التقرير الشهري رقم (40)

1 يوليو 2018

:تمهيد

ناقش أعضاء ملتقى أسبار خلال شهر يوليو 2018 م العديد من الموضوعات المهمة، والتي تمَّ طرحُها للحوار على مدار الشهر، وشملت القضايا التالية: القضية الأولى: الورقة الرئيسة: أثر قيادة المرأة للسيارة على التنمية المستدامة والسلامة المرورية في المملكة العربية السعودية ·الكاتب: د. نجاح بنت مقبل القرعاوي. • المعقبان: د. نوف الغامدي. د. عائشة الأحمدي. • إدارة الحوار: د. ريم الفريان. القضية الثانية: الورقة الرئيسة: وزارة الثقافة.. المعنى والدلالة ·الكاتب: د. عبد الله بن ناصر الحمود ·المعقبان: د. هند الخليفة. د. راشد العبد الكريم. ·إدارة الحوار: د. نوف الغامدي. القضية الثالثة: الورقة الرئيسة: صناعة الترفيه السعودية.. سياق محلي عالمي ·الكاتب: أ. عبير خالد. ·المعقبان: د. فهد اليحيا. د. رياض نجم. ·مدير الحوار: أ. سمير خميس الزهراني. القضية الرابعة: الورقة الرئيسة: أهداف ومبادرات قطاع التنمية في برنامج التحول الوطني في المملكة والتحديات المحتملة ·الكاتب: د. الجازي الشبيكي. ·المعقبان: د. خالد الرديعان. أ. علياء البازعي. ·مدير الحوار: د. خالد بن دهيش.

:المحتويات

ناقش أعضاء ملتقى أسبار خلال شهر يوليو 2018 م العديد من الموضوعات المهمة، والتي تمَّ طرحُها للحوار على مدار الشهر، وشملت القضايا التالية: القضية الأولى: الورقة الرئيسة: أثر قيادة المرأة للسيارة على التنمية المستدامة والسلامة المرورية في المملكة العربية السعودية ·الكاتب: د. نجاح بنت مقبل القرعاوي. • المعقبان: د. نوف الغامدي. د. عائشة الأحمدي. • إدارة الحوار: د. ريم الفريان. القضية الثانية: الورقة الرئيسة: وزارة الثقافة.. المعنى والدلالة ·الكاتب: د. عبد الله بن ناصر الحمود ·المعقبان: د. هند الخليفة. د. راشد العبد الكريم. ·إدارة الحوار: د. نوف الغامدي. القضية الثالثة: الورقة الرئيسة: صناعة الترفيه السعودية.. سياق محلي عالمي ·الكاتب: أ. عبير خالد. ·المعقبان: د. فهد اليحيا. د. رياض نجم. ·مدير الحوار: أ. سمير خميس الزهراني. القضية الرابعة: الورقة الرئيسة: أهداف ومبادرات قطاع التنمية في برنامج التحول الوطني في المملكة والتحديات المحتملة ·الكاتب: د. الجازي الشبيكي. ·المعقبان: د. خالد الرديعان. أ. علياء البازعي. ·مدير الحوار: د. خالد بن دهيش.

:الملخص التنفيذي

القضية الأولى:

الورقة الرئيسة: أثر قيادة المرأة للسيارة على التنمية المستدامة والسلامة المرورية في المملكة العربية السعودية

الكاتب: د. نجاح بنت مقبل القرعاوي.
• المعقبان:

د. نوف الغامدي.

د. عائشة الأحمدي.

• إدارة الحوار: د. ريم الفريان.

مقدمة:

يُعدُّ قرار السماح للمرأة السعودية بقيادة السيارة خطوةً مهمة في إطار رؤية المملكة 2030، وهو ما يؤكِّد الدور المهم للمرأة خلالها، وأن لها نصيبًا كبيرًا يُعزِّز دورها الاقتصادي والمجتمعي، وباعتبارها تُشكِّل جزءًا رئيسًا في مسيرة التطوير والتنمية في المملكة، كما يترجم هذا القرار تأكيد السعودية للدور المحوري للمرأة في مستقبل المملكة، ليكون نصف المجتمع شريكًا في مسيرة التنمية والتطوير. لذا كانت قضية أثر قيادة المرأة للسيارة على التنمية المستدامة والسلامة المرورية في المملكة من القضايا المهمة التي طرحها ملتقى أسبار من خلال ورقة العمل التي قدمتها د. نجاح القرعاوي. وتم التعقيب على موضوع الورقة، وجرت حولها مداخلات عديدة ناقشت: (آثار قيادة المرأة على البنية التحتية، الآثار الاقتصادية لقرار قيادة المرأة للسيارة، الآثار الاجتماعية لقرار قيادة المرأة للسيارة، تساؤلات حول الآثار المتوقعة لقرار قيادة المرأة للسيارة، قيادة المرأة السعودية والأرقام الاقتصادية، الاستغناء عن السائقين الأجانب، قيادة المرأة للسيارة حق طبيعي، تقارير إعلامية حول قرار قيادة المرأة السعودية، الآثار والنتائج الأولية مع بدء تنفيذ القرار، قيادة المرأة وحل مشكلات تواجه عملها، سلبيات قيادة المرأة والآثار النفسية والاجتماعية، عقبات تمنع المرأة السعودية من قيادة السيارة، دراسة حول الآثار الاقتصادية لقرار قيادة المرأة، قراءة في قرار قيادة المرأة للسيارة، السلوك المروري للشباب، قيادة المرأة وعلاقات الجندر، تجربتي مع أول يوم في قيادة السيارة، قرار قيادة المرأة للسيارة ما بين المؤيدين والمتحفظين، نشر النتائج الأولية للاستبيان، الدراسة الحالية وتأثيرها على المشهد العام). وفي النهاية اقترح الأعضاء المناقشون العديد من التوصيات المهمة؛ وفيما يلي نصُّ الورقة التي كتبتها دكتورة/ نجاح القرعاوي،وعقّبت عليها الدكتورة/ نوف الغامدي، والدكتورة/ عائشة الأحمدي.

كتبت د. نجاح القرعاوي في ورقتها الرئيسة عن (أثر قيادة المرأة للسيارة على التنمية المستدامة والسلامة المرورية في المملكة العربية السعودية):البحث هو مشروع وطني على مستوى المملكة العربية السعودية، يتزامن مع الإعلان- ولأول مرة- عن السماح للمرأة بقيادة السيارة بالمملكة العربية السعودية، يقوم به فريق بحثي من جامعة الإمام عبد الرحمن بن فيصل بالتعاون مع فريق مختص من الإدارة العامة للمرور في المملكة.

فكرة المشروع البحثي:

تتمثل فكرة البحث في كونها دراسة وطنية على مستوى المملكة العربية السعودية، تتزامن مع حدث تنموي مهم في تاريخها؛ ألا وهو الإعلان- ولأول مرة- عن السماح للمرأة بقيادة السيارة بالمملكة العربية السعودية؛ مما سيتيح للباحثة فرصة نادرة من نوعها بأن تسهم في رصد وتوثيق المرحلة الانتقالية ما بين الحظر والسماح بقيادة المرأة للسيارة، وتتبع من كثب تبعات إعلان ذلك القرار، وما تطلبه من إجراءات تحضيرية تمهيدًا لتطبيقه، وما سيترتب عليه من آثار ملموسة على التنمية المستدامة بأبعادها الثلاثة: (الاقتصاد، والبيئة، والمجتمع)، والسلامة المرورية قبل رفع الحظر وبعده، ومقارنة المملكة في هذا المجال مع دول مجلس التعاون الخليجي.

وفي حين يتطلع العالم بأجمعه لمعرفة أثر قيادة المرأة للسيارة في المملكة العربية السعودية، تأتي هذه الدراسة من قلب الحدث، وبقيادة باحثة سعودية متخصصة في نقل المرأة؛ لتجيب عن تلك الاستفسارات والتنبؤات لتصبح الدراسة الأولى من نوعها على مستوى العالم.

أهمية المشروع البحثي:

تكمن أهمية البحث في كونه يُوثّق مرحلة مهمة من التاريخ التنموي للمملكة العربية السعودية، ستُطوى في يوم 10/10/1439هـ، وهي المرحلة الانتقالية ما بين الحظر والسماح للمرأة بقيادة السيارة في شوارع وطرقات المملكة. كما يمكن لنتائج هذا المشروع وما يتوقع من مخرجاته العلمية أن تكون بمثابة تنبؤ مستقبلي لصانعي القرار في المملكة، تساعدهم في وضع الاستراتيجيات، وسنّ الأنظمة والتشريعات التي يمكن أن تسهم في تفعيل أبعاد التنمية المستدامة، وتعزيز مفاهيم السلامة المرورية، وتحقيق جودة الحياة، وبالتالي خفض قيمة الإنفاق العام تمشيًا مع رؤية 2030.

حيث إن مواكبة هذه الأحداث النوعية في تاريخ المملكة، وتوثيق التغيرات الاجتماعية والاقتصادية والبيئية المترتبة على هذا القرار- يُعدُّ محط اهتمام الباحثة، ونقطة انطلاقة لسلسلة الأبحاث المتعلقة بقيادة المرأة للسيارة في المملكة العربية السعودية.

والجدير بالذكر أن هذه الدراسة هي الأولى من نوعها في العالم التي ترصد هذا التحوُّل في المملكة العربية السعودية، وتُقدِّم تصوُّرًا حول مشاركة المرأة في دفع عجلة التطوُّر، عبر الأبعاد الاجتماعية والاقتصادية والبيئية للتنمية المستدامة، والسلامة المرورية في المملكة العربية السعودية.

وبشكل أكثر تحديدًا، تُقدِّم هذه الدراسة أفكارًا حول تغير دور النساء وفرص العمل المتاحة لهن بعد رفع الحظر عن القيادة، وكيف يمكن لهن المساهمة في تنمية المجتمع والاقتصاد والبيئة، بالإضافة إلى تناول العديد من الجوانب النفسية المرتبطة بهذا القرار.

كما تكمن أهمية هذا المشروع البحثي في أهمية الجامعة التي سيتم التعاون معها، حيث تعدُّ جامعة (UCL) واحدة من أهم عشر جامعات على مستوى العالم، والتي تحظى بوجود معاهد ومراكز متخصصة تهتم بالدراسات النقلية، كما تضمُّ نخبة من الباحثين المتخصصين والأكثر شهرة في قطاع نمذجة سلوك التنقل، كما سيتم- بإذن الله- الخروج من هذا المشروع البحثي بعدد من الأبحاث الأكاديمية وأوراق العمل التي ستُعرض في مؤتمرات عالمية متخصصة محليًّا ودوليًّا.

الهدف العام من المشروع البحثي:

رَصْد وتوثيق المرحلة الانتقالية ما بين الحظر والسماح بقيادة المرأة للسيارة، والتتبُّع من كثب تبعات إعلان ذلك القرار، والإجراءات التحضيرية لتطبيقه، وما سيترتب عليه من آثار ملموسة على التنمية المستدامة بأبعادها الثلاثة: (الاقتصاد، والبيئة، والمجتمع)، والسلامة المرورية.

أهداف المشروع البحثي:

ستركز أهداف هذا المشروع على تتبُّع الأثر المترتب من قيادة المرأة للسيارة على أبعاد التنمية المستدامة والسلامة المرورية، وذلك على النحو التالي:

1. البُعد الاقتصادي الذي يركز على:

– دور المرأة في رفع معدلات الدخل الشهري للأسرة.

– الفرص والمجالات الوظيفية المحتملة للمرأة.

– معدلات الصرف على النقل الشهري للأسرة.

– تكاليف العمالة الأجنبية الوافدة للعمل كسائقين خاصين في المنازل.

– حجم الحوالات المالية الدولية للسائقين الأجانب لخارج المملكة.

– مبيعات الوقود ومعدلات استهلاكه.

– الشركات الخاصة ببيع السيارات، وقطع الغيار والصيانة والتأمينات.

– شركات تأجير السيارات، مثل: كريم، وأوبر، وغيرها.

2. البُعد الاجتماعي:

– الصورة الذهنية للمرأة على مستوى العالم.

– نمط الحياة اليومية للمرأة.

– فرص التعليم والعمل المتاحة للمرأة.

– العلاقات الاجتماعات داخل الأسرة وخارجها.

– الاستقرار الأسري والدعم المعنوي.

– التمكين الاجتماعي والرضا النفسي.

– المعاناة اليومية مع وسائل التنقل اليومي.

– مشاكل السائقين الوافدين الخاصين بالأسر.

3. البُعد البيئي:

– الازدحام المروري المتوقع.

– التلوُّث الجوي المتوقع.

– التلوُّث الضوضائي المتوقع.

– التنوُّع في أنواع وألوان المركبات المسجلة.

– التزايد في معدلات الأميال المقطوعة.

– الإقبال على استخدام السيارات الكهربائية.

4. بُعد السلامة المرورية:

– الطاقة الاستيعابية للطرق ومرافقها، ومدى ملاءمتها لاستيعاب متطلبات قيادة المرأة للسيارة.

– مواقف السيارات ومدى استيعابها لزيادة الطلب المتوقعة عليها.

– نسبة مساهمة النساء في الحوادث المرورية المتوقعة.

– نسبة مساهمة النساء في المخالفات المرورية المسجلة.

– أنواع الحوادث المرورية التي قد تتسبب فيها النساء.

– أسباب الحوادث التي قد تتسبب فيها النساء.

– مدى التزام النساء بقوانين وأنظمة المرور.

منهجية الدراسة:

سيتم استخدام عدد من المناهج العلمية في الدراسة، مثل: المنهج التاريخي، والمنهج الموضوعي في إطار مكاني، والمنهج التحليلي، والمنهج التتبعي، وغيرها من المناهج. كما ستعتمد الدراسة في معظمها على المسح الميداني، وجمع البيانات الأولية على مستوى جميع مناطق المملكة العربية السعودية كدراسة حالة تُجسِّد الوضع الراهن لقيادة المرأة للسيارة في المملكة، وما سيستجد على هذا الوضع من آثار على التنمية المستدامة والسلامة المرورية، وذلك على مرحلتين: (قبل قيادة المرأة للسيارة، وبعدها).

§مواصفات وخصائص استمارات الاستبيان:
– الفئة المستهدفة:

جميع شرائح المجتمع رجالًا ونساء، مواطنين ومقيمين، على مستوى مدن وقرى مناطق المملكة العربية السعودية.

– التصميم:

يشتمل على خمسة أجزاء، الأجزاء الثلاثة الأولى تُعبَّأ من قِبل جميع الشرائح المستهدفة بالاستبيان، أما بالنسبة للجزء الخامس فقد خُصِّص للعازمات على القيادة، في حين يختص الجزء الرابع بالنساء فقط دون الرجال.

– عينة الدراسة:

سيتم تحديد عينة الدراسة بالنسبة والتناسب بين حجم السكان وتوزيعهم الجغرافي على مناطق المملكة الإدارية.

– مراحل التوزيع:

سيتم توزيعه على مرحلتين: مرحلة ما قبل قيادة المرأة للسيارة، والمرحلة الثانية ما بعدها؛ ليتم بعد ذلك تحليل البيانات، والخروج بأفضل النتائج والتوصيات التي ستعود بنفع المجتمع ومصلحة الوطن.

– وسائل التحفيز:

سيتم الإعلان عن السحب على سيارات موزعة على المناطق الإدارية بالمملكة، بواقع سيارة لكل منطقة؛ وذلك لضمان تعبئة الاستبيان بطريقة صحيحة وكاملة.

§مواصفات وخصائص مجموعة النقاش المركزة:
– الفئة المستهدفة:

تم إعداد 32 مجموعة نقاش مركزة على مستوى المملكة، تشمل شرائح المجتمع رجالًا ونساء، مواطنين ومقيمين، على مستوى مدن وقرى مناطق المملكة العربية السعودية.

– التصميم:

تشتمل على أربعة محاور: المحور الاقتصادي، والمحور المجتمعي، والمحور البيئي، ومحور السلامة المرورية.

– عينة الدراسة:

تم استقطاب الفئات العمرية التالية:

الفئة العمرية الأولى: 18-27 سنة.

الفئة العمرية الثانية: 28-37 سنة.

الفئة العمرية الثالثة: 38-47 سنة.

الفئة العمرية الرابعة: 48- 57 سنة.

بواقع 10 مشاركين ومشاركات من كل فئة عمرية لكل محور.

– مراحل التنظيم:

تم تنظيمها على مرحلتين: مرحلة ما قبل قيادة المرأة للسيارة، والمرحلة الثانية ما بعدها، ليتم بعد ذلك تحليل البيانات، والخروج بأفضل النتائج والتوصيات الكيفية التي ستعود بنفع المجتمع ومصلحة الوطن.

§مواصفات وخصائص التطبيق الإلكتروني:
– الفئة المستهدفة:

النساء العازمات على القيادة والمسجلات في مدارس التدريب على القيادة على مستوى المملكة، للحصول على رخصة القيادة.

– التصميم:

هو نظام تتبُّع إلكتروني يتم تحميله على أجهزة الجولات للفئات المستهدفة من الدراسة.

– عينة الدراسة:

سيتم تحديد عينة الدراسة من خلال النساء العازمات على القيادة، والمسجلات في مدارس التدريب على القيادة على مستوى المملكة، للحصول على رخصة القيادة.

– مراحل التطبيق:

سيتم تطبيقه على مرحلتين، بواقع 7 أيام لكل مرحلة، بحيث تكون المرحلة الأولى قبل أن تباشر المرأة قيادة السيارة، والمرحلة الثانية بعد مزاولة المرأة للقيادة؛ ليتم بعد ذلك تحليل البيانات، والخروج بأفضل النتائج والتوصيات الكيفية التي ستعود بنفع المجتمع ومصلحة الوطن.

– وسائل التحفيز:

سيتم تقديم عدد من الجوائز التحفيزية؛ وذلك لضمان أكبر عدد ممكن من المشاركات في تحميل التطبيق.

مخرجات المشروع البحثي:

‏DD1

‏A review of the current mobility and travel situation in Saudi Arabia and official datasets related to travel- and driving in Saudi Arabia

‏DD2

‏The data collection tool for Wave 1 and the new datasets about women’s reaction and willingness to driving

‏DD3

‏The data collection tool for Wave 2 and the new datasets about changes in women’s lives and travel behaviour since the ban on women driving has been lifted

‏PD1

‏Comparison of women’s attitudes towards driving across different geographical areas before and after the ban is lifted

‏PD2

‏Comparing the factors affecting women’s choice of issuing a driving licence across different geographical areas in Saudi Arabia

‏PD3

‏Hybrid choice model quantifying the magnitude of the factors affecting women’s choice to drive

‏PD4

‏Changes in daily life activities of women who drive

‏PD5

‏The social impact of lifting the ban on women driving and its effect on women’s happiness and well-being

‏PD6

‏The impact of women driving on employment and vehicle sales

‏PD7

‏The impact of women driving on vehicle miles travelled and fuel demand

‏PD8

‏The impact of women driving on traffic congestion and transport network efficiency?

‏PD9

‏One year of women driving in Saudi Arabia: How have the road traffic accidents statistics changed?

‏RD10

‏The overall impact of women driving on the sustainable development: the social, economic, environmental, and safety dimensions (in depth statistical analysis and comparison of Wave 1 and Wave 2 data).

‏DD = Dataset Deliverables

‏PD = Paper Deliverables that will be submitted to journals and conferences

‏RRD = Research Report Deliverables

وكان تعقيب د. نوف الغامدي: لقد أحدث قرار السماح بقيادة المرأة للسيارة تفاعلًا كبيرًا بين المؤيدين والمعارضين له. وجاء القرار بعد جدل طويل بين مؤيدي ومعارضي قيادة المرأة، الذين بالغوا في تعداد حجم إيجابياته وسلبياته. حقيقة سيزيل القرار الموانع الرسمية لقيادة المرأة، ويعطي الأسر الخيار في السماح للمرأة بالقيادة من عدمها، ويحملها مسؤوليات ونتائج قيادة نسائها، كما سينتج عن هذا القرار آثار اجتماعية واقتصادية متعددة، حيث سيُعزِّز استقلالية المرأة وقدرتها على الحركة واتخاذ القرار، سأركز هنا- وبأقصى درجات الحيادية الممكنة- على الآثار الاقتصادية المحتملة لهذا القرار، وهي:

– أثار القرار ترحيبًا واسعًا في الولايات المتحدة والدول الأوروبية؛ حيث أدى إلى تعزيز موقف الجهات والشخصيات المؤيدة للسعودية داخل أروقة صنع القرار الغربية، كما أسهم بصورة واضحة في تحسين صورة المملكة، خصوصًا فيما يتعلق بقضايا الحريات التي تكفلها الدولة السعودية. وبدت مؤشرات هذا الترحيب واضحة في موقف الخارجية الأمريكية المرحب بالقرار، والتداول الإعلامي الإيجابي في صحف ومواقع إخبارية مهمة، مثل: “نيويورك تايمز”، و”واشنطن بوست”.

– يُعدُّ الانفتاح الاجتماعي ضرورة لا غنى عنها من أجل الخطط الاقتصادية الجديدة، التي تحتل قطاعات السياحة والخدمات والترفيه موقعًا مهمًا فيها، وسيدعم القرار الأخير الحريات الاجتماعية، ويُقدِّم صورة للخارج بأن هناك تحوُّلًا مجتمعيًا ملموسًا يحدث في الداخل السعودي، حيث واجهت خطط المملكة لتطوير منتجعات على نحو 50 جزيرة تقع قبالة سواحل المملكة على البحر الأحمر تشكيكًا في قدرة هذه المشروعات على مواجهة التحفظات المجتمعية، ومن ثَمَّ فهذا القرار يُقدِّم بداية الضمانات اللازمة، كما أنه مؤشرٌ إلى أنَّ انفتاحًا مجتمعيًّا بدأ بوضوح.

– قيادة المرأة للسيارة تعني بالضرورة تغيرات اجتماعية ضخمة في نمط الحياة، فيما يخصُّ توسيع حضورها الاجتماعي ودورها، ويهيئ المجتمع لقبول المزيد من التغيرات.

– النتائج الاجتماعية الإيجابية قد تكون من العوامل الدافعة نحو إقناع القطاعات الأكثر تحفظًا بالقرار، والحد من بعض تهديدات الجرائم؛ مثل: الاختطاف، والعنف ضد الأطفال، التي قد تنتج من جانب بعض السائقين الوافدين.

– كانت هناك خطوات باتجاه الانفتاح المجتمعي خلال السنوات الأخيرة، لكن أهمية الخطوة الجديدة تتمثل في مواصلة المملكة العربية السعودية اتجاهات التحديث والانفتاح المجتمعي، وبث رسائل حاسمة تجاه القيادات المحرضة دينيًّا، من خلال عدد من الإجراءات بحق شخصيات دعوية متشددة، وتؤكد هذه الإجراءات أن المملكة ستتعامل بحزم مع أي محاولات للتحريض الديني.

– دعمت المؤسسة الدينية الرسمية القرار من خلال تأكيد هيئة كبار العلماء “أن خادم الحرمين الشريفين يتوخى مصلحة بلاده وشعبه في ضوء ما تقرره الشريعة الإسلامية”، ومع ذلك من المتوقع أن تتبلور حركة رافضة من قبل شخصيات دينية، قد تتجه للمعارضة؛ بسبب إصدارهم سابقًا فتاوى شرعية رافضة للقرار.

– من الآثار الاقتصادية المحتملة لقيادة المرأة زيادة الطلب على السيارات، حيث يُتوقع ارتفاع عدد سائقي المركبات بأعداد تقارب النساء اللواتي سيدخلن معتركات الطرق. صحيح أن بعض الأسر ستتخلص من سائقي مركباتها، ولكن التراجع في عدد هؤلاء سيكون أقلَّ بكثير من الزيادة المتوقعة في عدد السائقات.

– عند البداية ستكون هناك طفرة في عدد سائقي المركبات؛ بسبب عدد النساء المتعطشات للقيادة والمتقنات لها، واللاتي تحمل كثيرات منهن رخصًا أجنبية، أو يسقن في البراري.

– بعد السنة الأولى من السماح بقيادة المرأة سينخفض نمو سائقي المركبات، وسيرتفع إذا كانت إيجابيات التجربة أكثر من سلبياتها بجدوى قيادة المرأة.

– على الأمد الطويل فستكون هناك زيادة كبيرة في إجمالي عدد سائقي المركبات، وستزداد نسبة المركبات إلى عدد السكان؛ ما يعني قفزة في عدد السيارات.

– سيزيد نمو الطلب على السيارات من وارداتها، وهو ما سيثقل ميزان المدفوعات، ولكنه سيرفع من جدوى نشوء صناعة سيارات محلية.

– ستقود زيادة عدد المركبات إلى دعم قطاع الخدمات والسلع الداعمة والمرتبطة بالمركبات، التي من أبرزها: قطاعات مبيعات السيارات وقطع غيارها، وصيانتها، وتمويلها، والتأمين عليها، وتوفير الوقود لها.

– تلعب صناعة المركبات دورًا كبيرًا في الحركة الاقتصادية لبلدان العالم عالية الدخل؛ بسبب تشعُّب تأثيرها في الاقتصاد ككل، وقد تزيد مساهمتها والقطاعات المرتبطة بها على 15 في المئة من الناتج المحلي.

– تعاني أسواق المركبات المحلية في الوقت الحالي فتورًا واضحًا في الطلب، وقد يقود القرار إلى إنعاش هذه الأسواق، وربما تعافي أسعار السيارات التي يذكر بعضهم أنها تعاني تراجعًا.

– من المتوقع استفادة المصارف من زيادة الطلب على السيارات من خلال زيادة حجم التمويل، كما سترتفع إيرادات شركات التأمين بسبب متطلبات التأمين الإجباري. أما أسعار التأمين فقد ترتفع إذا كانت هناك زيادة في معدلات الحوادث، وستنخفض إذا كان هناك تراجع في معدلاتها.

– تشير بيانات بعض الدول المجاورة إلى أن النساء أكثر التزامًا بأنظمة المرور، وأنهن أقلُّ في نسب الحوادث؛ ولهذا فمن المرجح تراجع تكاليف التأمين في الأمد الطويل على السيارات نتيجة للقرار.

– فيما يخصُّ البنية التحتية، فإن زيادة عدد السيارات، وارتفاع إجمالي المسافات المقطوعة سيرفع الضغوط على الطرق، والمساحات المخصصة للمواقف، ومدارس القيادة، ومستلزمات وإدارات المرور. وهذا سيزيد متطلبات الاستثمار في البنية التحتية للمركبات، الذي يمكن تمويله جزئيًّا أو كليًّا من الغرامات والرسوم المفروضة على المركبات.

– سترفع زيادة أعداد المركبات الطلب على الوقود؛ ما سيخفف أو يلغي تأثير إلغاء دعم الوقود ورفع أسعاره، وفي حالة إلغاء دعم الوقود، فإن زيادة الاستهلاك المحلي منه سيكون حياديًّا بالنسبة لإيرادات الدولة، ولكنه سلبي بالنسبة لميزان المدفوعات.

– ستؤثر زيادة استهلاك الوقود سلبًا في البيئة ما لم تتحسن مواصفات الوقود والمركبات بيئيًّا.

– سيزيد السماح بقيادة المرأة من تمكين المرأة – خصوصا المعيلة لنفسها أو أسرتهاـ وييسر وصولها إلى العمل والتعلم.

– ستتضرر شركات التوصيل وسيارات الأجرة على الأمد الطويل من تراجع طلب النساء على خدماتها، وفي الوقت نفسه ستنخفض تكاليف النقل للكيلو متر بالنسبة للنساء والأسر، وبهذا سيرتفع طلب النساء على العمل والتعليم والتدريب؛ ما يعني ارتفاع مشاركتهن في سوق العمل، ويرفع الحاجة لتوفير مزيد من فرص العمل للمرأة.

– سيتعزز استثمار النساء في التدريب والتعليم؛ ما سيزيد رؤوس الأموال البشرية المعززة لإنتاجية المرأة والمجتمع ككل.

– من المتوقع تراجع أعداد سائقي الأسر؛ ما سيخفض من التحويلات إلى الخارج، وهذا سيدعم ميزان المدفوعات، فهناك ١٦٢ مليار ريال تخرج سنويًّا للعمالة الوافدة، يحظى السائق الخاص فيها بنسبة ٤٠% من هذه التحويلات؛ مما يُوفِّر مبالغ ضخمة، ويصبُّ في مصلحة البلد، في المقابل قد يرتفع الطلب على العاملات المنزليات بسبب خروج المرأة أكثر للعمل والتعلُّم.

– في حالة قيادة المرأة ستتحمل مزيدًا من مسؤوليات الأسرة، وخصوصًا في مجال توصيل نفسها وأطفالها إلى المدارس والمستشفيات والترفيه والتسوق؛ ما يعني تفرُّغ الرجل بدرجة أكبر للعمل أو الترفيه، وهذا قد يساعد في خفض معدلات التسيب في العمل، ويرفع من إنتاجية العمالة.

– بالنسبة لميزانيات الأسر فسيكون تأثير القرار مختلطًا، حيث ستنجح بعض الأسر في خفض تكاليف النقل من خلال التخلص من سائقيها، أو خفض المسافات المقطوعة، وسيساعد أسرًا أخرى على رفع دخلها من خلال تيسير حصول بعض أفرادها على عمل، في حين سترتفع تكاليف النقل للأسر التي ستزيد عدد سياراتها بدون إحداث أي تغييرات أخرى.

– الأثر على جذب الاستثمار الأجنبي، فقد نصت رؤية المملكة على “رفع نسبة الاستثمارات الأجنبية المباشرة من 3.8 % من إجمالي الناتج المحلي إلى المعدل العالمي، وهو 5.7 %”، ولا شك أن منع المرأة من القيادة كان أحد أهم الأسباب الاجتماعية التي تحدُّ من تدفُّق الاستثمار الأجنبي، ولا يكفي في موضوع استقطاب الاستثمار الأجنبي العوامل والتسهيلات الاقتصادية؛ لأن كلَّ الدول الأخرى تُقدِّم التسهيلات والإعفاءات، وإنما يحتاج استقطاب الاستثمار الأجنبي لبيئة متكاملة اقتصاديًّا واجتماعيًّا وثقافيًّا ليأتي ويستقر في البلد، وهو أمر تحقَّقَ بعضُه بالسماح للمرأة بقيادة السيارة، وبقي فيه عوامل أخرى يجب استكمالها.

ختامًا، القرار جريء، ويصبُّ في مصلحة الاقتصاد السعودي ورؤية السعودية 2030، فلقد كان هناك ضعف في نسبة مساهمة المرأة في الاقتصاد الوطني خلال العقود الماضية؛ فلم تصل إلى 20%؛ فيما حملت رؤية 2030 فرصًا ووظائف للذكور والإناث، وحصة المرأة في سوق العمل أكبر، فمن غير العدالة أن يستفيد الرجل براتبه كاملًا، في حين تستقطع المرأة 40% من راتبها للسائق، فملامح رؤية السعودية تتضح يومًا بعد يوم، ولم تعد كلامًا على ورق، وبدايتها في العدالة والمساواة بين الرجل والمرأة.

كما عقَّبت د. عائشة الأحمدي: سوف أُركِّز على الشق الأول من قضية البحث والمرتبطة بالتنمية المستدامة؛ بمعنى أنني سوف أتعرَّضُ لثلاثة متغيرات تابعة، تُشكِّل الحزمة ذات التأثير الأقوى في المتغير التابع الكلي “التنمية المستدامة”، ومدى تأثرها بالمتغير المستقل “قيادة المرأة”. والمتغيرات التابعة ذات التأثير الأقوى- في اعتقادي- على التنمية، هي: الجانبان الاقتصادي والاجتماعي وما يتضمناه من جانب ثقافي، وأخيرًا الجانب البيئي. وسوف أستند في هذا الطرح على البُعد الذي يمسُّ القضية، على اعتبار أن الدراسات التي تناولت الموضوع الذي عنيتُ أنا بالخوض فيه مازالت قليلة إن لم تكن نادرة، ولعل دراسة الدكتورة نجاح هي الدراسة البكر في هذا المضمار:

– من المعروف أن حزام التنمية المستدامة هو الجانب الاقتصادي بمؤشراته المختلفة، وفي قضية قيادة المرأة للسيارة تُشير التوقعات إلى أن الطلب على السيارات من وارداتها سيزيد؛ مما سيثقل ميزان المدفوعات، حيث تشير بيانات مؤسسة النقد العربي السعودي إلى أن المملكة استوردت نحو مليوني سيارة خلال العامين 2015 و2016 فقط، وبلغ إجمالي عدد السيارات المستوردة خلال الفترة من عام 2001 إلى 2016 نحو 10.6 ملايين سيارة، وهذا الرقم مقارب لتقديرات المركز السعودي لكفاءة الطاقة الذي يُقدر إجمالي عدد السيارات في المملكة بنحو 12 مليون سيارة. وفي ظل الواقع الجديد، من المتوقع أن هذا الرقم سيرتفع بمقدار مليوني سيارة أخرى إذا أخذنا في الاعتبار العمر الافتراضي للسيارة، وعدد الحوادث في المملكة، ولكنه في الوقت نفسه سيرفع من جدوى نشوء صناعة سيارات محلية، وهو ما يُحسب لهذا التغيير.

– ستقود زيادة عدد المركبات إلى دعم قطاع الخدمات والسلع الداعمة والمرتبطة بالمركبات، التي من أبرزها: قطاعات مبيعات السيارات وقطع غيارها، وصيانتها، وتمويلها، والتأمين عليها، وتوفير الوقود لها. وتلعب صناعة المركبات دورًا كبيرًا في الحركة الاقتصادية لبلدان العالم عالية الدخل؛ بسبب تشعُّب تأثيرها في الاقتصاد ككل. وقد تزيد مساهمتها والقطاعات المرتبطة بها على 15% من الناتج المحلي لبعض البلدان، وبناء على هذه الفرضية، وعطفًاعلى تجارب الدول؛ فإنه من المنتظر أن يشكل هذا رافدًا قويًّا في الدخل المحلي السعودي.

– في الوقت الحالي، تعاني أسواق المركبات المحلية فتورًا واضحًا في الطلب، وقد يقود قرار قيادة المرأة إلى إنعاش هذه الأسواق، وربما تعافي أسعار السيارات التي يذكر بعضهم أنها تعاني تراجعًا ملحوظًا.

– من المتوقع استفادة المصارف من زيادة الطلب على السيارات من خلال زيادة حجم التمويل، وتشير التوقعات البنكية أن يزيد التمويل بنسبة 2% سنويًّا، حيث تشير الأرقام البنكية والمصرفية أن34.7 مليار ريال خلال عام 2016 خرجت من البنوك والمصارف لصالح الواردات من السيارات.

– كما سترتفع إيرادات شركات التأمين؛ بسبب متطلبات التأمين الإجباري. أمَّا أسعار التأمين فقد ترتفع إذا كانت هناك زيادة في معدلات الحوادث، وستنخفض إذا كان هناك تراجع في معدلاتها. حيث تشير بيانات بعض الدول المجاورة إلى أن النساء أكثر التزامًا بأنظمة المرور، وأنهن أقلُّ في نسب الحوادث؛ ولهذا فمن المرجح تراجع تكاليف التأمين في الأمد الطويل على السيارات نتيجة لقرار المرأة.

– تم تصنيف المملكة في العام 2012 كثاني أكبر دولة في تحويل الأموال إلى الخارج في العالم، بعد الولايات المتحدة، وفقًا لتقرير البنك الدولي، حيث قُدِّرت الأموال الخارجة من السعودية في تلك السنة بـ 27.6 مليار دولار. هذا المعدل ارتفع إلى أعلى مستوياته في سنة 2015 ليبلغ 41.8 مليار دولار، وقيادة المرأة للسيارة يعني الاستغناء عن السائقين الأجانب، حيث ذكر الأمير الوليد بن طلال في تغريدة نشرها على حسابه على موقع “تويتر” في العام 2013 أن قيادة المرأة للسيارة في السعودية ستسمح بالتخلي عما لا يقل عن 500 ألف سائق أجنبي.

– يتقاضى السائق لدى العائلة السعودية حوالي 400 دولار شهريًّا، ويُتوقع أن يرتفع إلى 666 دولارًا عند إقرار قانون الحد الأدنى للأجور؛ وذلك يعني أن العائلة التي تستأجر سائقًا سوف توفِّر 4800 دولار سنويًّا، مع دخول قرار منح النساء رخص قيادة حيز التنفيذ. ويُذكر أن النساء العاملات في السعودية يدفعن نسبة 10 % من رواتبهن مقابل خدمات التوصيل.

– توقع تقرير “يورومونيتور” أن ينخفض معدل نمو الدخل في السعودية بحوالي 6 في المئة بين عامي 2012 و2017، وربما أكثر من جراء تراجع أسعار النفط، وتقليص الرواتب الحكومية مؤخرًا، لكن تخلي العائلات عن السائق سيعود بدخل إضافي للاقتصاد السعودي على شكل ارتفاع القدرة الشرائية لدى العائلات السعودية.

– فيما يخصُّ البنية التحتية، فإن زيادة عدد السيارات وارتفاع إجمالي المسافات المقطوعة سيرفع الضغوط على الطرق، والمساحات المخصصة للمواقف، ومدارس القيادة، ومستلزمات وإدارات المرور. وهذا سيزيد متطلبات الاستثمار في البنية التحتية للمركبات، الذي يمكن تمويله جزئيًّا أو كليًّا من الغرامات والرسوم المفروضة على المركبات، هذا في جانب. وفي جانب آخر سترفع زيادة أعداد المركبات الطلب على الوقود؛ مما سيخفف أو يلغي تأثير إلغاء دعم الوقود ورفع أسعاره. وفي حالة إلغاء دعم الوقود، فإن زيادة الاستهلاك المحلي منه سيكون حياديًّا بالنسبة لإيرادات الدولة، ولكنه سلبي بالنسبة لميزان المدفوعات. وستؤثر زيادة استهلاك الوقود سلبًا في البيئة ما لم تتحسن مواصفات الوقود والمركبات بيئيًّا.

– تتجاوز نسبة النساء السعوديات المشاركات في سوق العمل الـ 22%. وتطمح رؤية 2030 إلى زيادة هذه النسبة لتصل إلى 30 في المئة. فبينما تبلغ نسبة البطالة العامة في السعودية 12.7%، بلغت نسبة البطالة بين النساء 33%، ويُتوقع أن تُسهم قيادة المرأة للسيارة في الإقبال على الوظائف في مناطق المملكة كافة، دون أن يكون هناك عائق حقيقي لتنقلاتها.

أما فيما يرتبط بالآثار الاجتماعية لقيادة المرأة للسيارة فتتلخص في ثلاث نقاط أساسية، هي:

– سيزيد السماح بقيادة المرأة من تمكين المرأة – خصوصا المعيلة لنفسها أو أسرتها ـ وييسر وصولها إلى العمل والتعليم. من ناحية أخرى ستتضرر شركات التوصيل وسيارات الأجرة على الأمد الطويل من تراجع طلب النساء على خدماتها، وفي الوقت نفسه ستنخفض تكاليف النقل للكيلو متر بالنسبة للنساء والأسر. وبهذا سيرتفع طلب النساء على العمل والتعليم والتدريب؛ ما يعني ارتفاع مشاركتهن في سوق العمل، ويرفع الحاجة لتوفير مزيد من فرص العمل للمرأة. سيتعزز استثمار النساء في التدريب والتعليم؛ مما سيزيد رؤوس الأموال البشرية المعززة لإنتاجية المرأة والمجتمع ككل، يؤكد هذا القول ما أشارت إليه دراسة صادرة عن مركز خديجة بنت خويلد حول مشاركة المرأة السعودية في التنمية الوطنية لعام 2012-2013، أن عدم قيادة المرأة للسيارة هو واحد من المعوقات التي تواجه المرأة العاملة، بالإضافة إلى انعدام توفُّر رعاية الأطفال.

– ستُحسِّن قيادة المرأة للسيارة في المملكة من تصنيفها في المؤشر العالمي للمساواة بين الجنسين، الصادر عن المنتدى الاقتصاد العالمي.

– تُوجد الكثير من العوائق فيما يرتبط باختلاط النساء بأريحية مع الرجال؛ مما يعني أن الكثير من الأماكن العامة ما زالت تُخصِّص أماكن منفصلة للجنسين، باستثناء بعض الحالات الاستثنائية، مثل: المستشفيات، وكليات الطب، والمصارف، إلا أن قيادة المرأة للسيارة ستُخفِّف عملية الفصل هذه، فهي أحد العوامل المساعدة في إزالة العوائق المتبقية أمام الاختلاط.

