلية تتمثل في حرث التربة وزراعة الفسائل وتصميم شبكة ري وتحديد مسافات مثلى بين أشجار النخيل المتجاورة واستخدام الأسمدة والمبيدات وغير ذلك الكثير. والقسم الآخر يتعلق بالتمور وأنواعها وكمياتها وتسويقها محلياً ودولياً والتحديات التي تواجه قطاع إنتاج التمور وتوزيعها وتسويقها وخدمة مزارعي النخيل ونحو ذلك. وبعد تحليل سريع رجحت أن المطلوب الكتابة عنه قد يكون القسم الثاني لارتباطه المباشر بالأمن الغذائي وبالاقتصاد والتصدير وخلق وظائف ودخول القطاع الخاص بالاستثمار في إنتاج وبيع التمور وهذه تهدف جميعها إلى تحقيق رؤية المملكة ٢٠٣٠.
معلوم أن القسم الأول يعد من الأعمال غير المرئية ومصاريفها كثيرة وكلما زاد الاهتمام بهذا القسم انعكس إيجاباً على كميات الإنتاج وتحسن نوعية صنف التمر وبالتالي سيزيد من قيمة المنتج بالأسواق.
النخلة من الأشجار المباركة التي ورد ذكرها في القرآن الكريم والتمر غذاء متكامل العناصر، لذا فإن الاهتمام بالنخيل وإنتاج التمر أمر غاية في الأهمية وجزء مهم في معادلة الأمن الغذائي في المملكة. ومن ميزات النخلة أنها تتحمل ظروف التصحر القاسية من ارتفاع في درجات الحرارة والجفاف وتعيش على المياه العذبة والمالحة.
ستتناول الورقة النقاط التالية:
أولاً: إنتاج التمور (عدد أشجار النخيل وكميات ونوعيات الإنتاج).
ثانياً: آفات النخيل.
ثالثاً: الاستثمار في زراعة وإنتاج التمور.
رابعاً: التوسع في زراعة النخيل واستهلاك المياه
خامساً: التسويق الداخلي والخارجي ومعوقاته.
سادساً: المركز الوطني للنخيل والتمور.
سابعاً: المجلس الدولي للتمور.
أولاً: عدد أشجار النخيل وإنتاج التمور
يلاحظ تزايد أعداد أشجار النخيل بشكل كبير سنة بعد أخرى بدون تخطيط أو بدون تحديد نسبة زيادة سنوية وأغلبها جهود فردية دون تدخل وزارة البيئة والمياه والزراعة. وهذا الإجراء يعد من معوقات ما يعرف بالزراعة المستدامة ومهدد أساسي لاستدامة مصادر المياه. تشير احصائيات وزارة البيئة والمياه والزراعة بأنه يوجد بالمملكة نحو (٣٠) مليون نخلة تنتج نحو ١,٣ مليون طن من التمور من أكثر من ٧٦ صنف.
وللفائدة فإن توزيع أشجار النخيل على مناطق المملكة يختلف من منطقة لأخرى اعتماداً على نوعية التربة وكميات ونوعيات مصادر المياه والموقع الجغرافي والطبوغرافي، والمناخي حيث تكثر زراعة النخيل في المناطق المنبسطة ذات التربة الزراعية السميكة وتقل في المناطق الجبلية والأهم من هذا وذاك وجود المزارعين الحقيقين الذين توارثوا مهنة الزراعة أباً عن جد، وأشجار النخيل في المملكة موزعة كما يلي:
1- منطقة الرياض نحو ٧ مليون نخلة.
2- منطقة مكة المكرمة نحو ١,٢٣ مليون نخلة.
3- منطقة المدينة المنورة ٤,٦٢ مليون نخلة.
4- منطقة القصيم ٦,٩٨ مليون نخلة.
5- المنطقة الشرقة ٣,٧٣ مليون نخلة.
6- منطقة عسير ١,٠٣ مليون نخلة.
7- منطقة تبوك ٠,٨٤ مليون نخلة.
8- منطقة حائل ١,٨ مليون نخلة.
9- منطقة الحدود الشمالية ٠,٢٣ مليون نخلة.
10- منطقة جازان ٨,٥٨١ نخلة.
11- منطقة نجران ٣٨٥,٦٢٣ نخلة.
12- منطقة الباحة ٧٠,٦١٢ نخلة.
13- منطقة الجوف ٨٤٨,٢١٧ نخلة.
أما من حيث أنواع التمور فإنه يوجد ٧٦ صنفاً من التمور تتفاوت في جودتها ونوعياتها من منطقة لأخرى. ويمكن أن تتميز المنطقة الواحدة بأكثر من صنف فاخر النوعية. تباين الأصناف وجودتها تعتمد على مجموعة من العناصر منها الموقع الجغرافي والمناخ ودرجة الحرارة ونوعية التربة وتوفر المياه وتركيز الأملاح في كل من التربة والمياه بالإضافة إلى العناية بالنخلة وتسميدها وتكريبها وعزق تربتها وتقليمها وتلقيحها (تأبيرها).
لن أدخل في عمليات جني التمور وتجميعها وتهيأتها وفرزها وتبخيرها وغسيلها وتعقيمها وتجفيفها وتعبأتها وكبسها في مصانع التمور التي انتشرت في السنوات الأخيرة عن طريق القطاع الخاص.
لعل من الفائدة أن أذكر أهم الصناعات القائمة على التمور التي تشمل الآتي:
1- مربى التمر.
2- عسل التمر (الدبس).
3- شوكولاتة التمر.
4- زبدة التمر.
5- حلوى الطحينية بالدبس.
6- حلوى عصيدة التمر.
7- عصير التمر.
8- خميرة التمر.
9- تمور محشوة باللوزيات.
10- خل التمر.
11- حلوى التمر.
ثانياً: آفات النخيل.
يوجد العديد من الآفات التي تهاجم النخيل (شجراً وثمراً) وتقصر عمرها وتؤثر على إنتاجها وأهم هذه الآفات على سبيل المثال لا الحصر:
1- حشرة سوسة النخيل الحمراء:
تعد هذه الحشرة ذات قدرة تدميرية شديدة لأشجار النخيل بما فيها نخيل الزينة. حياة هذه الحشرة معقدة واسمها العلمي Red Palm Weevel. وخطورة انتشار هذه الآفة يكمن في أنه يصعب تمييز الإصابة في وقت مبكر.
مع الأسف الشديد أن هذه الآفة ليست معروفة في المملكة قبل أربعين سنة تم إدخالها للمملكة عن طريق استيراد نخيل الزينة، وكانت متركزة وعلى نطاق ضيق بالأحساء، ورغم الجهود المبذولة من وزارة البيئة والمياه والزراعة آنذاك بمنع نقل فسائل النخيل من منطقة لأخرى إلا بعد الكشف عليها وفحصها من قبل مختصي الوزارة ووضع سلك معدني مختوم عليه حول النخلة، وكانت مراكز التفتيش الأمنية على الطرق متعاونة إلى حد كبير ومع ذلك انتشرت حشرة سوسة النخيل الحمراء بتهريبها بوسائل متعددة ووصلت جميع مناطق المملكة وأصبحت ضمن الآفات الخطيرة وأثرت على المزارع الصغيرة والكبيرة ونتج عنها خسائر اقتصادية يصعب حصرها.
للمعلومية بذلت وزارة البيئة والمياه والزراعة منذ اكتشاف هذه الحشرة جهود مضنية على الصعيد الوطني والإقليمي والدولي من خلال لجان فنية وفرق مكافحة كثيرة. كذلك فقد شكلت لجان على مستوى دول مجلس التعاون بالاستعانة بخبراء وهيئات ومنظمات دولية؛ إلا أن هذه الجهود لم تكن نتائجها بحجم التوقعات بل كانت محدودة.
2- دودة البلح الصغرى والكبرى.
3- حلم غبار نخيل التمر (ابوغبير).
ثالثاً: الاستثمار في زراعة وإنتاج التمور
يوجد فرص جيدة للاستثمار في زراعة النخيل وإنتاج التمور وتشمل على سبيل المثال:
1- إنشاء مصانع حديثة لتنظيف وكبس وتغليف التمور لوجود نحو ٣٠ مليون نخلة موزعة على مختلف مناطق المملكة.
2- الاستثمار في الصناعات الغذائية وغير الغذائية المعتمدة على التمور وأشجار النخيل.
3- الاستثمار في تصدير التمور ذات النوعية المنافسة للأسواق الخارجية.
رابعاً: التوسع في زراعة النخيل واستهلاك المياه الجوفية المتزايد
بعد البدء في تنفيذ قرارات إيقاف استلام محصول القمح والتخفيض التدريجي في زراعة الأعلاف فإن كميات المياه الجوفية المستخدمة في ري أشجار النخيل أصبحت في الوقت الحاضر هي الأكثر استهلاكاً للمياه على مستوى المحاصيل الزراعية على الإطلاق، لذا يجب عمل خطط وبرامج تحافظ على استمرارية تواجد المياه الجوفية لصالح الأجيال القادمة. وتشير دراسة قام بتمويلها صندوق التنمية الزراعية (2014م) أن استهلاك النخيل من المياه يصل نحو ٤.٥ بليون متر مكعب على الرغم من استخدام وسائل الري المرشدة مثل أنظمة الري بالتنقيط.
الخوف أن تستمر أعداد النخيل في تزايد إلى درجة تكون هي المهدد الرئيس لاستدامة توفر مصادر المياه ويتخطى إنتاجها الاستهلاك المحلي مع استمرار فشل تسويقها للخارج ونعود إلى قصة إنتاج القمح في بداية التنمية الزراعية حيث صاحب عدم وجود استراتيجيات واضحة وتقنين لإنتاج القمح أن زاد الإنتاج عام ١٩٩٢الى أكثر من ٤ ملايين طن وهذه الكمية تفوق كثيراً الاحتياج المحلي بكثير وبدأت المملكة في تصدير القمح بسعر يقل عن سعر التكلفة واحتلت المرتبة السادسة في تصدير القمح المعتمد على المياه الجوفية غير المتجددة.
توجد مشاريع زراعية خيرية (أوقاف) لزراعة النخيل وإنتاج التمور تعتمد على المياه الجوفية غير المتجددة منها مشروع بالقصيم به (٢٠٠,٠٠٠) نخلة، ومثل هذا المشروع بالتأكيد يستهلك كميات كبيرة من المياه الجوفية غير المتجددة وأتمنى أن يتم توصيل مياه الصرف الصحي المعالجة ثلاثياً لهذه المشاريع الخيرية وإن تعذر ذلك ينظر في تغيير النشاط من زراعة نخيل إلى مشروع غير زراعي لا يعتمد على المياه؛ وذلك من أجل المحافظة على مصادر المياه الجوفية لأن الأصل في المشاريع الخيرية يفترض ألا يترتب عليها مضرة بالمصلحة العامة.
خامساً: التسويق الداخلي والخارجي ومعوقاته
يمكن اعتبار القصور في تسويق المنتجات الزراعية بأنواعها في الوقت الحاضر من أهم المعوقات التي تواجه القطاع الزراعي بشكل عام. باستثناء الشركات الزراعية وفي ظل عدم وجود آلية فعالة لمساعدة المزارع على بيع محاصيله الزراعية تضمن له ربح مجز يتناسب مع جهوده الكبيرة في زراعة هذه المحاصيل فلن ينجح القطاع الزراعي في تحقيق أهدافه.