– تمثل قيادة المرأة للسيارة إنجازًا كبيرًا في الحرية الاجتماعية، والتنقل لملايين النساء في المملكة.

أمَّا على المستوى البيئي فيمكن حصر الآثار لقيادة المرأة للسيارة في الآتي:

– تحتوي السيارة على العديد من السوائل المختلفة، بما في ذلك زيت المحركات، ومضاد التجمُّد، والبنزين، وغازات تبريد مكيف الهواء، وأيضا سوائل الكوابح، وناقل الحركة، والهيدروليك، والمسَّاحات. في معظم الحالات هذه السوائل سامة للإنسان والحيوان، ويمكن أن تلوِّث مياه المجاري إذا كانت تتسرب من السيارة أو يتم التخلص منها بشكل خاطئ. ويتعرض العديد من هذه السوائل للحرارة والأكسجين أثناء عمل المحرك، وتخضع لتغييرات كيميائية، وتلتقط أيضًا المعادن الثقيلة الناتجة عن الاحتكاك أثناء عمل المحرك؛ مما يجعلها أكثر سميةً للبيئة، ومع زيادة أعداد السيارات فيُنتظر أن تزيد هذه المخاطر، فمدينة الرياض تعاني كما تعاني غيرها من المدن الكبيرة من ظاهرة تلوُّث البيئة، وخاصة تلوث الهواء، حيث لاحظ بعض المراقبين والمهتمين بشؤون البيئة وجود غمامة من الدخان فوق مدينة الرياض في بعض الأيام، وتتكرر في فصول السنة، وتزيد في فصل الصيف نتيجة الملوثات الغازية، وخاصة المواد الدقيقة العالقة في الهواء، والمنبعثة من عوادم السيارات، لاسيما تلك التي تعمل بالديزل، وكذلك السيارات التي تنفث كمياتٍ كبيرةً من الملوثات نتيجة لعدم الصيانة الدورية.

– أثناء السير العادي، تنثر السيارة الجزيئات والغبائر المستقرة على الطريق. كما يفرز بدنها جزيئات دقيقة من نواتج التآكل والصدأ، مثل: أكسيد الحديد، والمطاط، وجميعها تؤثِّر على النسيج الداخلي لرئة الإنسان. أضف إلى ذلك تطاير ألياف الأسبستوس المسببة للسرطان والناجمة عن احتكاك أقمشة الفرامل أثناء السير.

– في إطار خطة التنمية السادسة، قامت المملكة العربية السعودية منذ مطلع عام 2001 بالتحوُّل إلى الوقود الخالي من الرُّصاص، الذي يتم إنتاجه في مصافي شركة أرامكو في رأس تنورة والرياض وجدة وينبع، مع بقاء معدلات الأوكتان عند حدود المستوى العادي 95. وفي خطوة إيجابية أخرى مع مطلع سنة 2007، تم إنزال نوعين من البنزين الممتاز الخالي من الرصاص، وهما: الممتاز 91، والممتاز 95. ومع أن هذه خطوة في تحسين حالة البيئة، إلا أنه لا يوجد بنية لائحية تلزم مستخدمي السيارات بها، في ضوء ذلك يُنتظر أن تبرز مشكلة حقيقية للبيئة مع تزايد أعداد مستخدمي السيارات.

المداخلات:

آثار قيادة المرأة على البنية التحتية:

أشار د. حميد المزروع إلى أنه وفقًا للدراسة التي قامت بها شركة برايس ووترهوس كوربوشن للاستشارات (BBC)، أن يرتفع عدد النساء على الطريق إلى حوالي ٣ مليون حتى عام ٢٠٢٠ بالسعودية. وعلى الرغم من أنها إحصائية أولية، إلا أنها تعتبر استرشادية لجميع معايير القياس وأثرها على المحورين التنموي والاجتماعي.

ولعليِّ أنطلقُ من أثر القرار على البنية التحتية (استهلاك المياة والكهرباء والطاقة). فإذا افترضنا أن الأسر السعودية لديها حوالي مائتي ألف سائق خاص، فإن الاستغناء عنهم ومغادرتهم للبلاد ستكون تدريجية بحدود حوالي ٢٠ ألف سنويًّا، آخذين بعين الاعتبار بقاء نسبة منهم. لا شك أن الضغط على استهلاك الموارد الطبيعية سينخفض؛ مما يُخفِّف الضغط على بعض الاختناقات عليها، خاصة المياه، وإمكانية تصدير بعضها؛ مثل موارد الطاقة.

كذلك يمكن استثمار القرار لكونه سيوفِّر رواتب وتكاليف الاستعانة بالسائق الخاص؛ إذ تبلغ تكلفته السنوية حوالي عشرين ألف ريال على ميزانية الأسر السعودية، ومن الإيجابيات المتوقعة أيضًا قيام شركات أجرة “أوبر” خاصة للنساء؛ مما يوفِّر فرص عمل جديدة للنساء، ويحلُّ بعض مشكلات نقل المعلمات والموظفات.

الآثار الاقتصادية لقرار قيادة المرأة للسيارة:

ترى د. ريم الفريان أن نتائج هذا القرار لها مردود إيجابي على الجانب الاقتصادي للأسرة بشكل عام، والمرأة بشكل خاص.

كما تعتقد د. نورة الصويان أنه بالتأكيد سيكون هناك آثار أقتصادية إيجابية على المدى البعيد للوطن وللمرأة وللأسرة ذاتها، وسلبية لبعض القطاعات. وفي رأيي ستكون هذه الآثار محدودة في المنظور القريب، ولكن على المدى البعيد ستكون ملموسة بشكل أوضح، حيث سيتم مرحليًّا الاستغناء عن كثير من السائقين الأجانب ولاحقًا عن أغلبهم، وستوفر الأسر رواتب السائقين، وكل ما يتعلق باستقدامهم من رسوم وخلافه، ومستلزماتهم؛ كسكن، وعلاج. إضافة إلى أن المرأة العاملة ستُوفِّر نصف راتبها الذي كانت تدفعه للمواصلات. وحيث إن عدم قيادة المرأة للسيارة كان من أهم المعوقات التي تواجه المرأة العاملة، فإنه بإقرار قرار القيادة للمرأة سيكون لها مشاركة أكبر في سوق العمل.

كذلك سيتحتم على القرار زيادة الاستثمار في البنية التحتية (مواقف، خدمات نوعية للطرق الطويلة، مدارس القيادة، مستلزمات الخدمات المرورية)، وزيادة الطلب على السيارات، وقطع الغيار، وصيانة السيارات، والتأمين، وبالتالي المتوقع من زيادة الطلب على التأمين انخفاض تكاليفه.

أيضًا تكاليف المواصلات وخدمات النقل عمومًا ستنخفض بالنسبة للأسر وللمرأة، وبالتالي سيرتفع إقبال المواطنات على العمل والتعليم والتدريب؛ مما يعني ارتفاع مشاركة المرأة في سوق العمل. وفي المقابل ستتضرر شركات التوصيل وسيارات الأجرة نتيجة لتراجع الطلب على خدماتها.

الآثار الاجتماعية لقرار قيادة المرأة للسيارة:

رصدت د. نورة الصويان أهم الآثار الاجتماعية المترتبة على هذا القرار، منها: تعزيز استقلالية المرأة وقدرتها على الحركة واتخاذ القرار. سيساهم القرار في تمكين المرأة وإدارة أمورها بنفسها، وخصوصًا المرأة المعيلة لنفسها وأسرتها. كذلك طبيعة العلاقات بين أفراد الأسرة ستتغير، بل سيسهم هذا القرار مستقبلًا في تغيير نوعي في العلاقة بين الرجل والمرأة. ستضعف عادات وتقاليد اجتماعية، وستُولد قيم جديدة على المدى البعيد – إعادة للإنتاج الثقافي- وسيتطلب ذلك إحلال آليات جديدة للتنشئة الاجتماعية من خلال كافة مؤسساتها، خاصة الأسرة والمدرسة. بالإضافة إلى تعزيز دور المرأة في المشاركة المجتمعية، والتواجد في الفضاء العام.

وذكرت أ. منى أبو سليمان أن الأثر الاجتماعي هو الأهم في قرار قيادة المرأة للسيارة. الأجيال السابقة كبرت وهي تعتقد أن الحقوق للمرأة تُمنح، فهي ليست إنسانًا كاملًا، والأجيال الجديدة تكبر وهي تعلم باللاوعي أن المرأة والرجل متساويان different mindset؛ لذلك فإن ذلك التغيير يصنع الفرق المجتمعي الواسع الأثر.

أضاف م. خالد العثمان: الأكيد أن الأثر الاجتماعي هو الأهم، لكن هل مِن وسيلة لقياس القيمة الاقتصادية للأثر الاجتماعي؟ بخلاف الآثار الاقتصادية المباشرة التي تطرقت إليها الدراسة، وتحدث عنها المناقشون.

وأكد د. حميد المزروع قناعة المرأة بالقيادة ستتفاوت من منطقة إلى أخرى، وحسب طبيعة الحاجة، ولكن التصاعد التدريجي متوقع، ويمكن قياسه- وبسهولة- من إحصائية الرخص المصدرة من إدارة المرور.

تساؤلات حول الآثار المتوقعة لقرار قيادة المرأة للسيارة:

طرح د. محمد الملحم عدة تساؤلات، تتعلق بالآثار المتوقعة لقرار قيادة المرأة للسيارة، وهي: أولًا: الأثر الاقتصادي: من هي الفئة الأكثر تأثيرًا في الاقتصاد: الدخل العالي، أو المنخفض، أو المتوسط؟ باستثناء ذوي الدخول المتطرفة علوًا وانخفاضًا، أتوقع أن الإجابة هي المتوسط. هذه الفئة لديها غالبًا طموح مستمر للانتقال للفئة الأعلى من خلال التوفير وضبط الإنفاق؛ ومن هنا فهل يُتوقع أن يكون لتمكن المرأة فيها من القيادة أن توفِّر نفقات السائق، إهمال السائق (وبالتالي أعطال متكررة)، صرف زائد من الوقود بسبب رحلات العودة للاستراحة بغرفته، وكذلك نفقات إعادة توظيف السائق نتيجة لانتهاء العقد، الهروب، إلخ؟ وإن كان الأمر كذلك، فكم نسبة العائد المتوقع؟

ثانيًا: الأثر البيئي: ألا يُعتبر التخلص من السائق وسيلة لخفض العادم، حيث يقل سلوك الأسرة المهمل في طلبات صغيرة متكررة؟ أو هل نقابل هذا الكسب بخسارة بيئية في زيادة العادم الناتج من سيارات فتيات رفاهية فوق حاجة الأسرة على غرار سيارات الشباب؟ وهل هما مقداران متساويان، أو يتغلب أحدهما على الآخر؟

ثالثًا: السلامة: هل البنت السعودية مجازِفة كالشاب السعودي؟ وهل يمكن أن تنتقل عدوى سياقة الشباب للبنات؟ هل يمكن الاستشهاد بظواهر انتقلت للبنات؛ كالتدخين، والحشيش، والمغازل، والديوانيات البناتية؟

قيادة المرأة السعودية والأرقام الاقتصادية:

أورد د. رياض نجم مقالًا صدر من بلومبيرغ اليوم* يذكر أن الاقتصاد السعودي يمكن أن يجني من السماح بقيادة المرأة أكثر مما يُتوقع أن يجنيه من بيع ٥٪ من أرامكو (بلومبيرغ تتوقع أن يضيف هذا السماح ٩٠ مليار دولار للاقتصاد السعودي حتى ٢٠٣٠). وحول المعنى نفسه أوردت أ. هيا السهلي تغريدة قناة العربية عن اقتصاديّ بلومبييرغ. كما ذكر أ. خالد الوابل أن من ضمن ال ٩٠ مليار هو زيادة الطلب على الوقود محليًّا حسب تصريح وزير الطاقة “الفالح”.

وأوردت أيضًا د. نجاح القرعاوي تقريرًا مهمًا نشرته صحيفة مال – الاقتصادية – الرياض ٢٧ سبتمبر ٢٠١٧*. (بعد القرار التاريخي.. “مال” ترصد 1.38 مليون سائق خاص يتقاضون 33 مليارًا سنويًّا).

كشف رصد أجرته “مال” من واقع بيانات رسمية أن عدد السائقين العاملين لدى الأسر السعودية وصل إلى نحو 1.38 مليون سائق، يتقاضون سنويًّا نحو 33 مليار ريال كرواتب، هذا بالإضافة إلى المزايا العينية التي يحصلون عليها، والمتمثلة في مصاريف الاستقدام، والإقامة، والمعيشة، والسكن، واستخراج وتجديد رخص الإقامة والقيادة التي تتحملها الأسرة السعودية في سبيل القيام بمهمة القيادة بالأسرة، في ضوء منع المرأة من قيادة السيارات.

ويمهد الأمر السامي الكريم الصادر عن خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز لانخفاض تدريجي في أعداد السائقين الأجانب في المملكة مع بدء تطبيق الأمر السامي بداية من 10 شوال المقبل، الموافق 24 يونيو 2018، وهو ما يُخفض نفقات الأسر السعودية، ويحد من سلبيات استقدام السائقين الأجانب، وعدم تمكُّن عدد كبير منهم من القيادة وتعلمهم داخل المملكة، إضافة إلى بعض السلوكيات التي ينفرها المجتمع السعودي، والتي تصدر عن البعض منهم.

وتشير بيانات النشرة الربع سنوية لسوق العمل الصادرة عن الهيئة العامة للإحصاء أن إجمالي عدد العمالة المنزلية غير السعودية بلغ في نهاية الربع الأول من العام الجاري نحو 2.33 مليون عامل وعاملة، يستحوذ السائقون على نحو 1.38 مليون سائق، بنسبة تُقدَّر بنحو 60% من العمالة المنزلية المستقدمة من الخارج.

ووفقا للبيانات، فإن عدد العمالة المنزلية من الذكور بلغ في نهاية الربع الأول من العام الجاري نحو 1.58 مليون عامل، منهم 1.38 مليون سائق، بنسبة 87%. وتُشكِّل العمالة المنزلية المستقدمة (2.33 مليون)، نحو 21.5% من إجمالي العمالة الأجنبية العاملة في السعودية (10.85 مليون عامل)؛ أي أن السائقين يشكلون 12.7% من العمالة الأجنبية في المملكة.

وعلى صعيد المتوسط الشهري للأجور، يشير مسح القوى العاملة للهيئة العامة للإحصاء إلى أن متوسط الأجر الشهري للعمالة المنزلية الذكور نحو 1985 ريالًا شهريًّا، أي أن إجمالي ما تدفعه الأسرة السعودية من أجور ورواتب للسائقين شهريًّا يُقدَّر بنحو 2.73 مليار ريال، أي نحو 33 مليار ريال سنويًّا.

وإضافة إلى التكلفة المالية التي تدفعها الأسر السعودية من استقدام سائقين، ترتفع التكلفة الاجتماعية التي يتحملها المجتمع السعودي، فوفقا لآخر إحصاءات إدارة المرور بلغ عدد الحوادث المرورية في المملكة خلال العام 1437هـ عدد 533.4 ألف حادثة، وتُقدِّر إحصاءات سابقة لإدارة المرور أن نحو 45% من تلك الحوادث ناتجة عن طرف أجنبي، فيما ترى الجمعية السعودية للسلامة المرورية أن سبب الحوادث المرورية يرجع لوجود 70% من السائقين الأجانب القادمين إلى داخل المملكة يجهلون أساليب القيادة، ومعهم رخص قيادة مزورة من بلدانهم.

الاستغناء عن السائقين الأجانب:

في رأي د. عبد الرحمن الهدلق، فإن الدراسة مهمة وذات فوائد متعددة لمجتمعنا السعودي. وأحسب أنه من المهم أن تستفيد الدراسة من واقع المجتمعات الخليجية التي تشابهنا في العادات والتقاليد، خاصة إذا كان هناك دراسات شبيهة في نفس مجال الدراسة. فعلى سبيل المثال: هل فعلًا استغنت المجتمعات الخليجية عن أعداد كبيرة من السائقين بعد السماح للمرأة بالقيادة؟

كما أنه من المفيد أن نتعرف على نسبة الذين سيستغنون عن السائق من خلال الاستبانة التي ذكرت أن النسبة تقارب ٤٦٪، لكن أعتقد أن الواقع سيكون مختلفًا، وستثبت الأرقام مستقبلًا إذا كان هذا الكلام صحيحًا أم لا. أما قول الأمير الوليد أن عدد السائقين سينخفض، فأشك في ذلك بناء على معطيات واقع الدول المجاورة التي خاضت التجربة لسنوات طويلة، ولم نر انخفاضًا يُذكر في عدد السائقين، مع أن الجميع يتمنى أن تشهد مجتمعاتهم انخفاضًا فعليًّا للسائقين.

من جانبه ذكر د. عبد الله العساف: في تقديري، ربما يكون العكس، إذا كان متوسط الراتب الشهري للسائق 1500 ريال، وكان يخدم أسرة كاملة، الآن كل بنت وسيدة تحتاج سيارة، وكل سيارة تحتاج صيانة، ووقودًا، وحوادث، وتأمينًا، وغيرها. وبالتأكيد فلن تستغني جميع الأسر عن السائق مع وجود سيارات خاصة للمرأة، الأمر يحتاج قراءة اقتصادية متوازنة من جميع النواحي.

علَّقت د. نجاح القرعاوي بأنها تتفق مع هذا الرأي، فإنه قياسًا على أوضاع الشباب من أبناء الأسر السعودية، وامتلاك كل منهم لسيارة خاصة به، ولم يتم الاستغناء عن السائقين لعقود طويلة؛ فما بالنا بالشابات من بنات الأسر السعودية؟! وقد يختلف الأمر طبعًا عند قيادة الأمهات ربات البيوت للسيارات، فهنا قد يترتب عليه استغناء جزئي عن السائق لإمكانية تفرغ الأم ربة المنزل لجميع متطلبات الأسرة. في الوقت الذي تمنى فيه د. منصور المطيري لو تُرفع رسوم استقدام السائق الأجنبي.

قيادة المرأة للسيارة حقٌّ طبيعي:

في تصوُّر د. عبد الله بن ناصر الحمود، أن الأمر يتعلق بوضع طبيعي، أو ربما حق طبيعي، أن تقود المرأة السيارة ليس إنجازًا حضاريًا لذاته، لكنه انتصار حقيقي على حقبة التشدد والتطرُّف التي عصفت بنا ردحًا من الزمن، وبالتالي لا أرى ضرورة لدراسة العوائد التنموية من قيادتها؛ لأن هذه الدراسة مثل دراسة عوائد السماح للإنسان بشرب الماء، وكأنَّ الحديث حول العوائد أو التبعات إيجابًا وسلبًا يُعبِّر عن حالة مناورة مع الخصوم، واليوم لم يعد لخصوم الحياة الكريمة شوكة، فقد كسرنا شوكتهم، وبدأنا نتنفس، وليس من الحكمة أن نُعدِّد مناقب التنفس.

بينما في رأي د. محمد الملحم أنه لم يكن تشدُّدًا، ففي السياقة لا خلاف فقهي على جوازها في الأصل؛ وإنما حرَّمها علماء السعودية لدفع الضرر، وهو اجتهاد حديث ومحدود جدًّا، يسقط علميًّا بسهولة. لكنما الممارسة سمحت بأكثر من القيادة من عقود، وهو سفور الوجه، مع أن الخلاف فيه أظهر! وسمحت بأشياء أخرى؛ كالخدم، وخلوة السائق. كذلك في السينما، وهي وسيلة عرض (عامة) مُنعت؛ بينما الدشوش وهي (خاصة) مسموحة لتجلب 18+ وما فوق ذلك، وما هو أعظم وأطمّ.

كما قلتُ، بالنسبة لي، الأمر ليس فتوى دينية أو موقف بعض علماء الدين، فلكلٍّ رأيه، بل هو شيء آخر أنا لا أفهمه، لكن عندي الآن هذه نقطة تحوُّل إيجابية لكلا الأمرين، أحمد الله عليها، وأشيد بمَن أتاحها، وألتمس أن هناك ما لا نعلمه، ربما أخّر هذه الخطوة، فقيادتنا لاتريد لنا إلا الخير. كما أني أحترمُ طرفي الرأي حولها، لأضع نفسي في موقف ثقافي حضاري نحو نقطة التحوُّل هذه. علق على ذلك د. عبد الله بن ناصر الحمود بأن هذا الشيء الذي ربما من الصعب معرفته هو بالضبط ما يمكن وصفه بالتشدُّد تارة، وبالتطرُّف أخرى، فهما أمران يستعصيان بالتأكيد على الفهم المنطقي؛ إذ يسوقهما الهوى، وتغذيهما الأيديولوجيا.

في حين يرى د. عبد الله بن صالح الحمود أن الأمر أضحى طبيعيًّا، صحيح أنه طبيعي كحق مشروع للجنسين في قيادة المركبة، إنما وقد تجاوزنا المحظور، أو قُلْ- إن شئت- الممنوع، فسينتج جراء ذلك طبيعيًّا آثار اقتصادية وبيئية واجتماعية، فلم يهمل أمر كهذا، والأفضل أن يأخذ حقه من الدراسة والبحث، والخروج بالنتائج المؤمل منها أن تكون رصدًا ومرجعًا يخدم معالجة الآثار السلبية التي حدثت في الماضي، مع تدارك ما يمكن الوقاية منه مستقبلًا.

أضاف د. عبد الله بن ناصر الحمود أنه لا خلاف حول جدوى القيادة على مستويات عدة، غير أن ما أرمي إليه يتلخص في أنه من الممكن قياس الأثر الاقتصادي لمشروع تجاري، في حين يعزُّ على النفس التدليل على حق من الحقوق الطبيعية عبر عوائده، أيًّا كانت.

حول السياق نفسه، اتفقت الجازي الشبيكي ود. ريام الفريان مع ما طرحه د.عبد الله بن صالح الحمود، حيث إن البحث والدراسة مهمة للتطوير من فعالية تنفيذ تطلعات القيادة الرشيدة، وتذليل أي تحديات تواجه المرأة والمجتمع لتحقيق ذلك.

أيضًا التوثيق عبر السنين ثم التحليل يسهم في فهم ظواهر قد تترتب على تنفيذ القرار ولم تكن في الحسبان، وكذلك الخروج بتوصيات للتغلب على الظواهر السلبية، والمحافظة على الآثار الإيجابية.

وأضاف د. مساعد المحيا: ليس ثمة أجمل من أن نؤمن أن قيادة المرأة للمركبة حق طبعي، وأن قيادتها لها ترتبط بظروفها وحاجتها، وأن مجتمعنا سيتدرج في ذلك، وسيتقبله.

تقارير إعلامية حول قرار قيادة المرأة السعودية:

أوردت د. الجازي الشبيكي تقريرًا اقتصاديًّا قصيرًا بثته قناة العربية عن قيادة المرأة للسيارة * (10 إيجابيات لقيادة المرأة على الاقتصاد السعودي). ذكر التقرير أنه لن تقتصر تأثيرات قرار قيادة_المرأة_للسيارة، الذي انتظرته السيدات في السعودية لسنوات كثيرة، والذي دخل حيز التنفيذ اليوم، على الحياة الاجتماعية للمرأة السعودية والأجنبية المقيمة في المملكة.. إذ سيكون له وقع كبير على الاقتصاد السعودي.

فبحسب دراسة لـ PWC، تعزيز دور النساء في سوق العمل سيساهم في تخفيض نسبة البطالة بين النساء، التي تبلغ 58%، كما أن قيادة المرأة للسيارة ستساعد الكثيرات على الإقدام على هذه الخطوة، إذ ذلك سيسهل عليهن التنقل إلى مراكز العمل. وبحسب هذه الدراسة، فإنه من المتوقع أن يصل عدد النساء اللاتي يقدن السيارات إلى 3 ملايين سيدة بحلول عام 2020، وأن ترتفع مبيعات السيارات بمعدل 9% سنويًّا حتى عام 2025.

ومن المتوقع أن تزيد نسبة تأجير السيارات بـ4% سنويًّا، بالإضافة إلى نمو سوق التأمين على السيارات بـ9% سنويًّا ليبلغ 30 مليار ريال بحلول 2025. ويتوقع كبير من المحللين في إحدى الشركات الكبرى لبيع السيارات أن تزيد مبيعات السيارات هذا العام فقط بنحو 825 ألف سيارة. شركة كريم للنقل التشاركي- مثلًا- التي يشكل النساء 70% من زبائنها، اختارت 3 آلاف سيدة لتدريبهن على القيادة ليصبحن سائقات لسياراتها.

وبحسب دراسة لشركة GULF TALENT، يعتزم 82% من النساء السعوديات قيادة السيارة هذا العام، ومن المتوقع أن يساهم ذلك في زيادة عدد النساء اللاتي يحصلن على مناصب وظيفية عليا كانت حكرًا على الرجال. وسيؤمن هذا القرار الفرصة للكثيرات بالحصول على وظائف أعلى أجرًا تقع في مناطق تبعد عن أماكن إقامتهن، لم يتقدمن إليها سابقًا بسبب قيود التنقُّل.

وفي حين ستستفيد قطاعات وفئات كثيرة من هذا القرار، إلا أن السائقين الأجانب قد يعانون بسببه، فـ35% من العائلات ستستغني عن خدماتهم، ونسبة مماثلة تعتزم اتخاذ هذه الخطوة. في حين 31% فقط سيحتفظون بالسائقين، بحسب دراسة لشركة GULF TALENT. وستُوفِّر العائلات التي ستستغني عن السائق نحو 4 آلاف ريال شهريًّا.

إذًا من الواضح أن قرار قيادة المرأة للسيارة سيساهم في تسهيل تنقلها، وبالتالي ستسنح لها فرص عمل أفضل، وهذا سيُعزِّز مشاركتها في سوق العمل، وهو ما يتوافق مع رؤية المملكة 2030 التي من أهدافها الرئيسة رفع نسبة مشاركة النساء في سوق العمل من 22 % إلى 30%.

الآثار والنتائج الأولية مع بدء تنفيذ القرار:

في رأي د. ريم الفريان، فإن الآثار الإيجابية للقرار على جميع الأصعدة ستبدأ بالظهور تدريجيًّا.

بينما ترى د. نجاح القرعاوي أنه بعيدًا عن سياق الهوى وتغذية الأيديولوجية، فالآثار المترتبة على قيادة المرأة للسيارة بدأت بالظهور منذ اليوم الأول لصدور القرار السامي، ومدارس تعليم القيادة التي فُتحت في أكثر من منطقة، وآلاف الفرص الوظيفية التي أتيحت سواء للنساء أو الرجال، وغيرها كثير جدير بالرصد والتوثيق.

قيادة المرأة وحل مشكلات تواجه عملها:

أشارت د. ريم الفريان إلى أن من أهم التحديات التي تواجه عمل المرأة في السعودية هي المواصلات. وتساءلت: هل يمكن أن يكون هذا القرار وحده كافيًا لحل هذه المشكلة؟

أجابت د. نجاح القرعاوي بأن القرار بالسماح للمرأة بقيادة السيارة ليس حلًّا كافيًا للتحديات التي تواجه المرأة العاملة، فقيادة المرأة ما هي إلا تمكين لها للعمل جاهدة للقيام بدورها، وإثبات نفسها وقدراتها كما ينبغي في بناء المجتمع وازدهار اقتصاد البلد، ولكن التِّحديات التي أمام المرأة العاملة- من وجهة نظري- أبعد من ذلك بكثير.

أضاف أ. محمد الدندني: لا شك أن القرار له أثر كبير في تقليل الحواجز لدمج المرأة في المجتمع، وهنا نتكلم عن العمل، وفي رأيي، كثير من مشاكل المجتمع بسبب تعطيل ٥٠٪ من الشعب. وبعيدًا عن الأدلجة، أتكلم عن قوة عاملة معطلة، وليتها كذلك فقط، فهي بمعزل عن التحديات، وبمعزل عن الحياة ولا أبالغ. أهم الآثار الإيجابية هي إعادة الثقة في النفس، وتقليل الخوف المادي أو تحقيق الأمن المادي، والذي هو أحد مصادر سيطرة الرجل بحق وغير حق. الرجل سيتغير للأفضل؛ لأنه سينعم بشريك منتج، وهذا ما سيدعم الأسرة؛ بأن يكون الأبناء والبنات منتجين. إذا كنت معزولًا فلن يكون لديك المعرفة، والحس في الواقع وتحديات الحياة. ستكون المرأة العاملة والحرة على وعي، وهذا ما نفتقده. أمور كثيرة ستتغير، وسيكون هناك بعض السلبيات، وهذا طبيعي، ولكن من الممكن تحجيم هذه السلبيات. عمومًا، أرى الإيجابيات أكثر استدامة، والسلبيات ستكون مؤقتة، ومع الوقت- وليس بالطويل- ستختفي.

سلبيات قيادة المرأة والآثار النفسية والاجتماعية:

رصد د. زياد الدريس بعض سلبيات قيادة المرأة للسيارة، وهي:

١- إمكانية تحملها مهامًا إضافية لإدارة شؤون الأسرة والمنزل.

٢- تعرُّضها للحوادث المرورية، والتحرش.

٣- استغلالها في مهام وظيفية لا تتلاءم مع قدراتها، مثل العمل خارج المباني.

يؤلمني تذكُّر الجهود الذهنية والنفسية التي استُنزفت طوال سنوات مضت في الجدل حول قيادة المرأة للسيارة، ويزداد ألمي حين أتذكّر أن الجدل العريض ذاك كان باسم الدين، ثم لما صدر قرار السماح الآن، خرج بعض أولئك الذين كانوا ضده من قبل ليزيّنوه الآن! ليس غرضي من هذا التعليق التباكي، بل استنباط حجم التلاعب الذي نمارسه في حياة الناس باسم الدين، تارةً مع، وأخرى ضد!

في الوقت نفسه، تساءل د. عبد الرحمن الهدلق عن الآثار النفسية والاجتماعية لإيقاف المرأة في وحدات التوقيف، حيث لم يعتد غالبية مجتمعنا على دخول النساء السجن ووحدات الإيقاف. أجاب د. عبد الله بن صالح الحمود بأن الناس سوف يتعودون على إيقاف المخالفات منهن مروريًّا.

بينما يرى د. محمد الملحم أن قانون الإيقاف لبعض الأسباب المرورية ينبغي إعادة النظر فيه، خاصة في ظلِّ عدم العمل بكاميرات توثيق الحالة في سيارات وأعمال رجال المرور، وتركه لاجتهاداتهم فقط. كذلك ينبغي أن تعمل وزارة العدل على تنظيم يجيز الأخذ بشهادة كاميرات التوثيق في سيارات المواطنين حتى لا يتجنى عليهم بعض رجال الشرطة، أو يخطئوا في اجتهاداتهم. اتفق معه في ذلك أ. محمد الدندني، ولا داعي للسجن أبدًا للرجل أو المرأة، أو ممكن أن تُميَّز المرأة عن الرجل بدفع مبلغ مالي، ولا تُوضع في التوقيف.

عقبات تمنع المرأة السعودية من قيادة السيارة:

أشارت د. ريم الفريان إلى أن مركز السيدة خديجة قام بعمل استطلاعات للرأي حول موضوع قيادة المرأة للسيارة. حيث كشفت دراسة أعدَّها مركز السيدة خديجة بنت خويلد التابع لغرفة تجارة وصناعة جدة أن المشكلات المتوقع حدوثها عند السماح للمرأة السعودية بقيادة السيارة تكمن في 5 أمور رئيسة. وأشارت الدراسة إلى أن هذه المشكلات تتمثل في: زيادة المعاكسات، وزيادة الحوادث، وزيادة الازدحام، وعدم معرفة المرأة بصيانة سيارتها، إضافة لمشكلات عائلية واجتماعية أخرى.

وبحسب الدراسة نفسها، أكد أكثر من 69% من المواطنين زيادة مسألة المعاكسات بحسب نظرة المجتمع الحالية، إلى جانب تفاقم نسبة الحوادث بنسبة 48%، فيما رفض ما يزيد على 54% تقديم أي دعم إذا رغبت قريباتهم في القيادة، وتكثر هذه النسبة في الأعمار التي أقل من 45 عامًا، على عكس الأعمار التي تزيد على ذلك فهي تميل إلى التأييد. وأكد 56% من الذين تراوحت أعمارهم ما بين 18 و24 عامًا على عدم دعم قيادة المرأة، أما فئة الأعمار التي بين 25 و34 عامًا فقد وصل الرافضون فيها إلى 55%، في حين وصلت نسبة المعارضين الذين تأتي أعمارهم بين 35 و44 عامًا إلى 53%.

دراسة حول الآثار الاقتصادية لقرار قيادة المرأة:

حول تغريدة د. إحسان بو حليقة التي ذكر فيها (يبدو أنه لا توجد دراسة عن الأثر الاقتصادي لقرار المرأة السعودية تقود السيارة، والأثر الاقتصادي لا ينحصر أبدًا في السيارات التي ستشتريها النساء، ولا في بواليص التأمين. القرار مُمكن للمرأة، أي أن له تأثيرًا مباشرًا وغير مباشر، ترتفع من خلاله مساهمة المرأة في الناتج المحلي الإجمالي)، تساءلت د. ريم الفريان: كيف ستكون مساهمة المرأة في نسبة الناتج المحلي الإجمالي؟

يرى م. خالد العثمان أن الدراسة التي تعمل عليها د. نجاح وفريقها هي ما يبحث عنه د. إحسان.. هذه سابقة للفريق والملتقى. أكدت ذلك د. ريم الفريان بأنها فعلًا سابقة من نوعها، خصوصًا أنها تدرس مرحلة ما بعد تنفيذ القرار لأبعاد مهمة في رؤية ٢٠٣٠.

قراءة في قرار قيادة المرأة للسيارة:

في قراءته لقرار قيادة المرأة للسيارة، قال د. عبد الله بن صالح الحمود: أودُّ التحدُّث مباشرة عن آثار هذا الحدث المهم على التنمية المستدامة تجاه المجالات: (الاقتصادية، والبيئية، والاجتماعية)، إضافة إلى الحفاظ على السلامة المرورية. وأعتقدُ أن ورقة البحث قد اختصت بهذه الأمور، وأيضًا حتى أكون بعيدًا عن التنظير الاجتماعي حول قيادة المرأة للسيارة بشكل عام، اعتقادًا مني أن الأهداف الاجتماعية متعددة الاتجاهات، وغالبًا معروفة المقاصد.

فدون أدنى شك، فإن المصالح الاجتماعية والاقتصادية تحلُّ أينما حلت القرارات السياسية المرتبطة بمصالح الأوطان؛ ولهذا حينما صدر القرار السياسي بالسماح للمرأة بقيادة المركبات، لا شكَّ أن هناك مردودًا اجتماعيًّا وآخر اقتصاديًّا سينجمان دون الخوض، أو تعدُّد مناقب تلك المجالات.

وقبل أن أتحدث من وجهة نظري عن المنافع الاجتماعية والاقتصادية والبيئية، لابد لي- ومن وجهة نظري- أن يكون الحديث بادئ ذي بدء منصبًّا على آلية التأسيس المطلوبة لانطلاقة أي مشروع أو أي حدث ما، ونحن نتحدث عن بدء انطلاق السماح للمرأة بقيادة المركبات، والذي يرتبط أو يعود بذلك نحو مكاسب أو عدم مكاسب اجتماعية أو اقتصادية، فلعليِّ أبدأ بما أسميته بمرحلة التأسيس أو وجوب مرحلة تأسيس، والذي- في ظني- أنه أمر كان لابد من الإتيان به قبل الشروع في انطلاقة التطبيق، وأقصد هنا ما يلي:

– ما مدى جاهزية معظم مدن المملكة الكبرى منها، والمتوسطة مساحة، وذلك في معالجة الطرق والشوارع بمفهوم الهندسة المرورية، مثل: إعادة تخطيط مداخل ومخارج الطرق والشوارع، وكذا إصلاح هذه المسارات؛ من صيانة، وتهيئة عامة؟

– ما مدى جاهزية توافر مسارات للمشاة، وربط ذلك بالإشارات المرورية؟

– يُلاحظ أن مَنْ تدرَّب على قيادة المركبات من النساء هن عدد قليل جدًّا؛ ولهذا يُخشى أن يقود السيارة مَنْ لم تتمكن من التدريب جيدًا، فضلًا عن عدم حمل رخصة قيادة لدى البعض، وهذا يرتبط هذا نظامًا ببوليصة التأمين.

– تظل المدن الكبرى عاجزة عن توافر مواقف للمركبات أمام القطاعات الحكومية، والأماكن الحيوية، وذلك قبل بدء سريان قيادة المرأة للسيارة، فكيف بالأمر بعد قيادة المرأة للسيارة؟! وهذا أمر سيُشكِّل عبئًا مروريًّا للطرق والشوارع عامة.

– إعداد مباشري الحوادث النسائية، فاللاتي حصلن على دورات تدريبية لم يتجاوزن خمسين امرأة، وهذا العدد لن يخدم سوى وجهة واحدة من وجهات مدينة الرياض جغرافيًّا. على سبيل المثال، كان من المفترض تجهيز أعداد كبيرة من ذلك، خصوصًا أن القرار السياسي أمهل الجهات المختصة قرابة عشرة أشهر تقريبًا للاستعداد والتهيئة.

هذه لمحات أردتُ ذكرها حول ما يُفترض أن يتم قبل سريان تاريخ السماح للمرأة بقيادة السيارة. أمَّا بخصوص الآثار الاقتصادية والاجتماعية والبيئية المترتبة على السماح للمرأة بقيادة السيارة، فهي آثار متعددة ومتنوعة، ولعليِّ أوجزها فيما يلي:

* الآثار الاقتصادية:

سوف تظهر أعباء اقتصادية على بعض الأسر، خصوصًا لمَنْ لم تتمكن فتياتهم من الحصول على فرص عمل، بمعنى أن المعيل سوف يزداد إنفاقه المالي على المركبة؛ من شرائها، وتموينها بالمحروقات، وصيانتها الدورية.

كذلك العائد الاقتصادي جراء قيادة المرأة للسيارة لا أعتقد أنه يحقق مردودًا للوطن، سواء من خلال ما يُتوقع من الاستغناء عن بعض السائقين، أو ندرة تحرك المرأة في قيادتها للسيارة من توفير للمحروقات وخلافه؛ وسبب ذلك أن مسألة الحاجة لسائق المنزل ستظل قائمة بنسبة لا بأس بها، فهناك كبار السن، ومَن لم يتمكنَّ من التدريب مبكرًا على قيادة السيارة، فضلًا عن ذوي القدرات الخاصة، وهم بالمناسبة تشير الإحصائيات إلى أنهم أعداد كبيرة، وتحتاج إلى مَنْ يخدمها في تنقلاتها. والفتاة أو الأم التي ستقود مركبتها ليس بالضرورة، ولاعتبارات عدة، أن تحلَّ محل السائق حاليًّا، ولهذا فإن المصاريف المالية ستستمر على نحو نسبي، وهذا يحدده لنا فترة التجربة التي يُفترض ألا تقل عن سنة، ولا تزيد عن سنتين.

ومن الآثار الاقتصادية التي قد تنجم من جراء قيادة المرأة للسيارة، وهي لا تحمل رخصة قيادة، أو لم تتمكن من الحصول على بوليصة تأمين أو عدم تجديدها، فهذا سيشكل الأمر معه أثرًا اقتصاديًّا على الأسرة.

* الآثار الاجتماعية:

أعتقدُ أن الأثر الاجتماعي، وإن كان مرتبطًا في هذه الحالة بالشأن الاقتصادي، إلا أن المنفعة الاجتماعية- في ظني- ستتحقق إيجابًا أفضل من الشأن الاقتصادي، والتحقق الاجتماعي هنا سيأتي جراء الشعور بالحرية الاجتماعية أثناء التنقل بالمركبة دون تواجد شخص غريب أو غير محرم داخل المركبة، أيضًا قضاء الاحتياجات التي تتطلب طابع السرية، وهذا أمر مهم للغاية، بل يُلاحظ أنه حتى الرجال حين يقود مركباتهم سائقون غير أبنائهم، يشعرون بالحرج حين يكون لهم احتياجات خاصة يودون قضاءَها بعيدًا عن الآخرين.

وعمومًا أجدُ أن المنافع أو المكاسب الاجتماعية كثيرة ومتعددة الأوجه، ويصعب سردها في هذا المقام.

* الأثر البيئي:

هنا يصعب حقيقة التحقق من المكاسب أو الأضرار البيئية التي قد تنجم من جراء قيادة المرأة للسيارة، فهذا أمر يعتمد على النسبة العامة لعدد الراغبات والقادرات على قيادة السيارة، أو حتى تملك السيارة أصلًا، فمسألة التقييم البيئي يصعب- في ظني- معرفتها حاليًّا إلى أن تنضج التجربة، ومن ثَمَّ تتضح الأمور.