تقوم الوزارة بشراء التمور من المزارعين وفق آلية وسعر محددين وتورده لمصنع التمور بالأحساء. وتقوم الدولة بالمساهمة بكمية من هذا الإنتاج لبرنامج الغذاء العالمي (كانت الكمية نحو 25,000 طن سنوياً وقد تكون الكمية في الوقت الحاضر أكثر).
في عام ١٤١٨ قامت وزارة البيئة والمياه والزراعة بدراسة إنشاء شركة تسويق زراعية رأسمالها كان نحو ٢٠٠ مليون ريال لكن هذه الشركة لم يكتب لها النجاح.
يلاحظ أن دور الوزارة في توجيه المزارعين لزراعة محاصيل محددة لكل منطقة تبعاً للميز النسبية ويكون هناك توازن وتنوع في الإنتاج يعود بالنفع على المزارع نفسه. يحز بالنفس أنه نتيجة لعدم قيام الوزارة بالتنسيق مع المزارعين وتوجيههم لزراعة المحاصيل التي تتناسب مع الميزة النسبية لكل منطقة أن المزارعين يقررون ما يزرعون اعتماداً على ما تم في العام السابق إن كان مربحاً؛ ونجد أن الأغلبية تزرع نفس المحصول ويزيد الإنتاج عن حاجة السوق مما يؤدي إلى بيع محاصيلهم بأقل من سعر التكلفة. وهنا تبرز الحاجة لوجود شركة أو شركات تبريد وتسويق.
سادساً: المركز الوطني للتمور
المركز الوطني للنخيل والتمور
https://ncpd.org.sa
مبادرات المركز الوطني للتمور
https://youtu.be/9xHxVRNlg4s
سابعاً: المجلس الدولي للتمور
صدر الأمر الملكي الكريم رقم م/٤ وتاريخ ١٤٣٨/١/٢٤ بالموافقة على النظام الأساسي للمجلس الدولي للتمور.
تقرر أن يكون مقر المجلس المذكور مدينة الرياض مع تحمل التكاليف التشغيلية له لمدة سنتين بواقع ٣٠ مليون ريال (٤ملايين دولار) لكل سنة، على أن تتم خلال السنة الثانية مراجعة تلك التكاليف بين المختصين في وزارة البيئة والمياه والزراعة ووزارة المالية لسنوات أخرى إذا دعت الحاجة والرفع بنتيجة ذلك إلى المقام السامي(*).
التوصيات:
1- الحد من زراعة النخيل المعتمدة في ريها على المياه الجوفية غير المتجددة.
2- قيام وزارة البيئة والمياه والزراعة بدعم مزارعي النخيل باستبدال نخيلهم المتدني الجودة إلى أنواع أفضل لكونها تستهلك نفس كميات المياه.
3- قيام صندوق التنمية الزراعية بتقديم الإعانات والقروض الميسرة للتحول من الري بالغمر إلى الري بالتنقيط في مزارع النخيل.
4- قيام صندوق الاستثمارات العامة بإنشاء شركات تخزين وتبريد وجمع المحاصيل من المزارعين وبيعها.
5- قيام صندوق الاستثمارات العامة بإنشاء شركة تسويق لبيع وتصدير واستيراد المنتجات الغذائية ومنها التمور.
6- الاستفادة من مخلفات النخيل وتصنيعها.
7- اقتراح جائزة سنوية تمنح للمزارع الذي يصدر منتجاته من التمور أكثر من غيره.
ʘ التعقيبات:
· التعقيب الأول: د. خالد الفهيد
الملاحظ أن المملكة العربية السعودية تهتم بالنخيل والتمور من نواحي اقتصادية متعددة وتعمل على دعم وتشجيع القطاع الخاص للاستثمار في هذا المجال للمساهمة في تحقيق أهداف رؤية المملكة 2030 اقتصاديا.
ويقدر عدد أشجار النخيل في المملكة بأكثر من 30 مليون وبلغت عائداتها السنوية 6 مليار ريال، لتشكل 16% من قيمة الإنتاج الزراعي المحلي فيما يقدر الإنتاج العالمي للتمور بحوالي 7,5 مليون طن، ومن أهم الدول التي تتميز بأعلى كمية إنتاج هي مصر 1,4 مليون طن، المملكة العربية السعودية 1.3 مليون طن، إيران 1,15 طن، الجزائر 0,80 مليون طن، باكستان 0,54 مليون طن والعراق 0,66 مليون طن. ويتوقع أن يزيد الإنتاج العالمي ليتجاوز 10 مليون طن نظرا إلى إصرار الدول المنتجة للتمور والقطاع الخاص على تطوير هذا المحصول ذو القيمة العالية بالإضافة إلى رغبة بعض الدول غير المنتجة للتمور زرع مساحات شاسعة منه خلال السنوات القادمة.
ويمثل إنتاج المملكة من التمور 17٪ من الإنتاج العالمي، وتبلغ الكميات المصدرة منها حوالي 100 ألف طن بنسبة 7.6% من الإنتاج المحلي، ويتم تصنيع 276 ألف طن بنسبة تصل إلى 23%، ويمكن الاستفادة منها في بعض الصناعات المحلية وبالنسبة لـ 70% من إنتاج التمور يكون أسير للاجتهادات الشخصية وحسب الطلب والعرض بالسوق المحلية. ويقدر الاستهلاك المحلي تقريبا بثلث الكمية المنتجة، وهناك فاقد وهدر من هذا المنتج سواء بسبب رداءة المنتج أو لعدم قدرة المزارع على جني محصوله، إضافة إلى ما يتم إنتاجه من النخيل في الشوارع داخل المدن.
هنالك أكثر من 3.000 من أصناف التمور على المستوى العالمي، إلا أن معظمها ذو إنتاجية متدنية ونوعية رديئة؛ وهنالك فقط أقل من 50 صنف يمكن اعتبارها ذات نوعية جيدة وذات قيمة تجارية. ويوجد حوالي 400 صنف تنتشر في مختلف مناطق المملكة منها حوالي 50 صنف من الأصناف القابلة للتسويق. وقد تم تقسيم أصناف التمور السعودية إلى أصناف مشهورة وأصناف غير مشهورة من واقع انتشارها على الأقل في 3 مناطق. وقد أصدرت وزارة البيئة والمياه والزراعة كتابا اعلاميا عن أصناف التمور في المملكة العربية السعودية تم طباعته في طبعتين باللغتين العربية والإنجليزية وفاز هذا الكتاب بجائزة خليفة الدولية للتمور 2014 وكان لي شرف أن كنت رئيس فريق إصدار هذا الكتاب.
ويبلغ عدد المصانع ومعامل التعبئة والتغليف للتمور في المملكة أكثر من (170) مصنعا ومعملا أغلبها معامل ذات طاقات إنتاجية مختلفة، إلى جانب أعداد كبيرة تفوق هذا العدد لمعامل صغيرة ومتواضعة، عبر دكاكين بيع التمور، وبعض الأسر المنتجة التي تعمل على ضمد التمور، وإدخال عجائنه ضمن بعض المنتجات الغذائية، ومع نمو هذه الصناعة التي تستحوذ على ما يقارب من (40%) من إنتاج المملكة من التمور فقد عزز ذلك أيضاً من أهمية وضرورة تسويق الفائض خارجياً.
وكما أشار د. علي فإن عدد أشجار النخيل يتزايد في مختلف مناطق المملكة بشكل كبير، وهذا يرجع إلى تزايد فسائل النخيل بمتوالية هندسية في السنوات الأولى من عمر النخلة. ومن أهم العوامل المؤثرة في انتشار النخيل هو اختلاف الميزات النسبية لتلك المناطق التي تعتمد على المقومات الطبيعية المختلفة الملائمة لإنتاج التمور.
سوسة النخيل الحمراء: هي آفة اقتصادية تسببها حشرة دخلت إلى المملكة في عام ١٤٠٧هجري عن طريق استيراد أشجار نخيل واشنطونيا من الهند، وأول ظهور لها في محافظة القطيف، والحشرة لا تستطيع أن تطير أكثر من ٣ كيلومتر وتنتج أكثر من ٣٠٠ بيضة، إلا أنه بالنقل ظهرت بعد ذلك مباشرة في محافظة البدع بمنطقة تبوك بمسافة تصل إلى ١٥٠٠ كيلو متر، وبسبب التراخي وعدم التعاون لمكافحتها انتشرت في مناطق المملكة، وتم حظر نقل الفسائل وخروجها خارج أغلب مناطق زراعة النخيل مما سبب إشكالية للمزارعين وأعطى فرص للتحايل ومحاولة نقلها بشكل غير نظامي. وفي ظل هذه الظروف تراكمت الخبرات لدى ذوي الاختصاص في الجامعات ومدينة الملك عبدالعزيز ووزارة البيئة والمياه والزراعة، ورغم سن الأنظمة والتشريعات وفرض الغرامات على المخالفين إلا أن السوسة تتمدد وقد يرجع ذلك إلى خلل في منظومة المكافحة من الجهات الحكومية والمزارعين نظرا لتراخي البعض وعدم إدراك خطورتها لما تسببه من خسائر اقتصادية، ولكن رغم هذه الظروف فإن إنتاج التمور يتزايد نظرا لتزايد أعداد النخيل كما تم الإشارة إليه سلفا بنسبة تفوق عدد النخيل المصاب بهذه الآفة.
ومن أهم العوائق التي تواجه إنتاج وتسويق التمور:
– انخفاض كفاءة الإنتاج، حيث أن معدل إنتاج النخلة حاليا يتراوح بين ٥٠ -٦٠ كيلو، بينما على الأقل يفترض أن لا يقل عن ١٠٠ كيلو، ويختلف المعدل حسب اختلاف الأصناف؛ مما يعني أنه في حال عدم الكفاءة يصبح هناك فاقد وهدر في الموارد الطبيعية وأهمها المياه وانخفاض أسعار المنتج وعدم القدرة على تصريفه مما ينتج عنه مشاكل تسويقية، وهذا الأمر يتطلب أهمية رفع قدرات المزارعين وتدربيهم التدريبات التطبيقية وليست النظرية وتعزيز الثقة في المرشد الزراعي، وتشجيع المزارعين للانخراط في الجمعيات التعاونية الزراعية للمساهمة في خفض تكاليف الإنتاج وخاصة التكاليف الثابتة للوحدة المنتجة بالشراء الموحد لمدخلات الإنتاج، وتعزيز مقدرتهم على التسويق عن طريق الجمعيات لإبرام العقود وتذليل العقبات التسويقية وكذلك فتح قنوات تسويقية داخل وخارج المملكة عن طريق تنمية الصادرات.
– من أهم العوائق تعدد الجهات التي لها ارتباط بإنتاج وتسويق التمور (الزراعة، العمل، التجارة، البلديات، الجامعات، مجلس الجمعيات، صندوق التنمية الزراعي. مدينة الملك عبدالعزيز). مما يساهم في ايجاد مناطق رمادية تؤثر على نوع الخدمات التي يتم تقديمها للمزارعين.
– على الرغم من التحفيز للتحول من الري التقليدي حيث يتم شراء التمور (٢٥ ألف طن من قبل الدولة) التي تستخدم نظم ري حديثة بسعر ٥ ريال والتقليدي يبقى ٣ ريال كما أن الصندوق يقدم إعانة تصل إلى ٧٠٪ من أنظمة الري المرشدة؛ إلا أنه لازال هناك فئة من المزارعين تستخدم نظم ري تقليدية تساهم في الاسراف في مياه الري.
– العمالة عائق يرهق المزارعين لطبيعية إنتاج التمور الموسمية؛ حيث أن النخلة تحتاج ٥٠ عملية في معاملتها أثناء الإنتاج والتسويق.
التوصيات:
– أهمية توحيد الجهود فيما يخدم إنتاج التمور ورفع كفاءة استغلال هذا المنتج بدعم وتعزيز أدوار المركز الوطني للنخيل والتمور الذي تم انشاؤه عام ١٤٣٢هجري وكان من أهم النقاط التي ركزت عليها الموافقة السامية أن يدار بفكر القطاع الخاص ويساهم في تذليل عقبات تسويق التمور داخليا وخارجيا وأن يرسم هوية للتمور السعودية.
– تشجيع المزارعين للانخراط في الجمعيات التعاونية الزراعية للاستفادة من خدمات العمالة الموسمية وتخفيض التكلفة ورفع كفاءة الإنتاج.
– أهمية الاستفادة من تجارب مهرجانات التمور الناجحة وتعميم التجربة في مناطق زراعة النخيل.
– أهمية التعريف بالتجارب الناجحة لمزارعي النخيل وتعميمها والاستفادة منها في إنتاج وتسويق التمور.
– إنشاء قاعدة معلومات عن مكافحة سوسة النخيل الحمراء لكي يتم الاستفادة من التجارب الناجحة وعدم تكرار الفاشل منها.
· التعقيب الثاني: د. سليمان الطفيل
أولا: منهجية الورقة:
1- لقد أجاد د. على الطخيس علي في اختيار الموضوع وإبرازه كقضية تستحق المناقشة العميقة والتفكير في الحلول المناسبة لها إسهاما من ملتقى أسبار في تسليط الضوء على هذا الموضوع (زراعة النخيل وصناعة وتسويق التمور في المملكة العربية السعودية) وخاصة في هذا الوقت من الاهتمام المتنامي بهذا النوع من الأشجار في المملكة؛ حيث تستهدف مؤشرات رؤية المملكة 2030م رفع نسبة الصادرات إلى 40% في عام 2020م. إضافة إلى ما تضمنته الورقة من التركيز على معالجة آفات ومخاطر زراعة النخيل، وكذا صناعة التمور ومشتقاتها وإيجاد الحلول المناسبة لها، ومن تلك المخاطر التي تمت الإشارة إليها: الزراعة في المياه غير المتجددة، الزراعة غير المنظمة، مخاطر السوسة الحمراء وغبار البلح وغيرها من المخاطر التي تهدد مصادر المياه والاقتصاد المحلي.
2- اشارت الورقة إلى مسألة مهمة تتعلق بالجهود التي تبذلها وزارة البيئة والمياه والزراعة من ٤٠ عام تقريبا في مكافحة سوسة النخيل وفشلت في ذلك وهو ما يستدعي التوقف عند أسباب الفشل وضرورة التنسيق والرقابة المحكمة في متابعة تنقل النخيل وانتشار السوسة بعد دخولها أراضي المملكة لأسباب غير معلومة..!!
3- نبهت الورقة كذلك إلى أن هناك جمعيات خيرية تستثمر في زراعة النخيل لكنها تستنفذ موارد مائية عالية في مناطق مياه غير متجددة وتحذر من هذه الممارسات الضارة وهو ما ينبغي دراسته للتأكد من ذلك وعلى نطاق واسع في المملكة وليس للجمعيات الخيرية فقط، بل ينبغي الالتفات إلى أداء الجمعيات التعاونية كذلك، خاصة إذا علمنا أن الجمعيات الزراعية التعاونية تمثل ٤٠٪ من إجمالي عدد الجمعيات التعاونية في المملكة.
4- عدم الاشارة في الورقة إلى مصدر المعلومات والبيانات الإحصائية سواء فيما يخص أعداد مزارع النخيل وبياناتها أو مصانع التمور ومنتجاتها. وربما ذلك عائد إلى ندرة البيانات الإحصائية وعدم دقتها. وقد لمست ذلك عند البحث عن هذه المعلومات على موقعي الهيئة العامة للإحصاء ووزارة البيئة والمياه والزراعة حيث لا توجد إلا بيانات قليلة وغير محدثة وهذا مما يصعب عملية الدراسة والتنظيم والتخطيط لزراعة النخيل بشكل عام.
5- لم تجزم الورقة كما أشير في مقدمتها بالتركيز على التمور وأنواعها وكمياتها وتسويقها محليا ودوليا؛ بل استمرت في مناقشة الموضوعين معا: النخيل والتمور؛ مما أوجد تداخلا كبيرا في طريقة عرض البيانات وكان الأولى أن يتم مناقشة الموضوعين معا أو أن يقتصر من الأساس على معالجة أي منهما، علما أن زراعة النخيل هو عنوان الورقة وأساس التمور والتي يفضل أن يوضع لها ورقة مستقلة لأهميتها كسلعة إنتاجية محلية وتصدير عالمية.
ثانيا: مميزات النخيل والتمر:
1- النخيل من أكثر النباتات استزراعا في المناطق المعتدلة والمناطق القاحلة والأكثر جفافا وملوحة، ومقاومة لحرارة الجو والبرودة والأعاصير الشديدة وهذا يعطي ميزة تنافسية اقتصادية لزراعة النخيل في المملكة.
2- تتمايز أشجار النخيل إلى ذكر وأنثى يبدأ كل منهما في الازدهار من السنة الخامسة وتبدأ في الإثمار والعطاء من السنة السابعة، ويستمر إنتاج التمر الجيد إلى عمر يتراوح بين ٣٠-٤٠ سنة وغالبا يمتد عمر النخلة بالعطاء لسنوات أكثر من ذلك.
3- تبدأ النخلة بالإثمار من السنة السابعة ما بين ٧-١٥ كيلو ثم تأخذ بالازدياد سنة تلو الأخرى حتى يصل وزن التمر في سنوات متقدمة إلى مائة كيلو جرام سنويا، علما أن هناك بعض أشجار النخيل تعطي منتج أعلى مثل (البرحي والمجدول والخضري والحلوة والشقراء فضلا عن تمرة أم خشب التي سميت بهذا الاسم لإسناد قنيانها بأعمدة الخشب بسبب كبر حجمها خشية كسرها) حيث تعطي بعض أشجار النخيل من 200 إلى 400 كيلو سنويا. وللعلم أن 50% من أشجار النخيل في المملكة هي نخيل تمر الخلاص والسكري، لكن إنتاجهما أضعف بسبب أن المزارعين والمستثمرين يبحثون عن الجودة في الطعم وحجم البلح ولونه مما يجعلهم ينقصون من عدد قنيان النخلة بقص جزء كبير منها، وهذا يدعونا للبحث في تصنيف أنواع النخيل حسب جودتها وقيمتها الغذائية والعمر والنوع وكمية الإنتاج لنصل إلى حقائق أساسية تتعلق بسوق الإنتاج وبالتالي القدرة على التحكم بالإنتاج والأسعار ومن ثم المنافسة.
4- أشجار النخيل تعطي منتج التمر ومشتقات عديدة له كما أشارت الورقة إلى ذلك، كما أنها تعطي مواد خام أخرى غير التمر من مخلفات النخيل والتمر كالجذع والعسيب والسعف والكرب والألياف وجمرة النخلة بالإضافة إلى النوى وقشرتها وغير ذلك مما يشكل مواد خام لإيجاد مصانع متنوعة يدوية (حرف يدوية) وصناعات متقدمة للأخشاب والحلويات بأنواعها وغيرها.
5- التمر من ثمرات النخيل يعد غذاءً كاملاً تقريبًا؛ لاحتوائه على أغلب العناصر التي يحتاجها جسم الإنسان، قال تعالى: “وَمِن ثَمَرَاتِ النَّخِيلِ وَالأَعْنَابِ تَتَّخِذُونَ مِنْهُ سَكَراً وَرِزْقاً حَسَناً” (النحل: 67) فالتمر يحتوي على مواد سكرية، وكربوهيدراتية، وبروتينية، ودهنية، وعلى عدد من العناصر المهمة، والفيتامينات الضرورية لحياة الإنسان، وقد أثبتت التحاليل الكيميائية أن التمر الجاف يحتوي على 70.6 % من الكربوهيدرات، و2.5 % من الدهون، و1.32 % من الأملاح المعدنية التي تشمل مركبات كل من الكالسيوم، والحديد، والفوسفات، والمغنسيوم، والبوتاسيوم، والنحاس، والمنجنيز، والكوبلت، والزنك، وغيرها، 10 % من الألياف، بالإضافة إلى فيتامينات تشمل فيتامين أ، ب1، ب2ج، وإلى نسب متفاوتة من السكريات والبروتينات (منقول). ولهذا وجب أن نطور من منتجات التمور في الصناعات الطبية للمنتجات الغذائية التي تعتمد على التمور بأنواعها.
ثالثا: المرئيات:
1- النخلة جاء ذكرها في عشرين موضعا من القرآن الكريم وفِي أحاديث عديدة؛ منها حديث عائشة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم (يا عائشة بيت لا تمر فيه جياع أهله..) وحديث (لا يجوع أهل بيت عندهم التمر) وهذا يؤكد أهمية زراعة النخيل في حياة الإنسان من حيث الغذاء أو الإيواء أو الاستعمالات اليومية في الأكل أو الفرش أو الصيد. وهذا يعني أن خياراتنا بشأن النخيل تكاد تكون واضحة في ضرورة الاستثمار في زراعة النخلة وإنتاج التمور قدر الإمكان مع أن هناك من ينادي بعدم التركيز على عدد النخيل في المملكة إذ يمكن الزراعة في دول أخرى مثل دول أفريقيا وبالتالي الاستفادة من برنامج الاستثمار الغذائي الخارجي المقدم من الدولة بحيث يكون الهدف هو الحصول على كميات جيدة من المواد الخام من التمور ومخلفات النخيل لإعادة إنتاجها بصورة أفضل وتصديرها عالميا، هذه بلا شك نظرة استثمارية لمستها بنفسي مع أحد المستثمرين من دول الخليج حيث يستهدف زراعة مليون نخلة في أفريقيا والمملكة ثم يصدر منتجاته إلى دولته لإعادة تصديرها للخارج ولكن بأسعار أعلى مع تأمين غذائي لدولته طبعا..!! وهذا يدعونا لأخذ الحيطة والحذر من استنزاف مواردنا بشكل غير مباشر، ولا أنسى الإشارة إلى الأضرار الكبيرة التي لحقت بزراعة النخيل وأسواق التمور في المملكة من قبل العمالة المتسترة غالبا وأضر بالمزارع المواطن الذي أحيانا قد يكون هو سببا في ذلك. وهو ما يدعو إلى وضع وتبني أنظمة صارمة لحماية زراعة النخيل والتمور بشكل عام.
2- السيفان والنخلة هما مكونات شعار المملكة العربية السعودية منذ عام 1950م ففي حين يرمز السيفان للقوة والمنعة والتضحية، نجد أن النخلة ترمز للحيوية والنماء والرخاء. وهذا يجعلنا نؤكد أن قيادتنا الحكيمة تسير في خط ومنهج واضح منذ تأسيسها حينما نكتشف أن رؤية المملكة 2030م جاءت مطابقة لرؤية المؤسس المغفور له الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود، حيث تستهدف رؤية المملكة 2030م ثلاثة أهداف أساسية هي: (مجتمع حيوي؛ وطن طموح؛ اقتصاد مزدهر)، وهذه الأهداف مستوحاة من مدلولات النخلة الثلاثة (الحيوية، النماء، الرخاء) كأحد الركائز الاساسية لنهضة المملكة واستقرارها ونموها. الأمر الذي يدعونا إلى أهمية إعطاء النخلة كرمز وطني لا حياد عنه وكسلعة استراتيجية القدر الكافي من البحث والدراسة والدعم حتى تؤتي النخلة أكلها بأفضل ما يمكن.