أضافت د. فوزية البكر: كما سمعت، فمن أخذن الرخصة في مدينة الرياض لم يتجاوز عددهن ٢٧٠٠، وهو عدد محدود جدًّا مقارنة بمدينة مكتظة بالسكان مثل الرياض، ولذا لن نرى الكثير من النساء القائدات لمركباتهن، لكن طبعًا كن متواجدات، ورأيت بنفسي العديدات بعد الساعة الثانية عشرة من يوم إتاحة القيادة.

وفي اعتقادي، أن الأكثر أهمية في القرار هو الأثر النفسي والعقلي على المرأة، وعلى مَنْ حولها.

لا نتوقع أننا سنتغير بين يوم وليلة، لكننا تدريجيًّا سنصبح مجتمعًا طبيعيًّا مثل باقي المجتمعات، حيث الخيار متاح لمَنْ أراد أو احتاج.

كما أنني لا أظن أن الكثير من الأسر ستستغني عن السائق، فمن اعتاد الراحة أدمنها، مثله مثل العاملة المنزلية، لكن تدريجيًّا وخاصة للأسر الصغيرة، والشابات اللاتي سيتمكنَّ من الوصول إلى حوائجهن، واقتناص مزيد من الفرص التعليمية والتدريبية والوظيفية بخلاف السابق.

وأضاف د. خالد الرديعان: خلال اليومين الماضيين، اتضح أنه لم يكن هناك إقبال قوي من النساء على قيادة السيارة، ربما لمحدودية عدد مَنْ حصلن على رخص قيادة، وكذلك بسبب بعض المواقف الاجتماعية التي تعدُّ غيرَ مشجعة تمامًا على هذه الخطوة. التغيرات الاجتماعية بطيئة، وتحتاج إلى وقت لكي تتضح نتائجها، ومع ذلك لا تزال مقاطع السخرية والتهكم تتلاحق وتنتشر، رغم أن ذلك يعدُّ خرقًا للنظام الذي ركَّز على هذه المسألة.

السلوك المروري للشباب:

ذهب د. مساعد المحيا إلى أن واقع سلوك كثير من الشباب المروري مقلق لنا منذ سنوات، وحجم الهدر الاقتصادي بسبب الحوادث كبير جدًّا، وغالب ذلك بسبب تهور الشباب؛ ولذا فإن كثيرًا منَّا نتيجة القلق والتوتر الذي ينتابه أثناء القيادة يجعلنا نحن الرجال نحبُّ أن ندع القيادة لغيرنا، ونستمتع بالرحلة. ووفقا لنتائج الدراسة الرسمية للمرور يتضح أن الأرقام مخيفة.

‏ الرجال، وبخاصة الشباب المستهزئون بقيادة المرأة السعودية لا يجيدون قيادة السيارات، فهم من أسوأ السائقين في العالم؛ ولذا ‏تُصنَّف المملكة بأنها من أخطر دول العالم في قيادة السيارات، حيث إن عدد الوفيات يبلغ 24.8 لكل 100 ألف شخص، بمعنى أن هنالك 7440 شخصًا يُتوفى سنويًّا من حوادث السيارات وفقًا لنتائج دراسات المرور. فتُرى هل ستزداد هذه الأرقام مع قيادة المرأة؟ وهل سيزداد الهدر الاقتصادي؟

أمَّا النساء الناضجات الرشيدات فلديَّ قناعة بأن قيادتهن ستكون منضبطة جدًّا، أمَّا الفتيات فأخشى عليهن ومنهن من تهوُّرهن، تمامًا كتهوُّر الشباب.

قيادة المرأة وعلاقات الجندر:

ركَّز د. خالد الرديعان على زاوية ربما كانت مهملة neglected issue في موضوع قيادة المرأة، تتمثل في علاقات الجندر gender relation، وما سيطرأ عليها بعد السماح للمرأة السعودية بقيادة السيارة.

تُعرف علاقات الجندر بأنها علاقة النوع، ليس بالمعنى البيولوجي (ذكر- أنثى)، ولكن بالمعنيين الاجتماعي والثقافي اللذين يرسمان أدوار الأفراد التي يقومون بها ضمن تراتبية متفق عليها. يعني ذلك ضمن ما يعنيه الطرق التي تتشكل بها الأدوار والمهام التي يقوم بها كل نوع وفقًا لمتطلبات الثقافة والتابوهات التي تفرضها بسبب النوع، وليس الأمر كذلك فحسب؛ بل إن هناك تراتبية في كثير من المجتمعات تجعل المرأة في موقع أدنى من الرجل، وهي المسألة التي دفعت لظهور الكثير من الحركات النسوية والتحررية التي تطالب بالتمكين والمساواة بين الجنسين.

وغني عن الذكر أن ثقافة مجتمعنا تحمل في طياتها “أيديولوجية جندر” واضحة، ليس المجال لتتبُّع أسبابها تاريخيًّا ودينيًّا حتى لا يجنح الكلام إلى منطقة محظورة “وصفراء”.

ماذا سيطرأ على علاقات الجندر في ضوء قيادة المرأة للسيارة؟ قد يكون هو المهم جدًّا كحدث اجتماعي. وألخص ذلك في نقطتين:

١- ثلاثة عقود من مطالبة المرأة بقيادة السيارة ساهمت في تبلور معظم إن لم يكن جميع حقوقها في هذا الحق “الصغير”، فحرية حركة المرأة، وخروجها ودخولها، وسفرها، وعملها، ودراستها، وابتعاثها، وزواجها، وطلاقها، والعنف ضدها؛ أمور تمَّ ربطها بالقيادة، وإن لم يُصرح بذلك من قِبل المطالبات بحق القيادة.

حرية الحصول على كل ما سبق سيخلق واقعًا اجتماعيًّا جديدًا ينعكس على علاقة الرجل بالمرأة في البيت الواحد والحمولة الكبيرة، وعلى مستوى المجتمع كذلك؛ إذ ستزداد وتيرة المطالبة بحقوق أخرى غير حق القيادة.

٢- تستقوي المرأة السعودية بعدة تنظيمات: أنظمة تجريم العنف ضد المرأة وإيذائها، ونظام منع التحرش الأخير، وقبل ذلك توقيع المملكة على اتفاقيات منع التمييز ضد المرأة (سيداو) وقوانين تمكين المرأة. إضافة إلى ذلك فنظام الحكم الأساسي يحتوي على مواد قابلة للتفسير فيما هو من صالح حقوق المرأة؛ كالمادة رقم ٢٦ من الباب الخامس التي تنصُّ على حماية حقوق الإنسان وفقًا لمبادىء الشريعة الإسلامية. جملة هذه القوانين وزيادة الوعي بها ستكون مؤثرة، وإن كان تدريجيًّا على علاقات الجندر، وتحريك بعض المسلمات الثقافية التي كان من الصعب الحديث عنها أو مناقشها سابقًا.

تجربتي مع أول يوم في قيادة السيارة:

ذكرت أ. عبير خالد تجربتها في أول يوم في قيادة المرأة للسيارة، حيث قالت: لم يكن الخروج لقيادة السيارة مبكرًا في هذا اليوم التاريخي من حياتي كامرأة سعودية سباق أولوية. كما لم تكن الحاجة للقيادة يومًا خيار ترف. ولم تكن المرة الأولى التي أجلس فيها خلف المقود وأدير المحرك، لكنها كانت الأولى في وطني وفي مدينتي، وبين ملامح أناس عجنوا بالطين ذاته، وصبغت ملامحهم الشمس ذاتها، ولم يكن التحدي سهلًا وأنت تمضي في كل خطواتك لانتزاع حقك وحيدًا مسلوبًا إلا من الإرادة والثقة بنفسك.

كانت أبها تبدو فاتنة أكثر هذا الصباح من تلك الزاوية في السيارة: أقصى اليسار في المقدمة، وكانت نظرات الدهشة ممن كان تشاركني الطريق، والتي تتبعها ابتسامة رضا واستغراب تعمل كأصابع ناعمة تمسح الدمع المنبهر من جمال اللحظة. لحظة الانتصار كانت في مشهدين: الأول: وأنا أتوقف عند إشارة “نرهان”، وعن يساري سيارة عائلة كبيرة تتجاوزني ببطء، يجلس كبيرهم بملامحه البيضاء جوار السائق، وبها عدة أطفال ومراهقون تكدسوا بخفة وهم يديرون أنظارهم نحوي في مؤخرة السيارة. فتاة صغيرة لوحت لي ضاحكة، وعيناها تلمعان كنجوم صيف بارد، وأنا أبتعد عنهم في نفس اللحظة التي لوَّح بيده المتجعدة الرجل العجوز، فدخلت بين تلويحتين عمرهما أجيال. والمشهد الثاني: وأنا أقف بجوار أحد منافذ بيع القهوة على الطريق، يظهر أمامي في سيارة جبلية رجل ملتحٍ، ينظر نحوي بعداءٍ واحتقار، يشير إلى بإصبعه ثم يرفعها للسماء، ففهمت أنها دعوة يرجو بها شيئًا، فرفعت له كوب القهوة الذي تسلمته للتوّ كدعوة متبادلة، وابتعدت مدركة أن أبها تكتم أنفاسها بيدها، وتمارس التنفس بالخفاء، تبحث عن رضا الآخرين، بينما هي لم ترض يومًا عن نفسها، فيرهقها اللهاث خلف الأمل.

قرار قيادة المرأة للسيارة ما بين المؤيدين والمتحفظين:

ذكر أ. عبد الله الضويحي أن ما يهمه ويتمناه أن يصل هذا الجهد ونتائجه إلى صاحب القرار، وأن يُستفاد منه، وألا ينتهي إلى الرفوف أو الأدراج شأن كثير من الدراسات والبحوث، أو أن يتوقف في منتصف الطريق لتغير مسؤول، أو غياب العمل المؤسسي، أو لأي سبب آخر.

نحن أمام قضية نسائية بحتة إعدادًا وإدارةً وموضوعًا؛ مما يؤكد أن المرأة السعودية رقم صعب في تنميتنا الوطنية، وعامل مهم يتأثر بها ويؤثر فيها.

وفي ظني، أن الموضوع أخذ أكبر من حجمه، وكانت هناك مبالغات في ردود الفعل، سواء من قِبل بعض النساء أو المجتمع أو جهات خارجية، وكأن مشاكلنا التنموية والاجتماعية انتهت وتم حلها جميعها، ولم يعد لدينا مشاكل تُذكر.

مع كل نظام جديد أو قرار أو إصلاح هناك متضرر وهناك مستفيد، لكن المهم المحصلة العامة، وقيادة المرأة للسيارة وما يترتب عليها نفعها أكبر من ضررها. والعائد الاقتصادي والتنموي من ورائها- في نظري- نوعان:

الأول: مباشر وسريع: عائده في مجمله شخصي، وهو خاص بمستثمري الفرص (على طريقة تجار الحرب)، وهم الذين بدؤوا حملات تسويقية لمنتجاتهم أو خدماتهم التي تتسق وقيادة المرأة للسيارة، والبعض طوعها لهذا الغرض.

الثاني: يعود على الوطن بصورة عامة، وقد تناولته الورقة والزملاء في مداخلاتهم وتعقيباتهم.

وفي النهاية يلتقي العائدان في مصبٍّ واحد، لكن المهم- في نظري- ما مقدار هذا العائد؟

وكيف يمكن حسابه؟ وما دوره في التنمية المستدامة للوطن؟ وكيف يسهم في ذلك؟

اقتصاديًّا: جميع الأرقام التي طُرحت حول العائد الاقتصادي من قيادة المرأة للسيارة في السعودية، سواء مادية مباشرة أو تنموية- في ظني- مبالغ فيها، ولا تستند على دراسات موثقة؛ وإنما توقعات، سواء أكانت هذه التوقعات من جهات محلية أم خارجية متخصصة.

وفي المحيط المجتمعي: مؤيدو القيادة بالغوا في تعداد الفوائد والعوائد من وراء ذلك قبل صدور القرار، والمتحفظون تطرفوا في تعداد المضار والسلبيات دون مستند علمي، وكلٌّ من الفريقين هدفه تمرير الأجندة الخاصة به.

واجتماعيًّا: فالذين كانوا يضعون الهاشتاقات، ويرسلون الرسائل، ويحاولون تعطيل المشروع تحولوا بمقدار 180 درجة، وصاروا في صفه، يوجهون رسائل توعوية؛ مما يؤكد أن مجتمعنا من السهل تطويعه، وأنَّ كثيرًا من المعارضات مصدرها خارجي لأهداف وأغراض خاصة، وهناك مَنْ ينميها، أو ينساق وراءها دون إدراك لأبعادها.

لذلك نأمل أن يقدم هذا المشروع البحثي دراسة منهجية متكاملة مبنية على أسس علمية حول قيادة المرأة للسيارة، وأثرها على التنمية المستدامة والسلامة المرورية في المملكة، وأن تستفيد منها كل الأطراف ذات العلاقة بالموضوع.

من جانبها اتفقت أ. فايزة الحربي مع هذه الرؤية للأستاذ عبد الله الضويحي، وذكرت أن التحوُّل في فكر الكثير من أفراد المجتمع من معارضين إلى مؤيدين يحتاج وقفة وتحليلًا منَّا، ولا ننسى دور الإعلام الكبير في رفع مستوى الوعي المجتمعي، ليس في قيادة المرأة للسيارة فقط، بل في عدة مجالات؛ كالبيع في الأسواق والمطاعم.

في الإطار نفسه، تساءل د. مساعد المحيا: هل هناك فعلًا مَنْ تحوَّل ١٨٠ درجة?هل كان يمنعها واليوم يرحب بها؟ أين رأي هؤلاء من قبلُ ورأيهم بعد ذلك؟ كل الذين تحفظوا على قيادة المرأة لا يزالون متحفظين، وهذا أمر طبعي. بل أتوقع ألا نرى تفاعلًا كبيرًا من النساء في مجتمعنا؛ بسبب هذا التحفظ، وأسباب أخرى.

لذا أرى- وبسبب هذا الضعف في الإقبال- أن الحديث عن أي مفهوم للتنمية المستدامة، أو وجود دخل كبير للاقتصاد بسبب قيادة المرأة؛ هو من التضخيم والجعجعة التي لا ترتبط بالواقع. ربما يحتاج المجتمع أكثر من خمس أو عشر سنوات حتى تلحظ ذلك أكثر انتشارًا.

وعمومًا في كل دول الخليج، تظل أعداد اللواتي يقدن قليلات جدًّا برغم أن البيئة هناك تتيح للمرأة أشياء كثيرة، وهو ما يجعل المرء يتوقع أن ما سيجري هو بحث عن تمكين المرأة أكثر من كونه قيادة وممارسة لها على أرض الواقع.

وأشار أ. محمد الدندني إلى أنه يميل لهذا الرأي، ولو أنه لا يتمنى حدوثه، ولكن يراه واقعيًّا. مَنْ غيروا رأيهم هم أصحاب رأي من رجال الدين ومن المحافظين، ولنقل: أصبحوا فئة صامتة، وفِي أفضل الأحوال يقولون سياقة المرأة حاجة وليست ترفًا. وفي رأيي، سنرى فارقًا كبيرًا بين المدن الثلاث وبقية المناطق؛ أولًا بسبب نسبة المحافظين والتقليديين، وسيساعد على هذا قلة عمل المرأة في هذه المناطق. هناك فرق شاسع في الأنشطة الاقتصادية بين المدن الثلاث وبقية المناطق.

نَشْر النتائج الأولية للاستبيان:

فيما يتعلق باستفسار د. نجاح القرعاوي، هل الإفصاح للقنوات الإعلامية عن التقرير الأوّليّ لبعض نتائج الاستبيان مشتملًا على بعض الأرقام الملفتة في الجوانب المختلفة أمر محمود، أم أنه سيضعف ويؤثر على توثيق مرجعية ومصادر الأرقام؟! وبالتالي قد يحرق مزايا الأبحاث والأوراق العلمية التي تعتزم الدراسة الخروج بها، والمشاركة بها في مؤتمرات عالمية ونشرها في مجلّات عالمية. ويرى م. خالد العثمان أنه لا يصحُّ نشر النتائج طالما بقي الاستبيان مفتوحًا.

كذلك أضاف د. محمد الملحم أن نشر النتائج حاليًّا في الإعلام يسبب إشكالات مستقبلية بعد تحليل البيانات وتفسير النتائج؛ لذا يُستحسن الابتعاد عنه. ويمكن العرض في البيئة العلمية للاستشارة؛ كالمؤتمرات، واللقاءات.

بينما ترى أ. فايزة الحربي أنه من المهم الإفصاح عن أهم النتائج عبر القنوات الإعلامية المتنوعة، والاحتفاظ بالمادة العلمية للبحث، وأعتقد أن التدرُّج في بث بعض النتائج جيد، ويدعم البحث؛ وذلك للأسباب التالية:

١. لرفع وعي المجتمع بتطورات القضية.

٢. إطلاع المجتمع على الجهود الوطنية والعلمية في مسيرة التحوُّل الوطني.

٣. انتهاء المرحلة البحثية الأولى.

٤. تحفيز دعم المجتمع والمؤسسات لرعاية البحث.

٥. كما أن البحث يستغرق وقتًا طويلًا، وهو ما قد يؤثر على النتائج، فنتيجة مثيرة ومفيدة اليوم ربما تكون أمرًا عاديًّا جدًّا بعد عام.

الدراسة الحالية وتأثيرها على المشهد العام:

يرى د. حامد الشراري أنه بالرغم من أن الدراسات الرصينة تفصح لنا عن أمور قد تكون غائبة عن أصحاب ومتخذي القرار. أمَّا هذه الدارسة التي تركز على الجانبين الاقتصادي والاجتماعي (كأنها تبحث عن الجدوى الاقتصادية من السماح بقيادة المرأة!) بوجه خاص، فنتائجها إيجابًا أو سلبًا لن تغير من المشهد العام شيئًا؛ كون السماح بقيادة المرأة تدخل فيها أبعادٌ أخرى.

قد أشبه هذه الدراسة في دراسة الأثرين الاقتصادي والاجتماعي، وجدواها من إنشاء الطرق والتوسُّع في سكك الحديد على مساحة الوطن. فالدراسات الخاصة بالنقل تساعد على تحسين تلك الخدمات، والحد من الهدر المالي والحوادث، والتقليل من تكاليف الصيانة، دون الولوج في مدى جدواها الاقتصادية. الدراسة تركز على مدى تأثير قيادة المرأة في الجانبين الاقتصادي والاجتماعي، والسماح بالقيادة هي الأداة لهذا الحراك التنموي.

في الآونة الأخيرة، سُمح للنساء بالعمل في قطاعات كثيرة، منها- مثلًا- في خدمات الطيران المدني… فهل هناك دراسات أُجريت عن الأثرين الاقتصادي والاجتماعي، حيث أداتها السماح لهن بالعمل في مجالات محصورة للرجال فقط؟! قد يكون مفيدًا الاطلاع على مثل هذه الدراسات حتى لو اختلفت الأدوات. لذا أرجو أن يُعاد نقاش هذه القضية مرة أخرى بعد اكتمال الدراسة، حتى يكون هناك إثراء للنقاش بعد اتضاح المشهد كاملًا.

من جانبه يرى د. إحسان بو حليقة أن الدراسة مهمة لا شك. لكن ليس بالإمكان التعرُّف على تبعات القرار إلا بعد استقرار أثره، أي عند وصول مجتمعنا وقيادة المرأة للسيارة إلى حالة الاستقرار steady state. والسبب أن السعي للتعرف على الأثر لا يمكن إلا بعد استقراره. وهذا لا يمنع السعي للتنبؤ والاطلاع على المؤشرات المُبادرة.

من ناحية ثانية، فإن pwc نشرت دراسة عن الآثار المباشرة والآنية للقرار، مثل عدد السيارات الذي سيشتريه الناس، إلخ. هذه التقديرات رغم أنها مفيدة إلا أنها تتعلق بجانب محدود، وهو التأثير المباشر على سوق السلع والخدمات.

أما الجانب الأكثر التصاقًا بهدف البحث، وهو “التنمية المستدامة” فهو أكثر عمقًا واتساعًا في آنٍ، ويتجاوز حتى الجانب الاقتصادي إلى التبعات الاجتماعية والبيئية.

أضاف د. عبد العزيز الحرقان أنه من ناحية أخرى ستتأثر جوانب أخرى سلبًا، ولا يجب النظر للجانب الإيجابي فقط. وهو ما اتفقت معه فيه د. ريم الفريان، فمن المهم النظر للجانب السلبي ليس للاعتراض؛ وإنما لنتمكن من تنفيذ سلس للقرار يضمن تحقيق الهدف المرجو بطريقة صحية.

مخرجات النقاش وأهم التوصيات:

– أثار القرار ترحيبًا واسعًا في الولايات المتحدة والدول الأوروبية؛ حيث أدى إلى تعزيز موقف الجهات والشخصيات المؤيدة للسعودية داخل أروقة صنع القرار الغربية، كما أسهم بصورة واضحة في تحسين صورة المملكة، خصوصًا فيما يتعلق بقضايا الحريات التي تكفلها الدولة السعودية. وبدت مؤشرات هذا الترحيب واضحة في موقف الخارجية الأمريكية المرحب بالقرار، والتداول الإعلامي الإيجابي في صحف ومواقع إخبارية مهمة، مثل: “نيويورك تايمز”، و”واشنطن بوست”.

– يُعد الانفتاح الاجتماعي ضرورة لا غنى عنها من أجل الخطط الاقتصادية الجديدة، التي تحتل قطاعات السياحة والخدمات والترفيه موقعًا مهمًا فيها، وسيدعم القرار الأخير الحريات الاجتماعية، ويقدم صورة للخارج بأن هناك تحوُّلًا مجتمعيًا ملموسًا يحدث في الداخل السعودي، حيث واجهت خطط المملكة لتطوير منتجعات على نحو 50 جزيرة تقع قبالة سواحل المملكة على البحر الأحمر، تشكيكًا في قدرة هذه المشروعات على مواجهة التحفظات المجتمعية، ومن ثَمَّ فهذا القرار يقدم بداية الضمانات اللازمة، كما أنه مؤشرٌ إلى أنَّ انفتاحًا مجتمعيًّا بدأ بوضوح.

– قيادة المرأة للسيارة تعني بالضرورة تغيرات اجتماعية ضخمة في نمط الحياة فيما يخص توسيع حضورها الاجتماعي ودورها، ويهيِّئ المجتمع لقبول المزيد من التغيرات.

– النتائج الاجتماعية الإيجابية قد تكون من العوامل الدافعة نحو إقناع القطاعات الأكثر تحفظًا بالقرار، والحد من بعض تهديدات الجرائم، مثل: الاختطاف، والعنف ضد الأطفال، التي قد تنتج من جانب بعض السائقين الوافدين.

– كانت هناك خطوات باتجاه الانفتاح المجتمعي خلال السنوات الأخيرة، لكن أهمية الخطوة الجديدة تتمثل في مواصلة المملكة العربية السعودية اتجاهات التحديث والانفتاح المجتمعي، وبث رسائل حاسمة تجاه القيادات المحرضة دينيًّا، من خلال عدد من الإجراءات بحق شخصيات دعوية متشددة، وتؤكد هذه الإجراءات أن المملكة ستتعامل بحزم مع أي محاولات للتحريض الديني.

– دعمت المؤسسة الدينية الرسمية القرار، من خلال تأكيد هيئة كبار العلماء “أن خادم الحرمين الشريفين يتوخى مصلحة بلاده وشعبه في ضوء ما تقرره الشريعة الإسلامية”، ومع ذلك من المتوقع أن تتبلور حركة رافضة من قِبل شخصيات دينية قد تتجه للمعارضة بسبب إصدارهم سابقًا فتاوى شرعية رافضة للقرار.

– من الآثار الاقتصادية المحتملة لقيادة المرأة زيادة الطلب على السيارات، حيث يُتوقع ارتفاع عدد سائقي المركبات بأعداد تقارب النساء اللواتي سيدخلن معتركات الطرق. صحيح أن بعض الأسر ستتخلص من سائقي مركباتها، ولكن التراجع في عدد هؤلاء سيكون أقلَّ بكثير من الزيادة المتوقعة في عدد السائقات.

– عند البداية ستكون هناك طفرة في عدد سائقي المركبات؛ بسبب عدد النساء المتعطشات للقيادة والمتقنات لها، واللواتي تحمل كثيرات منهن رخصًا أجنبية، أو يسقن في البراري.

– بعد السنة الأولى من السماح بقيادة المرأة سينخفض نمو سائقي المركبات، وسيرتفع إذا كانت إيجابيات التجربة أكثر من سلبياتها بجدوى قيادة المرأة.

– على الأمد الطويل ستكون هناك زيادة كبيرة في إجمالي عدد سائقي المركبات، وستزداد نسبة المركبات إلى عدد السكان؛ ما يعني قفزة في عدد السيارات.

– سيزيد نمو الطلب على السيارات من وارداتها؛ ما سيثقل ميزان المدفوعات، ولكنه سيرفع من جدوى نشوء صناعة سيارات محلية.

– سيقود زيادة عدد المركبات إلى دعم قطاع الخدمات والسلع الداعمة والمرتبطة بالمركبات، التي من أبرزها: قطاعات مبيعات السيارات وقطع غيارها، وصيانتها، وتمويلها، والتأمين عليها، وتوفير الوقود لها.

– تلعب صناعة المركبات دورًا كبيرًا في الحركة الاقتصادية لبلدان العالم عالية الدخل؛ بسبب تشعُّب تأثيرها في الاقتصاد ككل، وقد تزيد مساهمتها والقطاعات المرتبطة بها على 15% من الناتج المحلي.

– تعاني أسواق المركبات المحلية في الوقت الحالي فتورًا واضحًا في الطلب، وقد يقود القرار إلى إنعاش هذه الأسواق، وربما تعافي أسعار السيارات التي يذكر بعضهم أنها تعاني تراجعًا.

– من المتوقع استفادة المصارف من زيادة الطلب على السيارات من خلال زيادة حجم التمويل، كما سترتفع إيرادات شركات التأمين بسبب متطلبات التأمين الإجباري. أما أسعار التأمين فقد ترتفع إذا كانت هناك زيادة في معدلات الحوادث، وستنخفض إذا كان هناك تراجع في معدلاتها.

– تشير بيانات بعض الدول المجاورة إلى أن النساء أكثر التزامًا بأنظمة المرور، وأنهن أقلُّ في نسب الحوادث؛ ولهذا فمن المرجح تراجع تكاليف التأمين في الأمد الطويل على السيارات نتيجة للقرار.

– فيما يخصُّ البنية التحتية، فإن زيادة عدد السيارات وارتفاع إجمالي المسافات المقطوعة سيرفع الضغوط على الطرق، والمساحات المخصصة للمواقف، ومدارس القيادة، ومستلزمات وإدارات المرور. وهذا سيزيد متطلبات الاستثمار في البنية التحتية للمركبات، الذي يمكن تمويله جزئيًّا أو كليًّا من الغرامات والرسوم المفروضة على المركبات.

– سترفع زيادة أعداد المركبات الطلب على الوقود، وهو ما سيخفف أو يلغي تأثير إلغاء دعم الوقود ورفع أسعاره. وفي حالة إلغاء دعم الوقود؛ فإن زيادة الاستهلاك المحلي منه سيكون حياديًّا بالنسبة لإيرادات الدولة، ولكنه سلبي بالنسبة لميزان المدفوعات.

– ستؤثر زيادة استهلاك الوقود سلبًا في البيئة ما لم تتحسن مواصفات الوقود والمركبات بيئيًّا.

– سيزيد السماح بقيادة المرأة من تمكين المرأة خصوصًا المعيلة لنفسها أو أسرتها، وييسر وصولها إلى العمل والتعلم.

– ستتضرر شركات التوصيل وسيارات الأجرة على الأمد الطويل من تراجع طلب النساء على خدماتها، وفي الوقت نفسه ستنخفض تكاليف النقل للكيلو متر بالنسبة للنساء والأسر، وبهذا سيرتفع طلب النساء على العمل والتعليم والتدريب، وهو ما يعني ارتفاع مشاركتهن في سوق العمل، ويرفع الحاجة لتوفير مزيد من فرص العمل للمرأة.

– سيتعزز استثمار النساء في التدريب والتعليم؛ وبالتالي سيزيد رؤوس الأموال البشرية المعززة لإنتاجية المرأة والمجتمع ككل.

– من المتوقع تراجع أعداد سائقي الأسر؛ ما سيخفض من التحويلات إلى الخارج، وهذا سيدعم ميزان المدفوعات، فهناك ١٦٢ مليار ريال تخرج سنويًّا للعمالة الوافدة، يحظى السائق الخاص فيها بنسبة ٤٠% من هذه التحويلات؛ مما يوفر مبالغ ضخمة، ويصبُّ في مصلحة البلد، في المقابل قد يرتفع الطلب على العاملات المنزليات بسبب خروج المرأة أكثر للعمل والتعلم.

– في حالة قيادة المرأة ستتحمل مزيدًا من مسؤوليات الأسرة، وخصوصًا في مجال توصيل نفسها وأطفالها إلى المدارس والمستشفيات والترفيه والتسوق، وذلك يعني تفرُّغ الرجل بدرجة أكبر للعمل أو الترفيه، وهذا قد يساعد في خفض معدلات التسيب في العمل، ويرفع من إنتاجية العمالة.

– بالنسبة لميزانيات الأسر فسيكون تأثير القرار مختلطًا، حيث ستنجح بعض الأسر في خفض تكاليف النقل من خلال التخلص من سائقيها، أو خفض المسافات المقطوعة، وسيساعد أسرًا أخرى على رفع دخلها من خلال تيسير حصول بعض أفرادها على عمل، في حين سترتفع تكاليف النقل للأسر التي ستزيد عدد سياراتها بدون إحداث أي تغييرات أخرى.

– الأثر على جذب الاستثمار الأجنبي، نصت رؤية المملكة على “رفع نسبة الاستثمارات الأجنبية المباشرة من 3.8% من إجمالي الناتج المحلي إلى المعدل العالمي، وهو 5.7%”، ولا شك أن منع المرأة من القيادة كان أحد أهم الأسباب الاجتماعية التي تحدُّ من تدفق الاستثمار الأجنبي، ولا يكفي في موضوع استقطاب الاستثمار الأجنبي العوامل والتسهيلات الاقتصادية؛ لأنَّ كل الدول الأخرى تُقدِّم التسهيلات والإعفاءات، وإنما يحتاج استقطاب الاستثمار الأجنبي لبيئة متكاملة اقتصاديًّا واجتماعيًّا وثقافيًّا ليأتي ويستقر في البلد، وهو أمر تحقَّقَ بعضه بالسماح للمرأة بقيادة السيارة.

– زيادة في الاستثمار في البنية التحتية (مواقف، خدمات نوعية في الطرق للطرق الطويلة، مدارس للقيادة، مستلزمات الخدمات المرورية).

– زيادة في الطلب على قطع الغيار والصيانة والتأمين، وبالتالي انخفاض في تكاليفه، وأيضًا تكاليف المواصلات والنقل عمومًا ستنخفض للأسر والمرأة، وبالتالي سيرتفع إقبال المواطنات على العمل والتعليم، حيث إن المواصلات هي أهم تحديات عمل المرأة.

– ويُتوقع أن تكون هناك آثارٌ اجتماعية؛ كزيارة استقلالية المرأة في الحركة. ويُتوقع أن يكون هناك أثر في علاقة الرجل بالمرأة، حيث سيسهم القرار في تغيير نوعي في العلاقة الأسرية.

– اجتماعيًّا: ستضعف العادات والتقاليد، وستُولد قيم جديدة على المدى البعيد. وسيتطلب ذلك إحلال آليات جديدة للتنشئة الاجتماعية من خلال كافة مؤسساتها، خاصة الأسرة والمدرسة. تعزيز دور المرأة في المشاركة المجتمعية، والتواجد في الفضاء العام.

– ولتقليل الهدر في توظيف سائق منزلي بجوار العاملة المنزلية، فينبغي أن يسمح النظام للعاملة المنزلية بالحصول على رخصة القيادة.

– تشجيع أوبر وكريم على خدمة السائقة لتوصيل النساء فقط، حفاظًا على خصوصية المرأة، وتشجيعًا لهذه المهنة الجديدة المهمة للطرفين السائقة والعميلة.

– تُطالب الأمانات الشركات والبنوك والدوائر الحكومية بتجهيز مباني الأقسام النسائية بمواقف سيارات كافية لموظفاتها وللمراجعات.

– تقدم الشركات كجزء من المسؤولية الاجتماعية دورات تعليم سياقة مجانية للسيدات، تشجيعًا لهن على ذلك (خاصة شركات السيارات).

– التركيز على بناء قدرات المختصين في مجال الإرشاد الأسري؛ لتهيئتهم للمرحلة المقبلة للتعامل مع ما سيظهر من مشكلات وتغير في طبيعة العلاقات بين المرأة والرجل، والتي ستتطلب معارف ومهارات احترافية.

– استخدام التقنية في الرصد والمراقبة والتوثيق، وكل ما من شأنه الحفاظ على سلامة وحماية السيدات صاحبات المركبات، منها: توفير كاميرات المراقبة في المواقف التي عادة تقف فيها السيدات، وتوفير كاميرات المراقبة في سيارات الأمن (المرور والشرطة)؛ لتوثيق أي حدث تتعرض له السيدة صاحبة المركبة.

– العائد الاقتصادي والتنموي من ورائها نوعان: مباشر وسريع، عائده في مجمله شخصي، وهو خاص بمستثمري الفرص (على طريقة تجار الحرب)، وهم الذين بدؤوا حملات تسويقية لمنتجاتهم أو خدماتهم التي تتسق وقيادة المرأة للسيارة. والبعض طوعها لهذا الغرض، بما يعود على الوطن بصورة عامة، وقد تناولته الورقة والزملاء في مداخلاتهم وتعقيباتهم. وفي النهاية يلتقي العائدان في مصبِّ واحد، لكن المهم- في نظري- ما مقدار هذا العائد؟ وكيف يمكن حسابه؟ وما دوره في التنمية المستدامة للوطن ؟ وكيف يسهم في ذلك؟

– اقتصاديًّا: جميع الأرقام التي طُرحت حول العائد الاقتصادي من قيادة المرأة للسيارة في السعودية، سواء مادية مباشرة أو تنموية- في ظني- مبالغ فيها، ولا تستند على دراسات موثقة؛ وإنما توقعات، سواء أكانت هذه التوقعات من جهات محلية أم خارجية متخصصة.

– في المحيط المجتمعي: مؤيدو القيادة بالغوا في تعداد الفوائد والعوائد من وراء ذلك قبل صدور القرار، والمتحفظون تطرفوا في تعداد المضار والسلبيات دون مستند علمي. وكلٌّ من الفريقين هدفه تمرير الأجندة الخاصة به.

– اجتماعيًّا: الذين كانوا يضعون الهاشتاقات، ويرسلون الرسائل، ويحاولون تعطيل المشروع تحولوا بمقدار 180 درجة، وصاروا في صفه، يُوجِّهون رسائل توعوية؛ مما يؤكد أن مجتمعنا من السهل تطويعه، وأنَّ كثيرًا من المعارضات مصدرها خارجي؛ لأهداف وأغراض خاصة، وهناك من ينميها أو ينساق وراءها دون إدراك لأبعادها.

– حرية الحصول على كل ما سبق سيخلق واقعًا اجتماعيًّا جديدًا، ينعكس على علاقة الرجل بالمرأة في البيت الواحد والحمولة الكبيرة، وعلى مستوى المجتمع كذلك؛ إذ ستزداد وتيرة المطالبة بحقوق أخرى غير حق القيادة.

– أنظمة تجريم العنف ضد المرأة وإيذائها، ونظام منع التحرش الأخير، وقبل ذلك توقيع المملكة على اتفاقيات منع التمييز ضد المرأة (سيداو)، وقوانين تمكين المرأة. إضافة إلى ذلك فنظام الحكم الأساسي يحتوي على مواد قابلة للتفسير فيما هو من صالح حقوق المرأة؛ كالمادة رقم ٢٦ من الباب الخامس التي تنصُّ على حماية حقوق الإنسان وفقًا لمبادئ الشريعة الإسلامية. جملة هذه القوانين وزيادة الوعي بها ستكون مؤثرة- وإن تدريجيًّا- على علاقات الجندر، وهزَّ بعض المسلمات الثقافية التي كان من الصعب الحديث عنها أو مناقشتها سابقًا.

– الآثار الاقتصادية: سوف تظهر أعباءً اقتصادية على بعض الأسر، خصوصًا لمَنْ لم تتمكن فتياتهم من الحصول على فرص عمل، بمعنى أن المعيل سوف يزداد إنفاقه المالي على المركبة؛ من شرائها، وتموينها بالمحروقات، وصيانتها الدورية. كما أن العائد الاقتصادي من جراء قيادة المرأة للسيارة لا يُعتقد أنه يحقق مردودًا للوطن، سواء من خلال ما يُتوقع من الاستغناء عن بعض السائقين، أو ندرة تحرُّك المرأة في قيادتها للسيارة من توفير للمحروقات وخلافه؛ وسبب ذلك أن مسألة الحاجة لسائق المنزل ستظلُّ قائمة بنسبة لا بأس بها، فهناك كبار السن، ومن لم يتمكنَّ من التدريب مبكرا على قيادة السيارة، فضلًا عن ذوي القدرات الخاصة، وهم بالمناسبة تشير الإحصائيات إلى أنهم أعداد كبيرة، وتحتاج إلى مَنْ يخدمها في تنقلاتها. والفتاة أو الأم التي ستقود مركبتها ليس بالضرورة، ولاعتبارات عدة، أن تحل محل السائق حاليًّا؛ ولهذا فإن المصاريف المالية ستستمر على نحو نسبي، وهذا يحدده لنا فترة التجربة التي يُفترض ألا تقل عن سنة، ولا تزيد عن سنتين.

– الآثار الاجتماعية: يُعتقد أن الأثر الاجتماعي، وإن كان مرتبطًا في هذه الحالة بالشأن الاقتصادي، إلا أن المنفعة الاجتماعية تكمن في أنها ستتحقق إيجابا أفضل من الشأن الاقتصادي، والتحقق الاجتماعي هنا سيأتي من جراء الشعور بالحرية الاجتماعية أثناء التنقل بالمركبة دون تواجد شخص غريب أو غير محرم داخل المركبة، أيضًا قضاء الاحتياجات التي تتطلب طابع السرية، وهذا أمر مهم للغاية؛ بل يُلاحظ أنه حتى الرجال حين يقود مركباتهم سائقون غير أبنائهم يشعرون بالحرج حين يكون لهم احتياجات خاصة يودون قضاءها، بعيدًا عن الآخرين.

– الأثر البيئي: يصعب التحقق من المكاسب أو الأضرار البيئية التي قد تنجم من جراء قيادة المرأة للسيارة، فهذا أمر يعتمد على النسبة العامة لعدد الراغبات والقادرات على قيادة السيارة أو حتى تملك السيارة أصلًا، فمسألة التقييم البيئي يصعب- في ظني- معرفته حاليًّا إلى أن تنضج التجربة، ومن ثَمَّ تتضح الأمور.

– ينبغي النظر لقرار السماح بقيادة المرأة للسيارة كممكن، بمعنى أن تأثيراته متعدية، وستعني انطلاقًا لمهارات وأهداف كانت مكبوتة سابقًا، وكذلك ثمة تأثير على منظومة القيم، بما في ذلك موقف شرائح من المجتمع.

– ويُوصى أن يُقدِّم هذا المشروع البحثي دراسة منهجية متكاملة مبنية على أسس علمية حول قيادة المرأة للسيارة، وأثرها على التنمية المستدامة والسلامة المرورية في المملكة، وأن تستفيد منها كل الأطراف ذات العلاقة بالموضوع.

– كما يُوصى الدخول في إنجاز دراسة تتبعية طويلة المدى للتعرف على التأثيرات على الفرد والمجتمع، والظواهر المرتبطة بهما، بما في ذلك النسق الاجتماعية-الاقتصادية.

– وأخيرًا، يُوصى أن يُعاد نقاش هذه القضية مرة أخرى بعد اكتمال الدراسة حتى يكون هناك إثراء للنقاش بعد اتضاح المشهد كامل.

الملخص التنفيذي:

القضية: (أثر قيادة المرأة للسيارة على التنمية المستدامة والسلامة المرورية في المملكة العربية السعودية).