3- هناك ندرة كبيرة في البيانات الإحصائية عن النخلة وثمرتها (التمور بأنواعها) وهذا من أكبر معوقات نموها ومنافستها محليا وعالميا، وحينما سألت أحد المختصين بالزراعة في المملكة عن سبب ضعف البيانات وعدم تواجدها، أجاب وهو بكل حسرة عدم وجود تنظيم واضح لذلك عدا الاحصائيات الموجودة في مفكرة الزراعة على موقع وزارة البيئة والمياه والزراعة وعلى موقع الهيئة العامة للإحصاء وهي بيانات ضعيفة جدا لا تسعف صاحب القرار ولا المستثمر ولا سوق التمور للدخول في المنافسة محليا وإقليميا وعالميا. ومن الخلط المؤسف حقا أن نجد أن البيانات لم تميز في أحيان معينة ما بين نخيل التمور ونخيل الزينة (واشنطونيا).
4- هناك حاجة إلى تغيير مفهوم الناس للنخيل وصناعة التمور. فعلى سبيل المثال: نرى في كثير من مداخل ووسط مدننا انتشار زراعة النخيل في وسط الطريق وكأنها خلقت للزينة وليست للثمر وسد حاجة البشر من الأدوات. بل الأسوأ أن منتجات هذا النوع من أشجار النخيل يتلقف ثمارها ويجنيها أناس في الطريق ومن البسطاء أحيانا مع تلوث هذه الثمار بعوادم السيارات والمبيدات الحشرية والغبار، وهو ما يعني الإضرار بصحة الانسان دون علمه وربما انتشار كثير من الأمراض الحالية بسببها، علما أنها تستنزف مياه عالية حيث تستنزف النخلة الواحدة أسبوعيا قرابة ألف لتر ماء وهذا يمثل هدر عالي للمياه وللموارد الاقتصادي، ويمكن الاستعاضة عن النخيل بأشجار أكثر جمالا وظلالا وأقل استهلاكا للمياه.
5- مع توجه رؤية المملكة 2030م لدعم الصناعات المحلية ورفع نسبة المحتوى المحلي والتوظيف ودعم الشباب وتمكين المرأة من الأعمال وكذا الأسر المنتجة، من الأهمية أن توضع مشاريع صناعية لرفع جودة منتجات التمور ومشتقاتها وكذا صناعات تعتمد على مخلفات أشجار النخيل والتمور وبخاصة الحرف اليدوية التراثية، وهناك جمعيات متميزة وجب دعمها في هذا المجال. لا يكفي التشجيع بالتسهيلات والقروض الممنوحة من الدولة؛ بل لا بد أن تدعم الدولة من خلال صندوق الاستثمارات العامة كما أشارت الورقة الرئيسة.
رابعا: التوصيات:
1- أن تسعى المملكة إلى أن تكون الأولى عالميا في زراعة النخيل وذلك باستهداف زراعة مئة مليون نخلة بنهاية 2030م.. من خلال استخدام التقنيات الحديثة والمتطورة في العمليات الزراعية ومن خلال دعم الاستثمار الداخلي والخارجي لزراعة النخيل وصناعة التمور ومشتقاتها.
2- دعم وتشجيع الابتكارات والاختراعات العلمية التي تصب في تطوير منتجات النخيل وتكاثرها وتكاثر منتجاتها وتحسين جودتها، ومن ذلك براءات الاختراع الخاصة بحفظ وترشيد مياه النخيل.
3- الاستفادة من التطبيقات الالكترونية الحديثة في تسويق منتجات النخيل من التمور من المزارع أو المصدر مباشرة دون الحاجة للشراء من الأسواق التي ربما يشوبها الغش والتدليس بسبب تلاعب العمالة بأسواق التمور عموما.
4- تخصيص أراضي في المناطق الرئيسة بالمملكة لإنشاء مجمعات صناعية متخصصة بأبحاث تطوير وإنتاج وزراعة النخيل وصناعة التمور ومختبراتها ومخازنها شرط أن تكون هذه الأراضي أو المجمعات وسط أماكن انتشار مزارع النخيل في كل منطقة.
5- دعم وتشجيع الصادرات من التمور وتقديم الإعفاءات للمواد الخام والمواد نصف المصنعة والمواد تامة الصنع التي تدخل في مكونات العنصر الإنتاجي للتمور وزراعة النخيل لتحقيق الميزة النسبية والتنافسية معا حتى يمكن اختراق الأسواق العالمية دون أي صعوبات أمام المنتجات المحلية من التمور أو من مشتقاتها كالعسل والدبس والشوكولاتة وغيرها من منتجات التمور.
6- أن تتبنى الدولة تأسيس شركة ضخمة متخصصة بزراعة النخيل والتمور على غرار شركة أرامكو السعودية باعتبار أن أشجار النخيل والتمور كالنفط يمكن أن تكون مادة تامة الصنع ويمكن أن تدخل في صناعات ومنتجات أخرى عديدة لتشكل بذلك ثروة وطنية عالمية. وبناء جدار ضخم لإقامة سوق تمور عالمي وبموصفات ومعايير عالمية تبدأ من المملكة العربية السعودية.
ʘ المداخلات حول القضية
· البيانات الإحصائية حول زراعات النخيل في المملكة
تساءلت د. الجازي الشبيكي: ما أسباب الاختلاف في بيانات عدد أشجار النخيل بين الأوراق المُقدًمة؟ وهل هناك جهة رسمية معتمدة لصحة البيانات؟ وفي هذا الصدد ذكر د. سليمان الطفيل أنه بالنسبة للبيانات الإحصائية عن النخيل والتمور فهي للأسف ضعيفة جدا بسبب ضعف القدرة على التحكم في زراعة النخيل؛ فهناك فوضى في عملية الزراعة دون دراسات للمياه أو المناطق أو الأسواق، أما فيما يخص بيانات الهيئة العامة للإحصاء والتي جاء فيها أن إجمالي أشجار النخيل 28 مليون نخلة تقريبا، فهي غير دقيقة بسبب اشتمالها على أشجار نخيل الواشنطونيا.
أيضاً فقد أوضح د. علي الطخيس أن وجود اختلاف في بيانات عدد أشجار النخيل أمر طبيعي لأن الجهة المعنية عن طريق مديريتها وفروعها تتلقى تقديرات عن عدد أشجار النخيل، وقد تبالغ في الأرقام للحصول على مزيد من الإعانات الحكومية، لكن كل رقم عن عدد أشجار النخيل له ما يبرره من مراجع علمية. وزارة البيئة والمياه والزراعة مسؤولة عن صحة الأرقام ومطلوب من الوزارة عمل تعداد زراعي كل خمس سنوات مثلاً.
· معدل استهلاك السعوديين للتمر ومدى كفاية إنتاج المملكة للسوق المحلي
طرح د. خالد الرديعان تساؤلاً مؤداه: كم معدل استهلاك الفرد السعودي للتمر بالكيلو سنوياً؟ وهل إنتاجنا يغطي السوق المحلي، لكي نفكر بالتصدير؟ وفي هذا الشأن أشار د. عبد الله بن صالح الحمود إلى دراسة مسحية عن أنماط استهلاك الرطب والتمور بالمملكة العربية السعودية في المنطقة الشرقية؛ حيث تم توزيع 700 استبانة على عينة عشوائية من الأسر في مدن الأحساء وأبقيق والخبر والدمام والقطيف بالمنطقة الشرقية. وأظهرت نتائج الدراسة أن مدى عدد النخيل في المزارع من 17 – 1500 نخلة، بينما بلغ المتوسط العام لعدد النخيل في المزرعة الواحدة لعينة الدراسة 88.5 نخلة، وكانت أكثر خمسة أصناف تستهلك في صورة رطب هي: خلاص ثم هلالي ثم غر ثم شيشي ورزيز بحسب ترتيب أفضلية استهلاكهم من قبل عينة الدراسة. أما في مرحلة التمر فكانت هناك ثلاث أصناف رئيسية وهي خلاص ثم شيشي ثم رزيز بحسب تفضل المستهلكين. أن نسبة كبيرة من عينة الدراسة تخزن الرطب في المجمد (الفريزر) لاستخدامه في غير الموسم. وكان متوسط كمية الرطب التي تخزنها الأسرة في المجمد 47.9 كجم. وأشارت النتائج أن توفر الفاكهة الطازجة لا يؤثر على استهلاك الرطب في موسمه. كما بلغ متوسط كمية التمر التي تستهلكها الأسرة في العام حوالي 236.6 كجم. وكانت نسبة كبيرة من المستهلكين (60.8%) تفضل استهلاك التمر المكنوز و22.8% تفضل التمر المفرد و16.4% تفضل التمر المحشو. وكانت نسبة كبيرة من الأسر المدروسة 63.4% تخزن التمر في أكياس بلاستيكية و24.1% تخزن التمر في علب بلاستيكية ونسبة قليلة تخزنه في أوعية صفيح تسمى محلياً بالجصه 12.5%. وبلغت نسبة الذين يؤكدون أن طريقة تسويق وتعبئة التمور الحالية غير مناسبة 27.2 و35.6% على التوالي مما يؤكد ضرورة تطوير طرق تسويق وتعبئة التمور. كما أظهرت الدراسة أن أكبر نسبة من العينة تفضل استهلاك التمر كما هو بدون تصنيع (77.6%) والذين يفضلون استهلاكه من خلال استخدامه في تصنيع الحلويات والمخبوزات بلغت 15.8% مما يدل على ضرورة تطوير استخدام التمور في تصنيع الحلوى والمخبوزات. واتضح من الدراسة أن الاستهلاك السنوي للأسرة الواحدة 236.6 كجم (*).
وعلق د. خالد الرديعان بأنه إذا كان معدل استهلاك الأسرة 236 كيلو في السنة ومعدل عدد أفراد الأسرة السعودية 6.7 فرد فهذا يعني أن كل سعودي يستهلك ما معدله 33 كيلو في السنة. وبناء على ما سبق يستهلك الفرد السعودي 90 غرام من التمر في اليوم وهذا معدل معقول جداً. لكن يستدل منه أن ما لدينا من تمور بالكاد يكفي الإنتاج المحلي لشدة الطلب عليه.
· معوقات زراعة النخيل في المملكة وسبل التغلب عليها
يرى د. عبد الله بن صالح الحمود أنه حين نتحدث عن امتلاكنا قرابة 30 مليون نخلة هذا يعني أن المملكة العربية السعودية تمتلك ثروة طبيعية لا يستهان بها، ولكن الملحوظ أن الاهتمام بهذه النبتة أمام هذا العدد الهائل من النخيل يبدو أنه اهتمام غير مقبول. يلاحظ أن العناية من قبل ملاك المزارع ووزارة البيئة والمياه والزراعة للنخلة دون المستوى المأمول. وهناك مؤشرات أو أدلة تؤكد لنا ندرة الاهتمام بالنخيل عامة، فمن الأسباب المشاهدة أن ملاك المزارع لا يجدون الدعم الفني من قبل الوزارة نحو تقديم استشارات تسهم في نجاح وإنتاج محصول من التمور يصل إلى درجة التصدير بنسبة عالية تتفق وعدد النخيل وكفاءة إنتاجها، وبالنسبة للمزارع أيضاً يواجه ندرة العمالة ذات الخبرة في زراعة النخيل، مما يتسبب الأمر معه إلى الخلاص من هذا النشاط أو التنازل لعمالة وافدة تحصل على النصيب الأعلى من الإنتاج.
وأكد د. مساعد المحيا على أهمية الاستفادة من كثير من المزارعين من ذوي التجربة الواسعة بزراعة النخيل؛ باعتبار أن النخلة شؤونها كبيرة وأحوالها متعددة وتحتاج كل نخلة وكل صنف عناية مختلفة عن الأخرى، ولدى هؤلاء المزارعين تجربة ثرية وكبيرة يمكن أن تقوم وزارة البيئة والمياه والزراعة برصدها من واقع تجاربهم في كل منطقة.
وأضاف أ. محمد الدندني أن هناك مأساة وهو أن يبيع صغار المزارعين إنتاجهم وهو على النخيل. حتى أنه ليس لديه العمالة الكافية لجمعه والعناية به. كما نلحظ أن النخيل بعدده الكبير أغلبه ملك أفراد من صغار المزارعين وليس شركات، والمقصود بصغار المزارعين هنا من يمتلكون مئات وليس آلاف. والواجب أن تتولى وزارة البيئة والمياه والزراعة موضوع تخطي المواصفات العالمية حتى تتمكن شركات التسويق من التصدير للدول ذات المواصفات العالية وبالذات فيما يخص صحة مواطنيهم من استعمال المواد والأسمدة الكيميائية.
وتطرقت د. عبير برهمين إلى جانب آخر وهو الأبحاث الخاصة بزراعة التمور والعناية بها. فمثلا يوجد لدينا مشكلة سوسة النخيل الحمراء والتي كما ورد في المستندات بدأت في العام 1407 هجرية. وبعد مضي أكثر من 30عاما مازالت المشكلة قائمة، والسؤال: ما هو دور كليات الزراعة ووزارة البيئة والمياه والزراعة ؟ كليات الزراعة من الكليات العملية ويفترض أن تركز بحوث التخرج فيها على طرح حلول المشكلات القائمة وتطوير المنتج الزراعي. هناك دول لها باع كبير في الأبحاث الزراعية وتحديدا عن النخل وقد تفوقت علينا مثل إسرائيل وأستراليا حيث نجحت أستراليا تحديداً في توطين وتجويد إنتاج رطب البرحي ولن يكون غريبا أن يأتي اليوم الذي نستورد فيه البرحي منها إن لم نتدارك الأمر. إسرائيل اشتغلت على أصناف عديدة من التمور من ضمنها المجدول. هذه الحقائق تدل على أن الأبحاث الجادة قادرة على توطين زراعة النخيل وإنتاج التمور في بلدان لا يزرع النخيل بها أساسا. كما أن تجارب تلك الدول تعطينا دليلا ملموسا على كيفية تجويد المنتج من حيث الحجم وسلامته وخلوه من الآفات. فلا حجة لدينا ولا تبرير سوى ضعف الاهتمام وإهمال قوة البحوث في تجويد المنتج المحلي لسلعة استراتيجية كالتمور.
وفي تصور د. سليمان الطفيل فإن اللوم الكبير في تأخرنا بزراعة النخيل وتنظيم أسواقه واقع على وزارة البيئة والمياه والزراعة بالدرجة الأولى، وربما يعود السبب في ذلك على الأقل في السنوات السابقة إلى ما يلي:
s عدم وجود رؤية واستراتيجية واضحة المعالم والأهداف لزراعة النخيل وإنتاج التمور.
s فوضى الاستثمار في تمويل مشاريع زراعة النخيل دون ربط ذلك بمعايير أداء واضحة ترفع من مستوى المحتوى المحلي وجودة المنتج وتلتزم بالمواصفات العالمية.
s انتشار ظاهرة التستر في الأيدي العاملة على نطاق واسع ساهم في وجود سوق خفي يعمل بفوضوية عالية دون القدرة على الضبط والتحكم.
s عدم وجود مراكز أبحاث متخصصة بصناعة التمور وتدريب للكوادر الوطنية.
s ضعف التنسيق بين الجهات ذات العلاقة بزراعة النخيل وصناعة التمور.
s عدم الاستفادة من التقنيات العالمية وعدم تشجيع براءات الاختراع التي تخدم هذا المورد.
s ضعف التنسيق مع برنامج صندوق الصادرات وصندوق التنمية الصناعية لدعم المنتج محليا وعالميا.
وللأسف يلاحظ ضعف منافسة صادرات السعودية خلال العشرين سنة الماضية والتي لا تتجاوز ٢٪ من حجم واردات الهند أكبر مستورد للتمور في العالم، ناهيكم عن تفوق دولة الإمارات على المملكة في تصدير التمور وكذا البحرين ونحن نعلم يقينا أن عدد من مواطنيها تستثمر في زراعة النخيل وصناعة التمور بالمملكة وتعيد تصديرها للخارج، وهذا يظهر جليا أن الاستثمار الأجنبي يلعب دورا كبيرا في الاستثمار بهذا النوع من الإنتاج وكان الأولى تشجيع الاستثمار الأجنبي في زراعة النخيل وصناعة التمور مع التركيز طبعا على رفع نسبة المحتوى المحلي والتوظيف. كذلك فإن وزارة البيئة والمياه والزراعة بدأت مؤخرا للالتفات إلى تنظيم ودعم المنتجات الزراعية في المملكة بشكل عام ومنها زراعة النخيل وهي تعمل بكل السبل حاليا لتشجيع المستثمرين في هذا القطاع الاستثماري، ومع كل هذا لا بد أن تعمل الوزارة على إطلاق برامج ومبادرات تصب في تنمية وتطوير زراعة النخيل وصناعة التمور، ومن ذلك:
s توعية المستثمرين بتلك البرامج والتفاتهم لها؛ لأن الجهل بالسوق سبب للعزوف عن الاستثمار.
s إقامة معرض دولي دائم لتشجيع الاستثمار المحلي والأجنبي للالتفات إلى صناعة التمور ومشتقاته.
s تنظيم أسواق التمور وتقنينها.
s إلزام المستثمرين بتطبيقات تقنيات حديثة لترشيد المياه واستخدام وسائل تقنية حديثة.
s تشجيع تأسيس الجمعيات التعاونية المتخصصة ودعمها للعمل على هذه المشروعات.
· التوازن بين التوسع في زراعة النخيل وقضية مستقبل شُح المياه
أشار د. علي الطخيس إلى أنه لا يمكن أن يكون هناك توازن بين التوسع في زراعة النخيل وقضية مستقبل شح المياه في المملكة؛ لأن معظم مزارع النخيل تقع في المناطق التي تعتمد على المياه الجوفية غير المتجددة. إن أمكن استخدام مياه الصرف الصحي المعالجة إلى درجة متقدمة فيمكن إنتاج كميات كبيرة تزداد مع زيادة عدد السكان من النخيل والتمور. هذه المياه لم تنل ثقة المزارع لأنه يستخدم المياه الجوفية مجاناً دون قيد أو شرط. ونحن الآن نعيش طفرات زراعية ذات أثر سيئ على مستقبل موارد المياه سبق أن جربنا بعضها ومنها:
1- طفرة إنتاج القمح والشعير في أواخر السبعينات والثمانينات والتسعينات.
2- طفرة إنتاج الأعلاف ولا تزال رغم صدور الأوامر بتنظيمها.
3- طفرة التوسع في زراعة النخيل وإنتاج التمور وتبلغ أوجها حالياً.
4- طفرة التوسع في زراعة الزيتون حيث تملك بعض الشركات الزراعية ملايين الأشجار التي تروى بمياه غير متجددة وننافس أسبانيا وإيطاليا وغيرها التي تعتمد على مياه الأمطار.
5- نحن ننافس هولندا في إنتاج وتصدير الورود.
مع كل ذلك لم ولن نحقق لا أمناً غذائياً ولا أمناً مائياً.
وتطرق د. عبد الله بن صالح الحمود إلى نتائج دراسة أجراها قسم الإرشاد المائي في هيئة الري والصرف في محافظة الأحساء واستمرت لمدة ثلاث سنوات، حيث توصلت إلى أن كمية مياه الري المستخدمة لري النخيل في المملكة يفوق احتياجات النخلة الفعلية بنسبة تزيد عن مائة في المائة. وقامت الدراسة بعمل جدولة لري أشجار النخيل عن طريق نظام المراقبة المتصلة للمحتوى الرطوبي في التربة حيث تم تمديد الكمية التي تقل معها الفواقد وتحافظ على معدلات إنتاج جيدة من التمور. وأوضحت الدراسة أن الكمية المناسبة لري النخلة في السنة الواحدة هو 63 متر مكعب من المياه. وأشارت الدراسة إلى أن النخلة تستهلك مياه أكثر في فصل الصيف تزيد عن فصل الشتاء. وتعطى النخلة 200 لتر يوميا أي ما يعادل 44 متر مكعب للهكتار يوميا خلال أشهر الصيف بداية من شهر مايو وحتى نهاية شهر سبتمبر وفي شهر الشتاء تعطى النخلة 150 لتر يوميا أي ما يعادل 33 متر مكعب للهكتار يوميا خلال أشهر الشتاء من بداية شهر أكتوبر حتى نهاية شهر أبريل وبافتراض أن عدد النخيل في الهكتار 220 نخلة. ولفتت الدراسة أنها قامت باختبار نظامي الري بالتنقيط والري بالفوارات حيث ساعد النظام الأول على رفع كفاءة الاستفادة من هذه الكمية بأقل قدر من الفواقد في حين أن النظام الثاني صاحبة فواقد تحت سطح الأرض أعلى نسبيا من فوقه نتيجة تعمق المياه تحت منطقة الجذور مما قلل من المياه المخزونة وكفاءة استفادة النخيل منها وانعكس ذلك على إنتاج النخيل.
ومن جانبها تساءلت د. وفاء طيبة: هل من الأصلح لنا استنفاذ الماء في زراعة النخيل أم التوازن بين النخيل والقمح والأعلاف ولو بقدر معقول من باب الأمن الغذائي؟ ولماذا لم يكتب النجاح لشركة التسويق الزراعي التي أنشأت في ١٤١٨، وكيف يمكن الاستفادة من ذلك الفشل؟ وأشار د. علي الطخيس فيما يخص التساؤل الأول إلى أن الهدف من تخفيض إنتاج القمح والأعلاف كان المحافظة على الثروة المائية غير المتجددة وبعد التخفيض أصبحت احتياجات النخيل هي الأكثر لأنه لم يتخذ أي إجراء لتخفيض هذه الاحتياجات، ولا يوجد مصلحة في التوسع في إنتاج أي محصول زراعي تزيد احتياجاته عن المصادر المائية المتاحة بشكل مستدام. نريد زراعة مستدامة ولا يمكن تحقيق أمن غذائي مستدام بسبب محدودية المياه المتجددة. وفيما يخص التساؤل الثاني فإن عدم نجاح شركة التسويق الزراعة التي تم إنشاؤها عام ١٤١٨ يبدو أنه يتمثل في عدم توفر دراسات الجدوى الاقتصادية وغياب الشركاء الحقيقين واضمحلال دور القطاع الخاص ونقص ثقافة ومفهوم الاستثمار.