يُعدُّ قرار السماح للمرأة السعودية بقيادة السيارة خطوة مهمة في إطار رؤية المملكة 2030، وهو ما يؤكد الدور المهم للمرأة خلالها، وأن لها نصيبًا كبيرًا يُعزِّز دورها الاقتصادي والمجتمعي، وباعتبارها تُشكِّل جزءًا رئيسًا في مسيرة التطوير والتنمية في المملكة، كما يترجم هذا القرار تأكيد السعودية للدور المحوري للمرأة في مستقبل المملكة، ليكون نصف المجتمع شريكًا في مسيرة التنمية والتطوير.

وطرحت الورقة فكرة البحث باعتباره مشروعًا وطنيًّا يتزامن مع الإعلان- ولأول مرة- عن السماح للمرأة بقيادة السيارة في المملكة العربية السعودية، يقوم به فريق بحثي من جامعة الإمام عبد الرحمن بن فيصل بالتعاون مع فريق مختص من الإدارة العامة للمرور في المملكة.

تتمثل فكرة البحث في كونها دراسة وطنية تتم على مستوى المملكة العربية السعودية، تتزامن مع حدث تنموي مهم في تاريخها؛ ألا وهو الإعلان- ولأول مرة- عن السماح للمرأة بقيادة السيارة في المملكة العربية السعودية؛ مما سيتيح للباحثة فرصة نادرة من نوعها بأن تسهم في رصد وتوثيق المرحلة الانتقالية ما بين الحظر والسماح بقيادة المرأة للسيارة، وتتبُّع من كثب تبعات إعلان ذلك القرار وما تطلبه من إجراءات تحضيرية تمهيدًا لتطبيقه، وما سيترتب عليه من آثار ملموسة على التنمية المستدامة بأبعادها الثلاثة: (الاقتصاد، والبيئة، والمجتمع)، والسلامة المرورية قبل رفع الحظر وبعده، ومقارنة المملكة في هذا المجال مع دول مجلس التعاون الخليجي.

وركَّزت التعقيبات التي جرت على هذه الورقة على الشق المرتبط بالتنمية المستدامة، وخاصة الجانب الاقتصادي منها، وآثاره المحتملة مثل زيادة الطلب على السيارات، ومن ثَمَّ دعم قطاع الخدمات والسلع الدائمة المرتبطة بها، والتي من أبرزها: قطاعات مبيعات السيارات وقطع غيارها، وصيانتها، وتمويلها، والتأمين عليها، وتوفير الوقود لها.

بالإضافة إلى التطرُّق إلى بعض الآثار الاجتماعية والآثار البيئية؛ كتمكين المرأة وتيسير وصولها إلى العمل والتعليم، وفي المقابل سيرتفع الضغط على الطرق والمساحات المخصصة للمواقف، ومدارس القيادة، ومستلزمات إدارات المرور، وكذلك ستؤثر زيادة استهلاك الوقود سلبًا في البيئة بسبب زيادة عوادم السيارات.

وذهب المناقشون إلى أن قيادة المرأة للسيارة تعني بالضرورة تغيرات اجتماعية ضخمة في نمط الحياة فيما يخصُّ توسيع حضورها الاجتماعي ودورها، ويهيئ المجتمع لقبول المزيد من التغيرات.

وكيف أن النتائج الاجتماعية الإيجابية قد تكون من العوامل الدافعة نحو إقناع القطاعات الأكثر تحفظًا بالقرار، والحد من بعض تهديدات الجرائم، مثل: الاختطاف، والعنف ضد الأطفال، التي قد تنتج من جانب بعض السائقين الوافدين.

وأشارت المداخلات إلى أنه يُتوقع أن تكون هناك آثارٌ اجتماعية؛ كزيارة استقلالية المرأة في الحركة. ويُتوقع أن يكون هناك أثر في علاقة الرجل بالمرأة، حيث سيسهم القرار في تغيير نوعي في العلاقة الأسرية.

وفي نهاية النقاش، طرح الملتقى عددًا من مخرجات النقاش، أهمها: من الآثار الاقتصادية المحتملة لقيادة المرأة: زيادة الطلب على السيارات، وسيزيد نمو الطلب على السيارات من وارداتها ما سيثقل ميزان المدفوعات، ولكنه سيرفع من جدوى نشوء صناعة سيارات محلية، سيقود زيادة عدد المركبات إلى دعم قطاع الخدمات والسلع الداعمة والمرتبطة بالمركبات، كما أنه من المتوقع استفادة المصارف من زيادة الطلب على السيارات من خلال زيادة حجم التمويل، كما سترتفع إيرادات شركات التأمين بسبب متطلبات التأمين الإجباري. وفيما يخص البنية التحتية، فإن زيادة عدد السيارات وارتفاع إجمالي المسافات المقطوعة سيرفع الضغوط على الطرق والمساحات المخصصة للمواقف، وسترفع زيادة أعداد المركبات الطلب على الوقود، وهو ما سيخفف أو يلغي تأثير إلغاء دعم الوقود ورفع أسعاره، وستؤثر زيادة استهلاك الوقود سلبًا في البيئة ما لم تتحسن مواصفات الوقود والمركبات بيئيًّا، وكذلك سيزيد السماح بقيادة المرأة من تمكين المرأة خصوصًا المعيلة لنفسها أو أسرتها، وييسر وصولها إلى العمل والتعلم، وستتضرر شركات التوصيل وسيارات الأجرة على الأمد الطويل من تراجع طلب النساء على خدماتها. كما أوصى المناقشون أن يُعاد نقاش هذه القضية مرة أخرى بعد اكتمال الدراسة حتى يكون هناك إثراء للنقاش بعد اتضاح المشهد كامل.

………………………………………………………..

القضية الثانية:

الورقة الرئيسة: وزارة الثقافة.. المعنى والدلالة

الكاتب: د. عبد الله بن ناصر الحمود
المعقبان:
د. هند الخليفة.

د. راشد العبد الكريم.

إدارة الحوار: د. نوف الغامدي.

مقدمة:

تُعدُّ الثقافة من الركائز الأساسية للدول المتطورة، فهي القوة الناعمة التي تكمل القوة العسكرية والقوة الاقتصادية، ولا شك أنَّ إنشاء وزارة الثقافة هو قرار تاريخي يواكب النهضة التي تشهدها المملكة، ويؤكد على إدراك واهتمام القيادة بالقوة الناعمة، وسبل تطويرها واستثمارها، فالثقافة محور مهم في التنمية ورؤية المملكة ٢٠٣٠، وتوظيفها سيكون أكثر فاعلية في الرؤية من خلال وزارة مستقلة للثقافة. فقد أرست رؤية السعودية 2030 التي أعلنها ولي العهد الأمير محمد بن سلمان انطلاقة جديدة للثقافة السعودية، باعتبارها أحد أهم محركات التحوُّل الوطني نحو التنمية البشرية. لذا كانت قضية وزارة الثقافة.. المعنى والدلالة من القضايا المهمة التي طرحها ملتقى أسبار من خلال ورقة العمل التي قدَّمها د. عبد الله بن ناصر الحمود. وتم التعقيب على موضوع الورقة، وجرت حولها مداخلات عديدة ناقشت: (صناعة الثقافة والتنمية، تأثير فصل الثقافة عن الإعلام على المشهد الثقافي، الثقافة والقوة الناعمة للمملكة، أهمية الثقافة كقوة ناعمة، الممارسة الثقافية والاكتساب الثقافي، المأمول في اهتمامات وزارة الثقافة، ثقافة الشعوب لا تُستورد، مسؤوليات وزارة الثقافة، الثقافة وخصوصية المملكة، جهات وإدارات متعددة مسؤولة عن الثقافة، الفلكلور والموروث الشعبي الفني، بناء الثقافة الراسخة، الثقافة ومقومات جودة الحياة). وفي النهاية اقترح الأعضاء المناقشون العديد من التوصيات المهمة؛ وفيما يلي نصُّ الورقة التي كتبها دكتور/ عبد الله بن ناصر الحمود، وعقَّب عليها كلٌّ من الدكتورة/ هند الخليفة، والدكتور/ راشد العبد الكريم.

كتب د. عبد الله بن ناصر الحمود في ورقته الرئيسة عن (وزارة الثقافة.. المعنى والدلالة): عندما أصدرت منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة (Unesco) في عام 1980م مجموعة إصداراتها حول السياسات الثقافية في الدول العربية، كانت تهدف من تلك المجموعة إلى (توضيح كيفية تخطيط مختلف الدول الأعضاء لسياساتها الثقافية وتطبيقها لها)، وقد قدَّم كلٌّ من محمد المنيع وعبد الرحمن السبيت في دراستهما للسياسة الثقافية في المملكة العربية السعودية التي أجرياها لصالح المنظمة – ضمن تلك المجموعة- حصرًا للمؤسسات والجمعيات والمراكز الثقافية المتاحة في المجتمع السعودي آنذاك، شملت: مؤسسات التعليم، والمكتبات، ومراكز العلوم، وإدارات الشؤون الثقافية، ورعاية الشباب، والمؤسسات الإعلامية، وجمعيات الثقافة والفنون، والأندية الأدبية. وقد دخلت معظم مؤسسات المجتمع في الدراسة المشار إليها.

العرب والثقافة:

تعدُّ الخطة الشاملة للثقافة العربية التي أنجزت في عام 1407هـ، 1987م من أهم الخطط التأسيسية لتقويم الحالة الثقافية العربية. وقد أشارت إلى أن من التحديات المهمة التي تواجه الثقافة العربية بشكل عام، حينذاك (التخلف وعدم الوعي لدى كثير من المواطنين) وأشار هذا التحدي إلى ارتفاع نسب الأمية في البلاد العربية، سواء منها أمية القراءة والكتابة، أم الأمية الوظيفية، أم الأمية التقنية. وأكدت هذه الملاحظة في الخطة إلى ضرورة اتساق العمل الثقافي مع هذه الحقيقة، من خلال تطوير مستوى أداء المؤسسات المجتمعية للتفاعل مع شرائح المجتمع وفئاته، بحسب قدرات كل شريحة وإمكاناتها الاتصالية.

واليوم، وعلى الرغم من التطوُّرات التي شهدتها الدول العربية خلال العقدين الأخيرين، وبخاصة التطور الكبير في مجال (استخدام) الاتصالات المتقدمة وتقنيات البث والاستقبال الداعمة لأي فعل ثقافي، إلا أن مظاهر الإشكالات الثقافية (عند العرب) لا تزال ماثلة، مع اختلافها النسبي بين مجتمع عربي وآخر.

وقد زاد من تلك الإشكالات تدهور كثير من الأوضاع العربية نتيجة صراعات ما سُمِّي بالربيع العربي، ونواتجه. ومن أبرز نواتجه اتساع دوائر (الاستقطاب) وتأثيراتها الكبرى على الحالة الثقافية العربية.

المملكة والثقافة:

يمكن اعتبار خطة التنمية السادسة (1415-1420هـ) التي أصدرتها وزارة التخطيط في المملكة العربية السعودية، أي قبل ما يزيد عن عقدين من الزمان، مفصلًا تاريخيًّا في التنمية الثقافية في المملكة، حيث تضمنت عددًا من المحاور المهمة في مجال التنمية الثقافية في المجتمع، منها: توفير الظروف المناسبة والإمكانات المطلوبة لإثراء شخصية المواطن السعودي، وبناء تكاملها فيما يعزز فيه قيم الوعي بالعقيدة، والقدرة على الانخراط ضمن حركة التطوُّر الإنساني، وإثراء البنية الفكرية والعمل على تطويرها بشكل دائم، بحكم أن الثقافة ركنٌ أساسي في البناء الحضاري للوطن، ودعم النشاط الثقافي بمعطيات البحوث العلمية والدراسات الأكاديمية، والنهوض بالإنتاج الفكري والأدبي والفني إلى حد يجعله قادرًا على الحوار مع الثقافات الأخرى، بحيث يعطيها على قدر ما يستفيد منها.

كما أشارت المادة الثامنة عشرة من السياسة الإعلامية للمملكة إلى أهمية دعم العمل الثقافي في المجتمع السعودي من خلال تشجيع الباحثين والعلماء والمفكرين، ورعاية المواهب الشابة بتشجيعها ماديًّا ومعنويًّا، وتعاهدها حتى تبلغ المستوى المطلوب، وعقد الندوات الفكرية، والمؤتمرات الأدبية والعلمية، واللقاءات بين المثقفين من أبناء المملكة ونظرائهم في الخارج؛ بغية الإسهام في الحياة العلمية الجادة، وفتح أبواب الحوار البناء، وإبراز الوجه الثقافي والعلمي للمملكة في الداخل والخارج، وتشجيع المجلات المتخصصة التي تصدر في المملكة خاصة، وفي العالم العربي والإسلامي عامة، بما يتفق مع السياسة الإعلامية، وتشجيع دور النشر الوطنية، ومساندتها ماديًّا ومعنويًّا.

لماذا جمعنا بين الإعلام والثقافة في حقبة مضت؟

لتحقيق الأهداف المهمة لكلٍّ من الخطة الشاملة للثقافة العربية، وخطة التنمية السادسة في المملكة العربية السعودية، أشارت دراسات كثيرة خلال السنوات الماضية إلى أهمية دعم وتطوير قنوات الإعلام والاتصال بأنماطه ووسائله المختلفة، وتفعيل تلك القنوات في القيام بالواجب الوطني لمؤسسات المجتمع المختلفة، خاصة تلك المؤسسات الثقافية المعنية ببناء الإنسان وتربيته. ومن ذلك: ما ورد في إصدار المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم، بعنوان: “الثقافة وقضايا النشر والتوزيع في الوطن العربي” عام 1992(إن حياتنا المعاصرة تشهد تداخل الإعلام فيها بصورة شاملة، حتى يكاد الإعلام أن يحتويها ويتشعب في شتى مفاصلها). فللثقافة والإعلام هدف واحد هو مخاطبة الناس والاتصال بهم. فلا ثقافة دون إبلاغ وتعبير عن محتواها، ولا إعلام جيد دون ثقافة تؤازره. وشاعت تصورات تؤكد أن أجهزة الإعلام هي المسؤولة عن تلاقح الثقافات وتداخلها. وهي تصورات ليست بعيدة عن الحقيقة العلمية، لكن اشتراطاتها، جعلت منها نصف حقيقة.

وقامت تلك العلاقة بين القطاعين، على أساس “(مجموعة من الوظائف العامة التي يمكن أن تقوم بها وسائل الإعلام)، أهمها: الوظيفة الإخبارية؛ ووظيفة توفير رصيد مشترك من المعرفة يدعم التآزر، ويمكِّن أبناء المجتمع من التعايش والعمل المشترك؛ ووظيفة خلق الحوافز والدوافع عبر استثارة الهمم، وتشجيع التطلعات الفردية والجماعية؛ ووظيفة الحوار والنقاش لتمكين الأفراد والمجموعات من إبلاغ أصواتهم وآرائهم بما يكفل فرص الاطلاع والتفاهم، والتعرُّف على ظروف معيشة الآخرين وآرائهم وتطلعاتهم؛ ووظائف التربية والنهوض بالإنتاج الفكري، والترفيه وحماية الهوية الثقافية.

كما يجب أن تتكامل أجهزة الثقافة مع وسائل الإعلام في القيام بوظائف محددة لتلك الأجهزة، تتلخص في الحث على الإبداع والإنتاج بكل أوجهه الفكرية والفنية والمادية، ونشره وتوزيعه على أوسع نطاق بين الناس، وتفجير الطاقات الخلاقة الكامنة في الأشخاص والمجموعات، وتمكينها من الإسهام في إعداد الرسالة الثقافية وإبلاغها، وتهذيب الذوق العام، ودفع الجماهير إلى التفاعل مع الإنتاج الثقافي، والتفاعل مع المحيط الاجتماعي، والسعي إلى الارتقاء به إلى منزلة أسمى، وتناقل التراث بين الأجيال وإثرائه، وجعله السراج الذي ينير الحاضر، ويصل بين الماضي والمستقبل، وضمان الأمن الثقافي للمجتمع.

وقد عبَّر الدكتور عبد القادر طاش- رحمه الله- (وهو إعلامي بارز رأس قسم الإعلام في جامعة الإمام عدة سنوات، ورأَسَ تحرير جريدة المسلمون، وكان ناشطًا ثقافيًّا) عن خلاصة هذه العلاقة بين القطاعين الإعلامي والثقافي، بقوله: يعدُّ التفاعل الإيجابي بين الثقافة والإعلام هو الوضع الأمثل المنشود، فالثقافة هي مناط الشخصية السوية ومستودع قيمها، ووعاء حكمتها، وحقيقة هويتها الحضارية؛ أما الإعلام فهو وعاء الثقافة، ووسيلة بنائها، وهو القناة الأكثر تأثيرًا في صياغة الرأي العام وفقا لمتطلبات الثقافة وضروراتها.

ومضة الفراق بين الإعلام والثقافة (مؤسسيًّا):

بعد الجمع بين الإعلام والثقافة في وزارة واحدة، اختلطت الوظيفتان ببعضهما. فلم أطلع على دراسات رصينة تفرِّق مهنيًّا بين (الوظيفة الثقافية) لوسائل الإعلام، و(الوظيفة الإعلامية) للمؤسسات الثقافية. وقد أدى هذا الأمر إلى شيء من التنافر بدل التكامل بين المؤسسات الإعلامية والأجهزة الثقافية في المجتمع. وفي ظل غياب التكامل المنشود الذي كان مأمولًا (بين القطاعين)، بقيت كثير من وظائف الإعلام المتخصص لا تلبي الاحتياجات الفعلية لجمهور وسائل الإعلام.

هنا.. أتوقف عند مداخلة لأحد الكتَّاب.. في الصحافة السعودية، نشرها في العام 1999م، أي قبل أكثر من عشرة أعوام، يقول: (الشيء المثير أيضًا أنَّ كلَّ شيء يرتبط بالثقافة يتخذ طابع الجمود أو البطء، ويمكن أن تلاحظ ذلك في النوادي الأدبية والمجلات الأدبية، فحتى الآن ما زالت الصحف ترى أن الملاحق الأدبية هي مركز من المراكز الأساسية لوجودها، وقد جاء ذلك من أن الصحف السعودية في الأساس قامت على الملاحق الأدبية، وربما مرَّ الآن ثلاثة أجيال أو أربعة على مرحلة تأسيس الصحف، وما زال محررو الصفحات الثقافية يؤدون الدور نفسه الذي كان يؤديه أسلافهم، وبنفس المفاهيم التي وضعها المؤسسون، فكل ما حدث هو توسع في نفس الاتجاه، فما زالت الزوايا والمقابلات الصحفية مع الأدباء بمناسبة وبدون مناسبة، والمحاور الثقافية (جماعية) والمادة الوافدة من المكاتب الخارجية مع طراطيش خفيفة ممَّا يُسمَّى بالأعمال الإبداعية هي مادة الملاحق الأدبية).

لقد أوجدت هذه البيئة المتناقضة بين الأهمية الكبيرة للتوظيف الثقافي الأمثل لقنوات الإعلام والاتصال، وبين واقع هذا التوظيف المتسم بدرجة عالية من التواضع، حتمية المراجعة المتأنية من أجل صياغة فعل ثقافي رشيد.

ترسخ النظرة إلى ضرورة الفراق بين القطاعين (مؤسسيًّا):

بدأت الشقة تتسع بين الإعلاميين من جانب والثقافيين من جانب آخر بمختلف مشاربهم، نتيجة عدم الاتفاق على سياسة ثقافية (أو تثقيفية) واحدة، وفي المقابل، عدم الاتفاق على سياسة إعلامية واحدة من قبل الطرفين الإعلامي والثقافي.

وتشير دراسات العلاقة بين سياسة وسائل الإعلام والسياسة الثقافية إلى أن فعالية وسائل الإعلام تزداد إذا كانت تلك الوسائل تعمل في ضوء سياسة إعلامية ثقافية واضحة ومحددة المعالم، حيث يتيح ذلك إمكانية التخطيط طويل المدى للسياسات الإعلامية في المؤسسات المعنية بالشأن الثقافي. ويعني أيضًا طرح نسق قيمي متكامل، ووضوحًا للمعايير والمبادئ التي تلتزم بها وسائل الإعلام. وهذا الأمر يعني أهمية التكامل بين وسائل الإعلام وأجهزة الثقافة في المجتمع في مجمل القضايا والموضوعات اللازمة لكلٍّ من الجهازين. ذلك أن التكامل في عمل أجهزة الإعلام وأجهزة الثقافة يقوم بدور أساس في نجاح المؤسستين الثقافية والإعلامية أو فشلهما في وظائفهما الثقافية. كما تشير دراسات متعددة إلى أهمية التكامل في مجال البحث والتوثيق. وتُقدِّم دراسات أخرى توصيات مهمة لصالح إجراءات التكامل في السياسة الثقافية لكلٍّ من القطاعين، وكذلك توصيات تنفيذية للمؤسسات الإعلامية والثقافية في الوطن العربي.

وحيث لم تكن تلك الأسس التكاملية ماثلة في الحياة العملية، فقد ترسخت ضرورات الفراق بين القطاعين على المستوى المؤسسي.

وقد كنتُ أجريتُ في العام 2011م دراسة حول التكامل بين الإعلام والثقافة، إلا أن مستوى هذا التكامل والجهة المسؤولة عن تنفيذه لم يكن محل اتفاق بين المشاركين في (مجموعة التركيز) في تلك الدراسة. إذ يرى الأستاذ عبد الله الشهيل (وهو من خبَر العمل الثقافي السعودي) أن ارتباط الثقافة بالإعلام في التنظيم الوزاري الجديد (حينذاك) تحت مُسمَّى وزارة الثقافة والإعلام لن يؤديَ بالضرورة إلى دعم العمل الثقافي الاحترافي المهني، فالثقافة تحت منظومة الوزارة ستبقى عملًا إداريًّا، أمَّا الثقافة بالمفهوم الذي يتطلع إليه المهنيون، فلابد أن يكون لها مجلس أعلى على غرار الهيئة العليا للسياحة والهيئات الأخرى المماثلة. كما أن العمل الثقافي تحت مظلة المجالس العليا المتخصصة عالية التأهيل سيكون أفضل للثقافة؛ لأنَّ هذا الإجراء سيسمح بالتحرك بحرية أكثر، وينعتق من روابط وقيود كثيرة. وربما يعود ذلك إلى ضرورة التفريق بين الإشراف الإداري من جانب والعمل المهني الاحترافي من جانب، واحتمالية هيمنة الجوانب الإدارية على العمل المهني عندما تتولى جهة إدارية تنظيمية الشأن الثقافي كله.

الحقائق الست الكؤود التي قادت للانفصال:

هناك ست حقائق- كما يظهر لي- قادت للانفصال المؤسسي بين القطاعين الإعلامي الثقافي:

الأولى: عزوف متبادل: عزوف وسائل الإعلام عن التعاطي مع المؤسسات الثقافية؛ لأنها تعتقد في ضعف مصداقية المؤسسات الثقافية من جانب، وبنقص حماسها لأداء وظائفها من جانب آخر، فليس لدى المؤسسات الثقافية- كما يرى الإعلاميون- حماس للعمل، أو أنها لا تحمل الهم الثقافي المجتمعي إلا بمجرد كونه جزءًا من مهماتها الإدارية. وقد أدى هذا الأمر، كما يبدو، إلى فقدان الثقة بين وسائل الإعلام والمؤسسات الثقافية. غير أن الوضع لا يبدو أفضل حالًا بالنسبة لوسائل الإعلام في تعاملها مع المنتج الثقافي، إذ يوجد فهم بائس في الصحافة وفي وسائل الإعلام الأخرى لما هو ثقافي وهادف.

الثانية: أيديولوجيا ضاربة: عدم الاطمئنان إلى موقف واحد من الفن والمسرح والسينما والرسم والنحت والتشكيل، وحتى من حرية التفكير، والتعبير عن الأفكار، وهو ما كان يعني اضطراب المصطلح، وغياب الفهم وضياع الهدف، وبروز قدر كبير من الأيديولوجيا التي لا تزكي الفعل الثقافي وتنميه، ولكنها كانت تحدُّ منه تارة، وتعصف به أحيانًا، وتقمعه في غالب الأحيان.

الثالثة: تنميط الثقافة: بدت الاهتمامات الثقافية تعدُّ في أصلها اهتمامات نخبوية موجهة لفئة معينة من الناس، أو هكذا نمطية تقديمها إعلاميًّا. وزاد هذا الأمر سوءًا ارتباط العمل الإعلامي إجمالًا بالخدمات الإعلانية، والمعلِن يهمه اتساع القاعدة الجماهيرية للمادة الإعلامية التي يستخدمها في الإعلان، وبذلك اتجهت وسائل الإعلام إلى المؤسسات والموضوعات التي تحظى مخرجاتها بشعبية جماهيرية واسعة، وهو الأمر الذي لم يكن يروق بالضرورة للمؤسسات الثقافية.

الرابعة: تضليل ثقافي: التجاذبات القائمة على مخاطر (التضليل الثقافي) الذي يمكن تبيُّن ملامحه في كل عمل يهدف إلى صرف أنظار الناس عن قضاياهم الحقيقية، وعما يعانون منه في واقعهم الثقافي الاجتماعي. وهو ما يظهر من الإهمال الشديد للفكر كفكر؛ أي كأفكار وقضايا خالصة، وكنظريات ثقافية اجتماعية، وكمناهج وأبحاث ودراسات، وكبحث علمي، أو كبحث منطقي موضوعي عن حلول عملية للمشكلات الثقافية والاجتماعية. كما ظهر التضليل الثقافي كذلك في الإهمال الشديد لمؤسسات الفكر؛ من جامعات، ومراكز بحث، ودور نشر، وكتب ودوريات، ومن عدم اهتمام بما تنتجه، أو بما تتوصل إليه من نتائج أو من أفكار وقضايا، ومن إهمال للمفكرين والعلماء الدارسين والباحثين، ولإبداعاتهم وكتاباتهم وآرائهم وتحليلاتهم للواقع من حولهم.

الخامسة: طغيان الهبوط: طغيان ثقافة الهبوط، وتذبذب الوعي بالفعل الإعلامي الثقافي الرشيد. فالفعل الثقافي رسالة يُفترض أنها تنبض بالحياة، تتحرك نحو السمو، تقود المشاعر نحو الخير، نحو الفضيلة، وتربي العواطف، وترتقي بالإحساس، وتدفع من ثَمَّ إلى العمل، إلى الإنتاج، إلى الابتكار، وليس هو صورة خادعة، براقة تؤجج الغريزة، وتدفع إلى الفراغ، أو أنها ثقافة الانعزال وتخوين الآخر والنيل منه.

السادسة: فَقْد التمايز: التفرُّد بالفعل الثقافي، فالثقافة هي ” اختيار” و”مجهود”. وظهر من الجمع بين القطاعين أن الناس لم تعد تختار ما تسمعه وتراه في وسائل الإعلام العامة بالضرورة. فهذه الوسائل تنتهي بأن تحاصر الفردية، والإبداع، والتمايز، فكل الناس يسمعون ويشاهدون الأحاديث والمشاهد نفسها، وفي هذه الحالة ينتهي بهم الأمر إلى أن يصبحوا جميعًا نُسخًا متشابهة.

اليوم: لدينا وزارة للثقافة.. المعنى والدلالة:

تحقق الانفصال، وأصبحنا نملك وزارة مستقلة للثقافة، فما معنى ذلك؟ وما دلالاته؟ يبدو لي باختصار شديد، أن الجسد الثقافي السعودي انتفض، وأن المارد نهض، وتفتق عن حراك غير مسبوق، ولم يعد بوسع المؤسسات التقليدية في المجتمع أن تحتويه، ولا حتى تفهمه. وأن قطاعات عريضة من المجتمع ستمثل أو هي بالفعل مثلت، (قطب الممانعة) لصولة المارد الثقافي الذي ظلَّ نائمًا لعقود من الزمن.

من هنا، لا مناص من كيان ثقافي قوي مستقل، يتحمل تبعات النهوض، ويعبر نحو المستقبل. ولأننا قد بتنا في العهد الجديد، يافعين، فاعلين، واثقين أكثر، وحاسمين؛ فقد كانت المبادرة بإنشاء الهيئة العامة للثقافة، لتليها في وقت وجيز وزارة الثقافة.

سينشغل التقليديون من بيننا بمحاولة فَهْم المزاوجة بين الهيئة والوزارة، ويفندون رؤاهم نحو مخاطر وجود كيانين، لكن اليافعين منا، الواثقين والحاسمين، سوف يتجاوزون ذلك للنظر إلى الأفق البعيد الذي نسعى لبلوغه ثقافيًّا.

المستقبل الثقافي الذي ننشده:

يبقى السؤال الكبير الذي أرجو أن تتناوله المداخلات والتعقيبات، ما المستقبل الثقافي الذي ننشده؟ وكيف هو السبيل؟

ومن جانبي، فإن المستقبل الثقافي الذي ننشده، هو(استرجاع الإنسان السعودي المختطف فكريًّا، وثقافيًّا، واجتماعيًّا). فقد سلب التطرُّف والتشدُّد بريقنا الثقافي، وأعاقت (المواربة) الخلاص الذي نشدناه في زمن مضى، فكُنَّا نوارب فيه بلا حدود.

الإنسان السعودي، العربي المسلم الشهم، الكريم، المحب، الودود، المنتج. الإنسان السعودي المقبل على الحياة لا المدبر عنها، العامل فيها لا المستكين لأيديولوجيا العزلة والفرقة والخصومة مع الآخرين.

أما السبيل إلى ذلك

فمن خلال الإيمان العميق بأننا نعبر مرحلة (تغيّر) اجتماعي، مهمة وحاسمة. وأن علينا أن نقبل هذه المرحلة بشروطها. فللتغير المجتمعي (توابع) لا يمكن الفكاك منها، نتيجة اهتزاز (المعتاد) من الأقوال والأفعال. ونتيجة (اضطراب) الحالة المرجعية للناس والجماعات. فينتج عن هذه الحالة خوف وقلق على الذات والآخرين، من لدن كثير من الناس، نتيجة ترسُّخ ثقافة (الوصاية) التي كبَّلت التفكير، ومنعت فكرة التغيير ذاتها لعقود مضت. لكنه خوف يتبدد تدريجيًّا، مع ترسُّخ المفاهيم والسلوكيات الجديدة في الفعل الثقافي الجديد، والمتجدد، لتبدأ عمليات التغيُّر المجتمعي تأخذ مداها، ولتبدأ المفاهيم والسلوكيات الجديدة تفرض نفسها كواقع جديد للناس والحياة.

صحيح، أن الصرخة الثقافية كانت عالية.. عالية جدًّا، لكنني مؤمن أن الصراخ بقدر الألم. فمجتمعنا كان يتألم ويئنُّ من سطوة الأيديولوجيا، حتى صرخ. وإنني لعلى يقين أنها صرخة (مولود) خرج من ضيق الرحم إلى سعة الحياة الدنيا.

فلنجعل حياتنا عامرةً بالفعل الرشيد، ولننفض عنَّا غُبار الماضي، ولننظر إلى مستقبلنا المشرق بحول الله، مستبشرين بخير عميم، ونصر عظيم، كما كنَّا مشرقين مؤنسين يوم بنينا هذا الكيان العظيم (السعودية).

طوبى لوزارة الثقافة الجديدة، وطوبى لفعلنا الثقافي الجديد، وطوبى لنا جميعًا، (فالثقافة) هي رهاننا الجديد يوم نعود لأصل ديننا، وننعم بخير أرضنا، ونضع إنساننا السعودي حيث يجب أن يكون.

وكان تعقيب د. هند الخليفة: ‏تناولت ورقة الدكتور الحمود أحد عشر محورًا، سأقف عند بعض منها، وأركِّز على ما أشار إليه عن المستقبل الثقافي الذي ننشده، والسبيل إلى ذلك. وسأنطلقُ في عرض تصوري لهذا الجانب من القضية من مفهوم للثقافة أشار إليه الدكتور الحمود، ألا وهو “منهج الحياة”، فالثقافة التي أتحدثُ عنها هي نهج الحياة الذي نعيشه فكرًا ووجدانًا وسلوكًا.

‏ تناول الدكتور الحمود في مستهل ورقته الإشكاليات الثقافية التي تحول دون تنفيذ الخطط التنموية الثقافية في الدول العربية، وأشار إلى أن من أهم التحديات التي تواجه الثقافة العربية تحدي التخلف وعدم الوعي لدى كثير من المواطنين. وأرجع ذلك إلى ارتفاع نسبة ‏الأمية بكافة أشكالها. ‏هذه الإشكاليات التي ظهرت في القرن العشرين، يرى الدكتور الحمود أن التغير السياسي في القرن الحادي والعشرين قد أدى إلى تعميق هذه الإشكاليات، وتدهور الأوضاع العربية نتيجة الصراعات الداخلية، واتساع دوائر الاستقطاب وتأثيرها على الحالة الثقافية العربية.

وفِي مراجعة هذه الإشكاليات وتداعياتها على ثقافة الإنسان العربي، أرى أن التربية هي المفصل والمعول الحقيقي الذي يمكن أن يجتث جذور التخلف، والأخذ بزمام التغيير نحو المستقبل. فالتربية- كما أطلق عليها الدكتور محمد جواد رضا في كتابه: (العرب وتربية المستقبل)- إما أن تكون تربية النكوص، أو تربية الأمل. وفي تقريرها ‏عن تربية القرن الحادي والعشرين أجملت اليونسكو الغرض من التربية في هذا القرن، بالطريقة التي تستطيع بها التربية أن تغرس وتنمي الطاقات المبدعة في كل فرد، وفي الوقت ذاته أن تسهم في تطوير تماسُك المجتمع في زمن يزداد عولمة يومًا بعد يوم. وهذه ‏مهمة مستقبلية مزدوجة تجعل الإنسان محور عملها وأسمى غاياتها، وهي مهمة مشروطة بتفتيح العقل الإنساني ونضجه بأعلى درجات المرونة (رضا: ٢٠٠٠).

ويمكن القياس على ذلك عند التفكُّر في دور الثقافة في تربية الفرد في المجتمع السعودي. ماذا ينبغي للوزارة أن تفعل لتأخذ بالمواطنين إلى المستقبل؟ وكيف تحقق التوازن بين التغيرين المادي والمعنوي، وبين الكم والكيف، والأصالة والمعاصرة..لكي لا نبقى تحت إسر إشكاليات عهد قد مضى، وفي الوقت ذاته لا نأتي إلى المحفل وطبقُنا فارغ في زمن الوفرة وتعدُّد الأطياف والمصادر؟ وأقف هنا عند مقولة مالك بن نبي:” إن الأخطر من الاستعمار هو القابلية للاستعمار. وأخطرها- من وجهة نظري- الاستعمار الثقافي الوجداني قبل المادي. وبالتالي، فثمة دور مستقبلي مهم ومتوقع من وزارة الثقافة، وهو إيجاد معادلة التوازن بين تعزيز الهوية المحلية والانتماء الثقافي، وبين الانفتاح وقبول الآخر والاندماج معه، دون ذوبان أو إقصاء. ويتجلى هنا دور التربية الثقافية في بناء الإنسان السعودي المتوازن والمعتدل.

‏ تناولت الورقة أيضًا جانبًا آخر، وهو المملكة والثقافة. وناقشت الإشكاليات المؤسسية في إدارة العمل الثقافي في المملكة بين جَمْع الإعلام والثقافة في وزارة واحدة أو الفصل بينهما. وبالرغم من أهمية هذا التنظيم المؤسسي لإدارة العمل الثقافي، إلا أن تعثُّر هذا القطاع- في نظري- ينبثق من فلسفة العمل التي ينقصها الشمولية والتكامل والتناغم في الفكر والعمل. فالوزارة، بأي صيغة كانت، انطلاقتها ونجاح عملها يعتمد على مضمون العمل بالدرجة الأولى، وإن كان تخصيص وزارة مستقلة للثقافة يوفر أرضية للتركيز والتميز، وتأتي التطلعات بحجم هذا التغير الإداري، ويتوجه الطموح للانتقاء النوعي للعمل الثقافي ليكون غذاءً للفكر والذوق، مستهدفًا فئات وأطياف المجتمع المختلفة؛ من أطفال وشباب، ذكور وإناث، متعلمين وأميين…وغيرهم.

“استرجاع الإنسان السعودي المختطف”- كما وصف د. الحمود- المهمة المستقبلية للعمل الثقافي في المملكة، أضيف إلى ذلك بناء الإنسان السعودي الواثق من الماضي والمُقدِم على المستقبل، والمتصالح مع نفسه والآخرين.

كما عقب د. راشد العبد الكريم: أبدأ بالتأكيد على أهمية المفهوم؛ لأنه من الصعب الحديث عن (المعنى والدلالة) لحدث ما دون معرفة المفهوم المرتبط. وغالبًا سبب عقم كثير من الحوارات، هو تعدد المفهومات أو عدم وضوحها. بالإضافة إلى أن الحوار حول مفهوم الثقافة جزء أساسي من المشهد الثقافي، والقفز عليه يسهم في استمرار حالة عدم النضج الثقافي، كما أنه يجعل تحديد (المثقف) والفعل الثقافي الرشيد أمرًا ملتبسًا.

الثقافة السعودية – بوجهها الفكري- متماهية في الثقافة العربية، ولا تنفرد بهوية (صغرى) خاصة بها، وأعتقدُ أن الثقافة السعودية بلغت من النضج ما يؤهلها للتفرُّد، وتشكُّل هويتها الخاصة ضمن الإطار العام للثقافة العربية الإسلامية الجامعة.

يجب أن تُوضع سياسة ثقافية تُحدِّد الثوابت والمرتكزات والقيم الأساسية التي تؤطِّر الفعل الثقافي. ويجب أن تُوضع معايير توجه الممارسات، وأعراف ثقافية تسهم في الحد من العبث والسطحية، والوقوف في وجه ما يُهدِّد مقومات الثقافة العربية السعودية.

لا شكَّ أننا نمرُّ بمرحلة تغير ثقافي تعاضد في إيجادها عدد من العوامل، لكن مهمة المثقف في هذه الحالات ليست تدبيج الخطب وتسجيل الانتصارات- التي غالبها وهمي -؛ إنما مهمته هي المشاركة في ترشيد هذا التغير، وفتح آفاق من الإبداع الأصيل، بدلًا من حشد الدعاوى التي تفتقد إلى التمحيص، ولا تزيد عن نقل المشهد الثقافي من أيديولوجيا خاصة إلى أيديلوجيا عولمية. الثقافة التي ننشدها يجب أن تخرج من نطاق ردة الفعل، لتكون فعلًا إبداعيًّا مؤسَّسًا بذاتها.

كما أن للتغير الثقافي قوى ممانعة، فله أيضًا قوى مسرعة، وكلا الأمرين جزء عضوي من جسم الثقافة، وآليات “طبيعية” في أي ثقافة، وكلاهما يعتريه التطرُّف، ومهمة المثقف – ووزارة الثقافة– أن تضبط التوازن بين هاتين الآليتين، وأن تجعلهما يسيران في سياقهما الطبيعي. فالثقافة الناضجة هي ما خرج من بين فرث المسارعة ودم الممانعة. وما سوى ذلك سيكون تكرارًا لتجارب عربية سابقة بعثراتها وكبواتها.

أعتقدُ أن القول بأن (الجسد الثقافي السعودي انتفض.. وأن المارد نهض، وتفتق عن حراك غير مسبوق، ولم يعد بوسع المؤسسات التقليدية في المجتمع أن تحتويه، ولا حتى تفهمه، وأن قطاعات عريضة من المجتمع ستمثل أو هي بالفعل مثلت، (قطب الممانعة) لصولة المارد الثقافي الذي ظلَّ نائمًا لعقود من الزمن.) فيه نوع من الاختزال للحراك الثقافي، وقد يُفهم منه تبسيط الإنتاج الثقافي الأصيل، وقد يكون لهذا التصوُّر أثرٌ عكسيٌّ. وأخشى أن يؤدي هذا الطرح إلى الخلط بين الإنتاج الثقافي والانفتاح الثقافي.

أخيرًا؛ فإنني لا أحبُّ استخدام مفردة (مختطف) ومشتقاتها، في سياق الثقافة؛ لأسباب، منها: أنني لا أعتقد أن ثقافتنا اختطفت، إنما كانت (ولا زالت) هزيلة، بحيث لم تستطع أن تجذب – أو تقنع – الجمهور. وعلى التنزُّل بأن هناك (اختطافًا)، فهذا جزء من السيرورة الثقافية، التي كان الأجدر بالمثقفين (غير المختطفين) تفكيكها، وبيان أوجه الخلل فيها، وطرح البديل، بدلًا من ادعاء المظلومية، وإلقاء اللوم على الآخرين. كما أن التراشق بهذه الكلمة سهل، وحلقة مفرغة، ولا يؤدي إلا لجعلنا في النهاية جميعًا مختطفين.

المداخلات:

صناعة الثقافة والتنمية:

أشارت د. نوف الغامدي إلى أن صناعة الثقافة تعني اليوم أن التنمية ليست حكرًا على التنمية الاقتصادية، بل إن تنمية الثقافة تُشكِّل أهمية خاصة، باعتبار أن الثقافة حاملة للهوية، هوية الوطن والإنسان والفكر.

السعودية أيقظت قوتها الناعمة من خلال قرار فصل الثقافة عن الإعلام، وإفراد الثقافة بوزارة مستقلة يُعدُّ مشروعًا يتعلق بالتنمية الثقافية لصناعة حركة ثقافية مختلفة في السعودية. ووجدت الدولة أن التنمية الثقافية هي جزء مهم من تنمية الاقتصاد والإصلاحين الاجتماعي والسياسي، وهي ثقافة موازية لها، ولها ثقلها بالغ الأهمية. وأتساءل: كيف ستعزز وزارة الثقافة هذا الدور المهم لها في المستقبل من خلال تعزيز الوعي الثقافي؟ وهل التعاون بين وزارة التعليم ووزارة الثقافة له دور كبير في تحقيق التوازن الثقافي في المجتمع بين التغيرين المادي والمعنوي، أم أن برامجها التنفيذية وتركيزها على العمل منفردة سيعزز من جودة مخرجاتها؟

ذكرت د. هند الخليفة أن وزارة الثقافة الآن تتحمل مسؤولية كبيرة في انتقاء عملها وبرامجها، والتي لابد أن تستند إلى معايير محددة، وتنطلق من أولويات وقيم واضحة لترتقي بالذوق العام، وتربي الوجدان والإنسان.

ولابد لعملها أن يتآزر مع عمل التعليم، وإلا سنبقى ندور في دوائر مفرغة، فـ (التكامل، والتعاون، والشمولية) مبادئ أساسية لإنجاح العمل الثقافي والتربوي.

تأثير فصل الثقافة عن الإعلام على المشهد الثقافي:

وحول تساؤل د. نوف الغامدي، كيف نرى تأثير قرار فصل الثقافة عن الإعلام على المشهد الثقافي في السعودية؟ وكيف يمكن ضبط التوازن بين قوى الممانعة والقوى المسرعة للتغيير الثقافي؟ أجاب أ. محمد الدندني بأن هذا السؤال يقودنا إلى مقدرة وزارة الثقافة مع الجهات المختصة لتقليل أو تضييق المنطقة الرمادية بين القوى الممانعة والمؤيدة لتعريف الثقافة السعودية. هل ستسنُّ تشريعات وقوانين؟ وبنظرة أشمل؛ هل الهوية تُحدِّدها الثقافة؟ وهل تتغير الهوية، أو تتجدد مع التغير الثقافي؟

ذكر د. راشد العبد الكريم أن هناك أهمية للحوار الحرِّ النزيه في إطار الثوابت الدينية والوطنية، وأيضًا تعظيم مسؤولية الكلمة بالبعد عن ثقافة “المشاغبة” التي تجعل للإثارة الإعلامية أولوية على الفكر، وقد يكون فك الارتباط بين الثقافة والإعلام معينًا على ذلك، وهذا يلزم منه إيجاد منابر ثقافية رصينة وناضجة تجعل من العسير على أدعياء الثقافة أو ذوي الثقافة غير الناضجة التصدُّر.

وأضاف أ.محمد الدندني أنه مادام لدينا جمعيات الثقافة والفنون في أغلب أو كل المناطق، فمن المتأخر اقتراح لما لم تسمَّ وزارة الثقافة والفنون، فهل سنرى تفعيلًا أكثر للفنون والآداب في جمعيات الفنون والأندية الأدبية؟ وهو ما ذهبت إليه د. نوف الغامدي بأنه من المفترض تفعيلها بشكل يضمن تعزيز دورها. وأكد أ. محمد الدندني على أن الفنون والآداب جزءٌ مهم من هوية أي شعب، ونرجو أن تُقام فعاليات عديدة، سواء أكانت مشتركة بين المناطق، أو كانت خاصة بمناطق معينة؛ كالألعاب الشعبية، وعادات هي من التراث وَمِمَّا يحث عليه الدين.

وأضافت د. نوف الغامدي: إذًا نحن نتحدث عن إلغاء المساحة الرمادية كما قال أ. محمد، وبالتالي معايير عالية للقطاع. إلا أن د. راشد العبد الكريم يرى- من وجهة نظره- أن إلغاءها غير ممكن، لكن يمكن تضييقها، وإلغاء غير الضروري منها.

الممارسة الثقافية والاكتساب الثقافي:

أشار د.عبد الله بن صالح الحمود إلى أننا حينما نتفهم أن الثقافة هي سلوك اجتماعي ومعيار للمجتمعات البشرية. فهنا أودُّ أن أطرح تساؤلًا عن ماهية الثقافة أصلًا، بمعنى ماذا تعني لنا الثقافة؟ فهل الثقافة تعني اكتساب المعارف لنجني ثمارها؟ إذا كان هذا هو القول الراجح لدى كلِّ مَنْ يؤمن بالثقافة عامة، فلنسأل أنفسنا: ماذا أخذنا من الممارسة الثقافية؟ وماذا أعطينا؟ يُلاحظ أن بعضًا من الأوطان التي تكتسب ثقافات الشعوب تجدها تنتفع من هذه المكاسب إلى نحو يرفع مِن قدرها، وترقى شعوبها نحو آمال كانت تنشدها. وهناك أوطان عاشت بينها شعوب متعددة، ولم تتشرب من ثقافاتها، بل أيضًا تجد تلك الشعوب تغربت إلى بلدان تتنوع فيها ثقافات متعددة وعالية القدر، إلا أنها لا تزال أوطانًا تميل إلى التراجع أكثر من التقدُّم الفكري والثقافي.

تُرى ما هي الأسباب التي تؤدي إلى فشل بعض الشعوب أو الدول عامة في عدم الاكتساب الثقافي الذي يُعدُّ إحدى الركائز الأساسية نحو بناء وطن شامخ؟ في ظني، أن الغياب التعليمي المميز، وانعدام الانفتاح مع الشعوب، فضلًا عن التحفُّظ الاجتماعي غير المبرر؛ كل تلك الأسباب أسهمت في جَعْل العجلة الثقافية بطيئة النمو، ما أدَّى في الوقت نفسه إلى محدودية النيل ممَّا يُسمَّى بالتغير الثقافي، والتغير الثقافي شأنه شأن التغير الاجتماعي، إذ لابد من أن تكتسب المجتمعات تغييرًا في ثقافاتها حتى وإن وصلت إلى مقدار مشهود بالثقافات الرصينة أو قمة الثقافة، فالتغير الثقافي مطلب ضروري لاكتساب ثقافة الآخر، وهذا الأمر لن يتحقق إلا بالقبول والتطبيق، فمن دون ذلك يفقد المجتمع بناءً ثقافيًّا يكمل له بناء منظومة متكاملة تنهض بالمجتمع نحو تطوُّر متعدد الاتجاهات والمجالات.

ولهذا نلحظ أنَّ هناك مجتمعات تتغنى بالثقافات دون أن تدرك ماهيتها وأبعادها الحقيقية التي تعدُّ التسلح الحقيقي نحو الاكتساب والعطاء. إنَّ كلمة (ثقافة) لا يجب أن تُلقى ككلمة فحسب، فهي أسمى من أن يُقال لمجتمع ما أو فرد ما أنه مثقف. الثقافة- في ظني- هي استلهام الأشياء واقتناؤها وصولًا إلى قمة العطاء في الإخراج الداعم أو الخادم- إن صح القول- لجعل المجتمع أكثر تفهمًا وحبًّا للرسالة الملقاة على عاتقه، وهذا ما يفترض اكتسابه والإتيان به.

الثقافة والقوة الناعمة للمملكة:

أشارت د. نوف الغادمدي إلى أن الثقافة تتكون من خمسة عناصر: الأدب، والفنون الجميلة من مرسم ونحت وما يتصل بذلك، والمسرح، والموسيقى، والسينما، وهي بمستوياتها المتعددة هوية وذاكرة وسجل للوطن.

وأذكرُ أن وزارات الثقافة تضطلع عادة في كل دول العالم بمسؤولية المتاحف العامة وحماية المواقع التاريخية والأثرية والتراثية، والتعريف بها، وتسجيلها في قائمة منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة “اليونسكو” للتراث العالمي، وهو الدور الذي يُتوقع أن تقوم به وزارة الثقافة السعودية، ويدخل في نطاق اختصاصها. هي تملك الآن ملف المواقع التاريخية، فهناك تسعة مواقع جديدة في قائمة “اليونسكو”، هي: (درب زبيدة، طريق الحج الشامي، طريق الحج المصري، سكة حديد الحجاز، قرية الفاو، قرية رجال ألمع التراثية، قرية ذي عين التراثية، موقع الفنون الصخرية في بئر حمى بمنطقة نجران، وحي الدرع بدومة الجندل بمنطقة الجوف)، اعتُمدت منها جدة التاريخية بإدارة وميزانية مستقلة، مدائن صالح، والدرعية، والنقوش الصخرية في حائل، وأخيرًا واحة الأحساء.

فهل ستسعى الوزارة إلى تعزيز القوة الناعمة للسعودية، ونقلها لمرحلة جديدة تاريخية؟ وهل ستخلق الوزارة فرصًا جديدة وعصرية للعمل مع المتغيرات الكبيرة؟

يرى أ. محمد الدندني أنه بلا شك أنَّ ما ذُكر جزء مهمً وكبير من الثقافة، ولنقُل عناصر ملموسة. هناك عناصر تبدو بسيطة وفردية إذا حسُنت وكثرت تكون عناصر جمعية لثقافة شعب، وهي الأخلاق والسلوك. أما كقوة ناعمة فنعم؛ فمثلًا: ثقافة مصر في الخمسينيات والستينيات مازالت مؤثرة رغم الانتكاسات، وهي ما يقتات عليه المصريون الآن أقلها إقليميًّا. ولتكن لدينا قوة ناعمة مؤثرة، فعلى وزارة الثقافة حمل كبير، ولو أنه جزء من كل، فهي جزء من مشروع وطني، وفِي حالتنا هي رؤية 2030، وهذا سيعكس وينتج قوة ناعمة تعكس هوية شعب واضحة ومميزة.

اتفقت معه في ذلك د. نوف الغامدي، حيث ترى أن السعودية الجديدة اليوم لا تعتمد فقط على القوة العسكرية؛ بل تعمل على تأسيس قوة ناعمة لهندسة المجتمع وهيكلته ليتواكب فعليًّا مع الخطط الاقتصادية المستقبلية، وتهيئة جيل يكون شريكًا فكريًّا وثقافيًّا؛ أي أنها تعمل على صناعة رأس مال معرفي وفكري كجزء من خططها للاستثمار البشري.

أضاف أ.محمد الدندني أنه في التكوين الإقليمي نحتاج قوة ناعمة بقدر القوة العسكرية والاقتصادية؛ بسبب عقائدية الصراع، ولو أنه غطاء لأطماع قومية واقتصادية. الشعب المثقف الواعي سيكون أقوى عسكريًّا أيضًا. ولا ننسى أن الإنسان بطبعه يذود ويدافع عن مكتسبات لا يتخيل أن يفقدها أمام أي قوة.

أهمية الثقافة كقوة ناعمة:

ذهبت أ. منى أبو سليمان إلى أن الثقافة تُعدُّ إحدى أدوات القوة الناعمة المهمة. وأتمنى أعرف، كيف سيتم التعاون مع وزارة التعليم لإدخال مبادئ الثقافة المحلية الإقليمية والعالمية للطلبة؟

من جانبها ترى د. نوف الغامدي أن من أهم المطالب التي تنتظر وزارة الثقافة هي إدراك أهمية الثقافة كإحدى أدوات “القوة الناعمة” داخليًّا وخارجيًّا، بدءًا بتعليم مختلف الفنون للجيل الجديد، وتضمينها في المناهج الدراسية، ووصولًا إلى تفعيل دور الملحقيات الثقافية في السفارات السعودية، بعد نقل مسؤوليتها من وزارة التعليم إلى “الثقافة”؛ لإبراز الدور الحضاري للمملكة، ورسم وجهها الثقافي، والتعريف بمبدعيها وموروثها العريق.

وذكر أ. محمد الدندني أن هناك هيئات متعددة ذات علاقة بالثقافة: هيئة الثقافة والسياحة والترفيه غير التنسيق مع التعليم، بالإضافة للمهرجانات السنوية. جزر تحتاج جداول لربطها مع بعضها. أضافت د. نوف الغامدي أن ذلك يعني أنه لابد إذًا من استراتيجية وطنية لتعزيز البنية الثقافية.

المأمول في اهتمامات وزارة الثقافة:

يتصور د. مساعد المحيا أن د. عبد الله في ورقته عرض جوانب مهمة تتعلق بتاريخ ثم واقع المؤسسة الثقافية “الوزارة”، معرجًا على جوانب مما سيعتريها، وأن لا تكون مؤسسة غايتها تنظيم الفلكلورات والحفلات الغنائية كما هي الحال في اهتمام هيئة الثقافة. كما أنه رأى عدم الخوض في التعريف أو المفهوم، لكن اقتباساته من الخطة التنموية أظهرت مفهومه للثقافة، الذي يفترض أن يكون محور ورقته. وهذا مما ينبغي إبرازه كي تكون الوزارة أعم وأشمل في اهتمامها.

كذلك فإنني أختلفُ مع د عبد الله في مصطلح الاختطاف؛ لأن هذه لغة تتهم المجتمع بأنه بلا عقل واع ومدرك لما يريد ويحب. تمامًا كما كان الباحثون في الدراسات الإعلامية يتجهون إلى أن الجمهور سلبي، ثم تبين أنه جمهور نشط، بل وعنيد في استخدامه لوسائل الإعلام. فضلًا عن أن ذلك يفتح المجال لرأي مَنْ يرى أن المجتمع مختطف؛ إما من قِبل القوى الفكرية المحافظة، أو المجموعات الإعلامية غير المنضبطة قيميًّا.

إن ثقافة المجتمع السعودي تظلُّ على نحو عام ثقافة محافظة، وهوية البلاد وفقًا لدستورها “نظام الحكم” هوية إسلامية، ومرجعيتها الكتاب والسنة. هذا الأمر أدركُ أنه محل اتفاق، وأن التفاصيل والممارسة والتطبيق على أرض الواقع هي ما يحمل الكثير من الاختلاف، وهو أمر مقبول، وربما محمود حين يكون الخلاف في الأدوات والأساليب ونحوها. أما حين تبنى استراتيجية الثقافة على تصوُّر يُهمِّش تلك الهوية، أو يتغافل عن إبراز مواد نظام الحكم، فيكون ذلك أمرًا غير مقبول.

ووزارة الثقافة أحسبُ أنها المؤسسة التي ينبغي أن تتبنى هوية هذه البلاد وخصوصيتها ومكانتها في العالم العربي والإسلامي، وأن تبزّ ما تمتاز به بيئتها وجغرافيتها ويتسم به مجتمعها. نحن قبلة المسلمين ومهوى الأفئدة ومهبط الوحي، ولدينا المسجد الحرام، والمسجد النبوي، والمشاعر المقدسة، ومكة والمدينة. كما أننا نحرص على خدمة الحجَّاج والمعتمرين، ونقدم لهم كل الخدمات؛ هذه من أبرز ما يشكل مكونات حضارتنا وثقافتنا الدينية والجغرافية، وهي جوانب حريٌّ بأن تكون جزءًا من اهتمام الوزارة في نشر ثقافة المجتمع السعودي، ودور المملكة الحضاري.

هذا بعض ما أؤمله، ولازلتُ أتطلعُ أن تكون اهتمامات وزارة الثقافة تدور حول البعد الفكري والعلمي للفرد والمؤسسات الثقافية، بحيث ترعى وتهتم وتدعم كلَّ الانشطة والبرامج الثقافية، وتيسّر سُبل النشر، وتُوجِد الكثير من منافذه، لتتكامل في دورها مع المؤسسات التعليمية، وألا يكون الترفيه حاضرًا في أنشطتها؛ لأنها بهذا تتداخل في صلاحياتها مع هيئة الترفيه مادامت الهيئة قائمة وموجودة.

وبالرغم من اتفاق أ. عبد الرحمن الطريري مع هذه الرؤية إلا أنه يرى أنها رؤية أقرب لوزارة الحج لا وزارة الثقافة. بينما يرى د. مساعد المحيا أنها لوزارة الثقافة، وهذا هو التحدي، أما وزارة الحج فهي التي تقوم بهذه الخدمات وتهتم بها، ووزارة الثقافة حريٌّ بها أن تكون المصباح الذي يُشرق بما تمتاز به هذه البلاد ومجتمعها، ليرى الآخرون ما نتسم به.

أضاف د. راشد العبد الكريم أن اللغة العربية الآن تعاني ضعفًا، ولا يوجد دولة تتبناها بقوة، وهي من أعمدة ثقافتنا، فهي فرصة للوزارة لعمل شيء نوعي في ذلك. أكد على ذلك أ. محمد الدندني، وأضاف: مثلًا، لدينا مراكز إسلامية في عواصم مهمة عجزت عن إلحاق معهد للغة العربية في هذه المراكز، ودولتنا- أيدها الله- هي من بناها، ويصرف عليها، هذه تُعدُّ سفارات بحد ذاتها، لم لا تلحق في الملحقيات الثقافية لقربها لها؟

ثقافة الشعوب لا تستورد:

ذكر أ. محمد الدندني واتفقت معه د. عبير برهمين أن ثقافة شعب ما لا تُستورد؛ بل تتلاقح وتُكتسب من ثقافات أخرى. الثقافة هي أسلوب حياة، وكل شعب له ثقافته الموروثة ضعيفة أو قوية، فهي- إن صحَّ التعبير- جينية من جينات متوارثة وراسخة، وهنا إن استُوردت الثقافة، فهذا دليل على ضعف الثقافة والهوية، والأمثلة قوية عبر السنين على فقدان شعوب هويتها إلى ثقافات أجنبية ومشوهة؛ لأنها ليست نابعة من الذات.

نحن نملك تاريخًا طويلًا يميزنا كمجموعة بشرية تعتد بموروثها الديني والاجتماعي، وبوجودها. الخلل أننا لم نتعامل مع الثقافة ككائن حي يحتاج العلاج إن مرض، والأكل والشرب والصيانة؛ أي التجديد. رفضنا التعامل مع الآخر، وبنينا حائطًا خوفًا أو رفضًا للتغيير، وأخذنا بالنواحي المادية، وليتها مكتملة؛ فقد أخذنا الاستهلاك وتركنا الإنتاج، أي تركنا التفكير وركنَّا إلى الانعزال، وقد ساعدت القوة المالية لتبني هذا النهج. نشعر الآن بأننا نريد أن نحييَ ثقافتنا، وهذا يتطلب شجاعة في الانفتاح على العالم، وشجاعة في تصحيح ما هو خطأ أو مشوَّه في موروثنا.

أساس نهضة أمتنا أنها أمة رسالة، والرسالة تحتاج قوة ناعمة، فبلا ثقافة تعكس هويتنا فنحن ندور في حلقة مفرغة. لا أجد مشكلة في التجديد والتغير ضمن الثوابت، والتي لا تتعارض مع هذا أبدًا؛ بشرط ألا تُستغل الثوابت لتمرير أجندات أيديولوجية وسياسية لإثبات وجود فريق معين.

ولأهمية هذه الوزارة، وما يجب أن تهتم به، وما عليها من تبعات، وكونها عمليًّا ستنسق مع عدد من الوزارات والهيئات، فهي ترقى أن تكون وزارة سيادية بكل معنى الكلمة.

مسؤوليات وزارة الثقافة:

يرى د. خالد بن دهيش أن ملف مسؤولية الثقافة بالمملكة مرَّ بعدة مراحل، فبعد أن كانت مسؤولية الثقافة موزعة بين عدة قطاعات حكومية، وبين الأندية الأدبية والرياضية، وجمعية الفنون، وغيرها، انتقلت هذه المسؤولية قبل بضع سنين إلى وزارة الإعلام، وعُدِّل مُسمَّى الوزارة إلى وزارة الثقافة والإعلام، ثم أُحدثت بعد ذلك هيئة للثقافة، وأخيرًا أنشئت وزارة خاصة للثقافة تحت مظلتها هيئة الثقافة بعد فصلها عن وزارة الإعلام. المؤمل أن يكون هذا التوجه الأخير هو النقلة الحقيقية لتبني المسؤولية الكاملة للثقافة بالمملكة.

ولكن ألا ترون أن مسؤولية التراث الوطني، الذي انتقل قبل ١٢ عامًا من وزارة التعليم إلى هيئة السياحة، التي أحدثت نقلة نوعية جيدة في تراثنا، هو من ضمن مسؤولية وزارة الثقافة أسوة بالكثير من دول العالم؟ لعل ذلك يحدث في يوم ما.

ونأمل أن تستفيد وزارة وهيئة الثقافة من خبرات وإمكانات رجال ونساء الفكر والثقافة كخبراء لوضع التوجه والاستراتيجية التي تتفق مع هوية وتاريخ الثقافة السعودية الإسلامية مهبط الوحي، ومهد الرسالة السماوية، وخدمة الحرمين الشريفين التي تشرَّف بحملها ملوكنا منذ أكثر من ٣٠ عامًا عندما استبدلوا مُسمَّى جلالة الملك إلى خادم الحرمين الشريفين.

ولقد أكدت رؤية المملكة ٣٠٢٠ على أننا مجتمع حيوي، يعيش أفراده وفق المبادئ الإسلامية، ومنهج الوسطية والاعتدال، معتزين بهويتهم الوطنية، وفخورين بإرثهم الثقافي العريق، في بيئة إيجابية وجذابة تتوفر فيها مقومات جودة الحياة للمواطنين والمقيمين. ومن هذا المنطلق يجب أن تُبنى استراتيجيتنا الثقافية. وأن تعيد هذه الوزارة جائزة الدولة السنوية للثقافة والأدب وخدمة الإسلام.

أضافت د. نوف الغامدي: ماذا عن الأندية الأدبية ومعارض الكتب؟ أعتقد أن الوزارة مطالبة ببرامج خارج الصندوق لجعل النتاج الأدبي شيقًا ومبهرًا، يحفز الجيل الجديد للإقبال عليه، والاهتمام بالنتاج الفكري للموهوبين صغار السن، وتعزيز المحتوى الذي يعزز الهوية الثقافية للمواطن، والارتقاء بذوقه، وتقبله للثقافات الأخرى.

الثقافة وخصوصية المملكة:

في اعتقاد د.عبير برهمين، أن الثقافة تعني الهوية، وهي نتاج التفاعل الإيجابي مع البيئة المحيطة، وما بها من أناس وعوامل أخرى عبر امتداد الأجيال. وكبر مساحة المملكة جغرافيًّا وتنوُّع تضاريسها خلق لكل منطقة خصوصية معينة في الشكل واللون والمذاق والنغم والحرف. وهذا الجانب المناطقي يجب أن يُراعى إيجابيًّا؛ لأن التنوُّع في الثقافات والموروث الشعبي يعكس مدى الغنى الثقافي لبلد ما. ليس ذلك فحسب، بل إن تعاقب العصور كذلك، ومدى تغير الثقافات يعكس كم هي حية وقوية ومتناغمة ثقافة بقعة ما. إلا أن بعض الجهلة للأسف جعلوا التنوُّع الثقافي الكبير والغني في بلدنا أساسًا للتصنيف العنصري البغيض، بل وتعدَّاه إلى الرفض والتشكيك والطعن في كونه موروثًا شعبيًّا ثقافيًّا وطنيًّا، وإرجاعه إلى أصوله غير العربية أحيانًا، لا لشيء إلا تعاليًا وجهلًا. ونسوا أو تناسوا أن ثقافة شعب ما تتلاقح وتُستل من ثقافة شعوب أخرى، وتُطوع حتى تصبح جزءًا من هوية محيطه الجديد. أذكر- على سبيل المثال لا الحصر- اعتراض البعض على رقصة المزمار، ولبس الغبانة، معللين أن أصولها إفريقية وهندية على التوالي، في حين يفخرون أن الكبسة السعودية هي الأكلة الشعبية المميزة للمملكة رغم أن أصولها بلاد ما وراء النهر، جهلًا منهم؛ ولذلك- في رأيي- أن وزارة الثقافة عليها أن تقوم بالتالي:

– يجب أن تحرص على التنوُّع الثقافي الكبير والغني في المملكة، عن طريق ضمّ عناصر لها باع من مختلف المناطق كمستشارين.

– والعمل على تسجيل الموروثات الشعبية باختلاف عناصرها، وتوثيقها للحفاظ عليها.

– كذلك إبراز هذا التنوع وتسليط الضوء على أوجه الاختلاف الإيجابي، ونشر هذا التراث محليًّا وإقليميًّا ودوليًّا.

– إقامة وإنشاء المتاحف على مستوى عالمي، والاستفادة من المتاحف الشخصية القائمة حاليًّا بجهود ذاتية للأفراد، بدعمها وتحويلها إلى متاحف معتمدة رسميًّا، وتنظيم زيارات مدفوعة لها؛ لضمان التمويل الذاتي اللازم واستمرارها.

– التعاون مع الجهات الأخرى، ووزارة الإعلام، وهيئة الترفيه، وهيئة السياحة والآثار في إقامة فعاليات وأنشطة ثقافية مجدولة على مدار السنة؛ لتسليط الضوء، وتعزيز الهوية الثقافية للمناطق المختلفة (مثلا: الآن يجب أن تكون لدينا احتفالية كبيرة بتسجيل واحة الأحساء دوليًّا كمنطقة تراثية، فعلى وزارة الثقافة بالتعاون مع الجهات الأخرى الاحتفال بذلك).

– بإمكان وزارة الثقافة بالتعاون مع الجهات الأخرى أن تصبح وزارة منتجة ومصدر دخل قومي، بقليل من التفكير الإبداعي في مجالي التسويق والدعاية والإعلان، والاستفادة من الموروث الشعبي المتعدد والغني.

– قطاع الثقافة يمكن أن يكون بالتعاون مع الجهات الأخرى جهة مهمة جدًّا لتوفير عدد كبير من الوظائف اللائقة للجنسين.

– بإمكان وزارة الثقافة بالتعاون مع وزارة الخارجية فتح قنوات تواصل مع الدول الأخرى، ومدّ جسور من التعارف، وتبادل الخبرات والتجارب.

– وزارة الثقافة يمكنها أن تؤثر إيجابًا على نمط التفكير وأسلوب الحياة للناس في الداخل، وانعكاسها على علاقتنا بالشعوب الأخرى في الخارج.

إذًا ما هو المطلوب من وزارة الثقافة؟ المطلوب هو فكر ورؤية ثاقبة، واستقطاب أصحاب الأفكار غير التقليدية ممَّن لديهم إلمام كافٍ بأهمية الموروث الثقافي والشعبي، والعمل بتناغم مع الجهات الأخرى الحكومية والخاصة بكثير من المرونة.

جهات وإدارات متعددة مسؤولة عن الثقافة:

في مداخلته، ذكر أ. عبد الله الضويحي، تذكرت حسني البرزاني وعباراته الشهيرة في مسلسل صح النوم (إذا أردنا أن نعرف ماذا في إيطاليا علينا أن نعرف ماذا في البرازيل) فقبل أن نتساءل عن دور وزارة الثقافة والمطلوب منها، علينا أن نسعى لِلَمِّ شتات الثقافة لدينا، وتوحيد مرجعيتها.

منذ أن بدأنا أن نعي مفهوم الثقافة ونتابع فعالياتها ونتاجها، وهي مشتتة تتجاذبها أطراف عدة، كلٌّ يدعي بها وصلًا. وزارة المعارف (آنذاك) كانت بها إدارة للثقافة أو للمكتبات المدرسية، وزارة التعليم العالي أيضًا بها إدارة وتشرف على الملحقيات الثقافية، وبالمناسبة، فهذه الملحقيات لا تحمل من اسمها نصيبًا، ولا أعلم لها دورًا ثقافيًّا حتى الآن! وفي الحرس الوطني (الإدارة العامة للثقافة والتعليم)، ثم نشأت الأندية الأدبية، ثم جمعيات الثقافة والفنون والتي تمَّ ضمها فيما بعد للرئاسة العامة لرعاية الشباب التي كانت لديها إدارة عامة للشؤون الثقافية، ولم تكن تشرف على هذين القطاعين، ثم تمَّ نقل الإدارة ومنسوبيها ونشاطها والأندية الأدبية وجمعية الثقافة والفنون إلى وزارة الإعلام والثقافة، وهناك مرحلة مهمة ضمن إشراف رعاية الشباب على الثقافة فترة الأمير فيصل بن فهد، وهي إطلاق جائزة الدولة التقديرية في الأدب التي توقفت في بداياتها، ثم ظهر المهرجان الوطني للتراث والثقافة تحت إشراف وإدارة الحرس الوطني، وكان أساسه سباق الهجن السنوي، ثم الهيئة العامة للسياحة والتراث الوطني، ثم هيئة الترفيه، ثم هيئة الثقافة. بل إنَّ اتهامًا متبادلًا بين هاتين الهيئتين ظهر على الملأ حول الإشراف على فعالية معينة، وبين هذه جميعها كان معرض المملكة بين الأمس واليوم، ولا ننسى معارض الكتاب، ولا ننسى الجامعات، وشعارات الأندية (ثقافي، اجتماعي، رياضي). هذا كله يؤكد أن مفهومنا للثقافة غير واضح، وأننا لا ندرك ما تعنيه بالضبط، وما هو المطلوب منَّا تجاهها؟ وهو إلى جانب تعدد المرجعيات الثقافية يمثل هدرًا ماليًّا ووظيفًا، وهدرًا للجهود، خاصة أن هناك أكثر من مرجعية بدرجة وزارة.

أعتقدُ أن علينا أولًا أن نُحدِّد مفهومنا للثقافة وما تعنيه. وعلى ضوء ذلك نُحدِّد مرجعيتها، وما هو المطلوب من وزارة الثقافة؟ وما معناها؟ وما هي دلالاتها؟ وإلا فسنظل في المربع الأول.

الفلكلور والموروث الشعبي الفني:

في اعتقاد د. خالد الرديعان، فإن ما نقصده بالثقافة “الإنتاج الأدبي والفني، وما يتفرع عنهما من فنون وأعمال” (مسرح، سينما، ندوات، معارض فنية، إلخ)، إضافة إلى الموروث الشعبي من فنون وفلكلور.

وأودُّ الوقوف عند الفولكلور والموروث الشعبي الفني، إذ ينتابني قلق دائم من اختفاء بعض الفنون الشعبية والفولكلورية؛ بسبب زحف العولمة، وتغير ذائقة الأفراد وانفتاحهم على خيارات فنية وأدبية من مختلف البيئات.

صحيح أن مهرجان الجنادرية يقوم بدور مهم في الحفاظ على الموروث والفولكلور الشعبي الفني، من خلال تقديمه سنويًّا، لكن ذلك قد لا يُعدُّ كافيًا؛ ولذلك أرجو من وزارة الثقافة أن تكرِّس الاهتمام بالفلكلور والفنون والشعبية، ولإنجاز المهمة فإنني أقترح ما يلي:

– تسجيل جميع الفرق الشعبية والفولكلورية، ومنحها تصاريح عمل.

– تدوين الموروث الشعبي الفني؛ للحفاظ عليه من الضياع والنسيان.

– إنشاء معاهد فنية أو جمعيات فنية شعبية في كل منطقة، تُعنى بالتراث الشعبي، وتقدمه للجمهور.

– دعم الأفراد أصحاب المبادرات الفردية في الحفاظ على الموروث والفولكلور. وحقيقة، فإن بعض الجهود الفردية في هذا الجانب تفوق ما تقوم به الأجهزة الحكومية؛ كالذي يفعله – مثلًا- أصحاب المتاحف الخاصة من جَمْع التُّحف والقطع القديمة والحفاظ عليها، وكذلك جهود بعض اليوتيوبرز الذين يسجلون مواد فنية القديمة، وينزلونها على النت لتكون متاحة للمتلقي. هذه الشريحة من الهواة تحتاج مَنْ يساعدها، ويدعم ما تقوم به.

ولا شك أن الموروث الشعبي بكل ألوانه ومن مختلف المناطق هو جزء من الهوية التي يُفترض تعزيزها بكل السبل في ظلِّ التغيرات المتسارعة التي تمرُّ بها المجتمعات. ويقع على كاهل وزارة الثقافة جهود كبيرة في هذه العملية، وبالتالي يُفترض عقد ورشة عمل كُبرى تعقدها الوزارة لتحديد رسالة وأهداف الوزارة، وما تودُّ القيام به، وسبل تنفيذه. يُدعى لهذه الورشة أبرز المختصين والمختصات بالشأن الثقافي، والإفادة من مقترحاتهم، وما يطرحونه في الورشة، على أن يكون الأمر بعيدًا عن التجاذبات والأدلجة المضرة، والتي عطلت كثيرًا من المشاريع في السابق.

بناء الثقافة الراسخة:

من جانبه تساءل د. عبد الله بن صالح الحمود: كيف لنا بناء ثقافة راسخة؟ والثقافة تعني الراسخة، إذا كان بمقدور الثقافة أن تكون شريكًا فاعلًا في بناء المجتمع، وعند بناء حقيقي للمجتمع يتم بناء الدولة نحو أضلاعها الثلاثة: (الناس – الأرض أو الإقليم – الحكومة)، وهذا لن يتأتى إلا من خلال توجيه مسارات الوعي المجتمعي الذي ينعكس على السلوكين الفردي والجماعي، فالثقافة- كما يؤكد الخبراء- هي التي تصنع فكرًا ووعيًا متقدمًا للمجتمع، وهذا بدوره يعود بالنفع على مؤسسات الدولة ككل وأنشطتها المختلفة، والوعي هنا يعد انعكاسًا على تحسين الحياة، وهذا هو الهدف الأساسي للثقافة في حياة الأمم والشعوب كافة.

من هذا المنطلق علينا أن نفهم ونتفهم دور الثقافة الحقيقي نحو ترسيخ الفكر والوعي الجمعي؛ ولهذا لابد من أن نعطي للثقافة مساحة أكبر من الوقت، والاستقطاب دون أن نتصور أن الحاجة إليها لا يمثل سوى ادعاء ثقافي فحسب.

الثقافة ومقومات جودة الحياة:

أشار د. مساعد المحيا إلى أن رؤية المملكة ٢٠٣٠ تقوم على أن الثقافة من مقومات جودة الحياة، وأن الفرص الثقافية المتاحة حاليًّا لا ترتقي إلى تطلعات المواطنين والمقيمين، ولا تتواءم مع الوضع الاقتصادي المزدهر الذي تعيشه المملكة؛ لذا فمن المهم أن يكون للوزارة جهد وعمل تدعم به جهود كلَّ مناطق المملكة عبر المؤسسات العامة والربحية الخاصة في إقامة المهرجانات والفعاليات الثقافية التي تحقق كافة إشباعات ذائقة الجمهور، وأن يكون لجهات الاستثمار دورٌ في المساهمة في تأسيس وتطوير المراكز الثقافية في كل مدينة، لتكون متاحة للاستثمار من قِبل المواطنين بما لديهم من طاقات ومواهب، مع تشجيع المستثمرين من الداخل والخارج عبر عَقْد الشراكات مع مؤسسات ثقافية عربية وإسلامية وعالمية، ومنحها الأماكن المناسبة لتنفيذ وإقامة مشروعاتها الثقافية؛ من مكتبات، ومتاحف، وفنون، ودورات، ومحاضرات، وغيرها.

كما أن ذلك يُفترض أن يشمل دعم الموهوبين من الكُتَّاب والمؤلفين والمخرجين في كل مدينة؛ مما سيتيح إنتاج خيارات ثقافية متنوّعة تتناسب مع الأذواق والفئات كافّة، مع الحرص على أن يكون لهذه المشروعات دورٌ اقتصاديٌّ مهمٌّ عبر إيجاد العديد من فرص العمل والأدوات الثقافية الواسعة، مع التأكيد على ألا تكون المؤسسة الثقافية متجرًا فقط لمنتجات غير محلية.

وتساءلت د. نوف الغامدي: هل تشمل أنسنة المدن جزءًا من المحافظة على الموروث الثقافي؟ أقصد هل يمكن التخطيط أنسنة المدن، وتعزيز ثقافة المدن جغرافيًّا وتاريخيًّا؟ أجاب عن ذلك أ. محمد الدندني، أن ذلك ممكن إذا اعتمدنا أن الثقافة بتعريفها الأشمل هي أسلوب حياة. وفي تصوُّر د. نوف الغامدي، فإن المدن ثقافة؛ عاداتها، وأنماطها الفكرية، وأنماط البناء. علَّق على ذلك د. مساعد المحيا، وذكر أن هذا بعض ما أعنيه بالتركيز على كل المدن، بدلًا من الاهتمام بمدينتين أو ثلاث. فالاهتمام بالبُعد الثقافي لمدن المملكة سيُرسِّخ العديد من الأنشطة التي اتسمت بها وتعاطت معها خلال سنوات طويلة، وتنشأ الأجيال الجديدة وهي تحبُّ ثقافة مدنها، وتنتمي لها بدلا من هذا الطغيان الذي عولم أو يكاد مدننا.

التوصيات:

١) الإيمان العميق بأننا نعبر مرحلة (تغيّر) اجتماعي، مهمة وحاسمة، وأن علينا أن نقبل هذه المرحلة بشروطها، فللتغير المجتمعي (توابع) لا يمكن الفكاك منها.

٢) إيجاد معادلة توازن بين تعزيز الهوية المحلية والانتماء الثقافي، وبين الانفتاح وقبول الآخر والاندماج معه، دون ذوبان أو إقصاء. ويتجلى هنا دور وزارة الثقافة في بناء الإنسان السعودي المتوازن والمعتدل.

٣) توحيد مرجعيات الثقافة تحت مظلة واحدة توفيرًا للجهد والمال، وإحداث جوائز وحوافز للمبدعين والمثقفين على غرار جائزة الدولة التقديرية في الأدب التي ظهرت في بداية الثمانينيات وتوقفت.

٤) وزارة الثقافة هي التي تتبنى هوية هذه البلاد وخصوصيتها ومكانتها، وبالتالي يُفترض أن تدور اهتماماتها حول البعد الفكري والعلمي للفرد والمؤسسات الثقافية، بحيث ترعى كلَّ الأنشطة والبرامج الثقافية، وتيسّر سُبُل النشر، وتُوجِد الكثير من منافذه.

٥) عَقْد ورشة عمل كبرى تتبناها وزارة الثقافة لتحديد رسالتها وأهدافها وسبل تنفيذها (استراتيجية وطنية)، يُدعى لها مختصون ومختصات بالشأن الثقافي؛ للإفادة من مقترحاتهم، بعيدًا عن التجاذبات والأدلجة المضرة، والتي عطَّلت كثيرًا من المشاريع في السابق.

٦) وَضْع سياسة ثقافية تُحدِّد الثوابت والمرتكزات والقيم الأساسية التي تؤطِّر الفعل الثقافي، ومعايير للمحافظة على مقومات الثقافة العربية السعودية، وإيجاد منابر ثقافية رصينة تحدُّ من تصدُّر مدعي الثقافة، أو ذوي الثقافة غير الناضجة.

٧) مأسسة العمل الثقافي المتخصص، ليكون عملًا مستدامًا متميزًا. وتبني جمعيات أو كيانات لمختلف تخصصاته واهتماماته، وتقديم الدعم الإداري والمادي والفني لها.

٨) تبني سياسة شراكة حقيقية بين وزارة الثقافة وجمهور المستفيدين من خدماتها، من خلال فتح قنوات للتبادل المعرفي، والتخطيط، والتقييم.

٩) تعزيز التعاون بين وزارة الثقافة ووزارة التعليم لإنجاح العمل الثقافي التربوي، ومع الجهات الأخرى ذات العلاقة لإقامة فعاليات ثقافية مجدولة على مدار العام؛ لتسليط الضوء على الهوية الثقافية لمناطق المملكة.

١٠) الاهتمام بالبُعد الثقافي لمدن المملكة لتعميق روح الانتماء لدى الأجيال لمدنها، من خلال دعم وتشجيع المؤسسات العامة والربحية الخاصة في إقامة المهرجانات والفعاليات الثقافية التي تحقق كافة إشباعات ذائقة الجمهور.