· تجربة تونس في إنتاج التمور
أشارت أ. مها عقيل إلى أن تونس رغم أنها الأقل إنتاجا للتمور في قائمة الدول العشر الأولى المنتجة ولكنها الأولى في التصدير عالميا ولها تجربة ناجحة يمكن الاستفادة منها. ويلاحظ أن تونس استطاعت أن تصل لهذه المرتبة بأعمال تنظيمية بسيطة فقط، حيث أنشأت هناك ما يسمى المجمع المهني المشترك للتمور، وهو يضم منتجي ومصدري ومصنعي التمور علاوة على وجود تمثيل حكومي. كذلك فإن تونس كانت تعاني نفس المشكلات التي تعاني منها مصر في ضعف الصادرات، ولكنها من خلال الهيئة التي تم إنشاؤها هناك للتمور، تمكنت من التحكم في مواصفات التمور التي تصدر، حيث أصبح لا يسمح بتصدير منتج يضر بسمعة التمور(*). وفي نفس السياق أكد د. سليمان الطفيل على أن عدد مصدرين التمور في تونس قليل ولكنهم مع هذا ملتزمين بالجودة والكمية. ومن ناحية أخرى فإن هناك علاقات متبادلة ما بين المملكة وتونس في تنمية الصادرات إليها وسيكون موضوع التمور واحدا منها.
· جهود دعم إنتاج وتسويق التمور في المملكة
أوضح د. سليمان الطفيل أن إنتاج المملكة من التمور للأسف ما زال ضعيفا لم يتجاوز مليون ونصف طن سنوياً؛ السبب أن هناك تبديد لمنتجات التمور وكثير منها بالتأكيد غير مراقب وغير مسجل، كما أن ما يقرب من 50% من إنتاج التمور ينحصر في نوعين أولهما تمر الخلاص وثانيهما تمر السكري، في حين تشكل باقي التمور ال 50% الأخرى، هذا من جهة، ومن جهة أخرى، هناك حاجة إلى ضبط عمليات إنتاج التمور وعدم التلاعب في الكميات والمحصول؛ لأن تجار التمور يحرصون على شراء التمر على النخيل ويقومون بقطع كثير من القنيان حتى يكبر حجم المتبقي منها وترتفع قيمته، وهذا أحد أنواع الاحتكار في المنتج لرفع الأسعار أمام المستهلك.
ولفت د. علي الطخيس النظر إلى أنه إذا كان لدينا ٣٠ مليون نخلة فهذا لا يعني أن كل هذا العدد من النخيل منتج. فهناك نسبة من النخيل لا تنتج كل سنة وهناك نسبة أخرى لا تنتج لحداثة غرسها وهناك نسب أخرى إنتاجها ضعيف وقليل؛ لذلك فإن طريقة ضرب عدد النخيل بمتوسط إنتاج النخلة لن يعطينا أرقام عن الإنتاج يبنى عليها استراتيجيات مهمة. ومن ثم فهناك ضرورة لعمل تعداد زراعي كل خمس سنوات على سبيل المثال للحصول على أرقام وكميات إنتاج تكون قاعدة معلومات لأي تسويق أو تصنيع أو نحو ذلك.
وأضاف د. خالد الرديعان أنه قد يكون من المفيد تأسيس جمعية أو اتحاد أو هيئة لمزارعي النخيل ومنتجي التمور بهدف التنسيق فيما بينهم ومعرفة المستجدات في صناعة التمور ومنتجاته بحيث يكونون على اطلاع حول ما يجري في هذا القطاع وكذلك للتنسيق في عملية التسويق من خلال روزنامة تراعي الوقت والمنطقة. سيساعد ذلك كثيراً في تعميم الفوائد والأرباح والعدل في توزيعها.
ومن وجهة نظر د. مها العيدان فإن الأمر يتطلب بجانب إنشاء جمعية خاصه لمنتجي التمور، أن تقوم وزارة البيئة والمياه والزراعة بإنشاء إدارة خاصة بالتمور، كذلك إنشاء مراكز للبحوث في الجامعات مرتبطة بكليات الزراعة، فضلاً عن الاستفادة من شجر النخيل نفسه من حيث صناعة الورق والأحبال والأخشاب.
وذهبت د. الجازي الشبيكي إلى أنه على الرغم من المهرجانات السنوية للتمور في الأحساء وبعض مُدن القصيم، إلا أنه تم الإشارة في الورقة الرئيسة والتعقيب عليها، إلى أن التسويق يُعد أحد تحديات بيع التمور ومنتجاته المُصنًعة! فماذا نحتاج كي نصل لمستوى متميز في تسويق المنتجات المتعلقة بزراعة النخيل بشكل عام والتمور على وجه الخصوص؟ وأوضح د. سليمان الطفيل في هذا الصدد أن المهرجانات بالفعل مهمة لعملية التسويق وهي جزء منها لكنها لا تشكل عنصرا قويا لانتشار صناعة التمور في المملكة؛ لأن المهرجانات تعبر عن موسم حصاد وتصريف لمنتجات خام من التمور، لكننا في الواقع نحن بحاجة إلى معرض عالمي للتمور يظهر قوة الصناعة والحرف في صناعة التمور ومنتجات النخيل تشارك فيه دول عديدة ذات علاقة بالإنتاج والتصنيع. والمهم أن يظهر لدينا منتجات ومشتقات تمور تحمل براندات عالمية حتى يمكن غزو الأسواق العالمية واختراقها بكل قوة.
ومن وجهة نظر د. سعيد العمودي فإن الجهود في تسويق التمور مازالت متشابهة، ولا يوجد صناعة حقيقية منافسة، والسبب إغفال شريحة مهمة جدا وهم الستة ملايين طالب وطالبة في التعليم العام لا يأكلون التمر بالطريقة التي يأكلها الكبار مع القهوة، فلو تم ابتكار منتجات تكون جذابة لبيعها في المدارس، ومحاكاة المنتجات الشهيرة ك” كندر” و”الحلويات” بتغليفها الجذاب وطعمها المميز والقيمة الغذائية العالية للتمور، ولن يتم ذلك إلا بمشاركة الطلاب والطالبات في ورش عمل معمقة معهم لفهم رغباتهم بدقة.
في حين أشار د. زياد الدريس إلى أن التنافس في تصدير التمور لم يعد حكراً على الدول العربية كما كان من قبل، فقد اقتحم المنافسة الترويجية خصمان شرسان؛ أمريكا عبر مزارعها الممتدة خصوصاً في صحاري كاليفورنيا، وإسرائيل التي باتت تسوّق التمور من نخيل صحراء النقب وتنثرها في أسواق أوروبا تحت اسم (منتجات إسرائيلية). وبدوره أكد أ. محمد الدندني أنه يجب العمل على أخذ شهادة المواصفات لمنتجات التمور السعودية وبالذات في أوربا من أجل رفع نسبة التصدير.
وفي الإطار ذاته أكد د. حمزة بيت المال أننا يجب أن ننظر لشجرة النخيل والتمور كسلعة استراتيجية، بمعنى أن يتم تسخير كافة الامكانات المتاحة لتطويرها، كأفضل ما يمكن، وأن يكون التمر السعودي منافس قوي في الأسواق العالمية، ليس فقط التمر ولكن أيضاً ما يمكن استخلاصه من النخلة أو التمور من منتجات مشتقة منها. المقصود الاهتمام بالنخلة من الفسيلة إلى المستهلك، فهي منتج قد يكون أحد الاسهامات الجيدة في تنويع دخل المملكة والاسهام في تحقيق رؤية 2030.
أيضاً فقد تساءلت د. وفاء طيبة: ما مدى نجاح مركز التمور الدولي في تحقيق أهدافه؟ وفي هذا الإطار، أشار د. خالد الفهيد – بصفته كان رئيس مجلس تأسيس المجلس الدولي للتمور منذ حوالي ٦ سنوات – وبعد إعلان التأسيس – أن المملكة هدفت من إعلان تأسيس مركز التمور الدولي ألا تسبقها دول أخرى سواء خليجية أو إيران، وكان من أهم البنود التي تم الاتفاق عليها اشتراط موافقة جميع الأعضاء على دخول عضو جديد، وبعد الإعلان يتطلب الأمر إيداع صكوك الموافقة للدول التي انضمت وعددها ٩ دول. والمجلس على غرار مجلس الأخشاب ومجلس القمح. ويلاحظ أن المجلس لم يكتمل تأسيسه بإيداع صكوك الموافقة من الدول التي وافقت على الانضمام، ويفترض في مثل هذا النوع من المجالس أن تكون هناك اتفاقية مقر. بمعنى أنه في الوقت الحاضر لم يفعل وأنشئت له أمانة عامة لمتابعة استكمال إجراءات التأسيس، وهو شبيه لمجلس الحبوب العالمي.
ومن جهته أكد م. أسامة كردي فيما يتعلق بجهود دعم إنتاج وتسويق التمور في المملكة على ما يلي:
الحاجة إلى الاهتمام بالبنية التحتية واللوجستية لتصدير التمور ومنتجاتها.
ضرورة تعاون الجامعات بشكل أكبر كثيراً في إعداد الدراسات المتعلقة بالتمور من كافة نواحيها.
ما زالت هيئة تنمية الصادرات تعمل على إنشاء البنية التحتية للتصدير بما في ذلك إنشاء بنك الصادرات ولابد أن يأخذوا في حسبانهم التمور وكافة منتجاتها.
لا بد من حملة إعلامية محلية ودولية للتعريف ليس بالتمور فحسب بل كافة المنتجات المتعلقة بها.
لا بد من إعادة هيكلة الجهات العاملة على تنمية زراعة وصناعة التمور منعاً للتضارب والتكرار وحتى المنافسة غير المفيدة. ولتكن محدودة بالمركز الوطني والصندوق الزراعي فقط.
تطوير مبدأ العمالة الموسمية المستقدمة المطبق في موسم الحج على مواسم جني التمر.
المراجعة المتكاملة لاحتياجات قطاع التمور والقطاع الزراعي من القوى العاملة، لماذا يجب أن تكون عقود العمالة المستقدمة والسعودية سنوية؟ ألا يمكن أن تكون أسبوعية أو شهرية؟
وأورد أ.د عثمان العثمان بعض من توصيات المؤتمر الدولي الأول لمنتجات النخيل الثانوية والمعنقد في ديسمبر 2018م، والذي يهتم بالمنتجات غير التمر، وخاصة تلك التي تذهب مخلفات، ومن أبرزها ما يلي:
1- اصدار تشريعات ملزمة لأصحاب النخيل لتقليم وخدمة النخيل سنوياً.
2- دعم الجمعيات والمؤسسات الأهلية التي تعمل في المجالات المختلفة لتصنيع المنتجات الثانوية للنخيل.
3- تقييم سلسلة القيمة للمنتجات الثانوية للنخيل بهدف تحديد المجالات المثلى لاستخدام هذه المنتجات.
4- القيام بدراسات الجدوى الفنية والاقتصادية لاختيار المشروعات القائمة على استخدام المنتجات الثانوية للنخيل.
5- نشر حاضنات الأعمال والتكنولوجيا لدعم المبادرين في الدخول في مشروعات صناعية جديدة قائمة على المنتجات الثانوية للنخيل.
6- تسجيل وجمع وحفظ التراث الحضاري والتقني المرتبط بمنتجات النخيل الثانوية.
7- الدعم وتقديم رأس المال المغامر للمشروعات الجديدة القائمة على المنتجات الثانوية للنخيل.
8- القيام بالدراسات لتقدير الكميات المتوفرة من المنتجات الثانوية للنخيل على المستوى القومي والإقليمي والدولي.