١١) دعم الأنشطة والفعاليات القائمة على القراءة خاصة لدى الناشئة، والعمل مع الجهات ذات الاختصاص والعلاقة على نشر القراءة والترويج لها بطرق مبتكرة، والمسرح القائم على الأدب العالمي والمحلي المتميز.

١٢) التأسيس لقوة ناعمة تعكس هوية شعب واضحة ومميزة، فهي جزء من مشروع وطني، وفي حالتنا هي رؤية 2030.

١٣) التعاون مع وزارة الشؤون الإسلامية للاستفادة من المراكز الإسلامية (السعودية) في الخارج في تعليم اللغة العربية، ونشر الثقافة السعودية دوليًّا.

١٤) إنشاء مركز وطني للترجمة لترجمة الكتب الصادرة حديثًا، على أن يكون هناك تنسيق بينه وبين مراكز الترجمة في الدول العربية الأخرى، ودور الترجمة العالمية. والاهتمام بالإنتاج المحلي بدعم المؤلف، وإنشاء دار نشر وطنية غير ربحية تنشر للمبتدئين والمبتدئات تشجيعًا لهم.

١٥) إعادة النظر في الملحقيات الثقافية في الخارج وفصلها عن التعليمية، وتحديد اختصاصات كل منها، وتعيين ملحق أو مكتب ثقافي مؤهل مستقل أو ضمن السفارات السعودية أو بعضها لتغطية أكبر مساحة جغرافية ممكنة، مرتبط بوزارة الثقافة؛ لإبراز الدور الحضاري للمملكة، ورسم وجهها الثقافي، والتعريف بمبدعيها وموروثها العريق.

١٦) تسجيل جميع الفرق الشعبية والفولكلورية القائمة، ومنحها تصاريح عمل، وإنشاء متاحف على مستوى عالمي، ومعاهد فنية أو جمعيات فنية شعبية في كل منطقة، تُعنى بالتراث الشعبي، وتقدمه للجمهور.

١٧) تدوين الموروث الشعبي الفني للحفاظ عليه من الضياع والنسيان، ونشره محليًّا وخارجيًّا، ودعم الأفراد أصحاب المبادرات الفردية في الحفاظ على الموروث والفولكلور.

١٨) الاستفادة من الأبحاث والدراسات التي تمت في الجامعات السعودية وغيرها حول ثقافة المجتمع ومتطلبات تطويرها، لتتسق مع التغيرات الحاصلة فيه وفق مرتكزات سياسة الدولة، وبما يحقق رؤية المملكة 2030.

١٩) تشجيع الاستثمار في تأسيس وتطوير المراكز الثقافية في كل مدينة، لتكون متاحة للمواطنين بما لديهم من طاقات ومواهب، إلى جانب عقد الشراكات مع مؤسسات ثقافية عربية وإسلامية وعالمية، ومنحها الأماكن المناسبة لتنفيذ وإقامة مشروعاتها الثقافية.

٢٠) وزارة الثقافة بإمكانها أن تصبح وزارة منتجة، ومصدر دخل قومي، وذراع من أذرُع رؤية 2030، بما يتوفر لدينا من موروث شعبي وثقافي متنوع، ومشاريع سياحية مستقبلية تحت الإنشاء.

الملخص التنفيذي:

القضية: (وزارة الثقافة.. المعنى والدلالة).

تُعدُّ الثقافة محورًا مهمًّا في التنمية ورؤية المملكة ٢٠٣٠، وتوظيفها سيكون أكثر فاعلية في الرؤية من خلال وزارة مستقلة للثقافة. فقد أرست رؤية السعودية 2030 التي أعلنها ولي العهد الأمير محمد بن سلمان انطلاقة جديدة للثقافة السعودية، باعتبارها أحد أهم محركات التحوُّل الوطني نحو التنمية البشرية.

تحدثت الورقة عن الخطة الشاملة للثقافة العربية، وخطة التنمية السادسة للمملكة العربية السعودية التي تعتبر مفصلًا تاريخيًّا في التنمية الثقافية في المملكة، حيث تضمنت عددًا من المحاور المهمة في مجال التنمية الثقافية في المجتمع. ثم تحدثت عن الأساس الذي قامت عليه العلاقة بين الثقافة والإعلام في المملكة، وكيف حدث التنافر بين المؤسسات الإعلامية والأجهزة الثقافية بدلًا من التكامل المنشود، والذي كان مأمولًا، وبقيت كثير من وظائف الإعلام المتخصص لا تلبي الاحتياجات الفعلية لجمهور وسائل الإعلام. ومع ترسُّخ النظرة إلى ضرورة الفراق بين القطاعين مؤسسيًّا بدأت الشقة تتسع بين الإعلاميين من جانب والثقافيين من جانب آخر بمختلف مشاربهم، نتيجة عدم الاتفاق على سياسة ثقافية (أو تثقيفية) واحدة، وفي المقابل، عدم الاتفاق على سياسة إعلامية واحدة من قِبل الطرفين الإعلامي والثقافي.

ثم طرحت الورقة بعض الحقائق التي قادت للانفصال المؤسسي بين القطاعين الإعلامي والثقافي، أهمها: عزوف وسائل الإعلام عن التعاطي مع المؤسسات الثقافية؛ لأنها تعتقد في ضعف مصداقية المؤسسات الثقافية من جانب، ونقص حماسها لأداء وظائفها من جانب آخر.

وتلخصت التعقيبات التي جرت على هذه الورقة في: أنه بالرغم من أهمية التنظيم المؤسسي لإدارة العمل الثقافي، إلا أن تعثُّر هذا القطاع ينبثق من فلسفة العمل التي ينقصها الشمولية والتكامل والتناغم في الفكر والعمل. فالوزارة بأي صيغة كانت، انطلاقتها ونجاح عملها يعتمد على مضمون العمل بالدرجة الأولى. وإن كان تخصيص وزارة مستقلة للثقافة يوفر أرضية للتركيز والتميز.

وكما أن للتغير الثقافي قوى ممانعة، فله أيضا قوى مسرعة، وكلا الأمرين جزء عضوي من جسم الثقافة، وآليات “طبيعية” في أي ثقافة، وكلاهما يعتريه التطرُّف، ومهمة وزارة الثقافة أن تضبط التوازن بين هاتين الآليتين، وأن تجعلهما يسيران في سياقهما الطبيعي.

وناقشت المداخلات التي دارت حول موضوع القضية تأثير قرار فصل الثقافة عن الإعلام على المشهد الثقافي في السعودية، وكيف يمكن للثقافة أن تكون قوة ناعمة تعكس هوية الشعب السعودي؟ وأشارت المداخلات إلى أن السعودية الجديدة اليوم لا تعتمد فقط على القوة العسكرية، بل تعمل على تأسيس قوة ناعمة لهندسة المجتمع وهيكلته، ليتواكب فعليًّا مع الخطط الاقتصادية المستقبلية، وتهيئة جيل يكون شريكًا فكريًّا وثقافيًّا.

وذهب المناقشون إلى أن صناعة الثقافة تعني اليوم أن التنمية ليست حكرًا على التنمية الاقتصادية؛ بل إن تنمية الثقافة تشكِّل أهمية خاصة، باعتبار أن الثقافة حاملة للهوية، هوية الوطن والإنسان والفكر.

وفي نهاية النقاش، طرح الملتقى عددًا من التوصيات، أهمها: إيجاد معادلة توازن بين تعزيز الهوية المحلية والانتماء الثقافي، وبين الانفتاح وقبول الآخر والاندماج معه، دون ذوبان أو إقصاء. وضع سياسة ثقافية تحدِّد الثوابت والمرتكزات والقيم الأساسية التي تؤطِّر الفعل الثقافي، ومعايير للمحافظة على مقومات الثقافة العربية السعودية، وإيجاد منابر ثقافية رصينة تحدُّ من تصدُّر مدعي الثقافة أو ذوي الثقافة غير الناضجة. الاهتمام بالبُعد الثقافي لمدن المملكة لتعميق روح الانتماء لدى الأجيال لمدنها، من خلال دعم وتشجيع المؤسسات العامة والربحية الخاصة في إقامة المهرجانات والفعاليات الثقافية التي تحقق كافة إشباعات ذائقة الجمهور. وتدوين الموروث الشعبي الفني للحفاظ عليه من الضياع والنسيان، ونشره محليًّا وخارجيًّا، ودعم الأفراد أصحاب المبادرات الفردية في الحفاظ على الموروث والفولكلور. كما أن وزارة الثقافة بإمكانها أن تصبح وزارة منتجة، ومصدر دخل قومي، وذراع من أذرع رؤية 2030، بما يتوفر لدينا من موروث شعبي وثقافي متنوع، ومشاريع سياحية مستقبلية تحت الإنشاء.

………………………………………………………..

القضية الثالثة:

الورقة الرئيسة: صناعة الترفيه السعودية.. سياق محلي عالمي

الكاتب: أ. عبير خالد.
المعقبان:
د. فهد اليحيا.

د. رياض نجم.

مدير الحوار: أ. سمير خميس الزهراني.
مقدمة:

إن رؤية المملكة 2030، الطموحة، بإدراجها لصناعة الترفيه ضمن مجالات التنمية، تؤكد استيعابها لاحتياجات المجتمع، كما تؤكِّد إدراكها لأهمية العوامل الفكرية والنفسية والروحية في تنمية الشعوب، فالتنمية ليست اقتصادًا فقط، ولا عمرانًا متطورًا فحسب، بل أيضًا بناء مجتمع سليم متوازن، قادر على تحقيق أهداف الرؤية. وعندما ربطت الرؤية الطموحة بين مستوى المعيشة والفعل الثقافي، فقد أشارت بوضوح إلى أهمية العامل الاقتصادي الذي تنطوي عليه صناعة الثقافة والترفيه؛ لذا كانت قضية صناعة الترفيه السعودية.. سياق محلي عالمي من القضايا المهمة التي طرحها ملتقى أسبار من خلال ورقة العمل التي قدمتها أ. عبير خالد. وتم التعقيب على موضوع الورقة، وجرت حولها مداخلات عديدة ناقشت: (الترفيه الذي نريدُ، موارد صناعة الترفيه، أرباح قطاع الترفيه، الترفيه هو الأصل وحق للجميع، متطلبات صناعة الترفيه، صورة هيئة الترفيه وأنشطتها المقبولة، الترفيه بين الممانعين والموافقين الداعمين، الممانعة لبعض أشكال الترفيه، بعض آثار فعاليات الترفيه، فعاليات وأنشطة الترفيه). وفي النهاية اقترح الأعضاء المناقشون العديد من التوصيات المهمة؛ وفيما يلي نصُّ الورقة التي كتبتها الأستاذة/ عبير خالد، وعقَّب عليها الدكتور/ فهد اليحيا، والدكتور/ رياض نجم.

كتبت أ. عبير خالد في ورقتها الرئيسة عن (صناعة الترفيه السعودية.. سياق محلي عالمي): في تقرير حديث أصدرته هيئة الإحصاء عام 2017 عن التوظيف والأجور، اتضح أن عدد السعوديين العاملين في قطاع الترفيه والفنون يُقدَّر بـ6,900 شخص، بينما غير السعوديين العاملين في قطاع الترفيه والفنون فيُقدَّر ب29,000. أي أن غير السعوديين أكثر عددًا من السعوديين بأربع مرات. وبينما متوسط راتب السعودي في هذا القطاع يُقارب 5000 ريال، يتسلم العامل غير السعودي في قطاع الترفيه والفنون 1700 ريال شهريًّا بمعدل متوسط. أي أن السعودي يستلم أكثر من الأجنبي بثلاث مرات تقريبًا. ويلحظ أن الرجل- ربما لعوامل اجتماعية- يحظى بفرص أكثر من المرأة في هذا المجال. ولدواعي اقتصادية تتعلق بأهداف الرؤية الوطنية 2030 الساعية لرفع معدل توظيف الشاب السعودي في قطاعات لم تكن مألوفة له، إضافة لتشجيع المرأة على العمل في قطاعات متعددة، ولدواعي ثقافية أيضًا، تُكتب هذه الورقة العلمية عن صناعة الترفيه في السعودية من وجهة نظر اقتصادية وفنية، وقابلية تطويرها عن طريق تشريعات إعلامية واتصالية أثبتت نجاحها في دول أخرى، مع الأخذ بعين الاعتبار التباينات الثقافية والاجتماعية والتاريخية والجغرافية بين السعودية وأي بلد آخر يتم ذكره في هذه الورقة وتعقيباتها.

– الترفيه (فنيًّا واقتصاديًّا) سياق عالمي- محلي:

تُقدَّر قيمة “ديزني” 154 مليار دولار، و”نتفليكس” 161 مليار دولار، كما تنبأ الاقتصاديون لصناعة السينما العالمية (بشقيها التقليدي والرقمي) بأرباح جيدة للسنوات القادمة، حيث من المتوقع أن تزيد عائدات شباك التذاكر العالمية من حوالي 38 مليار دولار أمريكي في عام 2016 إلى ما يقرب من 50 مليار دولار أمريكي في عام 2020. تعدُّ الصين والهند وأمريكا أكبر الأسواق للأفلام في العالم، من حيث عدد التذاكر التي تُباع سنويًّا. تم بيع ما يقارب 1.2 مليار تذكرة فيلم في أمريكا وحدها في عام 2016، ومن المتوقع أن يحقق قطاع الترفيه السينمائي 35.3 مليار دولار أمريكي من العائدات بحلول عام 2019. كل ذلك يؤكد بأن الترفيه بكافة أشكاله، وشكله السينمائي تحديدًا، نشاط تجاري كبير، ولكن محليًّا. وهناك أمور كثيرة ينبغي علينا أخذها بعين الاعتبار لتحقيق الفائدة المرجوة منه اقتصاديًّا، أول هذه الأمور صناعة محتويات تحاكي تجارب الناس وحياتهم وماضيهم، وفي الوقت نفسه تتموضع بشكل جيد وذكي ضمن سياقات عالمية عديدة يستقرئها المختص. هذا بالإضافة إلى عدم إهمال الجانب التشريعي عالميًّا ومحليًّا من صناعة الترفيه.

– التجربة الصينية مثلًا:

بدأ مفهوم القوة الناعمة مهمًّا بالنسبة للصينيين في السنوات الأخيرة، كسبيل للتعبير عن الأبعاد الثقافية للعلاقات الدولية، وكدليل عملي لاستثمار الدولة في توسيع وتمديد وسائل إعلامها الإخبارية والترفيهية على حد سواء. والملاحظ في التجربة الصينية هو أنها تولي اهتمامًا بالمتلقي الداخلي أكثر منه للخارجي، وهذا الأمر يتضح بشكل جلي في دعمها التوسُّع الدولي لتلفازها الوطني المركزي، وتنميتها لتكتلات الوسائط الترفيهية الصينية. في الصين يقع معظم الاستثمار الترفيهي على المحتوى الثقافي المحلي، ولم يُعط إلا القليل من الاهتمام للكيفية التي يتفاعل بها الجمهور الصيني مع الإعلام العالمي والمحتويات الثقافية المستوردة. يمكن اقتباس من التجربة الصينية ترفيهيًّا توظيفهم الجيد للقوة الناعمة الوطنية، وتطويرها بشكل يتماشى مع المواطنين والسكان المحليين.

في الصين المعاصرة، يعدُّ موضوع القوة الناعمة، وتحديدًا عبر المنتجات الترفيهية، أحد أهم موضوعات الجدل الصحفي والأكاديمي على المستوى المحلي، وبشكل شبه يومي؛ مما يعكس التزام الصين بتطوير قوتها الثقافية الناعمة. هناك ما يُقارب 50 مركزًا جامعيًّا ومراكز دراسات حكومية في الصين مخصصة لدراسة الدبلوماسية العامة والقوة الناعمة في صناعات الإعلام والثقافة، ومنها الترفيه، تم تأسيس معظمها بعد عام 2000. الجدير بالذكر أنه بينما تركز أمريكا فيما يتعلق بالقوى الناعمة على إبراز جوانب سياسية أو اقتصادية، فإن الصين تركز على جوانب أخرى محلية، مثل: تعزيز السياحة الداخلية بين السكان المحليين، والوصول العالمي لوسائل الإعلام المحلية التي ترعاها الدولة، والاستخدام الدولي للغة الوطنية، وعدد الميداليات الذهبية في الألعاب الأولمبية الشتوية والصيفية.

– الجانب التشريعي فيما يتعلق بصناعة الترفيه:

بغض النظر عن جغرافية صناعة الترفهية، فإنها دائمًا ترجع لتشريعات عالمية إلى جانب تلك المحلية. وأحد الجوانب التي تدعو لها تشريعات الترفيه العالمية تشجيع المشاريع الصغيرة والمتوسطة في هذا القطاع. ويدخل ضمن ذلك- على سبيل المثال- المؤسسات المعنية بالأنشطة الترفيهية، أو المختصة في تقنيات الذكاء الصناعي المستخدمة لإنتاج محتويات ترفيهية أكثر جودة، بالإضافة لتقنيات الإخراج والتصوير والموسيقى، أو تلك المؤسسات التسويقية التي تدعو المستثمرين للاستثمار في القطاع الترفيهي بالسعودية، وغير ذلك. يقال في تقرير”PwC’s “Global entertainment and media outlook 2017-2021 أن الإنترنت والسينما سيكونان أهم عاملين للنهوض بأي صناعة ترفيه محلية، وسيكون من المنطقي دعم الاستثمار فيهما من قِبل السلطات.

وكان تعقيب د. فهد اليحيا: كان أحد الهنود يشغل مركزًا جيدًا في أحد البنوك بالرياض، وجاءته ترقية في فرع للبنك في دبي! فرح بالترقية والعلاوة، وغادر بعائلته إلى هناك، ولكنه بعد بضعة أشهر طلب العودة إلى الرياض متخليًا عن الترقية. ولما سأله زملاؤه السعوديون عن السبب. قال: هنا كنت أستطيع توفير قدرًا لا بأس به من المرتب، بينما في دبي لم أستطع هذا، بل زادت مصاريفي؛ بسبب المطاعم ودور السينما والملاهي والمهرجانات (أي الترفيه المدفوع عمومًا)!

الترفيه حاجة إنسانية، والترويح عن القلوب ساعة بعد ساعة ضروري للصحة الجسدية والنفسية. ويمكن أن نقول: إن مثلث صناعة الترفيه يتكون من المستهلك، وتوفير فرص العمل، والعائد المالي منها. وفي خطتها الاستثمارية للسنوات العشر المقبلة، أعلنت الهيئة العامة للترفيه في المملكة العربية السعودية عن نيتها استثمار ما يُقارب 4.6 مليار دولار في السنة. والإعلان في حد ذاته يحمل توضيحًا للمستثمرين عن وجود فرص استثمارية في قطاع الترفيه في المملكة، وأن الهيئة داعمة للمستثمرين في حال عزموا على الاستثمار في هذا القطاع.

وكشف رئيس مجلس إدارة هيئة الترفيه السعودية أحمد الخطيب في مقابلة تلفزيونية عن تأسيس حوالي (500) شركة متخصصة في صناعة الترفيه خلال العام الأول من عمر الهيئة، كما توفرت (22) ألف فرصة عمل، إضافةً إلى أن الهيئة تركز حاليًّا على تشييد البنية الأساسية لصناعة الترفيه، مثل: الحدائق الكبيرة، ومدن الملاهي، وغيرها.

بالإضافة إلى أنشطة الترفيه القائمة، والتي تتزايد كثيرًا، يبقى هناك مشروعان طموحان في هذا المجال، هما: “القدية” والذي يُتوقع أن تنتهي المرحلة الأولى منه في 2020، ومدينة “نيوم” العملاقة التي يُعدُّ الترفيه أحد قطاعاتها التسعة المتخصصة، والتي تستهدف مستقبل الحضارة الإنسانية، ومستقبل الطاقة والمياه، ومستقبل التنقل، ومستقبل التقنيات الحيوية، ومستقبل الغذاء، وكذلك مستقبل العلوم التقنية والرقمية، ومستقبل التصنيع المتطور، ومستقبل الإعلام والإنتاج الإعلامي، ومستقبل الترفيه، ومستقبل المعيشة الذي يمثل الركيزة الأساسية لباقي القطاعات.

يتألف الاقتصاد من أربعة قطاعات أساسية، هي: القطاع الأولي؛ كالزراعة والصيد والتعدين، والقطاع الثانوي أو التصنيعي، والقطاع الثالث أو الخدمات، والقطاع الرابع أو اقتصاد المعرفة. ويضمُّ كل قطاع عدة صناعات. وتنتمي صناعة الترفيه إلى القطاع الثالث، أي الخدمات، ولكنها تزداد ارتباطًا أكثر فأكثر بالقطاع الرابع، أي المعرفة.

وتدخل في صناعة الترفيه صناعات كثيرة؛ من صناعة الرياضة، وصناعة السينما، وصناعة الإنترنت وبرامجه، والعالم الرقمي وتطبيقاته، وصناعة الإعلام بأنواعه، وبشقيه الرسمي وغير الرسمي، أو التقليدي وغير التقليدي.

وأقتبسُ: “حتى وقت قريب، كانت قوة الدول تُقاس بمدى إسهامها في الإنتاج الصناعي. وقد قال مؤسس علم الاقتصاد آدم سميث: إن الاقتصاد الجيد هو الاقتصاد الذي يُصَدر السلع المصنعة، ويستورد المواد الأولية؛ أما الاقتصاد السيئ فهو الذي يفعل عكس ذلك. والحال أننا على أبواب الدخول إلى عصر جديد، عمادة الذكاء الصناعي، حيث ستحل الآلات والروبوتات أكثر فأكثر محل الإنسان، وستحدث تغيرات توازي أو تكبر عن تلك التي أحدثتها الثورة الصناعية، وستزداد بموجبها ساعات الفراغ، والنتيجة المنطقية أن صناعة الترفيه ستكون ليس فقط صناعة المستقبل، بل من محركات الاقتصاد الأساسية. ولعل قياس قوة الدول سيكون بمدى إسهامها في هذه الصناعة”.

ختاما؛ أطلق الناقد الفرنسي الإيطالي الأصل “ريتشيوتو كانودو” (1879-1923) على السينما اسم “الفن السابع”، حيث يقول: إنها تجمع بين الفنون الستة التي مارستها البشرية، وهي: العمارة، والشعر، والرسم، والموسيقى، والنحت، والرقص؛ وكلها تدخل ضمن الترفيه.

كما عقَّب د. رياض نجم: ركزت الورقة على أحد الجوانب المهمة في الترفيه، وهو السينما والقنوات الإعلامية. كما تحدثت الورقة عن إحدى التجارب المهمة في هذا المجال، وهي التجربة الصينية التي لم تصل إلى العالمية مثل التجربة الأمريكية، إلا أنها تركز على جانب مهم، وهو تعظيم المحتوى المحلي في هذه الصناعة. وكنت أفضل أن يتم تسمية الورقة “صناعة الترفيه في المملكة… “؛ لأن تجربتنا في هذا المجال جديدة ومحدودة، ولم نصل لأن تكون هذه الصناعة سعودية. بالتأكيد نحن نطمح لأن تكون هذه الصناعة ذات صبغة سعودية، وتنطلق من عاداتنا وتقاليدنا، وتوفِّر علينا جزءًا مما نصرفه على الترفيه في الخارج، إلا أننا نحتاج إلى بعض الوقت للوصول إلى هذه المرحلة.

يُعرف الترفيه في المصطلح العام بأنه: النشاطات المصممة لإعطاء الناس المتعة أو الاسترخاء، ويمكن أن يشارك الجمهور في هذه النشاطات بشكل غير تفاعلي، مثل: مشاهدة الأوبرا والسينما؛ أو بشكل تفاعلي، مثل ما يحصل في الألعاب.

ويُشار إلى صناعة الترفيه في غالب الأحيان على أنها الكيانات والشركات التي تسيطر على توزيع وإنتاج مواد الترفيه الإعلامية للجماهير، مثل: التلفزيون، والراديو، والسينما، والرسوم المتحركة، والموسيقى، إلا أن هذه الصناعة تشمل أنواعًا أخرى من النشاطات والفعاليات، منها:

– ترفيه العروض: وتشمل معارض الفنون، والاحتفالات، والمهرجانات، والمتاحف، ومعارض السفر، ومدن الألعاب Theme Parks.

– الترفيه الحي: ويشمل الأوبرا، والمسرح، وعروض السيرك، والأداء الفني، والعروض الفكاهية والهزلية والغنائية، والرقص، والأزياء، والسحرية، والألعاب النارية، وعروض الدمى والمصارعة.

– الترفيه الإلكتروني: ويشمل بشكل أساسي الألعاب الإلكترونية، وبعض المحتوى المرئي والمسموع المستهلك عبر وسائل الاتصال الحديثة والتواصل الاجتماعي.

وفي العقود الأخيرة تحولت كثير من الرياضات إلى نشاطات ترفيهية، وأصبح الجانب الترفيهي فيها أكبر أثرًا في المجتمع وفي الاقتصاد من الجانب الرياضي، وبطولات كأس العالم في كثير من الرياضات، مثل: كرة القدم، وكرة السلة، وغيرها. والألعاب الأولمبية والقارية خير أمثلة على ذلك.

ويبقى السؤال: هل صناعة الترفيه مستقلة بحد ذاتها أم أنها تتقاطع بشكل كبير مع صناعات أٔخرى، منها: الإعلام، والثقافة، والرياضة، والسياحة؟ وهل من الأنسب أن تكون هناك هيئة مستقلة للترفيه تعمل على تطوير هذه الصناعة في المجالات المختلفة؟ أٔم أٔن عملها يتعارض مع عمل هيئات أخرى تنظم هذه القطاعات بشكل مستقل؟ وهل من الأجدى تكليف الهيئات القائمة بتفعيل الجوانب الترفيهية في مجالها بدلًا من أن تقوم هيئة الترفيه بذلك؟

إحدى الإجابات المبسطة عن هذه التساؤلات هي أنه من الضروري وجود هيئة للترفيه في المرحلة الحالية في ظل الفراغ الكبير في المجتمع في هذا الجانب، ومع مرور الوقت تقوم الهيئات الأخرى بتنشيط جانب الترفيه في مجالاتها.

المداخلات:

الترفيه الذي نريدُ

ألمح د. حمزة بيت المال إلى أننا إذا كنا نتحدث عن صناعة، فالصناعة في أي مجال لها مدخلات ومخرجات. وقبل أن نتوسع في تفاصيل المردود المالي وحساب الأرباح، علينا النظر في البنى التحتية عندنا. في بريطانيا- على سبيل المثال- نقابة العاملين في الإعلام والسينما لديها حوالي ثمانين مهنة مصنفة، هذه المهن هناك معاهد تعلمها. السؤال: أين نحن من هذه المهن والمعاهد أو الجامعات التي تعدهم؟ كل مَنْ التقيت بهم بمناسبة إطلاق السينما لدينا مخرجون، والإخراج رغم أهميته يسبقه خط طويل من الإعدادات. ما أقصده هو أن خوفي من أن تكون صناعة الترفيه عندنا مثل بقية الصناعات الأخرى تعتمد في الخلف على غير سعوديين.

النقطة التالية التي أرغب في الإشارة إليها هي محتوى الترفيه، فلم أكن أتمني أن يكون عرض أول فيلم غير سعودي. كذلك ينسحب الأمر على الحفلات الغنائية، كنت أتمنى قصرها على أقل تقدير على فناني الخليج، هذا إذا كنا نرغب في صناعة ترفيه محلية، وللأسف حتى الترفيه نستورده، فقد كان يُستحسن أن تكون هناك تنظيمات تعطي الأولية للمنتج المحلي، حيث إن كل الدراسات عن المسلسلات والأفلام تشير إلى أن نسبة الإقبال على المنتج المحلي حتى ولو كان فنيًّا متواضعًا أعلى من الإقبال على الخارجي حتى ولو كان فنيًّا ممتازًا. ولا بأس بالأجنبي لكن في حدود ضيقة.

في هذا السياق، تساءل أ. سمير خميس: أي ترفيه نريد، شكله، جنسه، المنشأ، النشاط؟ وكيف يمكننا أن نقيم العمل المقدم من هيئة الترفيه خلال الفترة الماضية؟ وتساءل م. حسام بحيري عن النشاطات الترفيهية المقبولة لدينا اجتماعيًّا؟

من جانبه ذكر د. مساعد المحيا، لقد قلت مرة في إحدى التغريدات: (إن رؤية المملكة تقوم على إيجاد أدوات وفرص ترفيهية وثقافية واسعة؛ لذا فإن مؤسسة الترفيه حريٌّ بها أن لا تكون متجرًا فقط لمنتجات غير محلية).

وأضاف د. حميد الشايجي: إنَّ تعاملنا مع الترفيه فيه من التسرُّع والأخطاء الكثير. فالترفيه (الترويح) صناعة متعددة الجوانب والبرامج، وهي مطلب مهم لكل مجتمع، بل أصبحت اليوم جزءًا مهمًّا من مكونات الحياة العصرية المتسارعة المليئة بالضغوط، فنحتاج للترويح عن ذواتنا ليتجدد العطاء. ولكن هل نحن مهيئون لإنتاج وتنفيذ هذه الصناعة الدقيقة، التي لها انعكاسات نفسية وفكرية على المستفيدين منها كبارًا وصغارًا؟ هل هناك معيار قيمي (code of ethics) لحماية القيم والأخلاق، ولحماية الصغار عند تعرُّضهم لبرامج الترفيه، أم يُتركون يشاركون بحرية في أنشطة الكبار؟

وأيضًا؛ هل العاملون عندنا في صناعة الترفيه مدربون ومؤهلون لذلك؟! كم معهدًا ومؤسسة تدريبية تم افتتاحها لتهيئة وتدريب العاملين في هذه الصناعة؟ أم نعتمد على المحاولة والتجربة والخطأ، واجتهادات شبابية جميلة ولكنها ليست مهنية، تنقصها الاستمرارية وحفظ الحقوق؟ الخوف أننا نكرر الخطأ نفسه الذي ارتكبناه في أواخر السبعينيات والثمانينيات ميلادية عندما استقدمنا هذه الأعداد الكبيرة من العمالة الوافدة، وظننا أننا بأنظمة وشروط العمل التي وضعناها نستطيع أن نتخلص منهم بسهولة، ولكن للأسف ها نحن مازلنا نعاني اليوم من وجودها، فسوق الترفيه يحتاج إلى نوع خاص من العاملين المؤهلين والمدربين؛ مما يعني أننا سنفتح من جديد الباب على مصراعيه لاستقدام المتخصصين، خصوصًا في ظل المنافسة الشديدة في مجال الترفيه، ومن ثَمَّ سنعاني من المشكلة نفسها من جديد.

كما يجب أن تجتهد هيئة الترفيه، وتعمل بشكل عاقل وموضوعي وجاد وغير إقصائي، وتأخذ في الحسبان تنوُّع أطياف المجتمع، وتعمل على توفير البرامج الترفيهية المتنوعة المناسبة لكل فئة من فئات المجتمع، وعدم التركيز على حزمة برامج واحدة تخدم فئة واحدة دون الفئات الأخرى، حيث تم اختزال البرامج الترفيهية في نمط محدد فقط؛ إن التنويع سيساعد على نجاح البرامج الترفيهية، وتوفير الدخل المادي المطلوب لاستمراريتها.

وهناك قضية أخرى يجب التنويه لها، وهي أن الترفيه- كما بيَّنا- أصبح ضرورة من ضرورات الحياة، فليس هناك حاجة لسَوْق حجج وأدلة غير صحيحة لإقناع المسؤول والمجتمع بأهمية الترفيه، والحديث هنا عن الأرقام الفلكية البليونية التي يستخدمها البعض كعائدات للترفيه، والتي ستُحسِّن الاقتصاد، والعدد الكبير من الوظائف الذي ستوفره صناعة الترفيه، والذي سيعالج مشكلة البطالة، فلو كان الأمر كذلك لكانت مصر والأردن ولبنان وغيرها من الدول العربية من أغنى الدول، فهي لديها سينمات وفرق موسيقية فنية وأوبرا وصناعة الأفلام والمسلسلات منذ عقود من الزمن، ومع ذلك نلاحظ أن هذه الدول تعاني اقتصاديًّا، بل حتى صناعة الترفيه تعاني. فمصر- على سبيل المثال- تعتبر منبع صناعة السينما العربية منذ عقود، ولديها الأوبرا والفرق الموسيقية المتنوعة، ومع ذلك تعاني اقتصاديًّا، فأين مليارات السينما، ودخل الحفلات الموسيقية المزعومة؟!

إن الترفيه والترويح مهم جدًّا، ويجب أن يوفر كخدمة راقية للمواطنين للتخفيف من ضغوط الحياة، دون الحاجة لتزييف مردوده المادي لإقناعنا بضرورته، فالتجارب حولنا شاهدة على ذلك. وأخيرًا بما أن الصين والهند أسواق واعدة، فلماذا لا يُوجَّه جزء من الاستثمار الخارجي في هذا المجال؟

موارد صناعة الترفيه:

ذكر م. خالد الرديعان: مما تبين لي من الورقة والتعقيبات أن الهدف من صناعة الترفيه هو خلق موارد دخل جديدة للبلد، من خلال التوسع في النشاطات الترفيهية، وجعلها متاحة للجميع.

بحساباتي البدائية، فالموارد الجديدة من الترفيه لن تأتي بالطبع في صورة أموال من خارج المملكة لكي نقول إننا أتينا بمصدر جديد يُضاف إلى ما نكسبه من بيع النفط وغيره من السلع التي نصدرها للخارج. القضية برمتها ستكون الحد من خروج الأموال الوطنية للخارج، والتي يتم إنفاقها على الترفيه؛ من سينما، ومسرح، وعروض فنية، إلخ.. بحيث يتم إنفاق هذه الأموال في الداخل. هذه لا شك خطوة جيدة للغاية، وستكون بداية مشجعة؛ لكننا وفي الوقت ذاته يُفترض أن نفكر كيف نأتي بأموال من خارج المملكة؟ وما الذي يجب القيام به لجعل الترفيه مصدرًا لجلب الأموال من الخارج بدلًا من التركيز على ما بيد المواطن، وسبل الاستحواذ عليه؟

ولعل تطوير بعض الشواطئ ومشروع القدية ونيوم تقوم بهذه المهمة، أي جلب زبائن من الخارج، وإن كنت لا أعرف كيف نجلبهم في هذا الطقس الحار والقاري! لعلنا كذلك نفكر في أنشطة ترفيه شتوية تكون مناسبة للجميع (السعوديين وغير السعوديين)، بحيث نتغلب على مشكلة طقسنا الذي لا يشجع الآخرين على القدوم للمملكة، وخاصة في فصل الصيف.

ويمكن أن نفكر كذلك في المناطق المعتدلة طقسًا؛ كمدن الجنوب والطائف، وأن تكون هناك خطة شاملة لإنعاشها بمشاريع ترفيه مناسبة، تجلب لها الزوَّار من داخل المملكة وخارجها.

أضاف أ. محمد الدندني أنه لدينا ثمانية أشهر في المملكة كلها، ناهيك عن أن الجنوب الغربي يغطي فصل الصيف. الترفيه أو الترويح ليس فقط مسرحًا وموسيقى وسينما، وأجزم أنها الأقل جاذبية لغالبية المواطنين، فثمة ترفيه رياضي، وترفيه ألعاب كمدن الملاهي المعروفة. الكثير ممكن عمله للترفيه في الصحراء أو شواطئنا الجميلة، في شتائنا المعتدل تكون شواطئ المملكة جاذبة للأوروبيين والداخل، رحلات بحرية، ورياضة الغوص، والصيد،… إلخ.

وللتسويق الخارجي يأتي دور التنسيق بين وزارة الثقافة وهيئة الترفيه والسياحة والمهرجانات، وأمامنا قرار الفيزا السياحية لتكون مورد دخل للبلد، كل هذا يحتاج استثمارات في البنية التحتية من فنادق وأندية.

وأضاف د. حميد المزروع: إن برنامج الحج والعمرة يمكن أن يُحفِّز حزمة متنوعة من أنماط الترفيه الثقافي والبيئي، خاصة في الأماكن المحيطة بمكة المكرمة، والمدينة المنورة. ويرى أ. محمد الدندني أنه ممكن أن تُضاف العمرة إذا كان السائح من خارج المملكة، وكان يقضي إجازة في سواحل البحر الأحمر.

بينما ذكر د. خالد الرديعان أن للأمير خالد الفيصل تصريحًا شهيرًا حول هذا الأمر، فقد قال: إن “الحج والعمرة لا علاقة لهما بالسياحة أو الترفيه، فهي أنشطة دينية، فلا نخلط الترفيه مع الحج والعمرة”. وما يتم إنفاقه على الحرمين من مشاريع وأنشطة وخدمات للحجَّاج والزوَّار لا يُقاس بما يتم الحصول عليه من الحاج من أموال. علق د. حميد على ذلك بأن الاعتراض كان بسبب استخدام مصطلح السياحة الدينية على شعائر الحج والعمرة.

أرباح قطاع الترفيه:

أشار د. عبد العزيز الحرقان إلى أن قطاع الترفيه يحتاج إلى 267 مليار ريال من إجمالي الاستثمارات، لبناء البنية التحتية الترفيهية في جميع مناطق المملكة، ويُتوقع أن الإنفاق الاستهلاكي على الترفيه سيبلغ 36 مليارًا بحلول عام 2030. وبحسب تصريح رئيس هيئة الترفيه، فإن “90 مليار ريال متوقعة كدخل للسينما في المملكة”.

علق د. حميد الشايجي بأنها أرقام خيالية، ونحن لا نحتاج لأحلام لنشر الترفيه. الترفيه والترويح مطلب للحياة المتوازنة، ولا نحتاج لأرقام فلكية لإقناعنا به، بل نحتاج إلى إنفاق حكومي لتهيئة البنية التحتية للترفيه.

الترفيه هو الأصل وحقٌّ للجميع:

بدأ أ. عبد الله الضويحي مداخلته بطرح تساؤل مهم: هل الترفيه هو الأصل أم أنه نتاج الحياة؟ هناك مَنْ يرى أن الإنسان بحث عن الترفيه وصنعه للتحرر من ضغوطات الحياة، والحقيقة- في نظري- أن الترفيه هو الأصل لتستقيم الحياة، وتقوم. قال تعالى:﴿ وَقُلْنَا يَا آدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ وَكُلَا مِنْهَا رَغَدًا حَيْثُ شِئْتُمَا… الآية﴾[البقرة: آية35]. رغد العيش كمًّا وكيفًا، وفي أي وقت، وأن يعيش الإنسان مرفهًا هو ترفيه في حد ذاته، وفي قصة موسى مع قومه عندما أجابهم:﴿ اهْبِطُوا مِصْرًا فَإِنَّ لَكُمْ مَا سَأَلْتُمْ ﴾[البقرة: آية 61]، وفي الأثر: (روحوا عن أنفسكم ساعة بعد ساعة، فإن القلوب إذا كلت عميت)، إذًا الأصل أن يعيش الإنسان مرفهًا. والترفيه ليس حكرًا على فئة دون أخرى، أو طبقة دون غيرها، وكل إنسان من حقه أن يرفه عن نفسه وله الحق في الترفيه؛ ولهذا فالترفيه مسألة نسبية، ما يراه البعض ترفيهًا، قد لا يراه البعض كذلك والعكس.

العقود الثلاثة التي عايشناها منذ بداية ثمانينيات القرن الماضي أوجدت ثقافة معينة حول الترفيه، ومن ثَمَّ ثقافة مضادة انعكست على ما تقدمه هيئة الترفيه الآن من برامج موجهة لشريحة معينة، ولفئة عمرية معينة. فقد تم التركيز على ما ستضيفه صناعة الترفيه للناتج القومي، وما ستضيفه السينما، وما ستتيحه من وظائف، وكلها أرقام مبالغ فيها، لا أدري على أي أساس؟! وتم التركيز على نوع معين من الترفيه، والتوجه أيضًا لفئة معينة هي القادرة المقتدرة. وكأنما كان التغني بالمردود المادي، والحد من السفر للخارج هو الهدف المقصود والغاية! وإذا كان كذلك فلن يحد من السفر، فالمسافرون في معظمهم لا يسافرون من أجل السينما والحفلات الموسيقية، وعائلة متوسطة مكونة من 5 أو 6 أفراد لن تستطيع دفع مبلغ 3 آلاف ريال لحضور حفلة غنائية، ولديها فاتورة كهرباء بهذا المبلغ، ولن تستطيع حضور فيلم سينمائي (وتوابعه)، بما يعادل راتب العاملة المنزلية. هناك مَنْ لا يعترض على الغناء، لكن لا يستهويه حضور حفلة غنائية.