9- دعوة المصممين لإقامة حوار حي لإعادة اكتشاف هوية وجماليات المنتجات الثانوية للنخيل المتوفرة في بلدانهم من أجل تحقيق التنمية المستدامة.
10- صياغة ونشر برامج التوعية بالقيمة الاقتصادية والتنموية لمنتجات النخيل الثانوية كقاعدة مادية متجددة ومستدامة.
11- إقامة الهيئة الدولية للمنتجات الثانوية للنخيل -الأولى من نوعها في العالم -لضمان استمرار الجهود الموجهة لدعم استخدام منتجات النخيل الثانوية من أجل التنمية المستدامة.
12- استمرار عقد المؤتمر الدولي لمنتجات النخيل الثانوية من أجل دعم استخدام المنتجات الثانوية للنخيل لتحقيق التنمية المستدامة.
ومن ناحية أخرى ذكر د. محمد الملحم أن هناك بعدا اجتماعيا مهما ينبغي الالتفات له وتوعية المجتمع والجيل الجديد بأهمية التمر لتعود له قيمته الأساسية كغذاء مهم، ويمكن التوصية في هذا الإطار بما يلي:
1- تكثيف البرامج التوعوية محليا لتشجيع الشباب على استخدام التمر ومنتجاته وابتكار طرق مميزة وجديدة كليا (خارج الصندوق) لاجتذاب الشباب إلى ذلك.
2- تنظيم برامج تربوية مدرسية تساعد على دمج الطلاب في ثقافة التمر ومنتجاته وتقديره كثروة محلية تستحق الاهتمام الشخصي المباشر.
3- دعم الصناعات القائمة على التمر كبدائل محلية لبعض المنتجات المستوردة خاصة في ظل ارتفاع الأسعار وتعثر كثير من الأسر ماليا، ومثال ذلك زيوت الطهي المصنعة.
4- عمل مسابقات ترويجية في موضوعات حول التمر والنخل وتعزيزها من خلال المؤسسات ذات الطابع المؤثر والإعلام الفعال.
· دور الجمعيات التعاونية فيما يخص الاستثمار في زراعة النخيل
سلطت د. الجازي الشبيكي الضوء على مسألة دور الجمعيات التعاونية فيما يخص الاستثمار في زراعة النخيل وكل ما يتعلق به، حيث تساءلت في هذا الصدد: كيف يمكن تنفيذ ذلك عملياً؟ وهل بالإمكان طرح نموذج استرشادي يستفيد منه المُستثمرون في هذا الشأن من خلال الجمعيات التعاونية؟ وتعقيباً على ذلك، أوضح د. سليمان الطفيل أن القطاع التعاوني أحد مكونات القطاع غير الربحي المطلوب تفعيل مساهمته في تحقيق رؤية المملكة 2030م، وما يقارب 40% من الجمعيات التعاونية في المملكة هي جمعيات زراعية، وإذا ما أردنا بناء نموذج استرشادي للمستثمرين في النخيل والتمور من خلال الجمعيات التعاونية، فإن ذلك يعتمد على طبيعة الممارسات القائمة ومدى استعداد الإدارات المشكلة للجمعيات التعاونية التي غالبا تفتقد للطرق الاستثمارية، ولهذا فإن النموذج يفترض أن يكون بالصيغة التشاركية التي تأخذ في اعتبارها مشاركة القطاعين الخاص والتعاوني، فالأول يحمل الفكر والإدارة في حين يقدم الثاني الموارد والخدمات الأخرى الداعمة، وبلا شك سيكون لمشاركة القطاع العام لهذا النموذج أثر ملموس من خلال الدعم والتسهيلات والاعفاءات المقدمة. والجدير بالذكر أن الجمعيات التعاونية تساهم بأكثر من 40% في الناتج المحلي في الاقتصاد الهولندي، وهناك أكثر من 60 ألف جمعية تعاونية في تركيا وكذا في مصر وماليزيا تتجاوز ال 30 ألف جمعية تعاونية؛ لهذا فإن تأسيس جمعيات تعاونية متخصصة في إنتاج وزراعة النخيل والتمور على درجة كبيرة من الأهمية الاقتصادية والاجتماعية. والأهم هو نوع النخيل والتمور ودرجة جودتها ومكوناتها الغذائية وقبول انتشارها. واتفق د. خالد الفهيد مع د. سليمان على أهمية الجمعيات التعاونية لدورها المأمول في رفع كفاءة الإنتاج وخفض التكاليف ودورها في تذليل عوائق التسويق عن طريق الشراء الموحد لمدخلات الإنتاج وعقود التسويق.
· الصناعات التحويلية المرتبطة بالتمور: جدواها وسبل تنميتها
ذهب د. حميد الشايجي إلى أنه بالإضافة للتمور فهناك الصناعات التحويلية المعتمدة على النخلة ومشتقاتها، والتي تعد مصدرا مهما من مصادر الدخل (كصناعة الورق والفحم المضغوط والزيت والعلف وغيرها من المنتجات). والسؤال: ما مدى جدواها الاقتصادية؟ ولماذا لازال الاستثمار فيها ضعيفا؟
وحول ذلك أشار د. سليمان الطفيل إلى أن التصنيع والتصدير مكملان لا ينفصلان؛ فالصناعة المتقدمة بلا تصدير هي تبديد للموارد ولا تستقيم عملياً؛ لذا فإن صناعة التمور ومشتقاتها تحتاج إلى برامج تصدير متطورة مدعومة ببرامج تسويقية عالية لمعرفة الأسواق العالمية وسبل دخولها والوصول إليها. ويجب أن يكون هناك خط موازي واضح له نقطة بداية ونهاية لمعرفة مسار المنتج من التمور حتى لا تضيع الجهود وتهدر الموارد وتضيع الفرص.
أيضاً ذكر د. خالد الرديعان أن صناعة بعض المنتجات من التمر لا تحتاج إلى تقنية عالية، وهذا ما يجعل من الاستثمار في هذه الشجرة المباركة عملاً مجدياً lucrative على المستوى الاقتصادي ولاسيما أن إنتاج المملكة من التمور وفير ومجدي. ومن حسن الحظ أن كل منطقة من مناطق المملكة تمتاز بخصوصية ثقافية فيما يتعلق بالمنتجات المرتبطة بالتمر، فالبكيلة التي يتم صناعتها من التمر في الجوف غير معروفة في مناطق أخرى من المملكة، إضافة إلى الكليجة في القصيم التي تعتمد كذلك على دبس التمر كأحد مكوناتها الأساسية. وقد نجد ذات الأمر في الأحساء وبيشة وحائل والخرج ونجران. هناك ثراء ثقافي سعودي في هذا الباب، وهو أمر يمكن الاستفادة منه اقتصادياً بحيث لا نجد منتجات متكررة مما يخلق فرص عمل فريدة في كل منطقة دون الخوف من الوقوع في التكرار أو المنافسة الضارة.
ويمكن بهذا الخصوص الإشارة إلى جهود أبناء الأمير عبدالرحمن السديري في مدينة الغاط ومزرعة الفاخرة ومنتجاتها من التمور وعصير التمر الذي يتم إنتاجه وتعليبه خارج المملكة في أوروبا. ومعجون النوى (العبس أو العجم أو الفصم) هو الآخر مادة مناسبة جداً كعلف لبعض الحيوانات، بعد نقعه وطبخه ومعالجته بطرق بسيطة لا تحتاج تقنية متقدمة. إن هذه الشجرة المباركة لها عدة فوائد اقتصادية، وفي حال العناية بها ستكون مصدر دخل مناسب لكثير من المزارعين ولكن بعد حل مشكلة المياه.
وأضاف د. سليمان الطفيل أنه بالفعل هناك منتجات عديدة تظهر من خلال مشتقات التمور وبأشكال مختلفة تدخل في صناعة الحلويات والمرطبات والبودرة وكذلك في الأدوية الطبية والأعلاف وغيرها فضلا عن ما تظهره النخلة ذاتها من منتجات هامة، ناهيكم عن أهمية النخيل في المزارع والأرياف للظلال والسياحة وفِي مداخل المدن والمنازل.
في حين أكد د. حمد البريثن على أن أهم عاملين في صناعة التمور من أجل أن تصبح منتجات المملكة من التمور أو أشجار النخيل معروفة إقليميا وحتى عالمياً ما يلي:
1- الاستدامة وذلك عن طريق تقليل كمية الماء المهدرة لكل كيلوغرام من التمر أو الاستفادة من إعادة تدوير المياه بشكل صحي ومتوافق مع المتطلبات البيئية.
2- توطين جميع مراحل صناعة التمر ودراستها لكي تكون تلك الصناعة جزء لا يتجزأ من التوازن الاجتماعي والاقتصادي في المملكة حيث يلاحظ سيطرة جنسيات معينة على بعض مراحل الإنتاج وكذلك المنتج النهائي.
ʘ التوصيات
1- التفكير في إنشاء برنامج وطني تحت إشراف صندوق الاستثمارات يُعنى بالنخيل ومنتجاتها، بهدف إيجاد شباك واحد لكل ما يخدم إنتاج التمور وتسويقها، والإشراف الفني والدعم اللوجستي لمزارعي النخيل، ويكون لها دور كبير في إقامة معارض التمور في الداخل والخارج النظر لشجرة النخيل والتمور كسلعة استراتيجية بمعنى أن تُسخر كافة الامكانات المُتاحة لتطويرها.
2- أهمية وجود رؤية واستراتيجية واضحة المعالم والأهداف لزراعة النخيل وإنتاج التمور والصناعات التحويلية المعتمدة عليها، مبنية على إحصاءات ومحدًثة باستمرار، وإدراج التمور كسلعة غذائية استراتيجية في المملكة. وأن يكون ملف التمور ضمن الموضوعات المدرجة في اجتماع مجموعة العشرين القام والذي سيعقد في المملكة.
3- ومن تلك الاستراتيجية الاهتمام بالصناعات التحويلية المعتمدة على النخلة ومشتقاتها كصناعة الورق والفحم المضغوط والزيت والعلف واستخدام مخلفات النخلة لإنتاج الكحول والأخشاب والسماد.
4- تكليف هيئة تنمية الصادرات بإنشاء إدارة تختص بتصدير منتجات النخيل.
5- الاستفادة من التجارب الدولية الناجحة في تصدير التمور مثل تجربة “تونس” في إنشاء المجمًع المهني المشترك للتمور الذي يضم منتجي ومصدري ومصنعي التمور مع تمثيل للقطاع الحكومي.
6- تفعيل نتائج الدراسات العلمية والأبحاث في ري مزارع النخيل وبالذات الري بالتنقيط توفيراً للمياه الجوفية في المملكة، وبرامج التوعية والتدريب والتسويق في مجال صناعة مشتقات النخيل والتمور.
7- إشراف وزارة البيئة والمياه والزراعة على إقامة الدورات التثقيفية التي تهدف إلى تمكين المزارعين من الاطلاع على أفضل الممارسات الدولية بقطاع النخيل لتجويد إنتاج وصناعة وتسويق التمور السعودية، وتمكين المزارع والمنتج من المنافسة بها على المستوى الدولي.
8- أهمية أخذ التصاريح والتنسيق من قِبل الجهات المختصة لعمليات زراعة النخيل على أساس جدوى وفرة المياه وتوزيع المناطق والتسويق.
9- الحاجة إلى معرض عالمي يُظهِر قوة الصناعة والحرف في مجال زراعة النخيل وتصنيع مشتقات التمور والتفكير في إبراز براند منافس في الأسواق العالمية.