وأذكرُ أنني دخلت السينما مرتين في حياتي، الأولى: عام 1976 في لندن لمشاهدة فيلم الرسالة لمصطفى العقاد الذي عُرض في ذلك العام. الثانية: في أمريكا مع العائلة، وفوجئت بهم يوقظونني من نومة عميقة، يقولون: انتهى الفيلم! هذا لا يعني أنني لن أشاهد، أو أحضر فيلمًا لو شعرت بأهميته بالنسبة لي.

والسؤال المطروح: هل المهم هو الترفيه لذاته؟ أم مقدار ما يضيفه للناتج القومي؟ إن كانت الأولى فسيضيف للناتج، وإن كانت الثانية فلن نحقق الترفيه المنشود، ولن يضيف للناتج القومي ما نبحث عنه.

أريدُ أن أصل لنقطة مهمة، وهي أن الترفيه حقٌّ للجميع من المهد إلى اللحد، وأنه يجب مراعاة اختلاف الأذواق وتعدد المشارب. الغناء، والسينما، والحفلات الموسيقية، والمسرح؛ كلها ترفيه. وأيضًا: قراءة كتاب، والجلوس على ضفاف بحيرة أو في حديقة، وممارسة الرياضة، والتمتع بالطبيعة هي كذلك. فمعرض الكتاب ترفيه، مهرجان الجنادرية ترفيه، السياحة والتراث ترفيه. لذلك مع ما سبقني له معالي د.رياض في تعقيبه حول تنوُّع الترفيه ومرجعياته، وتساؤله: مَن يقوم بالعملية؟ أرى أن لدينا أكثر من جهة تقدِّم برامج ترفيهية، وهو ما يمثل هدرًا للمال والجهد والتكرار؛ لهذا لابد من تنسيق واضح ومحدد، ليعرف كلٌّ منها المطلوب منه، أو دمجها لتكون تحت مظلة واحدة. الترفيه باب واسع، ولكلٍّ الحق في طرقه والدخول فيه.

كما أرى أيضًا أن الترفيه نوعان: ترفيه ذاتي: يقوم به الفرد، ويرفه به عن نفسه وذاته بطريقته الخاصة. وترفيه مصنوع: وهو ما نُقدِّمه له من منتج بمقابل أو بدون. من هنا أقول: إن الترفيه ثقافة قبل أن يكون صناعة، وعلينا أن نُعمِّم ثقافة الترفيه بمفهومه الحقيقي، وأبعاده ومردوده.

متطلبات صناعة الترفيه:

ذهب د. حميد المزروع إلى أن أبرز متطلبات النهوض بصناعة الترفيه بالمملكة العناصر التالية:

أولًا: الأنظمة التشريعية التي تُنظِّم هذه الصناعة بجميع مدخلاتها وأنماطها وظروفها.

ثانيًا: الكوادر البشرية المؤهلة بالقطاعات التي تحتاجها هذه الصناعة.

ثالثًا: مصادر التمويل للمشاريع والبرامج المرتبطة بهذه الصناعة، ومن ضمنها: الإيواء، والنقل، والمطارات.

علق د. حميد الشايجي بأن ما ذكره د. المزروع مهم جدًّا، وخصوصًا نقطة الأنظمة التشريعية التي تنظِّم هذه الصناعة من كافة جوانبها. فبعض الممارسات يقف المسؤول حائرًا أمامها لعدم وجود نظام واضح للتعامل معها، ومثال ذلك: عندما خاطب محافظ جدة إمارة المنطقة بخصوص الإجراء الذي يُتخذ تجاه استخدام الفرق الغنائية والآلات الموسيقية في المطاعم. فهذا يدل على عدم وجود نظام واضح بهذا الشأن، وجاء ردُّ أمير منطقة مكة المكرمة بمنعها ما لم ترد توجيهات بذلك*.

لذا فصناعة الترفيه تحتاج وبشكل عاجل إلى وجود أنظمة وتشريعات شاملة تغطي جوانبها المختلفة؛ لحماية العاملين والمستخدمين (خصوصًا الصغار)، والمتنافسين، وقبلها حماية الأخلاق والقيم المجتمعية.

من جانبه يرى أ. محمد الدندني أن هذا لا يخفى على مُتّخِذ القرار في الحاجة لقوانين وتشريعات يهتدي بها المُنفِّذ، ما أعتقده هو تطبيق المثل: ” قيس وغيص “، أي اعرف عمق الماء، وقرر الغوص أولًا.

كما أنني أتساءل: هل هيئة الترفيه ستكون جهة مستثمرة ومشغلة لمنشئات الترفيه لوحدها أو مع مستثمرين آخرين، أو ستكون منظمة ومراقبة، مثلًا: إصدار الرُّخص لعمل ما فقط؟ أجاب د. رياض نجم بأن هيئة الترفيه حسب ما نعلم جهاز تنظيمي يقوم بمنح التراخيص وتحفيز الاستثمار في الترفيه، ولا تقوم بتشغيل وتنظيم الفعاليات بنفسها، بل تُشرف عليها، وتتأكد من التزامها بالضوابط التي تضعها.

صورة هيئة الترفيه وأنشطتها المقبولة:

أشار د. خالد الرديعان إلى أنه لا يخفى على الجميع أن صورة هيئة الترفيه في أذهان الجمهور غير واضحة تمامًا، وهناك عدم قبول لبعض ما تقوم به. يوجد كذلك بعض التبرُّم من أنشطة محددة رغم أن قطاعًا لا يُستهان به من السعوديين يحضرون هذه الأنشطة والفعاليات عندما تُقام في دول مجاورة، وهي مفارقة؛ ما يؤكد وجود ازدواجية بين ما نقول وما نفعل؛ فنحن نريد نشاطًا ما، ونبحث عنه في الخارج، لكننا لا نريده عندنا.

حفلات الفنانين في القاهرة- على سبيل المثال- تحظى بحضور طاغٍ من الجمهور السعودي والخليجي، بل إنها تُقام للسعوديين خصيصًا بحكم أنهم الأكثر عددًا مقارنة ببقية الخليجيين. الجمهور المصري عادة لا يحضر حفلة لفنان سعودي في مسارح القاهرة، إلا ما قلَّ، وهذا ملحوظ.

وبالتالي نحتاج إلى إجراء دراسات موسّعة لفك لغز، لماذا نريد بعض الأنشطة في الخارج ولا نريدها عندنا؟ ونحتاج إلى معرفة المعوقات الاجتماعية والثقافية التي تعوق أنشطة الترفيه، ولا تساعد على نجاحها. نحتاج كذلك إلى عمل قائمة بالأنشطة الترفيهية التي تحظى بقبول الجمهور في مختلف مناطق المملكة، وتلك التي لا تحظى بقبول، ومعرفة أسباب ذلك. أعتقد أن هيئة الترفيه لا تقوم بمسوحات كافية لمعرفة وجهة نظر الجمهور حول ما تقوم به.

الترفيه بين الممانعين والموافقين الداعمين:

ذكر د. عبد الله بن ناصر الحمود: الترفيه وما أدراك ما الترفيه في مجتمع يعبر مرحلة تحوُّل، وإعادة هيكلة الفكر والسلوك، تصبح شؤونه كافة موضع حراك وتجاذبات عميقة.

الترفيه، إحدى المفردات التي رسخ المتعاطون معها عقودًا مضت ممانعتهم لكثير من أشكال ومحتويات الترفيه عند الآخرين بحجج قوية، ليس أقواها خرق المروءة ولا حرمة الفعل، واليوم يسعى المتعاطون معها لترسيخ موافقتهم لها بحجج قوية، ليس أقواها ضرورة الترفيه ولا إباحة الفعل، وبين الممانعين والموافقين الداعمين بون شاسع، ومسافات ضوئية تفصل بين ما هو ترفيه مباح، وما هو فسق وفجور.

من هنا، يواجه مجتمعنا اليوم هذا الواقع العجيب في محاولة لملمة جراحه الفكرية والرسو على شاطئ آمن مستتب، رغم ما يعصف بماء بحره من أمواج متلاطمة. سنحتاج عقدًا من الزمن، وربما عقدين لنرسو على مرسى معتبر، أما قبل ذلك فالأمر غاية في الغرابة، وسنحتاج لقوى مجتمعية كثيرة تعيد تشريع الترفيه كما فعلت أخواتها من قبلُ في تشريع اللاترفيه. هو صراع مع البقاء أكثر منه صراع مع متعة الترفيه، فليس الترفيه إلا واجهة جميلة لفكر وفعل يختلف حولهما عندنا أخوان شقيقان؛ بين موغل في التحريم، وموغل في الإباحة. ومع كل من هذين الشقيقين كتل مجتمعية حيرى كحيرة والديهما اللذين لم يعد بإمكانهما الإجابة عن تساؤلاتهما المحرجة حقا بشأن ما كان وما يكون. ما يدعو للاطمئنان هو أن المجتمعات لا تحتاج لإعادة الهيكلة كل عام أو عامين، بل كل جيل أو جيلين أو ثلاثة؛ ولهذا فثمة جيل يكون دومًا مطية الهيكلة.

دعونا نؤمن بقدرنا هذا، فما أجمل أن نأخذ بالمجتمع من ضيق حرمة الترفيه إلى سعة إباحته! أما ما يبدو غريبًا ومستهجنًا من فكر وفعل المرفهين عندنا اليوم، فسوف تنضجهم تجاربهم معنا رغم أنوفهم وأنوفنا.

الممانعة لبعض أشكال الترفيه:

تساءل أ. سمير خميس: هل يمكننا القول بأن بعض الممانعة لبعض أشكال الترفيه تحتاج فترة من الزمن حتى تهدأ، وتكون ممانعتها منطقية على الأقل؟ أم أن هذه الممانعة لها مبرراتها؟

علق د. عبد الله بن ناصر الحمود: كل له ممانعته تبعًا لهواه ومصالحه ورؤاه، وعندما يتحول الهوى وتتحول المصلحة وتتغير الرؤى، يبدأ المرء في تحرير موافقاته وممانعاته من جديد، الفرق هو كيف تتحول الأهواء والمصالح وتتغير الرؤى؟ يحدث ذلك بوسائل عديدة، وقد اخترنا في هذه المرحلة أو أنه اختير لنا التحوُّل والتغير بمعامل الميكروويف بعد أن تشكلنا بمعامل الكيروسين. بينما في تصوُّر د. خالد الرديعان فإن المجتمع تأسس على قاعدة: هذا حلال وهذا حرام، ولا شيء بينهما.

بعض آثار فعاليات الترفيه:

أشار د. رياض نجم إلى أن موضوع الترفيه يمسُّ كل شرائح المجتمع دون استثناء، والحراك الحاصل سيكون له تأثير على تعامل أفراد المجتمع مع بعضهم البعض، رجالًا ونساءً، صغارًا وكبارًا.

بعض الإحصاءات تقول إن نسبة مَنْ سافر هذا الصيف أقلُّ من مثيلتها العام الماضي. فهل يمكن أن يكون السبب في ذلك هو فعاليات الترفيه التي لم تكن موجودة العام الماضي؟ أم بسبب الحالة الاقتصادية وتدني ما وفرته الأسر السعودية من دخلها هذا العام؟ والإجابة البديهية أن الانخفاض راجع لكلا السببين، ولكن بأي نسبة؟

فعاليات وأنشطة الترفيه:

يرى د. يوسف الرشيدي أن الهيئة تعمل منذ عام تقريبًا، وأعتقد أنهم أحوج ما يكون إلى التسريع في تنفيذ الخطط الترفيهية بكل أشكالها؛ لاستيعاب تنوُّع الأذواق لدى الشارع السعودي.

وأرى أيضًا أن الهيئة والقائمين على ملفات الترفيه من قطاعات متنوعة لم يخدمهم تسليط الضوء على الحفلات الغنائية دون الفعاليات الأخرى التي أُقيمت خلال هذا العام في الثقافة والفنون الأخرى، مع الكم الضخم من فعاليات العائلة بشكل عام.

وتوقعي أن المداخيل المتوقعة خلال الخمس السنوات القادمة مبالغ بها بشكل كبير، وخاصة السينما وبأسعارها المرتفعة، مع أني كنتُ أتوقع أن تكون الأسعار بين الـ ٢٥-٣٠ ريالًا كحد أقصى.

ملف الترفيه يحتاج وقتًا حتى يُرى أثره من خلال الإقبال والتعاطي مع ما يُطرح من فعاليات وأنشطة.

التوصيات:

1- التركيز على الصناعة الترفيهية الوطنية/المحلية في التغطيات الصحفية، والأبحاث الأكاديمية المحلية، وتمثيلها أكثر من الصناعات الترفيهية المستوردة.

٢- الاستفادة من التجربة الصينية في استخدام صناعة الترفيه المحلية، بشكل يدعم جوانب محلية أخرى، مثل: السياحة الداخلية، والرياضة الأولمبية.

٣- عمل لجان مشتركة تجمع بين أطراف من هيئة الرياضة وهيئة السياحة ووزارة الثقافة؛ لتطوير صناعة الترفيه المحلية.

٤- تشجيع المشاريع الصغيرة والمتوسطة في قطاع الترفيه السعودي، ولا سيما ما يبثُّ عبر الإنترنت والسينما.

الملخص التنفيذي:

القضية: (صناعة الترفيه السعودية.. سياق محلي عالمي).

إن رؤية المملكة 2030، الطموحة، بإدراجها لصناعة الترفيه ضمن مجالات التنمية، تؤكِّد استيعابها لاحتياجات المجتمع، كما تؤكد إدراكها لأهمية العوامل الفكرية والنفسية والروحية في تنمية الشعوب، فالتنمية ليست اقتصادًا فقط، ولا عمرانًا متطورًا فحسب، بل أيضًا بناء مجتمع سليم متوازن، قادر على تحقيق أهداف الرؤية. وعندما ربطت الرؤية الطموحة بين مستوى المعيشة والفعل الثقافي، فقد أشارت بوضوح إلى أهمية العامل الاقتصادي الذي تنطوي عليه صناعة الثقافة والترفيه.

تناولت الورقة نقاطًا مهمة تتعلق بصناعة الترفيه السعودية، منها تناول الترفيه من الناحيتين الفنية والاقتصادية، وأشارت إلى أن الترفيه بكافة أشكاله يُعدُّ نشاطًا تجاريًّا كبيرًا، وبالتالي وحتى يمكن الاستفادة منه محليًّا، فهناك أمور كثيرة ينبغي أخذها بعين الاعتبار لتحقيق الفائدة المرجوة منه اقتصاديًّا، أول هذه الأمور صناعة محتويات تحاكي تجارب الناس وحياتهم وماضيهم، وفي الوقت نفسه تتموضع بشكل جيد وذكي ضمن سياقات عالمية عديدة يستقرئها المختص. هذا بالإضافة إلى عدم إهمال الجانب التشريعي عالميًّا ومحليًّا من صناعة الترفيه.

وتلخَّصت التعقيبات التي جرت على هذه الورقة في أن الترفيه حاجة إنسانية، والترويح عن القلوب ضروريٌّ للصحة الجسدية والنفسية، كما أن مثلث صناعة الترفيه يتكون من المستهلك، وتوفير فرص العمل، والعائد المالي منها.

وأشارت التعقيبات أيضًا إلى أن صناعة الترفيه هي عبارة عن الكيانات والشركات التي تسيطر على توزيع وإنتاج مواد الترفيه الإعلامية للجماهير، مثل: التلفزيون، والراديو، والسينما، والرسوم المتحركة، والموسيقى؛ إلا أن هذه الصناعة تشمل أنواعًا أخرى من النشاطات والفعاليات، منها: ترفيه العروض، وتشمل معارض الفنون، والاحتفالات، والمهرجانات، والمتاحف، ومعارض السفر، ومدن الألعاب؛ والترفيه الحي، ويشمل الأوبرا، والمسرح، وعروض السيرك، والعروض الفكاهية والهزلية والغنائية، والرقص، والأزياء، والسحرية، والألعاب النارية، وعروض الدُّمى والمصارعة؛ بالإضافة إلى الترفيه الإلكتروني، ويشمل بشكل أساسي الألعاب الإلكترونية، وبعض المحتوى المرئي والمسموع المستهلك عبر وسائل الاتصال الحديثة. وفي العقود الأخيرة تحولت كثير من الرياضات إلى نشاطات ترفيهية.

وناقشت المداخلات موارد صناعة الترفيه، وذكرت أن موارد الترفيه تتركز في الحد من خروج الأموال الوطنية للخارج، وكيفية جلب الأموال من الخارج، ولعلَّ تطوير بعض الشواطئ ومشروع القدية تقوم بهذه المهمة.

وأطلق المناقشون تخوفهم من أن تكون صناعة الترفيه في السعودية مثل بقية الصناعات الأخرى، تعتمد في الخلف على غير السعوديين، إضافة إلى التساؤلات المتعلقة بمدى الاستعداد لإنتاج وتنفيذ هذه الصناعة الدقيقة، والعاملون المدربون والمؤهلون لصناعة الترفيه، وأيضًا المعايير القيمية التي تحتاجها لحماية القيم والأخلاق والنشء عند تعرضهم لبرامج الترفيه.

وذهب المناقشون إلى أن أبرز متطلبات النهوض بصناعة الترفيه بالمملكة الأنظمة التشريعية التي تُنظِّم هذه الصناعة بجميع مدخلاتها وأنماطها وظروفها، والكوادر البشرية المؤهلة بالقطاعات التي تحتاجها هذه الصناعة، وكذلك مصادر التمويل للمشاريع والبرامج المرتبطة بهذه الصناعة، ومن ضمنها النقل والمطارات.

وفي نهاية النقاش طرح الملتقى عددًا من مخرجات النقاش، أهمها: التركيز على الصناعة الترفيهية الوطنية/المحلية في التغطيات الصحفية والأبحاث الأكاديمية المحلية، وتمثيلها أكثر من الصناعات الترفيهية المستوردة، والاستفادة من التجربة الصينية في استخدام صناعة الترفيه المحلية بشكل يدعم جوانب محلية أخرى، مثل السياحة الداخلية والرياضة الأولمبية، وكذلك عمل لجان مشتركة تجمع بين أطراف من هيئة الرياضة وهيئة السياحة ووزارة الثقافة لتطوير صناعة الترفيه المحلية، بالإضافة إلى تشجيع المشاريع الصغيرة والمتوسطة في قطاع الترفيه السعودي.

………………………………………………………..

القضية الرابعة:

الورقة الرئيسة: أهداف ومبادرات قطاع التنمية في برنامج التحوُّل الوطني في المملكة والتحديات المحتملة

الكاتب: د. الجازي الشبيكي.
المعقبان:
د. خالد الرديعان.

أ. علياء البازعي.

مدير الحوار: د. خالد بن دهيش.

مقدمة:

لا شك أن تحقيق أهداف قطاع التنمية في برنامج التحوُّل الوطني يُعدُّ مرحلة تطويرية مهمة في إطار السعي نحو تحقيق رؤية المملكة 2030، إلا أنَّ هناك العديد من التحديات التي ستواجه خطة التحوُّل الوطني تحتاج لأن يُسلط عليها الضوء؛ لذا كانت قضية “أهداف ومبادرات قطاع التنمية في برنامج التحوُّل الوطني في المملكة والتحديات المحتملة”من القضايا المهمة التي طرحها ملتقى أسبار من خلال ورقة العمل التي قدمتها د. الجازي الشبيكي. وتمَّ التعقيب على موضوع الورقة، وجرت حولها مداخلات عديدة ناقشت: (مؤشرات قياس الأداء في برنامج التحوُّل الوطني، دور الحكومة في برامج التنمية الاجتماعية، العمل التطوعي والخيري وتحقيق أهداف التنمية الاجتماعية، وزارة مستقلة للتنمية الاجتماعية، شمولية التنمية الاجتماعية، رسملة قطاع التنمية الاجتماعية، التنمية الاجتماعية بين الرعاية والتنمية، المسؤولية الاجتماعية لدى القطاع الخاص، التنمية الاجتماعية ورؤية 2030). وفي النهاية اقترح الأعضاء المناقشون العديد من التوصيات المهمة؛ وفيما يلي نصُّ الورقة التي كتبتها الدكتورة/ الجازي الشبيكي، وعقَّب عليها الدكتور/ خالد الرديعان، والأستاذة/ علياء البازعي.

كتبت د. الجازي الشبيكي في ورقتها الرئيسة عن (أهداف ومبادرات قطاع التنمية في برنامج التحوُّل الوطني في المملكة والتحديات المحتملة): ارتكزت رؤية المملكة 2030 على ثلاثة محاور رئيسة: مجتمع حيوي، واقتصاد مزدهر، ووطن طموح حكومته فاعلة ومواطنه مسؤول، وللوصول لمستوى السمات المؤملة في المواطن المسؤول الذي يحقق غاية الرؤية التي هو جاني ثمارها في النهاية، أُسنِد إلى منظومة العمل والتنمية الاجتماعية في المملكة عدد من الأهداف الاستراتيجية في برنامج التحوُّل الوطني بنسخته الثانية، سيتم التركيز هنا على قطاع التنمية بالتحديد.

الأهداف الاستراتيجية لقطاع التنمية في برنامج التحوُّل الوطني:

1) تمكين المواطنين من خلال منظومة الخدمات الاجتماعية.

2) تحسين فعالية وكفاءة الخدمات الاجتماعية.

3) تعزيز قيام الشركات بمسؤوليتها الاجتماعية.

4) تمكين المنظمات غير الربحية من تحقيق أثر أعمق.

5) تمكين الأشخاص ذوي الإعاقة في سوق العمل.

6) دعم نمو القطاع غير الربحي.

7) تشجيع العمل التطوعي.

ومن أبرز الالتزامات وفق تلك الأهداف:

1) مساهمة القطاع غير الربحي في الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 0.6%.

2) زيادة نسبة المستفيدين المستغنين عن الإعانات المالية بنسبة 12٪.

3) زيادة عدد المتطوعين إلى 300 ألف بحلول عام 2020م.

4) الوصول بالقيمة الاقتصادية لتطوُّع الفرد في المملكة العربية السعودية إلى 15ريالًا.

5) زيادة نسبة التوظيف للأشخاص ذوي الإعاقة القادرين على العمل إلى 12.4٪.

وسيتم تحقيق كل ما سبق من خلال المبادرات التالية، بميزانية تصل إلى 8.971.914 ريالًا:

1) بناء نظام لتمكين وإدماج المستفيدين من الخدمات الاجتماعية في سوق العمل.

2) تطوير برامج تدريبية وتأهيلية منتهية بالتوظيف للمستفيدين من منظومة الخدمات الاجتماعية.

3) استحداث حملات تسويقية وتوعوية وإرشادية لبرامج التمكين.

4) نمذجة وتجهيز وإسناد خدمات الرعاية الاجتماعية المقدمة للأشخاص ذوي الإعاقة في المراكز والمنازل، بالشراكة مع القطاعين الخاص وغير الربحي.

5) تأسيس هيئة التخصصات الاجتماعية.

6) الشراكة مع القطاع الثالث لزيادة التغطية الجغرافية لجهات الحماية الأسرية.

7) تنظيم وتمكين المساهمة المجتمعية.

8) تشجيع الشركات لتبني وتطوير برامج المسؤولية الاجتماعية.

9) ابتكار حزم ونماذج استثمارية وتمويلية ذات أثر اجتماعي، تُنفَّذ من خلال كيان غير ربحي.

10) تأهيل القوى العاملة، وتوفير فرص العمل في القطاع غير الربحي.

11) حوكمة المنظمات غير الربحية وتصنيفها.

12) تنفيذ برامج العمل في الاستراتيجية الوطنية للأشخاص ذوي الإعاقة.

13) تحفيز الجهات الموظِفة لتطوير بيئات موائمة للأشخاص ذوي الإعاقة.

14) تأسيس هيئة رعاية الأشخاص ذوي الإعاقة.

15) تأسيس المركز الوطني لتنمية القطاع غير الربحي.

16) التكامل مع هيئة الأوقاف لتعزيز الدور التنموي للقطاع غير الربحي.

17) تنظيم وتمكين العمل الاجتماعي التنموي.

18) بناء منظومة لتمكين المشاركة التطوعية.

19) بناء ثقافة ومحفزات العمل التطوعي.

20) تمكين وتنظيم العمل التطوعي في القطاعين غير الربحي والحكومي.

إن جميع تلك المبادرات التي تسعى إلى تحقيق أهداف قطاع التنمية في برنامج التحوُّل الوطني تُجَسِّد نقلةً تطويرية مجتمعية كبيرة باتجاه مسار رؤية المملكة 2030، مع وجود عدد من التحديات المحتمل إطالتها لطريق ذلك المسار إلى حد ما، منها- على سبيل المثال لا الحصر-:

1) ضعف الكوادر البشرية المؤهلة المنوط بها مسؤولية تحقيق تلك الأهداف.

2) الحاجة إلى بذل جهود كبيرة في تعديل الأنظمة والإجراءات واللوائح لمواكبة تلك النقلة.

3) نقص المعلومات والبيانات والدراسات والإحصاءات الدقيقة في المجال الاجتماعي في المملكة.

4) تضارُب بعض الأنظمة الاجتماعية في وزارة العمل والتنمية الاجتماعية مع بعض الأنظمة العدلية والتجارية.

5) البيروقراطية الوظيفية السائدة في أساليب العمل والمتجذرة في وزارة العمل والتنمية الاجتماعية.

6) مركزية القرار غير المتناسبة مع الحجم السكاني، والتباعد الجغرافي للمناطق الإدارية في المملكة.

7) توقعات حول صعوبة القدرة التمويلية المستقبلية للمبادرات المطروحة في الخطة.

8) الحاجة إلى جهود توعوية كبيرة مرتكزة على تخطيط سليم لتغيير قناعات ومعتقدات خاصة بثقافة العمل، والاتكال على دولة الرعاية.

9) ازدواجية وتداخل العديد من برامج وخدمات الجمعيات والمؤسسات الخيرية مع خدمات وزارة العمل والتنمية الاجتماعية.

10) الأعداد غير القليلة من كبيرات السن وغير الراغبات والمؤهلات بتاتًا للعمل، قد يشكلن عائقًا عن نجاح مبادرات إدماجهن في سوق العمل.

11) ضعف واقع مستوى أغلب الجمعيات الخيرية؛ من حيث التخطيط، والتنفيذ، والإدارة، والتمويل- لن يساعد في توقع المأمول من مساندتها لتلك البرامج والأهداف المطروحة.

12) الخطط المستهدِفة لرفع مستوى الوعي المجتمعي لضمان مواكبة ونجاح تلك المبادرات يجب أن تكون مبنية على واقع سمات وأحوال المجتمع، مع أخذ الاختلافات في تلك السمات وذلك الواقع بين مناطق المملكة في الحسبان.

13) التغيرات المتلاحقة في فترات قصيرة للمناصب القيادية في وزارة العمل تضعف توقعات الوصول لتلك الأهداف بالمستوى المؤمَّل منها.

تلك كانت أهم التحديات التي تمثل وجهة نظر كاتبة الورقة، مع إيمانها أنه من الممكن رصدها مع غيرها من التحديات، والعمل الجاد على مواجهتها بالتخطيط السليم المرتكز على البيانات والدراسات العلمية الدقيقة الشاملة والمتكاملة مع كافة القطاعات والوزارات ذات العلاقة، ضمن برنامج التحوُّل الوطني لتحقيق رؤية المملكة 2030.

وكان تعقيب د. خالد الرديعان: أودُّ أن أضيف إلى التحديات التي ستواجه خطة التحوُّل الوطني ٢٠٣٠ معوقًا آخر أراه في غاية الأهمية، يتمثل هذا المعوق في الجانب الاجتماعي – الثقافي للمجتمع السعودي.

لا يمكن بالطبع إلقاء كامل اللوم على الإدارة الحكومية، والتركيز على المعوقات البيروقراطية والمالية، فهذه ربما تظلُّ قابلة للمعالجة والحل من خلال حزمة إجراءات؛ كتطبيق اللامركزية، وخلق مصادر تمويل جديدة، وربما اللجوء لخصخصة بعض القطاعات.

العائق الأكبر- في رأيي المتواضع- يكمن في ثقافة المجتمع ومنظومة قيمه الاجتماعية التي قد لا تستجيب للتحولات بنفس المدى والسرعة التي تحدث على المستوى الاقتصادي. المجتمع مُكبَّل إلى حد كبير بالكثير من الرواسب الاجتماعية؛ ولعل أقرب مثال ما يتعلق بقضايا المرأة التي رغم حزمة القرارات التي صدرت لتوفير بعض الخيارات لتمكينها، فإنها لا تزال غير ذات أثر فاعل، وإن كان مبكرًا الحكم على جدوى وفاعلية قرارات التمكين.

القاعدة نفسها تنطبق على توطين بعض المهن (السعودة)، فرغم أن السوق مغرٍ للشباب السعودي لاقتحامه بسبب نقص العمالة في بعض المهن، إلا أن الوضع لم يتغير كثيرًا؛ بل إن الطلب على الوظيفة الحكومية ذات الدخل الثابت لا يزال هو سيد الموقف. البعض يلقي باللائمة على نقص التشريعات التي تُحقِّق السعودة والتوطين، إلا أن ذلك ليس مبررًا كافِيًا.

العوائق الاجتماعية لا تظهر مباشرة ويصعب رصدها، وهي كذلك شيء خارج سلطة الجهاز الحكومي، ولا يستطيع القيام بالكثير تجاهها طالما هي منغرسة في الثقافة المجتمعية.

ما هو متوقع عمومًا أن التشريعات الاقتصادية هي التي ستُحدث التغيير الاجتماعي، وتدفع به قُدمًا، ليحدث التحوُّل المنشود في الجانب الاجتماعي، لكن ذلك لن يكون بدون ثمن.

تحدٍ آخر يواجه قطاع التنمية الاجتماعية يتمثل في أنها ستعتمد دائمًا في مواردها على ما تخصصه لها الدولة من أموال، وهذه الأموال قد تزيد أو تنقص؛ فمسألة الانكماش الاقتصادي، وربما استمراره لفترة غير معلومة، سيؤثر على توفير موارد كافية لعملية التحوُّل. لا ننسى أن قطاع التنمية الاجتماعية بمجمله ليس قطاعًا ربحيًّا حتى يتدبر موارده الخاصة به، إلا في حالة تغير فكرة ومفهوم التنمية الاجتماعية. رسملة هذا القطاع العريض سيخلق بعض المشكلات خاصة إذا كانت الرسملة سريعة وغير متدرجة.

كما عقَّبت أ.علياء البازعي: نظرًا لارتباط قطاع التنمية الاجتماعية بحياة الناس بشكل مباشر، وكذلك بعدة جهات حكومية وغير حكومية أخرى، فإنني أتساءل: هل أهداف قطاع التنمية في برنامج التحوُّل الوطني متكاملة مع بعضها البعض داخل القطاع نفسه؟ وهل تتكامل مع أهداف المؤسسات الحكومية الأخرى؟

لو راجعنا الأهداف الاستراتيجية لقطاع التنمية في برنامج التحوُّل الوطني سنلاحظ أنها بالفعل تكمل بعضها، وأن تحقيق بعض الأهداف مرتبط بأهداف أخرى، وعلى سبيل المثال: الهدف السابع “تشجيع العمل التطوعي”، سنجد أنه بتحقيق هذا الهدف، وغرس العمل التطوعي في نفوس الصغار، وكذلك وضع تنظيم محكم للقيام بالأعمال التطوعية في مختلف القطاعات، سيسهم في تحقيق الهدف الأول “تمكين المواطنين من خلال منظومة الخدمة الاجتماعية”؛ لأنه من خلال التطوُّع قُمنا بتمكين المواطن ليبني خبرته “بالنسبة للشباب الصغار”، ولنستفيد من خبرته “بالنسبة للمتقاعدين”، أو ليستفيد من وقت فراغه بشكل أو بآخر.

أيضًا بتحقيق هذا الهدف سنساهم في تحسين فعالية وكفاءة الخدمات الاجتماعية؛ لأنه في حال وجود متطوعين سيزداد عدد العاملين في الميدان؛ مما يسهم في تحقيق الهدف. وكذلك تعزيز قيام الشركات بمسؤوليتها الاجتماعية، وتمكين المنظمات الربحية من تحقيق أثر أعمق، حيث إن تحقيق هذه الأهداف يقوم على خفض التكاليف المادية لتقديم خدمة على نطاق أوسع، ووجود المتطوعين يسهم في ذلك. أما تمكين الأشخاص ذوي الإعاقة في سوق العمل، فإن العمل مع الأشخاص ذوي الإعاقة وعلى مستوى العالم- يعتمد كثيرًا على العمل التطوعي؛ نظرًا لارتفاع التكلفة، وحاجة الأشخاص ذوي الإعاقة- كبارًا كانوا أم صغارًا- إلى خدمات مساندة متنوعة، يقدمها فريق متعدد التخصصات، وكثيرًا ما يصعب تأمين كافة أفراد الفريق غالبًا، لأسباب مادية؛ وعليه فإن بعض الحكومات والجمعيات والمنظمات غير الربحية العاملة في مجال خدمات ذوي الإعاقة فتحت المجال للتطوع بشكل منظم. هذا من ناحية تكامل الأهداف مع بعضها داخل قطاع التنمية.

أما من ناحية تكامل أهداف قطاع التنمية مع مؤسسات الدولة الأخرى “التعليم مثلاُ” فنجد أن هناك هدفين لا يمكن أن يتحققا بشكل سليم ما لم تشارك فيهما وزارة التعليم، وهما: تشجيع العمل التطوعي، وتمكين الأشخاص ذوي الإعاقة في سوق العمل.

فالتطوع ثقافة ونظام يجب أن يتم غرس أهدافه وأنظمته منذ مراحل الطفولة المبكرة، وتعليم الأطفال أن الصدقة لا تكون فقط بالمال، بل بالوقت، والعلم، ومساعدة الآخرين ودعمهم. وبناءً عليه فإن هذه المبادئ يجب أن تُوجد في مناهج جميع المراحل، وتُطبَّق بشكل عملي أساسي، وليس اختياريًّا.

كما أن تمكين ذوي الإعاقة لا يمكن أن يحدث فجأة بعد أن يصل الطالب للمرحلة الثانوية أو ما يعادلها، بل يجب العمل على التمكين منذ اللحظات الأولى لاكتشاف الإعاقة وتشخيصها في مرحلة التدخل المبكر، والتي هي مبادرة من مبادرات التحوُّل الوطني في وزارة التعليم، حيث أثبتت الدراسات والتقارير أن تقديم الخدمة لذوي الإعاقة في سنٍّ مبكرة يُوفِّر الكثير من الأموال على الحكومات، حيث يتحولون من أشخاص اعتماديين إلى أشخاص منتجين، ومنها التقرير الذي قدَّمه تحالف من خبراء واقتصاديين للحكومة البريطانية عام 2015، والذي يؤكد أهمية الاستثمار في مجال التدخل المبكر؛ إذ إن ذلك سيوفر 2 بليون جنيه بحلول عام 2020م.

ومن أهم الدراسات التي غيرت توجهات كثير من الدول تلك التي قدَّمها مركزRAND عام 2006، والتي تؤكِّد أن تقديم الخدمات للأطفال ذوي الإعاقة في عمر 4 أو أقل، سيسهم في توفير من 126 دولارًا إلى 17 دولارًا، لكل دولار يُصرف على البرامج التي تخدم هؤلاء الأطفال.

المداخلات:

مؤشرات قياس الأداء في برنامج التحوُّل الوطني:

يعتقد د. حمزة بيت المال أنه بقدر ما سعدنا جميعًا بأنه أصبح لدينا برنامج تحوُّل وطني ورؤية ٢٠٣٠، إلا أن ما شغلني هو موضوع قياس الأداء والإنجاز. لقد تولدت لديَّ قناعة عبر الزمن، ومن متابعة الخطط، أن المؤشرات أصبحت لا تقل أهمية عن الخطة نفسها. كل هدف بقدر ما يحتاج خطة تنفيذية يحتاج معايير القياس والإنجاز.

التنمية الاجتماعية تتعلق بالتغيير الثقافي، وهذا الجانب من أصعب أوجه التغيير في حياة البشر، كما أشار لذلك د خالد في تعقيبه. لذلك فإن إعداد مؤشرات القياس لها من أصعب الأمور.

وبالنسبة لموضوع الحوكمة والشفافية، فأرى من الأهمية إشراك جميع شرائح المجتمع في هذه البرامج، وذلك بالإعلام المستمر عن العقبات قبل الإنجاز بشفافية عالية، فهي إحدى أهم خطوات إشراك الجميع في الهم الوطني، ودفعهم للمساهمة الإيجابية في الحلول.

اتفق معه د. خالد بن دهيش في ذلك، وأضاف أن وضع مؤشرات دقيقة لقياس الأداء من أهم ما تضمنته برامج التحوُّل الوطني، وهي ما كُنَّا نفتقده في الخطط التنموية الخمسية السابقة منذ عام ١٩٧٠، ووَضْع مؤشرات لقياس الأداء ليس بالأمر السهل، فهي تحتاج إلى جهد متواصل من خلال ورش عمل، ومقابلات، ومقارنات مع دول سبقتنا في هذا المجال، تطبِّق الحوكمة والشفافية.

وأذكرُ أن الأستاذة علياء في تعقيبها أوضحت أن أهداف قطاع التنمية التي استعرضتها دكتورة الجازي متكاملة مع بعضها البعض داخل القطاع، وتتكامل مع أهداف المؤسسات الحكومية الأخرى، واستعرضت ذلك التكامل بين تلك الأهداف، وكيف أن بعض تلك الأهداف مرتبط بأهداف أخرى في قطاعات حكومية أخرى، وذكرت أمثلة من تلك الأهداف. ولكن ما الكيفية أو آليات حدوث هذا التكامل في ظل البيروقراطية الحكومية التي في الغالب تعيق أي تكامل بالصورة المطلوبة؟ علقت على ذلك أ.علياء البازعي بأن الأهداف قد تكون متكاملة، لكن ليس بالضرورة أن تُحقق هذه الأهداف بالشكل الصحيح. بيروقراطية المؤسسات تشكل عقبات أمام التطوير دائمًا.

دور الحكومة في برامج التنمية الاجتماعية:

فيما يتعلق بتقلص دور الحكومة في برامج التنمية الاجتماعية، أشار د. مساعد المحيا إلى أنه يُؤمل ألا يحدث ذلك، فالدعم الحكومي والتحفيز ينبغي أن يبقى رائدًا ومتناميًا في الوقت الذي يسهم فيه القطاع الخاص ببرامج منافسة وجيدة ومحفزة للكثيرين من رجال الأعمال. ما يقلق اليوم أن الركود الاقتصادي أصبح مؤثرًا على نحو كبير، على كل المؤسسات الاجتماعية التنموية والخيرية، وعلى طبيعة برامجها وحجم المستفيدين منها.

والرقم الذي ذكرته د الجازي بشأن الأهداف الاستراتيجية والتزاماتها، إن كان الرقم دقيقًا (ثمانية ملايين ريال) فهو قليل جدًّا. ماذا يُصنع بعشرين مبادرة؟ فالمملكة قارة واسعة، ومن المهم أن يصل ذلك لكل منطقة من مناطقها، لتكون التنمية واسعة جدًّا.

علقت د. الجازي الشبيكي بأن الرقم بالمليارات كما جاء من مكتب تحقيق الرؤية بوزارة العمل والتنمية الاجتماعية. وأضافت أ. علياء البازعي أنه في وثيقة التحوُّل الوطني تُكتب الميزانية تحت خانة “ألف مليون”؛ مما يعني أن الرقم يُكتب بتسع خانات فقط، ويُقرأ غير ذلك.

العمل التطوعي والخيري وتحقيق أهداف التنمية الاجتماعية:

ذكر د. خالد الرديعان أن الأستاذة علياء البازعي أشارت إلى التطوُّع ودوره كممارسة تنموية، وأن شيوع هذا السلوك سيوفر مبالغ طائلة في عملية التنمية الاجتماعية. وقد تناولنا سابقًا قضية “شراء الوقت”، والتي طالبنا بالتفكير مليًّا في جدواها، وضرورة وضع أطر تشريعية مناسبة لتطويرها وإدخالها في المجتمع.

كنت أستمع اليوم إلى الإذاعة، وكان هناك مسؤول من هيئة السياحة انصبَّ حديثه على التطوع، وذكر أن هناك إقبالًا شديدًا عليه من قبل الجنسين، وأنهم في الهيئة عندما يعلنون عن رغبتهم في متطوعين، فإنه يتقدم لهم ضعف العدد المطلوب؛ ما يعني وجود الرغبة عند الشباب في ولوج هذا الميدان والمشاركة فيه، من منطلقين: ديني، ووسيلة لكسب المهارات وقضاء وقت الفراغ في أعمال مفيدة.

وحقيقة، فإن هناك الكثير من المناشط الاجتماعية التي تتولاها الدولة، وتكلفها مبالغ طائلة، وفي حال تم تنظيم عمليات التطوُّع، فإنها ستكون رافدًا مهمًا في عملية التنمية الاجتماعية، مع إعطاء امتيازات بسيطة وغير مكلفة للمتطوعين؛ وذلك لتشجيع الجميع على الانخراط في أعمال تطوعية تصبُّ في خدمة التنمية الاجتماعية، وخدمة المجتمع.

أضاف د. حمزة بيت المال بأن هذه القضية فعلًا هي من أهم القضايا، وهي مفتاح لكل التغيرات الأخرى، فإذا لم نُحسن إدارة التغيير الاجتماعي الثقافي باحترافية، فإن الانتكاسة قد تكون خطيرة على بقية القطاعات. إذا لم نتمكن اجتماعيًّا وثقافيًّا من غرس قيمة العمل التطوعي، وأهمية السعودة وتوطين المهن؛ فإن كل التشريعات والأنظمة لن تحل المشكلة، وأول فرصة للتخلص منها ستكون هي المخرج. لذلك أؤكد على أهمية قياس الأداء، والنظر في تقييم التجربة لتحقيق كل هدف وتطويرها.

وأشار د. حميد الشايجي إلى أهمية العمل التطوعي في عملية التنمية المجتمعية، وقد لفت انتباهه أمر مهم يوضحه فيما يلي:

تميزت المملكة العربية السعودية بأنها مملكة الخير والعطاء، وكيف لا وهي بلد التطوُّع والعمل الخيري التنموي المميز، الذي ارتقى من خلال الخطوات التنظيمية التي اتخذتها وزارة العمل والتنمية الاجتماعية للرقي به، وتنظيمه وتوجيهه لما يحقق تنمية المجتمع والرؤية المستقبلية الطموحة، ليتحول بذلك من العمل الرعوي إلى العمل التنموي، وليحمي المحتاج من ذل السؤال، ليوجهه إلى العمل والإنجاز، ولم يتحقق ذلك إلا بتكاتف الوزارة مع القطاع الثالث دعمًا وتنظيمًا وإشرافًا.

إلا أن لكل عملية تغيير اجتماعي نتائج إيجابية وأضرار جانبية. ونحن اليوم نعيش في المملكة حالة تغيير اجتماعي واقتصادي سريعة جدًّا، ومتوقع أن يصاحبها بعض الأضرار والنتائج السلبية التي تحتاج إلى التدخل العاجل والتخطيط الآجل من كل مؤسسات المجتمع المعنية، ومنها القطاع الخيري، للحدّ من هذه الأضرار والنتائج السلبية المتوقعة على الفرد والأسرة والمجتمع.

المشكلة تكمن في أن القطاع الخيري ذاته، أصبح هو جزءًا من المتضررين وضحايا هذا التغير السريع، فبعض مؤسسات العمل الخيري أصبحت تعاني من ضائقة مالية شديدة، ناتجة- وبشكل غير مباشر- عن حالة التحوُّل الاقتصادي التي تعيشها البلاد، والتي أثرت على كثير من المانحين والمحسنين والمتصدقين من التجار ورجال الأعمال، فقلَّ عطاؤهم، ودعمهم المادي للقطاع الخيري. ومَنْ يعمل في القطاع الخيري يستشعر ذلك.

إن عملية التحوُّل الاقتصادي أضرت بالقطاع الخيري، وأثرت على دخله بشكل كبير؛ مما أثر على وضعه المالي. فالتبرعات والصدقات والهبات والزكوات التي كانت تأتي من القطاع الخاص قلَّت وبشكل ملحوظ. فنظرة بسيطة على دخل العديد من الجمعيات الخيرية خلال فترة الثلاثة أشهر الماضية، ومقارنته بالفترة نفسها من العام الماضي نجد أن هناك انحسارًا كبيرًا في دخل الكثير من الجمعيات الخيرية، وهو ناتج عن التغيرات والقرارات الاقتصادية الأخيرة؛ مما أدى إلى تسريح العديد من العاملين في القطاع الخيري؛ نظرًا للعجز في دفع رواتبهم، والعجز في تسديد متطلبات مالية أخرى؛ كالإيجارات، والفواتير، وغيرها.

مما يعني أننا سنخسر رافدًا مهمًّا من روافد التنمية في مجتمعنا، رافد تعوّل عليه رؤية ٢٠٣٠ كثيرًا، وذلك لتفعيل القوة التطوعية المؤمل عليها في نهضة المجتمع. إنَّ تفعيل العمل التطوعي يحتاج إلى وجود جمعيات ومؤسسات قوية وفاعلة، قادرة على استيعاب المتطوعين وزيادة أعدادهم، وتنظيمهم وتوجيههم إلى المناشط التي يبرعون فيها حسب إمكاناتهم؛ لذا لابد أن تكون هناك خطة إنقاذ عاجله للقطاع الخيري قبل أن نخسره.

بينما ذكر م. أسامة الكردي: أنه لاحظ أنَّ هناك تأثيرًا سلبيًّا لعدد من برامج الرؤية على القطاع الخاص المعول عليه كثيرًا في نفس هذه البرامج، بالإضافة إلى المنافسة الحكومية له، ولكنني لم ألحظ تأثير هذه البرامج على القطاع الخيري أو الربحي.

علق عليه د. حميد الشايجي بأن تمويل القطاع الخيري يأتي من الأمور التالية:

١- إعانة الدولة، وهي المساعدة السنويَّة التي تأتي من الوزارة، وهي لا تسد إلا جزءًا من ميزانية الجمعية لا يتجاوز ٢٥٪ في أحسن الأحوال.

٢- الأوقاف والاستثمارات، وحجمها يتفاوت من جمعية لأخرى، بل هناك جمعيات لا تمتلك أوقافًا، حتى أنَّ مقرها مستأجر. ودخل هذه الأوقاف يتفاوت، وبعضها عبارة عن شقق تؤجَّر، ومع عملية خروج كثير من العمال الوافدين انخفض معدل تأجيرها، كما قلت قيمة الإيجارات. كل ذلك كان له انعكاس سلبي على العائد من الأوقاف والاستثمارات.

٣- التبرعات والصدقات والهبات التي يقدمها المحسنون، وفي الغالب هم من رجال الأعمال، وهذه تعدُّ من أهم روافد الجمعيات الخيرية، وهي العمود الفقري لميزانيات الجمعيات، حيث توفر ما نسبته ٦٠:٨٠٪ من دخل الجمعيات الخيرية. وبتأثُّر القطاع الخاص وعائداته قلَّ عطاؤه وتبرعه للجمعيات الخيرية. ومن هنا يأتي مصدر الخوف على القطاع الثالث من أن يضمر ويتحجم عمله؛ مما سيؤثر سلبًا على العمل التطوعي، وجودة الخدمات المقدمة للمجتمع.

من جانبه يرى م. خالد العثمان فيما يخص المصدر الثالث (الهبات والتبرعات)، فأعتقد أن سبب تقلصها وإحجام رجال الأعمال عن تقديمها يعود لسببين: غياب الشفافية عند بعض الجمعيات، وتخوُّف البعض من ذهاب هذه الأموال إلى جهات مشبوهة. والتاجر الذي يقدم أموالًا لجمعية خيرية يهمه بالدرجة الأولى طُرُق صرفها من قِبل الجمعية حتى يتأكد ويعاود تقديم هبته في السنة القادمة. وهو ما اتفقت معه فيه د. نورة الصويان؛ حيث إن غياب الشفافية وافتقاد الحوكمة لدى بعض الجمعيات والمؤسسات الخيرية من أهم الأسباب لتوقف التبرُّع وتقديم الهبات من بعض رجال الأعمال.

وفي تصوُّر د. حميد الشايجي، فإن هذا جزءًا من المشكلة، وكثير من الجمعيات عالجت هذه الجزئية من خلال متابعة مدقق الحسابات الخارجي المُعيَّن من وزارة العمل والتنمية الاجتماعية. لكن المشكلة الحقيقية تكمن في تقلُّص دخل القطاع الخاص من العوامل التي ذكرها د. أسامه كردي. بالإضافة إلى الضغط على صاحب العمل بتسليم كل زكاته إلى مصلحة الزكاة والدخل، ولم يُسمح له بأن يتصرف بجزء منها، يضعه كيفما أراد؛ ممَّا قلل المال المخصص للصدقات والهبات لديه.

أضاف د. خالد الرديعان بأن هناك شيئًا اسمه الصدقات، وهي تختلف عن الزكاة، حتى غير رجال الأعمال يستطيعون تقديم الصدقات للجمعيات الخيرية. بينما يرى د. حميد الشايجي أنها محدودة جدًّا، وعادة ما تكون من دخول الموظفين، وهذه حجمها قليل في ميزانية الجمعيات الخيرية، أما التاجر الذي دخله بالملايين، وهو الذي يتبرع بشكل أكبر فقد قلَّ عطاؤه الآن، وأنا أتحدث من خلال تجارب واقعية ملموسة، حيث إنني أعمل في العمل الخيري منذ أكثر من ٣٠ عامًا.

وزارة مستقلة للتنمية الاجتماعية:

أشار م. خالد العثمان إلى أن هناك حديثًا شائعًا الآن عن فصل التنمية الاجتماعية في وزارة مستقلة، وتعيين د. تماضر الرماح على رأسها، كأول وزيرة في السعودية. ربما يكون هذا القرار مفتاحًا لتفعيل قضايا التنمية الاجتماعية التي يبدو أنها انضوت وراء أولويات العمل.

علقت د. الجازي الشبيكي بأنها تتمنى أن يكون هذا الخبر صحيحًا؛ لأن كلَّ ما يتعلق بالشؤون الاجتماعية كان يحتاج إلى جهود كبيرة نوعية متخصصة مركزة من الأساس، وحينما تمَّ ضم هذا القطاع مع العمل أصبحت الحاجة مُضاعفة أضعافًا كثيرة، ومن واقع قربي من العديد من الدور والمؤسسات والمراكز التابعة للشؤون الاجتماعية سابقًا، ومن واقع مرئيات وملاحظات عدد من مسؤولات هذا القطاع وموظفاته، أستطيع أن أؤكد أن دمج العمل مع الشؤون الاجتماعية لم يكن في مصلحة الأخيرة بشكل كبير.

وفي رأي د. نورة الصويان، فإنه بناء على التجربة، فمن الصعب الاستمرار في الدمج، فالتحديات التي تواجه كلًّا من العمل والتنمية كبيرة، وتحتاج لمتابعة ورعاية في كلا القطاعين، وعليه اتفق مع فصل القطاعين، والحاجة لاستقطاب متخصصين في المجال الاجتماعي، وأن يتولى قيادة وزارة التنمية عنصر نسائي، فتجارب الدول العربية، والنسب العالمية تعكس مدى مقدرة النساء على الإدارة الفعالة في قطاع التنمية، إضافة للتحديات الكبيرة التي تواجه التنمية فيما يتعلق بالأسرة والحماية الاجتماعية. فضلًا عن أن ذلك يصبُّ في إطار تحقيق أهداف رؤية ٢٠٣٠، بخصوص رفع نسبة مشاركة المرأة في قوة العمل إلى ٣٠٪.

ويرى د. حميد الشايجي أنه يميل إلى قرار الفصل بين وزارة العمل والتنمية الاجتماعية إلى وزارتين مستقلتين، لكي لا تثقل تبِعات إحداهما على الأخرى، خصوصًا مع اختلاف طبيعة عمل كل منهما.

وأقترحُ أن يُضم قطاع السجون إلى وزارة التنمية الاجتماعية، بعد فصله عن العمل، على غرار عمل دار الملاحظة الاجتماعية، ومؤسسة رعاية الفتيات تحت لواء الوزارة، وهما المؤسستان المعنيتان باحتجاز وسجن الأحداث الذكور من ١٠ – ١٨ سنة، والفتيات إلى سن ٣٠ سنة، والداخلية تتعاون مع التنمية الاجتماعية في توفير الحراسات الأمنية والإحالة فقط، وهذا الأمر معمول به في بريطانيا. اتفق معه في ذلك م. خالد الرديعان، وذكر أن ذلك يُعدُّ تجسيدًا حقيقيًّا لفكرة الإصلاحية كمفهوم اجتماعي قبل أن يكون مفهومًا أمنيًّا.

من جانبه يرى د. مساعد المحيا أن صانع القرار أصبح أكثر قناعةً بالدمج؛ لعلاقة كل البرامج الاجتماعية بقطاع العمل.

بينما ذكر د. خالد بن دهيش أنه يتوقع أن هذا الدمج كان نتيجة توصيات المستشار الأجنبي، الذي لا يلمُّ بطبيعة المجتمع السعودي واحتياجاته، ينقل ما عليه مجتمعات أخرى ليُطبق في مجتمعنا.

اللجنة العليا للتنظيم الإداري الذي سبق أن عينها الملك عبد الله برئاسة الأمير سلطان- رحمهما الله- أوصت بفصل العمل عن الشؤون الاجتماعية، وتم ذلك، وعُيِّن الدكتور يوسف العثيمين أول وزير للشؤون الاجتماعية، ثم عُيِّن د. ماجد القصبي قبل ربطها مرة أخرى بالعمل وتعديل المُسمَّى إلى التنمية الاجتماعية. أضاف أ. عبد الله الضويحي بأن أول وزير للشؤون الاجتماعية د.علي النملة، ثم أ.عبد المحسن العكاس، ثم د.يوسف العثيمين، ثم د.ماجد القصبي.

شمولية التنمية الاجتماعية:

أشار م. خالد العثمان إلى أن التنمية الاجتماعية لا تتعلق فقط بالشؤون الاجتماعية والخيرية، وقضايا الفقراء ومَنْ في حكمهم، العمل المدني برمته يقع ضمن اختصاص التنمية الاجتماعية. بالطبع التنمية الاجتماعية مفهوم أكثر شمولًا من الشؤون الاجتماعية.

أضاف د. خالد بن دهيش بأن وزارة العمل لها إسهام في التنمية الاجتماعية، من حيث إيجاد فرص عمل لأفراد المجتمع.

رسملة قطاع التنمية الاجتماعية:

في مداخلته ذكر د. خالد الرديعان: أشرت في تعقيبي أن التنمية الاجتماعية عمومًا ليست قطاعًا ربحيًّا، بل يتم الإنفاق عليه من الدولة. ولإحداث نقلة نوعية في هذا القطاع، فإن ذلك قد يتطلب رسملته من خلال آليات الخصخصة؛ لخلق موارد تنفق عليه، بحكم أن الدولة لن تكون دائمًا قادرة على القيام بالمهمة.

من جانبه أشار م. أسامة الكردي إلى أنه لاحظ أن الأهداف الاستراتيجية تعتمد بشكل شبه كامل على القطاع الخاص والقطاع غير الربحي، وكأنَّ الحكومة تنازلت عن هذا الدور لهما. علقت د. الجازي الشبيكي بأن ذلك أمر ملاحظ، حيث يُعدُّ القطاع الخاص شريكًا أساسيًّا في تحقيق الرؤية، بل محور رؤية المملكة 2030، كما أشار إلى ذلك كثير من المتخصصين والمراقبين، والذين يرون أيضًا أن ذلك سيرفع من جودة الخدمات المقدمة، وكفاءة التشغيل والإدارة؛ لأن الإنفاق الحكومي الذي يتأثر في الوقت الحاضر والمستقبل القريب بتذبذب أسعار النفط لن يكون مطمئنًا للإنفاق على كل تلك البرامج التحولية لتحقيق الرؤية، وهناك توقُّع مستقبلي كبير أن الدور الحكومي المستقبلي سيقتصر على الإدارة والإشراف، وإيجاد الأنظمة والقوانين وحمايتها.

بينما ترى أ. علياء البازعي أنه من واقع عملي في القطاع الخاص المنفذ لمبادرات التحول الوطني، فالتخطيط يأتي من الوزارة، ونحن منفذون.

التنمية الاجتماعية بين الرعاية والتنمية:

ذكرت د. نورة الصويان أنها تتفق مع د. خالد الرديعان فيما أشار إليه من أن أبرز التحديات الثقافة الاجتماعية والنظرة للعمل، وفي رأيي أننا نعاني إشكالية في ثقافة العمل. هذه الإشكالية في ظل التحوُّل لاقتصاد منتج ومتنوع، وذلك سيصاحبه تحوُّل وتطوُّر مواز في مختلف الأنساق الاجتماعية والتعليمية والثقافية، حيث إنه خلال فترة التحوُّل يتم أيضًا بناء قيم اقتصادية واجتماعية، وثقافة عمل وإنتاج جديدة.

كما اتفقت معهما د. مها المنيف في أن أهم التحديات لتطبيق خطة تحوُّل التنمية الاجتماعية بالمملكة هي ثقافة المجتمع السعودي، وتحديات تغيير هذه الثقافة، بالإضافة إلى النقاط التالية التي تتقاطع مع هذه النقطة الأساسية:

أولًا: التحوُّلات الاقتصادية بالمملكة تسير بشكل أسرع بكثير من التحوُّلات الاجتماعية؛ بسبب ثقافة المجتمع من حيث التطوع، والتركيز لسنين كثيرة على الرعاية الاجتماعية عوضًا عن التنمية، وهذا سوف يخلق فجوةً بين التنمية الاقتصادية والتنمية الاجتماعية بصفة عامة.

ثانيًا: برنامج التحوُّل الوطني بمبادراته المهمة للتنمية الاجتماعية طموح جدًّا، وبالنظر إلى القدرات البشرية والمادية والبنية التحتية للوزارة سيكون من الصعب تحقيق هذه المبادرات الطموحة؛ لأنها وزارة كانت ولا زالت معتمدة على الرعاية ودور الرعاية، ولم تعط التنمية حقها.

ثالثًا: بالنظر إلى الأهداف الاستراتيجية لبرنامج التحوُّل الوطني ٢٠٢٠، أرى أن ثلث الأهداف هي من نصيب وزارة العمل والتنمية الاجتماعية، والثلثين مقسمان على جميع الوزارات الأخرى.

هذه الأهداف بها الكثير من المبادرات التي تتقاطع وتكمل بعضها البعض، وهذا ممكن أن يكون في صالح بقاء العمل مع التنمية، خاصة أن العمل من أهم مبادراتها، هو توفير وظائف لأفراد المجتمع، وخاصة المستضعفين. لكن كثرة المبادرات وحجم العمل الكبير على عاتق قطاع التنمية، والفرق الشاسع بين تخصص قطاع الأعمال وتخصص التنمية بين القيادات في الوزارة، يجعلني أميل أكثر إلى انفصال الوزارة إلى وزارتين.

كما أرى أن السبيل لنجاح تطبيق برنامج تحوُّل التنمية الاجتماعية هو أن نبدأ من الصفر، يعني من المراحل الأولى لتربية الطفل، ودعم الوالدين بالبرامج التنموية.

وكذلك يجب أن يكون لدينا شبكة للحماية الاجتماعية social protection network تضمُّ تحتها الضمان، والتأمين، وبرامج التنمية، وبرامج العمل، والتطوُّع، وإدماج ذوي الإعاقة،… إلخ، حتى تكتمل منظومة التنمية الاجتماعية. وأعتقد أن هذا العمل قائمٌ حاليًّا بالتعاون بين ٣ وزارات، هي: وزارة الاقتصاد والتخطيط، ووزارة المالية، ووزارة العمل. وأعتقد أن شبكة الحماية الاجتماعية سوف يحل محل حساب المواطن الذي ركَّز فقط على الوضع الاقتصادي الرعوي للمواطن، ولم يركز على قطاع التنمية.

في هذا السياق، ذهب د. مساعد المحيا إلى أن التنمية الاجتماعية في المملكة ليست وليدة اليوم، والوزارة لديها منذ سنوات الكثير من البرامج الاجتماعية القائمة، والبرامج التي قدمتها الرؤية هي في جملتها دعم لكثير من البرامج القائمة، أو توجيه لها مع مبادرات مجتمعية جديدة. أما ثقافة المجتمع فأميل إلى أن المجتمع السعودي يعدُّ بيت خبرة، من حيث الكفاءات، أو تنوُّع البرامج وتعددها، وفي التعاون والتطوُّع، مع كثير من البرامج والأنشطة التنموية الاجتماعية الواسعة، بل إن الكثير من الأفراد في مجتمعنا يبحثون عن مزيد من البرامج التي تستوعب طاقاتهم، ولا أظنُّ أننا نشتكي نقصًا في المساهمين في البرامج التطوعية والخيرية والتنموية.

بينما تعتقد أ. منى أبو سليمان أننا نحتاج فصلًا ذهنيًّا ما بين شبكات الرعاية الاجتماعية والتنمية الاجتماعية، وهذا يعدُّ أمرًا سهلًا في الوقت الحالي؛ بسبب المعرفة بحساب مواطن، وما هو دخل الأسر المتشابك.

ويأتي دور الدولة لرعاية مَنْ كان به حاجة مستدامة (عجز، يُتم، مرض)… وغيرهم، والتنمية الاجتماعية تأتي شراكة من القطاع الخاص، وتستهدف كلَّ حيّ من المشاكل المعروفة عن طريق البيانات الكبيرة وهيئة الإحصاء.

لذلك أرى أنه لابد من تجميع بيانات جميع الجمعيات الخيرية والمستفيدين منها عن طريق حساب مواطن؛ لمعرفة ماذا يتم من تلبية احتياجات المستفيد؟ ومعرفة أين يذهب للحصول على ما لم يستطع الحصول عليه؟ فإذا استطعنا توظيف البيانات الكبيرة وربطناها بحساب المواطن، وعرفنا احتياج كل أسرة بكل حيّ، وقتها نستطيع تركيز المساعدات وتقييم الأثر.

أيضًا تظهر مشكلة التمويل الكافي وزيادة عدد الجمعيات لنصل للاكتفاء، فنحن نحتاج لمئات من الجمعيات لمساعدة المحتاجين، ولن يقوم القطاع الخيري حتى نرفع كوادره، ونزيد دعمه المالي المستدام، ويصبح التوظيف والعمل به محبوبًا (لكون المرتب مجزيًا، ويوفر التدريب مثل القطاع الخاص).

أضاف د. عبد العزيز الحرقان بأننا عندنا ٧٠٠ جميعة خيرية في كافة مدن المملكة، فهل هذا يكفي؟ وما هو معيار العدد المناسب؟ علقت أ. منى أبو سليمان: أتوقع تقريبًا 1 لكل 5000 شخص، بينما في الهند هناك 1 لكل 600 شخص، وألمانيا عندها 600000 ألف جمعية. لذا فإننا نحتاج جمعيات لتغطية النقص الموجود بالمجتمع (الاحتياجات المادية، الخدمية، التعليمية… إلخ)، كما يجب ألا تكون موجهة للفقراء فقط.

وأضافت د. وفاء الرشيد بأن الأعلى في العالم هي الولايات المتحدة بـ ١.٥ مليون جمعية، ثم الهند فباكستان. ويرى أيضًا د. خالد الرديعان أنه يمكن أن يلحق بكل جامع وفي كل حي جمعية خيرية، بحيث نُوسِّع من وظائف المسجد والقائمين عليه، فهم أعرف بالمحتاجين، كلٌّ في حيِّه.

المسؤولية الاجتماعية لدى القطاع الخاص:

في تصوُّر م. أسامة الكردي، فإن مبدأ المسؤولية الاجتماعية اقترب من أن يكون متجذرًا لدى القطاع الخاص، وما يحتاجه ذلك ليكون متجذرًا تمامًا أن تصدر قوانين حوله يكون هدفها مكافأة الملتزم بهذا المبدأ، مثل: الخصومات الضريبية، أو حرية التصرف بجزء من الزكاة، وكذلك رفع مستوى إدراك القطاع وتفهمه لهذا المبدأ عن طريق التوعية المستمرة.

كما أن هذه التوعية يجب أن تشمل التفريق بين العمل الخيري والتنمية الاجتماعي، ليُخصص لكل منها الجزء المناسب مع الجهد والتمويل، ولكن الوقت الحالي قد لا يكون مساندًا لهذا العمل، بالنظر إلى ما يمرُّ به القطاع الخاص حاليًّا من أحوال اقتصادية لا مجال للحديث عنها. ولعليِّ أضيف من خبرتي العملية السابقة في التعامل مع القطاع الخاص في هذا المجال؛ موضوع عدم رغبة القطاع الخاص في الإعلام عن أعماله في مجال المسؤولية الاجتماعية (حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه).

التنمية الاجتماعية ورؤية 2030:

أشار أ. وليد الحارثي إلى أن لهذه القضية أهمية كبرى لصلتها بمحاور رؤية 2030، فالقطاع الثالث أثبت فاعليته ونجاحه في جُلّ المشروعات التي قدَّمها، ويتمتع باحترافية وقدرة عالية على تحقيق النتائج العالية. وبنظرة سريعة إلى بعض المشروعات المتميزة نجد أنها أوقاف، وعلى سبيل المثال: (جامعة الفيصل، الردسي مول في جدة، مشروعات مؤسسة العنود في الرياض… إلخ).

كما أنه ومع توجهنا نحو الخصخصة، في برامج التحوُّل الوطني، فإن القطاع الثالث سيكون بالتأكيد رافدًا مهمًّا لتلك القطاعات؛ لعنايته الفائقة بجوانب الاحتياج والكفاءة والجودة، وتوفير فرص العمل الجيدة التي تكاد توازي فرص القطاع الخاص، وهذا سيثبته توسُّع هذا القطاع في الاستثمار في المجتمع، وتنميته، وسيكون له أثرٌ مباشرٌ على القطاعات الحكومية أيضًا، وتحقيقها للنتائج.

إلا أنني أرى أن هناك إشكالية تتعلق بثقافة الشركات والقطاعات المختلفة في التحوُّل نحو الأوقاف، والاستثمار في ذلك؛ لأنه يعود بالفائدة الحقيقية على مستوى القطاعات نفسها، وعلى مستوى المجتمع، وعلى مستوى الحكومة من مختلف الجوانب التنموية.

من جانبه يرى م. حسام بحيري أن أهم شيء نحتاجه- وبشكل عاجل- هو تقنين العمل التطوعي ونشره وتطويره ليناسب احتياجاتنا المتعددة؛ لما له من أهمية قصوى في عدد من المجالات الاجتماعية والخيرية.

التوصيات:

١ – لضمان نجاح أي مبادرات لتحقيق أهداف برامج التحوُّل الوطني في قطاع التنمية الاجتماعية، فإنه يجب التركيز على واقع المعطيات والبيانات والمعلومات الدقيقة للمجتمع، والاستفادة من الخبرات والدراسات المحلية جنبًا إلى جنب مع الخبرات الخارجية المتقدمة في مجال تطوير آليات العمل الاجتماعي.

٢- أهمية أن تكون منظمات المجتمع المدني التي ترتكز عليها مبادرات برامج التحوُّل الوطني بمستوى متميز من النواحي: التخطيطية، والإدارية، والتمويلية، وغيرها من متطلبات التميز.

٣ – تطوير التشريعات والإجراءات التنفيذية، ومعالجة التضارُب في التشريعات، لتسهيل إنشاء الجمعيات المتخصصة التي تدعم وتساهم في تحقيق الأولويات التنموية.

٤ – الحاجة لتأسيس مراكز بحثية متخصصة في شؤون الأسرة، لتكون بمثابة مراصد اجتماعية ذات قواعد وبيانات مرجعية دقيقة؛ للمساعدة في تخطيط البحوث، ودراسة الظواهر والمشكلات.

٥ – ‏إعداد وتأهيل الكوادر البشرية المؤهلة ‏المنوط بها مسؤولية تحقيق أهداف استراتيجية التنمية الاجتماعية، من خلال منظومة الخدمات الاجتماعية.

٦ – ‏العمل على تطوير وتحديث وأتمتة أساليب العمل في وزارة العمل والتنمية الاجتماعية، في مجال التنمية الاجتماعية.

٧ – ‏العمل على ‏زيادة القدرة التمويلية المستقبلية لمبادرات قطاع التنمية الاجتماعية.

٨ – ‏تكثيف التوعية والتركيز على تغيير القناعات و‏المعتقدات حول ثقافة العمل لتوطين ‏بعض المهن من خلال برنامج السعودة ‏وغيرها من البرامج، وتجنُّب الاتكال على وظائف الدولة.

٩ – ‏العمل ‏على إحداث وتطوير منظومة من المعلومات والبيانات والدراسات والإحصاءات الدقيقة، لتطوير قطاع التنمية الاجتماعية، لتحقيق أهدافها الاستراتيجية.

١٠ – ‏العمل على تطوير مستوى أداء أغلب الجمعيات الخيرية؛ من حيث التخطيط، والتنفيذ، ومعالجة التداخل ‏في البرامج بين الجمعيات الخيرية ووزارة العمل والتنمية الاجتماعية.

١١ – ‏تطوير التشريعات الاقتصادية التي تسهم في التحوُّل الاجتماعي، وفي تغيير ثقافة المجتمع ‏في الكثير من ‏القضايا ‏دون حدوث آثار سلبية.

١٢ – ‏تطوير وتنظيم وتشجيع العمل التطوعي في نفوس الصغار والشباب، وتهيئتهم للقيام بالأعمال التطوعية بما يناسب عمرهم.

١٣ – ‏العمل على تحسين ‏فعالية وكفاءة ‏الخدمات الاجتماعية في الجمعيات الخيرية، وتخفيف التكاليف المادية لتقديم خدماتها على ‏نطاق أوسع، ‏ودعم وتشجيع الشركات على القيام بمسؤولياتها الاجتماعية.

١٤ – ‏إيجاد مؤشرات لقياس أداء الجهات المعنية ‏بتحقيق أهداف مبادرات الخطة الاستراتيجية لقطاع التنمية الاجتماعية.

١٥ – ‏العمل على مراجعة وتقييم ‏دمج وزارة العمل مع وزارة التنمية الاجتماعية في وزارة واحدة، والرجوع إلى الفصل ‏بين العمل والتنمية الاجتماعية؛ لإنجاح تطبيق برنامج التحوُّل الوطني.

١٦ – ‏العمل على غَرْس قيمة ‏العمل التطوعي والسعودة وتوطين ‏المهن، وقياس الأداء والتقييم المستمر لتحقيق أهداف الاستراتيجية.

١٧- ‏ ‏أهمية استمرار الدعم الحكومي والتحفيز، بجانب دعم القطاع الخاص لبرنامج التنمية الاجتماعية.

١٨ – ‏أهمية ‏إيجاد خطة عاجلة ‏لإنقاذ العمل الخيري والتطوعي.

١٩- ‏وضع التشريعات ‏لمكافأة القطاع الخاص الملتزم بالمسؤولية الاجتماعية، مثل: الرسوم الحكومية، والخصومات والضريبية، وحرية التصرف بجزء من الزكاة؛ لضمان استمرارية العطاء.

٢٠ – ‏العمل على تطبيق ‏المبادرات الثقافية والحوكمة في المؤسسات والجمعيات الخيرية.

٢١ – أن يلحق بكل جامع أو مسجد كبير في الحيّ جمعية خيرية (جمعية لكل حيّ) تتعلق نشاطاتها بسكان الحيّ ولا تتجاوزه.

٢٢ – وضع سياسة للتوظيف في وزارة التنمية الاجتماعية، وتقنين وربط الوظائف بالخبرات المتخصصة لكافة المستويات الوظيفية، حفاظًا على جودة الأداء والمخرجات.

الملخص التنفيذي:

القضية: (أهداف ومبادرات قطاع التنمية في برنامج التحول الوطني في المملكة والتحديات المحتملة).

استعرضت الورقة الرئيسة قضية الأهداف الاستراتيجية لقطاع التنمية، وفي مقدمتها تحسين فعالية وكفاءة الخدمات الاجتماعية، وتمكين الأشخاص ذوي الإعاقة في سوق العمل، مع دعم نمو القطاع غير الربحي. كما أبرزت أهم الالتزامات وفقًا لأهداف الاستراتيجية، وأكثر التحديات المُحتملة التي قد تؤدي إلى إطالة المسار الذي تسعى إليه الاستراتيجية، ومنها: ضعف الكوادر البشرية المؤهلة المنوط بها مسؤولية تحقيق تلك الأهداف، والحاجة إلى بذل جهود كبيرة في تعديل الأنظمة والإجراءات واللوائح لمواكبة تلك النقلة، بالإضافة إلى ضعف واقع مستوى أغلب الجمعيات الخيرية من حيث التخطيط والتنفيذ والإدارة والتمويل، ولن يساعد ذلك في توقُّع المأمول من مساندتها لتلك البرامج والأهداف المطروحة.

وركزت التعقيبات التي جرت على هذه الورقة في أن من أبرز التحديات التي ستواجه خطة التحوُّل الوطني ٢٠٣٠ وتقف أمام تحقيق أهداف الاستراتيجية هي المعوق الاجتماعي الثقافي للمجتمع السعودي، مثل صعوبة توطين بعض المهن من خلال برامج السعودة، وما يتعلق بقضايا المرأة؛ إلا أن العوائق الاجتماعية لا تظهر مباشرة ويصعب رصدها، وهي كذلك شيء خارج سلطة الجهاز الحكومي، ولا يستطيع القيام بالكثير تجاهها طالما هي منغرسة في الثقافة المجتمعية. ما هو متوقع أن التشريعات الاقتصادية هي التي ستُحدث التغيير الاجتماعي، وتدفع به قُدمًا ليحدث التحول المنشود في الجانب الاجتماعي، لكن ذلك لن يكون بدون ثمن.

أشارت التعقيبات أيضًا إلى أن أهداف قطاع التنمية في برنامج التحوُّل الوطني متكاملة مع بعضها البعض داخل القطاع نفسه، كما أنها تتكامل مع أهداف المؤسسات الحكومية الأخرى، وأن تحقيق بعض الأهداف مرتبط بأهداف أخرى، مثل تشجيع العمل التطوعي، فبتحقيق هذا الهدف وغرس العمل التطوعي، وكذلك وضع تنظيم محكم للقيام بالأعمال التطوعية في مختلف القطاعات، سيسهم في تحقيق الهدف المتعلق بتمكين المواطنين من خلال منظومة الخدمة الاجتماعية. أيضًا فإن تحقيق هذا الهدف سيسهم في تحسين فعالية وكفاءة الخدمات الاجتماعية.

وأشارت المداخلات التي جرت على هذه الورقة إلى أن من أهم التحديات لتطبيق خطة تحوُّل التنمية الاجتماعية بالمملكة هي ثقافة المجتمع السعودي، وتحديات تغيير هذه الثقافة، مع التأكيد على أهمية العمل التطوعي في عملية التنمية المجتمعية. كما أنها تعدُّ من أهم القضايا، وهي مفتاح لكل التغييرات الأخرى، وإذا لم يُدار التغيير الاجتماعي الثقافي باحترافية، فإن الانتكاسة قد تكون خطيرة على بقية القطاعات، كما أن عدم التمكن اجتماعيًّا وثقافيًّا من غرس قيمة العمل التطوعي وأهمية السعودة وتوطين المهن، فإن كل التشريعات والأنظمة لن تحل المشكلة. لذلك أكد المناقشون على أهمية قياس الأداء، والنظر في تقييم التجربة؛ لتحقيق كل هدف وتطويرها.

وناقشت المداخلات قرار فصل التنمية عن العمل، وذهب المناقشون إلى اتفاقهم مع قرار الفصل بين وزارة العمل والتنمية الاجتماعية إلى وزارتين مستقلتين، لكي لا تثقل تبِعات إحداهما على الأخرى، خصوصًا مع اختلاف طبيعة عمل كل منهما؛ ولأن كل ما يتعلق بالشؤون الاجتماعية كان يحتاج إلى جهود كبيرة نوعية متخصصة مركزة من الأساس، كما أكد البعض على صعوبة الاستمرار في الدمج، فالتحديات التي تواجه كلًّا من العمل والتنمية كبيرة، وتحتاج لمتابعة ورعاية في كلا القطاعين، وأن صانع القرار أصبح أكثر قناعةً بالدمج لعلاقة كل البرامج الاجتماعية بقطاع العمل، حيث يُعدُّ هذا القرار مفتاحًا لتفعيل قضايا التنمية الاجتماعية التي يبدو أنها انضوت وراء أولويات العمل.

وفي نهاية النقاش، طرح الملتقى عددًا من مخرجات النقاش، أهمها: أن تكون منظمات المجتمع المدني التي ترتكز عليها مبادرات برامج التحوُّل الوطني بمستوى متميز من النواحي: التخطيطية، والإدارية، والتمويلية، وغيرها من متطلبات التميز. وأهمية تطوير التشريعات والإجراءات التنفيذية، ومعالجة التضارُب في التشريعات لتسهيل إنشاء الجمعيات المتخصصة التي تدعم وتساهم في تحقيق الأولويات التنموية. و‏العمل على تطوير وتحديث وأتمتة أساليب العمل في وزارة العمل والتنمية الاجتماعية في مجال التنمية الاجتماعية. و‏العمل على ‏زيادة القدرة التمويلية المستقبلية لمبادرات قطاع التنمية الاجتماعية. ‏وتطوير التشريعات الاقتصادية التي تسهم في التحول الاجتماعي، وفي تغيير ثقافة المجتمع ‏في الكثير من ‏القضايا ‏دون حدوث آثار سلبية. ‏وتطوير وتنظيم وتشجيع العمل التطوعي في نفوس الصغار والشباب، وتهيئتهم للقيام بالأعمال التطوعية بما يناسب عمرهم. وكذلك ‏إيجاد مؤشرات لقياس أداء الجهات المعنية ‏بتحقيق أهداف مبادرات الخطة الاستراتيجية لقطاع التنمية الاجتماعية. بالإضافة إلى العمل على مراجعة وتقييم ‏دمج وزارة العمل مع وزارة التنمية الاجتماعية في وزارة واحدة، والرجوع إلى الفصل ‏بين العمل والتنمية الاجتماعية؛ لإنجاح تطبيق برنامج التحوُّل الوطني.

المشاركون في مناقشات هذا التقرير:

د. إحسان بو حليقة.
م. أسامة الكردي.
د. الجازي الشبيكي (رئيس الهيئة الإشرافية لملتقى أسبار).
د. حامد الشراري.
م. حسام بحيري.
د. حمزة بيت المال.
د. حميد الشايجي.
د. حميد المزروع.
د. خالد الرديعان.
م. خالد العثمان.
د. خالد بن دهيش.
د. راشد العبد الكريم.
د. رياض نجم.
د. ريم الفريان.
د. زياد الدريس.
أ. سمير خميس الزهراني.
د. عائشة الأحمدي.
أ. عبد الرحمن الطريري.
د. عبد الرحمن الهدلق.
أ. عبد الله الضويحي.
د. عبد الله العساف.
د. عبد الله بن صالح الحمود.
د. عبد الله بن ناصر الحمود.
د. عبد العزيز الحرقان.
د. عبير برهمين.
أ. عبير خالد.
أ. علياء البازعي.
أ. فايزة الحربي.
د. فهد اليحيا.
أ. محمد الدندني.
د. محمد الملحم.
د. محمود رمضان (مُعِدّ التقرير).
د. مساعد المحيا.
د. مشاري النعيم.
أ. منى أبو سليمان.
د. مها المنيف.
د. نورة الصويان.
د. نجاح بنت مقبل القرعاوي.
د. نوف الغامدي (رئيس لجنة التقارير).
د. هند الخليفة.
أ. هيا السهلي.
د. وفاء الرشيد.
أ. وليد الحارثي.
د. يوسف الرشيد.
* https://www.bloomberg.com/news/articles/2018-06-24/saudi-women-driving-is-seen-better-for-economy-than-aramco-ipo

* http://www.maaal.com/archives/20170927/97023

* https://www.alarabiya.net/ar/aswaq/economy/2018/06/24/%D8%AA%D8%B9%D8%B1%D9%81-%D8%B9%D9%84%D9%89-10-%D8%A5%D9%8A%D8%AC%D8%A7%D8%A8%D9%8A%D8%A7%D8%AA-%D9%84%D9%82%D9%8A%D8%A7%D8%AF%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%B1%D8%A3%D8%A9-%D8%B9%D9%84%D9%89-%D8%A7%D9%84%D8%A7%D9%82%D8%AA%D8%B5%D8%A7%D8%AF-%D8%A7%D9%84%D8%B3%D8%B9%D9%88%D8%AF%D9%8A.html

*صحيفة سبق، ٢٦ صفر ١٤٣٩: https://mobile.sabq.org/M2fcCr.

Scroll to Top