10- الدعوة إلى مشاركة طلبة وطالبات المدارس في ورش عمل لفهم رغباتهم وتحقيق قدر أكبر من ميولهم وتطلعاتهم في ابتكار وتصنيع منتجات حلوى جاذبة معتمد على التمور.
11- أهمية قيام الشركات المحلية للتمور تحت مظلة صندوق الاستثمارات العامة بتكثيف استثمارها في مجال تصنيع التمور والسعي نحو تحقيق مزيد من التطوير والتقدم في هذا المجال الحيوي.
12- تشجيع وتحفيز إنشاء المزيد من الجمعيات التعاونية في مجال زراعة النخيل وصناعة مشتقات التمور تحقيقاً لرؤية المملكة في القطاع التعاوني غير الربحي من خلال الدعم والتسهيل والإعفاءات الضريبية لتؤدي دورها المأمول في رفع كفاءة الإنتاج وخفض التكاليف وتذليل عوائق التسويق عن طريق الشراء الموحد لمدخلات الإنتاج وعقود التسويق.
13- إعادة تدوير المياه في زراعة النخيل بشكل صحي متوافق مع المتطلبات البيئية.
14- توطين جميع مراحل صناعة التمور كي تكون جزءاً من التوازن الاجتماعي والاقتصادي في المملكة.
15- من المهم مراعاة الميزة النسبية لزراعة التمور في مناطق ومحافظات ومدن المملكة المترامية الأطراف.
16- على وزارة البيئة والمياه والزراعة السعي نحو تشجيع الكوادر الوطنية المتخصصة في زراعة النخيل، ودعم وتشجيع وحماية المستثمرين في هذا المجال ومجال صناعة التمور حفاظاً على هذه الثروة الاقتصادية الكبيرة، وتقديم الدعم الفني والاستشاري واللوجستي عامة لصالح مزارعي النخيل أفراد ومنشآت، وأن يشمل هذا الدعم تذليل الصعاب والإجراءات مع الجهات الحكومية ذات العلاقة.
17- النظر في إمكانية إنشاء محطات معالجة للمياه، خاصة في المدن الكبرى والمحافظات للتخفيف من هدر المياه والاستفادة منها في زراعة النخيل.
18- الحد من فوضى الاستثمار في تمويل مشاريع زراعة النخيل دون ربط ذلك بمعايير أداء واضحة ترفع من مستوى المحتوى المحلي وجودة المنتج وتلتزم بالمواصفات العالمية.
19- وضع الضوابط الكفيلة بالحد من انتشار ظاهرة التستر في الأيدي العاملة المؤثرة بالسلب على زراعة النخيل في المملكة.
20- التنسيق مع برنامج صندوق الصادرات وصندوق التنمية الصناعية لدعم منتجات التمور محلياً وعالمياً.
21- التوازن بين تشجيع الاستثمار الأجنبي ورفع نسبة المحتوى المحلي والتوظيف في زراعة النخيل وصناعة التمور.
22- الاهتمام بالبُنى التحتية واللوجستية لتصدير التمور ومنتجاتها.
23- السماح باستقدام عمالة موسمية وقت جني التمور لمدة شهرين، على غرار عمالة الحج الموسمية، وأن يكون ذلك عبر شركات استقدام أو جمعيات تعاونية زراعية.
24- دعم الصناعات القائمة على التمر كبدائل محلية لبعض المنتجات المستوردة في ظل ارتفاع الأسعار.
25- رفع مقترح لوزارة التعليم من خلال مكتب البحث والتطوير بها بضرورة جمع الجهود البحثية من مراكز وكراسي تهتم بزراعة النخيل وإنتاج التمور تحت مظلة واحدة.
26- إنشاء قاعدة معلومات تشمل أحدث البيانات عن النخيل والتمور ونتائج الأبحاث والخبرات عن سوسة النخيل الحمراء والمسميات المختلفة لها وتوثيق قصص كبار السن حولها.
27- عمل مسابقات ترويجية ومسابقات للأسر المنتجة لصناعة كيك سعودي بالتمر بشروط معينة لتصل للعالمية أسوة بزاخر كيك (النمسا)، الدونات (أمريكا)، التشيز كيك (بريطانيا).. وهكذا، مع العمل سويًا على تطوير منتج (الكليجا) ليُسوق على نطاق أكبر من منطقة الخليج، وتعزيز ذلك من خلال المؤسسات الإعلامية الفعالة.
28- إنشاء جائزة باسم الملك سلمان على غرار جائزة خليفة الدولية لنخيل التمر والابتكار الزراعي، ولغزارة التصدير، والتصنيع من مخلفات التمور، وترشيد مياه النخيل.
29- إيقاف زراعة النخيل في المناطق التي يفوق استهلاك المياه الجوفية عن الإنتاج القياسي ذو المردود الاقتصادي، حفاظا على الثروة المائية.
30- دعم وتشجيع المراكز والشركات المتخصصة بتصدير وتسويق التمور ومشتقاتها عالميا.
31- تقديم الإعفاءات اللازمة للمواد الخام والمواد نصف المصنعة والمواد تامة الصنع التي تدخل في مكونات العنصر الإنتاجي للتمور ومشتقاتها لتحقيق الميزة التنافسية لتمور المملكة في الأسواق العالمية.
32- وجود إجراءات تنظم حقوق وواجبات كل من المزارع والمستثمر والمنتج والمصدر على حد سواء بقوانين وتشريعات وقواعد منظمة لقطاع النخيل تدار من خلال إدارة مشتركة واضحة لا توجد بها مناطق ضبابية بين الحكومة والقطاع الخاص ووزارة البيئة والمياه والزراعة والمجلس الوطني للنخيل، والجهات ذات العلاقة.
33- إنشاء منصة الكترونية تخص زراعة النخيل وإنتاج وتسويق التمور، يجد فيها كل من المزارع والمستثمر والباحث والمسؤول والمهتم، البيانات والمعلومات الكافية عن النخيل والتمور ومخلفاتهما.
34- العمل على نشر المعرفة العلمية المتخصصة بين كافة الفئات المستهدفة لإبراز الجهود الدولية والإقليمية في مكافحة سوسة النخيل الحمراء.
35- الاهتمام بعمل دراسات جدوى اقتصادية للتعرف على مدي ربحية تصنيع مخلفات النخيل والتمور ومدى إمكانية تحقيقها للكفاءة الاقتصادية وأثرها على الاقتصاد الوطني.
36- إنشاء مراكز متخصصة لتجميع مخلفات النخيل حتى تسهل من عمليات التصنيع مع وضع محفزات.
37- قيام الإعلام المحلي بدوره في نشر المعرفة العلمية المتخصصة بين كافة الفئات المستهدفة، والإرشاد الزراعي من خلال إرشاد المزارعين بأهمية الاستفادة القصوى من زراعتهم للنخيل والاستفادة من ثماره، ومخلفاته ومخلفات التمور في صناعات عديدة وتوعيتهم بالتعاون لأجل تحقيق أهداف التنمية المستدامة.
38- حث الجهات المسؤولة على القيام بمبادرة تزويد السفارات السعودية في الخارج بكميات كافية من الكليجا لتوزعها كهدايا جنباً إلى جنب مع التمور؛ كنوع من الترويج للصادرات والمنتجات السعودية من الصناعات المصاحبة للتمور، وكذلك توزيع كتاب أصناف التمور المشهورة في المملكة الذي أصدرته وزارة البيئة والمياه والزراعة باللغتين العربية والانجليزية والذي فاز بجائزة خليفة الدولية للتمور.
39- إقامة مصانع للتمور يتم تحديد موقعها المناسب قرب المعالم السياحية التاريخية (الدرعية، المدينة المنورة، ….)، تفتح أبوابها للطلبة وللزوار من الجنسيات المختلفة بالتنسيق مع الجهات ذات العلاقة، يحتوي كل مصنع على متحف وعروض حية للأنشطة الخاصة بالنخيل.
المشاركون في مناقشات هذا التقرير:
حسب الحروف الأبجدية
د. رياض نجم (رئيس الهيئة الإشرافية)
د. إبراهيم إسماعيل عبده (مُعِدّ التقرير)
م. أسامة الكردي
د. الجازي الشبيكي
د. حمد البريثن
د. حمزة بيت المال
د. حميد الشايجي
د. خالد بن دهيش
د. خالد الرديعان
د. خالد الفهيد
د. زياد الدريس
أ. سعيد الدحية الزهراني
د. سعيد العمودي
د. سليمان الطفيل
د. صدقة فاضل
د. عائشة الأحمدي
أ. عبدالله الضويحي
د. عبدالله المطيري
د. عبدالله بن صالح الحمود
د. عبدالله بن ناصر الحمود
د. عبير برهمين
د. عثمان العثمان
د. علي الطخيس
أ.علياء البازعي
د. فايزة الحربي
أ. فائزة العجروش
د. فهد الحارثي (رئيس الملتقي)
أ. فهد القاسم
د. فوزية البكر
أ. محمد الدندني
د. محمد المشيقح
د. محمد الملحم
د. مساعد المحيا
أ. مطلق البقمي
د. منصور المطيري
د. مها العيدان
د. مها المنيف
أ. مها عقيل
أ. نبيل المبارك
أ. نورة الفايز
د. نوف الغامدي
د. هشام صالح بن عباس
د. وفاء طيبة (رئيسة لجنة التقارير)
(*) – مستشار وكالة صناعة التكنولوجيا والقدرات الرقمية والمشرف على برنامج تقنية البلوك تشين Blockchain والتقنيات الحديثة بوزارة الاتصالات وتقنية المعلومات. (مستشار سابق في كل من وزارة التعليم العالي والمشرف على برنامج ريادة الأعمال ومدير الخدمات الاستشارية الحكومية بشركة ارنست اند یونغ، ومدير تنفيذي سابق للبرنامج الوطني لمراكز الابتكار التقني والمشرف على وحدة خدمات الانترنت بمدينة الملك عبدالعزیز للعلوم والتقنية).
(*) – سورة الأنعام، الآية 165.
(*) – سورة الإسراء، الآية 85.
(*) – يُنظر في ذلك: تقرير المنتدى الاقتصادي ٢٠١٨ في دافوس حول مهن المستقبل حتى العام 2022.
(*) – د. هشام بن عباس: انعكاسات البلوك تشين Blockchain على الاقتصاد التشاركي، مقال بجريدة الرياض، الأربعاء 13 ربيع الأول 1440هـ – 21 نوفمبر 2018م.
(*) https://www.uqn.gov.sa/articles/1563366135045484000
(*) – ينظر حول المجلس الدولي للتمور الرابط التالي:
https://makkahnewspaper.com/article/584189
(*) – يُنظر في ذلك: أ.د. صـلاح محـمـد العـيــد: دراسة أنماط استهلاك الرطب والتمور في المنطقة الشرقية، مركز أبحاث النخيل والتمور، جامعة الملك فيصل، الأحسـاء.
(*) – يمكن الرجوع إلى الرابط التالي: http://gate.ahram.org.eg/News/2115623.aspx
ʘ تمهيد
يعرض هذا التقرير لعدد من الموضوعات المهمة التي تم طرحها للحوار في ملتقي أسبار خلال شهر يوليو 2019 م، وناقشها نخبة متميزة من مفكري المملكة في مختلف المجالات، والذين أثروا الحوار بآرائهم البناءة ومقترحاتهم الهادفة حول القضايا التالية: